المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أسباب الطعن في الرواة إجمالا - اليواقيت والدرر شرح شرح نخبة الفكر - جـ ٢

[عبد الرؤوف المناوي]

فهرس الكتاب

- ‌الحَدِيث المعضل والمنقطع

- ‌معرفَة المدلس

- ‌والتدليس قِسْمَانِ:

- ‌الْمُرْسل الْخَفي

- ‌أَسبَاب الطعْن فِي الروَاة إِجْمَالا

- ‌الحَدِيث الْمَتْرُوك

- ‌الحَدِيث الْمُنكر

- ‌الحَدِيث الْمُعَلل

- ‌الحَدِيث المدرج

- ‌الحَدِيث المقلوب

- ‌الْمَزِيد فِي مُتَّصِل الْأَسَانِيد

- ‌الحَدِيث المضطرب

- ‌الْمُصحف والمحرف

- ‌اخْتِصَار الحَدِيث

- ‌الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى

- ‌شرح غَرِيب الحَدِيث

- ‌الْجَهَالَة بالراوي

- ‌المبهمات

- ‌مَجْهُول الْعين

- ‌مَجْهُول الْحَال

- ‌حكم رِوَايَة المبتدع

- ‌الشاذ

- ‌الْمُخْتَلط

- ‌الْحسن لغيره

- ‌الْمَرْفُوع

- ‌معرفَة الصَّحَابَة رضي الله عنهم

- ‌طرق معرفَة الصَّحَابَة:

- ‌معرفَة التَّابِعين

- ‌المخضرمون

- ‌الْمَرْفُوع وَالْمَوْقُوف والمقطوع

- ‌الْمسند

- ‌الْإِسْنَاد العالي وأقسامه

- ‌الْمُوَافقَة

- ‌الْبَدَل

- ‌الْمُسَاوَاة

- ‌المصافحة

- ‌الْإِسْنَاد النَّازِل

- ‌رِوَايَة الأقران وأقسامها

- ‌المدبج

- ‌رِوَايَة الأكابر عَن الأصاغر

- ‌رِوَايَة الْآبَاء عَن الْأَبْنَاء وَنَحْوهَا

- ‌المهمل

- ‌معرفَة من حدث وَنسي

- ‌معرفَة المسلسل

- ‌معرفَة صِيغ الْأَدَاء

- ‌الْمُتَّفق والمفترق

- ‌معرفَة الْمُخْتَلف والمؤتلف

- ‌معرفَة الْمُتَشَابه

- ‌معرفَة طَبَقَات الروَاة

- ‌معرفَة المواليد والوفيات

- ‌معرفَة الْبلدَانِ والأوطان

- ‌معرفَة أَحْوَال الروَاة جرحا وتعديلا

- ‌معرفَة الكنى

- ‌معرفَة الْأَسْمَاء الْمُجَرَّدَة

- ‌معرفَة الْأَسْمَاء المفردة

- ‌معرفَة الْأَنْسَاب

- ‌معرفَة الموَالِي

- ‌معرفَة الْأُخوة وَالْأَخَوَات

- ‌معرفَة آدَاب الشَّيْخ والطالب

- ‌معرفَة سنّ التَّحَمُّل وَالْأَدَاء

- ‌تحمل الْكَافِر وَالْفَاسِق

- ‌زمن الْأَدَاء

- ‌صفة كِتَابَة الحَدِيث

- ‌صفة الرحلة فِي طلب الحَدِيث

- ‌صفة تصنيف الحَدِيث

- ‌معرفَة سَبَب الحَدِيث

الفصل: ‌أسباب الطعن في الرواة إجمالا

‌أَسبَاب الطعْن فِي الروَاة إِجْمَالا

وَقَالَ: ثمَّ الطعْن فِي الْمَتْن أَو الْإِسْنَاد يكون بِعشْرَة أَشْيَاء أَي بأحدها بَعْضهَا أَشد فِي الْقدح من بعض خَمْسَة مِنْهَا تتَعَلَّق بِالْعَدَالَةِ، وَخَمْسَة تتَعَلَّق بالضبط. وَلم يحصل الاعتناء فِي هَذَا الْكتاب بتمييز أحد الْقسمَيْنِ من الآخر كَمَا اعتنى بِهِ الْغَيْر لمصْلحَة اقْتَضَت ذَلِك هُنَا وَهِي ترتيبها على بَيَان الأشد فالأشد (فِي الْقدح) .

قَالَ بَعضهم: وَلَو قَالَ الأشد فالشديد لَكَانَ أنسب لقَوْله فِي مُوجب الرَّد على سَبِيل التدلي من الْأَعْلَى إِلَى الْأَدْنَى، فَإِن ترتيبها على الأشد فَمَا دونهَا أَكثر نفعا، وَأعظم فَائِدَة من تَمْيِيز أحد الْقسمَيْنِ على الآخر سِيمَا للمبتدئ، مَعَ أَنه يُمكن أَن يَسْتَخْرِجهُ الطَّالِب إِذا تَأمله. ذكره الْكَمَال ابْن أبي شرِيف، لِأَن الطعْن إِمَّا أَن يكون لكذب الرَّاوِي فِي الحَدِيث بِأَن يروي عَنهُ أَو عَن أحد من

ص: 30

أَصْحَابه مَا لم يقلهُ / أَو مَا لم يقر عَلَيْهِ مُعْتَمدًا لذَلِك أما إِذا قَالَه وَلَيْسَ الْإِسْنَاد الَّذِي أوردهُ بِهِ إِسْنَاده مُعْتَمدًا لذَلِك فَفِيهِ خلاف.

أَو تُهْمَة بذلك أَي بِالْكَذِبِ عَلَيْهِ مُتَعَمدا وَذَلِكَ بِأَن لَا يرْوى ذَلِك الحَدِيث إِلَّا من جِهَته وَلَا يكون فِي السَّنَد من يَلِيق أَن يتهم بِهِ إِلَّا هُوَ. ذكره الْكَمَال ابْن أَبى شرِيف وَيكون مُخَالفا للقواعد الْمَعْلُومَة قَضيته أَنه إِذا رُوِيَ من غير جِهَته - أَيْضا - وَكَانَ مُخَالفا للقواعد لَا يحصل التُّهْمَة بذلك للاثنين.

لَكِن صرح غَيره بِأَن كل حَدِيث أوهم بَاطِلا، وَلم يقبل التَّأْوِيل، أَو خَالف الْقَوَاعِد (الْكُلية) القطعية الْمجمع عَلَيْهَا يكون مكذوبا عَلَيْهِ.

ص: 31

وَحمل على ذَلِك حَدِيث أَحْمد وَغَيره. . " إِذا سَمِعْتُمْ الحَدِيث عني تنكره قُلُوبكُمْ، وتنفر مِنْهُ أَشْعَاركُم وَأَبْشَاركُمْ، وترون أَنه بعيد مِنْكُم فَأَنا أبعدكم عَنهُ ".

وَكَذَا من عرف بِالْكَذِبِ فِي كَلَامه وَإِن لم يظْهر مِنْهُ وُقُوع ذَلِك فِي الحَدِيث النَّبَوِيّ فَإِنَّهُ يكون مُتَّهمًا عِنْد التفرد وَهَذَا دون الأول قَالَ البقاعي: مُرَاده بِالْأولِ مَا قبله وَهُوَ الْمُخَالف للقواعد، وَقَالَ الشَّيْخ قَاسم: هَذَا مُسْتَغْنى عَنهُ. أه لعلمه مِمَّا مر.

ص: 32

أَو فحش غلطه أَي كثرته أَو غفلته عَن الإتقان والضبط الْكَثِيرَة - كَمَا يَأْتِي -.

قَالَ بَعضهم: وَفِي كَونهَا أَشد من الْفسق نظر ظَاهر.

أَو فسقه أَي الظَّاهِر كَمَا يعلم مِمَّا يَأْتِي بِالْفِعْلِ أَو بالْقَوْل مِمَّا لَا يبلغ الْكفْر، وَبَينه وَبَين الأول أَي الْكَذِب (عُمُوم) وَإِنَّمَا (أفرد) الأول لكَون الْقدح بِهِ أَشد، مِنْهُ بِالثَّانِي فِي هَذَا الْفَنّ أَي فِي فن الحَدِيث وَأما الْفسق بالمعتقد فَسَيَأْتِي بَيَانه.

أَو وهمه بِأَن يروي على طَرِيق التَّوَهُّم، أَو مُخَالفَته للثقات، أَو جهالته بِأَن لَا يعرف فِيهِ تَعْدِيل وَلَا تجريح معِين.

ص: 33

قَالَ الْمُؤلف: فَقولِي جهالته مصدر مُضَاف للْمَفْعُول.

وَقَالَ البقاعي: وَقَوله معِين قيد لتجريح فَقَط، احْتَرز بِهِ عَمَّا لم يعين فِيهِ الْجرْح بِأَن يَقُول: فلَان ضَعِيف أَو مَجْرُوح فَلَا ترده بِمُجَرَّد قَوْله، بل يتَوَقَّف عَن الرِّوَايَة عَنهُ حَتَّى يظْهر لنا حَاله وَيعرف مَقْصُوده بقوله مَجْرُوح.

أَو بدعته وَهِي اعْتِقَاد مَا أحدث على خلاف الْمَعْرُوف عَن النَّبِي لَا معاندة بل بِنَوْع شُبْهَة وَإِن كَانَت ضَعِيفَة جدا.

أَو سوء حفظه وَهُوَ عبارَة عَمَّن يكون غلطه أقل من إِصَابَته هَذَا مَا فِي نُسْخَة، وَفِي أُخْرَى وَهُوَ عبارَة عَمَّن يَسْتَوِي غلطه وإصابته قَالَ الْكَمَال بن أبي شرِيف: وَقَوله فِي النُّسْخَة الأولى عَمَّن يكون غلطه

ص: 34

أقل من إِصَابَته لَا يُوَافق قَوْله فِيمَا بعد من لم يرجح وَقَوله فِي النُّسْخَة الْأُخْرَى يستوى هُوَ الْمُوَافق لَهُ. انْتهى.

وَلم يقف البقاعي على الثَّانِيَة فتعقبه بِأَنَّهُ: مُخَالف لما يَأْتِي فِي تَفْسِير السَّبَب الْعَاشِر عِنْد تَفْصِيل ذَلِك، فَإِنَّهُ قَالَ: وَالْمرَاد بِهِ من لم يرجح / جَانب إِصَابَته على جَانب خطأه وَلَو قَالَ هُنَا: وَهِي عبارَة عَمَّا لَا يكون غلطه أقل (من) إِصَابَته ليُوَافق ذَلِك. انْتهى.

وَاعْلَم أَن مَا جرى عَلَيْهِ المُصَنّف من هَذَا التَّرْتِيب هُوَ مَا اخْتَارَهُ، وَالْمَوْجُود فِي كَلَام بعض الْمُحدثين (خِلَافه) . فقد قَالَ الْخطابِيّ: شَرها الْمَوْضُوع - وَهَذَا مُتَّفق عَلَيْهِ - ثمَّ المقلوب ثمَّ الْمَجْهُول.

وَقَالَ الزركشى فِي " مُخْتَصره " فَمَا ضعفه لَا لعدم اتِّصَاله

ص: 35

سَبْعَة أَصْنَاف: شَرها الْمَوْضُوع، ثمَّ المدرج، ثمَّ المقلوب، ثمَّ الْمُنكر، ثمَّ الشاذ، ثمَّ الْمُعَلل، ثمَّ المضطرب. انْتهى.

قَالَ الْجلَال السُّيُوطِيّ: وَهَذَا تَرْتِيب حسن، وَيَنْبَغِي جعل الْمَتْرُوك قبل المدرج، وَأَن يُقَال فِيمَا ضعفه لعدم اتِّصَال: شَره المعضل، ثمَّ الْمُنْقَطع، ثمَّ المدلس، ثمَّ الْمُرْسل.

وَنقل الشمني عَن الجوزقاني: إِن المعضل أَسْوَأ حَالا من الْمُنْقَطع، والمنقطع أَسْوَأ حَالا من الْمُرْسل. ثمَّ اعْتَرَضَهُ: بِأَن ذَلِك إِذا كَانَ الِانْقِطَاع فِي مَوضِع وَاحِد، وَإِلَّا فَهُوَ يُسَاوِي المعضل.

فالقسم الأول: وَهُوَ الطعْن بكذب الرَّاوِي فِي الحَدِيث النَّبَوِيّ هُوَ الْمَوْضُوع.

ص: 36

قَالَ بَعضهم: فِي حمله الْمَوْضُوع على الْقسم الأول الَّذِي هُوَ الطعْن نظر، إِلَّا أَن يؤول الطعْن بالمطعون.

وَيُسمى الْمَصْنُوع والمختلق، وَقد جعل الذَّهَبِيّ بَين الْمَوْضُوع والضعيف نوعا سَمَّاهُ الْمَطْرُوح وعرفه بِأَنَّهُ مَا نزل عَن رُتْبَة الضَّعِيف وارتقى عَن رُتْبَة الْمَوْضُوع، وَمثل لَهُ بِحَدِيث عَمْرو بن شمر عَن جَابر الْجعْفِيّ عَن الْحَارِث عَن عَليّ، وبجويبر عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس، وَجعله الْمُؤلف من أَفْرَاد الْمَتْرُوك.

وَالْحكم عَلَيْهِ بِالْوَضْعِ إِنَّمَا هُوَ بطرِيق الظَّن (الْغَالِب) لَا بِالْقطعِ،

ص: 37

إِذْ قد يصدق الكذوب، لَكِن لأهل الْفَنّ ملكة قَوِيَّة يميزون بهَا ذَلِك، وَإِنَّمَا يقوم بذلك مِنْهُم من يكون اطِّلَاعه تَاما، وذهنه ثاقبا، وفهمه قَوِيا، ومعرفته بالقرائن الدَّالَّة على ذَلِك متمكنة.

قَالَ الرّبيع بن خَيْثَم: إِن للْحَدِيث ضوء كضوء النَّهَار تعرفه، وظلمة كظلمة اللَّيْل تنكره.

وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: الحَدِيث الْمُنكر يقشعر مِنْهُ جلد طَالب الْعلم، وينفر مِنْهُ قلبه.

وَقيل لِابْنِ الْمُبَارك: هَذِه الْأَحَادِيث المصنوعة؟ قَالَ: تعيش

ص: 38

لَهَا الجهابذة (إِنَّا نَحن نزلنَا الذّكر وَإِنَّا لَهُ لحافظون) .

وَقد يعرف الْوَضع بِإِقْرَار وَاضعه قَالَ ابْن دَقِيق الْعِيد: لَكِن لَا يقطع بذلك أَي بِكَوْنِهِ غير مُوَافق لما فيي نَفسِي الْأَمر لاحْتِمَال أَن يكون كذب فِي ذَلِك الْإِقْرَار. انْتهى.

وَيدل لَهُم قَوْلهم: المُرَاد بِالصَّحِيحِ والضعيف مَا هُوَ الظَّاهِر لَا مَا فِي نفس الْأَمر.

وَفهم مِنْهُ بَعضهم وَهُوَ الذَّهَبِيّ فِي " الموقظة " أَنه لَا يعْمل بذلك الْإِقْرَار (أصلا) وَلَيْسَ ذَلِك مُرَاده أَي مُرَاد ابْن دَقِيق الْعِيد وَإِنَّمَا نفى الْقطع بذلك، وَلَا يلْزم من نفي الْقطع نفي الحكم، لِأَن الحكم يتبع الظَّن الْغَالِب، وَهُوَ هُنَا كَذَلِك، وَلَوْلَا ذَلِك لما سَاغَ

ص: 39

قتل الْمُعْتَرف بِالْقَتْلِ وَلَا رجم الْمُعْتَرف بِالزِّنَا لَا حتمال أَن يَكُونَا كاذبين فِيمَا اعترفا بِهِ.

قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَهل يثبت بِالْبَيِّنَةِ على أَنه وَضعه؟ يشبه أَن يكون فِيهِ التَّرَدُّد فِي أَن شَهَادَة الزُّور هَل تثبت بِبَيِّنَة؟ مَعَ الْقطع بِأَنَّهُ لَا يعْمل بِهِ. انْتهى.

وَألْحق بِإِقْرَارِهِ مَا ينزل منزلَة الْإِقْرَار: كَأَن يحدث بِحَدِيث عَن شيخ وَيسْأل عَن مولده فيذكر تَارِيخا يعلم موت الشَّيْخ قبله، وَلَا يعرف ذَلِك الحَدِيث إِلَّا عِنْده. وَمن الْقَرَائِن المفيدة للوضع مَا يُؤْخَذ من حَال الرواي كَمَا وَقع لمأمون بن أَحْمد إِنَّه ذكر بِحَضْرَتِهِ الْخلاف فِي كَون الْحسن سمع من

ص: 40

أبي هُرَيْرَة أَو لَا؟ فساق إِسْنَادًا إِلَى النَّبِي أَنه قَالَ: سمع الْحسن من أبي هُرَيْرَة.

وَقيل لَهُ: أَلا ترى إِلَى الإِمَام الشَّافِعِي (وَمن) تَابعه بخراسان؟ فَقَالَ فَوْرًا: حَدثنَا أَحْمد بن عبد الله حَدثنَا عبد الله بن معدان الْأَزْدِيّ عَن أنس مَرْفُوعا: " يكون فِي أمتِي رجل يُقَال لَهُ مُحَمَّد بن إِدْرِيس أضرّ على أمتِي من إِبْلِيس، وَرجل يُقَال لَهُ أَبُو حنيفَة هُوَ سراج أمتِي ".

وكما وَقع لغياث بن إِبْرَاهِيم إِنَّه دخل على الْمهْدي فَوَجَدَهُ يلْعَب بالحمام، فساق فِي الْحَال إِسْنَادًا إِلَى النَّبِي (إِنَّه

ص: 41

قَالَ) : لَا سبق (بِالتَّحْرِيكِ) - إِلَّا فِي نصل، أَو خف، أَو حافر. فَزَاد فِيهِ: أَو جنَاح. فَعرف الْمهْدي أَنه كذب لأجل والسبق محركة: المَال الَّذِي تقع الْمُسَابقَة / عَلَيْهِ.

وَمِمَّا دلّ على وَضعه قرينَة فِي الرَّاوِي مَا أسْندهُ الْحَاكِم عَن سيف

ص: 42

ابْن عمر التَّمِيمِي: كنت عِنْد سعد بن طريف فجَاء ابْنه من الْكتاب يبكي، فَقَالَ لَهُ: مَالك؟ قَالَ: ضَرَبَنِي الْمعلم. قَالَ: لأخزينه الْيَوْم حَدثنِي عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا: " معلمو صِبْيَانكُمْ شِرَاركُمْ، أقلهم رَحْمَة للْيَتِيم وأغلظهم على الْمِسْكِين ".

وَمِنْهَا: مَا يُؤْخَذ من حَال الْمَرْوِيّ كَأَن يكون مناقضا لنَصّ الْقُرْآن، أَو السّنة المتواترة، أَو الْإِجْمَاع الْقطعِي، أَو صَرِيح الْعقل حَيْثُ لَا يقبل شَيْء من ذَلِك التَّأْوِيل. أَو نَحْو ذَلِك: كركاكة لَفظه وَمَعْنَاهُ كالأحاديث الطَّوِيلَة المروية فِي موت الْمُصْطَفى وَغير ذَلِك، كَذَا قَالَ النَّوَوِيّ كَابْن الصّلاح.

قَالَ الْمُؤلف: والمدار بِالْحَقِيقَةِ على ركة الْمَعْنى، فَحَيْثُ وجدت

ص: 43

دلّ على الْوَضع وَإِن انْتَفَت ركة اللَّفْظ، فَإِن هَذَا الدّين كُله محَاسِن والركة ترجع إِلَى الرداءة. وَأما ركة اللَّفْظ فَقَط فَلَا تدل لاحْتِمَال الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى، نعم إِن صرح بسماعة من لفظ الْمُصْطَفى فكاذب.

وككون الْحس يَدْفَعهُ، وككونه خَبرا عَن أَمر جسيم تتوفر الدَّوَاعِي على نَقله بِحَضْرَة جمع ثمَّ لم يَنْقُلهُ عَنهُ إِلَّا وَاحِد، وككونه فِيهِ إفراط بالوعيد الشَّديد على أَمر صَغِير أَو وعد عَظِيم على فعل / حقير، وَهَذَا كثير فِي حَدِيث الْقصاص. ذكره كُله الْمُؤلف وَسَبقه إِلَى غالبه الزَّرْكَشِيّ فَقَالَ: يعرف بِإِقْرَار وَاضعه كَمَا قيل لأبي عصمَة نوح بن أبي مَرْيَم: من أَيْن لَك عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس فِي

ص: 44

فَضَائِل الْقُرْآن سُورَة سُورَة، وَلَيْسَ عِنْد أَصْحَاب عِكْرِمَة؟ قَالَ: رَأَيْت النَّاس أَعرضُوا عَنهُ وَاشْتَغلُوا بالفقه والمغازي فَوضعت هَذَا الحَدِيث احتسابا.

قَالَ: وَيعرف - أَيْضا - من حَال الرَّاوِي كَقَوْلِه سَمِعت فلَانا يَقُول، وَعلمنَا موت الْمَرْوِيّ عَنهُ قبل وجوده.

أَو من حَال الْمَرْوِيّ كركة لفظ حَيْثُ تمْتَنع الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى، ومخالفته الْقَاطِع وَلم يقبل التَّأْوِيل، أَو لتَضَمّنه لما تتوفر الدَّوَاعِي على نَقله، أَو لكَونه أصلا فِي الدّين وَلم يتواتر كالنص الَّذِي زعم الرافضة دلَالَته على إِمَامَة عَليّ رضي الله عنه.

وَفِي " جمع الْجَوَامِع " أخذا من " الْمَحْصُول ": الْمُعْتَمد أَن كل خبر أوهم بَاطِلا وَلم يقبل التَّأْوِيل فمكذوب. اه قَالَ الْبَيْضَاوِيّ

ص: 45

وَقع هَذَا عَن الثِّقَات لَا عَن تعمد بل لنسيان كَمَا رُوِيَ أَن ابْن عمر روى أَن الْمَيِّت يعذب ببكاء أَهله فَبلغ ابْن عَبَّاس فَقَالَ: ذهل أَبُو عبد الرَّحْمَن انه عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام مر بِيَهُودِيٍّ يبكي على ميت فَقَالَ: " إِنَّه يبكي عَلَيْهِ وَإنَّهُ يعذب ".

أَو لالتباس لفظ، أَو تَغْيِير عبارَة كَمَا رُوِيَ عَن ابْن عمر أَنه عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام وقف على قَتْلَى بدر فَقَالَ:" هَل وجدْتُم مَا وعد ربكُم حَقًا؟ " / ثمَّ قَالَ: " إِنَّهُم الْآن يسمعُونَ مَا أَقُول ". فَبلغ ذَلِك عَائِشَة فَقَالَت: لَا بل قَالَ: إِنَّهُم ليعلمون مَا أَقُول، أَن الَّذِي

ص: 46

كنت أَقُول لَهُم هُوَ الْحق.

أَو لِأَنَّهُ ذكره الرَّسُول حِكَايَة فَحسب الرَّاوِي أَنه قَوْله، كَمَا روى أَبُو هُرَيْرَة:" الشؤم فِي ثَلَاث "، فَقَالَت عَائِشَة: إِنَّمَا قَالَه حِكَايَة عَن غَيره.

أَو لِأَن مَا قَالَه كَانَ مُخْتَصًّا بِسَبَب فَنقل الرَّاوِي عَنهُ كَمَا روى أَبُو هُرَيْرَة: " التَّاجِر فَاجر ". فَقَالَت عَائِشَة: إِنَّمَا قَالَه فِي تَاجر مُدَلّس.

ص: 47

وَمن الْمَقْطُوع بكذبه مَا ثَبت عِنْد من الْأَخْبَار وَلم يُوجد عِنْد أَهله من صُدُور الروَاة وبطون الْكتب، قَالَ الْعِزّ ابْن جمَاعَة: وَقد تنَازع فِي إفضائه إِلَى الْقطع غَايَته غَلَبَة الظَّن.

وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: وَمَا أحسن قَول الْقَائِل: إِذا رَأَيْت الحَدِيث يباين الْمَعْقُول، أَو يُخَالف الْمَنْقُول، أَو يُنَاقض الْأُصُول، فَاعْلَم أَنه مَوْضُوع.

وَمن الْمُخَالف لِلْعَقْلِ مَا رَوَاهُ ابْن الْجَوْزِيّ من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن أسلم عَن أَبِيه عَن جده مَرْفُوعا: " إِن سفينة نوح طافت بِالْبَيْتِ سبعا وصلت عِنْد الْمقَام رَكْعَتَيْنِ ".

وَقد ألف ابْن الْجَوْزِيّ كتاب " الموضوعات "، وَلِلنَّاسِ عَلَيْهِ

ص: 48

انتقادات، قَالَ الْمُؤلف: وغالب مَا فِي كتاب ابْن الْجَوْزِيّ مَوْضُوع وَالَّذِي ينْتَقد عَلَيْهِ بِالنِّسْبَةِ لما لَا ينْتَقد قَلِيل جدا.

ثمَّ الْمَوْضُوع تَارَة يخترعه الْوَاضِع كأكثر الموضوعات / وَتارَة يَأْخُذ كَلَام غَيره كبعض السّلف الصَّالح أَو الزهاد أَو الْحُكَمَاء أَو الْإسْرَائِيلِيات كَحَدِيث " الْمعدة بَيت الدَّاء وَالْحمية رَأس الدَّوَاء ". لَا أصل لَهُ من كَلَام الْمُصْطَفى بل هُوَ كَلَام الْحَارِث بن كلدة طَبِيب الْعَرَب.

وَمثله الْعِرَاقِيّ فِي " شرح الألفية " بِحَدِيث: " حب الدُّنْيَا رَأس كل خَطِيئَة " فَإِنَّهُ كَلَام مَالك بن دِينَار كَمَا رَوَاهُ ابْن (أبي الدُّنْيَا فِي

ص: 49

نظمه " المكايد "، أَو كَلَام عِيسَى ابْن مَرْيَم كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي الزّهْد. وَلَا أصل لَهُ فِي الحَدِيث إِلَّا من مَرَاسِيل الْحسن وَهِي عِنْدهم شبه الرّيح. قَالَ الْمُؤلف: لَكِن إِسْنَاده إِلَى الْحسن حسن، ومراسيله أثنى عَلَيْهَا ابْن الْمَدِينِيّ.

أَو يَأْخُذ حَدِيثا ضَعِيف الْإِسْنَاد فيركب لَهُ إِسْنَادًا صَحِيحا ليروج. وَقيل: إِن الْحَافِظ ابْن دحْيَة كَانَ يفعل ذَلِك.

ص: 50

وَالْحَامِل للواضع على الْوَضع: إِمَّا اتِّبَاع هوى بعض الرؤساء كقصة الْمهْدي، وَالْأَحَادِيث الَّتِي وضعت فِي الدولة العباسية نصوصا على إِمَامَة الْعَبَّاس وَأَوْلَاده إِلَى قيام السَّاعَة، أَو التكسب والارتزاق بِهِ فِي قصصهم.

أَو عدم الدّين كالزنادقة فيفعل أحدهم ذَلِك طَعنا فِي الدّين، وتنفيرا للعقلاء عَنهُ، كَمَا رُوِيَ أَنه قيل لَهُ: يَا رَسُول الله: مِم رَبنَا؟ فَقَالَ: " خلق خيلا فأجراها فعرقت فخلق نَفسه عَن ذَلِك الْعرق ". تَعَالَى الله عَمَّا يَقُول الظَّالِمُونَ علوا كَبِيرا.

ص: 51

أَو غَلَبَة الْجَهْل كبعض / المتعبدين كَمَا وَقع لغلام بِبَغْدَاد كَانَ يتعبد ويتزهد وَيتْرك الشَّهَوَات، فَقيل لَهُ عِنْد مَوته: حسن ظَنك؟ قَالَ: كَيفَ لَا وَقد وضعت سبعين حَدِيثا فِي فضل عَليّ. فَمَاتَ فأغلقت بَغْدَاد لمشهده.

أَو فرط العصبية كبعض المقلدين أَي كفرط تعصبه لمَذْهَب إِمَامه على مَذْهَب غَيره، فَيَضَع ذَلِك تقريرا لمذهبه وردا للخصم، كَمَا رُوِيَ أَنه قَالَ: " سَيَجِيءُ أَقوام

ص: 52

من أمتِي يَقُولُونَ الْقُرْآن مَخْلُوق فَمن قَالَ ذَلِك فقد كفر، " وَطلقت امْرَأَته لِأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لمؤمنة أَن تكون تَحت كَافِر ".

أَو الإغراب لقصد الاشتهار كَأَن يقلب سَنَد الحَدِيث المستغرب فيرغب فِي سماعهَا كَمَا وَقع لِابْنِ أبي دحْيَة،

ص: 53

وبهلول بن عبيد، وأصرم بن حَوْشَب وَغَيرهم.

وكل ذَلِك حرَام بِإِجْمَاع من يعْتد بِهِ إِلَّا أَن بعض الكرامية وَبَعض المتصوفة نقل عَنْهُم إِبَاحَة (الْوَضع فِي) التَّرْغِيب والترهيب وَهُوَ خطأ فَاحش من فَاعله، نَشأ عَن جهل لِأَن التَّرْغِيب من جملَة الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة.

قَالَ فِي " التَّقْرِيب " - كَأَصْلِهِ:

ص: 54

وأعظمهم ضَرَرا قوم ينسبون إِلَى الزّهْد وضعوه حسبَة لله فِي زعمهم الْفَاسِد فَقبلت موضوعاتهم ثِقَة بهم، وركونا لَهُم. وَلِهَذَا قَالَ يحيى الْقطَّان: مَا رَأَيْت الْكَذِب فِي أحد أَكثر مِنْهُ فِيمَن ينْسب للخير - أَي لعدم علمهمْ بتفرقة مَا يجوز لَهُم وَيمْتَنع عَلَيْهِم. اه قَالَ ابْن عدي: كَانَ وهب بن حَفْص من الصلحاء قلت عشْرين سنة لَا يكلم أحده وَكَانَ يكذب فِي الحَدِيث.

وَأعظم الْبلَاء من الْقصاص يَفْعَلُونَ ذَلِك ترقيقا لقلوب الْعَوام

ص: 55

وترغيبا فِي الْأَذْكَار والأوراد، كَمَا يحْكى أَن أَحْمد بن حَنْبَل وَابْن معِين حضرا مَسْجِد رصافة، فَقَامَ قاص فَقَالَ: أخبرنَا أَحْمد بن حَنْبَل وَابْن معِين وسَاق بإسنادهما حَدِيثا أَن: من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله خلق الله من كل كلمة مِنْهَا طيرا منقاره من ذهب. . وَأخذ فِي قصَّة طَوِيلَة فَنظر يحيى إِلَى أَحْمد وَقَالَ: أَنْت حدثته. فَقَالَ: مَا سمعته إِلَّا السَّاعَة. فَدَعَاهُ يحيى وَقَالَ: مَا سمعنَا بِهَذَا قطّ. قَالَ: مَا زلت أسمع أَن يحيى أَحمَق وَمَا تحققته إِلَّا السَّاعَة، لَيْسَ فِي الدُّنْيَا غيركما أَحْمد وَيحيى قد كتبت على سَبْعَة عشر أَحْمد وَيحيى ابْن معِين.

ص: 56

وَمن الْمَوْضُوع: حَدِيث فَضَائِل الْقُرْآن سُورَة سُورَة كَمَا مر، وَضعه ميسرَة بن عبد ربه، وَأَخْطَأ من ذكره من الْمُفَسّرين كَالثَّعْلَبِيِّ، والزمخشري، والبيضاوي.

وَمِنْه أَحَادِيث الْأرز، والعدس، والباذنجان

ص: 57

والهريسة وفضائل من أُسَمِّهِ أَحْمد وَمُحَمّد، ووصايا عَليّ وَأَحَادِيث الْعقل.

ص: 58

وَحَدِيث القس بن سَاعِدَة وَغير ذَلِك. وَاتَّفَقُوا أَي الْعلمَاء قاطبة على أَن تعمد الْكَذِب على النَّبِي من الْكَبَائِر، وَبَالغ الْجُوَيْنِيّ بِالتَّصْغِيرِ نِسْبَة إِلَى جوينة نَاحيَة / بنيسابور، وقرية بسرخس، وَالِد إِمَام الْحَرَمَيْنِ. فَكفر

ص: 59

من تعمد الْكَذِب عَلَيْهِ قَالَ النَّوَوِيّ: حكى إِمَام الْحَرَمَيْنِ عَن أَبِيه: أَن من كذب على رَسُول الله عمدا كفر. ثمَّ رده: بِأَنَّهُ لم يره لأحد من الْأَصْحَاب، وَأَنه هفوة عَظِيمَة. وَفِي " الْإِحْيَاء ": أَنه من الْكَبَائِر الَّتِي لَا يقاومها شَيْء.

وَاتَّفَقُوا - أَيْضا - على تَحْرِيم رِوَايَة الْمَوْضُوع إِلَّا مَقْرُونا ببيانه كَأَن يُقَال: هَذَا حَدِيث مَوْضُوع وتسميته حَدِيثا إِنَّمَا هُوَ بزعم وَاضعه.

بقوله: " من حدث عَنى بِحَدِيث يرى - بِضَم فَفتح يظنّ، وبفتحتين يعلم، وَالْأول أشهر - أَنه كذب فَهُوَ أحد الْكَذَّابين " بِصِيغَة الْجمع بِاعْتِبَارِهِ كَثْرَة النقلَة، وبالتثنية بِاعْتِبَار المفترى والناقل عَنهُ، رَوَاهُ مُسلم وَأحمد عَن سَمُرَة بن جُنْدُب.

ص: 60