الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْجَهَالَة بالراوي
ثمَّ الْجَهَالَة بالراوي: وَهِي السَّبَب الثَّامِن فِي الطعْن كَذَا عبر الْمُؤلف - رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ - قَالَ الْكَمَال ابْن أبي شرِيف: وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يَقُول: وَهِي الْقسم الثَّامِن من أَقسَام الطعْن.
وسببها أَمْرَانِ / أَحدهمَا: إِن الرَّاوِي قد تكْثر نعوته من أسم أَو كنية، أَو لقب، أَو صفة، أَو حرفه، أَو نسب إِلَى أَب، أَو بلد، أَو حِرْفَة فيشتهر بِشَيْء مِنْهَا فيذكر فِي سَنَد بِغَيْر مَا اشْتهر بِهِ لغَرَض من الْأَغْرَاض، فيظن أَنه آخر فَتحصل الْجَهَالَة بِحَالهِ. دون الْبَاقِي، أَو يروي عَنهُ جمع فيعرفه كل وَاحِد بِغَيْر مَا عرفه بِهِ الآخر، أَو يروي عَنهُ وَاحِد فيعرفه مرّة بِهَذَا مرّة بِذَاكَ فيلتبس على من لَا معرفَة عِنْده، بل وعَلى كثير من أهل الْمعرفَة.
وَأكْثر من يفعل ذَلِك المدلسون، وَيُسمى عِنْدهم تَدْلِيس الشُّيُوخ،
وَهُوَ فن غويص جدا تمس الْحَاجة إِلَيْهِ، فَإِن كَانَ الْغَرَض إخفاء ضعفه لكَونه لَو سمي عرف حَاله كَانَ ذَلِك قادحا فِي فَاعله، لِأَن فِيهِ إخراجا لذَلِك الرَّاوِي من حيّز الْقطع وتطرحه لكَونه متروكا والتسامح بقبوله لصيرورته مَجْهُولا وأقبح من ذَلِك أَن يكنى الضَّعِيف بكنية الثِّقَة الْمُسَمّى باسمه.
وصنفوا فِيهِ - أَي فِي هَذَا النَّوْع - الموضح لَا وهام الْجمع والتفريق وأجاد فِيهِ الْخَطِيب، وَسَبقه إِلَيْهِ عبد الْغَنِيّ وَهُوَ ابْن سعيد الْأَزْدِيّ ثمَّ الْمصْرِيّ، صنف كتابا نَافِعًا سَمَّاهُ " إِيضَاح الْإِشْكَال " ثمَّ الصُّورِي وَهُوَ تلميذ عبد الْغَنِيّ وَشَيخ الْخَطِيب.
وَمن أمثلته مُحَمَّد بن السَّائِب بن بشر الْكَلْبِيّ الْمُفَسّر الْعَلامَة فِي
/ الْأَنْسَاب، أحد الضُّعَفَاء، وراوي حَدِيث ذَكَاة كل مسك دباغة نسبه بَعضهم وَهُوَ أَبُو أُسَامَة حَمَّاد بنم أُسَامَة إِلَى جده فَقَالَ: مُحَمَّد بن بشر، وَسَماهُ بَعضهم: حَمَّاد بن السَّائِب، وكناه بَعضهم وَهُوَ مُحَمَّد ابْن إِسْحَاق أَبَا النَّضر، وَبَعْضهمْ وَهُوَ عَطِيَّة الْعَوْفِيّ أَبَا سعيد وَلم يذكرُوا اسْمه لتوهم النَّاس أَنه إِنَّمَا روى عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ الصَّحَابِيّ (وَبَعْضهمْ: أَبَا هِشَام. فَهَذَا يظنّ أَنه جمَاعَة وَهُوَ وَاحِد) وَمن لَا يعرف (حَقِيقَة الْأَمر فِيهِ) وَهُوَ أَن هَذِه مسميات لمسمى وَاحِد لَا
يعرف شَيْئا من ذَلِك.
وَمثل ذَلِك سَالم الرَّاوِي عَن أبي هُرَيْرَة وَأبي سعيد الْخُدْرِيّ وَعُثْمَان وَعَائِشَة وَسعد بن أبي وَقاص. هُوَ سَالم أَبُو عبد الله الْمدنِي، وَسَالم مولى مَالك بن أَوْس، وَسَالم مولى شَدَّاد بن الْهَاد، وَسَالم مولى دوس، وَسَالم مولى الْمهرِي، وَأَبُو عبد الله مولى شَدَّاد.
وَمثله مُحَمَّد بن قيس الشَّامي المصلوب الوضاع دلّس اسْمه على خمسين وَجها، بل يُقَال: مائَة.
وَاسْتعْمل الْخَطِيب شَيْئا كثيرا من هَذَا، قَالَ الْجلَال السُّيُوطِيّ: وَتبع الْخَطِيب فِي ذَلِك المحدثون - خُصُوصا الْمُتَأَخِّرين - أخرهم شيخ الْإِسْلَام الْحَافِظ ابْن حجر. وَلم أر الْعِرَاقِيّ فِي " أَمَالِيهِ " يصنع
شَيْئا من ذَلِك. اه وَهَذَا النَّوْع عويص جدا.
وَالْأَمر الثَّانِي: الرَّاوِي / قد يكون مقلا من الحَدِيث فَلَا يكثر الْآخِذ عَنهُ. بِصِيغَة اسْم الْفَاعِل، وَلَيْسَ هُوَ الْآخِذ بِلَفْظ الْمصدر كَمَا وهم فِيهِ بَعضهم.
وَاعْترض: بِأَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَن يَقُول الآخذون إِذْ لَا يلْزم من كثرت الْآخِذ كَثْرَة الآخذين.
وَالِاعْتِبَار فِي الْجَهَالَة وَعدمهَا بالآخذين وَبِقَوْلِهِ لَا يخفي مَا بَين قَوْله، فَلَا يكثر الْأَخْذ عَنهُ وَبَين قَوْله.
وَقد صنفوا فِيهِ الوحدان وَهُوَ من لم يرو عَنهُ إِلَّا وَاحِد، وَلَو سمى بالنباء للْمَفْعُول فَمِمَّنْ جمعه مُسلم، وَالْحسن بن سُفْيَان
فألفا فِيهِ وَغَيرهمَا.
وَمن فَوَائده معرفَة الْمَجْهُول إِذا لم يكن صحابيا فَلَا يقبل. مِثَاله: وهب بن خنبش - بِفَتْح الْمُعْجَمَة وَالْمُوَحَّدَة بَينهمَا نون سَاكِنة - الطَّائِي، وعامر بن شهر، وَعُرْوَة بن مُضرس، وَمُحَمّد بن صَفْوَان، وَمُحَمّد ابْن صَيْفِي صحابيون، لم يرو عَنهُ غير الشّعبِيّ. وأمثلته فِي التَّابِعين - فَمن بعدهمْ - كَثِيرَة.