الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالخرافات بدل السياسة، وقد ترك رجال الدين سنة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا سيما في المولد النبوي وغيره إذ تدخلت بعض الطرق الصوفية وأصبحت تمارس فيه أفعالا بعيدة عن سيرة الأسلاف (1).
وقد سجل بعض الكتاب الجزائريين بالفرنسية وصف ممارسات مواطنيهم في رمضان للفرنسيين، ويبدو أنهم كانوا يعتقدون أنهم بذلك يخدمون الإسلام، وكانوا في الواقع إنما يخدمون الفرنسيين من جهة، ويسجلون واقعا اجتماعيا ودينيا من جهة أخرى، ولعلهم إنما كتبوا ما كتبوا للتدرب على الكتابة بالفرنسية ليكونوا مقبولين عند علماء الاجتماع والفولكلور الفرنسيين، أما أهل البلاد فلم يستفيدوا شيئا من كتاباتهم، ومن ذلك ما كتبه الشيخ محمد بن أبي شنب ومحمد صوالح عن عادات رمضان (2).
إجحاف في حق الدين ورجاله
ورغم هذا الغياب الطويل لرجال الهيئة الدينية عن الشؤون الدينية المحضة، فإننا نجد بعضهم يقفز إلى السطح أحيانا، ويكون هو المحرك عادة لمسألة فقهية وقع فيها خلاف بين مفتي وآخر، ويكون خلافهما أحيانا حادا فيؤدي إلى تدخل آخرين لنصرة هذا أو ذاك، ويقع الهجاء أحيانا وتقوم زوبعة ولكن في فنجان، كما يقولون، لأن المسألة لا تستحق كل ذلك الهرج، وقد تتدخل السلطة إذا رأت أن الخلاف قد ينجر عنه عواقب وخيمة في الأمن وزعزعة الأوضاع، كما فعلت في حالة الشيخ عاشور الخنقي مع الشيخ محمد الصالح بن مهنة، حول مسألة عصاة الأشراف، ومن المسائل التي تحضرنا الآن الخلاف الذي وقع بين المفتيين حميدة العمالي وأحمد بوقندورة، والذي ألفت فيه بعض التقاييد وقيلت فيه بعض القصائد وانتصر فيه القاضي
(1) عن بعض هذه المخلفات وما بقي من الشعائر الدينية - الاجتماعية في الجزائر انظر اشيل روبير (الدين الإسلامي ..) في مجلة (روكاي) 1918، ص 246 - 260.
(2)
عن محمد صوالح انظر فصل الاستشراق وفصل الترجمة.
الطيب بن المختار للعمالي (1). وكذلك مهاترات أبي طالب الغريسي المعروف بأحمد المجاهد، انتصارا للمفتي علي بن الحفاف ضد محمد المصطفى المشرفي، وكل هذه الموضوعات سنعالجها في مكانها.
كما أننا سنتحدث عن دور الكنيسة الفرنسية في مكان آخر من الكتاب. ونود الآن أن نقارن بين ما تخصصه السلطة الفرنسية للدين الإسلامي الذي هو دين الأغلبية الساحقة من السكان، وما تخصصه للديانة المسيحية والديانة اليهودية، ففي سنة 1884 ذكر لويس رين توزيع الميزانية بين الأديان الثلاثة مقارنة بأعداد السكان لكل دين، مع نسبة المخصصات لكل رأس أو فرد (2).
الديانة
…
عدد السكان
…
الميزانية (بالفرنك)
…
للفرد أو الرأس
المسلمون
…
2، 842، 497
…
216، 340
…
0، 073
الكاثوليكيون
…
310، 000
…
920، 100
…
2، 93
البروتيستانتيون
…
7، 000
…
83، 100
…
11، 08
الإسرائيليون
…
35، 665
…
26، 100
…
0، 731
وقد تواصلت هذه السياسة المجحفة في حق الديانة الإسلامية طيلة العهد الفرنسي، مثلا قبل قانون فصل الدين عن الدولة (1907) كانت النفقات ما تزال غير عادلة، فقد كان المسيحيون جملة يتقاضون من إدارة الأديان مبالغ تعد ضعف ما للمسلمين رغم اختلاف عدد السكان الكبير.
(1) عن العمالي انظر فصل التعليم في المدارس القرآنية والمساجد.
(2)
لويس رين (مرابطون
…
) مرجع سابق، ص 13، وكذلك لويس فينيون (فرنسا في شمال إفريقية). ص 244، وبعد سنتين (1886) نجد زيادة طفيفة في ميزانية اليهود والبروتيستانت، والنقص القليل للكاثوليك، والثبات في ميزانية المسلمين، مع ملاحظة أن الكاثوليكية والبروتيستانتية ديانة واحدة في الأساس.
وإليك هذا الجدول:
الديانة
…
السكان
…
النفقات (بالفرنك)
المسلمون
…
4، 500، 000
…
337، 000
المسيحيون
…
623، 000
…
884، 000
الإسرائيليون
…
64، 000
…
31، 000
ولم يغير قانون فصل الدين عن الدولة شيئا تقريبا بالنسبة للدين الإسلامي، إن فرنسا طبقت ذلك القانون على نفسها منذ 1905، وفي 27 سبتمبر 1907 سرى مفعول ذلك القانون على الجزائر أيضا، ولكن بالنسبة للمسيحية واليهودية فقط، أما بالنسبة للإسلام فقد ظل وضعه كما كان تقريبا، تتولى الإدارة فيه كل شيء، فهي التي كانت تسمي الموظفين في الحقيقة، وهي التي تتصرف في الأوقاف، وهي التي تضع المساجد والمعابد الإسلامية الأخرى تحت نفوذها، أما الجديد فهو استحداث الجمعيات الخيرية للتغطية فقط.
ولو سارت الأمور بعد الفصل مع الإسلام كما سارت مع النصرانية واليهودية لكان على تلك الجمعيات أن تتولى هي الشؤون الدينية بالنسبة للمسلمين، كما هو الحال مع الأديان الأخرى، فإذا اعتمدت فرنسا الجمعية الدينية أصبحت هي المتصرفة في شؤون دينها، ولكن الأمر ليس كذلك بالنسبة للمسلمين، صحيح أن الجمعيات قد تكونت ولكنها لم تمارس حقوقها في هذا الجانب، ولا تهتم إلا بأمور الفقراء والمساكين، فهي لا تتدخل في الترشيح ولا التسمية ولا رواتب رجال الدين، وهكذا بقيت إدارة الشؤون الأهلية الرسمية هي التي تسمي رجال الدين وهي التي تنفق عليهم أو تعزلهم، وكان انتخاب أعضاء الجمعيات الخيرية نفسه مزيفا، وكانت الجمعيات عبارة عن ظل للإدارة، ويقول الشيخ أحمد توفيق المدني الذي عاش في الجزائر منذ 1925 ودرس أحوالها، إن الأمير خالد قد طالب بتطبيق فصل الدين عن الدولة الفرنسية بالنسبة للإسلام أيضا، وأضاف أن الإدارة
قسمت الجزائر خلال العشرينات، إلى 95 منطقة دينية، كانت تضم 166 مسجدا رسميا وزاوية، وكان المفتي في الظاهر هو رئيس المنطقة الدينية (1). وكانت الدولة الفرنسية هي التي تسمى رجال الدين في المساجد على يد الجمعيات التي لا تمثل إلا نفسها.
هذه التبعية الدائمة لرجال الدين للإدارة هي التي أنزلتهم منازلهم الحقيقية في نظر الشعب، فقد فقدوا الثقة وأصبحوا لا يمثلون إلا أنفسهم والإدارة التي عينتهم، وكان ضعفهم العلمي والديني وبالا على السياسة الفرنسية نفسها، كما لاحظ أوغسطين بيرك وغيره، ويبدو أن رين كان راضيا بوضع رجال الدين الإسلامي عندما قال عن الأشخاص الذين توظفهم فرنسا بأنهم يخدمون قضيتها، فلم يكن يهم الإدارة الفرنسية مكانة المفتي أو الإمام أو المدرس بين قومه ولكن ما يمكن أن تجنيه منه هي، يقول رين:(لا نستغرب أن نجد أئمة يرضون بالأجر (الفرنسي) من أجل القيام بالشؤون الدينية، ونحن نجد منهم ما نريده. لكن جعل رجال الدين (موظفين) فذلك أمر كان يصدم المتعلمين المسلمين، لأن بعض المؤلفات الإسلامية أوصى أصحابها بعدم أخذ الأجر على الصلاة وتعليم القرآن والفقه، ذلك أن رجال الدين في العالم الإسلامي يتقاضون مداخيلهم من أوقاف الجامع الذي يخدمونه) (2).
وفي آخر القرن الماضي عبر ديبون وكوبولاني عن رأي قريب من ذلك، مع الإلحاح على ضياع هيبة العلماء ورجال الدين بالنظر إلى هؤلاء الموظفين، إن قضاء السلطة الفرنسية مآرب أخرى من أموال الوقف جعل رجال الدين، في نظر هذين المؤلفين، لا يحصلون إلا على جزء ضئيل في شكل مرتبات من الدولة وليس من الجامع أو المؤسسة التي يخدمونها، ومن
(1) أحمد توفيق المدني (كتاب الجزائر) 348، 350. ورغم أن الزوايا كانت (حرة) أي غير داخلة في الهيئة الدينية، فإن الإدارة مع ذلك كانت تتدخل في تعيين المقدمين والشيوخ، وتتحكم في الزيارات ونحوها، انظر فصل الطرق الصوفية.
(2)
لويس رين (مرابطون
…
) مرجع سابق، ص 9، وكذلك كان الحال في العهد العثماني بالجزائر أيضا، إذ كانت الدولة لا تتدخل في أجور رجال الدين.