الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معرفَة الصَّحَابَة رضي الله عنهم
-
وَلما كَانَ هَذَا الْمُخْتَصر شَامِلًا لجَمِيع أَنْوَاع عُلُوم الحَدِيث استطرد فِيهِ وَفِي نُسْخَة: مِنْهُ إِلَى تَعْرِيف الصَّحَابِيّ مَا هُوَ؟ فَقلت: وَهُوَ من لَقِي النَّبِي مُؤمنا وَمَات على / الْإِسْلَام وَلَو تخللت ردة فِي الْأَصَح.
قَالَ البقاعي: وَقَوله شَامِلًا أَي أُرِيد أَن يكون شَامِلًا. وَلم أدر مَا يعود عَلَيْهِ ضمير مِنْهُ، وَكَانَ الْأَنْسَب أَن يَقُول: والصحابي هُوَ من لَقِي النَّبِي. . إِلَى آخِره، أَو يكْتب الْوَاو بالحمرة (والصحابي) بِالسَّوَادِ وَهُوَ وَمَا بعْدهَا بالحمرة. وَيُمكن أَن يعود ضمير مِنْهُ على الْإِسْنَاد الْمُحدث عَنهُ فِي قَوْله ثمَّ الْإِسْنَاد.
وَلَكِن كَيفَ يكون الاستطراد (مَشْرُوطًا بِكَوْن الْمُخْتَصر شَامِلًا لما ذكر؟ إِن كَانَ التَّعْرِيف من أَنْوَاع عُلُوم الحَدِيث لم يكن ذكره اسْتِطْرَادًا)
بل متأصلا، وَإِلَّا لم يشْتَرط فِيهِ شُمُول الْمُخْتَصر لجَمِيع الْأَنْوَاع، بل الْبَعْض الَّذِي بِهِ تعلق، وَهُوَ مَا ذكر فِيهِ الصَّحَابِيّ كَانَ فِي توسيع الاستطراد إِلَيْهِ.
وَالْمرَاد باللقاء: مَا هُوَ أَعم من المجالسة والمماشاة والمكالمة ووصول أَحدهمَا إِلَى الآخر (وَإِن لم يكالمه) لكَون أَحدهمَا بشاهق جبل وَالْآخر بوهدة وَيدخل فِيهِ رُؤْيَة أَحدهمَا الآخر سَوَاء كَانَ ذَلِك أَي الرُّؤْيَة بِنَفسِهِ أَو بِغَيْرِهِ أَي سَوَاء كَانَ اللِّقَاء بِنَفسِهِ - وَهُوَ ظَاهر -، أَو بِغَيْرِهِ كَمَا إِذا حمل طِفْل رَضِيع إِلَيْهِ وَالتَّعْبِير باللقي أولى من قَول بَعضهم وَهُوَ ابْن الصّلاح: الصَّحَابِيّ من رأى النَّبِي، لِأَنَّهُ يخرج ابْن أم مَكْتُوم وَنَحْوه من العميان وهم صحابة بِلَا تردد.
كَذَا قَالَه الْمُؤلف هُنَا، وَقَالَ فِي كتاب آخر: الَّذِي اخترته أخيرا أَن
قَول من قَالَ رأى النَّبِي لَا يرد عَلَيْهِ الْأَعْمَى، لِأَن المُرَاد بِالرُّؤْيَةِ مَا هُوَ أَعم من الرُّؤْيَة بِالْقُوَّةِ أَو بِالْفِعْلِ / وَالْأَعْمَى فِي قُوَّة من يرى بِالْفِعْلِ وَإِن عرض مَانع من الرُّؤْيَة بِالْفِعْلِ. إِلَى هُنَا كَلَامه.
ورده الشَّيْخ قَاسم: بِأَن هَذَا اخْتِيَار مجازي بِلَا قرينَة فَلَا عِبْرَة بِهِ. واللقي فِي هَذَا التَّعْرِيف كالجنس.
وَقَوْلِي: مُؤمنا كالفصل، يخرج من حصل لَهُ اللِّقَاء الْمَذْكُور لَكِن فِي حَال كَونه كَافِرًا. وَإِن أسلم بعد كرسول قَيْصر، فَلَا صُحْبَة لَهُ كَمَا جزم بِهِ الْجلَال السُّيُوطِيّ فِي " شرح التَّقْرِيب ". وَيُوَافِقهُ قَول الأشموني فِي " شرح نظم النخبة ": يخرج من لقِيه قبل الْبعْثَة وَغَابَ ثمَّ أسلم زمن الْبعْثَة حَال كَونه مُسلما كسعيد بن حَيْوَة الْبَاهِلِيّ. هَذِه عِبَارَته. وَقَوْلِي: بِهِ فصل ثَان، يخرج من لقِيه مُؤمنا لَكِن بِغَيْرِهِ من الْأَنْبِيَاء.
وَتعقب هَذِه الْعبارَة الشَّيْخ قَاسم: بِأَنَّهُ إِذا كَانَ المُرَاد بقوله مُؤمنا بِغَيْرِهِ: أَنه مُؤمن بِأَن ذَلِك الْغَيْر نَبِي، وَلم يُؤمن بِمَا جَاءَ بِهِ كَأَهل الْكتاب الْيَوْم من الْيَهُود فَهَذَا لَا يُقَال لَهُ مُؤمن، فَلم يدْخل فِي الْجِنْس فَيحْتَاج إِلَى إِخْرَاجه بفصل، وَحِينَئِذٍ لَا يَصح أَن يكون هَذَا فصلا وَإِنَّمَا هُوَ لبَيَان مُتَعَلق الْإِيمَان. وَإِن كَانَ المُرَاد مُؤمنا بِمَا جَاءَ بِهِ غَيره من الْأَنْبِيَاء فَذَلِك مُؤمن بِهِ إِن كَانَ لقاؤه بعد الْبعْثَة، وَإِن كَانَ قبلهَا فَهُوَ مُؤمن بِأَنَّهُ سيبعث فَلَا يَصح أَيْضا أَن يكون فصلا لما ذكره فِي قَوْله لَكِن هَل يخرج بِهِ من لقِيه مُؤمنا أَنه سيبعث وَلم يدْرك الْبعْثَة / فِيهِ نظر. يعْنى أَنه مَحل تَأمل.
قَالَ الشَّيْخ قَاسم: وَقد رجح الْمُؤلف أحد جَانِبي هَذَا الترديد فَقَالَ: إِن الصُّحْبَة وَعدمهَا من الْأَحْكَام الظَّاهِرَة فَلَا تحصل إِلَّا عِنْد حُصُول مقتضيها فِي الظَّاهِر، وحصوله فِي الظَّاهِر يتَوَقَّف على الْبعْثَة. انْتهى كَذَا نَقله الشَّيْخ عَن الْمُؤلف.
وَقَالَ الْكَمَال ابْن أبي شرِيف: وَجه النّظر أَنه لم يكن حِينَئِذٍ نَبيا فِي الظَّاهِر، فملاقيه لم يلق النَّبِي، لكنه كَانَ نَبيا عِنْد الله فَيصدق أَنه لَقِي النَّبِي، فَيخرج بِالِاعْتِبَارِ الأول وَيدخل بِالثَّانِي، وَهَذَا مثل بحيرا الراهب وَزيد بن عَمْرو بن نفَيْل. انْتهى.
وَذكر نَحوه البقاعي ثمَّ قَالَ: وَيظْهر لي فِي وَجه النّظر أَن يُقَال: نَحن وَإِن تَبينا أَن النَّبِي كَانَ وَقت اللِّقَاء نَبيا فَمن لم يتَبَيَّن أَن ذَلِك الْإِنْسَان يثبت على إيمَانه أَو ترك فَإِن الْحَالين مُخْتَلِفَانِ
من العلمين، كَمَا وَقع لورقة فَإِنَّهُ يثبت، وَأُميَّة فَإِنَّهُ كفر بعد أَن كَانَ مُصدقا أَنه هُوَ. وَنحن نشترط الْمَوْت على إِيمَان بعد الْبعْثَة فَهَذَا يدْفع عده فِي الصَّحَابَة وَهَذَا بِالنّظرِ إِلَى مَا فِي نفس الْأَمر أما بِالنّظرِ إِلَى التَّعْرِيف فَلَا يَصح دُخُوله، لِأَن النُّبُوَّة الَّتِي هِيَ بِمَعْنى الْإِخْبَار لَا يُطلق عَلَيْهِ إِلَّا بمجاز الأول، وألفاظ التَّعْرِيف تصان من الْمجَاز الَّذِي لَيْسَ بشهير، والشهير يجوز وَهُوَ مَا صحبته قرينَة تتَعَيَّن المُرَاد فَهِيَ أخص من / الْقَرِينَة الصارفة عَن إِرَادَة الْحَقِيقَة. ولمثل ذَلِك أخرج الْحَافِظ الْعِرَاقِيّ فِي " نكته " على ابْن الصّلاح من رأى النَّبِي عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام بعد مَوته. اه مَعَ أَن مجَاز الْكَوْن أرجح من مجَاز الأول وَيخرج من جِهَة
أُخْرَى وَهِي اشْتِرَاط الْإِسْلَام عِنْد اللقي، وَبِه يعرف أَن المُرَاد بِمن يسلم أَي الصَّحَابِيّ مُسلم لَقِي النَّبِي وَمَات على الْإِسْلَام وَمن كَانَ على دين عِيسَى، أَو مُوسَى لم يسم فِي الإصطلاح إِلَّا نَصْرَانِيّا أَو يَهُودِيّا، فَلَا يُقَال: مُسلم لَا فِيمَا بَيْننَا وَلَا فِيمَا بَين أهل الْكتاب.
وَكَذَا يخرج من التَّعْرِيف: من رَآهُ بعد الْمَوْت وَقبل الدّفن كَأبي ذُؤَيْب فَإِن الْإِخْبَار الَّذِي هُوَ معنى النُّبُوَّة انْقَطع، وَأَيْضًا لَا يعد ذَلِك لقيا عرفا، وَقد صَرَّحُوا بِأَن عدم جعله صحابيا أرجح. انْتهى
وَقَوْلِي: وَمَات على الْإِسْلَام فصل ثَالِث يخرج من ارْتَدَّ بعد أَن لقِيه مُؤمنا بِهِ وَمَات على الرِّدَّة كعبيد الله بِالتَّصْغِيرِ ابْن جحش، وَابْن
خطل (بخاء مُعْجمَة) فَلَا يُسمى صحابيا، قَالَ الْمُؤلف: وَكَذَا من روى عَنهُ ثمَّ مَاتَ مُرْتَدا بعد وَفَاته كربيعة بن أُميَّة بن خلف فَإِنَّهُ لقِيه مُؤمنا بِهِ، وروى عَنهُ، وَاسْتمرّ إِلَى خلَافَة عمر ثمَّ ارْتَدَّ وَمَات على الرِّدَّة.
وَقَوْلِي: وَلَو تخللت ردة أَي بَين لقِيه مُؤمنا بِهِ وَبَين مَوته على الْإِسْلَام، كَذَا فِي نسخ، وَفِي نُسْخَة: بدوين مَوته على الْإِسْلَام فَإِن اسْم الصُّحْبَة بَاقٍ لَهُ سَوَاء رَجَعَ إِلَى الْإِسْلَام / فِي حَيَاته أَو بعده. أَي بعد مَوته سَوَاء لقِيه ثَانِيًا أَو بعد الْإِسْلَام أم لَا فَإِن اسْم الصُّحْبَة بَاقٍ لَهُ أَيْضا.
قَالَ بعض من لقيناه: وَقَوله سَوَاء رَجَعَ إِلَى الْإِسْلَام. . إِلَخ يُغني عَن قَوْله سَوَاء لقِيه ثَانِيًا لِأَن من رَجَعَ بعد مَوته لَا يتَصَوَّر فِي حَقه اللِّقَاء، اللَّهُمَّ أَن تكون رَاجِعَة إِلَى الرُّجُوع فِي حَال الْحَيَاة فَقَط، فَلَا يلْزم مَا ذكر.
وَقَول فِي الْأَصَح إِشَارَة إِلَى الْخلاف فِي الْمَسْأَلَة يعْنى مَسْأَلَة الارتداد. ذكره الشَّيْخ قَاسم وَقد ذهب جمَاعَة إِلَى أَنه لَا يُسمى صحابيا إِذا لم يره بعد ذَلِك. وَيدل على رُجْحَان الأول: قصَّة الْأَشْعَث بن قيس فَإِنَّهُ كَانَ مِمَّن ارْتَدَّ وَأتي بِهِ بعد موت الْمُصْطَفى عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام
إِلَى أبي بكر الصّديق رضي الله عنه أَسِيرًا فَعَاد إِلَى الْإِسْلَام فَقبل مِنْهُ ذَلِك، وزوجه أُخْته، تألفا لَهُ، وتقوية وتثبيتا لإسلامه. وَلم يتَخَلَّف أحد من الْمُحدثين وَلَا المؤرخين عَن ذكره فِي الصَّحَابَة، وَلَا عَن تَخْرِيج أَحَادِيثه فِي المسانيد وَغَيرهَا. من الْجَوَامِع، والأجزاء، والطبقات، والوفيات. وَأَشَارَ بذلك إِلَى الرَّد على شَيْخه الْحَافِظ الْعِرَاقِيّ حَيْثُ قَالَ: فِي دُخُوله فيهم نظر، فقد نَص الإِمَام الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة على أَن الرِّدَّة محبطة للْعَمَل. قَالَ: فَالظَّاهِر أَنَّهَا محبطة للصحبة كقرة بن هُبَيْرَة، والأشعث.
وَدخل فِي التَّعْرِيف: من حكم بِإِسْلَامِهِ تبعا لأحد أَبَوَيْهِ. وَعَلِيهِ عمل / ابْن عبد الْبر وَابْن مَنْدَه وَغَيرهمَا.
وَلَا يشْتَرط الْبلُوغ وَلَا التَّمْيِيز على الْأَصَح، فَيدْخل من حنكه، اَوْ مسح وَجهه، أَو تفل فِيهِ وَهُوَ رَضِيع، نعم لَا خلاف فِي رُجْحَان الْكَامِل كَمَا يعلم من وَقَوله.
تنبيان:
1 -
لَا خَفَاء برجحان رُتْبَة من لَازمه، وَقَاتل مَعَه أَو قتل تَحت رايته على من لم يلازمه، أَو لم يحضر مَعَه مشهدا، وعَلى من كَلمه
يَسِيرا، أَو مَا شاه قَلِيلا، أَو رَآهُ على بعد، كَكَوْنِهِ مارا فِي بَحر، أَو سَاحل بعيد، أَو على جبل شامخ أَو فِي حَال الطفولية أَو الْجُنُون وَإِن كَانَ شرف الصُّحْبَة حَاصِلا للْجَمِيع. وَمن لَيْسَ لَهُ مِنْهُ سَماع مِنْهُم فَحَدِيثه مُرْسل من حَيْثُ الرِّوَايَة. قَالَ الْمُؤلف: وَهُوَ مَقْبُول بِلَا خلاف، وَالْفرق بَينه وَبَين التَّابِعِيّ حَيْثُ اخْتلف فِيهِ مَعَ اشتراكهما فِي احْتِمَال الرِّوَايَة عَن التَّابِعين أَن احْتِمَال رِوَايَة الصَّحَابِيّ عَن التَّابِعِيّ بعيدَة، بِخِلَاف احْتِمَال رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ فَإِنَّهَا غير بعيدَة. اه.
وهم مَعَ ذَلِك معدودون فِي الصَّحَابَة بالِاتِّفَاقِ لما نالوه من شرف الرُّؤْيَة قَالَ بَعضهم: قَوْله وهم مَعَ ذَلِك معدودون فِي الصَّحَابَة مَعْلُوم من قَوْله وَإِن كَانَ شرف الصُّحْبَة حَاصِلا للْجَمِيع فَهُوَ تكْرَار. انْتهى ويلغز بذلك فَيُقَال: صَحَابِيّ حَدِيثه مُرْسل مُحْتَج بِهِ بالِاتِّفَاقِ لَا يطرقه الْخلاف الَّذِي فِي مَرَاسِيل الصَّحَابَة. ذكره