المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

سورة‌ ‌ فاطر مكية وآياتها خمس وأربعون آية بسم الله الرحمن الرحيم الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ - أيسر التفاسير للجزائري - جـ ٤

[أبو بكر الجزائري]

فهرس الكتاب

- ‌ النمل

- ‌(1)

- ‌(6)

- ‌(12)

- ‌(36)

- ‌(41)

- ‌(45)

- ‌(50)

- ‌(54)

- ‌(56)

- ‌(70)

- ‌(76)

- ‌(87)

- ‌(91)

- ‌(17)

- ‌(22)

- ‌(38)

- ‌(44)

- ‌(52)

- ‌(60)

- ‌(68)

- ‌(85)

- ‌ العنكبوت

- ‌(1)

- ‌(19)

- ‌(26)

- ‌(31)

- ‌(38)

- ‌(41)

- ‌(46)

- ‌(50)

- ‌(56)

- ‌(61)

- ‌(65)

- ‌ الروم

- ‌(1)

- ‌(11)

- ‌(26)

- ‌(30)

- ‌(33)

- ‌(41)

- ‌(46)

- ‌(48)

- ‌(58)

- ‌ لقمان

- ‌(1)

- ‌(6)

- ‌(12)

- ‌(16)

- ‌(20)

- ‌(22)

- ‌(27)

- ‌(29)

- ‌(33)

- ‌ السجدة

- ‌(1)

- ‌(12)

- ‌(15)

- ‌(23)

- ‌(1)

- ‌(6)

- ‌(26)

- ‌(31)

- ‌(35)

- ‌(49)

- ‌(50)

- ‌(51)

- ‌(56)

- ‌(60)

- ‌(63)

- ‌ سبأ

- ‌(1)

- ‌3

- ‌(7)

- ‌(20)

- ‌(24)

- ‌(40)

- ‌(43)

- ‌ فاطر

- ‌(1)

- ‌(12)

- ‌(15)

- ‌(19)

- ‌(28)

- ‌(31)

- ‌(36)

- ‌(40)

- ‌(1

- ‌يس:

- ‌(13)

- ‌(20)

- ‌(28)

- ‌(33)

- ‌(37)

- ‌(47)

- ‌(55)

- ‌ الصافات

- ‌(1)

- ‌(22)

- ‌(31)

- ‌(38)

- ‌(62)

- ‌(75)

- ‌(83)

- ‌(133)

- ‌(139)

- ‌(161)

- ‌(171)

- ‌ ص

- ‌(1)

- ‌(12)

- ‌(34)

- ‌(55)

- ‌(65)

- ‌ الزمر

- ‌(1)

- ‌(5)

- ‌(8)

- ‌(21)

- ‌(24)

- ‌(32)

- ‌(36)

- ‌(60)

- ‌(67)

- ‌غافر

- ‌(18)

- ‌(21)

- ‌(28)

- ‌(41)

- ‌(47)

- ‌(53)

- ‌(64)

- ‌(69)

- ‌(77)

- ‌(82)

- ‌ فصلت

- ‌(1)

- ‌(6)

- ‌(9)

- ‌(13)

- ‌(25)

- ‌(33)

- ‌(37)

- ‌(40)

- ‌(47)

- ‌(49)

- ‌(52)

- ‌ الشورى

- ‌(1)

- ‌(7)

- ‌(10)

- ‌(15)

- ‌(27)

- ‌(32)

- ‌(42)

- ‌ الزخرف

- ‌(1)

- ‌(9)

- ‌(15)

- ‌(36)

- ‌(41)

- ‌(57)

- ‌(63)

- ‌(67)

- ‌(74)

- ‌(86)

الفصل: سورة‌ ‌ فاطر مكية وآياتها خمس وأربعون آية بسم الله الرحمن الرحيم الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ

سورة‌

‌ فاطر

مكية

وآياتها خمس وأربعون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ‌

(1)

مَا يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (3)

شرح الكلمات:

الحمد لله: أي قولوا الحمد لله فإنه واجب الحمد ومقتضى الحمد ما ذكر بعد.

فاطر السموات والأرض: أي خالقهما على غير مثال سابق.

جاعل الملائكة رسلا: أي جعل منهم رسلا إلى الأنبياء كجبريل عليه السلام.

أولي أجنحة: أي ذوي أجنحة جمع جناح كجناح الطير.

يزيد في الخلق ما يشاء: أي يزيد على الثلاثة ما يشاء فإن لجبريل ستمائة جناح.

وما يمسك: أي الله من الرحمة فلا أحد يرسلها غيره سبحانه وتعالى.

وهو العزيز الحكيم: أي الغالب على أمره الحكيم في تدبيره وصنعه.

اذكروا نعمة الله عليكم: أي اذكروا نعمه تعالى عليكم في خلقكم ورزقكم وتأمينكم في حرمكم.

هل من خالق غير الله: أي لا خالق لكم غير الله ولا رازق لكم يرزقكم.

من السماء والأرض: أي بإنزال المطر من السماء وإنبات الزروع في الأرض.

ص: 335

لا إله إلا هو: أي لا معبود بحق إلا هو إذاً فاعبدوه ووحدوه.

فأنى تؤفكون: أي كيف تصرفون عن توحيده مع اعترافكم بأنه وحده الخالق الرازق.

معنى الآيات:

قوله تعالى {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ (1) السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أي الشكر الكامل والحمد التام لله استحقاقاً، والكلام خرج مخرج الخبر ومعناه الإنشاء أي قولوا الحمد لله. واشكروه كما هو أيضاً إخبار منه تعالى بأن الحمد له ولا مستحقه غيره ومقتضى حمده فطره السموات والأرض أي خلقه لهما على غير مثال سابق ولا نموذج حاكاه في خلقهما. وجعله الملائكة (2) رسلاً إلى الأنبياء وإلى من يشاء من عباده بالإلهام والرؤيا الصالحة. وقوله {أُولِي أَجْنِحَةٍ} صفة للملائكة أي أصحاب أجنحة مثنى أي اثنين اثنين، وثلاث أي ثلاثة ثلاثة، ورباع أي أربعة أربعة. وقوله {يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ} أي خلق الأجنحة ما يشاء فقد خلق لجبريل عليه السلام ستمائة جناح كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحاح ويزيد في خلق (3) ما يشاء من مخلوقاته وهو على كل شيء قدير.

وقوله تعالى {مَا يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ (4) فَلا مُمْسِكَ لَهَا} يخبر تعالى أن مفاتيح كل شيء بيده فما يفتح للناس من أرزاق وخيرات وبركات لا يمكن لأحد من خلقه أن يمسكها دونه وما يمسك من ذلك فلا يستطيع أحد من خلقه أن يرسله، وهو وحده العزيز الغالب على أمره ومراده فلا مانع لما أعطى ولا راد لما قضى الحكيم في صنعه وتدبير خلقه. وقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ} هذا نداؤه تعالى لأهل مكة من قريش يأمرهم (5) بعده بأن يذكروا نعمه تعالى عليهم حيث خلقهم ووسع أرزاقهم وجعل لهم حرماً آمنا والناس يتخطفون من

1 - يصح في فاطر الجر على النعت والرفع على القطع أي هو فاطر والنصب على المدح أي أمدح فاطر، والفطر: الشق يقال فطرته فانفطر وتفطر، وفطر ناب البعير إذا شق اللحم وطلع، والفاطر: الخالق، قال ابن عباس كنت لا أدري ما "فاطر السموات والأرض" حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما أنا فطرتها أي أنا ابتدأتها والمراد بالسموات والأرض العالم كله.

2 -

المراد بالملائكة جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزائيل "وملك الموت" وما شاء الله.

3 -

جائز أن يكون في ملاحة العين والحسن في الأنف والحلاوة في الفم، وفي الصوت الحسن والشعر الحسن والحظ الحسن كل هذا مذكور وداخل في العبارة فإنها عامة.

4 -

لفظ الرحمة نكرة دال على الكثرة والشيوع فهو يتناول كل ما هو رحمة من النبوة والعلم إلى المطر والرزق إلى النصر والفوز.

5 -

أي بعد أن ناداهم أمرهم بأن يذكروا نعمه عليهم إذ نداء المأمور يلفت نظره ويحضر حواسه لاستقبال ما يلقى إليه ويؤمر به أو يحذر منه.

ص: 336

حولهم خائفون يأمرهم بذكر نعمه لأنهم إذا ذكروها شكروها بالإيمان به وتوحيده. وقوله {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} والجواب لا أحد إذ لا خالق إلا هو ولا رازق سواه فهو الذي خلقهم ومن السماء والأرض رزقهم. السماء تمطر والأرض تنبت بأمره. إذاً فلا إله إلا هو أي لا معبود بحق إلا هو فكيف تصرفون عن الحق بعد معرفته إن حالكم لعجب.

هذا ما دل عليه قوله تعالى {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ (1) اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} .

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1-

وجوب حمد الله تعالى وشكره على إنعامه.

2-

تقرير الرسالة والنبوة لمحمد صلى الله عليه وسلم بإخباره أنه جاعل الملائكة رسلاً.

3-

وجوب اللجوء إلى الله تعالى في طلب الخير ودفع الضر فإنه بيده خزائن كل شيء.

4-

وجوب ذكر النعم ليكون ذلك حافزاً على شكرها بطاعة الله ورسوله.

5-

تقرير التوحيد بالأدلة العقلية التي لا ترد.

6-

العجب من حال المشركين يقرون بانفراد الله تعالى بخلقهم ورزقهم ويعبدون معه غيره.

وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (4) يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ (5) إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6) الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (7)

1 - قرئ غير الله بالجر وقرأ الجمهور بالرفع على محل خالق المرفوع محلاً في الآية دليل على أن الخير والشر كلاهما من خلق الله تعالى.

ص: 337

شرح الكلمات:

وإن يكذبوك: أي يا رسولنا فيما جئت به من التوحيد وعقيدة البعث والجزاء ولم يؤمنوا بك.

فقد كذبت رسل من قبلك: أي فلست وحدك كذبت إذاً فلا تأس ولا تحزن واصبر كما صبر مَن قبلك.

وإلى الله ترجع الأمور: وسوف يجزي المكذبين بتكذيبهم والصابرين بصبرهم.

ولا يغرنكم بالله الغرور: أي ولا يغرنكم بالله أي في حلمه وإمهاله الغرور أي الشيطان.

فاتخذوه عدواً: أي فلا تطيعوه ولا تقبلوا ما يغركم به وأطيعوا ربكم عز وجل.

إنما يدعوا حزبه: أي أتباعه في الباطل والكفر والشر والفساد.

ليكونوا من أصحاب السعير: أي ليؤول أمرهم إلى أن يكونوا من أصحاب النار المستعرة.

لهم مغفرة وأجر كبير: أي لهم مغفرة لذنوبهم وأجر كبير في الجنة وذلك لإيمانهم وعملهم الصالحات.

معنى الآيات:

لما أقام تعالى الحجة على المشركين في الآيات السابقة قال لرسوله صلى الله عليه وسلم {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ (1) } بعدما أقمت عليهم الحجة فلست وحدك المكذَّب فقد كذبت قبلك رسل كثيرون جاءوا أقوامهم بالبينات والزبر وصبروا إذاً فاصبر كما صبروا {وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ (2) الْأُمُورُ} وسوف يقضي بينك وبينهم بالحق فينصرك في الدنيا ويخذلهم، ويرحمك في الآخرة ويعذبهم.

وقوله {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ} أي يا أهل مكة وكل مغرور من الناس بالحياة الدنيا اعلموا أن وعد الله بالبعث والجزاء حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا بطول أعماركم وصحة أبدانكم وسعة أرزاقكم، فإن ذلك زائل عنكم لا محالة {وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ} أي حلمه وإمهاله {الْغَرُورُ (3) } وهو الشيطان حيث يتخذ من حلم الله تعالى عليكم وإمهاله لكم طريقا إلى إغوائكم وإفسادكم بما يحملكم عليه من تأخير التوبة والإصرار على المعاصي، والاستمرار عليها {إِنَّ الشَّيْطَانَ

1 - في هذه الآية تعزية الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم وتسليته له بالتأسي بمن قبله من الرسل وتكذيب أممهم لهم.

2 -

قرأ الجمهور ترجع بضم التاء وقرأ بعض بفتحها والكل صحيح ومآل المعنى واحد.

3 -

الغرور بالضم مصدر غره يغره غرورا، وبالفتح الشيطان وهو المراد هنا وصيغته من صيغ المبالغة "فعول" إذ هو كثير الغرور يأتيهم من حيث حلم الله وإمهاله فيصرفهم عن الحق مغرراً إياهم بأنهم لو كانوا على باطل لأهلكوا كما أهلك الذين من قبلهم، ويسوّف آخرين بحلم الله فيصرفهم عن التوبة.

ص: 338

لَكُمْ عَدُوٌّ (1) } بالغ العداوة ظاهرها فاتخذوه أنتم عدواً كذلك فلا تطيعوه ولا تستجيبوا لندائه، {إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ} أي أتباعه {لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} أي النار المستعرة، إنه يريد أن تكونوا معه في الجحيم. إذ هو محكوم عليه بها أزلاً وقوله تعالى:{الَّذِينَ كَفَرُوا (2) لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} أي في الآخرة، والذين آمنوا وعملوا الصالحات {لَهُمْ مَغْفِرَةٌ} أي لذنوبهم {وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} هو الجنة وما فيها من النعيم المقيم. هذا حكم الله في عباده وقراره فيهم: وهم فريقان مؤمن صالح وكافر فاسد ولكل جزاء عادل.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1-

تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم ويدخل فيها كل دعاة الحق إذا كذّبوا وأوذوا فعليهم أن يصبروا.

2-

تقرير البعث والجزاء المتضمن له وعد الله الحق.

3-

التحذير من الاغترار بالدنيا أي من طول العمر وسعة الرزق سلامة البدن.

4-

التحذير من الشيطان ووجوب الاعتراف بعداوته، ومعاملته معاملة العدو فلا يقبل كلامه ولا يستجاب لندائه ولا يخدع بتزيينه للقبيح والشر.

5-

بيان جزاء أولياء الرحمن أعداء الشيطان، وجزاء أعداء الرحمن أولياء الشيطان.

أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8) وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ (9) مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً

1 - يكفي في إثبات عداوته أنه أخرج أبوينا من الجنة، وأنه تعهد بإضلالهم وإغوائهم كقوله لأغوينهم أجمعين وقوله ولأضلنهم ولأمنينهم.

2 -

الذين كفروا: الجملة مستأنفة بيانياً لأنه بعد التحذير من طاعة الشيطان يلوح في الأذهان سؤال: ما جزاء من أطاع الشيطان وما جزاء من عصاه؟ فالجواب الذين كفروا لهم عذاب شديد والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير ويرى بعضهم أنها ابتدائية ذكرت فذلكة لما تقدم من الكلام.

ص: 339

إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ (10) وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (11)

شرح الكلمات:

أفمن زين له سوء عمله: أي قبيح عمله من الشرك والمعاصي.

فرآه حسنا: أي رآه حسناً زيناً لا قبح فيه.

فلا تذهب نفسك عليهم: أي على أولئك الذين زين لهم الشيطان قبيح أعمالهم.

حسرات: أي لا تهلك نفسك بالتحسر عليهم لكفرهم.

إن الله عليم بما يصنعون: وسيجزيهم بصنيعهم الباطل.

فتثير سحاباً: أي تزعجه وتحركه بشدة فيجتمع ويسير.

فسقناه إلى بلد ميت: أي لا نبات فيه.

فأحيينا به الأرض: أي بالنبات والعشب والكلأ والزرع.

كذلك النشور: أي البعث والحياة الثانية.

فلله العزة جميعا: أي فليطلب العزة بطاعة الله فإنها لا تنال إلا بذلك.

إليه يصعد الكلم الطيب: أي إلى الله تعالى يصعد الكلم الطيب وهو سبحان الله والحمد لله والله أكبر.

والعمل الصالح يرفعه: أي أداء الفرائض وفعل النوافل يرفع إلى الله الكلم الطيب.

يمكرون السيئات: أي يعملونها ويكسبونها.

مكر أولئك هو يبور: أي عملهم هو الذي يفسد ويبطل.

خلقكم من تراب: أي أصلكم وهو آدم.

ثم من نطفة: أي من ماء الرجل وماء المرأة وذلك كل ذرّية آدم.

ص: 340

ثم جعلكم أزواجاً: أي ذكراً وأنثى.

وما تحمل من أنثى: أي ما تحمل من جنين ولا تضعه إلا بإذنه.

وما يعمر من معمر: أي وما يطول من عمر ذي عمر طويل إلا في كتاب.

ولا ينقص من عمره: أي بأن يجعل أقل وأقصر من العمر الطويل إلا في كتاب.

معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في تقوية روح الرسول صلى الله عليه وسلم والشد من عزمه أمام تقلبات المشركين وعنادهم ومكرهم فقال تعالى: {أَفَمَنْ (1) زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً (2) } أي أفمن زين له الشيطان ونفسه وهواه قبيح عمله وهو الشرك والمعاصي فرآه حسنا كمن هداه الله فهو على نور من ربه يرى الحسنة حسنة والسيئة سيئة والجواب: لا، لا. وقوله تعالى:{فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} يضل بعدله وحسب سنته في الإضلال من يشاء من عباده، ويهدي بفضله من يشاء هدايته إذاً فلا تذهب (3) نفسك أيها الرسول على عدم هدايتهم حسرات فتهلك نفسك تحسّراً على عدم هدايتهم. وقوله {إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} فلذا لا داعي إلى الحزن والغمّ ما دام الله تعالى وهو ربهم قد أحصى أعمالهم وسيجزيهم بها وقوله تعالى {وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً} أي تزعجه وتحركه. {فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ} (4) أي لا نبات ولا زرع به {فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ} أي كما أن الله تعالى ينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها كذلك يحيى الموتى إذ بعد فناء العالم ينزل الله تعالى من تحت العرش ماء فينبت الإنسان من عظم يقال له عجُبُ الذَنَّب فيتم خلقه، ثم يرسل الله تعالى الأرواح فتدخل كل روح في جسدها فلا تخطئ روح جسدها. هكذا كما تتم عملية إحياء الأرض بالنبات تتم عملية إحياء الأموات ويساقون إلى المحشر ويجزى كل نفس بما كسبت والله سريع الحساب.

1 - الهمزة للاستفهام الإنكاري والفاء للتفريع فالجملة متفرعة عما سبقها من قوله تعالى {إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير} والمزين الشيطان والمزين له سوء عمله (من) الموصولية وهي من ألفاظ العموم تتناول من قيل إن الآية نزلت فيه وهو أبو جهل ثم هي صادقة على كل من زين له الشيطان الشرك والشر والفساد فرآها حسنة، (ومن) مبتدأ والخبر محذوف قد يقدر فلا تذهب نفسك عليهم حسرات وقد يقدر كمن هداه الله كما في التفسير وقد يقدر بغير ما ذكر.

2 -

ذكر القرطبي لأهل العلم أقوالا فيمن زين له سوء عمله وفي عمله الذي زين له قيل إنهم اليهود والنصارى والمجوس، وسوء عمله معاداة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقيل إنهم الخوارج وسوء عمله تحريف التأويل وقيل الشيطان وعمله الإغراء وقيل كفار قريش وهو الظاهر.

3 -

قرأ الجمهور فلا تذهب نفسك بفتح التاء ورفع السين من نفسك وقرئ بضم التاء ونصب نفسك على أنها مفعول به.

4 -

الراجح من الأقوال لغة أن ميت مشددة وميت مخفف لا فرق بينهما وشاهده قول الشاعر:

ليس من مات واستراح بميت

إنما الميت ميت الأحياء.

ص: 341

وقوله تعالى {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً} فليطلبها من الله تعالى بطاعته وطاعة رسوله فإن العزة لله جميعا فالعزيز من أعزه الله والذليل من أذله، إنهم كانوا يطلبون العزة بالأصنام فاعلموا أن من يريد العزة فليطلبها من مالكها أما الذي لا يملك العزة فكيف يعطيها لغيره إن فاقد الشيء لا يعطيه. وقوله {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} أي إلى الله يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه إلى الله تعالى فإذا كان قول بدون عمل فإنه لا يرفع إلى الله تعالى ولا يثيب عليه، وقد ندد الله تعالى بالذين يقولون ولا يعملون فقال {كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} . وقوله {وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ} أي يعملونها وهي الشرك والمعاصي {لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} هذا جزاؤهم، {وَمَكْرُ (1) أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ} أي ومكر الذين يعملون السيئات {هو يبور} أي يفسد ويبطل.

وقوله تعالى {وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ} أي خلق أصلنا من تراب وهو آدم، ثم خلقنا نحن ذريتة من نطفة وهي ماء الرجل وماء المرأة، {ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً} أي ذكراً وأنثى. هذه مظاهر القدرة الإلهية الموجبة لعبادته وتوحيده والمقتضية للبعث والجزاء، وقوله {وَمَا تَحْمِلُ (2) مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ} أي يزاد في عمره، ولا ينقص من عمره فلا يزاد فيه إلا في كتاب وهو كتاب المقادير. هذا مظهر من مظاهر العلم، وبالعلم والقدرة هو قادر على إحياء الموتى وبعث الناس للحساب والجزاء. ولذا قال تعالى {إِنَّ ذَلِكَ} أي المذكور من الخلق والتدبير ووجوده في كتاب المقادير على الله يسير أي سهل لا صعوبة فيه.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1-

التحذير من اتباع الهوى والاستجابة للشيطان فإن ذلك يؤدي بالعبد إلى أن يصبح يرى الأعمال القبيحة حسنة ويومها يحرم هداية الله فلا يهتدي أبداً وهذا ينتج عن الإدمان على المعاصي والذنوب.

2-

عملية إحياء الأرض بعد موتها دليل واضح على بعث الناس أحياء بعد موتهم.

1 - المكر: تدبير إلحاق الضرر بالغير في خفية. والمراد هنا أن الذين يمكرون بالرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين مكرهم يذهب سدى ولا يفلحون فيه كما أن الآية تشير إلى أن كل من يمكر مكر السوء فإن عاقبة مكره تعود عليه وبالاً وخسراناً كقوله تعالى ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله.

2 -

فما يكون حمل ولا وضع أي ولادة إلا بعلمه، فلا يخرج شيء عن تدبيره وحكمته وما يعمر سماه معمراً باعتبار ما هو صائر إليه وفي الحديث الصحيح:"من أحب أن يسط له في رزقه وينسأ له في أثره أي أجله فليصل رحمه. "

ص: 342