الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثماني عشرة زاوية، و 4، 253 إخوانيا، وشيخا واحدا، و 48 مقدما، و 176 طالبا، وقد عثر هذا المصدر على إجازة يرجع تاريخ ختمها إلى سنة 1295 وكاتبها هو بلقاسم بن الزواوي، وتاريخ الإجازة هو 1307 (1). وهم لا يذكرون معها علماء ولا تآليف، ولكن أحد شيوخها، وهو أحمد المبارك المعروف العطار، كان أستاذا في مدرسة قسنطينة، وله تأليف عن تاريخ مدينة قسنطينة ألفه بطلب من المستشرق الفرنسي شيربونو، على أغلب الظن.
الكرزازية (الأحمدية) والزيانية
وفي الجنوب الغربي للجزائر ظهرت الطريقة الكرزازية نسبة إلى مؤسسها الشيخ أحمد بن موسى الحسني مولى كرزاز، وقد ولد هذا الشيخ سنة 907 هـ، وعاش إلى أن تجاوز المائة إذ توفي سنة 1016 (حوالي 1608 م) وتوجد الزاوية الأم جنوب القنادسة في الطريق المؤدي إلى توات، وكان الشيخ أحمد أحد الأشراف في المنطقة، اشتهر بالعلم والورع إلى أن أصبح مقدما للشاذلية التي أخذها على شيخيه أحمد بن يوسف الملياني وأحمد بن عبد الرحمن السهيلي، وكان السهيلي مقدما للشاذلية في وقته وله زاوية قرب وادي قير، وتعرف الطريقة الكرزازية بالأحمدية أيضا نسبة إلى مؤسسها.
وتعتمد الكرزازية السلسلة الشاذلية، فهي تمتد إلى جبرائيل والرسول صلى الله عليه وسلم عن طريق الإمام علي والحسن البصري، عبر أبي الحسن الشاذلي وتلاميذه، إلى أحمد بن عبد الرحمن السهيلي، وذكر الكرزازية أيضا هو نفسه ذكر الشاذلية من حيث المبدإ، لكن أحمد الكرزازي أضاف البسملة إلى أذكار الصبح حيث تكرر خمسمائة مرة، وتمر السلسلة في أحفاد الكرزازي إلى أن تصل إلى الشيخ الكبير بن محمد المتوفى سنة 1881، ثم أحمد بن الكبير بوحجاجة المتوفى سنة 1896، ثم عبد الرحمن بن محمد، وهو الخامس عشر في السلسلة، والذي كان شيخا للزاوية سنة 1897.
(1) ديبون وكوبولاني، مرجع سابق، ص 495 - 496،
وللزاوية هيئة إدارية نشيطة من الرئيس والخلفاء والمقدمين والخدم، فالرئيس أو الشيخ له خلفاؤه، والمقدمون لهم نوابهم، وللجميع خدم دنيويون يقومون لهم بالواجبات، والخلفاء يختارون عادة من بين أعضاء عائلة الشيخ، أما المقدمون فيختارهم الإخوان، وتختلف الكوزازية بعض الشيء عن غيرها في أن إدخال الأخ في الطريقة لا يكون أمام الحضرة ولكن فرديا، كما لا تعطى الإجازات للإخوان البسطاء الذين لم يبلغوا درجة من العلم والذكاء والدبلوماسية، ويقولون إن الزاوية الأم فقيرة جدا، ولذلك تحتاج إلى حقوق الزيارات، ومع ذلك يذكرون عنهم أنهم لا يقبلون الطعام من أحد، وإذا ما دعوا إليه فإنهم يعدون طعامهم بأنفسهم!، ولعل ذلك كان مجرد رياء وتظاهر.
وبالإضافة إلى الجانب الديني والصوفي، يقوم إخوان الكوزازية، سيما المقدمون ونوابهم، بالإصلاح بين الناس، وهم يحتفظون بالحياد عند الخصومات، وتحمى الزاوية ضحايا الاعتداءات في الطرق التجارية، وهي ملجأ للهاربين والفقراء، وكانت لهم علاقة طيبة مع سلاطين المغرب والحكام الفرنسيين بالجزائر، حسب المعلومات الفرنسية، لكن الفرنسيين يلاحظون أن أولاد سيدي الشيخ كانوا دائما يجدون الملجأ في زاوية كلازاز، رغم الموقف الحيادي لها، ولها أتباع في الناحية كلها من بني سناسن إلى توات، وللزاوية أملاك في هذه الناحية، غير أن أغلب الأتباع في بني غيل، ودوي - مينا، وحميان وتلمسان وعين تموشنت.
وعلامة على علاقاتها الحسنة مع الفرنسيين، رغم شعار حيادها، عرض شيخ الزاوية سنة 1881، وهو أحمد بن الكبير بوحجاجة، إعادة بعض الهاربين إليه من ثورة بوعمامة، وعند وفاة هذا الشيخ سنة 1896 بادر خليفته، عبد الرحمن بن محمد بإخطار الفرنسيين بالوفاة وتسميته هو خليفة له، ووعدهم باتباع سيرة سلفه وسياسته معهم، وقد بعث بذلك إلى الجنرال الفرنسي، حاكم العين الصفراء (1). وأخذت الزاوية في العهد الأخير تتوسع
(1) انظر رين، مرجع سابق، 342 - 348، وديبون وكوبولاني، مرجع سابق، =
في بني كومي، والفجيج والقورارة ووادي الساورة.
وتثبت إحصاءات سنة 1882 أن لزاوية كرزاز 2، 924 من الإخوان، و 62 مقدما في إقليم وهران، ولا شك أن لها أتباعا أيضا في شرق المغرب والجنوب الجزائري، لأنها كانت مهتمة بحماية قصور (قرى) الصحراء والتجار، أما إحصاء سنة 1897 فيثبت لها حوالي ثلاثة آلاف من الإخوان، و 78 مقدما، واحصاء سنة 1906 لا يضيف جديدا لعدد الإخوان، ولكن يذكر أنها تشرف على حوالي عشر زوايا أخرى.
…
ولا نكاد نضيف جديدا عما قلناه في الجزء الأول عن الزيانية (1) بالقنادسة، عدا أننا نبدأ هنا من حيث انتهينا هناك، وبعض التفاصيل عن السلسلة والذكر لهذه الطريقة، فالسلسلة الزيانية تمر بعدد من العلماء والصالحين، أمثال أبي مدين شعيب، وأبي الحسن الشاذلي، ومحمد بن ناصر الدرعي، أما الذكر فإن الزيانية تمارس أذكار الشاذلية مع بعض التغيير، على هذا النحو: الاستغفار مائة مرة عند الفجر، والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم مائة مرة (بهذه الصيغة: اللهم صل على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم). والتشهد ألف مرة، والتسبيح مائة مرة، وذكر اسم الجلالة ألف مرة، كما أن بعض أتباعها يقرأون الوظيفة الزروقية أيضا.
وقد عرفنا أن مؤسس هذه الزاوية والطريقة هو الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن بوزيان، المتوفى سنة 1145 (1733) على الأرجح، وأن هناك مصادر تناولت حياته بالتفصيل اعتمدنا على بعضها، سيما كتاب (طهارة الأنفاس) لمصطفى بن الحاج البشير الذي قدمه ولخصه أوغست كور، المستشرق الفرنسي، وكنا قد ترددنا حول عصر المؤلف (مصطفى بن الحاج البشير) ولكننا
= ص 502، وقارو، مرجع سابق، ص 166.
(1)
نشير إلى أننا ذكرنا في الجزء الأول أن عبد الرحمن الكرزازي المعاصر لأبي زيان هو (مؤسس) زاوية كرزاز، والصواب أنه أحد شيوخها فقط وأحد خلفائها، أما المؤسس فقد عرفنا أنه أحمد بن موسى وأنه توفي سنة 1016 (1608).
عرفنا هذه المرة أنه من أوائل هذا القرن إذ أنه كان حيا سنة 1915، وبذلك يكون قد عرف السيد (كور Cour) شخصيا لأن هذا كان أستاذا في مدرسة تلمسان عندما اطلع على كتاب (طهارة الأنفاس) وعرضه (1). وقد جاءت المعلومات التي عرضها السيد كور عن حياة بوزيان وزاويته بعد عدة سنوات من تأليف كل من رين وكوبولاني وديبون عن الطرق الصوفية، ومنها الزيانية (2). أوصى بوزيان بالخلافة لأحد أبنائه، وهو محمد الأعرج الذي أورثه سره وبركته الصوفية، وأمر أتباعه بطاعته، واتجه الشيخ محمد الأعرج نحو التعليم والدعوة للطريقة والدين، واشتهر أمره، ومدحه بعض الشعراء أمثال محمد بن الحاج التلمساني، وقد توفي الشيخ الأعرج سنة 1175 (1761). ثم تتابع الخلفاء فكان أبو مدين بن محمد الأعرج، وهو الذي بنى جامع القنادسة، كما بنى منارة الزاوية هناك وأخرى لزاوية فاس، وتعاطى أبو مدين التجارة وأصبح من الأثرياء، وهو الذي قيل فيه إنه زاوج بين الدنيا والآخرة، وقد توفي سنة 1204 (1790). وخلفه محمد بن عبد الله بن أبي مدين، وتوفي هذا سنة 1242 (1826). وكان الخلفية الرابع هو أبو مدين بن الخليفة السابق (محمد بن عبد الله). وكان أديبا وشاعرا أيضا إلى جانب الفقه والتصوف، وقد توفي سنة 1268 (1852).
وأظهر الخليفة الخامس، محمد المصطفى، عطفا خاصا على الفقراء والأيتام، وتوفي سنة 1275 (1858)(3). والخليفة السادس هو مبارك الذي
(1) حصل (كور) على نسختين من الكتاب إحداهما نسخة الزاوية الزيانية، والثانية نسخة قدمها له السيد محمد نهليل، وهو أحد المترجمين العسكريين الجزائريين، وكان عندئذ في بني عباس بغرب البلاد، انظر عنه فصل الاستشراق، ومقالتنا (المترجمون الجزائريون وافريقية) في مجلة الثقافة، 1996.
(2)
نشر كور دراسته في (مجلة العالم الإسلامي). R، M، M، سنة 1910 على حلقتين، الأولى، نوفمبر، ص 359 - 379، والثانية ديسمبر، ص 571 - 590، أي بعد ربع
قرن من ظهور دراسة رين، وثلاث عشرة سنة من دراسة ديبون وكوبولاني.
(3)
يذكر (رين) ص 408، تواريخ أخرى لبعض الخلفاء فيقول إن أبا مدين، الخليفة G، A الرابع، توفي سنة 1270 (1853). وأن أخاه محمد بن محمد توفي سنة =
لم يبق إلا تسعة أشهر ثم ترك شؤون الزاوية لأخيه محمد بن عبد الله (توفي مبارك سنة 1867/ 1248). وهو (محمد) الذي يقول عنه رين أنه هو المتولي عند كتابة كتابه سنة 1884، وقد طال عهد محمد بن عبد الله إلى سنة 1312 (1895). ويدعى أيضا محمد بن بوزيان - على اسم جده - ابن محمد المصطفى، وهو الخليفة السابع في السلسلة، أما الثامن فيها فهو إبراهيم بن محمد بن عبد الله، الذي كان على رأس الزاوية عندما كتب عنها كل من ديبون وكوبولاني (1897) وكذلك كور (1915). وهو الذي انتهى به كتاب (طهارة الأنفاس) المشار إليه.
وتتحدث المعلومات الفرنسية عن الطريقة الزيانية بأنها تقدم خدمات كبيرة في ناحيتها، سيما وقت الاضطرابات، والخليفة يذهب سنويا إلى القبائل المجاورة والأعراش للتفتيش وجمع الزيارات، ويعتبرها الفرنسيون طريقة متسامحة، وهي تسهل حركة القوافل والتجارة، وتقدم زواياها الضيافات للعابرين، وهي تؤوي المهزومين والهاربين، وتتدخل للصلح بين الناس، لقد سمح شيخ الزاوية بلجوء أعداء فرنسا عنده ولكنه لم يشجع على الثورة ضدها، وهي (الطريقة) تحافظ على العلاقات مع فرنسا بدون توتر، حتى أن أول الخارجين عن ثورة بوعمامة سنة 1881 كانوا هم أتباع الزيانية والتجانية بعد أن كانوا قد انضموا إلى الثورة، وتذكر المصادر الفرنسية أن الزاوية الزيانية قدمت الشعير وحيوانات الذبح إلى بعثة الجنرال (وينفين) في وادي قير سنة 1870، وكان الجنرال في حاجة ماسة إلى ذلك، ولكنها كانت تواجه منافسة من طرق أخرى هناك مثل الطيبية والدرقاوية والشيخية (1).
ومن الفوائد التي جناها الفرنسيون من زاوية القنادسة تأييدها لهم أيضا في حربهم ضد ألمانيا سنة 1914، فقد بعث الشيخ وصية إلى كافة أتباعه
= 1272 (1855). ونحن نميل إلى التواريخ المذكورة في كتاب (طهارة الأنفاس) كما عرضه (كور) لاعتماده على مصادر الزاوية.
(1)
رين، مرجع سابق، ص 408، وديبون وكوبولاني، مرجع سابق، ص 499 - 500،
يستنكر فيها استعانة تركيا بألمانيا، ولاحظ أن الاستعانة تعني استعباد تركيا (بالأصفر الرنان)(وهي العبارة التي وردت في وصية الطريقة التجانية أيضا). وتنبأ بأن تركيا وألمانيا ستنهزمان، وأعلن أن الطريقة متمسكة بدولة فرنسا المحبوبة المحسنة، ولم يذكر شيئا عن ماضي الأتراك في الجزائر، ولكن العبارات الأخرى تكاد تكون واحدة، ولم يذكر فضائل فرنسا وأفضالها على الجزائريين، فهل ذلك راجع إلى أن احتلال المنطقة (القنادسة) حديث العهد؟ و (الوصية) كانت صادرة عن الشيخ إبراهيم القندوسي، كبير الزاوية القندسية (1) - كذا -.
وبناء على مصادر أخرى فإن الشيخ إبراهيم القندوسي قد توفي سنة 1913، ومن ثمة لم يحضر الحرب العالمية الأولى، ويبدو أن الذي جاء بعده هو محمد بن الأعرج الذي كان موجودا سنة 1931 وهو ابن أخ لإبراهيم المذكور، وقد حكم الفرنسيون بأن ابن الأعرج كان صديقا لهم وأنه كان مناصرا (للتقدم) ومن المعجبين بالنظم الفرنسية، وذكروا أنه قد أعانهم خلال الحرب العالمية، وقد توفي محمد بن الأعرج في 13 فبراير 1934 وخلفه ابنه عبد الرحمن (2).
وقريبا من القنادسة تقع زاوية رقان الشاذلية أيضا، وكان رئيسها أوائل هذا القرن هو الشيخ مولاي الحسن بن عبد القادر الذي كان في الخمسين من عمره، وكان قد فر من رقان إلى تافيلالت عند احتلال الفرنسيين توات ونواحيها، وكانت للزاوية علاقة بزاوية القنادسة أيضا، وتشير المصادر إلى أن شيخ زاوية رقان من الأشراف، وكان نفوذ الزاوية يمتد إلى توات والقورارة وتيديكلت وحتى تمبكتو، ومن المترددين عليها سكان منطقة الطوارق، وهم يقدمون إليها الزيارة، وتعتبر السلطات الفرنسية أن نفوذ زاوية رقان في الطوارق قد أفادها (أي السلطات). وكان أحد شيوخ الزاوية وهو
(1) مجلة العالم الإسلامي R، M، M، ديسمبر 1914، ص 258.
(2)
قوفيون، كتاب أعيان المغرب الأقصى، ص 893 - 898، وتوجد صورة الشيخ محمد بن الأعرج ص 897،