الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ
(17)
فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (18) فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (19) وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21)
شرح الكلمات:
بما أنعمت علي: بإنعامك علي بمغفرة ذنبي.
فلن أكون ظهيرا للمجرمين: أي معيناً لأهل الإجرام.
خائفا يترقب: ماذا يحدث من خير أو غيره بعد القتل.
استنصره بالأمس: أي طلب نصرته فنصره.
يستصرخه: أي يستغيث به على قبطي آخر.
إنك لغوي مبي: أي لذو غواية وضلال ظاهر.
أن يبطش بالذي هو عدو لهما: أي أن يأخذ الذي هو عدو لموسى والقبطي معاً.
إن تريد إلا أن تكون جباراً: أي ما تريد إلا أن تكون جباراً تضرب وتقتل ولا تبالي بالعواقب.
من المصلحين: أي الذين يصلحون بين الناس إذا اختلفوا أو تخاصموا.
وجاء رجل من أقصى المدينة: أي مؤمن آل فرعون أتى من أبعد نواحي المدينة.
إن الملأ يأتمرون بك: أي يتشاورون ويطلب بعضهم أمر بعض ليقتلوك.
فاخرج إني لك من الناصحين: أي اخرج من هذه البلاد إلى أخرى.
فخرج منها خائفا يترقب: خائف من القتل يترقب ما يحدث له.
معنى الآيات:
لقد تقدم في الآية قبل هذه أن موسى عليه السلام قد قتل قبطيا بطريق الخطأ وأنه اعترف لربه تعالى بخطإه واستغفره، وأن الله تعالى غفر له وأعلمه بذلك بما شاء (1) من وسائط. ولما علم موسى بمغفرة الله تعالى له عاهده بأن لا يكون {ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ} مستقبلاً ومن ذلك أن يعتزل فرعون وملائه لأنهم ظالمون مجرمون فقال:
{رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ} أي بمغفرتك لي خطإي (2) وذلك بالنظر إلى إنعامك علي بالمغفرة أعاهدك أن لا أكون {ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ (3) } هذا ما دلت عليه الآية (17) أي الأولى في هذا السياق وهي قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ} وقوله تعالى: {فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفاً يَتَرَقَّبُ} أي فأصبح موسى في مدينة (منف) عاصمة المملكة الفرعونية {خَائِفاً} مما قد يترتب على قتله القبطي {يَتَرَقَّبُ} الأحداث ماذا تسفر عنه؟ {فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ} وهو الإسرائيلي الذي طلب نصرته أمس {يَسْتَصْرِخُهُ} أي يستغيثه بأعلى صوته فنظر إليه موسى وأقبل عليه ليخلصه قائلاً: {إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ} أي لذو غواية بينة والغواية الفساد في الخلق والدين لأنك أمس قاتلت واليوم تقاتل أيضا. {فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ} أي موسى {بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا} وهو القبطي قال الإسرائيلي {أَتُرِيدُ
1- يرى بعضهم أن موسى لم يعلم بمغفرة الله تعالى له لأنه لم يكن قد نُبِّئ بعد وجعل جملة (فغفر له) معترضة وقوله: (بما أنعمت عليّ) بالهداية والحكمة والعلم لا بالمغفرة لأنه لم يعلم بها. وما في التفسير أظهر وأولى بالسياق.
2-
إن قتل موسى للقبطي كان قطعا خطأ، روى مسلم عن سالم بن عبد الله أنه قال: يا أهل العراق ما أسألكم عن الصغيرة وأركبكم للكبيرة لما سمعت أبي عبد الله بن عمر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الفتنة تجيء من ها هنا وأومأ بيده نحو المشرق – من حيث يطلع قرنا الشيطان وأنتم بعضكم يضرب رقاب بعض، وإنما قتل موسى الذي قتل من آل فرعون خطأ فقال الله عز وجل: (وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا) .
3-
قال ابن عباس: لم يستثن فابتلي من ثاني يوم. هذا إن قلنا: إن كلامه كان خبراً لا دُعاءً إذ الدعاء لا يجوز الاستثناء فيه لا يقال: ارحمني إن شئت.
أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ} أي تضرب وتقبل كما تشاء ولا تخاف عقوبة ذلك {وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ} الذين يصلحون بين المتخاصمين قال الإسرائيلي هذا لأنه جبان خاف من هجمة موسى ظاناً أنه يريده هو لما قدم له من القول {إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ} فلما سمع القبطي ما قال مقاتله الإسرائيلي نقلها إلى القصر وكان من عماله فاجتمع رجال القصر برئاسة فرعون يتداولون القضية وينظرون إلى ظروفها ونتائجها وما يترتب عليها وكان من جملة رجال المؤتمر مؤمن آل فرعون (1)(حزقيل) وكان مؤمنا يكتم إيمانه فأتى موسى سراً ليخبره بما يتم حياله وينصح له بالخروج من البلاد وهو ما جاء في قوله تعالى في الآية (20) من هذا السياق {وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ} من أبعدها فإن قصر الملك كان في طرف المدينة وهي مدينة فرعون (مُنْفُ){يَسْعَى} فمشى بسرعة وجدٍّ وانتهى إلى موسى فقال {يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ} قال تعالى: {فَخَرَجَ مِنْهَا} أي من بلاد فرعون {خَائِفاً يَتَرَقَّبُ} خائفاً من القتل يترقب الطلب وماذا سيحدث له من نجاة أو خلافه ودعا ربه عز وجل قائلا:
{رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} أي من فرعون وملائه أولاً ومن كل ظالم ثانياً.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1-
شكر النعم، فموسى لما غفر الله له شكره بأن تعهد له أن لا يقف إلى جنب مجرم (2) أبداً.
2-
سوء صحبة الأحمق الغوي فإن الإسرائيلي لغوايته وحمقه هو الذي سبب متاعب موسى.
3-
لزوم إبلاغ الدولة عن أهل الفساد والشر في البلاد لحمايتها.
4-
وجوب النصح وبذل النصيحة فمؤمن آل فرعون يعلم سلامة موسى من العيب ومن الجريمة فتعين له أن
ينصح موسى بمغادرة البلاد لينجو إن شاء الله وليس هذا من باب خيانة البلاد والدولة، لأن موسى من أهل الكمال وما حدث عنه كان من باب الخطأ فرفده ومد إليه اليد إنقاذاً من موت متعين.
1- وقيل: اسمه شمعان، وقال الدارقطني: لا يعرف شمعان بالشين إلا مؤمن آل فرعون، قال الثعلبي: كان ابن عم فرعون.
2-
روي عن عطاء، قيل له: إن أخاً لي يأخذ بقلمه وإنما يحسب ما يدخل وما يخرج وله عيال ولو ترك ذلك لاحتاج وأدان فقال: من الرأس؟ قال: خالد بن عبد الله القسري: قال: أما تقرأ ما قال العبد الصالح: (رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيراً للمجرمين) وقال عطاء: فلا يحل لأحد أن يعين ظالما ولا يكتب له ولا يصحبه، وأنه إن فعل شيئاً من ذلك فقد صار معينا للظالمين، وفي الحديث:"ينادي مناد يوم القيامة: أين الظلمة وأشباه الظلمة وأعوان الظلمة حتى من لاق لهم دواة أو برى لهم قلما فيجمعون في تابوت من حديد فيرمى بهم في جهنم" لاق الدواة: أصلحها.