الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قضايا بين مسلمين ونصارى، ثم خفضت إلى ثلاثة أشخاص، فقط: هو رئيس وقاضيان، والمحكمة العليا هذه كانت تحكم في القضايا المدنية ما عدا التجارية التي نصب لها الفرنسيون محكمة خاصة، كما تحكم في القضايا التي تكون بين المسلم والمسيحي واليهودي، وقد نصبت المحكمة العليا في منزل حضري استولت عليه السلطات الفرنسية، وكان يحضرها الجمهور، وإلى جانب القصاة الخمسة (ثم الثلاثة) هناك التراجمة والموثقون والشهود وغيرهم.
وهناك أيضا المحاكم العسكرية، وكانت محكمة العاصمة العسكرية منعقدة باستمرار، وكان مقرها في أول العهد قرب باب عزون، ذلك أن الجرائم كثيرة من جراء هجرة الجماعات غير المنتظمة من أوربا إلى الجزائر، وكانت المحكمة العسكرية تتألف من سبعة ضباط ويرأسها عقيد، وأكثر الجرائم في الجيش هي تلك التي تتعلق بالهروب وببيع السلاح والذخيرة والأمتعة، فقد كان الجنود يبيعونها إلى يهود الجزائر، وكانت الأحكام عادة هي الأشغال الشاقة لمدد معينة، كما صدرت أحكام بالإعدام، ومن بين القضايا المثيرة التي نظرت فيها المحكمة العسكرية، قضية الجندي (مانصيل)، فقد هرب من الجيش لأخذ ثاره من غريمه الفرنسي، وانضم إلى الحجوط حلفاء الأمير عبد القادر، واعتنق الإسلام وتزوج امرأة مسلمة وحارب معهم، وأثناء ذلك تمكن من قتل غريمه الفرنسي، ثم وقع القبض عليه وحوكم وصدر الحكم ضده بالإعدام، سنة 1836 (1).
بداية التدخل في القضاء الإسلامي
ولكن استمرار وضع المحاكم الإسلامية على النحو الذي ذكرناه لم يعد يرضي الفرنسيين بعد التوسع في الاحتلال والقرار بالبقاء في الجزائر، فأخذوا يغيرون منها ويتدخلون في شؤونها بالتدرج، فقد صدر في 15 غشت 1834 مرسوم ملكي يثبت القضاة المسلمين على ما هم عليه ويمنحهم الحق في
(1) نفس المصدر (بولسكي). ص 24 - 25.
الحكم في الأمور الجنائية والتجارية والمدنية (الأحوال الشخصية). ولكن طلب منهم الاحتفاظ بسجلات ووثائق الأحكام، ومنذ 1838 بدأ التذمر من أحكام المحاكم الإسلامية، وأخذ النقد يتوالى، ومن ذلك الصعوبة في فهم اللغة العربية، وتساهل القضاة المسلمين في أحكامهم مع المتنازعين، وكثرة الأحكام بالبراءة، وقد اتهموا القضاة بأنهم كانوا يتساهلون مع الذين يأتون إليهم مباشرة، ولكنهم يتصعبون مع الذين تحولهم عليهم السلطة الفرنسية، ومن أوجه النقد الهامة في نظر الفرنسيين أن القضاة المسلمين لا يستطيعون إصدار الأحكام في القضايا الجنائية إذا وقع التسامح بين الخصمين، وبالإضافة إلى ذلك فإن وجود المحاكم الفرنسية إلى جانب المحاكم الإسلامية جعل بعض الجزائريين يقارنون ويرون أن أحكام المحاكم الأولى أكثر دقة وجدية - هكذا يقول النقاد الفرنسيون عندئذ، وربما شكا بعض الغاضبين من حكم القاضي المسلم إلى السلطة الفرنسية فاغتنمت هذه الفرصة أيضا ضد القضاة المسلمين عموما، وهكذا، وقد أضيف إلى ذلك أن القضاة المسلمين لم يعملوا بمرسوم 10 غشت 1834 في حفظ السجلات والوثائق (1).
وكان هذا النقد في جملته تحضيرا لبداية تجريد المحاكم الإسلامية من اختصاصاتها وتحويلها إلى المحاكم الفرنسية، فالفرنسيون يريدون لغتهم هي لغة القضاء كله، وهم يربطون بين اللغة وبين السيادة، وكذلك أحسوا أن أحكام القضاة المسلمين متهاونة أو متساهلة وهي تنتهي بحكم البراءة والصلح بين المتخاصمين، وهم (الفرنسيون) لا يريدون ذلك، بل يريدون التشدد وقبض المقابل من المتخاصمين، ولعلهم فسروا تساهل القضاة المسلمين بأنه موقف سياسي ضد الاحتلال هدفه التعاون بين الجزائريين، وكان إنشاء
(1) السجل (طابلو)، سنة 1838، ص 96، وسنة 1839، أنشأ الفرنسيون عندئذ محاكم أيضا في وهران وعنابة، وهناك المحاكم الابتدائية، ومحاكم الجنح، والمحكمة العليا، والقضاء أنواع عندهم: قضاء الصلح ويتولاه قاضي الصلح (جوج دوبي) Juge De Paix، والقضاء الجنائي، والقضاء التجاري، ثم الاستئناف في المحكمة العليا في كل ذلك، وقد ذكرنا أنه لا يمكن للقضاة المسلمين النظر في الجنايات حتى بين المسلمين.
الازدواجية في القضاء - المحاكم الفرنسية إلى جانب المحاكم الإسلامية - يتماشى مع الازدواجية في التعليم حيث أنشأوا أيضا المدرسة الفرنسية إلى جانب المسجد والزاوية ليفرضوا على الناس المقارنة من جهة والرقابة من جهة أخرى، وما لم يستسغه الفرنسيون هو أن المسلمين لا يستأنفون الأحكام في المحكمة العليا الفرنسية، بل كانوا يقبلون راضين بما يصدره القاضي المسلم في قضيتهم، ولاحظوا أن استئنافين فقط حدثا سنة 1840، وكان القضاة الفرنسيون لا يثقون في القضاة المسلمين، فكانوا يراقبون أحكامهم، كما لاحظوا أن السكان يفضلون أحكام القضاة المسلمين لأسباب دينية واجتماعية، وهذا لا يرضى طموحات الفرنسيين في السيطرة والتوغل إلى النفوس والألسنة والعقول، وكان السكان يفضلون قضاتهم لأن هناك حياة خاصة لا يطلع عليها غير المسلم، بالإضافة إلى العامل الديني، ولكن الفرنسيين يعترفون أن القضاء الإسلامي لا يكلف المتنازعين مالا كثيرا وأنه سريع، بخلاف القضاء الفرنسي الذي يتميز بالبطء وارتفاع التكاليف (1).
لقد رأت السلطة الفرنسية أن أحكام القضاة المسلمين لا تتماشى مع قوة دفع الاحتلال، سيما بعد تعيين المارشال بوجو سنة 1841 ومنحه سلطات واسعة لسحق المقاومة مهما كانت الوسائل، وقد اتهموا القضاة المسلمين بالتواطؤ السياسي مع المقاومة وعدم إدخال الفرنسيين في الموضوع، لذلك صدرت بين 1841 و 1854 مجموعة من الإجراءات والمراسيم أدت في النهاية إلى انتزاع سلطة القاضي المسلم وجعله مجرد أداة منفذة وتحت رقابة القضاة الفرنسيين، فالمرسوم الملكي الصادر في 28 فبراير 1841 انتزع من القضاة المسلمين حق الحكم في الجنايات والجنح، كما فرض استئناف الأحكام في المحاكم الفرنسية، وأضاف مرسوم 26 سبتمبر 1842 قيودا جديدة على القاضي المسلم، فقد أصبح في استطاعة المحاكم الفرنسية النظر في القضايا التي تخص المسلمين أيضا وأن تصدر هي الأحكام بشأنها، فكان ذلك بداية التعسف في تطبيق القانون غير الإسلامي على المسلمين، فإذا كانت المحاكم الفرنسية تطبق القانون الفرنسي على
(1) السجل (طابلو)، سنة 1840، ص 107.
الأوربيين والفرنسيين فإنها كانت تطبق في الحقيقة القوانين الاستئنافية على المسلمين (1). وكان غرض المحاكم الفرنسية من ذلك هو قمع الثورات والقضاء على المقاومين والمشتبه في أمرهم والاستيلاء على الأراضي، فكانت السجون والإعدامات والمحتشدات وأحكام النفي الفردي والجماعي والتغريم ومصادرة الأملاك.
وكأنه عز على الفرنسيين أن يسير الجزائريون شؤونهم دون الرجوع إليهم، فقد كانت دولة الأمير عبد القادر قد اهتمت بسير القضاء اهتماما خاصا، وكان الأمير قد اجتهد في تعيين أفضل العناصر في القضاء سواء لدى الجيش أو لدى الشعب في المناطق التي عليها خلفاؤه، وقد جلس هو شخصيا للقضاء يوميا، وإليك ما تحدث به أحد الفرنسيين عن عناية الأمير بالقضاء، فقد جعل لكل قبيلة قاضيها الخاص، ومهمة هذا القاضي الفصل فيما ينشأ بين الأهالي من منازعات إذا لم تكن قد حلت عن طريق القائد أو الآغا أو الخوجة أو الخليفة أو حتى الأمير نفسه، وألحق الأمير بكل خوجة قاضيا، يساعده أربعة عدول، ويحكم القاضي ضد الأشخاص الذين اتهموا بالجرائم وغيرها من المخالفات، لكنه لا يستطيع إصدار حكم الإعدام على أحد إلا بحضور الخليفة نفسه، وبعد الاستماع إلى الشهود ومعرفة القرائن، وللقضاة شواش يسهرون على تنفيذ الأحكام الصادرة عنهم وهي تتراوح بين الإعدام وقطع اليد اليمنى والجلد والغرامة والسجن أحيانا، والأمير هو وحده الذي يعلن عن حكم السجن (وهو حكم غير معمول به في العادة). أما في القضايا الخلافية بين عدة أطراف فإن الذي يحكم فيها هو المجلس - وهناك مجلس في كل إقليم - الذي يراجع أحكام القضاة (2).
(1) بلقاسمي، رسالة ماجستير، مخطوطة - بالإنكليزية، ص 86، وكذلك أحمد توفيق المدني (كتاب الجزائر). ص .... وكذلك السجل (طابلو) سنة 1845 - 1846، ص 84.
(2)
توستان دي منوار، مذكرة نشرها مارسيل ايمريت (المجلة الافريقية)، 1955، ص 147، انظر أيضا:(تحفة الزائر) ج 1.
ومن قضاة الأمير عبد القادر المعروفين الشيخ عدة بن غلام الله، وقد أشرنا إليه في فصل الطرق الصوفية، صاذا رجعنا إلى نماذج من قضاة الأمير وجدناهم في أغلبهم من أعيان العلماء والفقهاء، ولم يتسامح الأمير مع القضاة المنحرفين عن الخط الذي حدده لأن وظيفتهم سياسية وشرعية في آن واحد، ومن القضاة الذين عوقبوا في عهد الأمير سيدي أحمد بن الطاهر البطيوي، فقد ثبت للأمير أنه كان يتعامل مع العدو، فاقترب من بطيوة واستدعاه، وقيل إنه أمنه، ثم حمله معه إلى معسكر حيث حاكمه مجلس، وفي غياب الأمير نفذ فيه حكم القتل، ولعل الأمير كان يظن أن الحكم ضد القاضي سيكون السجن فقط.
بينما كان القضاة في العاصمة وغيرها يجرون القضاء في بادئ الأمر طبقا لأحكام الشريعة، فيحرمون الفرنسيين من المال ومن الاطلاع على نوعية المشاكل، ومن ثمة يبعدونهم عن أمور المسلمين الخاصة، وقد استغرب أحد التقارير المكتوب في حدود سنة 1843 كيف صدرت أحكام البراعة بالجملة من القضاة المسلمين، كما أن المجلس القضائي لم تسجل فيه أية قضية (كان للمجلس دور الاستئناف تقريبا). فمن بين 1، 209 من القضايا المدنية حل القاضي المالكي في مدينة الجزائر منها 991 قضية عن طريق التراضي، ومن بين 1، 865 قضية مدنية عرضت على القاضي الحنفي: حكم في 8 منها فقط بالتراضي، أما في وهران فالقاضي حكم في 52 قضية جنائية، ومن بين 107 قضايا مدنية حكم في 32 منها بالتراضي، وفي عنابة أصدر القاضي 26 حكما جنائيا، و 169 حكما مدنيا منه 168 بالتراضي (كلها تقريبا). وفي سكيكدة أصدر القاضي 5 أحكام جنائية و 93 حكما مدنيا و 744 حكما بالتراضي (1). يقول لويس رين بهذا الصدد: إن فرنسا قد أحلت منذ 1842، قانونها
(1) السجل (طابلو) سنة 1843 - 1844، ص 290، أما (السجل) لسنة 1844 - 1845 فلم يذكر أي إحصاء لأحكام المحاكم الإسلامية، رغم أنه جاء بإحصاءات ضافية عن الأحكام الصادرة من المحاكم الأخرى، انظر ص 271 - 286.
الجنائي محل القصاص وغيره في القرآن دون أن تحدث أية معارضة من الأهالي، أما الحدود المدنية فقد بقيت بأيدي القضاة والمسلمين يطبقون عليها مبادئ الشريعة الإسلامية، مع بعض التحفظ، لأن هؤلاء القضاة كانوا يطبقون الشريعة دون المساس بشعور أحد، ولكن أحكامهم كانت مستغلة من الشخصيات الدينية ضد فرنسا (بصفة صماء)(1). إن الجزائريين في الواقع قد عارضوا تجاوز الأحكام القرآنية ولكن بطريقتهم، ففي عهد بوجو الظلوم كانت المقاومة على أشدها في سيف الأمير عبد القادر وغيره، وكان ذلك أبلغ معارضة لفرض القوانين الفرنسية وكل مظاهر الاحتلال الغاشم.
حقيقة أن مرسوم 26 سبتمبر 1842 قد أبقى على المحاكم الإسلامية وكلف الحاكم العام بتسمية القضاة والمفتين، وخصص لهؤلاء وأولئك رواتب من الحكومة الفرنسية، وبناء عليه أيضا فإن القضاة المسلمين لم يعد لهم صلاحية النظر في المسائل الجنائية، ولم يبق لهم إلا المسائل المدنية والتجارية الخاصة بالمسلمين، ولكن أحكامهم غير مطلقة وغير نهائية إذ يمكن للمتنازعين استئنافها لدى المحاكم الفرنسية، وأصبح القاضي المسلم يجمع بين صفة القاضي وصفة الموثق، وبإمكانه تحرير العقود والاتفاقات الخاصة بالمسلمين، وفي حالة عدم وجود موثق فرنسي على مسافة 20 كلم، يمكن للقاضي أن يحرر قضيته وحكمه في الأمور التي يكون فيها المسلم طرفا، وتنص المادة 46 من المرسوم المذكور على أن القاضي يسجل أحكامه في جميع القضايا التي حكم فيها في سجل خاص ثم يسلمه كل شهر للتأشيرة عليه من قبل الوكيل العام الفرنسي.
ويبدو أن المعارضة كانت قوية لهذا المرسوم على خلاف ما يزعم رين، حتى لدى القضاة أنفسهم، فالمصادر الفرنسية تذكر أن القضاة تماطلوا في تطبيق المرسوم، إذ ظل إلى سنة 1846 دون تطبيق إلا في حدود ضيقة
(1) رين (مرابطون). مرجع سابق، ص 5.
وغير كاملة نتيجة الإهمال، حسب تعبير المصدر (1). ومنذئذ كان تطبيق المرسوم يسير ببطء، وقد حاولت الجمهورية الثانية (1848) أن تنشط إدماج الجزائر في فرنسا فمست مختلف الميادين بما فيها القضاء، فصدر عنها في هذه السنة تنظيم القضاء فيما يسمى بالمقاطعات المدنية، ثم صدر عن الحاكم العام قرار في 29 يوليو، 1848 أيضا أعاد تشكيل المجلس العلمي (هيئة العلماء) الذي يعتبره الفرنسيون نوعا من المحكمة العليا الإسلامية، كما مس القرار إعادة ترتيب محاكم القضاة على المذهبين المالكي والحنفي.
وفي قرار آخر بنفس التاريخ أنشأ الحاكم العام منصبا جديدا في المحاكم الإسلامية، وهو منصب الوكيل الذي كلف بمهمة خاصة، وهي مساعدة المتنازعين والدفاع عنهم مجانا، وهو نوع من التدخل الفرنسي المباشر في تسيير شؤون المحاكم الإسلامية والتعرف على ما يجري فيها والتعجيل بالاندماج في الإجراءات القانونية، وهو الاندماج الذي كان سائرا في مجالات أخرى موازية، وفي قرار آخر بنفس التاريخ فرضت على المحاكم الإسلامية أيضا أجرة وحقوق الكتابة، وهو ما لم تعرفه المحاكم من قبل، وكان على القضاة أن يحضروا سجلات فيها النصوص المعتمدة والأحكام الصادرة عن كل محكمة، وكان على هذه السجلات أن تقدم مرة كل شهر إلى الوكيل العام في الجزائر لإجازتها، وفي غير الجزائر كانت تقدم إلى وكيل الجمهورية أو إلى قاضي الصلح لإجازتها واعتمادها، وفي ذلك إخضاع تام لأحكام القضاة المسلمين للرقابة الفرنسية وسيادة القانون الفرنسي على الشريعة الإسلامية.
أما من جهة المسائل المعروضة وأنواع الحكم الصادر فيها، فإن الإحصاءات الفرنسية الصادرة في الأربعينات من القرن الماضي تذكر أن النوازل التجارية والمدنية بصفة عامة، وحسب الأهمية، هي ما يلي: طلبات دفع الأجور، وطلبات دفع أثمان البضائع، وطلبات الطلاق. ويقول
(1) السجل (طابلو)، سنة 1846 - 1849، ص 186.
الإحصاء: إن المنازعات بشأن العقارات لا تأتي إلا في الدرجة الثانية، أما المسائل الجنائية فهي لا تخرج عن الخمر التي تحتل نوازلها حيزا كبيرا (1)، والإفطار في رمضان، والكفر أو لعن الدين، وسوء السلوك في الأماكن الدينية، ومن التطورات التي حدثت في هذا المجال منذ الاحتلال، أن القضاة بدأوا يصدرون أحكامهم بالسجن بدل الضرب، رغم أن الضرب كان ما يزال مستعملا لأن أعراف البلاد تبيحه، ويقول المعلق على الإحصاء: إن استعمال السجن بدل الضرب يدل على التأثير الفرنسي في الجزائر (2).
يجب أن نربط هنا بين التطور السياسي والإداري للجزائر وصدور المراسيم والإجراءات المتعلقة بالقضاء الإسلامي، ففي العشر سنوات الأولى من الاحتلال نستطيع القول إن دور المحاكم الإسلامية بقي على حاله في الجملة، رغم مرسوم 1834 الذي كان يهدف إلى الاندماج القضائي ورغم تأثر القضاء، كغيره، بمصادرة الأوقاف وإهمال التعليم والتدخل في شأن الدين (الديانة). وابتداء من العشرية الثانية للاحتلال وأمام اشتداد المقاومة الوطنية، واتهام القضاة بالتساهل مع المواطنين، لجأت سلطة الاحتلال إلى تقليص صلاحية القضاة المسلمين بعدة مراسيم وقرارات أشرنا إليهاة وقد صدرت كلها بين 1844 و 1848، وتمثل السنة الأخيرة هزيمة الأمير عبد القادر واستسلام الحاج أحمد، باي قسنطينة، وقيام الجمهورية الثانية في فرنسا، وهي الجمهورية التي تراجعت عن كلمة فرنسا بالنسبة للأمير وسجنته بدل تركه يذهب إلى المشرق، وهي التي أمطرت الجزائر بقوانين وقرارات تجعلها (جزءا لا يتجزأ) من فرنسا، كما جاء في دستور هذه الجمهورية، وكان القضاء من أبرز العناصر المتأثرة بهذه التغييرات، لأهميته السياسية والدينية والأمنية، وكانت قوانين الجمهورية الثانية كلها تهدف إلى دمج الجزائر في فرنسا، بما في ذلك القضاء الإسلامي، مع ملاحظة أن هذا القضاء
(1) لا شك أن ذلك راجع إلى التأثير الفرنسي الذي سنذكره، ذلك أن الخمر والإفطار في رمضان كانا من الكبائر التي لا يمكن المجاهرة قبل الاحتلال.
(2)
السجل (طابلو)، سنة 1846 - 1849، ص 187.