الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والظاهر أنها أربع الأولى نفخة الفناء والثانية نفخة البعث والثالثة نفخة الفزع (1) والصعق والرابعة نفخة القيام بين يدي رب العالمين.
5-
تقرير العدل الإلهي يوم الحساب والجزاء ليطمئن كل عامل على أنه يجزى بعمله لا غير.
إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ
(55)
هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56) لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (57) سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58)
شرح الكلمات:
في شغل فاكهون: أي أهل الجنة في شغل عما فيه أهل النار من عذاب وشقاء. وشغلهم الشاغل لهم هو النعيم المقيم في دار السلام.
فاكهون: أي ناعمون بالتلذذ بالنعم وذلك لطيب العيش.
على الأرائك: أي الأسِرة ذات الحجلة.
ولهم ما يدعون: أي ما يتمنون ويطلبون.
سلام قولاً من رب رحيم: أي سلام بالقول من رب رحيم أي يسلم عليهم ربهم سبحانه وتعالى.
معنى الآيات:
ما إن حضروا بين يدي الله سبحانه وتعالى للحساب والجزاء حتى أعلن عما يلي: إن أصحاب الجنة اليوم (2) في شغل فاكهون (3) اي إنهم في شغل عما فيه أصحاب النار إنهم في شغل بالنعيم المقيم فاكهون أي ناعمون ناعمون بالتلذذ بألوان المطاعم والمشارب والحور العين إنهم وأزواجهم في ظلال الجنة على الأرائك (4) أي الأسرة ذات الحجلة متكئون. لهم فيها أي في دار السلام فاكهة
1 - هذه النفخة مختلف فيها ودليلها حديث البخاري إذ فيه يقول الرسول صلى الله عليه وسلم "فأكون أول من يفيق فإذا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش ولا أدري أرفع رأسه قبل أو كان ممن استثنى الله تعالى".
2-
قال ابن مسعود وابن عباس وقتادة ومجاهد: شغلهم افتضاض العذارى وقيل شغلهم زيارة بعضهم بعضاً، والشغل بضم الشين وسكون الغين ويجوز ضم الغين مع الشين.
3-
فاكهون بالألف وفكهون بدونه كفرحين لغتان وفسر بفرحين ومعجبين وبمسرورين والكل صحيح إذ هو من جملة النعيم الذي هم فيه.
4 -
الأرائك جمع أريكة كسفينة وسفائن قال الشاعر:
كأن احمرار الورد فوق غصونه
بوقت الضحى في روضه المتضاحك
خدود عذارى قد خجلن من الحياء
تهادين بالريحان فوق الأرائك
من كل زوج ولون ونوع ولهم ما يدعون أي ما يتمنون ويطلبون، وأعظم من ذاك سلام الربّ تعالى عليهم (1) سلام قولاً من رب رحيم أي سلام من الله بالقول لا بغيره من أنواع السلامة والسلام. فقد روى البغوي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بينما أهل الجنة في نعيمهم إذ يسطع لهم نور فرفعوا رؤوسهم فإذا الرب عز وجل قد أشرف عليهم من فوقهم السلام عليكم يا أهل الجنة. فذلك قوله تعالى {سلام قولا من رب رحيم} فينظرون إليه فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه حتى يحتجب عنهم فيبقى نوره وبركته عليهم في ديارهم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1-
تقرير المعاد.
2-
بيان نعيم الجنة.
3-
سلام الله تعالى على أهل الجنة ونظرهم إلى وجهه الكريم.
وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59) أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلّاً كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (63) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (64) الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65) وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (66) وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ
1 - استئناف قطع من أن يعطف على ما قبله للاهتمام بمضمونه وسلام مرفوع بالابتداء وهو نكرة وتنكيره للتعظيم ولذا صح الابتداء به وحذف الخبر لدلالة المصدر وهو قولاً عليه، والتقدير سلام يقال لهم قولاً من الله تعالى، ومن ابتدائية، وتنوين رب للتعظيم.
عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيّاً وَلا يَرْجِعُونَ (67) وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ (68)
شرح الكلمات:
وامتازوا اليوم أيها المجرمون: أي انفردوا عن المؤمنين وانحازوا على جهة وسيروا أيها الصالحون إلى الجنة.
ألم أعهد إليكم: أي ألم أوصكم بترك عبادة الشيطان وهي طاعته.
وأن اعبدوني: أي وبأن تعبدوني وحدي وذلك في كتبي وعلى ألسنة رسلي.
هذا صراط مستقيم: أي بترك عبادة الشيطان والقيام بطاعة الرحمن. هو الإسلام الموصل إلى دار السلام.
ولقد أضل منكم جبلا كثيراً: أي ولقد أضل الشيطان منكم يا بني آدم خلقاً كثيراً.
أفلم تكونوا تعقلون: أي أطعتموه فلم تكونوا تعقلون عداوته لكم.
هذه جهنم التي كنتم توعدون: أي تقول الملائكة هذه جهنم
…
الخ.
اليوم نختم على أفواههم (1) : أي عندما يقولون: والله ربنا ما كنا مشركين.
ولو نشاء لطمسنا على أعينهم: أي ولو أردنا طمس أعين هؤلاء المشركين المجرمين لفعلنا، ولكنا لم نشأ ذلك رحمة منا.
فاستبقوا الصراط: أي فابتدروا الطريق كعادتهم فكيف يبصرون.
ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم: أي بدلنا خلقهم حجارة أو قردة أو خنازير في أمكنتهم التي هم فيها فلا يستطيعون مضياً ولا يرجعون.
ومن نعمره ننكسه في الخلق: أي ومن نطل عمره ننكسه في الخلق فيكون بعد قوته ضعيفاً عاجزاً.
أفلا يعقلون: أي أن القادر على ما ذكرنا لكم قادر على بعثكم بعد موتكم. فتؤمنون وتوحدون فتنجون من العذاب وتسعدون.
1 - روى مسلم عن أنس بن مالك قال: "كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فضحك حتى بدت نواجذه ثم قال صلى الله عليه وسلم أتدرون مما أضحك؟ قلنا الله ورسوله أعلم قال صلى الله عليه وسلم من مجادلة العبد ربه يوم القيامة يقول رب ألم تجرني من الظلم؟ فيقول بلى فيقول لا أجير عليّ إلا شاهداً من نفسي فيقول كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً والكرام الكاتبين شهوداً فيختم على فيه ويقال لأركانه انطقي بعمله ثم يخلي بينه وبين الكلام فيقول بعداً لكن وسحقاً فعنكن كنت أناضل.
معنى الآيات:
قوله تعالى {وَامْتَازُوا (1) الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ} أي يأمر تعالى المجرمين وهم الذين أجرموا على أنفسهم بالشرك وارتكاب المعاصي فأسدوها يأمرهم بأن يتميّزوا عن المؤمنين فينفردوا وحدهم ويسار بأهل الجنة إلى الجنة، ثم يوبخ تعالى المجرمين أهل النار بقوله {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ} (2) موصياً إياكم على ألسنة رسلي وفي كتبي بأن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين، وبأن تعبدوني وحدي، ولا تعبدوا الشيطان معي فتشركوه في عبادتي هذا صراط مستقيم أي ترك عبادة الشيطان والقيام بعبادة الرحمن هذا هو الإسلام الصراط المستقيم الذي لا ينتهي بالسالكين إلا إلى باب دار السلام. وقوله {وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلّاً} أي خلقاً كثيراً هذا من كلام الله الموبخ به للمجرمين. وقوله {أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (3) } وهذا تقريع وتوبيخ أيضاً أي أطعتموه وهو عدوكم وعصيتموني وأنا ربكم فلم تكونوا تعقلون عداوة الشيطان لكم، وواجب عبادتي عليكم لأني خلقتكم ورزقتكم وكلأتكم الليل والنهار إذاً فهذه جهنم (4) التي كنتم بها تكذبون اصلوها أي احترقوا بها بما كنتم تكفرون بالله وآياته ولقائه وتكذبون رسله. وقوله تعالى {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} هذا يحدث لما يعرضون على ربهم فيعرض عليهم أعمالهم فينكرون فعندئذ يختم الله على أفواههم فلا يستطيعون الكلام وتنطق باقي جوارحهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون قوله تعالى {وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ} فأعميناهم {فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ} أي ابتدروا الطريق كعادتهم فأنى يبصرون الطريق وقد طمس على أعينهم فلا مقلة فيها ولا حاجب، ولكن الله لم يشأ ذلك لرحمته وحلمه على عباده، وقوله {وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ (5) } أي ولو نشاء مسخ هؤلاء المجرمين من المشركين لمسخناهم في أماكنهم من منازلهم فلا يستطيعون مضياً في الطريق ولا رجوع إلى خلف أي لا ذهاباً ولا إياباً، وقوله تعالى {وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ (6) فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ} فنرده رأساً على عقب
1 - يقال مازه فانماز وامتاز، وميره فتميّز وامتاز أمر من امتاز ويمتاز إذا انفرد عما كان مختلطاً به، والمراد بذلك سوقهم إلى النار بعد أن دخل المؤمنون الجنة.
2 -
الاستفهام للتقرير والتوبيخ على إهمالهم وصيته تعالى إليهم بأن لا يعبدوا الشيطان.
3 -
قوله تعالى أفلم تكونوا تعقلون الاستفهام للتقريع والتأنيب.
4 -
قوله تعالى {هذه جهنم التي كنتم توعدون} أي على ألسنة رسلي فكذبتم بها وواصلتم شرككم وكفركم. {اصلوها اليوم} أي احترقوا بها {بما كنتم تكفرون} أي بسبب كفركم الذي دسَّى نفوسكم وخبثها فحرمتم بذلك دار السلام.
5 -
المكانة تأنيث المكان على تأويله بالبقعة.
6 -
قرأ الجمهور ننكسه بفتح النون الأولى وسكون الثانية مضارع نكس رأسه وقرأها عاصم نُنكسه بضم النون الأولى وفتح الثانية وكسر الكاف مشددة.
فكما كان طفلاً ينموا شيئا فشيئاً في قواه العقلية والبدنية حتى شبّ واكتهل فكذلك ننكسه في خلقه فيأخذ يضعف (1) في قواه العقلية والبدنية يوماً فيوماً حتى يصبح أضعف عقلاً وبدناً منه وهو طفل. وقوله أفلا تعقلون أيها المكذبون المجرمون أن القادر على هذا وغيره وعلى كل شيء يريده قادر على أن يحييكم بعد موتكم ويبعثكم من قبوركم ويحاسبكم ويجزيكم بأعمالكم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1-
تقرير المعاد وبيان مواقف منه.
2-
تأكيد عداوة الشيطان للإنسان.
3-
عجز الإنسان يوم القيامة عن كتمان شيء من سيء أعماله وفاسدها.
4-
التحذير من عقوبة الله في الدنيا بالمسخ ونحوه.
5-
مظاهر قدرة الله تعالى في رد الإنسان بعد القوة إلى حالة الضعف الأولى.
وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (69) لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72) وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ (73) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (74) لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (75) فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (76)
1 - قال سفيان إذا بلغ المرء ثمانين سنة تغير جسمه وضعفت قوته قال الشاعر:
من عاش أخلقت الأيام جدته
وخانه ثقتاه السمع والبصر.
شرح الكلمات:
وما علمناه الشعر: أي وما علمنا رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم الشعر فما هو بشاعر.
وما ينبغي له: أي وما يصلح له ولا يصح منه.
إن هو إلا ذكر وقرآن مبين: أي ليس كما يقول المشركون من أن القرآن شعر ما هو أي القرآن الذي يقرأه محمد صلى الله عليه وسلم إلا ذكر أي عظة وقرآن مبين لا يشك من يسمعه أنه ليس بشعر لما يظهر من الحقائق العلمية.
لينذر من كان حياً: أي يعقل ما يخاطب به وهم المؤمنون.
ويحق القول على الكافرين: أي ويحق القول بالعذاب على الكافرين لأنهم ميتون لا يقبلون النذارة.
أنعاماً فهم له مالكون: الأنعام هي الإبل والبقر والغنم.
وذللناها لهم: أي سخرناها لهم وجعلناهم قاهرين لها يتصرفون فيها.
فمنها ركوبهم ومنها يأكلون: أي من بعضها يركبون وهي الإبل ومنها يأكلون أي ومن جميعها يأكلون.
ولهم فيها منافع ومشارب: المنافع كالصوف والوبر والشعر، والمشارب الألبان.
أفلا يشكرون: أي يوبخهم على عدم شكرهم الله تعالى على هذه النعم بالإيمان والطاعة.
واتخذوا من دون الله آلهة: أي أصناماً يعبدونها زعماً منهم أنها تنصرهم بشفاعتها لهم عند الله.
لا يستطيعون نصرهم: أي لا تقدر تلك الأصنام على نصرهم بدفع العذاب عنهم.
وهم لهم جند محضرون: أي لا يقدرون على نصرتهم والحال أنهم أي المشركين جندٌ محضرون لتلك الآلهة ينصرونها من أن يمسها أحد بسوء فبدل أن تنصرهم هم ينصرونها كجند معبئون لنصرتها.
فلا يحزنك قولهم: أي إنك لست مرسلاً إنك شاعرٌ وكاهن ومفترٍ.
إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون: أي إنهم ما يقولون ذلك إلا حسداً وهم يعلمون أنك رسول الله وما جئت به هو الحق وسوف نجزيهم بتكذيبهم لك وكفرهم بنا وبلقائنا وديننا الحق.
معنى الآيات:
قوله تعالى {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ (1) } رد على المشركين الذين قالوا في القرآن شعر وفي الرسول الله شاعر فقال تعالى {وما علمناه} أي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم {الشِّعْرَ (2) وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} أي لا يصح منه ولا يصلح له. {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ} أي ما هو الذي يتلوه إلا ذكر يذكر به الله وعظة يتعظ به المؤمنون {وَقُرْآنٌ مُبِينٌ} مبين للحق مظهر لمعالم الهدى أنزلناه على عبدنا ورسولنا لينذر به من كان حياً أي القلب والضمير لإيمانه وتقواه لله ويحق أي به القول وهو العذاب على الكافرين لأنهم لا يهتدون به فيعيشون على الضلال ويموتون عليه فيجب لهم العذاب في الدار الآخرة. وقوله {أَوَلَمْ يَرَوْا} أي أعمي أولئك المشركون ولم يروا مظاهر قدرتنا وإحساننا الموجبة لعبادتنا وهي {أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ (3) أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ} يتصرفون فيها تصرف المالك في ملكه، والمراد بالأنعام الماشية من إبل وبقر وغنم وقوله {وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ} أي سخرناها لهم بحيث يركبون ويحلبون ويحملون وينحرون ويذبحون ويأكلون، ولولا هذا التسخير لما قدروا عليها أبداً. وقوله {وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ} المنافع كالصوف والوبر والشعر والمشارب جمع مشرب وهي الألبان في ضروعها يحلبون منها ويشربون. وقوله {أَفَلا يَشْكُرُونَ} يوبخهم على أكل النعم وعدم الشكر عليها، وشكر الله عليها هو الإيمان به وتوحيده في عبادته. وقوله {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً} أي اتخذ أولئك المشركون آلهة هي أصنامهم التي يعبدونها لعلهم ينصرون أي رجاء نصرتها لهم وذلك بشفاعتها لهم عند الله تعالى كما يزعمون. قال تعالى في إبطال هذا الرجاء وقطعه عليهم {لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ} لأنهم أصنام لا تسمع ولا تبصر ولا تنفع ولا تضر وقوله {وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ} أي والحال أن المشركين هم جند تلك الأصنام محضرون عندها يدافعون عنها ويحمونها ويغضبون لها فكيف ينصرك من هو مفتقر إلى نصرتك. وقوله تعالى {فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ (4) } أي لا تحزن لما يقول قومك من أنك لست مرسلاً، وأنك شاعر
1 - إنه صلى الله عليه وسلم مع أصالته في الأدب الرفيع وكيف وهو قرشي مضري لا يحسن إنشاد بيت من الشعر حتى إنه أنشد يوماً بيت طرفة فقال:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً
ويأتيك من لم تزوده بالأخبار.
فقال أبو بكر والله إنك لرسول الله إذ عجز البيت هكذا: ويأتيك بالأخبار من لم تزود.
2 -
وما علمناه الشعر أي وما أوحينا إليه شعراً وما علمناه إياه.
3 -
مما عملت (ما) موصولة بمعنى الذي وحذف العائد وهو الضمير لطول الاسم أي عملته. وإن قلنا "ما" مصدرية فلا حاجة إلى مراعاة العائد ولا تقديره.
4 -
قرئ يحزنك بضم الياء من أحزنه يحزنه وقرئ يحزنك بفتح الياء وضم الزاي، والنهي عن الحزن نهي عن أسبابه الموجبة له، إذ الحزن لا يملك الإنسان دفعه ولكن يستطيع تجنب مثيراته والمراد من هذا النهي تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم عما يواجهه به المشركون من أنه ساحر أو شاعر وما إلى ذلك.
وساحر وكاهن إلى غير ذلك من أقاويلهم، {إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (1) } وسنجزيهم عن قولهم الباطل ونأخذهم بكذبهم وافترائهم عليك كما نحن نعلم أنهم ما قالوا الذي قالوا إلا حسداً لك، وإلا فهم يعلمون أنك رسول الله وما أنت بالساحر ولا الشاعر ولا المجنون، ولكن حملهم على ما يقولون الحسد والعناد والكبر.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1-
تقرير النبوة المحمدية وأن القرآن ذكر وليس شعر كما يقول المبطلون.
2-
الحكمة من نزول القرآن هي أن ينذر به الرسول الأحياء من أهل الإيمان.
3-
بيان خطأ الذين يقرأون القرآن على الأموات ويتركون الأحياء لا يقرأونه عليهم وعظاً لهم وإرشاداً وتعليماً
وتذكيراً.
4-
وجوب ذكر النعم وشكرها بالاعتراف بها، وصرفها في مرضاة واهبها وحمده عليها.
5-
بيان سخف المشركين في عبادتهم أصناماً يرجون نصرتها وهم جند معبأ لنصرتها من أن يمسها أحد بسوء.
أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81)
1 - جملة إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون جملة تذييلية المراد منها أمران تطمين الرسول صلى الله عليه وسلم على كفاية الله تعالى له وأن كيدهم لا يضره وتهديد المشركين بإعلامهم أن الله مطلع على ما يمكرون وسيجزيهم به.
إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83)
شرح الكلمات:
أولم ير الإنسان: أي المنكر للبعث كالعاص بن وائل السهمي، وأبيّ بن خلف.
أنا خلقناه من نطفة: أي من منيّ إلى أن صيرناه رجلاً قوياً.
فإذا هو خصيم مبين: أي شديد الخصومة بيّنها في نفي البعث.
وضرب لنا مثلاً: أي في ذلك، إذ أخذ عظماً وفته أمام رسول الله وقال أيحيى ربك هذا؟
ونسي خلقه: أي وأنه مخلوق من ماء مهين وأصبح رجلاً يخاصم فالقادر على الخلق الأول قادر على الثاني.
من يحيى العظام وهو رميم: أي وقد رمّت وبليت.
من الشجر الأخضر ناراً: أي من شجر المرخ والعفار يحك أحدهما على الآخر فتشتعل النار.
بقادر على أن يخلق مثلهم: أي مثل الأناسي.
بلى: أي قادر على ذلك إذ خلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس.
إذا أراد شيئاً: أي خلق شيء وإيجاده.
بيده ملكوت: أي ملك كل شيء، زيدت التاء للمبالغة في كبر الملك واتساعه.
وإليه ترجعون: أي تردون بعد الموت وذلك في الآخرة.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء تلك العقيدة التي يتوقف عليها غالباً هداية الإنسان وإصلاحه فقال تعالى ردّاً على العاص بن وائل السهمي وأبي بن خلف حيث جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده عظم ففته وذراه وقال أتزعم يا محمد أن الله يبعث هذا؟ فقال رسول الله
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نعم يميتك ثم يحييك ثم يحشرك إلى جهنم ونزلت هذه الآيات {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ (1) } أي أينكر البعث وهو يعلم أنا خلقناه من نطفة أي من ماء مهين وسويناه رجلاً فإذا هو خصيم لنا أي مخاصم يرد علينا ويشرك بنا وينكر إحياءنا للأموات وبعثهم يوم القيامة فكيف يعمى هذا العمى ويجهل هذا الجهل القبيح، إذ القادر على البدء قادر عقلاً على الإعادة وهي أهون عليه. وقوله {وَضَرَبَ لَنَا} أي هذا المنكر للبعث مثلاً أي جعل لنا مثلا وهو إنكاره علينا قدرتنا على البعث حيث جعل إعادتنا للخلق أمراً عجباً وغريباً إذ قال {مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (2) } أي قد رمّت وبليت. ونسي خلقه من ماء حقير كيف جعله الله بشراً سوياً يجادل ويخاصم فلو ذكر أصل نشأته لخجل أن ينكر إحياء العظام وهي بالية رميم؟ ولما قال من يحيي العظام وهي رميم؟. وقوله تعالى {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} وهذا هو القياس العقلي الجلي الواضح إذ بالبداهة أن من أوجد شيئاً من العدم قادر على إيجاد مثله. وقوله {وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} أي مخلوق عليم فالعلم والقدرة إذا اجتمعا كان من السهل إيجاد ما أُعدم بعد أن كان موجوداً فأعدم لا سيما أن الموجد من العدم هو المخبر بالإعادة وبقدرته عليها.
هذا برهان قطعي وثاني برهان في قوله {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ (3) مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ} أي النار تشعلونها، ووجه الاستدلال أن البعث لو كان مستحيلاً عقلاً وما هو بمستحيل بل هو واجب الوقوع لكان على الله غير مستحيل لأن الله تعالى قد أوجد من المستحيل ممكناً وهو النار من الماء، إذ الشجر الأخضر (4) ماء سار في أغصان الشجرة. ومع هذا يوجد منها النار، فكان هذا برهاناً عقلياً يسلم به العقلاء ولا ينازعون فيه أبداً، وبرهان ثالث وهو في قوله {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ} ؛؟ ووجه البرهنة فيه أننا ننظر إلى السموات السبع وما فيها من خلق عجيب وإلى الأرض وما فيها كذلك وننظر إلى الإنسان فنجده
1- روي أيضاً أن العاص بن وائل أتى النبي صلى الله عليه وسلم بعظم حائل فقال يا محمد أترى أن الله يحيي هذا بعد ما رمّ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم نعم ويبعثك الله ويدخلك النار فنزلت هذا الآية.
2 -
يقال رمّ العظم يرم فهو رميم ورمام وقال رميم ولم يقل رميمة لأنها معدولة عن فاعله نحو بغياً لم يقل بغيةً لأنه معدول عن باغية.
3 -
هذا الكلام مستأنف ابتدائياً الغرض إقامة الحجة العقلية على صحة البعث وإمكانه وهو ما أنكره المشركون واستبعدوه فذكر لهم أن الذي يخرج من الماء الرطب البارد النار وهما لا يجتمعان، قادر على إخراج الضد من الضد وهو على كل شيء قدير.
4 -
قال القرطبي يعني بالآية مع في المرخ والعفار وهي زنادة العرب التي يشعلون بها النار، ومن ذلك قولهم في كل شجر نار واستمجد الرمخ والعفار.
لا شيء إذا قوبل بالسموات والأرض فنحكم بأن من خلق السموات والأرض على عظمها قادر من باب أولى على خلق الإنسان مرة أخرى بعد موته وبلاه وفنائه. ولذا أجاب تعالى عن سؤاله بنفسه فقال {بَلَى (1) وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ} أي الخلاق لكل ما أراد خلقه العليم بكل مخلوقاته لا يخفى عليه شيء منها، وبرهان رابع في قوله {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} ووجه الاستدلال أن من كان شأنه في إيجاد ما أراد إيجاده أن يقول له كن فهو يكون لا يستنكر عليه عقلاً أن يحيي الأموات بكلمة كونوا أحياء فيكونون كما طلب منهم.
وأخيراً ختم هذا الرد المقنع بتنزيه نفسه عن العجز فقال {فَسُبْحَانَ (2) الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ} (3) أي ملك كل شيء {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} أحببتم أم كرهتم أيها الآدميون منكرين كنتم للبعث أم مقرين به مؤمنين.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1-
تقرير عقيدة البعث والجزاء بإيراد أربعة براهين قاطعة.
2-
مشروعية استعمال العقليات في الحجج والمجادلة.
3-
تنزيه الله تعالى عن العجز والنقص وعن الشريك والولد وسائر النقائص.
4-
تقرير أن الله تعالى بيده وفي تصرفه وتحت قهره كل الملكوت فلذا لا يصح طلب شيء من غيره إذ هو المالك الحق وغيره لا ملك له.
1 - بلى لنقص النفي أي بل هو قادر على أن يخلق مثلهم كقوله أليس الله بأحكم الحاكمين؟ فالجواب بلى أي هو أحكم الحاكمين إبطال لما نفته ليس إذ هي حرف نفي.
2 -
فسبحان: نزه الله سبحانه وتعالى نفسه عن الشرك والعجز. والملكوت، والملكوتى: بمعنى نحو جبروتي وجبروتى ورحموتي من الجبروت والرحموت والعرب تقول جبروتى خير من رحموتى.
3 -
الملكوت مبالغة في الملك بكسر الميم من ذلك قولهم رهبوت خير من رحموت أي ليرهبك الناس خير من يرحموك لأن مع الرهبة العزة ومع الرحمة الضعف والعجز.