الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحَدِيث المضطرب
أَو إِن كَانَت الْمُخَالفَة بإبداله - أَي الرَّاوِي - أَي بإبدال الشَّيْخ الْمَرْوِيّ عَنهُ، كَأَن يروي اثْنَان حَدِيثا فيرويه أَحدهمَا عَن شيخ، وَالْآخر عَن آخر، ويتفقان فِيمَا بعد ذَلِك الشَّيْخ، قَالَ (بَعضهم) : وَلَو قَالَ الْمُؤلف: أَي بإبدال راو كَانَ أولى.
وَلَا مُرَجّح لأحد الرِّوَايَتَيْنِ على الْأُخْرَى لحفظ، أَو كَثْرَة صُحْبَة على من خَالفه وَلَا بِمن خَالفه عَلَيْهِ فَهُوَ المضطرب أَي النَّوْع / الْمُسَمّى بِالِاضْطِرَابِ.
وَيكون ذَلِك غَالِبا فِي الْإِسْنَاد، كَحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه من رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن أُميَّة عَن أبي عَمْرو بن مُحَمَّد بن
حُرَيْث عَن جده حُرَيْث عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: إِذا صلى أحدكُم فليجعل شَيْئا تِلْقَاء وَجهه. . الحَدِيث فقد اخْتلف فِيهِ على إِسْمَاعِيل، فَرَوَاهُ بشر بن الْمفضل - وَغَيره - هَكَذَا، وَرَوَاهُ سُفْيَان الثَّوْريّ عَنهُ عَن أبي عَمْرو بن حُرَيْث عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة، وَرَوَاهُ غير الْمَذْكُورين على هَيْئَة أُخْرَى. أما إِذا كَانَت لإحدى الرِّوَايَتَيْنِ - أَو الرِّوَايَات - مُرَجّح كحفظ رواتها، أَو كَثْرَة (صُحْبَة) الْمَرْوِيّ عَنهُ، أَو غير ذَلِك من وُجُوه المرجحات،
فَالْحكم للراجحة وَلَا (يكون الحَدِيث مضطرباً لَا الرِّوَايَة الراجحة وَلَا) المرجوحة بل هِيَ شَاذَّة أَو مُنكرَة على مَا مر.
وَاعْلَم أَن الْعِرَاقِيّ فِي " الفيتة " قد جعل جَمِيع ذَلِك من أَقسَام المقلوب.
وَهُوَ أَي الِاضْطِرَاب الْمشَار إِلَيْهِ بالمضطرب يَقع فِي الْإِسْنَاد - غَالِبا - كَمَا مثلنَا. وَقد يَقع فِي الْمَتْن كَحَدِيث فَاطِمَة بنت قيس قَالَت: سَأَلت - أَو سُئِلَ - النَّبِي عَن الزَّكَاة؟ فَقَالَ: إِن فِي المَال لَحقا سوى الزَّكَاة. وحديثها - أَيْضا -: لَيْسَ فِي المَال حق سوى الزَّكَاة، روى الأول التِّرْمِذِيّ، وَالثَّانِي ابْن مَاجَه.
وَهَذَا الِاضْطِرَاب لَا يحْتَمل التَّأْوِيل. اه قَالَ الْحَافِظ: لَكِن قل أَن يحكم الْمُحدث على الحَدِيث بِالِاضْطِرَابِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الِاخْتِلَاف / فِي الْمَتْن دون الْإِسْنَاد، لِأَن تِلْكَ وَظِيفَة الْمُجْتَهد فِي الحكم.
وَأعلم أَن الِاضْطِرَاب يُوجب ضعف الحَدِيث لإشعاره بِعَدَمِ الضَّبْط، الَّذِي هُوَ شَرط الصِّحَّة وَالْحسن. كَذَا أطلقهُ النَّوَوِيّ - كَابْن الصّلاح - لَكِن قَالَ المُصَنّف: إِن الِاضْطِرَاب قد يُجَامع الصِّحَّة، وَذَلِكَ بِأَن يَقع الِاخْتِلَاف فِي اسْم رجل وَاحِد وَأَبِيهِ وَنسبه وَنَحْو ذَلِك،
وَيكون ثِقَة فَيحكم للْحَدِيث بِالصِّحَّةِ وَلَا يضر الِاخْتِلَاف فِيمَا ذكر مَعَ تَسْمِيَته مضطربا، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَحَادِيث كَثِيرَة بِهَذِهِ المثابة.
وَسَبقه لذَلِك الزَّرْكَشِيّ فِي " مُخْتَصره " فَقَالَ: قد يدْخل الْقلب، والشذوذ، وَالِاضْطِرَاب فِي قسم الصَّحِيح وَالْحسن.
وَقد يَقع الْإِبْدَال عمدا لمن يُرَاد اختبار حفظه امتحانا من فَاعله كَمَا وَقع للْبُخَارِيّ والعقيلي (بِضَم الْعين وَفتح الْقَاف) وَغَيرهمَا كشعبة، وَحَمَّاد بن سَلمَة. وَذَلِكَ أَن البُخَارِيّ لما دخل بَغْدَاد قلب عَلَيْهِ
أَهلهَا مائَة حَدِيث امتحانا لَهُ، فَردهَا على وجوهها فأذعنوا لَهُ لفضله.
قَالَ الْحَافِظ الْعِرَاقِيّ: وَفِي جَوَاز هَذَا الْفِعْل نظر.
لَكِن إِذا فعله لَا يسْتَمر حَدِيثا. فَلهَذَا قَالَ الْمُؤلف: وَشَرطه أَي شَرط جَوَازه أَن لَا يسْتَمر عَلَيْهِ أَي على الْمُبدل بل يَنْتَهِي بانتهاء الْحَاجة يَعْنِي لَا يبْقى الْمُبدل على صورته لِئَلَّا يظنّ أَنه ورد كَذَلِك عَن رَسُول الله ذكره الشَّيْخ قَاسم.
فلوا وَقع الْإِبْدَال عمدا لَا لمصْلحَة بل للإغراب مثلا فَهُوَ من / أَقسَام الْمَوْضُوع يقْدَح فِي فَاعله وَيُوجب رد حَدِيثه وَلَو وَقع غَلطا فَهُوَ من المقلوب أَو الْمُعَلل.
مِثَاله للغلط: مَا رَوَاهُ يعلى بن عبيد عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن مَنْصُور عَن مقسم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: سَاق النَّبِي عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام مائَة بَدَنَة فِيهَا جمل لأبي جهل. قَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أَبَا زرْعَة عَنهُ؟ فَقَالَ: هَذَا خطأ، إِنَّمَا هُوَ الثَّوْريّ عَن ابْن أبي ليلى عَن الحكم عَن مقسم عَن ابْن عَبَّاس، وَالْخَطَأ فِيهِ من يعلى بن عبيد.
ومثاله لقصد الإغراب: حَدِيث أبي هُرَيْرَة الْمَرْفُوع: إِذا لَقِيتُم الْمُشْركين فِي طَرِيق فَلَا تبدوهم بِالسَّلَامِ. رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه من رِوَايَة شُعْبَة وَالثَّوْري وَجَرِير بن عبد الحميد وَعبد الْعَزِيز ابْن مُحَمَّد الدَّرَاورْدِي كلهم عَن سُهَيْل بن أبي صَالح عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة. وَرَوَاهُ حَمَّاد بن عَمْرو النصيبي عَن الْأَعْمَش عَن أبي صَالح
عَن أبي هُرَيْرَة ليصير بذلك غَرِيبا مرغوبا فِيهِ.
وَقد يَقع الْإِبْدَال فِي الْمَتْن: كَحَدِيث ابْن خُزَيْمَة عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله قَالَ: إِن ابْن أم مَكْتُوم يُؤذن بلَيْل فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤذن بِلَال، وَكَانَ بِلَال لَا يُؤذن حَتَّى يرى الْفجْر. قَالَ السراج البُلْقِينِيّ: هَذَا مقلوب، وَالصَّحِيح من حَدِيث عَائِشَة: إِن بِلَالًا يُؤذن بلَيْل فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى تسمعوا أَذَان ابْن أم / مَكْتُوم. وَكَانَ رجلا أعمى لَا يُنَادي حَتَّى يُقَال لَهُ: أَصبَحت، أَصبَحت. قَالَ: وَمَا تَأَوَّلَه ابْن خُزَيْمَة من أَنه يجوز أَن يكون النَّبِي عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام جعل الْأَذَان نوبا بَين بِلَال وَبَين ابْن أم مَكْتُوم بعيد.
وَأبْعد مِنْهُ جزم ابْن حبَان بذلك. ذكره الشمني.
المؤلفات فِي المضطرب: -
وَقد ألف المُصَنّف فِي هَذَا النَّوْع كتابا جيدا سَمَّاهُ " المقترب فِي المضطرب ".