المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

مُصْعَبُ جَاءَكَ وَاللَّهِ سَيِّدُ [1] مَنْ وَرَاءِهِ، إِنْ يَتْبَعْكَ لَا - تاريخ الإسلام - ت تدمري - جـ ١

[شمس الدين الذهبي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الأول (السيرة النبوية) ]

- ‌مقدّمة التّحقيق

- ‌نصّ الوقفيّة التي في نسخة الأصل

- ‌القراءة والسّماع في نسخة الأصل

- ‌النّسخ المعتمدة في التحقيق لهذا الجزء

- ‌مقدّمة المؤلّف

- ‌ذِكْرُ نَسَبِ سَيِّدِ الْبَشَرِ

- ‌مَوْلِدُهُ الْمُبَارَكُ صلى الله عليه وسلم

- ‌أَسْمَاءُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَكُنْيَتُهُ

- ‌ذكر ما ورد في قصّة سطيح [1] وضمود النِّيرَانِ لَيْلَةَ الْمَوْلِدِ وَانْشِقَاقِ الْإِيوَانِ

- ‌بَابٌ مِنْهُ

- ‌ذِكْرُ وَفَاةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ [3]

- ‌وَقَدْ رَعَى الْغَنَمَ

- ‌سَفَرُهُ مَعَ عَمِّهِ- إِنْ صَحَّ

- ‌حَرْبُ الْفِجَارِ [3]

- ‌شَأْنُ خَدِيجَةَ

- ‌حَدِيثُ بُنْيَانِ الْكَعْبَةِ وَحُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ قُرَيْشٍ فِي وَضْعِ الْحَجَرِ [5]

- ‌حديث الحمد

- ‌وَمِمَّا عَصَمَ اللَّهُ بِهِ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ

- ‌ذِكْرُ زيد بن عمرو بن نفيل [1]

- ‌[5] بَاب

- ‌بَابُ قِصَّةِ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ [1]

- ‌ذِكْرُ مَبْعَثِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌فَأَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِهِ خَدِيجَةُ رضي الله عنها

- ‌وَمِنْ مُعْجِزَاتِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌إِسْلامُ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ

- ‌فَصْلٌ فِي دَعْوَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عشيرته الى الله وما بقي مِنْ قَوْمِهِ

- ‌شِعْرُ أَبِي طَالِبٍ فِي مُعَادَاةِ خُصُومِهِ [1]

- ‌إِسْلَامُ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه

- ‌إِسْلَامُ حَمْزَةَ

- ‌إسلام عمر عنه رضى الله

- ‌الْهِجْرَةُ الْأُولَى إِلَى الْحَبَشَةِ ثُمَّ الثَّانِيَةُ

- ‌إِسْلَامُ ضِمَادٍ [2]

- ‌إِسْلَامُ الْجِنِّ

- ‌فَصْلٌ فِيمَا وَرَدَ مِنْ هَوَاتِفِ الْجَانِّ وَأَقْوَالِ الْكُهَّانِ

- ‌انْشِقَاقُ الْقَمَرِ

- ‌بَابُ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ

- ‌ذِكْرُ أَذِيَّةِ الْمُشْرِكِينَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلِلْمُسْلِمِينَ

- ‌ذِكْرُ شِعْبِ أَبِي طَالِبٍ وَالصَّحِيفَةِ

- ‌باب إنّا كفيناك المستهزءين [4]

- ‌دُعَاءُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى قُرَيْشٍ بِالسَّنَةِ [3]

- ‌ذِكْرُ الرُّومِ

- ‌ثُمَّ تُوُفِّيَ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ وَزَوْجَتُهُ خَدِيجَةُ

- ‌ذِكْرُ الْإِسْرَاءِ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى

- ‌ذِكْرُ مِعْرَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى السَّمَاءِ

- ‌زَوَاجُهُ صلى الله عليه وسلم بِعَائِشَةَ وَسَوْدَةَ أمّي المؤمنين

- ‌عَرْضُ نَفْسِهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْقَبَائِلِ

- ‌حَدِيثُ سُوَيْدِ بْنِ الصَّامِت [1]

- ‌حَدِيثُ يَوْمِ بُعَاثٍ [1]

- ‌ذِكْرُ مَبْدَأِ خَبَرِ الْأَنْصَارِ وَالْعَقَبَةِ الْأُولَى

- ‌الْعَقَبَةُ الثَّانِيَةُ

- ‌تَسْمِيَةُ مَنْ شَهِدَ الْعَقَبَةَ

- ‌ذِكْرُ أَوَّلِ مَنْ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ

- ‌سِيَاقُ خُرُوجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ مُهَاجِرًا

- ‌فَصْلٌ فِي مُعْجِزَاتِهِ صلى الله عليه وسلم سِوَى مَا مَضَى فِي غُضُونِ الْمَغَازِي

- ‌فَصْلٌ فِي تَسْبِيحِ الْحَصَى فِي يَدِهِ صلى الله عليه وسلم [4]

- ‌بَابٌ مِنْ أَخْبَارِهِ صلى الله عليه وسلم بِالْكَوَائِنِ بَعْدَهُ فَوَقَعَتْ كَمَا أَخْبَرَ

- ‌بَابٌ جَامِعٌ مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ

- ‌بَابُ آخِرِ سُورَةٍ نُزِّلَتْ

- ‌بَابٌ فِي النَّسْخِ وَالْمَحْوِ مِنَ الصُّدُورِ

- ‌خَاتَمُ النُّبُوَّةِ

- ‌بَابٌ جَامِعٌ مِنْ صِفَاتِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌حَدِيثُ أُمِّ مَعْبَدٍ فِي صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ [1] صلى الله عليه وسلم

- ‌بَابُ قَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ 68: 4 [1]

- ‌بَابُ هَيْبَتِهِ صلى الله عليه وسلم وَجَلَالِهِ وَحُبِّهِ وَشَجَاعَتِهِ وَقُوَّتِهِ وَفَصَاحَتِهِ

- ‌بَابُ زُهْدِهِ صلى الله عليه وسلم وَبِذَلِكَ يُوزَنُ الزُّهْدُ وَبِهِ يُحَدُّ

- ‌فَصْلٌ مِنْ شَمَائِلِهِ وَأَفْعَالِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌بَابٌ مِنَ اجْتِهَادِهِ وَعِبَادَتِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌بَابٌ فِي مُزَاحِهِ وَدَمَاثَةِ أَخْلَاقِهِ الزَّكِيَّةِ صلى الله عليه وسلم

- ‌بَابٌ فِي مَلَابِسِهِ

- ‌بَابٌ مِنْهُ

- ‌بَابُ خَوَاتِيمُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌بَابُ نَعْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَخُفِّهِ

- ‌بَابُ مُشْطِهِ وَمِكْحَلَتِهِ صلى الله عليه وسلم وَمِرْآتِهِ وَقَدَحِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ

- ‌بَابُ سِلَاحِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَدَوَابِّهِ وَعُدَّتِهِ

- ‌وَقَدْ سُحِرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَسُمَّ فِي شِوَاءٍ

- ‌بَابُ مَا وُجِدَ مِنْ صُورَةِ نَبِيِّنَا

- ‌بَابٌ فِي خَصَائِصِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌بَابُ مَرَضِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌بَابُ حَالِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا احْتَضَرَ

- ‌بَابُ وَفَاتِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌تَارِيخُ وَفَاتِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌باب عمر النّبيّ وَالْخُلْفِ فِيهِ

- ‌بَابُ غُسْلِهِ وَكَفَنِهِ وَدَفْنِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌ذِكْرُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌صِفَةُ قَبْرِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌بَابُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَسْتَخْلِفْ وَلَمْ يُوصِ إِلَى أَحَدٍ بِعَيْنِهِ بَلْ نَبَّهَ عَلَى الْخِلَافَةِ بِأَمْرِ الصَّلَاةِ

- ‌بَابُ تَرِكَةِ رَسُولِ اللَّهِ [1] صلى الله عليه وسلم

- ‌عَدَدُ أَزْوَاجِهِ [4] صلى الله عليه وسلم

- ‌آخر التّرجمة النّبويّة

الفصل: مُصْعَبُ جَاءَكَ وَاللَّهِ سَيِّدُ [1] مَنْ وَرَاءِهِ، إِنْ يَتْبَعْكَ لَا

مُصْعَبُ جَاءَكَ وَاللَّهِ سَيِّدُ [1] مَنْ وَرَاءِهِ، إِنْ يَتْبَعْكَ لَا يَتَخَلَّفْ عَنْكَ مِنْهُمُ اثْنَانِ، فَقَالَ: أو تقعد فَتَسْمَعُ، فَإِنْ رَضِيتَ أَمْرًا وَرَغِبْتَ فِيهِ قَبِلْتَهُ، وَإِنْ كَرِهْتَ عَزَلْنَا عَنْكَ مَا تَكْرَهُ، قَالَ: أَنْصَفْتَ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ، وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ، فَعَرَفْنَا فِي وَجْهِهِ وَاللَّهِ الْإِسْلَامَ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ، لِإِشْرَاقِهِ وَتَسَهُّلِهِ.

ثُمَّ فَعَلَ كَمَا عَمِلَ أُسَيْدٌ، وَأَسْلَمَ، وَأَخَذَ حَرْبَتَهُ، وَأَقْبَلَ عَائِدًا إِلَى نَادِي قَوْمِهِ، وَمَعَهُ أُسَيْدٌ، فَلَمَّا رَآهُ قَوْمُهُ قَالُوا: نَحْلِفُ باللَّه لَقَدْ رَجَعَ سَعْدٌ إِلَيْكُمْ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي ذَهَبَ بِهِ مِنْ عِنْدِكُمْ، فَقَالَ: يَا بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ كَيْفَ تَعْرِفُونَ أَمْرِي فِيكُمْ؟ قَالُوا: سَيِّدُنَا وَأَفْضَلُنَا رَأْيًا وَأَيْمَنُنَا نَقِيبَةً قَالَ: فَإِنَّ كَلَامَ رِجَالِكُمْ وَنِسَائِكُمْ عليّ حرام حتى تؤمنوا، فو الله مَا أَمْسَى فِي دَارِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ رَجُلٌ وَلَا امْرَأَةٌ إِلَّا مُسْلِمًا وَمُسْلِمَةً، وَرَجَعَ مُصْعَبٌ وَأَسْعَدُ إِلَى مَنْزِلِهِمَا، وَلَمْ تَبْقَ دَارٌ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ إِلَّا وَفِيهَا رِجَالٌ وَنِسَاءٌ مسلمون، إلّا مَا كَانَ مِنْ دَارِ بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ، وَخَطْمَةَ، وَوَائِلٍ، وَوَاقِفٍ، وَتِلْكَ أَوْسُ اللَّهِ وَهُمْ مِنَ الْأَوْسِ بْنِ حَارِثَةَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ فِيهِمْ أَبُو قَيْسِ بْنُ الأَسْلَتِ، وَهُوَ صَيْفِيٌّ، وَكَانَ شَاعِرًا لَهُمْ وَقَائِدًا، يَسْتَمِعُونَ مِنْهُ وَيُطِيعُونَهُ، فَوَقَفَ بِهِمْ عَنِ الْإِسْلَامِ، فَلَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى مَضَتْ أُحُدٌ وَالْخَنْدَقُ [2] .

‌الْعَقَبَةُ الثَّانِيَةُ

قَالَ يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ الطَّائِفِيُّ، وَدَاوُدُ الْعَطَّارُ- وَهَذَا لَفْظُهُ-: ثنا ابْنُ خُثَيْمٍ، عَنْ أبي الزبير المكي، عن جابر بن عبد اللَّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَبِثَ عَشْرَ سِنِينَ يَتْبَعُ الْحَاجَّ فِي منازلهم في المواسم: مجنّة [3] ، وعكاظ،

[1] هنا اضطراب في المنتقى لابن الملا.

[2]

زاد ابن عبد البرّ في الدرر 1/ 160، وابن سيد الناس في عيون الأثر 1/ 161 «ثم أسلموا كلّهم» . وانظر الخبر في سيرة ابن هشام 2/ 186- 187.

[3]

مجنّة: بفتح الميم ويقال بالكسر. مكان على أميال من مكة. كما في حاشية الأصل.

ص: 297

وَمِنًى، يَقُولُ: مَنْ يُؤْوِينِي وَيَنْصُرُنِي حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالَاتِ رَبِّي وَلَهُ الْجَنَّةُ؟ فَلَا يَجِدُ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ يَرْحَلُ صَاحِبُهُ مِنْ مُضَرَ أَوِ الْيَمَنِ، فَيَأْتِيهِ قَوْمُهُ أَوْ ذُو رَحِمِهِ يَقُولُونَ: احْذَرْ فَتَى قُرَيْشٍ لَا يَفْتِنْكَ، يَمْشِي [1] بَيْنَ رِحَالِهِمْ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ، يُشِيرُونَ إِلَيْهِ بِأَصَابِعِهِمْ، حَتَّى بَعَثَنَا اللَّهُ لَهُ مِنْ يَثْرِبَ، فَيَأْتِيهِ الرَّجُلُ مِنَّا فَيُؤْمِنُ بِهِ وَيُقْرِئُهُ الْقُرْآنَ، فَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ فَيُسْلِمُونَ بِإِسْلَامِهِ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ دَارٌ مِنْ يَثْرِبَ إِلَّا وَفِيهَا رَهْطٌ يُظْهِرُونَ الإسلام، ثم ائتمرنا واجتمعنا سبعين رَجُلًا مِنَّا، فَقُلْنَا: حَتَّى مَتَى نَذَرُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَطُوفُ فِي جِبَالِ مَكَّةَ وَيَخَافُ، فَرَحَلْنَا حَتَّى قَدِمْنَا عَلَيْهِ فِي الْمَوْسِمِ، فَوَاعَدَنَا شِعْبَ الْعَقَبَةِ، فَاجْتَمَعْنَا فِيهِ مِنْ رَجُلٍ وَرَجُلَيْنِ، حَتَّى تَوَافَيْنَا عِنْدَهُ، فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ:

عَلَامَ نُبَايِعُكَ؟ قَالَ: «عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي النَّشَاطِ وَالْكَسَلِ، وَعَلَى النَّفَقَةِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ، وَعَلَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَعَلَى أَنْ تَقُولُوا فِي اللَّهِ، لَا تَأْخُذْكُمْ فِيهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ، وَعَلَى أَنْ تَنْصُرُونِي إِذَا قَدِمْتُ عَلَيْكُمْ يَثْرِبَ، تَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ وَأَزْوَاجَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ، وَلَكُمُ الْجَنَّةُ» فَقُلْنَا [2] نُبَايِعُهُ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ، وَهُوَ أَصْغَرُ السَّبْعِينَ، إِلَّا أَنَا، فَقَالَ: رُوَيْدًا يَا أَهْلَ يَثْرِبَ، إِنَّا لَمْ نَضْرِبْ إِلَيْهِ أَكْبَادَ الْمَطِيِّ إِلَّا وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، إِنَّ إِخْرَاجَهُ الْيَوْمَ مُفَارَقَةُ الْعَرَبِ كَافَّةً، وَقَتْلُ خِيَارِكُمْ، وَأَنْ تَعَضَّكُمُ السُّيُوفُ، فَإِمَّا أَنْتُمْ قَوْمٌ تَصْبِرُونَ عَلَى عَضِّ السُّيُوفِ إِذَا مَسَّتْكُمْ، وَعَلَى قَتْلِ خِيَارِكُمْ، وَعَلَى مُفَارَقَةِ الْعَرَبِ كَافَّةً، فَخُذُوهُ وَأَجْرُكُمْ عَلَى اللَّهِ، وَإِمَّا أَنْتُمْ تَخَافُونَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ خِيفَةً [3] ، فَذَرُوهُ فَهُوَ أَعْذَرُ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ.

فَقُلْنَا: أَمِطْ يَدَكَ يَا أَسْعَدُ، فو الله لَا نَذَرُ هَذِهِ الْبَيْعَةَ وَلَا نَسْتَقِيلُهَا، فَقُمْنَا إليه

[1] في المنتقى لابن الملا «فكان يمشي» .

[2]

وفي مسند أحمد «فقمنا» .

[3]

هكذا في الأصل ودلائل النبوّة للبيهقي (2/ 182)، ومسند أحمد. وفي ألوفا في أحوال المصطفى لابن الجوزي:(جبنة يعني جبنا) .

ص: 298

نُبَايِعُهُ رَجُلًا رَجُلًا، يَأْخُذُ عَلَيْنَا شَرْطَهُ [1] ، وَيُعْطِينَا عَلَى ذَلِكَ الْجَنَّةَ [2] .

زَادَ فِي وَسَطِهِ يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ: فَقَالَ لَهُ عَمُّهُ الْعَبَّاسُ يَا بن أَخِي لَا أَدْرِي مَا هَذَا الْقَوْمُ الَّذِينَ جَاءُوكَ، إِنِّي ذُو مَعْرِفَةٍ بِأَهْلِ يَثْرِبَ، قَالَ: فَاجْتَمَعْنَا عِنْدَهُ مِنْ رَجُلٍ وَرَجُلَيْنِ، فَلَمَّا نَظَرَ الْعَبَّاسُ فِي وُجُوهِنَا، قَالَ: هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا أَعْرِفُهُمْ هَؤُلَاءِ أَحْدَاثٌ، فَقُلْنَا: عَلَامَ نُبَايِعُكَ.

وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ [3] : ثنا زَكَرِيَّا، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: انْطَلَقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَعَهُ عَمُّهُ الْعَبَّاسُ، إِلَى السَّبْعِينَ مِنَ الْأَنْصَارِ، عِنْدَ الْعَقَبَةِ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، قَالَ:

لِيَتَكَلَّمْ مُتَكَلِّمُكُمْ وَلَا يُطِيلُ الْخُطْبَةَ، فَإِنَّ عَلَيْكُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَيْنًا، فَقَالَ أَسْعَدُ: سَلْ يَا مُحَمَّدُ لِرَبِّكَ مَا شِئْتَ، ثُمَّ سَلْ لِنَفْسِكَ، ثُمَّ أَخْبِرْنَا مَا لَنَا عَلَى اللَّهِ، قَالَ: أَسْأَلُكُمْ لِرَبِّي أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَسْأَلُكُمْ لِنَفْسِي ولأصحابي أن تؤونا وَتَنْصُرُونَا وَتَمْنَعُونَا مِمَّا مَنَعْتُمْ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ، قَالُوا: فَمَا لَنَا إِذَا فَعَلْنَا ذَلِكَ، قَالَ: لَكُمُ الْجَنَّةُ، قَالُوا: فَلَكَ ذَلِكَ.

وَرَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ [4] ، عَنْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، نا مُجَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ بِنَحْوِهِ، قَالَ: وَكَانَ أَبُو مَسْعُودٍ أَصْغَرَهُمْ سِنًّا.

وَقَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ [5] : حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّ الْعَبَّاسَ بْنَ عُبَادَةَ بْنِ نَضْلَةَ أَخَا بَنِي سَالِمٍ قَالَ: يَا

[1] في المسند «بشرطه العباس» .

[2]

رواه أحمد في المسند 3/ 339- 340 وانظر الحديث أيضا 3/ 322- 323، والبيهقي في دلائل النبوّة 2/ 181- 182.

[3]

في دلائل النبوّة 2/ 109 في رواية أطول مما هنا.

[4]

في المسند 4/ 119.

[5]

سيرة ابن هشام 2/ 191.

ص: 299

مَعْشَرَ الْخَزْرَجِ هَلْ تَدْرُونَ عَلَى مَا تُبَايِعُونَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ إِنَّكُمْ تُبَايِعُونَهُ عَلَى حَرْبِ الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ، فَإِنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنَّهَا إِذَا أَنْهَكَتْ أَمْوَالَكُمْ مُصِيبَةٌ وَأَشْرَافَكُمْ قَتْلًا، تَرَكْتُمُوهُ وَأَسْلَمْتُمُوهُ، فَمِنَ الْآنَ، فَهُوَ وَاللَّهِ إِنْ فَعَلْتُمْ خِزْيُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنَّكُمْ مُسْتَعْلِنُونَ بِهِ وَافُونَ لَهُ، فَهُوَ والله خير الدنيا والآخرة، قال عاصم: فو الله مَا قَالَ الْعَبَّاسُ هَذِهِ الْمَقَالَةَ إِلَّا لِيَشِدَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِهَا الْعِقْدَ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي بَكْرٍ: مَا قَالَهَا إِلَّا لِيُؤَخِّرَ بِهَا أَمْرَ الْقَوْمِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، لِيَشْهَدَ أَمْرَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ، فَيَكُونَ أَقْوَى، قَالُوا: فَمَا لَنَا بِذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟

قَالَ: الْجَنَّةُ، قَالُوا: ابْسُطْ يَدَكَ، وَبَايَعُوهُ، فَقَالَ عَبَّاسُ بْنُ عُبَادَةَ: إِنْ شِئْتَ لَنَمِيلَنَّ عَلَيْهِمْ غَدًا بِأَسْيَافِنَا، فَقَالَ: لَمْ أُؤْمَرْ بِذَلِكَ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: وَرَوَاهُ ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الأسود، عن عروة [1] ، وقاله موسى بن عقبة، وَهَذَا لَفْظُهُ: إِنَّ الْعَامَ الْمُقْبِلَ حَجَّ مِنَ الْأَنْصَارِ سَبْعُونَ رَجُلًا، أَرْبَعُونَ مِنْ ذَوِي أَسْنَانِهِمْ وَثَلَاثُونَ مِنْ شَبَابِهِمْ، أَصْغَرُهُمْ أَبُو مَسْعُودٍ عُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، فَلَقُوهُ بِالْعَقَبَةِ، وَمَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَمُّهُ الْعَبَّاسُ، فَلَمَّا أَخْبَرَهُمْ بِمَا خَصَّهُ اللَّهُ مِنَ النُّبُوَّةِ وَالْكَرَامَةِ، وَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَإِلَى الْبَيْعَةِ أَجَابُوهُ وَقَالُوا: اشْتَرِطْ عَلَيْنَا لِرَبِّكَ وَلِنَفْسِكَ مَا شِئْتَ، فَقَالَ: أَشْتَرِطُ لِرَبِّي أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَشْتَرِطُ لِنَفْسِي أَنْ تَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ. فَلَمَّا طَابَتْ بِذَلِكَ أَنْفُسُهُمْ مِنَ الشَّرْطِ أَخَذَ عَلَيْهِمُ الْعَبَّاسُ الْمَوَاثِيقَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْوَفَاءِ، وَعَظَّمَ الْعَبَّاسُ الَّذِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ، وَذَكَرَ أَنَّ أُمَّ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ سُلْمَى بِنْتَ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ.

قَالَ عُرْوَةُ [2] : فَجَمِيعُ مَنْ شَهِدَ الْعَقَبَةَ مِنَ الْأَنْصَارِ سَبْعُونَ رجلا وامرأة.

[1] في المغازي 125.

[2]

المغازي 126.

ص: 300

وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ [1] : سَبْعُونَ رَجُلًا وَامْرَأَتَانِ، إِحْدَاهُمَا أُمُّ عُمَارَةَ وَزَوْجُهَا وَابْنَاهُمَا.

وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ [2] : فَحَدَّثَنِي مَعْبَدُ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْقَيْنِ، عَنْ أَخِيهِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ كَعْبٍ قَالَ: خَرَجْنَا فِي الْحَجَّةِ الَّتِي بَايَعْنَا فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْعَقَبَةِ مَعَ مُشْرِكِي قَوْمِنَا، وَمَعَنَا الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ كَبِيرُنَا وَسَيِّدُنَا، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِظَاهِرِ الْبَيْدَاءِ قَالَ: يَا هَؤُلَاءِ تَعَلَّمُوا إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ رَأْيًا، وَاللَّهِ مَا أَدْرِي تُوَافِقُونَنِي عَلَيْهِ أَمْ لَا، فَقُلْنَا: وَمَا هُوَ يَا أَبَا بِشْرٍ؟ قَالَ:

إِنِّي قَدْ أَرَدْتُ أَنْ أُصَلِّيَ إِلَى هَذِهِ الْبَنِيَّةِ [3] وَلَا أَجْعَلَهَا مِنِّي بِظَهْرٍ، فَقُلْنَا: لَا وَاللَّهِ لَا تَفْعَلْ، وَاللَّهِ مَا بَلَغَنَا أَنَّ نَبِيَّنَا يُصَلِّي إِلَّا إِلَى الشَّامِ، قَالَ: فَإِنِّي وَاللَّهِ لَمُصَلٍّ إِلَيْهَا، فَكَانَ إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ تَوَجَّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ، وَتَوَجَّهْنَا إِلَى الشَّامِ، حَتَّى قَدِمْنَا مَكَّةَ، فَقَالَ لِيَ الْبَرَاءُ: يَا بْنَ أَخِي انْطَلِقْ بِنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، حَتَّى أَسْأَلَهُ عَمَّا صَنَعْتُ، فَلَقَدْ وَجَدْتُ فِي نَفْسِي بِخِلَافِكُمْ إِيَّايَ، قَالَ: فَخَرَجْنَا نَسْأَلُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَقِيَنَا رَجُلٌ بِالْأَبْطَحِ [4]، فَقُلْنَا: هَلْ تَدُلُّنَا عَلَى مُحَمَّدٍ؟ قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفَانِهِ إِنْ رَأَيْتُمَاهُ؟ قُلْنَا: لَا وَاللَّهِ، قَالَ:

فَهَلْ تَعْرِفَانِ الْعَبَّاسَ؟ فَقُلْنَا: نَعَمْ، وَقَدْ كُنَّا نَعْرِفُهُ، كَانَ يَخْتَلِفُ إِلَيْنَا بِالتِّجَارَةِ، فَقَالَ: إِذَا دَخَلْتُمَا الْمَسْجِدَ فَانْظُرُوا الْعَبَّاسَ [5]، قَالَ: فَهُوَ الرَّجُلُ الَّذِي مَعَهُ، قَالَ: فَدَخَلْنَا الْمَسْجِدَ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْعَبَّاسُ نَاحِيَةَ الْمَسْجِدِ جَالِسَيْنِ، فَسَلَّمْنَا، ثُمَّ جَلَسْنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: هل تعرف

[1] سيرة ابن هشام 2/ 188- 189.

[2]

سيرة ابن هشام 2/ 187.

[3]

يعني الكعبة كما في سيرة ابن هشام، وهذا أحد أسمائها. (انظر شفاء الغرام) .

[4]

يضاف إلى مكة وإلى منى، لأنّ المسافة بينه وبينهما واحدة، وربما كان إلى منى أقرب، وهو المحصب. (معجم البلدان) .

[5]

هنا في (ع) والمنتقى لابن الملا تكرار كلمات.

ص: 301

هَذَيْنِ يَا أَبَا الْفَضْلِ؟ قَالَ: نَعَمْ، هَذَا الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ سَيِّدُ قَوْمِهِ، وَهَذَا كَعْبُ بن مالك، فو الله مَا أَنْسَى قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:(الشَّاعِرُ) ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ لَهُ الْبَرَاءُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي قَدْ كُنْتُ رَأَيْتُ فِي سَفَرِي هَذَا رَأْيًا، وَقَدْ أَحْبَبْتُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْهُ، قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: رَأَيْتُ أَنْ لَا أَجْعَلَ هَذِهِ الْبَنِيَّةَ مِنِّي بظهر فصلّيت إليها، فقال لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: قَدْ كُنْتَ عَلَى قِبْلَةٍ لَوْ صَبَرْتَ عَلَيْهَا، فَرَجَعَ إِلَى قِبْلَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَهْلُهُ يَقُولُونَ: قَدْ مَاتَ عَلَيْهَا، وَنَحْنُ أَعْلَمُ بِهِ، قَدْ رَجَعَ إِلَى قِبْلَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَصَلَّى مَعَنَا إِلَى الشَّامِ [1] .

ثُمَّ وَاعَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْعَقَبَةَ، أَوْسَطَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَنَحْنُ سَبْعُونَ رَجُلًا لِلْبَيْعَةِ، وَمَعَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامِ وَالِدُ جَابِرٍ، وَإِنَّهُ لَعَلَى شِرْكِهِ، فَأَخَذْنَاهُ فَقُلْنَا: يَا أَبَا جَابِرٍ وَاللَّهِ إِنَّا لَنَرْغَبُ بِكَ أَنْ تَمُوتَ عَلَى مَا أَنْتَ عَلَيْهِ.

فَتَكُونَ لِهَذِهِ النَّارِ غَدًا حَطَبًا، وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ رسولا يأمر بِتَوْحِيدِهِ وَعِبَادَتِهِ.

وَقَدْ أَسْلَمَ رِجَالٌ مِنْ قَوْمِكَ، وَقَدْ وَاعَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلْبَيْعَةِ، فَأَسْلَمَ وَطَهَّرَ ثِيَابَهُ، وَحَضَرَهَا مَعَنَا فَكَانَ نَقِيبًا، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي وَعَدْنَا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بِمِنًّى أَوَّلَ اللَّيْلِ مَعَ قَوْمِنَا، فَلَمَّا اسْتَثْقَلَ النَّاسُ مِنَ النَّوْمِ تَسَلَّلْنَا مِنْ فُرُشِنَا تَسَلُّلَ الْقَطَا، حَتَّى اجْتَمَعْنَا بِالْعَقَبَةِ، فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وعمّه العبّاس، وليس مَعَهُ غَيْرُهُ، أَحَبَّ أنَ يَحْضُرَ أَمْرَ ابْنِ أَخِيهِ، فَكَانَ أَوَّلَ مُتَكَلِّمٍ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْخَزْرَجِ إِنَّ مُحَمَّدًا مِنَّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتُمْ، وَهُوَ فِي مَنْعَةٍ مِنْ قَوْمِهِ وَبِلَادِهِ، قَدْ مَنَعْنَاهُ مِمَّنْ هُوَ عَلَى مِثْلِ رَأْيِنَا مِنْهُ، وَقَدْ أَبَى إِلَّا الِانْقِطَاعَ إِلَيْكُمْ، وَإِلَى مَا دَعَوْتُمُوهُ إِلَيْهِ، فَإِنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنَّكُمْ وَافُونَ لَهُ بِمَا وَعَدْتُمُوهُ، فَأَنْتُمْ وَمَا تَحَمَّلْتُمْ، وَإِنْ كُنْتُمْ تَخْشَوْنَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ خِذْلَانًا فَاتْرُكُوهُ فِي قَوْمِهِ، فَإِنَّهُ فِي مَنْعَةٍ مِنْ عَشِيرَتِهِ وَقَوْمِهِ، فقلنا: قد سمعنا ما قلت، تكلّم

[1] سيرة ابن هشام 2/ 188.

ص: 302

يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَتَكَلَّمَ وَدَعَا إِلَى اللَّهِ، وَتَلَا الْقُرْآنَ وَرَغَّبَ فِي الْإِسْلَامِ، فَأَجَبْنَاهُ بِالْإِيمَانِ وَالتَّصْدِيقِ لَهُ، وَقُلْنَا لَهُ: خُذْ لِرَبِّكَ وَلِنَفْسِكَ، فَقَالَ: إِنِّي أُبَايِعُكُمْ عَلَى أَنْ تَمْنَعُونِي مِمَّا مَنَعْتُمْ مِنْهُ أَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَكُمْ، فَأَجَابَهُ الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ فَقَالَ: نَعَمْ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ نَمْنَعُكَ [1] مِمَّا نَمْنَعُ مِنْهُ أُزُرَنَا [2] ، فَبَايِعْنَا يَا رَسُولَ [3] اللَّهِ فَنَحْنُ وَاللَّهِ أَهْلُ الْحُرُوبِ وَأَهْلُ الْحَلَقَةِ [4] ، وَرِثْنَاهَا كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ، فَعَرَضَ فِي الْحَدِيثِ أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيْهَانِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَقْوَامٍ حِبَالًا [5] ، وَإِنَّا قَاطِعُوهَا، فَهَلْ عَسَيْتَ إِنِ اللَّهُ أَظْهَرَكَ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى قَوْمِكَ وَتَدَعَنَا؟ فَقَالَ: بَلِ الدَّمَ الدّم والهدم والهدم [6] ، أَنَا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مِنِّي، أُسَالِمُ مَنْ سَالَمْتُمْ وَأُحَارِبُ مَنْ حَارَبْتُمْ، فَقَالَ لَهُ الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ: ابْسُطْ يَدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ نُبَايِعْكَ.

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَخْرِجُوا إِلَيَّ مِنْكُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا، فَأَخْرَجُوهُمْ لَهُ، فَكَانَ نَقِيبَ بَنِي النَّجَّارِ. أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ، وَنَقِيبَ بَنِي سَلَمَةَ [7] الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ، وَنَقِيبَ بَنِي سَاعِدَةَ: سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَالْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو، وَنَقِيبَ بَنِي زُرَيْقٍ: رَافِعُ بْنُ مَالِكٍ، وَنَقِيبَ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، وَسَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ، وَنَقِيبَ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ: عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ- وَبَعْضُهُمْ جَعَلَ بَدَلَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ خَارِجَةَ بْنَ زَيْدٍ- وَنَقِيبَ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: سَعْدُ بن خيثمة، ونقيب بني

[1](نمنعك) ساقطة من الأصل وغيره.

[2]

العرب تكنى عن المرأة بالإزار، وتكنى به أيضا عن النفس، وتجعل الثوب عبارة عن لابسه، على ما في (عيون الأثر) .

[3]

في الأصل (يرسول الله) بدون ألف بعد الياء.

[4]

أي السلاح.

[5]

أي مواثيق.

[6]

قال ابن هشام: ويقال: الهدم الهدم: أي ذمّتي ذمّتكم وحرمتي حرمتكم. (2/ 189) .

[7]

بكسر اللام كما في (عجالة المبتدي للحازميّ) .

ص: 303

عَبْدِ الْأَشْهَلِ- وَهُمْ مِنَ الْأَوْسِ- أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، وَأَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيْهَانِ [1]، قَالَ: فَأَخَذَ الْبَرَاءُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَضَرَبَ عَلَيْهَا، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ بَايَعَ، وَتَتَابَعَ النَّاسُ فَبَايَعُوا، فَصَرَخَ الشَّيْطَانُ عَلَى الْعَقَبَةِ بِأَنْفَذِ [2] صَوْتٍ سَمِعْتُهُ قَطُّ، فَقَالَ: يَا أَهْلَ الْجَبَاجِبِ [3] هَلْ لَكُمْ فِي مُذَمَّمٍ وَالصَّبَأَةِ مَعَهُ قَدِ اجْتَمَعُوا عَلَى حَرْبِكُمْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «هَذَا أَزَبُّ [4] الْعَقَبَةِ، هَذَا ابْنُ أُزَيْبٍ، أَمَا وَاللَّهِ لَأَفْرُغَنَّ لَكَ، ارْفَضُّوا إِلَى رِحَالِكُمْ» . فَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عُبَادَةَ أَخُو بَنِي سَالِمٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَئِنْ شِئْتَ لَنَمِيلَنَّ عَلَى أَهْلِ مِنًى غَدًا بِأَسْيَافِنَا، فَقَالَ:«إِنَّا لَمْ نُؤْمَرْ بِذَلِكَ» فَرُحْنَا إِلَى رِحَالِنَا فَاضْطَجَعْنَا، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا، أَقْبَلَتْ جِلَّةٌ مِنْ قُرَيْشٍ فِيهِمُ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، فَتًى شَابٌّ وَعَلَيْهِ نَعْلَانِ لَهُ جَدِيدَتَانِ، فَقَالُوا: يَا مَعْشَرَ الْخَزْرَجِ إِنَّهُ قَدْ بَلَغَنَا أَنَّكُمْ جِئْتُمْ إِلَى صَاحِبِنَا لِتَسْتَخْرِجُوهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا، وَإِنَّهُ وَاللَّهِ مَا مِنَ الْعَرَبِ أَحَدٌ أَبْغَضَ إِلَيْنَا أَنْ تَنْشَبَ الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ مِنْكُمْ، فَانْبَعَثَ مَنْ هُنَاكَ مِنْ قَوْمِنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَحْلِفُونَ لَهُمْ باللَّه، مَا كَانَ مِنْ هَذَا مِنْ شَيْءٍ، وَمَا فَعَلْنَا، فَلَمَّا تَثَوَّرَ الْقَوْمُ لِيَنْطَلِقُوا قُلْتُ كَلِمَةً كَأَنِّي أُشْرِكُهُمْ فِي الْكَلَامِ: يَا أَبَا جَابِرٍ- يُرِيدُ عَبْدَ اللَّهِ ابن عَمْرٍو- أَنْتَ سَيِّدٌ مِنْ سَادَتِنَا وَكَهْلٌ مِنْ كُهُولِنَا، لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَتَّخِذَ مِثْلَ نَعْلَيْ هَذَا الْفَتَى مِنْ قُرَيْشٍ، فَسَمِعَهُ الْحَارِثُ، فَرَمَى بِهِمَا إِلَيَّ وَقَالَ: وَاللَّهِ لَتَلْبَسَنَّهُمَا، فَقَالَ أَبُو جَابِرٍ: مَهْلًا أَحْفَظْتَ لَعَمْرِ اللَّهِ الرَّجُلَ- يَقُولُ:

أَخْجَلْتَهُ [5]- ارْدُدْ عَلَيْهِ نَعْلَيْهِ، فَقُلْتُ: لَا وَاللَّهِ لَا أَرَدُّهُمَا، فَأْلٌ صَالِحٌ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أسلبه [6] .

[1] سيرة ابن هشام 2/ 189- 191.

[2]

في حاشية الأصل: (في خ بأبعد) .

[3]

يعني منازل منى، (عيون الأثر 1/ 172) .

[4]

شيطان.

[5]

لعلّ الصواب: (أغضبته) ، على ما في المراجع اللغوية.

[6]

في دلائل النبوّة للبيهقي: (أستلبه) ، وفي سيرة ابن هشام 2/ 192 «لأسلبنّه» . وكذا في تاريخ الطبري 2/ 363- 365.

ص: 304