الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ قِصَّةِ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ [1]
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ [2] : حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لبيد،
[1] انظر عنه: مسند أحمد 5/ 437- 444، السير والمغازي لابن إسحاق 87- 93، سيرة ابن هشام 1/ 247- 253، طبقات ابن سعد 4/ 75- 93، طبقات خليفة 7 و 140 و 189، المحبّر 75، تاريخ خليفة. 90، التاريخ الكبير 4/ 135، 136، المعارف 270، 271، الجرح والتعديل 4/ 296، 297، الكنى والأسماء للدولابي 1/ 78، المعرفة والتاريخ 3/ 272- 274، مشاهير علماء الأمصار 44 رقم 274، تاريخ أبي زرعة 1/ 648، 649، حلية الأولياء 1/ 185- 208، ذكر أخبار أصبهان 1/ 48- 57، الاستيعاب 2/ 56- 61، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد 85 رقم 56، تاريخ الرسل والملوك 1/ 93 وما بعدها و 2/ 566 وما بعدها، و 3/ 171 وما بعدها، و 4/ 11 وما بعدها، أنساب الأشراف 1/ 488، تاريخ بغداد 1/ 163- 171، تاريخ دمشق (مخطوط التيمورية) 16/ 92 و 24/ 378، تهذيب تاريخ دمشق 6/ 190- 211، الكامل في التاريخ 3/ 287، الروض الأنف للسهيلي 1/ 250، 251، صفة الصفوة 1/ 523- 555 رقم 59، التذكرة الحمدونية 1/ 130 و 138 و 144 تهذيب الأسماء واللغات ق 1 ج 1/ 226- 228، تهذيب الكمال 1/ 523، أسد الغابة 2/ 417، دول الإسلام 1/ 31، المعين في طبقات المحدّثين 21 رقم 49، الكاشف 1/ 304 رقم 2038، سير أعلام النبلاء 1/ 505- 558 رقم 91، مجمع الزوائد 9/ 332- 334، الوافي بالوفيات 15/ 309، 310 رقم 433، مرآة الجنان 1/ 100، عيون الأثر 1/ 60- 68، الوفيات لابن قنفذ 54، تهذيب التهذيب 4/ 137، تقريب التهذيب 1/ 315 رقم 346، الإصابة 2/ 62، 63 رقم 3357، خلاصة تذهيب التهذيب 147، كنز العمال 13/ 421، شذرات الذهب 1/ 44، موسوعة علماء المسلمين (من إعدادنا) 2/ 297- 299 رقم 641.
[2]
السير والمغازي 87، سيرة ابن هشام 1/ 247.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. حَدَّثَنِي سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ قَالَ: «كُنْتُ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ فَارِسَ مِنْ أَهْلِ إِصْبَهَانَ، مِنْ قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا جَيٌّ [1] وَكَانَ أَبِي دِهْقَانَ أَرْضِهِ [2] ، وَكَانَ يُحِبُّنِي حُبًّا شَدِيدًا، لَمْ يُحِبَّهُ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ وَلَا وَلَدِهِ، فَمَا زَالَ بِهِ حُبُّهُ إِيَّايَ حَتَّى حَبَسَنِي فِي الْبَيْتِ كَمَا تُحْبَسُ الْجَارِيَةُ، وَاجْتَهَدْتُ فِي الْمَجُوسِيَّةِ حَتَّى كُنْتُ قَطِنَ النَّارِ [3] الَّتِي يُوقِدُهَا، فلا أتركها تخبر سَاعَةً، فَكُنْتُ لِذَلِكَ [4] لَا أَعْلَمُ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ شَيْئًا إِلَّا مَا أَنَا فِيهِ، حَتَّى بَنَى أَبِي بُنْيَانًا لَهُ، وَكَانَتْ لَهُ ضَيْعَةٌ فِيهَا بَعْضُ الْعَمَلِ، فَدَعَانِي فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ، إِنَّهُ قَدْ شَغَلَنِي مَا تَرَى مِنْ بُنْيَانِي عَنْ ضَيْعَتِي هَذِهِ، وَلَا بُدَّ لِي مِنَ اطِّلاعِهَا، فَانْطَلِقْ إِلَيْهَا [5] فَمُرْهُمْ بِكَذَا وَكَذَا، وَلَا تَحْتَبِسْ عَلَيَّ [6] فَإِنَّكَ إِنِ احْتَبَسْتَ عَنِّي شَغَلَنِي [7] ذَلِكَ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، فَخَرَجْتُ أُرِيدُ ضَيْعَتَهُ، فَمَرَرْتُ بِكَنِيسَةٍ لِلنَّصَارَى [8]، فَسَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمْ [9] فَقُلْتُ: مَا هذا؟ قالوا: النّصارى [10] ، فدخلت [11] فأعجبني حالهم [12] ، فو الله مَا زِلْتُ جَالِسًا عِنْدَهُمْ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ.
وَبَعَثَ أَبِي فِي طَلَبِي فِي كُلِّ وَجْهٍ حتّى جئته حين أمسيت، ولم أذهب
[1] جيّ: بفتح الجيم وياء مشدّدة. مدينة ناحية أصبهان، تسمّى عند العجم شهرستان، وعند المحدّثين: المدينة، وقد نسب إليها المديني عالم من أهل أصبهان، (معجم البلدان 2/ 202) .
[2]
رئيسها.
[3]
قطن النار: مقيم عندها. وسيأتي التعريف في متن المؤلّف في آخر هذا الخبر.
[4]
في السير والمغازي «كذلك» .
[5]
في السير والمغازي «إليهم» .
[6]
في السير والمغازي «عني» .
[7]
في السير والمغازي «شغلتني عن كل شيء» . وفي سيرة ابن هشام 1/ 247 «شغلتني عن كل شيء من أمري» .
[8]
في السير والمغازي «النصارى» وفي السيرة لابن هشام «كنيسة من كنائس النصارى» .
[9]
في السير «أصواتهم فيها» وفي السيرة «أصواتهم فيها وهم يصلّون» وفيها زيادة.
[10]
في السير «هؤلاء النصارى يصلّون» .
[11]
في السير «فدخلت انظر» .
[12]
في السير «فأعجبني ما رأيت من حالهم» .
إِلَى ضَيْعَتِهِ فَقَالَ: أَيْنَ [1] كُنْتَ؟ فَقُلْتُ: [2] مَرَرْتُ بِالنَّصَارَى، فَأَعْجَبَنِي صَلَاتُهُمْ وَدُعَاؤُهُمْ، فَجَلَسْتُ أَنْظُرُ كَيْفَ يَفْعَلُونَ. قَالَ: أَيْ بُنَيَّ دِينُكَ وَدِينُ آبَائِكَ خَيْرٌ مِنْ دِينِهِمْ، فَقُلْتُ: لَا وَاللَّهِ مَا هُوَ بِخَيْرٍ مِنْ دِينِهِمْ، هَؤُلَاءِ قَوْمٌ يَعْبُدُونَ اللَّهَ، وَيَدْعُونَهُ وَيُصَلُّونَ لَهُ، نَحْنُ [3] نَعْبُدُ نَارًا نُوقِدُهَا بِأَيْدِينَا، إِذَا تَرَكْنَاهَا مَاتَتْ، فَخَافَ [4] فَجَعَلَ فِي رِجْلَيَّ حَدِيدًا وَحَبَسَنِي [5]، فَبَعَثْتُ إِلَى النَّصَارَى فَقُلْتُ: أَيْنَ أَصْلُ [6] هَذَا الدِّينِ الَّذِي أَرَاكُمْ عَلَيْهِ؟ قَالُوا: بِالشَّامِ، فَقُلْتُ: فَإِذَا قَدِمَ عَلَيْكُمْ مِنْ هُنَاكَ نَاسٌ فَآذِنُونِي، قَالُوا: نَفْعَلُ، فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ نَاسٌ مِنْ تُجَّارِهِمْ [7] فَآذَنُونِي بِهِمْ، فَطَرَحْتُ الْحَدِيدَ مِنْ [8] رِجْلَيَّ وَلَحِقْتُ بِهِمْ، فَقَدِمْتُ مَعَهُمُ الشَّامَ [9]، فَقُلْتُ: مَنْ أَفْضَلُ أَهْلِ هَذَا الدِّينِ؟ قَالُوا:
الْأَسْقُفُّ صَاحِبُ الْكَنِيسَةِ، فَجِئْتُهُ فَقُلْتُ: إِنِّي قَدْ أَحْبَبَتُ أَنْ أَكُونَ مَعَكَ فِي كَنِيسَتِكَ، وَأَعْبُدَ اللَّهَ فِيهَا مَعَكَ، وَأَتَعَلَّمَ مِنْكَ الْخَيْرَ، قَالَ: فَكُنْ مَعِي، قَالَ: فَكُنْتُ مَعَهُ، فَكَانَ رَجُلَ سَوْءٍ، يَأْمُرُ بِالصَّدَقَةِ وَيُرَغِّبُهُمْ فِيهَا، فَإِذَا جَمَعُوهَا لَهُ [10] اكْتَنَزَهَا وَلَمْ يُعْطِهَا الْمَسَاكِينَ، فَأَبْغَضْتُهُ بُغْضًا شَدِيدًا، لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حَالِهِ، فَلَمْ يَنْشَبْ أَنْ مَاتَ، فَلَمَّا جَاءُوا لِيَدْفِنُوهُ قُلْتُ لهم: هذا رجل
[1] في السير «أي بني أين كنت، ألم أكن قلت لك» ؟.
[2]
في السير 87 «فقلت: يا أبتاه مررت بأناس يقال لهم النصارى» .
[3]
في السير «ونحن إنّما نعبد» .
[4]
في السير «فخافني» .
[5]
في السير «وحبسني في بيت عنده» .
[6]
في السير «فقلت لهم: أين أهل» .
[7]
يحذف المؤلّف هنا فقرة، أنقلها من السير هي:«فبعثوا إليّ: إنه قد قدم علينا تجار من تجارنا، فبعثت إليهم إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الخروج فآذنوني بهم، قالوا: نفعل، فلما قضوا حوائجهم، وأرادوا الرحيل بعثوا إليّ بذلك» .
[8]
في السير «الّذي في رجلي» .
[9]
في السير «فانطلقت معهم حتى قدمت الشام، فلما قدمتها قلت» .
[10]
في السير «إليه» .
سَوْءٍ، كَانَ يَأْمُرُكُمْ بِالصَّدَقَةِ [1] وَيَتَكَنَّزُهَا، قَالُوا: وَمَا عَلَامَةُ ذَلِكَ؟ قُلْتُ: أَنَا أُخْرِجُ إِلَيْكُمْ كَنْزَهُ، [2] فَأَخْرَجْتُ لَهُمْ سَبْعَ قِلالٍ مَمْلُوءَةً ذَهَبًا وَوَرِقًا [3] فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَالُوا: وَاللَّهِ لَا يُدْفَنُ أَبَدًا، فَصَلَبُوهُ [4] وَرَمَوْهُ بِالْحِجَارَةِ، وَجَاءُوا بِرَجُلٍ [5] فَجَعَلُوهُ مكانه، ولا والله [6] يا بن عَبَّاسٍ، مَا رَأَيْتُ رَجُلًا قَطُّ لَا يُصَلِّي الْخَمْسَ، أَرَى أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ، وَأَشَدُّ اجْتِهَادًا، وَلَا أَزْهَدُ فِي الدُّنْيَا، وَلَا أَدْأَبُ لَيْلا وَنَهَارًا [7] ، وَمَا أَعْلَمُنِي أَحْبَبْتُ شَيْئًا قَطُّ قَبْلَهُ حُبَّهُ، فَلَمْ أَزَلْ مَعَهُ حَتَّى حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، فَقُلْتُ [8] : قَدْ حَضَرَكَ مَا تَرَى مِنْ أَمْرِ اللَّهِ [9] فَمَاذَا تَأْمُرُنِي وَإِلَى مَنْ تُوصِينِي؟ قَالَ لِي: أَيْ بُنَيَّ، وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُهُ إِلَّا رَجُلًا [10] بِالْمَوْصِلِ، فَأْتِهِ فَإِنَّكَ سَتَجِدُهُ عَلَى مِثْلِ حَالِي.
فَلَمَّا مَاتَ [11] لَحِقْتُ بَالْمَوْصِلِ، فَأَتَيْتُ صَاحِبَهَا فَوَجَدْتُهُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ مِنَ الِاجْتِهَادِ وَالزُّهْدِ [12]، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ فُلَانًا أَوْصَى بِي إِلَيْكَ [13] . قَالَ:
فَأَقِمْ أَيْ بُنَيَّ، فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ عَلَى مِثْلِ أَمْرِ صَاحِبِهِ حَتَّى حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، فَقُلْتُ: إِنَّ فُلَانًا أَوْصَى بِي إِلَيْكَ [14] ، وَقَدْ حَضَرَكَ من أمر الله ما ترى، فإلى
[1] في السير «ويرغّبكم فيها، حتى إذا جمعتموها إليه اكتنزها ولم يعطها المساكين» .
[2]
في السير «فقالوا: فهاته» .
[3]
أي فضّة.
[4]
في السير «فصلبوه على خشبة» .
[5]
في السير «برجل آخر» .
[6]
في السير «فلا والله» .
[7]
في السير «ليلا ولا نهارا منه» .
[8]
في السير «فقلت يا فلان» .
[9]
في السير «من أمر الله عز وجل وإني والله ما أحببت شيئا قطّ حبّك» .
[10]
في الأصل «رجل» والتصحيح من السير والمغازي.
[11]
في السير «فلما مات وغيّب» .
[12]
في السير «والزهاد في الدنيا» .
[13]
في السير «أوصاني إليك أن آتيك وأكون معك» .
[14]
في السير «أوصاني إليك» .
مَنْ تُوصِينِي [1] ؟ قَالَ: وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُهُ [2] إِلَّا رَجُلًا [3] بِنَصِيبِينَ [4] ، فَلَمَّا [5] دَفَنَّاهُ لَحِقْتُ بِالْآخَرِ [6] ، فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِمْ، حَتَّى حَضَرَهُ الْمَوْتُ [7] فَأَوْصَى بِي إِلَى رَجُلٍ مِنْ عَمُّورِيَّةَ بِالرُّومِ، فَأَتَيْتُهُ فَوَجَدْتُهُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِمْ، فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ وَاكْتَسَبْتُ حَتَّى كَانَتْ لِي غُنَيْمَةٌ وَبُقَيْرَاتٌ [8] ، ثُمَّ [9] احْتَضَرَ فَكَلَّمْتُهُ، فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ [10] بَقِيَ أَحَدٌ عَلَى مِثْلِ مَا كُنَّا عَلَيْهِ [11] ، وَلَكِنْ قَدْ أَظَلَّكَ زَمَانُ نَبِيٍّ يُبْعَثُ مِنَ الْحَرَمِ، مُهَاجِرُهُ بَيْنَ حَرَّتَيْنِ أَرْضٌ سَبْخَةٌ ذَاتُ نَخْلٍ، وَإِنَّ فِيهِ عَلامَاتٍ لَا تَخْفَى، بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ وَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَخْلُصَ إِلَى تِلْكَ الْبِلادِ فَافْعَلْ، فَإِنَّهُ قَدْ أَظَلَّكَ زَمَانُهُ، فَلَمَّا وَارَيْنَاهُ أَقَمْتُ [12] حَتَّى مَرَّ بِي رِجَالٌ مِنْ تُجَّارِ الْعَرَبِ مِنْ كَلْبٍ، فَقُلْتُ لَهُمْ: تحملوني [13] إلى أرض العرب، وأنا
[1] كلمة «توصيني» ليست في السير.
[2]
في السير «ما أعلمه أي بني» .
[3]
في الأصل «رجل» والتصحيح من السير والمغازي.
[4]
من بلاد على جادّة القوافل من الموصل إلى الشام (معجم البلدان 5/ 288) .
[5]
في السير «هو على مثل ما نحن عليه، فالحق به، فلما» .
[6]
في السير «فقلت له: يا فلان إن فلانا أوصاني إلى فلان، وفلان أوصاني إليك، قال: فأقم أي بني» .
[7]
[8]
في السير «بقرات» .
[9]
[10]
في السير «أعلمه» .
[11]
في السير «ما كنا عليه آمرك أن تأتيه، ولكنه» .
[12]
في السير 90 «أقمت على خير» .
[13]
في السير «تحملوني معكم حتى تقدموني أرض العرب» .
أُعْطِيكُمْ غُنَيْمَتِي هَذِهِ وَبَقَرَاتِي؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَأَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا وَحَمَلُونِي، حَتَّى إِذَا جَاءُوا بِي وَادِيَ الْقُرَى ظَلَمُونِي فَبَاعُونِي عَبْدًا مِنْ رَجُلٍ يَهُودِيٍّ [1] بوادي القرى، فو الله لَقَدْ رَأَيْتُ النَّخْلَ، وَطَمِعْتُ أَنْ يَكُونَ الْبَلَدَ الَّذِي نَعَتَ لِي صَاحِبِي، وَمَا حُقَّتْ عِنْدِي حَتَّى قَدِمَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ [2] فَابْتَاعَنِي [3] ، فخرج بي حتى قدمنا المدينة، فو الله مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُهَا فَعَرَفْتُ نَعْتَهَا [4] فَأَقَمْتُ فِي رِقِّي [5] .
وَبَعَثَ اللَّهُ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ، لَا يُذْكَرُ لِي شَيْءٌ مِنْ أَمْرِهِ، مَعَ مَا أَنَا فِيهِ مِنَ الرِّقِ، حَتَّى قَدِمَ قُبَاءَ، وَأَنَا أَعْمَلُ لصاحبي في نخله [6] ، فو الله إِنِّي لَفِيهَا، إِذْ جَاءَ ابْنُ عَمٍّ لَهُ فَقَالَ: يَا فُلانُ قَاتَلَ اللَّهُ بَنِي قِيَلَةَ [7] ، وَاللَّهِ إِنَّهُمُ الْآنَ [8] مُجْتَمِعُونَ عَلَى رَجُلٍ جَاءَ من مكة، يزعمون أنّه نبيّ، فو الله مَا هُوَ إِلَّا أَنْ سَمِعْتُهَا فَأَخَذَتْنِي الْعَرْوَاءُ- يَقُولُ الرِّعْدَةُ- حَتَّى ظَنَنْتُ لَأَسْقُطَنَّ عَلَى صَاحِبِي، وَنَزَلْتُ أَقُولُ: مَا هَذَا الْخَبَرُ؟ فَرَفَعَ مَوْلايَ يده فلكمني لكمة شديدة، وقال: مالك وَلِهَذَا أَقْبِلْ عَلَى [9] عَمَلِكَ. فَقُلْتُ: لَا شَيْءَ، إنّما سمعت خيرا فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَعْلَمَهُ، فَلَمَّا أَمْسَيْتُ وَكَانَ عِنْدِي شَيْءٌ مِنْ طَعَامٍ، فَحَمَلْتُهُ وَذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِقُبَاءَ فَقُلْتُ لَهُ: بَلَغَنِي أَنَّكَ رَجُلٌ صَالِحٌ، وَأَنَّ مَعَكَ أَصْحَابًا لَكَ غُرَبَاءَ، وَقَدْ كَانَ عِنْدِي شيء للصّدقة،
[1] في السير «من يهود» بدلا من «يهودي» .
[2]
في السير «من يهود وادي القرى» .
[3]
في السير «من صاحبي الّذي كنت عنده» .
[4]
في السير «نعته» .
[5]
في السير «مع صاحبي» .
[6]
في السير «نخلة له» .
[7]
هي أمّ الأوس والخزرج الأنصار.
[8]
في السير «الآن لفي قباء» .
[9]
في السير «قبل عملك» .
فَرَأَيْتُكُمْ أَحَقَّ مَنْ بِهَذِهِ الْبِلادِ فَهَاكَهَا [1] فَكُلْ مِنْهُ، فَأَمْسَكَ [2] وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ:
كُلُوا [3] ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي هَذِهِ وَاحِدَةٌ [4] ، ثُمَّ رَجَعْتُ وَتَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى المدينة، فَجَمَعْتُ شَيْئًا [5] ثُمَّ جِئْتُهُ بِهِ، فَقُلْتُ [6] : هَذَا هَدِيَّةٌ، فَأَكَلَ [7] وَأَكَلَ أَصْحَابُهُ، فَقُلْتُ: هَذِهِ خِلَّتَانِ، ثُمَّ جِئْتُهُ [8] وَهُوَ يَتْبَعُ جِنَازَةً وَعَلَيَّ شَمْلَتَانِ [9] لِي، وَهُوَ فِي أَصْحَابِهِ، فَاسْتَدَرْتُ [10] لِأَنْظُرَ إِلَى الْخَاتَمِ [11] ، فَلَمَّا رَآنِي اسْتَدْبَرْتُهُ [12] عَرَفَ أَنِّي أَسْتَثْبِتُ شَيْئًا [13] وُصِفَ لِي، فَوَضَعَ رِدَاءَهُ عَنْ ظَهْرِهِ، فَنَظَرْتُ إِلَى الْخَاتَمِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، كَمَا وَصَفَ لِي صَاحِبِي، فَأَكْبَبْتُ عَلَيْهِ أُقَبِّلُهُ وَأَبْكِي، فَقَالَ: تَحَوَّلْ يَا سَلْمَانُ هَكَذَا، فَتَحَوَّلْتُ، فَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَحَبَّ أَنْ يَسْمَعَ أَصْحَابُهُ حَدِيثِي عَنْهُ، فحدّثته يا بن عَبَّاسٍ كَمَا حَدَّثْتُكَ.
فَلَمَّا فَرَغْتُ قَالَ: «كَاتِبْ يَا سَلْمَانُ» فَكَاتَبْتُ صَاحِبِي عَلَى ثَلَاثِمِائَةِ نَخْلَةٍ أُحْيِيهَا [14] لَهُ وَأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً، فَأَعَانَنِي أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
[1] في السير «البلاد به، فها هو هذا» .
[2]
في السير «فأمسك برسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ» .
[3]
فِي السير «ولم يأكل» .
[4]
في السير «هذه خلّة مما وصف لي صاحبي» .
[5]
في السير «شيئا كان عندي» .
[6]
في السير «فقلت إني رأيتك لا تأكل الصدقة، وهذه هدية وكرامة ليست بالصدقة» .
[7]
في السير «فَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» .
[8]
فِي السير «ثم جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» .
[9]
الشملة: كساء يغطى به ويتلفّف فيه. (النهاية في غريب الحديث) .
[10]
في السير «فاستدرت به» .
[11]
في السير «الخاتم في ظهره» .
[12]
في السير «استدبر 2.
[13]
في السير «من شيء قد» .
[14]
في طبعة القدسي 2/ 54 «أجبيها» وهو تحريف.
بِالنَّخْلِ [1] ثَلَاثِينَ وَدِيَّةً وَعِشْرِينَ وَدِيَّةً وَعَشْرًا، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقِّرْهَا [2] ، فَإِذَا فَرَغْتَ فَآذِنِّي حَتَّى أَكُونَ أَنَا الَّذِي أَضَعُهَا بِيَدِي، فَفَقَّرْتُهَا [3] .
وَأَعَانَنِي أَصْحَابِي، يَقُولُ حَفَرْتُ لَهَا بِمَوْضِعٍ حَيْثُ تُوضَعُ حَتَّى فَرَغْنَا مِنْهَا [4] ، وَخَرَجَ مَعِي، فَكُنَّا نَحْمِلُ إِلَيْهِ الْوَدِيَّ [5] فيضعه بيده ويسوّي عليها [6] ، فو الّذي بَعَثَهُ مَا مَاتَ مِنْهَا وَدِيَّةٌ وَاحِدَةٌ.
وَبَقِيَتْ عَلَيَّ الدَّرَاهِمُ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ بَعْضِ الْمَعَادِنِ بِمِثْلِ الْبَيْضَةِ مِنَ الذَّهَبِ [7] فَقَالَ: أَيْنَ الْفَارِسِيُّ [8] ؟ فَدُعِيتُ لَهُ فَقَالَ: خُذْ هَذِهِ [9] فَأَدِّ بِهَا مَا عَلَيْكَ، (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَيْنَ تَقَعُ هَذِهِ مِمَّا عَلَيَّ؟ قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ سيؤدّي بها عنك) [10] ، فو الّذي نفس سلمان بيده، لو زنت لَهُمْ مِنْهَا أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً فَأَدَّيْتُهَا إِلَيْهِمْ وَعَتَقَ سَلْمَانُ، وَحَبَسَنِي الرِّقُّ [11] حَتَّى فَاتَتْنِي [12] بَدْرٌ وَأُحُدٌ، ثُمَّ [13] شَهِدْتُ الْخَنْدَقَ، ثُمَّ لَمْ يَفُتْنِي مَعَهُ مشهد [14] .
[1] في السيرة «بالنخلة» .
[2]
في السير اختلاف «بالنخلة ثلاثين ودية عشر، كل رجل منهم على قدر ما عنده، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فقر لها» .
[3]
أي حفرت لها موضعا تغرس فيه. «النهاية لابن الأثير 3/ 463» .
[4]
في السير زيادة: «ثم جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقلتُ: يا رسول الله قد فرغنا منها، فخرج معي حتى جاءها» .
[5]
الوديّ: بتشديد الياء، صغار النخل، الواحد وديّة. (النهاية) .
[6]
في السير «عليه» وقد ذكر السهيليّ في الروض الأنف 1/ 250، 251 أسماء النخلة وأعمال غرسها وأطوارها المختلفة.
[7]
في مجمع الزوائد 9/ 336 «فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم. بمثال بيضة دجاجة من ذهب» .
[8]
في السير «الفارسيّ المسلم المكاتب» .
[9]
في السير «هذه يا سلمان» .
[10]
ما بين القوسين لم يرد في السير.
[11]
في السير «وكان الرق قد حبسني» .
[12]
في السير «فاتتني مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» .
[13]
في السير «ثم عتقت فشهدت» .
[14]
راجع السير والمغازي لابن إسحاق 87- 91، سيرة ابن هشام 1/ 247- 252، طبقات ابن
قَوْلُهُ: قَطِنُ النَّارِ جَمْعُ قَاطِنٍ، أَيْ مُقِيمٌ عِنْدَها، أَوْ هُوَ مَصْدَرٌ، كَرَجُلِ صَوْمٍ وَعَدْلٍ.
وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ وَغَيْرُهُ، عَنِ ابْنِ إسحاق [1] : حدثني عاصم بن عمر [2] بن قتادة، حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: وَجَدْتُ هَذَا مِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ قَالَ: حُدِّثْتُ عَنْ سَلْمَانَ: أَنَّ صَاحِبَ عَمُّورِيَّةَ قَالَ لَهُ لَمَّا احْتَضَرَ: ائْتِ غَيْضَتَيْنِ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ، فَإِنَّ رَجُلًا يَخْرُجُ مِنْ إِحْدَاهُمَا إِلَى الْأُخْرَى فِي كُلِّ سَنَةٍ لَيْلَةً، يَعْتَرِضُهُ ذَوُو الْأَسْقَامِ، فَلَا يَدْعُو لِأَحَدٍ بِهِ مَرَضٌ إِلَّا شُفِيَ، فَسَلْهُ عَنْ هَذَا الدِّينِ [3] دِينِ إِبْرَاهِيمَ، فَخَرَجْتُ حَتَّى أَقَمْتُ بِهَا سَنَةً، حَتَّى خَرَجَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ [4] وَإِنَّمَا كَانَ يَخْرُجُ مُسْتَجِيزًا، فَخَرَجَ وَغَلَبَنِي عَلَيْهِ النَّاسُ، حَتَّى دَخَلَ فِي الْغَيْضَةِ، [5] حَتَّى مَا بَقِيَ إِلَّا مَنْكِبُهُ، فَأَخَذْتُ بِهِ فَقُلْتُ: رَحِمَكَ اللَّهُ! الْحَنِيفِيَّةُ [6] دِينُ إِبْرَاهِيمَ؟ فَقَالَ: تَسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ مَا سَأَلَ عَنْهُ النَّاسُ الْيَوْمَ، قَدْ أَظَلَّكَ [7] نَبِيٌّ يَخْرُجُ عِنْدَ أَهْلِ [8] هذا البيت بهذا
[ () ] سعد 4/ 75- 80، المعرفة والتاريخ 3/ 273، 274، 274، صفة الصفوة 1/ 523- 533، دلائل النبوة (رقم 199) ، حلية الأولياء 1/ 193- 195، تاريخ بغداد 1/ 165- 169، تهذيب تاريخ دمشق 6/ 191- 193، عيون الأثر 1/ 61- 64، سير أعلام النبلاء 1/ 506- 511، أسد الغابة 2/ 417- 419، مجمع الزوائد 9/ 332- 337 الخصائص الكبرى للسيوطي 1/ 48، نهاية الأرب للنويري 16/ 129- 135.
والحديث رجاله ثقات، وإسناده قويّ، أخرجه أحمد في مسندة 5/ 441- 444 والطبراني في المعجم الكبير 6/ 272- 277 رقم 6065.
[1]
السير والمغازي 92، سيرة ابن هشام 1/ 252.
[2]
في (ع) عمرو، وهو وهم، والتصحيح من السير والسيرة.
[3]
في السير «الدين الّذي تسلني عنه عن الحنيفية» .
[4]
في السير «من إحدى الغيضتين إلى الأخرى» .
[5]
في السير «التي يدخل فيها» .
[6]
في السير «أخبرني عن الحنيفية دين إبراهيم» .
[7]
في السير «أظلك زمان نبيّ» .
[8]
لفظ «أهل» ليس في السير.
الْحَرَمِ، وَيُبْعَثُ بِسَفْكِ الدَّمِ، فَلَمَّا ذَكَرَ ذَلِكَ سَلْمَانُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
«لَئِنْ كُنْتَ صَدَقْتَنِي يَا سَلْمَانُ لَقَدْ رَأَيْتُ حَوَارِيَّ [1] عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عليه السلام» [2] . وَقَالَ مَسْلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ الْمَازِنِيُّ: ثَنا دَاوُدُ بن أبي هند، عن سماك بن حرب، عَنْ سَلَامَةَ الْعِجْلِيِّ قَالَ: «جَاءَ ابْنُ أُخْتٍ لِي مِنَ الْبَادِيَةِ يُقَالُ لَهُ قُدَامَةُ فَقَالَ [3] : أُحِبُّ أَنْ أَلْقَى سَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ فَأُسَلِّمَ عَلَيْهِ، فَخَرَجْنَا إِلَيْهِ فَوَجَدْنَاهُ بِالْمَدَائِنِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ عَلَى عَشْرِينَ أَلْفًا، وَوَجَدْنَاهُ عَلَى سَرِيرٍ يَشُقُّ [4] خُوصًا فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَقُلْتُ:
يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ هَذَا ابْنُ أُخْتٍ لِي قَدْ قَدِمَ عَلَيَّ مِنَ الْبَادِيَةِ، فَأَحَبَّ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْكَ، قَالَ: وَعَلَيْهِ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ.
قُلْتُ: يَزْعُمُ أَنَّهُ يُحِبُّكَ، قَالَ: أَحَبَّهُ اللَّهُ، فَتَحَدَّثْنَا وَقُلْنَا: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، أَلَا تُحَدِّثُنَا عَنْ أَصْلِكَ؟ [5] .
قَالَ: أَمَّا أَصْلِي فَأَنَا [6] مِنْ أَهْلِ رَامَهُرْمُزَ، كُنَّا قَوْمًا مَجُوسًا، فَأَتَى [7] رَجُلٌ نَصْرَانِيٌّ مِنْ أَهْلِ الْجَزِيرَةِ كَانَتْ أُمُّهُ مِنَّا، فَنَزَلَ فِينَا وَاتَّخَذَ فِينَا دَيْرًا، وَكُنْتُ مِنْ كُتَّابِ الْفَارِسِيَّةِ، فَكَانَ لَا يَزَالُ غُلَامٌ مَعِي فِي الكتّاب يجيء مضروبا
[1] لفظ «حواري» ليس في السير، وهي في تهذيب تاريخ دمشق.
[2]
السير والمغازي لابن إسحاق 92، وسيرة ابن هشام 1/ 252، 253، طبقات ابن سعد 4/ 80، 81 تهذيب تاريخ دمشق 6/ 197، نهاية الأرب 16/ 135، 136 البداية والنهاية 2/ 214، سير أعلام النبلاء 1/ 512 وفي هذه الرواية جهالة انظر عنها البداية والنهاية.
[3]
في معجم الطبراني: «فقال لي ابن أختي» .
[4]
كذا في الأصل وطبعتي القدسي، وفي معجم الطبراني، وسير أعلام النبلاء «يسفّ» بالفاء، وفي مجمع الزوائد «يسقي حوضا» .
[5]
في معجم الطبراني «أهلك وممن أنت» .
[6]
في المعجم «فأنا رجل» .
[7]
في المعجم «فأتانا» .
يَبْكِي، قَدْ ضَرَبَهُ أَبَوَاهُ، فَقُلْتُ لَهُ يَوْمًا: مَا يُبْكِيكَ؟
قَالَ: يَضْرِبُنِي أَبَوَايَ.
قُلْتُ: وَلِمَ يَضْرِبَانِكَ؟
فَقَالَ: آتِي صَاحِبَ هَذَا الدَّيْرِ، فَإِذَا عَلِمَا ذَلِكَ ضَرَبَانِي، وَأَنْتَ لَوْ أَتَيْتَهُ سَمِعْتَ مَنْهُ حَدِيثًا عَجَبًا [1] .
قُلْتُ: فَاذْهَبْ بِي مَعَكَ، فَأَتَيْنَاهُ، فَحَدَّثَنَا عَنْ بَدْءِ الْخَلْقِ [2] وَعَنِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَحَدَّثَنَا بِأَحَادِيثَ عَجَبٍ، فَكُنْتُ أَخْتَلِفُ إِلَيْهِ مَعَهُ، وَفَطِنَ لَنَا غِلْمَانٌ مِنَ الْكُتَّابِ، فَجَعَلُوا يَجِيئُونَ مَعَنَا، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ أتوه فقالوا: يا هناه [3] إِنَّكَ قَدْ جَاوَرْتَنَا فَلَمْ تَرَ مِنْ جِوَارِنَا إِلَّا الْحَسَنَ، وَإِنَّا نَرَى غِلْمَانَنَا يَخْتَلِفُونَ إِلَيْكَ، وَنَحْنُ نَخَافُ أَنْ تُفْسِدَهَمْ [4] عَلَيْنَا، اخْرُجْ عَنَّا.
قَالَ: نَعَمْ.
فَقَالَ لِذَلِكَ الْغُلَامِ الَّذِي كَانَ يأتيه: أخرجه مَعِي.
قَالَ: لَا أَسْتَطِيعُ ذَلِكَ [5] قُلْتُ: أَنَا [6] أَخْرُجُ مَعَكَ، وَكُنْتُ يَتِيمًا لَا أَبَ لِي، فَخَرَجْتُ مَعَهُ، فَأَخَذْنَا جَبَلَ رَامَهُرْمُزَ، فَجَعَلْنَا نَمْشِي وَنَتَوَكَّلُ، وَنَأْكُلُ مِنْ ثَمَرِ الشَّجَرِ، فَقَدِمْنَا نَصِيبِينَ [7] .
[1] في المعجم «عجيبا» .
[2]
في المعجم «وعن بدو خلق السماء والأرض» وكذا في مجمع الزوائد.
[3]
في المعجم «يا هذا» ، وكذلك في معجم الزوائد.
[4]
في مجمع الزوائد «تفتنهم» بدل «تفسدهم» .
[5]
في المعجم للطبراني «ذاك وقد علمت شدّة أبويّ عليّ» .
[6]
في المعجم «لكني» بدل «أنا» .
[7]
في المعجم والمجمع «الجزيرة» بدل «نصيبين» .
فَقَالَ لِي صَاحِبِي: يَا سَلْمَانُ، إِنَّ هَاهُنَا قَوْمًا هُمْ عُبَّادُ أَهْلِ الْأَرْضِ، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَلْقَاهُمْ.
قَالَ: فَجِئْنَاهُمْ [1] يَوْمَ الْأَحَدِ، وَقَدِ اجْتَمَعُوا، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ صَاحِبِي، فَحَيَّوْهُ وَبَشُّوا بِهِ [2] .
وَقَالُوا: أَيْنَ كَانَتْ غَيْبَتُكَ [3] فَتَحَدَّثْنَا [4]، ثُمَّ قَالَ [5] : قُمْ يَا سَلْمَانُ [6]، فَقُلْتُ: لَا، دَعْنِي مَعَ هَؤُلَاءِ.
قَالَ: إِنَّكَ لَا تُطِيقُ مَا يُطِيقُونَ [7] ، هَؤُلَاءِ يَصُومُونَ مِنَ الْأَحَدِ إِلَى الْأَحَدِ، وَلَا يَنَامُونَ هَذَا اللَّيْلَ، وَإِذَا فِيهِمْ رَجُلٌ مِنْ أَبْنَاءِ الْمُلُوكِ تَرَكَ الْمُلْكَ وَدَخَلَ فِي الْعِبَادَةِ، فُكُنْتُ فِيهِمْ حَتَّى أَمْسَيْنَا، فَجَعَلُوا يَذْهَبُونَ وَاحِدًا وَاحِدًا إِلَى غَارِهِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ، فَلَمَّا أَمْسَيْنَا قَالَ ذَاكَ الرَّجُلُ الَّذِي مِنْ أَبْنَاءِ الْمُلُوكِ: هَذَا [8] الْغُلَامُ لَا تُضَيِّعُوهُ لِيَأْخُذْهُ رَجُلٌ مِنْكُمْ، فَقَالُوا: خُذْهُ أَنْتَ، فَقَالَ لِي: هَلُمَّ [9]، فَذَهَبَ بِي [10] إِلَى غَارِهِ وَقَالَ لِي [11] : هَذَا خُبْزٌ وَهَذَا أُدْمٌ فَكُلْ إِذَا غَرِثْتَ [12] ، وَصُمْ إِذَا نَشِطْتَ، وَصَلِّ مَا بَدَا لَكَ، وَنَمْ إِذَا كَسِلْتَ، ثُمَّ قَامَ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يكلّمني [13] ، فأخذني الغمّ تلك السبعة الأيام
[1] في المعجم «فجئنا إليهم» .
[2]
في مجمع الزوائد «له» بدل «به» .
[3]
في معجم الطبراني «قال: كنت في أخوان لي من قبل فارس» .
[4]
في المعجم «فتحدثنا ما تحدّثنا» .
[5]
في المعجم «قال لي صاحبي» .
[6]
في المعجم «يا سليمان انطلق» .
[7]
في المعجم «ما يطيق هؤلاء» .
[8]
في المعجم «ما هذا» .
[9]
في المعجم «هلمّ يا سليمان» .
[10]
في المعجم «فذهب بي معه حتى أتى غاره الّذي يكون فيه» .
[11]
في المعجم «يا سليمان هذا» .
[12]
غرثت: جعت.
[13]
في المعجم «يكلّمني إلا ذلك ولم ينظر إليّ» .
لَا يُكَلِّمْنِي أَحَدٌ، حَتَّى كَانَ الْأَحَدُ، وَانْصَرَفَ إِلَيَّ، فَذَهَبْنَا إِلَى مَكَانِهِمِ الَّذِي يَجْتَمِعُونَ فِيهِ فِي الْأَحَدِ، فَكَانُوا يُفْطِرُونَ فِيهِ، وَيَلْقَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيُسَلِّمُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، ثُمَّ لَا يَلْتَقُونَ إِلَى مِثْلِهِ، قَالَ: فَرَجَعْنَا إِلَى مَنْزِلِنَا فَقَالَ لِي مِثْلَ مَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ [1] ، ثُمَّ لَمْ يُكَلِّمْنِي إِلَى الْأَحَدِ الْآخَرِ [2]، فَحَدَّثْتُ نَفْسِي بِالْفِرَارِ فَقُلْتُ:
اصْبِرْ أَحَدَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً فَلَمَّا كَانَ الْأَحَدُ [3] وَاجْتَمَعُوا، قَالَ لَهُمْ: إِنِّي أُرِيدُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ.
فَقَالُوا: مَا تُرِيدُ إِلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: لَا عَهْدَ لِي بِهِ.
قَالُوا: إِنَّا نَخَافُ أَنْ يَحْدُثَ بِكَ حَدَثٌ فَيَلِيَكَ غَيْرُنَا [4]، قَالَ: فَلَمَّا سَمِعْتُهُ يَذْكُرُ ذَلِكَ [5] خَرَجْتُ، فَخَرَجْنَا أَنَا وَهُوَ، فَكَانَ يَصُومُ مِنَ الْأَحَدِ إِلَى الْأَحَدِ، وَيُصَلِّي اللَّيْلَ كُلَّهُ، وَيَمْشِي بِالنَّهَارِ، فَإِذَا نَزَلْنَا قَامَ يُصَلِّي [6] ، فَأَتَيْنَا بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَعَلَى الْبَابِ [7] مُقْعَدٌ يَسْأَلُ فَقَالَ: أَعْطِنِي قَالَ: مَا مَعِي شَيْءٌ، فَدَخَلْنَا بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَلَمَّا رَأَوْهُ [8] بَشُّوا إِلَيْهِ وَاسْتَبْشَرُوا بِهِ، فَقَالَ لَهُمْ: غُلَامِي هَذَا فَاسْتَوْصُوا بِهِ، فَانْطَلَقُوا بِي فَأَطْعَمُونِي خُبْزًا وَلَحْمًا، وَدَخَلَ فِي الصَّلَاةِ، فَلَمْ يَنْصَرِفْ إِلَى الْأَحَدِ الْآخَرِ [9]، ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ: يَا
[1] في المعجم «هذا خبز أدم فكل منه إِذَا غَرِثْتَ، وَصُمْ إِذَا نَشِطْتَ، وَصَلِّ مَا بدا لك، ونم إذا كسلت، ثم دخل في صلاته فلم يلتفت إليّ» .
[2]
في المعجم «وأخذني غمّ» .
[3]
في المعجم «رجعنا إليهم فأفطروا واجتمعوا» .
[4]
في المعجم «وكنا نحبّ أن نليك، قال: لا عهد لي به» .
[5]
في المعجم «فرحت، قلت نسافر ونلقى الناس فيذهب عني الغمّ الّذي كنت أجد» .
[6]
في المعجم «فلم يزل ذلك دأبه حتى انتهينا إلى بيت المقدس» .
[7]
في المعجم «وعلى الباب رجل مقعد يسأل الناس» .
[8]
في المعجم «فلما رآه أهل بيت المقدس» .
[9]
في المعجم «حتى كان يوم الأحد» .
سَلْمَانُ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَضَعَ رَأْسِي، فَإِذَا بَلَغَ الظِلُّ مَكَانَ كَذَا فَأَيْقِظْنِي، فَبَلَغَ [1] الظِّلُ الَّذِي قَالَ، فَلَمْ أُوقِظْهُ مَأْوَاةً [2] لَهُ مِمَّا دَأَبَ [3] مِنَ اجْتِهَادِهِ وَنَصَبِهِ، فَاسْتَيْقَظَ مَذْعُورًا، فَقَالَ يَا سَلْمَانُ، أَلَمْ أَكُنْ قُلْتُ لَكَ: إِذَا بَلَغَ الظِّلُّ مَكَانَ كَذَا فَأَيْقِظْنِي؟ قُلْتُ: بَلَى، وَلَكِنْ إِنَّمَا مَنَعَنِي مَأْوَاةً لَكَ [4] مِنْ دَأْبِكَ.
قَالَ: وَيْحَكَ إِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَفُوتَنِي شَيْءٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ أَعْمَلْ للَّه فِيهِ خَيْرًا، ثُمَّ قَالَ: اعْلَمْ أَنَّ أَفْضَلَ دِينِ الْيَوْمِ النَّصْرَانِيَّةُ، قُلْتُ: وَيَكُونُ بَعْدَ الْيَوْمِ دِينٌ أَفْضَلَ مِنَ النَّصْرَانِيَّةِ- كَلِمَةٌ أُلْقِيَتْ عَلَى لِسَانِي-.
قَالَ: نَعَمْ يُوشِكُ أَنْ يُبْعَثَ نَبِيٌّ يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ وَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، وَبَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، فَإِذَا أَدْرَكْتَهُ فَاتَّبِعْهُ وَصَدِّقْهُ.
قُلْتُ: وَإِنْ أَمَرَنِي أَنْ أَدَعَ النَّصْرَانِيَّةَ؟ قَالَ: نَعَمْ فَإِنَّهُ لَا يَأْمُرُ إِلَّا بِحَقٍّ وَلَا يَقُولُ إِلَّا حَقًّا، وَاللَّهِ لَوْ أَدْرَكْتُهُ ثُمَّ أَمَرَنِي أَنْ أَقَعَ فِي النَّارِ لَوَقَعْتُ فِيهَا.
ثُمَّ خَرَجْنَا مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَمَرَرْنَا عَلَى ذَلِكَ الْمُقْعَدِ فَقَالَ لَهُ:
دَخَلْتَ فَلَمْ تُعْطِنِي، وَهَذَا تَخْرُجُ [5] فَأَعْطِنِي، فَالْتَفَتَ فَلَمْ يَرَ حَوْلَهُ أَحَدًا، قَالَ: أَعْطِنِي يَدَكَ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ، فَقَالَ: قُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ، فَقَامَ صَحِيحًا سَوِيًّا، فَتَوَجَّهَ نَحْوَ أَهْلِهِ فَأَتْبَعْتُهُ بَصَرِي تَعَجُّبًا مِمَّا رَأَيْتُ، وَخَرَجَ صَاحِبِي مُسْرِعًا [6] وَتَبِعْتُهُ، فَتَلَقَّانِي رُفْقَةٌ مِنْ كَلْبٍ [7] فَسَبَوْنِي فَحَمَلُونِي على بعير وشدّوني وثاقا
[1] في المعجم «فوضع رأسه فنام فبلغ» .
[2]
أي شفقة ورقة.
[3]
في معجم الطبراني 6/ 299 ومجمع الزوائد 9/ 342 «رأيت» بدل «دأب» .
[4]
في المعجم «لما رأيت من دأبك» .
[5]
في المعجم «الخروج» .
[6]
في المعجم «فأسرع المشي» .
[7]
في المعجم «كلب أعراب» .
فَتَدَاوَلَنِي البُيَّاعُ حَتَّى سَقَطْتُ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَاشْتَرَانِي رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَجَعَلَنِي فِي حَائِطٍ [1] لَهُ، وَمِنْ [2] ثَمَّ تَعَلَّمْتُ عَمَلَ الْخُوصِ، أَشْتَرِي بِدِرْهَمٍ خُوصًا فَأَعْمَلُهُ فَأَبِيعُهُ بِدِرْهَمَيْنِ، فَأُنْفِقُ دِرْهَمًا [3] ، أُحِبُّ أَنْ آكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِي وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَمِيرٌ عَلَى عِشْرِينَ أَلْفًا.
قَالَ فَبَلَغَنَا [4] وَنَحْنُ بِالْمَدِينَةِ أَنَّ رَجُلًا قَدْ خَرَجَ بِمَكَّةَ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ، فَمَكَثْنَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ نَمْكُثَ، فَهَاجَرَ إِلَيْنَا، فَقُلْتُ: لَأُجَرِّبَنَّهُ، فَذَهَبْتُ فَاشْتَرَيْتُ لَحْمَ خَرُوفٍ [5] بِدِرْهَمٍ، ثُمَّ طَبَخْتُهُ، فَجَعَلْتُ قَصْعَةً مِنْ ثَرِيدٍ، فَاحْتَمَلْتُهَا حَتَّى أَتَيْتُهُ بِهَا عَلَى عَاتِقِي حَتَّى وَضَعْتُهَا بَيْنَ يَدَيْهِ.
فَقَالَ: «أَصَدَقَهٌ أَمْ هَدِيَّةٌ» ؟ قُلْتُ: صَدَقَةٌ.
فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: «كُلُوا بِاسْمِ اللَّهِ» وَأَمْسَكَ وَلَمْ يَأْكُلْ، فَمَكَثْتُ أَيَّامًا، ثُمَّ اشْتَرَيْتُ [6] لَحْمًا فَأَصْنَعُهُ أَيْضًا وَأَتَيْتُهُ بِهِ، فَقَالَ: مَا هَذِهِ؟ قُلْتُ: هَدِيَّةٌ.
فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: «كُلُوا بِاسْمِ اللَّهِ» وَأَكَلَ مَعَهُمْ [7] قَالَ: فَنَظَرْتُ فَرَأَيْتُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمَ النُّبُوَّةِ مِثْلَ بَيْضَةِ الْحَمَامَةِ، فَأَسْلَمْتُ، ثُمَّ قُلْتُ لَهُ [8] :
يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ قَوْمٍ النَّصَارَى؟ قَالَ: «لَا خير فيهم» [9] ، ثم سألته
[1] حائط: بستان.
[2]
في المعجم «حائط له من نخل فكنت فيه» .
[3]
في المعجم «فأردّ درهما في الخوص وأستنفق درهما» .
[4]
في نسخة القدسي 2/ 58 «فبغنا» .
[5]
في معجم الطبراني 6/ 300 ومجمع الزوائد 9/ 342 «جزور» .
[6]
في معجم الطبراني «اشتريت لحما أيضا بدرهم فأصنع مثلها، فاحتملتها حتى أتيته بها فوضعتها بين يديه، فقال ما هذه: هدية أم صدقة؟ قلت: لا، بل هدية» . وفي مجمع الزوائد «اشتريت أيضا بدرهم لحم جزور» بنحوه.
[7]
في المعجم «قلت: هذا والله يأكل الهديّة ولا يأكل الصدقة» .
[8]
في المعجم «ذات يوم» .
[9]
في المعجم «وكنت أحبّهم حبّا شديدا لما رأيت اجتهادهم، ثم إنّي سألته» ..
بَعْدَ أَيَّامٍ [1] قَالَ: «لَا خَيْرَ فِيهِمْ وَلَا فِيمَنْ يُحِبُّهُمْ» ، قُلْتُ فِي نَفْسِي: فَأَنَا وَاللَّهِ أُحِبُّهُمْ، قَالَ: وَذَاكَ [2] حِينَ بَعَثَ السَّرَايَا وَجَرَّدَ السَّيْفَ، فَسَرِيَّةٌ تَدْخُلُ وَسَرِيَّةٌ تَخْرُجُ، وَالسَّيْفُ يَقْطُرُ.
قُلْتُ يَحْدُثُ لِيَ [3] الآنَ أَنِّي أُحِبُّهُمْ، فَيَبْعَثُ فَيَضْرِبُ عُنُقِي، فَقَعَدْتُ فِي الْبَيْتِ، فَجَاءَنِي الرَّسُولُ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: يَا سَلْمَانُ أَجِبْ [4] قُلْتُ: هَذَا وَاللَّهِ الَّذِي كُنْتُ أَحْذَرُ [5] فَانْتَهَيْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فَتَبَسَّمَ وَقَالَ: «أَبْشِرْ يَا سَلْمَانُ فَقَدْ فَرَّجَ اللَّهُ عَنْكَ» ثُمَّ تَلا عَلَيَّ هَؤُلاءِ الآيَاتِ: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ به يُؤْمِنُونَ 28: 52 إلى قوله أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ 28: 54 [6] قُلْتُ [7] : وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، لَقَدْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: لَوْ أَدْرَكْتُهُ فَأَمَرَنِي أَنْ أَقَعَ فِي النَّارِ لَوَقَعْتُهَا [8] . هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ غَرِيبٌ [9] ، وَالَّذِي قَبْلَهُ أَصَحُّ، وَقَدْ تَفَرَّدَ مَسْلَمَةُ بِهَذَا، وَهُوَ مِمَّنِ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ، وَوَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ [10] ، وَأَمَّا أحمد بن حنبل
[1] في المعجم «يا رسول الله أيّ قوم النصارى» .
[2]
في المعجم «وذاك والله» .
[3]
في المعجم «بي» .
[4]
في المعجم «قلت من؟ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» .
[5]
في المعجم «قلت: نعم حتى ألحقك، قال: لا والله حتى تجيء، وأنا أحدّث نفسي أن لو ذهب أن أفرّ، فانطلق بي» .
[6]
سورة القصص- الآيات من 42- 45.
[7]
في المعجم «يا رسول الله» .
[8]
في المعجم زيادة «إنه نبيّ لا يقول إلّا حقّا ولا يأمر إلّا بالحقّ» . وكذا في سير أعلام النبلاء، ومجمع الزوائد.
[9]
رواه الطبراني في المعجم الكبير 6/ 296- 301، والحافظ في سير أعلام النبلاء 1/ 535- 537 وقال: غريب جدا وسلامة لا يعرف، ومجمع الزوائد للهيثميّ 9/ 340- 343 وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير سلامة العجليّ، وقد وثّقه ابن حبّان.
[10]
التاريخ لابن معين 2/ 515.
فَضَعَّفَهُ، رَوَاهُ قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ الدَّارِمِيُّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ عَنْهُ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْقُدُّوسِ: حَدَّثَنَا عُبَيْدٌ الْمُكَتِّبُ، نا أَبُو الطُّفَيْلِ، حَدَّثَنِي سَلْمَانُ قَالَ: كُنْتُ مِنْ أَهْلِ جَيٍّ، وَكَانَ أَهْلُ قَرْيَتِي يَعْبُدُونَ الْخَيْلَ الْبُلْقَ، فَكُنْتُ أَعْرِفُ أَنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ، فَقِيلَ لِي: إِنَّ الدِّينَ الَّذِي تَطْلُبُ [1] بِالْمَغْرِبِ، فَخَرَجْتُ حَتَّى أَتَيْتُ الْمَوْصِلَ، فَسَأَلْتُ عَنْ أَفْضَلِ رَجُلٍ بِهَا، فَدُلِلْتُ عَلَى رَجُلٍ فِي صَوْمَعَةٍ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ. كَذَا قَالَ الطَّبَرَانِيُّ [2]، قَالَ وَقَالَ فِي آخِرِهِ: فَقُلْتُ لِصَاحِبِي: بِعْنِي نَفْسِي، قَالَ: عَلَى أَنْ تُنْبِتَ لِي مِائَةَ نَخْلَةٍ، فَإِذَا نَبَتْنَ [3] جِئْتَنِي بِوَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: اشْتَرِ نَفْسَكَ بِالَّذِي سَأَلَكَ، وَائْتِنِي بِدَلْوٍ مِنْ مَاءِ النَّهْرِ [4] الَّذِي كُنْتَ تَسْقِي مِنْهُ [5] ذَلِكَ النّخل، قال: فدعا لي، ثم سقيتها، فو الله لَقَدْ غَرَسْتُ مِائَةً [6] فَمَا غَادَرْتُ مِنْهَا نَخْلَةً إِلا نَبَتَتْ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّ النَّخْلَ قَدْ نَبَتْنَ، فَأَعْطَانِي قِطْعَةً مِنْ ذَهَبٍ، فَانْطَلَقْتُ بِهَا فَوَضَعْتُهَا فِي كِفَّةِ الْمِيزَانِ، وَوَضَعَ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ نواة قال: فو الله مَا اسْتَعَلْتِ [7] الْقِطْعَةُ الذَّهَبُ مِنَ الْأَرْضِ، قَالَ: وَجِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فأخبرته فأعتقني [8] .
[1] في سير أعلام النبلاء 1/ 532 «الّذي ترومه إنّما هو بالمغرب» .
[2]
المعجم الكبير 6/ 280 رقم 6073.
[3]
في المعجم 6/ 282 «أنبتت» .
[4]
في (ع) والمعجم، ومجمع الزوائد 9/ 339 «البئر» وكذا في سير أعلام النبلاء 1/ 534.
[5]
في المعجم، وسير أعلام النبلاء ومجمع الزوائد «منها» وكذا في الأصل.
[6]
في المعجم والسيرة والمجمع «مائة نخلة» .
[7]
كذا في الأصل وفي مجمع الزوائد، أما في معجم الطبراني وسير الأعلام «استقلت» .
[8]
أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء 1/ 190، والحاكم في المستدرك على الصحيحين 3/ 603 وقال: حديث صحيح الإسناد والمعاني قريبة من الإسناد الأول، وذكره الذهبي في تلخيصه وقال: ابن عبد القدوس ساقط، وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير 6/ 280- 283، والهيثمي في مجمع الزوائد 9/ 337- 339 وقال: رواه الطبراني، وفيه عبد الله بن عبد القدوس التميمي، ضعّفه أحمد والجمهور، وثّقه ابن حبّان، وقال: ربّما أغرب، وبقيّة رجاله ثقات.
عليّ بن عاصم، أنا حَاتِمُ بْنُ أَبِي صَغِيرَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ صُوحَانَ، أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ كَانَا صَدِيقَيْنِ (لِزَيْدِ بْنِ صُوحَانَ أَتَيَاهُ يُكَلِّمُ لَهُمَا سَلْمَانَ أَنْ يُحَدِّثَهُمَا بِحَدِيثِهِ، كَيْفَ كَانَ إِسْلامُهُ، فَأَقْبَلا مَعَهُ حَتَّى لَقُوا سَلْمَانَ رضي الله عنه وَهُوَ بِالْمَدَائِنِ أَمِيرًا عَلَيْهَا، وَإِذَا هُوَ عَلَى كُرْسِيٍّ قَاعِدٌ، وَإِذَا خُوصٌ بَيْنَ يَدْيَهِ وَهُوَ يَشُقُّهُ، قَالَا: فَسَلَّمْنَا وَقَعَدْنَا، فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، إِنَّ هَذَيْنِ لِي صَدِيقَانِ)[1] وَلَهُمَا أَخٌ، وَقَدْ أَحَبَّا أَنْ يَسْمَعَا حَدِيثَكَ كَيْفَ كَانَ أَوَّلُ إِسْلامِكَ؟ قَالَ، فَقَالَ سَلْمَانُ: كُنْتُ يَتِيمًا مِنْ رَامَهُرْمُزَ، وَكَانَ ابْنُ دِهْقَانِ [2] رَامَهُرْمُزَ يَخْتَلِفُ إِلَى مُعَلِّمٍ يُعَلِّمُهُ، فَلَزِمْتُهُ لأَكُونَ فِي كَنَفِهِ، وَكَانَ لِي أَخٌ أَكْبَرُ مِنِّي، وَكَانَ مُسْتَغْنِيًا فِي نَفْسِهِ، وَكُنْتُ غُلامًا فَقِيرًا، فَكَانَ إِذَا قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ تَفَرَّقَ مَنْ يَحْفَظُهُ، فَإِذَا تَفَرَّقُوا خَرَجَ فَتَقَنَّعَ بِثَوْبِهِ، ثُمَّ يَصْعَدُ مُتَنَكِّرًا، فَقُلْتُ: لِمَ لا تَذْهَبْ بِي مَعَكَ؟ فَقَالَ: أَنْتَ غُلامٌ وَأَخَافُ أَنْ يَظْهَرَ مِنْكَ شَيْءٌ، قُلْتُ: لا تَخَفْ، قَالَ: فَإِنَّ فِي هَذَا الْجَبَلِ قَوْمًا فِي بِرْطِيلٍ [3] ، لَهُمْ عِبَادَةٌ يَزْعُمُونَ أَنَّا عَبَدَةُ النِّيرَانِ، وَأَنَّا عَلَى غَيْرِ دِينٍ فَأَسْتَأْذِنُ لَكَ، قَالَ: فَاسْتَأْذَنَهُمْ ثُمَّ وَاعَدَنِي وَقَالَ: اخْرُجْ فِي وَقْتِ كَذَا، وَلَا يَعْلَمُ بِكَ أَحَدٌ، فَإِنَّ أَبِي إِنْ عَلِمَ بِهِمْ قَتَلَهُمْ، قَالَ: فَصَعِدْنَا إِلَيْهِمْ.
قَالَ عَلِيٌّ [4]- وَأَرَاهُ قَالَ- وَهُمْ سِتَّةٌ أو سبعة، قال: وكأنّ الروح قد
[ () ] والذهبي في سير أعلام النبلاء 1/ 532- 534 وقال: هذا حديث منكر غير صحيح، وعبد الله ابن عبد القدوس متروك، وقد تابعه في بعض الحديث الثوري وشريك، وأما هو، فسمّن الحديث فأفسده، وذكر مكة والحجر وأن هناك بساتين، وخبط في مواضع. وروى منه أبو أحمد الزبيري، عن سفيان، عن العلاء، عن أبي الطفيل.
[1]
ما بين القوسين غير موجود في الأصل و (ع) ، وأثبتناه من نسخة دار الكتب.
[2]
دهقان: بكسر الدال وضمّها، رئيس القرية ومقدّم أصحاب الزراعة. (النهاية في غريب الحديث) .
[3]
البرطيل: القلّة والصّومعة. وهي سريانية معرّبة.
[4]
أي عليّ بن عاصم الراويّ للحديث.
خَرَجَتْ مِنْهُمْ مِنَ الْعِبَادَةِ يَصُومُونَ النَّهَارَ وَيَقُومُونَ اللَّيْلَ يَأْكُلُونَ الشَّجَرَ وَمَا وَجَدُوا، فَقَعَدْنَا إِلَيْهِمْ، فَذَكَرَ [1] الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، وَفِيهِ أَنَّ الْمَلِكَ شَعَرَ بِهِمْ، فَخَرَجُوا، وَصَحِبَهُمْ سَلْمَانُ إِلَى الْمَوْصِلِ، وَاجْتَمَعَ بِعَابِدٍ مِنْ بَقَايَا أَهْلِ الْكِتَابِ، فَذَكَرَ مِنْ عِبَادَتِهِ وَجُوعِهِ شَيْئًا مُفْرِطًا، وَأَنَّهُ صَحِبَهُ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَرَأَى مُقْعَدًا فَأَقَامَهُ، فَحَمَلْتُ الْمُقْعَدَ عَلَى أَتَانِهِ لِيُسْرِعَ إِلَى أَهْلِهِ، فَانْمَلَسَ [2] مِنِّي صَاحِبِي، فَتَبِعْتُ أَثَرَهُ، فَلَمْ أَظْفَرْ بِهِ، فَأَخَذَنِي نَاسٌ مِنْ كَلْبٍ وَبَاعُونِي، فَاشْتَرَتْنِي امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَجَعَلَتْنِي فِي حَائِطٍ لَهَا [3] وَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاشْتَرَانِي أَبُو بَكْرٍ فَأَعْتَقَنِي [4] .
وَهَذَا الْحَدِيثُ يُشْبِهُ حَدِيثَ مَسْلَمَةَ الْمُزَنِيِّ، لأَنَّ الْحَدِيثَيْنِ يَرْجِعَانِ إِلَى سِمَاكٍ [5] ، وَلَكِنْ قَالَ هُنَا عَنْ زَيْدِ بْنِ صُوحَانَ، فَهُوَ مُنْقَطِعٌ، فَإِنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ زَيْدَ بْنَ صُوحَانَ، وَعَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ ضَعِيفٌ [6] كَثِيرُ الْوَهْمِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
عَمْرٌو الْعَنْقَزِيُّ [7] : أَنْبَأَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إسحاق، عن أبي قرّة
[1] في الأصل و (ع) : «فذكرنا» ، وفي نسخة دار الكتاب «فذكر» .
[2]
انملس من الأمر: إذا أفلت منه. (لسان العرب 8/ 106 فصل الميم حرف السين» .
[3]
«لها» ساقطة من الأصل، والاستدراك من «سير أعلام النبلاء 1/ 531» .
[4]
أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين 3/ 599- 602 وقال: حديث صحيح عال في ذكر إسلام سلمان، ولم يخرّجاه، وأخرجه الفسوي في المعرفة والتاريخ 3/ 272- 374 من طريق زكريا بن الأرسوفي، عن السَّرِيّ بن يحيى، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، وانظر سير أعلام النبلاء 1/ 525- 532 حيث قال الذهبي: هذا حديث جيّد الإسناد حكم الحاكم بصحّته.
[5]
أي «سماك بن حرب» .
[6]
التاريخ لابن معين 2/ 421، التاريخ الكبير 5/ 290، الجرح والتعديل 6/ 198، المجروحين 2/ 113، الضعفاء الكبير للعقيليّ 3/ 245 رقم 1244 الكامل في ضعفاء الرجال 5/ 1835، المغني في الضعفاء 2/ 450 رقم 4290، ميزان الاعتدال 3/ 115 رقم 5873، تهذيب التهذيب 7/ 344.
[7]
في الأصل «العنقري» وفي (ع)«العنقزي» ، وهو الصواب كما في الإكمال لابن ماكولا 6/ 97
الْكِنْدِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: كَانَ أَبِي مِنَ الْأَسَاوِرَةِ [1] فَأَسْلَمَنِي الْكُتَّابَ، فَكُنْتُ أَخْتَلِفُ وَمَعِي غُلامَانِ، فَإِذَا رَجَعَا دَخَلا عَلَى رَاهِبٍ أَوْ قَسٍّ، فَدَخَلْتُ مَعَهُمَا، فَقَالَ لَهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا أَنْ تُدْخِلا عَلَيَّ أَحَدًا، فَكُنْتُ أَخْتَلِفُ حَتَّى كُنْتُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْهُمَا، فَقَالَ لِي: يَا سَلْمَانُ، إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ. قُلْتُ: وَأَنَا مَعَكَ، فَأَتَى قَرْيَةً فَنَزَلَهَا، وَكَانَتِ امْرَأَةٌ تَخْتَلِفُ إِلَيْهِ، فَلَمَّا حَضَرَ قَالَ: احْفِرْ عِنْدَ رَأْسِي، فَحَفَرْتُ فَاسْتَخْرَجْتُ جَرَّةً مِنْ دَرَاهِمَ، فَقَالَ: ضَعْهَا عَلَى صَدْرِي، فَجَعَلَ يَضْرِبُ بِيَدِهِ عَلَى صَدْرِهِ وَيَقُولُ: وَيْلٌ لِلْقَنَّائِينَ! قَالَ: وَمَاتَ فَاجْتَمَعَ الْقِسِّيسُونَ وَالرُّهْبَانُ، هَمَمْتُ أَنْ أَحْتَمِلَ الْمَالَ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ عَصَمَنِي، فَقُلْتُ لِلرُّهْبَانِ، فَوَثَبَ شَبَابٌ مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ، فَقَالُوا: هَذَا مَالُ أَبِينَا كَانَتْ سَرِيِّتُهُ تَخْتَلِفُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ لأُولَئِكَ: دُلُّونِي عَلَى عَالِمٍ أَكُونُ مَعَهُ، قَالُوا: مَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْ رَاهِبٍ بِحِمْصٍ، فَأَتَيْتُهُ فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكَ إِلَّا طَلَبُ الْعِلْمِ. قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنِّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْ رَجُلٍ يَأْتِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ كُلَّ سَنَةٍ فِي هَذَا الشَّهْرِ، فَانْطَلَقْتُ فَوَجَدْتُ حِمَارَهُ واقفا، فقصصت عليه، فقال: اجلس هاهنا حَتَّى أَرْجِعَ إِلَيْكَ، فَذَهَبَ فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَى الْعَامِ الْمُقْبِلِ فَقَالَ: وَإِنَّكَ لَهَاهُنَا بَعْدُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنِّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا فِي الْأَرْضِ أَعْلَمَ مِنْ رَجُلٍ يَخْرُجُ بِأَرْضِ تَيْمَاءَ وَهُوَ نَبِيٌّ وَهَذَا زَمَانُهُ، وَإِنِ انْطَلَقْتَ الآنَ وَافَقْتَهُ، وَفِيهِ ثَلَاثٌ: خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، وَلَا يَأْكُلُ الصّدقة، ويأكل الهديّة. وذكر الحديث [2] .
[ () ] وهو عمرو بن محمد العنقزي، وقال: أظن أنه نسبه إلى العنقز وهو الشاهسفرم لأنه كان يبيعه أو يزرعه.
[1]
الأساورة: جمع إسوار، أو سوار، وهو في اصطلاح الفرس: القائد أو الرئيس، وهم قوم من الفرس، ربّما كانوا قوّادا قبل ابتداء الدولة الساسانية فلقّبوا بذلك إمّا لكونهم كانوا حماة الحرب مخصوصين بقيادة الجيش أو لأنهم كانوا في مجلس الطبقة الأولى من أصحاب الرّتب يجلسون مع أبناء الملوك عن يمين الملك
…
ونهر الأساورة بالبصرة منسوب إليهم لأن قوما منهم نزلوا البصرة وحفروه. (دائرة معارف البستاني 4/ 421) .
[2]
أخرجه ابن سعد في الطبقات 4/ 81، 82، وأحمد في المسند 5/ 438، والطبراني في المعجم
وَقَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ: أَنْبَأَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، حَدَّثَنِي السَّلَمُ بْنُ الصَّلْتِ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: كُنْتُ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ جَيٍّ مَدِينَةِ إِصْبَهَانَ، فَأَتَيْتُ رَجُلًا يَتَحَرَّجُ مِنْ كَلامِ النَّاسِ، فَسَأَلْتُهُ: أَيُّ الدِّينِ أَفْضَلُ؟
قَالَ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا غَيْرَ رَاهِبٍ بِالْمَوْصِلِ، فَذَهَبْتُ إِلَيْهِ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
وَفِيهِ: فَأَتَيْتُ حِجَازِيًّا، فَقُلْتُ: تَحْمِلُنِي إِلَى الْمَدِينَةِ؟ قَالَ مَا تُعْطِينِي؟ قُلْتُ: أَنَا لَكَ عَبْدٌ، فَلَمَّا قَدِمْتُ جَعَلَنِي فِي نَخْلِهِ، فَكُنْتُ أَسْتَقِي كَمَا يَسْتَقِي الْبَعِيرُ حَتَّى دَبِرَ ظَهْرِي وَصَدْرِي مِنْ ذَلِكَ، وَلَا أَجِدُ أَحَدًا يَفْقَهُ كَلامِي، حَتَّى جَاءَتْ عَجُوزٌ فَارِسِيَّةٌ تَسْتَقِي، فَقُلْتُ لَهَا: أَيْنَ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي خَرَجَ؟ فَدَلَّتْنِي عَلَيْهِ، فَجَمَعْتُ تَمْرًا وَجِئْتُ فقرّبته إليه. وذكر الحديث [1] .
[ () ] الكبير 6/ 317، 318 وفيه الجزء الأخير منه، وأبو نعيم في الحلية 1/ 195، والهيثمي في مجمع الزوائد 9/ 336، والذهبي في سير أعلام النبلاء 1/ 513، 514 وقال: رواه الإمام أحمد في «مسندة» عن أبي كامل، ورواه أبو قلابة الرقاشي عن عبد الله بن رجاء، كلاهما عن إسرائيل.
وانظر تهذيب تاريخ دمشق 6/ 197، 198.
[1]
أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 6/ 683- 685 رقم 6076 وأبو نعيم في حلية الأولياء 1/ 193، والهيثمي في مجمع الزوائد 9/ 339، 340، وقال: رواه الطبراني وفيه من لم أعرفه، والذهبي في سير أعلام النبلاء 1/ 515، وأشار إليه باختصار ابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق 6/ 198.