المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تصنيف المساجد وموظفيها - تاريخ الجزائر الثقافي - جـ ٤

[أبو القاسم سعد الله]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الرابع

- ‌الفصل الأولالطرق الصوفية (1)

- ‌خطة هذا الفصل والذي يليه

- ‌مصطلحات وتعاريف

- ‌الطرق الصوفية والمقاومة الشعبية

- ‌الطريقة القادرية

- ‌العمارية/ القادرية

- ‌الطريقة الشاذلية

- ‌الزروقية واليوسفية

- ‌الطريقة العيساوية

- ‌الطريقة الحنصالية

- ‌الكرزازية (الأحمدية) والزيانية

- ‌الطريقة الطيبية

- ‌الطريقة الشيخية

- ‌الطريقة الدرقاوية

- ‌الطريقة الهبرية

- ‌ الطريقة المدنية

- ‌ الطريقة العليوية

- ‌الطريقة الرحمانية

- ‌الفصل الثانيالطرق الصوفية (2)

- ‌الطريقة التجانية

- ‌أ - عموميات:

- ‌ب - فرع عين ماضي:

- ‌ج - فرعا تماسين وقمار:

- ‌تعاليم وأوراد التجانية وموقفها من فرنسا وتركيا سنة 1914

- ‌الطريقة السنوسية/ الطكوكية

- ‌الطكوكية

- ‌البوعلية

- ‌الشابية:

- ‌البكائية:

- ‌المكاحلية (الرماة):

- ‌الناصرية:

- ‌طرق أخرى:

- ‌في ميزاب ومتليلي:

- ‌تمويل الزوايا

- ‌إحصاءات الطرق والزوايا

- ‌1 - الشاذلية:

- ‌2 - القادرية:

- ‌3 - الرحمانية:

- ‌4 - التجانية:

- ‌5 - الطيبية:

- ‌6 - الحنصالية:

- ‌7 - العيساوية:

- ‌8 - العمارية:

- ‌9 - الزروقية:

- ‌10 - السنوسية:

- ‌11 - الناصرية:

- ‌12 - الدرقاوية:

- ‌13 - المدنية:

- ‌14 - الزيانية:

- ‌15 - الكرزازية:

- ‌16 - المكاحلية:

- ‌17 - الشيخية:

- ‌18 - اليوسفية:

- ‌19 - الشابية:

- ‌20 - جمعية ابن نحال:

- ‌الطرق الصوفية والسياسة

- ‌توظيف الطرق الصوفية وتدجينها

- ‌الفصل الثالثالسلك الديني والقضائي

- ‌مدخل

- ‌الهيئة الدينية

- ‌رجال الدين والسياسة

- ‌تصنيف المساجد وموظفيها

- ‌شؤون الحج

- ‌إجحاف في حق الدين ورجاله

- ‌مدخل إلى السلك القضائي

- ‌بداية التدخل في القضاء الإسلامي

- ‌تجربة المجالس القضائية ومراسيمها

- ‌المكي بن باديس والعرائض

- ‌(مؤامرة) القضاة ومسألة التجنسوالزواج المختلط

- ‌الهجوم على القضاة وبعض خصائصهم

- ‌نماذج من القضاة

- ‌قضية تدوين الفقه الإسلامي

الفصل: ‌تصنيف المساجد وموظفيها

الحكومة الفرنسية سقطت في أقل من عام، وعانت الأمة الفرنسية من التمزق والاحتلال بدورها ما كان عبرة للجزائريين والعالم.

‌تصنيف المساجد وموظفيها

إذا نظرنا إلى هيئة رجال الدين فسنجدها لا تلفت النظر في حجمها ولا فعاليتها، ففي آخر العهد الفرنسي بلغ عدد المفتين 25، والأئمة 124، والمدرسين 21، وبلغ الحزابون والمؤذنون 150، وهناك أشخاص آخرون توظفهم الإدارة الفرنسية في المساجد وتسميهم بالأشخاص الرئيسيين وعددهم 6189، والأشخاص الثانويين وعددهم 253 (1). كل ذلك في شعب تعداده حوالي عشرة ملايين نسمة.

هذا عن المساجد التي تشرف عليها الإدارة وعن الموظفين الذين تصرف عليهم من ميزانية الدولة (بعد ضم الأوقاف إليها). أما المساجد الأخرى فهي كثيرة، وهي إما تحت رقابة السلطات المحلية دون الإشراف المالي عليها، وإما حرة تماما، وهي المساجد التي نشأت منذ 1920 تقريبا، وتذكر المصادر الفرنسية أن فرنسا أصلحت من الجامع الكبير بالعاصمة ونقلت إليه عرصات جامع السيدة بعد هدمه، وأنها رممت بعض المساجد في عواصم الأقاليم الأخرى مثل وهران وقسنطينة، كما قامت بإنشاء مسجد باريس، وهو مشروع سياسي في الحقيقة ولا يهم الجزائريين وحدهم، وقد بدأ العمل فيه والحديث عنه منذ آخر القرن الماضي (عهد كامبون). ولو أن السلطات الفرنسية تركت للمسلمين مساجدهم دون أن تهدمها أو تحولها عن وجهتها أو تبيعها لأغراض دنيوية، لقاموا بشؤونها أفضل بكثير مما فعلت هي، سيما لو أنها ردت إليهم أوقافهم المصادرة، وقد لخص الشيخ محمد

= المصدر في 11 سبتمبر. عن دحمان حمود (حمو دحمان أحيانا) انظر فصل التعليم في المساجد.

(1)

قوانار P.Goinard (الجزائر

). ص 296.

ص: 386

بيرم الخامس الوضع عند زيارته للجزائر في القرن الماضي بقوله عن السلطات الفرنسية والمساجد (وفي كل بلد (بلدة) اقتصرت (السلطات) على عدد من المساجد مخصوص تقوم به، وتصرفت في غير ذلك بما يناسبها، وحرمت المستحقين من مال الأوقاف الذي هو مالهم، مثل أوقاف الحرمين) (1).

لم تكن الجزائر في حاجة إلى مساجد عندما احتلتها فرنسا، ولم يكن الشعب عاجزا عن إنشاء المساجد والمحافظة عليها، فالوثائق الفرنسية تشهد أن الأعراش كانت تبني المساجد من تلقاء نفسها، رغم الحرمان والفقر والحروب ومصادرة الأراضي، ويذكر تقرير يرجع إلى سنة 1846 - 1849 أن ثلاثة مساجد بنيت في البليدة، وستة في أم السنام (الأصنام)، واثنين في معسكر، وواحدا في كل من سور الغزلان وسكيكدة، وقالمة، وسطيف وباتنة (2). فالمجموع ستة عشر مسجدا قيل عنها إنها بنيت من أموال الأعراش والقبائل وليس من ميزانية الإدارة الاستعمارية.

وفي إحصاء آخر يرجع إلى سنة 1851 أن في الجزائر، المحتلة عندئذ، 1، 569 مسجدا، منها 75 في المناطق التي أطلقوا عليها مدنية (أي المدن الساحلية وما حولها) موزعة كالتالي: 33 في إقليم الجزائر، و 28 في إقليم قسنطينة، و 14 في إقليم وهران، أما المساجد في المناطق الريفية (البادية أو العسكرية) فتبلغ 1، 494 مسجدا، منها 951 في إقليم قسنطينة، 947 في إقليم الجزائر، 194 في إقليم وهران، ولكن هذه المساجد كلها (عدا المصنفة التي سنذكرها) لا يحصل القائمون عليها على أي راتب لا من الأوقاف التي صودرت ولا من ميزانية الحكومة الفرنسية، غير أن التناقض يظهر في أنهم (الأئمة) جميعا كانت تعينهم السلطات الفرنسية للإشراف عليهم سياسيا فقط (3).

(1) محمد بيرم (صفوة الاعتبار

)، 4/ 19.

(2)

السجل (طابلو)، 1846 - 1849، ص 727 - 728.

(3)

السجل (طابلو)، 1851 - 1852، ص 206.

ص: 387

وما سمي بتصنيف المساجد في الجزائر جرى سنة 1851. فخلال عشرين سنة من الاحتلال ظل وضع المساجد وموظفيها على ما هو عليه دون دراسة في ضوء التغيرات التى حدثت نتيجة الاحتلال، ولا سيما التغيرات الكبيرة مثل:

1 -

الاستيلاء على الأوقاف.

2 -

هدم وتحويل العديد من المساجد.

3 -

هجرة وموت الكثير من الوكلاء والموظفين.

وقد ترتب على الإجراءات الفرنسية المذكورة الإهمال لشؤون المساجد وموظفيها، فقد انتزعت الرواتب من هؤلاء دون أن يحصلوا على ما يؤمن بقاءهم في تسيير شؤون المساجد، وكذلك كان مصير الوكلاء، الذين كانوا يشرفون ويسيرون أوقاف كل مؤسسة، وهذا في الوقت الذي كانت فيه السلطات الفرنسية تفسح المجال وتساعد على إنشاء الكنيسة الكاثوليكية في الجزائر وتقدم لها العون المالي والأراضي وحتى المساجد لتحولها إلى كنائس (1).

وبعد دراسات مستفيضة دامت سنوات، صدر تصنيف المساجد حسب أهمية المسجد والمدينة الواقع فيها، مع ملاحظة أن التصنيف لا يشمل الجامع الكبير بالعاصمة، وهو الجامع الذي نظر إليه الفرنسيون على أنه ذو اعتبار خاص، كما كانوا ينظرون إلى كنائسهم الكبرى - أو الكاتيدرالية (وكان في الواقع ذا حرمة كبيرة في العهد العثماني، وكان من حيث التعليم في مقام الجامعة، ولكن الفرنسيين قلصوا حجمه ووظيفته وغطوه من جميع الجهات، وكادوا في عدة مرات يهدمونه، وإليك الآن أصناف المساجد:

1 -

الصنف الأول: المساجد ذات المنارة الكبيرة.

2 -

الصنف الثاني: المساجد ذات منابر الخطب الجمعية والعيدين.

(1) عن ذلك انظر فصل المعالم الإسلامية.

ص: 388

3 -

الصنف الثالث: المساجد ذات المنابر الأقل أهمية.

4 -

الصنف الرابع: المساجد التي ليس لها منابر.

5 -

الصنف الخامس: الزوايا (أو المساجد التابعة لها)(1).

وبناء على هذا التصنيف، الاعتباطي في الحقيقة والذي راعى الجانب المالي أكثر من الجانب الروحي، أصبح في الجزائر كلها تسعة مساجد فقط من الصنف الأول: ثلاثة في العاصمة (عدا الجامع الكبير). وهي: الجامع الجديد، وجامع سيدي رمضان وجامع صفر، وكم كان في العاصمة من المساجد ذات الصوامع الكبيرة والجميلة ولكنها هدمت أو حولت عن غرضها مثل جامع كتشاوة وجامع السيدة، وفي قسنطينة كذلك كانت عدة مساجد من الدرجة الأولى من التصنيف لو أنها بقيت على حالها، ولكن هذا التصنيف ذكر منها الجامع الكبير وجامعا آخر لا يحضرنا اسمه، أما في تلمسان فلم يبق إلا الجامع الكبير، وقد كان في معسكر مسجد ذو منارة عالية أشاد به الفرنسيون أنفسهم، ولكنه أهمل من هذا التصنيف، ربما لأن مدينة معسكر لم تعد لها الأهمية التي كانت لها زمن الأمير والبايات.

وعدد مساجد الصنف الثاني تسعة فقط أيضا، أي تلك التي لها منابر للخطبة، منها اثنان في قسنطينة واثنان في تلمسان، وواحد في كل من البليدة وعنابة ووهران ومستغانم ومعسكر، ومن الصنف الثالث اثنا عشر مسجدا: قسنطينة (5)، وتلمسان (ضضض 2)، وواحد في كل من شرشال وتنس والمدية ومليانة ودلس. لاحظ أن التصنيف لم يذكر لمدينة الجزائر التي كانت تضم عشرات المساجد، أي مسجد من الصنف الثاني ولا من الثالث، أما الصنف الرابع فقد كان يضم 14 مسجدا، وكان حظ مدينة الجزائر منه أربعة فقط، وقسنطينة ستة وتلمسان اثنين، وواحد في سكيكدة والقليعة، ونلاحظ أن مدينة بجاية التي كانت تتوفر على عدد كبير من المساجد (انظر الفصل

(1) للمزيد عن أصناف المساجد انظر فصل المعالم الإسلامية وفصل التعليم في المساجد.

ص: 389

الخاص بذلك) لم يذكر لها التصنيف أي مسجد من أي صنف من الأصناف الأربعة، ولم يذكر لعنابة إلا مسجدا من الدرجة الثانية رغم ما كان فيها من مساجد، وقس على ذلك مدنا أخرى.

أما المساجد التي بداخل الزوايا والتي صنفت في الزوايا، فمنها سبعة وثلاثون (37). منها في العاصمة 12، وفي ساحلها 7، وفي قسنطينة 6، وفي تلمسان 5، ثم واحد في كل من بجاية وجيجل وميلة، وسطيف، وباتنة، ووهران، وسيدي بلعباس (1). فجملة المعابد والمساجد التي شملها التصنيف 78.

وبمقتضى هذا التصنيف للمساجد يتحدد الموظفون ودرجاتهم وعددهم، وقد قلنا إن الذي تحكم في التصنيف كما يبدو، هو الميزانية التي ستخصص للموظفين والصيانة ونحو ذلك، وعلى هذا الأساس فإن المساجد التي ترجع إلى الأصناف الثلاثة الأولى يشرف عليها ويسيرها موظفون من نوع المفتين ويساعدهم في مهمتهم واحد أو اثنان من نوع الأئمة، كما يساعدهم عدد آخر من الموظفين بأهمية أقل، أما المساجد التي تدخل في الصنفين الرابع والخامس فيشرف عليهما موظفون من نوع الأئمة، ويمكننا أن نقوم بعملية لإخراج عدد المفتين وعدد الأئمة الرسميين، فمدينة الجزائر كان لها مفتيان - مالكي وحنفي - وكذلك قسنطينة، وفي تلمسان مفتي واحد، ولكن عدد الأئمة كان تقريبا بعدد المساجد، أي حوالي 78 إماما في الجملة، وهؤلاء هم الذين سيتقاضون مرتبات من الميزانية الاستعمارية (هكذا كانت تسمى). أما أئمة المساجد الأخرى، المساجد غير المصنفة وغير الرسمية - فلا يتقاضون مرتبات، كما ذكرنا، وعددهم بالمئات.

وبعد أن عرفنا بعض الموظفين أثناء الحديث السابق، وهم المفتون

(1) السجل (طابلو). سنة 1846 - 1849، ص 204 - 205. انظر كذلك زوزو (نصوص) ص 243، عن أرشيف وزارة الحربية بفانسان، 229 H.

ص: 390

والأئمة، دعنا نذكر الآن بقية الموظفين في المساجد والذين ستيقاضون أيضا أجورا من الميزانية الاستعمارية، وهؤلاء الموظفون موزعون أيضا حسب أهمية المسجد التابعون له، أي من أي صنف من الأصناف المذكورة هو، فموظفو مساجد الصنف الأول هم: مدرس واحد، وباش حزاب، وثلاثة حزابين آخرين من الدرجة الأولى، وثلاثة من الدرجة الثانية، (والحزاب هو قارئ القرآن) ومؤذن، وأربعة من الطلبة يطلق عليهم (ناس الحضور) أو الحضور فقط، وهم قراء صحيح البخاري في مواسم معينة مثل شهر رمضان المعظم.

وأما موظفو مساجد الصنف الثاني، فبالإضافة إلى المفتي والإمام (أو هما معا) هناك حزاب من الدرجة الأولى، وحزابان من الدرجة الثانية، ومؤذن، ثم موظفو مساجد الصنف الثالث، وهم بالإضافة إلى المفتي والإمام، هناك حزاب واحد من الدرجة الثانية، ومؤذن، أما موظفو مساجد الصنف الرابع فيضاف إليهم مؤذن واحد فقط، ومن المفهوم أنه ليس للصنف الخامس موظف آخر غير الإمام فهذا هو الذي يقوم في المساجد المعنية بكل الوظائف تقريبا، بما فيها الإمامة في الصلاة والأذان وقراءة القرآن، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك.

بقي أن نتعرض للجامع الكبير بالعاصمة الذي استثني من التصنيف، لمراعاة سياسية، فيما يبدو، والجامع الكبير (الأعظم، كما كان يسمى) كان مقرا للمجلس العلمي، وللمفتي المالكي، وكانت له أوقاف ضخمة متميزة، وسمعة هائلة لمكانة مدرسيه ومرافقه المريحة لاستقبال العلماء الغرباء ومكتبته الغنية بالمخطوطات، الخ .. وقد بلغ أوجه كمؤسسة علمية في عهد الشيخ سعيد قدورة، وطل محتفظا بأهميته إلى وقت الاحتلال (1). وعندما صادرت فرنسا الأوقاف (ومنها أوقاف الحرمين والأشراف الخ ..) استثنت أوقاف الجامع الكبير، ولكن عندما بدأت بمصادرة أوقاف المساجد بدأت

(1) انظر عنه الجزء الأول من هذا الكتاب.

ص: 391

بأوقاف الجامع الكبير سنة 1843، وكان المفتي الكبابطي قد عارض ذلك وغيره من الإجراءات الفرنسية، فكان مصيره النفي، ومن ثمة نرى أن الجامع الكبير بالعاصمة ظل في وضع استثنائي منذ الاحتلال، وكان يمكنه أن يلعب دورا استثنائيا أيضا في الحياة العلمية والدينية للبلاد لو أنه وجد علماء يقدرون ذلك ويعرفون مكانته ومكانتهم في التاريخ، ولكنه أصيب (بموظفين) خنعوا للضغط وطمعوا في المنصب، فكان حال الجامع كحال بقية المساجد (بدون استثناء)، وكان حالهم كحال بقية الموظفين في المساجد الأخرى.

ولا تظهر المكانة المعنوية للجامع الكبير في عدد الموظفين الذين يتقاضون أجورا من السلطات الفرنسية، ولكن في الدور العلمي والديني، وهو الدور الذي فقده منذ الاحتلال، ومع ذلك فإن الفرنسيين قد خصصوا لهذا الجامع عددا أكبر من غيره من الموظفين، فكان هؤلاء يشملون: المفتي، والإمام، والمدرس، والباش حزاب (رئيس القراء)، وستة حزابين من الدرجة الأولى، و 12 حزابا من الدرجة الثانية، وباش مؤذن وهو ناظر الجامع أو القيم عليه، وثلاثة مؤقتين، و 9 مؤذنين و 4 يسمون ناس الحضور، وهم، كما قلنا، أناس متعلمون (طلبة) مهمتهم قراءة صحيح البخاري، ونلاحظ هنا عدم ذكر الوكيل الذي كانت مهمته الإشراف على الأوقاف وتسييرها وحفظ مداخيلها، وهو وظيف لم يعد له ضرورة ما دامت الأوقاف قد دخلت في الإدارة المالية (الدومين) وأصبح المشرف داخل هذه الإدارة نفسها تأتيه السجلات والحسابات إلى مكتبه، كما لا نجد ذكرا هنا لقارئ أو قراء (تنبيه الأنام) الذي كان ضمن موظفي بعض المساجد، وقد ذكرت المصادر الفرنسية أن المدرس هو (مفسر القرآن)، وهذا يعني أن الدور المسنود للمدرس في الجامع الكبير خلال هذا العهد قد انحصر في الدرس الديني، وهو في الواقع درس في الفقه والتوحيد انطلاقا من آية أو نص من حديث، ولذلك قلنا إن الجامع الكبير الذي كان في الماضي يعج بالمدرسين الأحرار قد خصص له مدرس واحد - وأي مدرس؟ - ليلقي على العامة درسا

ص: 392

في مبادئ الدين، ومن ثمة فقد الجامع مكانته العلمية، وكثير من الموظفين المذكورين سيقع الاستغناء عنهم أيضا فيما بعد.

بالنسبة للرواتب أو الأجور نلاحظ أن تصنيف سنة 1851 قد نص على بعض التفصيل، فأجور المفتين والأئمة (حوالي 80 فردا) تخرج من ميزانية الدولة الفرنسية، أي من وزارة الحرب لأن الجزائر كمستعمرة كانت تابعة لهذه الوزارة، وأما أجور الموظفين الآخرين، ممن ذكرنا، المدرس، الحزاب، الخ، فتخرج من الميزانية المحلية أو البلدية (1).

وفي السبعينات ذكر ألبير ديفوكس أن موظفي جامع سيدي رمضان (جامع القصبة القديمة، كما كان يسمى) كانوا على النحو التالي: خطيب وهو أيضا الإمام الذي يؤدي الصلاة اليومية والجمعة، ووكيل، ومؤذنان عاديان (من الدرجة الثانية). وثلاثة مؤذنين خاصين بيوم الجمعة، وستة من الحزابين، وخمسة من قراء كتاب (تنبيه الأنام)، وقارئ واحد لصحيح البخاري، وقارئ للتوحيد (2). وقراء آخرون احتياطيون لقراءة القرآن خلال شهر رمضان، وقارئ وأحد لقراءة كتاب سيدي عبد الرحمن (3). ثم رئيس للموظفين، وسراج وهو موقد المصابيح، ويسمى أحيانا الشعال، والكناس أو المنظف للمطاهر ونحوها.

ولجامع سيدي رمضان مصاريف تتمثل في الصيانة والإضاءة خلال رمضان وغيره، من ذلك شراء الشمع: اثنتين خلال رمضان بخمسة فرنكات للواحدة، وتسعة مكاييل زيت للإضاءة، وسكريات، ثم شراء الحصر والزيت للإضاءة العادية، وتبييض الجامع مرتين في العام، والإصلاحات الضرورية الأخرى، وقد كانت للجامع أوقاف ضخمة (حوالي خمسين بناية) تغطي هذه

(1) السجل (طابلو)، سنة 1846 - 1849، ص 205.

(2)

كذا، ولعل المقصود أحد الكتب الدينية فقط.

(3)

كذا، وقد يكون هو كتاب (العلوم الفاخرة) للشيخ الثعالبي، وله عدة كتب في الزهد والتصوف.

ص: 393

المصاريف وغيرها، ولكنها ضمت كغيرها إلى الإدارة المالية الفرنسية (الدومين)(1). وأصبحت هذه الإدارة تقتر عليه وعلى موظفيه.

وهناك نموذج آخر ذكره ديفوكس وهو يخص إحدى الزوايا، أي الصنف الخامس من التصنيف المذكور، ونعني بها زاوية سيدي محمد الشريف المتوفى بالجزائر سنة 948 (1522)(2). وكانت تضم مسجدا من الدرجة الثانية (تصنيف ديفوكس) وله صومعة، وأضرحة، وغرفة فيها ضريح سيدي محمد الشريف، وجبانة لدفن المسلمين، ولكن الفرنسيين أوقفوا الدفن فيها منذ 1830 (ضضض 2). وكان بها أيضا مدرسة وثلاث غرف للسكنى، وكانت الزاوية مقرا للوكيل ولها موظفون كانوا يختارون عادة من نسل الشيخ سيدي محمد الشريف نفسه، وهم إمام (الخطيب) ومؤذن، وحزابان، وشاوش، وسراج، وكناس، ومنظف، وللزاوية مصاريف تنحصر تقريبا في التبييض مرتين سنويا لكل من الجامع والزاوية، وشراء حوالي 60 ليترا من الزيت للإضاءة شهريا، ثم شراء الحصر، و 25 رطلا من السكر للشربات المخصصة للعلماء وزوار الزاوية، وكانت الزاوية تطعم بمناسبة المولد النبوي، عددا من الفقراء الذين يحضرون إليها، كما كانت تشتري ثورين لهذا الغرض، و 18 كيلة من القمح، و 30 رطلا من الزبدة، و 15 أحمال من الحطب، و 6 كيلات من الزيت، بالإضافة إلى الخضر والفحم (3).

من الطبيعي أن تختلف المصاريف من مؤسسة إلى أخرى، حسب الحجم والمال، وكذلك من عهد إلى آخر، وقد عرفنا أن جزءا فقط من الميزانية كانت تتحمله الدولة الفرنسية، رغم أنها هي التي استولت على مصادر التمويل لهذه المؤسسات وموظفيها، أما الجزء الباقي فمتروك

(1) ديفوكس، (المؤسسات الدينية

) ص 227.

(2)

انظر فصل المعالم الإسلامية.

(3)

ديفوكس، مرجع سابق، ص 239.

ص: 394

للسلطات المحلية (العسكرية) والبلدية، ونحن نعلم من دراستنا للأملاك الحضرية التي تعرض إليها السيد أوميرا، أن الحكومة الفرنسية كانت أحيانا تقدم جزءا ضئيلا فقط في شكل (مساعدات) خيرية للسلطات المحلية والبلدية، وكانت هذه السلطات لا تخصص شيئا أو لا تخصص إلا القليل من ميزانيتها للمؤسسات الإسلامية، ولذلك كان هناك مساجد بنيت من أموال الشيعب وتبرعات المحسنين.

في 1831 كان دخل زاوية الولي داده وحدها: 403، 5 بياستر، وكان لها فائض هو 187 بياستر، وهذا الدخل موزع كما يلي: الإمام 24، 5، الخطيب 24، القارئ 18، زيت المصابيح 96، المنظف 30، الحصير 12، مواد أخرى متنوعة 12، وكان الفائض يرجع إلى الوكيل، وقد جرت العادة قبل الفرنسيين أن يكون للوكيل خوجة يساعده في الحسابات، كما أن على هذه الزاوية وغيرها أن تدفع مالا لفقراء مكة والمدينة، ولفقراء الجزائر أيضا، هذا عن الدراهم أما مداخيل الإيجارات التي تنجر عن أملاك الوقف والتي كانت تابعة دهذه الزاوية فلا ذكر لها هنا. وهذه الإيجارات تسمى (العنا). كما أن من مداخيل هذه الزاوية وغيرها ما يدفعه الزوار للتبرك والتعبد، وهو عادة يكون بكميات كبيرة (1). ولكن هذا الوضع قد تغير تماما بعد التصنيفات المذكورة سنة 1851.

ومن عدة مصادر نعرف بعض ما كان يتقاضاه بعض الموظفين من الإدارة الفرنسية الجديدة بعد مصادرة الأوقاف، فهذا أحد الأئمة في جامع زاوية القاضي كان يتقاضى سنة 1845، مرتبا شهريا هو 5، 40 فرنك، وقد أناب عنه في الإمامة شخصا آخر (وهي عادة كانت جارية) ويعطيه نصف ذلك المبلغ، وكان المفتي الحنفي سنة 1266 هـ (1849 م) يأخذ من نفس الإدارة 250 ف شهريا. وفي سنة 1845 أيضا وجدنا إماما (مسجد ابن شلمون)

(1) القس بلاكسلي (أربعة أشهر في الجزائر). لندن، 1859، ص 30، في هذا المصدر كذلك مدخولات زاوية الولي داده. أنظر ص 29، وهي تشمل مخزنين، وقطعة أرض زراعية، ومنازل ومحطة سفر، ومطمور للحبوب.

ص: 395

يقبض 1، 200 فرنكا سنويا، وهكذا (1).

ويخبرنا أبو حامد المشرفي الذي زار تلمسان حوالي سنة 1878 أن إمام الجامع الكبير بها (وهو الشيخ ابن عودة بن غبريط) كان يقبض 15 ريالا دورو شهريا، وكان رئيس الحزابين (القراء) يقبض 12 ريالا دورو، وبناء على الشيخ المشرفي فقد كان بتلمسان عندئذ ثلاثون مسجدا عدا المراكز (المكاتب) القرآنية والجامع الكبير (2). وكان ذلك بعد التصنيف الذي اعتبر معظم مساجد تلمسان من النوع الرابع والخامس، وعندما زار بيرم الخامس مدينة الجزائر وجد فيها، كما قال، عشرة مدرسين، وأخبر أن القراعة كانت في النحو والفقه المالكي، وقليل من الحديث أو غيره (3).

ويذكر رين أن رواتب رجال الدين المسلمين الموظفين عند الدولة الفرنسية قد بلغت 166، 490 فرنك سنة 1884، وهي موزعة كما يلي:

1 -

16 مفتيا يقبضون من 1، 200 فرنك إلى 4، 000 فرنك، أي 28، 200 فرنك.

2 -

81 إماما يتقاضون من 300 ف إلى 1، 500 ف، أي 40، 300 ف.

3 -

عدد من الموظفين لا يوجد إلا في المساجد الكبيرة، وهم:

1 -

المدرسون: وهم المكلفون بتعليم الدين للأطفال والتلاميذ البالغين (4).

(1) انظر مراسلات علماء الجزائر في كتابنا (أبحاث وآراء) ج 3.

(2)

المشرفي (ذخيرة الأواخر). مخطوط، ص 19: وربما كان الإمام ابن عودة بن غبريط والدا لقدور بن غبريط الذي اشتهر في النصف الأول من هذا القرن على أنه من أبرز الموالين لفرنسا، انظر عنه فصل المشارق والمغارب، انظر أيضا فقرة (شؤون الحج) من هذا الفصل.

(3)

محمد بيرم (صفوة الاعتبار). مرجع سابق، 4/ 19.

(4)

هذا التفسير لدور المدرس يوضح الحالة التي وصل إليها التعليم عموما والتعليم المسجدي خصوصا. وكان لويس رين من خبراء هذا الموضوع.

ص: 396

2 -

الباش حزابون: وهم قراء القرآن من الدرجة الأولى، وحزابون آخرون لقراءة القرآن وغيره من الكتب الدينية.

3 -

الباش مؤذنون والمؤذنون العاديون، وقد عرفنا دورهم.

ويقول رين: إن هؤلاء الموظفين في الأرقام الثلاثة الأخيرة يكلفون الميزانية الرسمية 76، 070 ف.

أما صيانة المساجد والوسائل الأخرى الخاصة بإدارتها والمرصودة على ميزانية الجزائر، فقد كلفت الميزانية 49، 850 ف، فجملة تكاليف الديانة الإسلامية في الميزانية الفرنسية (مساجد وموظفون الخ) وصلت 216، 340 ف.

وهذا مبلغ ضئيل جدا بالنسبة لعدد السكان المسلمين الذين بلغوا في الثمانينات ثلاثة ملايين نسمة، وقد أكد على ذلك لويس رين نفسه، سيما وقد لاحظ مدى تدين الجزائريين وحرصهم على عقيدتهم (1). وسنقارن هذه الميزانية بالميزانية المخصصة من قبل الدولة الفرنسية نفسها للأديان الأخرى في الجزائر، خلال نفس الفترة، وقبل ذلك نريد أن نؤكد على أن مساجد الجزائر لم تكن فقيرة وإنما حرمانها من أوقافها هو الذي جردها من الموارد المالية وترك موظفيها القليلين عالة على الإدارة الفرنسية، وكان الجزائريون في الواقع هم الذين يدفعون المبلغ المذكور (216، 340 ف) لأن السلطات الفرنسية كانت تفرض عليهم الضرائب العادية وضرائب أخرى دينية وأخرى تسميها (الضريبة العربية). فالقول بأن (ميزانية) الدولة أو الحكومة الفرنسية هي التي تغطي مصاريف المساجد ورواتب الموظفين هو محض تمويه غير مقبول.

وبناء وصيانة المساجد كان مشكلة مزمنة، ويخبرنا آجرون أن المبلغ الذي تخصصه الدولة الفرنسية سنويا لذلك (وهو 45، 000 ف) كان لا

(1) لويس رين (مرابطون وإخوان). مرجع سابق، ص 13.

ص: 397

يكفي، وكان يضيع في المرافق الأخرى لأن السلطات المحلية تتصرف فيه، ورغم كثرة الحديث عن بناء المساجد فإن المشاريع لا تتم بدعوى عدم توفر المال، وقصة جامع سبدو مثل على ذلك، ففي سنة 1880 (عهد الحاكم العام قريفي) بدئ فيه، ثم توقف العمل بعد سنة، وقيل: إن الحاكم العام تيرمان رخص للأهالي بجمع التبرعات له سنة 1888، ثم توقف العمل فيه من جديد بعد أن بلغ حائطه أربع مترات، بدعوى عدم المال، وكيف لا يكون التحيز واضحا في معاملة ميزانية الأديان الثلاثة في الجزائر، فرغم أن الإسلام دين الأغلبية الساحقة من السكان فإن ميزانيته أقل 22 مرة من ميزانية الديانة المسيحية وأقل 7 مرات من ميزانية الديانة اليهودية (1).

وقد أشرنا إلى اضطهاد الديانة الإسلامية في مجال آخر، وهو عدم الفصل بينها وبين الدولة أسوة بالفصل الذي حدث بالنسبة للديانتين المسيحية واليهودية سنة 1907، فإلى 1947 كانت الدولة الفرنسية هي التي تسير الشؤون الإسلامية (2). ورغم صدور القانون بالفصل في التاريخ الأخير، فإن التطبيق لم يتم نظرا للعراقيل الكثيرة التي وضعها الكولون والحكام العامون، فقد كان خوفهم كبيرا من استقلالية الديانة الإسلامية، وكانوا يدعون أن المسلمين لم يتفقوا على كيفية الإشراف على ديانتهم، بينما كانت جمعية العلماء ومن أيدها ترى ضرورة قيام هيئة إسلامية لتشرف على ذلك، بينما كان الفرنسيون يريدون تكوين جمعية خاضعة للقوانين الفرنسية وتتحرك كما يتحرك الكاثوليك وغيرهم، وتنصيب (مجلس أعلى) منتخب، على طريقتهم في الانتخاب، وقد وظفت الإدارة عملاءها المعتادين لعرقلة كل تقدم في عملية فصل استقلالية الدين الإسلامي عن فرنسا.

وإلى سنة 1952 كانت خطبة الجمعة، كما يقول ماسينيون، باسم

(1) آجرون (الجزائريون المسلمون) 1/ 314.

(2)

صدر القانون عن البرلمان الفرنسي في صيف 1947، وفي 20 سبتمبر 1947 نصت المادة 56 من القانون على استقلالية العقيدة الإسلامية عن الدولة، غير أن هذا القانون لم يطبق حتى بعد اندلاع الثورة.

ص: 398