المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر أول من هاجر إلى المدينة - تاريخ الإسلام - ت تدمري - جـ ١

[شمس الدين الذهبي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الأول (السيرة النبوية) ]

- ‌مقدّمة التّحقيق

- ‌نصّ الوقفيّة التي في نسخة الأصل

- ‌القراءة والسّماع في نسخة الأصل

- ‌النّسخ المعتمدة في التحقيق لهذا الجزء

- ‌مقدّمة المؤلّف

- ‌ذِكْرُ نَسَبِ سَيِّدِ الْبَشَرِ

- ‌مَوْلِدُهُ الْمُبَارَكُ صلى الله عليه وسلم

- ‌أَسْمَاءُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَكُنْيَتُهُ

- ‌ذكر ما ورد في قصّة سطيح [1] وضمود النِّيرَانِ لَيْلَةَ الْمَوْلِدِ وَانْشِقَاقِ الْإِيوَانِ

- ‌بَابٌ مِنْهُ

- ‌ذِكْرُ وَفَاةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ [3]

- ‌وَقَدْ رَعَى الْغَنَمَ

- ‌سَفَرُهُ مَعَ عَمِّهِ- إِنْ صَحَّ

- ‌حَرْبُ الْفِجَارِ [3]

- ‌شَأْنُ خَدِيجَةَ

- ‌حَدِيثُ بُنْيَانِ الْكَعْبَةِ وَحُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ قُرَيْشٍ فِي وَضْعِ الْحَجَرِ [5]

- ‌حديث الحمد

- ‌وَمِمَّا عَصَمَ اللَّهُ بِهِ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ

- ‌ذِكْرُ زيد بن عمرو بن نفيل [1]

- ‌[5] بَاب

- ‌بَابُ قِصَّةِ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ [1]

- ‌ذِكْرُ مَبْعَثِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌فَأَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِهِ خَدِيجَةُ رضي الله عنها

- ‌وَمِنْ مُعْجِزَاتِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌إِسْلامُ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ

- ‌فَصْلٌ فِي دَعْوَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عشيرته الى الله وما بقي مِنْ قَوْمِهِ

- ‌شِعْرُ أَبِي طَالِبٍ فِي مُعَادَاةِ خُصُومِهِ [1]

- ‌إِسْلَامُ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه

- ‌إِسْلَامُ حَمْزَةَ

- ‌إسلام عمر عنه رضى الله

- ‌الْهِجْرَةُ الْأُولَى إِلَى الْحَبَشَةِ ثُمَّ الثَّانِيَةُ

- ‌إِسْلَامُ ضِمَادٍ [2]

- ‌إِسْلَامُ الْجِنِّ

- ‌فَصْلٌ فِيمَا وَرَدَ مِنْ هَوَاتِفِ الْجَانِّ وَأَقْوَالِ الْكُهَّانِ

- ‌انْشِقَاقُ الْقَمَرِ

- ‌بَابُ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ

- ‌ذِكْرُ أَذِيَّةِ الْمُشْرِكِينَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلِلْمُسْلِمِينَ

- ‌ذِكْرُ شِعْبِ أَبِي طَالِبٍ وَالصَّحِيفَةِ

- ‌باب إنّا كفيناك المستهزءين [4]

- ‌دُعَاءُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى قُرَيْشٍ بِالسَّنَةِ [3]

- ‌ذِكْرُ الرُّومِ

- ‌ثُمَّ تُوُفِّيَ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ وَزَوْجَتُهُ خَدِيجَةُ

- ‌ذِكْرُ الْإِسْرَاءِ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى

- ‌ذِكْرُ مِعْرَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى السَّمَاءِ

- ‌زَوَاجُهُ صلى الله عليه وسلم بِعَائِشَةَ وَسَوْدَةَ أمّي المؤمنين

- ‌عَرْضُ نَفْسِهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْقَبَائِلِ

- ‌حَدِيثُ سُوَيْدِ بْنِ الصَّامِت [1]

- ‌حَدِيثُ يَوْمِ بُعَاثٍ [1]

- ‌ذِكْرُ مَبْدَأِ خَبَرِ الْأَنْصَارِ وَالْعَقَبَةِ الْأُولَى

- ‌الْعَقَبَةُ الثَّانِيَةُ

- ‌تَسْمِيَةُ مَنْ شَهِدَ الْعَقَبَةَ

- ‌ذِكْرُ أَوَّلِ مَنْ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ

- ‌سِيَاقُ خُرُوجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ مُهَاجِرًا

- ‌فَصْلٌ فِي مُعْجِزَاتِهِ صلى الله عليه وسلم سِوَى مَا مَضَى فِي غُضُونِ الْمَغَازِي

- ‌فَصْلٌ فِي تَسْبِيحِ الْحَصَى فِي يَدِهِ صلى الله عليه وسلم [4]

- ‌بَابٌ مِنْ أَخْبَارِهِ صلى الله عليه وسلم بِالْكَوَائِنِ بَعْدَهُ فَوَقَعَتْ كَمَا أَخْبَرَ

- ‌بَابٌ جَامِعٌ مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ

- ‌بَابُ آخِرِ سُورَةٍ نُزِّلَتْ

- ‌بَابٌ فِي النَّسْخِ وَالْمَحْوِ مِنَ الصُّدُورِ

- ‌خَاتَمُ النُّبُوَّةِ

- ‌بَابٌ جَامِعٌ مِنْ صِفَاتِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌حَدِيثُ أُمِّ مَعْبَدٍ فِي صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ [1] صلى الله عليه وسلم

- ‌بَابُ قَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ 68: 4 [1]

- ‌بَابُ هَيْبَتِهِ صلى الله عليه وسلم وَجَلَالِهِ وَحُبِّهِ وَشَجَاعَتِهِ وَقُوَّتِهِ وَفَصَاحَتِهِ

- ‌بَابُ زُهْدِهِ صلى الله عليه وسلم وَبِذَلِكَ يُوزَنُ الزُّهْدُ وَبِهِ يُحَدُّ

- ‌فَصْلٌ مِنْ شَمَائِلِهِ وَأَفْعَالِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌بَابٌ مِنَ اجْتِهَادِهِ وَعِبَادَتِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌بَابٌ فِي مُزَاحِهِ وَدَمَاثَةِ أَخْلَاقِهِ الزَّكِيَّةِ صلى الله عليه وسلم

- ‌بَابٌ فِي مَلَابِسِهِ

- ‌بَابٌ مِنْهُ

- ‌بَابُ خَوَاتِيمُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌بَابُ نَعْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَخُفِّهِ

- ‌بَابُ مُشْطِهِ وَمِكْحَلَتِهِ صلى الله عليه وسلم وَمِرْآتِهِ وَقَدَحِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ

- ‌بَابُ سِلَاحِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَدَوَابِّهِ وَعُدَّتِهِ

- ‌وَقَدْ سُحِرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَسُمَّ فِي شِوَاءٍ

- ‌بَابُ مَا وُجِدَ مِنْ صُورَةِ نَبِيِّنَا

- ‌بَابٌ فِي خَصَائِصِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌بَابُ مَرَضِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌بَابُ حَالِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا احْتَضَرَ

- ‌بَابُ وَفَاتِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌تَارِيخُ وَفَاتِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌باب عمر النّبيّ وَالْخُلْفِ فِيهِ

- ‌بَابُ غُسْلِهِ وَكَفَنِهِ وَدَفْنِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌ذِكْرُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌صِفَةُ قَبْرِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌بَابُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَسْتَخْلِفْ وَلَمْ يُوصِ إِلَى أَحَدٍ بِعَيْنِهِ بَلْ نَبَّهَ عَلَى الْخِلَافَةِ بِأَمْرِ الصَّلَاةِ

- ‌بَابُ تَرِكَةِ رَسُولِ اللَّهِ [1] صلى الله عليه وسلم

- ‌عَدَدُ أَزْوَاجِهِ [4] صلى الله عليه وسلم

- ‌آخر التّرجمة النّبويّة

الفصل: ‌ذكر أول من هاجر إلى المدينة

‌ذِكْرُ أَوَّلِ مَنْ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ

عُقَيْلٌ وَغَيْرُهُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلْمُسْلِمِينَ بِمَكَّةَ: قَدْ أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ، أُرِيتُ سَبْخَةً ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لَابَتَيْنِ. وَهُمَا الْحَرَّتَانِ، فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ الْمَدِينَةِ عِنْدَ ذَلِكَ، وَرَجَعَ إلى المدينة بعض [1] من كان هاجر إلى أَرْضِ الْحَبَشَةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: عَلَى رِسْلِكَ فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَتَرْجُو ذَلِكَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي؟ قَالَ: نَعَمْ، فَحَبَسَ أَبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِيَصْحَبَهُ، وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ [2] أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [3] . وَقَالَ الْبَكَّائِيُّ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: فَلَمَّا أَذِنَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ فِي الْحَرْبِ وَبَايَعَهُ هَذَا الْحَيُّ مِنَ الْأَنْصَارِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالنُّصْرَةِ، أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَوْمَهُ بِالْخُرُوجِ إِلَى الْمَدِينَةِ وَالْهِجْرَةِ إِلَيْهَا وَاللُّحُوقِ بِالْأَنْصَارِ، فَخَرَجُوا أَرْسَالًا،

[1] في الجامع الصحيح: «ورجع عامة من كان هاجر» .

[2]

بضم الميم.

[3]

صحيح البخاري 7/ 39 في اللباس، باب التقنّع، وأحمد 6/ 198، وابن سعد في الطبقات 1/ 226.

ص: 311

فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ هَاجَرَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عبد الأسد إلى الْمَدِينَةِ، هَاجَرَ إِلَيْهَا قَبْلَ الْعَقَبَةِ الْكُبْرَى بِسَنَةٍ، وَقَدْ كَانَ قَدِمَ مِنَ الْحَبَشَةِ مَكَّةَ، فَآذَتْهُ قُرَيْشٌ، وَبَلَغَهُ أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْأَنْصَارِ قَدْ أَسْلَمُوا، فَهَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ.

فَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: لَمَّا أَجْمَعَ أَبُو سَلَمَةَ الْخُرُوجَ رَحَّلَ لِي بَعِيرَهُ، ثُمَّ حَمَلَنِي وَابْنِي عَلَيْهِ، ثُمَّ خَرَجَ بِي يَقُودُنِي. فَلَمَّا رَأَتْهُ رِجَالُ بَنِي الْمُغِيرَةِ قَامُوا إِلَيْهِ، فَقَالُوا: هَذِهِ نَفْسُكَ غَلَبْتَنَا عَلَيْهَا، هَذِهِ [1] ، عَلَامَ نَتْرُكُكَ تَسِيرُ بِهَا فِي الْبِلَادِ! فَنَزَعُوا خِطَامَ الْبَعِيرِ مِنْ يَدِهِ، فَأَخَذُونِي مِنْهُ، وَغَضِبَ عِنْدَ ذَلِكَ رَهْطُ أَبِي سَلَمَةَ، فَقَالُوا: وَاللَّهِ لَا نَتْرُكُ ابْنَنَا عِنْدَهَا إِذْ نزعتموها من صاحبنا، فتجاذبوا ابني سَلَمَةَ حَتَّى خَلَعُوا يَدَهُ، وَانْطَلَقَ بِهِ بَنُو عَبْدِ الْأَسَدِ، وَحَبَسَنِي بَنُو الْمُغِيرَةِ عِنْدَهُمْ، فَانْطَلَقَ زَوْجِي [2] إِذْ فَرَّقُوا بَيْنَنَا، فَكُنْتُ أَخْرُجُ كُلَّ غَدَاةٍ فَأَجْلِسُ بِالْأَبْطَحِ، فَلَا أَزَالُ أَبْكِي حَتَّى أُمْسِي، سَنَةً أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا. حَتَّى مَرَّ بِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَمِّي فَرَحِمَنِي، فَقَالَ: أَلَا تَخْرُجُونَ مِنْ هَذِهِ الْمِسْكِينَةِ، فَرَّقْتُمْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَلَدِهَا؟ فَقَالُوا لِي: الْحَقِي بِزَوْجِكِ، قَالَتْ: وَرَدَّ بَنُو عَبْدِ الْأَسَدِ إِلَيَّ عِنْدَ ذَلِكَ ابْنِي. فَارْتَحَلْتُ بَعِيرِي، ثُمَّ وَضَعْتُ سَلَمَةَ فِي حِجْرِي، وَخَرَجْتُ أُرِيدُ زَوْجِي بِالْمَدِينَةِ، وَمَا مَعِي أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ. قُلْتُ: أَتَبَلَّغُ بِمَنْ لَقِيتُ حَتَّى أَقْدَمَ عَلَى زَوْجِي، حَتَّى إِذَا كُنْتُ بِالتَّنْعِيمِ لَقِيتُ عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ الْعَبْدَرِيَّ، فقال: إلى أين يا بنت أَبِي أُمَيَّةَ؟ قُلْتُ: أُرِيدُ زَوْجِي بِالْمَدِينَةِ.

قَالَ: أَوَ مَا مَعَكِ أَحَدٌ؟ قَالَتْ: قُلْتُ: لَا وَاللَّهِ إِلَّا اللَّهُ وَبُنَيَّ هَذَا، قَالَ: وَاللَّهِ مَا لَكِ مِنْ مَتْرَكٍ. فَأَخَذَ بِخِطَامِ الْبَعِيرِ، فانطلق معي يهوي بي، فو الله مَا صَحِبْتُ رَجُلًا مِنَ الْعَرَبِ، أَرَى أَنَّهُ أَكْرَمُ مِنْهُ، كَانَ أَبَدًا إِذَا بَلَغَ الْمَنْزِلَ أَنَاخَ بِي، ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّي حَتَّى إِذَا نَزَلْتُ اسْتَأْخَرَ بِبَعِيرِي، فَحَطَّ عَنْهُ، ثُمَّ قَيَّدَهُ في

[1] في سيرة ابن هشام 2/ 211 (أرأيت صاحبتك هذه؟) .

[2]

في السيرة «أبو سلمة إلى المدينة، قال: ففرّق بيني وبين زوجي وبين ابني» .

ص: 312

الشَّجَرِ، ثُمَّ تَنَحَّى إِلَى شَجَرَةٍ، فَاضْطَجَعَ تَحْتَهَا، فَإِذَا دَنَا الرَّوَاحُ قَامَ إِلَى بَعِيرِي فَرَحَّلَهُ، ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّي وَقَالَ: ارْكَبِي، فَإِذَا رَكِبْتُ وَاسْتَوَيْتُ عَلَى بَعِيرِي أَتَى فَأَخَذَ بِخِطَامِهِ، فَقَادَنِي حَتَّى يَنْزِلَ بِي، فَلَمْ يَزَلْ يَصْنَعُ ذَلِكَ حَتَّى أَقْدَمَنِي الْمَدِينَةَ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى قَرْيَةِ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِقُبَاءٍ قَالَ: زَوْجُكِ فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ، ثُمَّ انْصَرَفَ رَاجِعًا.

ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ مَنْ قَدِمَهَا بَعْدَ أَبِي سَلَمَةَ: عامر بن ربيعة حليف بني عديّ ابن كَعْبٍ مَعَ امْرَأَتِهِ، ثُمَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ حَلِيفُ بَنِي أُمَيَّةَ، مَعَ امْرَأَتِهِ وَأَخِيهِ أَبِي أَحْمَدَ، وَكَانَ أَبُو أَحْمَدَ ضَرِيرَ الْبَصَرِ، وَكَانَ يَمْشِي بِمَكَّةَ بِغَيْرِ قَائِدٍ، وَكَانَ شَاعِرًا، وَكَانَتْ عِنْدَهُ الْفَارِعَةُ [1] بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ، وَكَانَتْ أُمَّهُ أُمَيْمَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَنَزَلَ هَؤُلاءِ بِقُبَاءٍ عَلَى مُبَشِّرِ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ [2] .

وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: فَلَمَّا اشْتَدُّوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ، أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ أَصْحَابَهُ بِالْهِجْرَةِ، فَخَرَجُوا رَسَلًا رَسَلًا [3]، فَخَرَجَ مِنْهُمْ قَبْلَ مَخْرَجِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَبُو سَلَمَةَ وَامْرَأَتُهُ، وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَامْرَأَتُهُ أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ بِنْتُ أَبِي حَثْمَةَ [4] ، وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، وَأَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ الشَّرِيدِ، وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، ثُمَّ خَرَجَ عُمَرُ وَعَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ وَجَمَاعَةٌ، فَطَلَبَ أَبُو جَهْلٍ وَالْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ عَيَّاشًا، وَهُوَ أَخُوهُمْ لِأُمِّهِمْ، فَقَدِمُوا

[1] في الأصل (الفرعة) . ولعلّه على مصطلحهم في حذف الألف المتوسّطة من الأعلام.

[2]

سيرة ابن هشام 2/ 211- 212، عيون الأثر 1/ 173.

[3]

في حاشية الأصل: (هو القطيع من الإبل والغنم، وجمعه: إرسال) يريد أفواجا متقطّعة يتبع بعضهم بعضا على ما في (النهاية) .

[4]

في نسخة دار الكتب، والإصابة- في الكنى- (خيثمة) وهو تصحيف، والصواب ما في الأصل وتاريخ الطبري 2/ 369 والبيهقي 2/ 197.

ص: 313

الْمَدِينَةَ فَذَكَرُوا لَهُ حُزْنَ أُمِّهِ، وَأَنَّهَا حَلَفَتْ لَا يُظِلُّهَا سَقْفٌ، وَكَانَ بِهَا بَرًّا، فَرَقَّ لَهَا وَصَدَقَهُمْ، فَلَمَّا خَرَجَا بِهِ أَوْثَقَاهُ وَقَدِمَا بِهِ مَكَّةَ، فَلَمْ يَزَلْ بِهَا إِلَى قَبْلِ الْفَتْحِ [1] .

قُلْتُ: وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَدْعُو لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الْقُنُوتِ: اللَّهمّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ. الْحَدِيثَ [2] .

قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَخَرَجَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَنَزَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، وَخَرَجَ عُثْمَانُ، وَالزُّبَيْرُ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَطَائِفَةٌ، وَمَكَثَ نَاسٌ مِنَ الصَّحَابَةِ بِمَكَّةَ، حَتَّى قَدِمُوا الْمَدِينَةَ بَعْدَ مَقْدَمِهِ، مَنْهُمْ: سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، عَلَى اخْتِلافٍ فِيهِ.

وَقَالَ يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: لَمَّا اجْتَمَعْنَا لِلْهِجْرَةِ اتَّعَدْتُ أَنَا وَعَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ، وَهِشَامُ بْنُ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ، وَقُلْنَا: الْمِيعَادُ بَيْنَنَا التَّنَاضِبِ [3] مِنْ أَضَاةِ بَنِي غِفَارٍ، فَمَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ لَمْ يَأْتِهَا فَقَدْ حُبِسَ [4] ، فَأَصْبَحْتُ عِنْدَهَا أَنَا وَعَيَّاشٌ، وَحُبِسَ هِشَامٌ وَفُتِنَ، وَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَكُنَّا نَقُولُ: مَا اللَّهُ بِقَابِلٍ مِنْ هَؤُلاءِ تَوْبَةً، قَوْمٌ عَرَفُوا اللَّهَ وَآمَنُوا بِهِ وَصَدَّقُوا رَسُولَهُ، ثُمَّ رَجَعُوا عَنْ ذَلِكَ لِبَلَاءٍ أَصَابَهُمْ فِي الدُّنْيَا فَأُنْزِلَتْ: قُلْ يَا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا من رَحْمَةِ الله 39: 53 [5] ، فَكَتَبْتُهَا بِيَدِي كِتَابًا، ثُمَّ بَعَثْتُ بِهَا إِلَى هِشَامٍ، فَقَالَ هِشَامُ بْنُ الْعَاصِ: فَلَمَّا قَدِمَتْ عَلَيَّ خَرَجْتُ بِهَا إِلَى ذِي طُوًى أُصْعِدُ فيها

[1] تاريخ الطبري 2/ 369، دلائل النبوّة للبيهقي 2/ 197، نهاية الأرب 16/ 322.

[2]

أخرجه البخاري في الجهاد 3/ 234 باب الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة، وانظر عيون الأثر 1/ 175.

[3]

بفتح التاء وكسر الضاد، (معجم البلدان، معجم ما استعجم) .

[4]

في السيرة «فليمض صاحباه» .

[5]

سورة الزمر- الآية 53.

ص: 314

النَّظَرَ وَأُصَوِّبُهُ لِأَفْهَمَهَا، فَقُلْتُ، اللَّهمّ فَهِّمْنِيهَا، فَعَرَفْتُ أَنَّمَا أُنْزِلَتْ فِينَا لِمَا كُنَّا نَقُولُ فِي أَنْفُسِنَا، وَيُقَالُ فِينَا، فَرَجَعْتُ فَجَلَسْتُ عَلَى بَعِيرِي، فَلَحِقْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم [1]، قَالَ: فَقُتِلَ هِشَامٌ بِأَجْنَادِينَ.

وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَدِمْنَا مِنْ مَكَّةَ فَنَزَلْنَا الْعُصْبَةَ [2] عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ، وَسَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، فَكَانَ يَؤُمُّهُمْ سَالِمٌ، لِأَنَّهُ كَانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا [3] .

وَقَالَ إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، فَقُلْنَا لَهُ: مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: هُوَ مَكَانُهُ وَأَصْحَابُهُ عَلَى أَثَرِي، ثُمَّ أَتَى بَعْدَهُ عَمْرُو بْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الْأَعْمَى أَخُو بَنِي فِهْرٍ، ثُمَّ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَبِلَالُ، ثُمَّ أَتَانَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي عِشْرِينَ رَاكِبًا، ثُمَّ أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ مَعَهُ، فَلَمْ يَقْدَمْ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ حَتَّى قَرَأْتُ سُوَرًا مِنَ الْمُفَصَّلِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [4] .

وَقَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: وَمَكَثَ رَسُولُ

[1] سيرة ابن هشام 2/ 219.

[2]

هو موضع في المدينة عند قباء، وضبطه بعضهم بفتح العين والصاد، على ما في تاج العروس 3/ 375 وقيّده في الأصل بضم العين وسكون الصاد، وفي الحاشية: وقيل (العصبة) وضبطها بفتح الأول وسكون الثاني. (معجم ما استعجم 3/ 946) .

[3]

قال في مجمع الزوائد 9/ 300 عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سمع سالما مولى أبي حذيفة يقرأ من الليل، فَقَالَ الْحَمْدُ للَّه الَّذِي جَعَلَ فِي أُمَّتِي مثله. رواه البزّار ورجاله رجال الصحيح.

[4]

لم أجده في صحيح مسلّم، وقد أخرجه البخاري في كتاب مناقب الأنصار 4/ 263- 264 باب مقدم النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة، ورواه في تفسير سورة سبّح اسم ربك الأعلى، وفي فضائل القرآن، باب تأليف القرآن، وأحمد في المسند 1/ 3، وابن أبي عاصم النبيل 53 رقم 91، والمقريزي في إمتاع الأسماع 1/ 34، والحاكم في المستدرك 3/ 634، وابن سعد في الطبقات 4/ 206، والذهبي في سير أعلام النبلاء 1/ 361.

ص: 315

اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ الْحَجِّ بَقِيَّةَ ذِي الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمَ، وَصَفَرَ، وَإِنَّ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَمَكْرَهُمْ عَلَى أَنْ يَأْخُذُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِمَّا أَنْ يَقْتُلُوهُ أَوْ يَحْبِسُوهُ أَوْ يُخْرِجُوهُ، فَأَخْبَرَهُ اللَّهُ بِمَكْرِهِمْ فِي قَوْلِهِ: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا 8: 30 [1] الْآيَةَ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ تَحْتَ اللَّيْلِ قِبَلَ الْغَارِ بِثَوْرٍ، وَعَمَدَ عَلَيٌّ فَرَقَدَ عَلَى فِرَاشِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُوَارِي عَنْهُ الْعُيُونَ [2] .

وَكَذَا قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، وَزَادَ: فَبَاتَتْ قُرَيْشٌ يَخْتَلِفُونَ وَيَأْتَمِرُونَ أَيُّهُمْ يَجْثِمُ عَلَى صَاحِبِ الْفِرَاشِ فَيُوثِقُهُ، إِلَى أَنْ أَصْبَحُوا، فَإِذَا هُمْ بِعَلِيٍّ، فَسَأَلُوهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ، فَعَلِمُوا عِنْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ فَارًّا مِنْهُمْ، فَرَكِبُوا فِي كُلِّ وَجْهٍ يَطْلُبُونَهُ [3] .

وَكَذَا قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ [4] : لَمَّا أَيْقَنَتْ قُرَيْشٌ أَنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم قَدْ بُويِعَ، وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ كَانَ بِمَكَّةَ مِنْ أَصْحَابِهِ أَنْ يَلْحَقُوا بِإِخْوَانِهِمْ بِالْمَدِينَةِ، تَآمَرُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ فَقَالُوا: الآن، فأجمعوا في أمر محمد فو الله لَكَأَنَّهُ قَدْ كَرَّ عَلَيْكُمْ بِالرِّجَالِ، فَأَثْبِتُوهُ أَوِ اقْتُلُوهُ أَوْ أَخْرِجُوهُ.

فَاجْتَمَعُوا لَهُ فِي دَارِ النَّدْوَةِ لِيَقْتُلُوهُ. فَلَمَّا دَخَلُوا الدَّارَ اعْتَرَضَهُمُ الشَّيْطَانُ فِي صُورَةِ رَجُلٍ جَمِيلٍ فِي بَتٍّ [5] لَهُ فَقَالَ: أَأَدْخُلُ؟ قَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، سَمِعَ بِالَّذِي اجْتَمَعْتُمْ لَهُ، فَأَرَادَ أَنْ يَحْضُرَهُ مَعَكُمْ، فَعَسَى أَنْ لا يَعْدِمَكُمْ مِنْهُ نُصْحٌ وَرَأْيٌ، قَالُوا: أَجَلْ فَادْخُلْ، فَلَمَّا دَخَلَ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: قَدْ كَانَ مِنَ الْأَمْرِ مَا قَدْ عَلِمْتُمْ، فَأَجْمِعُوا رأيا

[1] سورة الأنفال- الآية 30.

[2]

المغازي لعروة 129.

[3]

المغازي 129.

[4]

سيرة ابن هشام 2/ 221.

[5]

البتّ: بفتح الباء. هو الكساء الغليظ المربع، وقيل: الطيلسان من خزّ ونحوه، وقيل كساء من الصّوف. (هامش عيون الأثر 1/ 177) .

ص: 316

فِي هَذَا الرَّجُلِ، فَقَالَ قَائِلٌ: أَرَى أَنْ تَحْبِسُوهُ، فَقَالَ النَّجْدِيُّ: مَا هَذَا بِرَأْيٍ، وَاللَّهِ لَئِنْ فَعَلْتُمْ لَيَخْرُجَنَّ رَأْيُهُ وَحَدِيثُهُ إِلَى مَنْ وَرَاءِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَأَوْشَكَ أَنْ يَنْتَزِعُوهُ مِنْ أَيْدِيكُمْ، ثُمَّ يَغْلِبُوكُمْ عَلَى مَا فِي أَيْدِيكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ، فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: بَلْ نُخْرِجُهُ فَنَنْفِيهِ، فَإِذَا غَيَّبَ عَنَّا وَجْهَهُ وَحَدِيثَهُ مَا نُبَالِي أَيْنَ وَقَعَ، قَالَ النَّجْدِيُّ: مَا هَذَا بِرَأْيٍ، أَمَا رَأَيْتُمْ حَلَاوَةَ مَنْطِقِهِ، وَحُسْنَ حَدِيثِهِ، وَغَلَبَتَهُ عَلَى مَنْ يَلْقَاهُ، وَلَئِنْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ لَيَدْخُلُ عَلَى قَبِيلَةٍ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ فَأَصْفَقَتْ [1] مَعَهُ عَلَى رَأْيِهِ، ثُمَّ سَارَ بِهِمْ إِلَيْكُمْ حَتَّى يَطَأَكُمْ بِهِمْ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: وَاللَّهِ إِنَّ لِي فِيهِ رَأْيًا، مَا أَرَاكُمْ وَقَعْتُمْ عَلَيْهِ، قَالُوا: وَمَا هُوَ؟ قَالَ:

أَرَى أَنْ تَأْخُذُوا مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ غُلَامًا جَلْدًا نَهْدًا نَسِيبًا وَسِيطًا، ثُمَّ تُعْطُوهُ شِفَارًا صَارِمَةً، فَيَضْرِبُوهُ ضَرْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمُوهُ تَفَرَّقَ دَمُهُ فِي الْقَبَائِلِ، فَلَمْ تَدْرِ عَبْدُ مناف بعد ذلك ما تصنع، ولم يقروا عَلَى حَرْبِ قَوْمِهِمْ، وَإِنَّمَا غَايَتُهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ أن يأخذوا العقل فتدونه لهم، قتل النَّجْدِيُّ:

للَّه دَرُّ هَذَا الْفَتَى، هَذَا الرَّأْيُ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ، فَتَفَرَّقُوا عَلَى ذَلِكَ وَاجْتَمَعُوا لَهُ، وَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْخَبَرُ وَأُمِرَ أَنْ لَا يَنَامَ عَلَى فِرَاشِهِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَلَمْ يَبِتْ مَوْضِعَهُ، بَلْ بَيَّتَ عَلِيًّا فِي مَضْجَعِهِ. رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ، عَنْ أَبِيهِ [2] .

ثنا ابن إسحاق [3] ، عن عبد الله بن أبي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.

(ح)[4] . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي الْكَلْبِيُّ عَنْ بَاذَامَ مولى أمّ

[1] أي اجتمعت.

[2]

سيرة ابن هشام 2/ 221- 222، تاريخ الطبري 2/ 371- 373، طبقات ابن سعد 1/ 227، نهاية الأرب 16/ 327- 328، عيون الأثر 1/ 178- 179.

[3]

سيرة ابن هشام 2/ 221.

[4]

رمز بمعنى تحويلة للسند.

ص: 317