الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ
(47)
وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (48) مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (49) فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (50) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51) قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52) إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (53) فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (54)
شرح الكلمات:
وإذا قيل لهم أنفقوا: أي وإذا قال فقراء المؤمنين في مكة للأغنياء الكافرين أنفقوا علينا.
مما رزقكم الله: أي من المال.
أنطعم من لو يشاء الله أطعمه: أي قالوا للمؤمنين استهزاءً بهم أنطعم من لو يشاء الله أطعمه.
إن أنتم إلا في ضلال مبين: أي ما أنتم أيها الفقراء إلا في ضلال مبين في اعتقادكم الذي أنتم عليه.
متى هذا الوعد: أي البعث الآخر إن كنتم صادقين فيه.
ما ينظرون إلا صيحة واحدة: أي ما ينتظرون إلا صيحة واحدة وهي نفخة إسرافيل.
تأخذهم وهم يخصمون: أي تأخذهم الصيحة وهم يتخاصمون في البيع والشراء والأكل
والشرب إذ تأتيهم بغتة وهم لا يشعرون.
فلا يستطيعون توصية: أي فلا يقدر أحدهم أن يوصي وصيّة.
ولا إلى أهلهم يرجعون: بل يهلكون في أماكنهم من الأسواق والمزارع والمصانع أو المقاهي والملاهي.
فإذا هم من الأجداث: أي القبور إلى ربهم ينسلون أي يخرجون بسرعة.
قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا: أي قال الكفار: من بعثنا من قبورنا؟
هذا ما وعد الرحمن: أي هذا ما وعد به الرحمن وصدق المرسلون أي فيما أخبروا به.
معنى الآيات:
قوله تعالى {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ (1) } أي وإذا قيل لأولئك المشركين المكذبين الملاحدة والقائل هم المؤمنون فقد روي أن أبا بكر الصديق كان يطعم مساكين المسلمين فلقيه أبو جهل فقال يا أبا بكر أتزعم أن الله قادر على إطعام هؤلاء؟ قال: نعم. قال: فما باله لا يطعمهم؟ قال ابتلى قوماً بالفقر وقوماً بالغنى وأمر الفقراء بالصبر، وأمر الأغنياء بالإعطاء، فقال أبو جهل، والله يا أبا بكر إن أنت إلا في ضلال مبين. أتزعم أن الله قادر على إطعام هؤلاء، وهو لا يطعمهم ثم تطعمهم أنت فنزلت هذه الآية وبهذه الرواية اتضح معنى الآية الكريمة {وإذا قيل لهم} أي للكفار {أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ} على المساكين {قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا} الآمرين لهم بالإنفاق {أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ} قالوا هذا استهزاءً وكفراً {إِنْ أَنْتُمْ} أي ما أنتم أيها المسلمون {إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} أي إلا في ذهاب عن الحق وجور عن الرشد مبين لمن تأمله وتدبّر فيه.
وقوله {وَيَقُولُونَ مَتَى (2) هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} أي ويقول أولئك الملاحدة المكذبون بالبعث استهزاء واستعجالاً: متى هذا الوعد الذي تعدوننا به أيها المسلمون إن كنتم صادقين في دعواكم.
1 - اختلف في من هذه قولته؟ وما في التفسير وأنها قولة أبي جهل لأبي بكر أرجحها وأقربها إلى واقع الحال وألصق بالسياق ولا مانع أن يقولها الزنادقة والملاحدة والمستهزئون في كل زمان ومكان.
2 -
الاستفهام للاستبعاد وهو مشوب بالسخرية والاستخفاف لأنه ناجم عن قلوب مظلمة من جراء الكفر والإلحاد قال الشاعر:
متى يأت هذا الموت لا يلف حاجة
لنفس إلا قد قضيت قضاءها.
والشاهد في الاستخفاف.
قال تعالى {مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً} وهي نفخة إسرافيل في الصور وهي نفخة الفناء {تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (1) } أي يختصمون في أسواقهم يبيعون ويشترون، وفي مجالسهم العامة والخاصة إذ تأتيهم بغتة وهم لا يشعرون قال تعالى {فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً} يوصي بها أحدهم لابنه أو أخيه، ولا إلى أهلهم أي منازلهم وأزواجهم وأولادهم يرجعون بل يصعقون في أماكنهم. وقوله تعالى {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} أي صور إسرفيل وهو قرن ويقال له البوق أيضاً نفخة البعث من القبور أحياء فإذا هم من الأجداث جمع جدث وهو القبر ينسلون (2) أي ماشين مسرعين إلى ربهم لفصل القضاء والحكم بينهم فيما اختلفوا فيه في هذه الحياة الدنيا من إيمان وكفر وإحسان وإساءة وعدل وظلم. قالوا يا ويلنا أي نادوا ويلهم وهلاكهم لما شاهدوا من أهوال الموقف {مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا (3) } وأجابهم المؤمنون بقولهم {هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} إذ وعدنا الله بلقائه وأخبرنا الرسل به وبتفاصيله وقوله تعالى {إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} أي ما هي إلا صحية واحدة لإسرافيل فإذا الكل واقف بين يدي الله تعالى ليحاسب ويجزي قال تعالى {فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً} أي في هذا اليوم الذي وقفت الخليقة فيه بين يدي ربها لا تظلم نفس شيئا لا بنقص حسنة من حسناتها ولا بزيادة سيئة على سيئاتها. ولا تجزون أيها العباد إلا ما كنتم تعملون من خير وشر.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1-
بيان علو الكافرين وطغيانهم وسخريتهم واستهزائهم، وذلك لظلمة الكفر على قلوبهم.
2-
تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر مبادئها ونهاياتها.
3-
الساعة لا تأتي إلا بغتة.
4-
الانقلاب الكوني الذي يحدث لعظمه اختلفت آراء أهل العلم في تحديد النفخات فيه
1 - يخصمون بمعنى يختصمون في أمور دنياهم فيموتون في أماكنهم وقد أدغمت التاء في الصاد فنتج عن ذلك قراءات أشهرها قراءة نافع يخصّمون بفتح الخاء وكسر الصاد مشددة وقرأ حفص يخصّمون بكسر الخاء والصاد المشددة وقرأ قالون يخصمون بسكون الخاء مع الاختلاس.
2 -
قال ابن عباس وقتادة ينسلون يخرجون ومنه قول امرؤ القيس "فسلي ثيابي من ثيابك تنسلي" ومنه قيل للولد نسل لأنه يخرج من بطن أمه وقيل يسرعون، والنسلان والقسلان الإسراع في السير ومنه مشية الذئب قال:
عسلان الذئب أمسى قارباً
برد الليل عليه فنسل
3 -
جائز أن يكون هذا ما وعد الرحمن الخ من كلامهم لما يجدون أنفسهم واقفين أحياء قد خرجوا من قبورهم صرّحوا بالحقيقة التي كانوا يكذبون بها فاعترفوا قائلين: هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون، وجائز أن يقال لهم كما في التفسير، فإن قلنا بالقول الأول لا يصح الوقف على من مرقدنا، وإن قلنا بالقول المثبت في التفسير صح الوقف ويصبح هذا ما وعد الرحمن كلاماً مستأنفاً.