الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عبد المالك، معاصرا للشيخ محمد بن بوزيان شيخ زاوية القنادسة في وقته، وكان كلاهما يعطي الورد الجيلاني (القادرية). وكان بوزيان يكن احتراما خاصا لمعاصره عبد المالك، كما كان هذا الشيخ يقرأ تعاليم الشاذلية من الحكم العطائية، وله كرامات، وكانت زاوية رقان مركزا لحل مشاكل الجهة أيضا، فيأتيها الناس من أجل ذلك، وفيهم حتى قائد بلدة دلول الذي عينه الفرنسيون، وكلهم يستمعون إلى نصيحة الشيخ مولاي الحسن، ويجمع هذا الشيخ، في الواقع، بين عدة طرق، كالقادرية والتجانية إضافة إلى الشاذلية، وربما الطيبية أيضا، ولذلك يختلط الأمر في تصنيف زاوية رقان، ولعلها كانت تحت تأثير البكائية/ القادرية أيضا، والمهم أن الطرق الصوفية كانت هناك متداخلة وبراغماتية، وأن السلطات الفرنسية كانت تحاول الاستفادة منها واستغلالها إلى أقصى حد في التوسع بالمنطقة وفي المحافظة على هدوء السكان (1).
الطريقة الطيبية
ونبقى في مجال الطريقة الشاذلية لنتناول هنا الطريقة الطيبية، لأن سلسلة التصوف عند هذه الطريقة مرتبطة بالشاذلية أيضا، ويرجع تأسيس الطيبية إلى إدريس الأكبر، حسب الشائع وحسب السلسلة الذهبية عندهم، أي التي تربطهم بالشرف، ونحن قد تناولنا أوليات الطريقة الطيبية في الجزء الأول من هذا الكتاب، ولا نزيد عليه إلا ما رأيناه ضروريا أو له علاقة بالعهد الذي ندرسه، إن للطيبية زاوية أما في وزان، وتسمى (دار الضمان) وفيها دفن الشيوخ، ولها زوار كثيرون وأغنياء يمدونها بالمال، وشخصيات معتبرة، وهي من الزوايا التي لعبت دورا سياسيا في المغرب وفي الجزائر، وقد حاول الفرنسيون ترويج أسطورة (رغم أنهم يزعمون أنهم لا يؤمنون بالأساطير وأن
(1) توري (ملاحظات على الزاوية الرقانية) في (مجلة الجمعية الجغرافية للجزائر وشمال إفريقية). S، G، A، A، N، 1903، ص 46 - 58،
ذلك من شأن العرب والمسلمين فقط) مفادها أن الشيخ الطيب المؤسس التاريخي للطريقة (انظر الجزء الأول) قد تنبأ لأصحابه بأنهم سينتشرون في الجهة الشرقية (والمقصود الجزائر) لأنها ستقع في أيدي بني الأصفر (وهو اسم الروم عند القدماء، والمقصود جنس الفرنسيين). ثم قال لهم: إنكم ستأخذونها أنتم قبلهم أو بعدهم.
قلنا إن للطريقة الطيبية سلسلتين الأولى ذهبية لشرف النسب، وهي تبدأ من الرسول صلى الله عليه وسلم ثم ابنته فاطمة، مرورا بإدريس الأكبر، إلى أن تصل السلسلة إلى الحاج العربي ثم ابنه عبد السلام ثم العربي بن عبد السلام الذي كان موجودا سنة 1893، أما السلسلة الثانية فهي لإثبات السند الصوفي، وفي هذه الحالة نجد الطريقة ترجع إلى الشاذلية والجزولية والعيساوية والناصرية والحنصالية، بدءا بالملك جبرائيل إلى الحاج العربي ثم إلى ابنه عبد السلام وابنه العربي، وهكذا.
وتعاليم الطيبية لا تكاد تختلف عن تعاليم الطرق الأخرى، فهي مثلها، تدعو إلى التقوى وفعل الخير والقيام بالواجبات الدينية، وإطعام الفقراء والتدخل لحل خلافات الناس وإصلاح ذات البين، مع التقرب إلى الله بأدعية وأذكار سنوردها، والابتعاد عن الحياة الدنيا وزخرفها (رغم أن شيوخها كانوا مهتمين بالحياة المادية، كما سنرى). والتأمل في ملكوت السماوات والأرض، ورغم ادعاء مقاديمها بأنهم لا يهتمون ولا يتدخلون في السياسة فإن الواقع يجعل طريقتهم عبارة عن جمعية دينية ذات وزن سياسي وأن لها أهدافا سرية غير معلنة (1). ويذهب (رين) إلى أن طريقة إدخال الأتباع تسمى عند الطيبية (تسييس) الأتباع، وقال إن لها أهدافا سياسية، وهي لا تشبه الطرق الأخرى في أذكارها - إذ أن أذكارها عبارة عن ألفاظ مترابطة ومترادفة يمكن أن تكون كلمات (سرية) في أي وقت، والدخول في الطريقة عندهم سهل، فعندما يقصدهم الأخ ليطلب الورد من المقدم، يحاول هذا أن يثنيه
(1) رين، مرجع سابق، ص 39 وهنا وهناك،
وأن يصعب أمامه طريق الدخول، فإذا أصر الأخ يفتح له المقدم باب الطريقة، ويقرأ الفاتحة، أما اختيار المقدمين عندهم فيتم أثناء الحضرة أو الجلالة، وهم يتفقدون زواياهم كل عام بحيث يأتي الخليفة من الزاوية الأم ليراقب ويعين المقدمين ويجمع حقوق الزيارات (المال) ويجدد العهد.
أما ورد الطريقة الطيبية فيتكون من جمل وعبارات دينية يرددها الإخوان أثناء الصلوات غالبا، من ذلك تسبيح الله وحمده (سبحان الله وبحمده) مائة مرة صباحا ومساء، والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم وأزواجه وذريته خمسين مرة صباحا، وعبارة (اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم) مائة مرة صباحا ومساء، والشهادة (لا إله إلا الله) مائة مرة صباحا ومساء، وعقب الصلوات الخمس يقول الأخ عشر مرات (لا إله إلا الله محمد رسول الله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله) وفي المرة الحادية عشرة يقول (لا إله إلا الله، شفيعنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله).
أما الحزب عندهم فيتألف من البسملة والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم وآله، والتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وقراءة الآية: {إن الله وملائكته يصلون على النبي
…
} إلى غير ذلك، في أعداد مضبوطة، خمسين مرة و 75 مرة الخ
…
وأخيرا نذكر أن من أوراد الطيبية قراءة كتاب (دلائل الخيرات) للجزولي عدة مرات كلما أمكن ذلك، ومن شروط الذكر عندهم اتباع السنة واجتناب البدعة (هكذا يقولون، ولكن البدعة موجودة، حسب نقاد الطرق الصوفية). ومصاحبة أهل الخير ومجانبة أهل الشر، وأداء الصلوات الخمس في أوقاتها وفي الجماعة، وتعمير أوقات الفراغ بذكر الشهادة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (1). ويذهب رين إلى أن تلك الأذكار كلها
(1) ابن بكار، مرجع سابق، ص 67 - 68، ويذكر هذا المصدر الذي هو نفسه من إخوان الطيبية أن وردها طيبي، شاذلي، مشيشي، كما يذكر أنه أخذ هذا الورد من خليفة زاوية وزان، علي بن عبد السلام، عندما جاء هذا إلى سعيدة، حوالي سنة 1342، وكان ابن عم هذا المؤلف هو شيخ الزاوية الطيبية بمدينة معسكر، وأن جده ظل في (القطبانية) ثلاثين سنة، انظر نفسه، ص 72،
تسمى (الذكر البسيط). لكن الذين يريدون الوصول إلى الرؤى والمشاهدات والحياة الأخرى، علهيم أن يرددوا الذكر مرات أخرى تبلغ 4، 650 مرة يوميا.
لكن الأتباع، وحتى المقدمين، لا يعرفون كل شيء عن أفعال شيوخهم واتصالاتهم الداخلية والخارجية، ذلك أن من شروط الدخول في الطريقة الطاعة العمياء وعدم السؤال لماذا وكيف وماذا، إنهم كالميت بين غاسله، كما يقولون، فماذا كان يفعل شيوخ الزاوية الطيبية مع السلطات الفرنسية في الجزائر؟ إن العلاقات قديمة بين الطرفين طبعا، فنحن نعرف أن محمد بن عبد الله المعروف بومعزة كان من إخوان الطيبية، وقد حارب الفرنسيين في موازاة الأمير عبد القادر في عدة معارك، واشتهر بأحداث الظهرة سنة 1845، وإلى الآن لم يحل لغز شخصيته وأصله ونسبه، ولا ندري إن كان له دور في البداية أو النهاية شبيه بدور الحاج مبارك بن يوسف المراكشي المعاصر له، فقد استسلم بومعزة إلى السلطات الفرنسية سنة 1847 قبل هزيمة الأمير ببضعة أشهر، وحمله الفرنسيون إلى سجن (بو) بفرنسا، ثم ظهر اسمه أو مدعي اسمه في الجزائر بعد ذلك دون أن يكون لشخصه أي سند تاريخي، ولكن اسمه تردد أيام حرب القرم (1854 - 1856) في المشرق، وهي الحرب التي شاركت فيها فرنسا إلى جانب العثمانيين ضد روسيا، ثم اختفى اسم بومعزة بعد ذلك (1).
وهناك أحداث صغيرة ذات معنى كبير جرت في شرق البلاد بين السلطات الفرنسية ومقدمي الطريقة الطيبية، فقد كانت هذه السلطات تريد أن تكون لها الكلمة الأولى والأخيرة في اختيار المقدمين حتى يكونوا طيعين للطريقة ولها أيضا، وحتى تجبر زاوية وزان الأم على الدخول في مفاوضات
(1) عن بدايات وحياة بومعزة انظر (انتفاضة الظهرة) للضابط ريشار، الجزائر 1846،
معها تكون فيها هي مطية للتسرب إلى المغرب، ولو بعد حين، وكان قناصل فرنسا في طنجة مسلحين بتعليمات محددة، فبعد احتلال قسنطينة ظهر صفان أو حزبان متنافسان على منصب مقدم الطيبية، أحدهما بزعامة ابن عيسى، والثاني بزعامة الشريف شريط، وعندما فاز الأول احتج الثاني، وتدخلت السلطات الفرنسية لدى زاوية وزان لحل الخلاف الواقع داخل (مملكتها). وحدث إشكال شبيه بالأول بعد ذلك أيضا، فقد عين شريف وزان مقدمه في قسنطينة، قدور بن زروق فنازعه على هذا اللقب عمر بن شريط (ابن المقدم السابق المتوفى). وبعد انتخابات جرت برضى شريف وزان نفسه فاز ابن شريط وانهزم ابن زروق رغم أنه كان معينا من الزاوية الأم والشريف الأصلي، ولم يسع شريف وزان إلا الموافقة على هذا الانتخاب (الديمقراطي). وتولت السلطات الفرنسية تعيين ابن شريط (رسميا) في وظيفته كمقدم.
ويقولون إن العلاقات بين أشراف وزان والسلطات الفرنسية في الجزائر ترجع إلى عهد بوجو، وبالضبط سنة 1843 حين وجه بوجو قنصل بلاده في طنجة (وهو ليون روش). إلى الاتصال بالحاج العربي، شيخ الزاوية ورئيس الطريقة، وذلك لتسهيل مهمة الفرنسيين في الجزائر على يد مقدميه وإخوانه، وكان بوجو قد حاول نفس المحاولة، ولكن بطريقة أخرى، حين نال من بعض علماء المسلمين فتوى تثبط الجهاد والمقاومة في الجزائر وتفتي بوضع السلاح والاستسلام ما دام (الكافر) قد سمح بأداء الشعائر الدينية للمسلمين وما دام هؤلاء عاجزين عن طرده (1). والظروف التي تحرك فيها بوجو هي نفس الظروف التي كان يتحرك فيها بومعزة في الجزائر، وكان لغزا من الألغاز، والمعروف أن بوجو هاجم المغرب ليجبر سلطانه على ضرب الأمير
(1) انظر ذلك في فصل مذاهب وتيارات، وهي المهمة التي قام بها الجاسوس ليون روش (الحاج عمر) سنة 1842 في القيروان ومصر والحجاز، وليوسف مناصرية كتاب عنوانه (مهمة ليون روش في المغرب). الجزائر، 1990،
وطرده، سنة 1844 (معركة إيسلي). ترى ما المساعدات التي قدمتها زاوية وزان عندئد؟.
لكن العلاقات بين السلطات الفرنسية وزاوية وزان لم تعد خافية إلا على معصوبي العينين، منذ 1891، فقد كان لعاب فرنسا يسيل للاستيلاء على الصحراء وأراضي الجنوب، وكانت في حاجة إلى دعم (أصدقائها) مشائخ الطرق، سواء كانوا من الطيبية أو التجانية أو القادرية أو غيرها، وبالإضافة إلى ذلك فإن شريف وزان (عبد السلام) قد سبق له أن تزوج من انكليزية، واعتنق مبدأ (التقدم) الذي يدعيه الغرب عندئذ كما يدعي اليوم مبدأ الديموقراطية وحقوق الإنسان، كما أن شريف وزان دخل تحت الحماية الفرنسية، وهو نظام (الحماية الشخصية) الذي فرضته الدول الغربية على سلطان المغرب، الحسن الأول (1873 - 1894) بحيث يمكن لرعاياه أن يكونوا رعايا دولة أجنبية باختيارهم (1). وفي هذا النطاق جاء إلى الجزائر شريف وزان نفسه، عبد السلام بن العربي، في زيارة رسمية، واستقبله الحاكم العام جول كامبون، وبقي ضيفا رفيع المستوى خلال شهرين، ومدحته الوثائق الفرنسية بأنه قاوم الضغط من بعض الجهات الأجنبية (بريطانيا؟) حتى لا ينفذ الزيارة، ويهمنا هنا أنه حصل من هذه الزيارة على موافقة أهل القورارة على الدخول تحت الحماية الفرنسية أيضا، مع التزامه هو شخصيا نحو فرنسا، على أن تكون لها هي الكلمة العليا في بيت وزان (مسألة الولاية). بالإضافة إلى قضايا أخرى دبلوماسية، بقيت من الأسرار الدقيقة غير المعلنة بين الطرفين (2).
(1) عن هذا الموضوع انظر كتاب محمد العربي معريش (المغرب الأقصى في عهد السلطان الحسن الأول). بيروت، 1989.
(2)
تذهب المصادر الفرنسية إلى أن اتفاق مدريد سنة 1880 قد أعطى لفرنسا حق حماية شريف وزان وزاويته لأن للطيبية أتباعا في الجزائر تحت السيادة الفرنسية، كما أن (الحماية) الفرنسية قد أعطيت له تعويضا له على خدماته، وبناء على طلبه، رغم أن حكومة السلطان كانت تحتج على هذا التدخل في شؤون رعاياها، وبدون جدوى، =
وزيارة الشيخ عبد السلام لها مقدمات وإرهاصات، كان الشيخ متزوجا من معلمة انكليزية، كما قلنا، وقد أنجب منها ولدين هما العربي ومحمد، وله ولد ثالث اسمه التهامي، من زوجة أخرى، ولكي تضمن فرنسا الاستمرارية في العقب لجأت إلى نظام الحماية وضمان التدخل في شؤون العائلة، وتمهيدا لذلك جاءت ببعض أبناء الشيخ لكي يدرسوا في الجزائر ويعالجوا في فرنسا، والواقع أن الشيخ عبد السلام قد طلب الحماية الفرنسية منذ 1876 ولكنها رفضت له، ويشيد الفرنسيون رغم ذلك، بموقفه منهم، لأنه (تفهم) الرفض وبقي على موقفه مؤيدا للمصالح الفرنسية، وإذن لا بد من تجريبه ووضعه على المحك لمعرفة إخلاصه، وفي سنة 1883 طلب الشيخ منحة لأحد أبنائه من غير المرأة الإنكليزية، فحصل عليها، وجاء ذلك الابن إلى الجزائر ودخل الليسيه الوحيد فيها، وفي سنة 1884 حصل الشيخ على لقب (حماية فرنسي) بشروط معاهدة مدريد، وكان ذلك ضربة معلم من فرنسا، حسب تعبير وثائقها لأنها كانت ستجد صعوبات جمة في الجزائر وغيرها لو بقي أتباع الطيبية خصوما لها، وهذه الوثائق تتحدث بل تفخر بأن الحماية الفرنسية على زاوية وزان وشيخها قد ساعد على نشر سمعة فرنسا في المغرب الأقصى، وأشادت بالشيخ عبد السلام لمقاومته انتقاد المسلمين له على دخوله تحت الحماية الأوروبية (1). ولا شك أن فرنسا قد عاونت أيضا الطريقة الطيبية على الانتشار في الجزائر، على حساب الطرق الأخرى، للمصلحة المشتركة بين فرنسا وبين الطيبية، ولا سيما في القضاء على ثورة بوعمامة.
وتوالت زيارات أقطاب زاوية وزان إلى الجزائر على عهد كامبون، ففي سنة 1892 توجه الشيخ عبد السلام لزيارة زواياه في الجنوب، وركب في موكب (قوم) كبير بقيادة أولاد سيدي الشيخ، وحل الوفد بتوات وغيرها.
= انظر إفريقية الفرنسية (A، F) نوفمبر، 1895، ص 314.
(1)
رين، مرجع سابق، 382 - 384،
وأعطى الشيخ بركته لمقدميه وإخوانه، وجمع منهم الزيارات برخصة من فرنسا، واعتبرت فرنسا مجرد دخوله تلك المنطقة عنوانا على سيطرتها هي السياسية ودخولها أيضا تحت سيادتها، لكن الشريف عبد السلام لم يكد يرجع إلى بلاده حتى أدركه الموت، وقيل إن ذلك راجع إلى تعبه الشديد من الرحلة وإلى تقدمه في السن، ولا ندري كيف فسرت الخرافة الشعبية موته المفاجئ، ولكن الفرنسيين حققوا هدفهم على كل حال، فقد تدخلوا في شؤون الزاوية إلى أن أوصى الشيخ بالبركة لابنه العربي فأصبح على رأس الزاوية الأم، وبعد انتصابه جاء أيضا إلى الجزائر خلال غشت 1892، واستقبله الحاكم العام بحفاوة مبالغا فيها في قصر مصطفى باشا الرسمي، وأعلن الشيخ العربي للفرنسيين أنه سيتبع سياسة والده نحو بلادهم (1). وقبل رجوعه تفقد أيضا زواياه وأتباعه في إقليم وهران، ووسم بوسام جوقة الشرف الذي طلبه بنفسه، حسب الرواية الفرنسية (كأن الأوسمة تعطى حسب الطلب؟). وهناك زيارة أخرى قام بها علي بن محمد بن عبد السلام الوزاني سنة 1893، وجاء رفقة خمس عشرة شخصية ومنهم كاتب الشيخ الأكبر، الشريف العربي، رئيس الزاوية، وجاء معه بهدية من الزاوية إلى الحاكم العام وتتمثل في حصانين من عتاق الخيل قطعا المسافة برا من طنجة إلى تلمسان، وأعلن أن الزيارة تدخل في نطاق تسمية المقدمين وتفقد الأتباع (2). واستمرت الزيارات والعلاقات بين الطرفين ما دام كل منهما يحتاج إلى
(1) ديبون وكوبولاني، مرجع سابق، ص 268 - 270، انظر أيضا (إفريقية الفرنسية) A، F مرجع سابق، فقد قالت إن التهامي بن عبد السلام جاء إلى فرنسا ليعالج من مرض الوحدة asile d'aliène، وذكرت أن ل عبد السلام ولدين آخرين هما أحمد وعلي وكلاهما درس في ليسيه الجزائر، وعلي هذا هو الذي دخل أيضا مدرسة سان سير العسكرية وعمل في الجيش بعض الوقت، وقد ذكرت المجلة أن محمد بن عبد السلام الوزاني قد توفي سنة 1895 بوزان، وأنه طالب فرنسا بالتدخل في شؤون البيت الوزاني حماية لمصالحها، لأن هناك مؤامرات، كما قالت، وهناك أملاك ومصالح تجبر فرنسا على التدخل في شأن الوراثة بالزاوية.
(2)
إفريقية الفرنسية (A، F) أكتوبر 1893، ص 7،
الآخر، أما بعد إعلان الحماية على المغرب كله سنة 1912 فالعلاقات قد اتخذت طابعا آخر بين الطريقة الطيبية والفرنسية (1).
معظم انتشار الطريقة الطيبية في الإقليم الوهراني، ولكن لها زوايا وأتباع حتى في أقاليم الوسط والشرق والجنوب، والإحصاءات تعطي لها أرقاما مختلفة ومتباعدة خلال حوالي عشر سنوات، فبينما تعطيها إحصاءات 1882 عدد 15، 744 من الإخوان تعطيها إحصاءات 1897 عدد 22، 148 إخوانيا، أما الزوايا فالإحصاء الأول يعطيها عشرين زاوية في الجزائر كلها، (11 منها في ولاية وهران عندئذ) بينما يعطيها الإحصاء الثاني ثماني زوايا فقط في مجموع القطر، ويذكر لها الإحصاء الأول من المقدمين 301، بينما الإحصاء الثاني يذكر 234 فقط، كما يذكر لها الإحصاء الأخير مائة شاوش و 128 طالبا بالمصطلح الصوفي، وليس للطيبية شيوخ في الجزائر، لأن الشيخ الرئيسي هو شريف وزان (2).
بقي أن نذكر أن الطيبية تعرف أيضا في المغرب الأقصى باسم (التهامية). كما نشير إلى أن عبد السلام كان رقم 41 في سلسلة البركة الصوفية، وأن ابنه الذي كان موجودا إلى سنة 1906 على رأس الزاوية، وهو العربي بن عبد السلام، يعتبر رقم 42 في نفس السلسلة.
وظلت الصلة قائمة ومتينة بين الفرنسيين ورجال الطريقة الطيبية، وازدادت متانة بزواج أحد مقدميها بامرأة فرنسية سنة 1912، وهذا المقدم اسمه إبراهيم بن عبد الجليل، شيخ زاوية مولاي الطيب في دلبول بالجنوب الوهراني، فقد تزوج من ابنة مدير الضرائب التي كانت تقطن سانت إيتيان (فرنسا). وكان ذلك أثناء سياحة له هناك حسب تعبير
(1) عن تطور الحلاقات بين السلطات الفرنسية والطرق الصوفية منذ الحرب العالمية الأولى انظر لاحقا.
(2)
عن هذه الإحصاءات انظر رين، مرجع سابق، 384، وديبون وكوبولاني، مرجع سابق، ص 489،