الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 -
من محمود بن محمد البشير ابن (القطب الأكبر - كذا -) أحمد التجاني، إلى أنصار التجانية أينما كانوا، نفس المعاني الواردة فى الندائين السابقين مع التذكير بفضل فرنسا على تركيا، ولولا ذلك الفضل لما بقيت تركيا دولة مستقلة إلى ذلك الحين، وكون الأتراك اغتصبوا الخلافة، وضرورة الدفاع عن (دولتنا الفرنسوية العزيزة إلى آخر رمق). وقال النداء إن (الألمان أصلهم جرمان، والترك أصلهم تتار، ونحن عرب، والفرق بين العرب والتتار كالفرق بين السماء والأرض)(1).
4 -
من محمد العروسي نجل محمد الصغير التماسيني، شيخ زاوية قمار، إلى سائر المقاديم وأنصار الطريقة التجانية: نفس الأفكار، مع طلب الاستعداد لبذل المال والنفس للدفاع عن النفس، وكون (أبنائنا) داخلين في الحرب إلى جانب فرنسا، والإشادة بما قدمت فرنسا للجزائر من خيرات. وطلب الشيخ العروسي من الأتباع الاقتداء به في موقفه ليفوزوا في الدارين (ببركة الغوث التجاني)(2).
5 -
من محمد البشير نجل محمد التماسيني، شيخ زاوية تماسين: نداء موجه إلى المقدمين وأحباب الطريقة التجانية (3) في نفس المعنى
…
أما عن الدور الثقافي للطريقة التجانية وعلمائها، فانظره في الفصول الخاصة بذلك.
…
الطريقة السنوسية/ الطكوكية
كتب المؤلفون كثيرا عن السنوسية في السياسة والإصلاح، وفي الدين
(1) نفس المصدر، ص 202 - 204. الثاني والثالث كلاهما غير واضح العلاقة العائلية لنا، انظر قصة الانتساب إليه، سابقا.
(2)
نفس المصدر، ص 212.
(3)
نفس المصدر، ص 208.
والدولة، ونحن لن ندعي أننا سنأتي بجديد حولها في ذلك، كما كتبوا عن الطريقة السنوسية وأصولها وسلسلتها وتعاليمها، والزاوية السنوسية وقوتها وانتشار الدين والتصوف منها، ومحاصرتها من قبل السلطات الاستعمارية سواء في الجزائر أو في غيرها من المناطق الإفريقية. وتناولوا علاقات السنوسية مع العلماء والحكام المسلمين في مصر واسطانبول والحجاز وفي ليبيا والجزائر وإفريقية، ثم علاقاتها مع الدول الأجنبية مثل بريطانيا وفرنسا وإيطاليا، وقد نسبوا إليها آراء ومواقف أملتها أغراض الوقت الذي ظهرت فيه، وتناول المؤلفون أيضا حياة الشيخ محمد بن علي السنوسي بالتفصيل من ميلاده في الجزائر إلى دراسته في فاس ومصر والحجاز، إلى نشاطه العلمي والصوفي في ليبيا ووفاته بها، فما الجديد الذي نطمح إلى الإعلان عنه الآن؟.
لا نظن أنه كثير، ذلك أننا سنكتفي من السنوسية بالنقاط التي لها علاقة بالوضع في الجزائر، صوفيا وسياسيا، ومراجعنا في حياة الشيخ السنوسي هي: مؤلفات رين، وديبون وكوبولاني، وعبد الحي الكتاني، وشكيب أرسلان، ولاباتو، ودو فيرييه، ولوشاتلييه، وغيرهم، بالإضافة إلى كتاب رحلة الحشائشي وبعض مؤلفات السنوسي نفسه كالسلسل المعين، والفهرس وبعض الإجازات، وفي أرشيف الحكومة الفرنسية بالجزائر وثائق ودراسات عديدة، منها دراسة كولاس، وبيلار، وكلاهما كان مترجما عسكريا.
ولد محمد بن علي السنوسي قرب مدينة مستغانم، سنة 1206 طى أغلب الظن، وتكاد المراجع تتفق على أنه من الأشراف، ولكن بعضها يجعله شريفا من جهة الأب والبعض من جهة الأم فقط، فهو عند الكتاني محمد بن علي بن السنوسي كما هو معروف في بلاده (ابن السنوسي). ولم يذكر عن شرفه ما يفيد رأيه رغم أن الكتاني من المولعين بذلك، وقد حلاه بعبارات فخمة وعامة، ولكنها تمثل الصورة المعروفة عن السنوسي الذي جمع بين علم الشريعة وعلم الحقيقة، فقال عنه: (الإمام العارف الداعي إلى السنة
والعمل بها، ختم المحدثين والمسندين، الكبريت الأحمر والهمام الغضنفر، حجة الله على المتأخرين) (1). ولم يتعرض دو فيرييه لقضية النسب والشرف وكان يكتب عنه بعد وفاته بقليل (2).
ولكن رين فصل القول في ذلك، فقال: إن السنوسي لا علاقة له بالشيخ محمد بن يوسف السنوسي دفين العباد في تلمسان (3) ولا بني سنوس القاطنين حول تلمسان، وإنما هو اسم شائع في غرب الجزائر، قد يكون تبركا بالشيخ السنوسي المذكور، وتذهب عائلة السنوسي إلى أن جدهم سيدي عبد الله، شريف منحدر من أحد الأشراف الذين حلوا بالمنطقة في القرن الثاني عشر الهجري، وتزوج سيدي عبد الله امرأة بربرية وتناسل منهما الجيل بعد الجيل، ويقولون إن جدهم هو سيدي عبد الله بن خطاب بن العسل بن علي بن راشد، ولكن هذا الجد هو الجد الحقيقي لأشراف قبيلة فليته الشهيرة أيضا، ويدعى (رين) تصحيح هذا النسب فيقول: إن أولاد سيدي عبد الله ينتمون إلى عائلة بني زيان الذين طردهم السلطان المريني أبو يعقوب من تلمسان سنة 1293 م، وفي بداية القرن السادس عشر جاء عبد الله بن خطاب جد القبيلة، واستقر في عين مسرة وتزوج فيها بفتاة تنحدر من أصل شريف أيضا، يسمى الحسن الصادق الذي قدم من المغرب الأقصى، وكان الحسن الصادق هذا حسنيا أي من فاطمة والإمام علي، غير أن السنوسيين يقولون إن الشرف عندهم كامل ومباشر.
أما سلسلة نسبهم فيذكرها رين هكذا: محمد بن علي بن السنوسي الخطابي الحسني الإدريسي المجاهري، من قبيلة أولاد سيدي يوسف، عرش أولاد سيدي عبد الله بن الخطاب المجاهري، وكان موطنهم بين سهل سيرات وغابة النارو، دوار طرش، أي الأرض التي عليها اليوم بلدية هليل، وقد اكتفى مؤلف (حاضر العالم الإسلامي) بقوله: إن السنوسي (من سلالة النبوة)
(1) الكتاني، فهرس الفهارس، 2/ 1040.
(2)
دو فيرييه، مرجع سابق.
(3)
عن محمد بن يوسف السنوسي انظر الجزء الأول من هذا الكتاب، ط، 2، 1985.
دون تفصيل، كما أن مكان وتاريخ ميلاد الشيخ السنوسي غير متفق عليهما، فهذا رين يذكر دوار طرش، غير البعيد عن مستغانم، سنة 1206 (1). كما أن الكتاني يذكر أن السنوسي من مواليد مستغانم سنة 1202 (12 ربيع الأول) / 1787 م، ويقول صاحب (حاضر العالم الإسلامي): إن السنوسي من مواليد 1800 م، بالقرب من مستغانم، وهو بعيد (2). وهكذا تختلف التفاصيل، أحب السنوسي القراءة والعلم منذ بداية حياته، فتحصل من ذلك على
قسط وفير في منطقته، فكان تلميذا لعلماء مستغانم ومازونة ولا سيما محيي الدين بن شهلة ومحمد بلقندوز المستغانمي، ومحمد بن علي بن الشارف، وبوطالب المازوني، وبوراس المعسكري، وأضاف الكتاني هذه الأسماء: عبد القادر بن عمرو المستغانمي، ومحمد بن التهامي البوعلقي، ومحمد بن عبد القادر، وابن أبي زوينة المستغانمي، ولعله كان سيظل في ناحيته لولا حادث بسيط غير مجرى حياته، وبعض المؤلفين يذكرون الحادث على أنه مسألة عائلية أدت إلى مغادرة السنوسي الجزائر إلى فاس، وبعضهم يذكر القصة بالتفصيل فيقولون: إن أحد أبناء عمومته (واسمه محمد بن الأطرش). وكان معه في خصومة، قد صفعه أمام المجلس الفقهي الذي قضى ضده، ومهما كان الأمر فقد توجه محمد بن علي السنوسي إلى فاس حيث بقي سبع سنوات، وكان عمره ثلاثين سنة، (غادر 1821/ 1237 حسب رواية رين). وهو من الشيوخ لا التلاميذ، ولكن السنوسي أبى إلا أن يتتلمذ في فاس على مشايخ القرويين وغيرهم أمثال الطيب بن كيران، وإدريس البقراوي، وحمدون بلحاج، والتاودي بن سودة، ولم يذكر الكتاني من شيوخه المغاربة إلا أهل الطريقة فذكر منهم محمد العربي الدرقاوي بالخصوص.
ويبدو أن محمد بن علي السنوسي كان سيواصل الإقامة في المغرب الأقصى لولا التحفظ من السياسة وشباكها، وقد بلغ مرحلة النضج (37
(1) كذلك يوافقه ويسير على منواله ديبون وكوبولاني، مرجع سابق، ص 546.
(2)
شكيب أرسلان (حاضر العالم الإسلامي) 1/ 295، واضح أن ذلك منقول عن المستشرق ستودارد.
سنة). ومعظم المؤلفات تجعل خروجه من المغرب الأقصى صدفة أو قضاء وقدرا، ولكن رين يذكر أن السلطان سليمان أراد أن يختبره فأعطاه مخطوطا وطلب منه التعليق عليه، وكان هذا السلطان مطلعا على الأحوال ومتداخلا في قضايا الفقه والطرق الصوفية ومحيطا بأحوال السياسة والعصر، لكن الشيخ السنوسي اعتذر عن ذلك وخاف العاقبة، مثل سلفه أحمد المقري، فغادر البلاد سنة 1829 معلنا نية الحج، وقد علق رين على هذا الموقف بأن السنوسي كان (بطبعه) غير مجامل، كما أنه كان قد دخل ميدان التصوف (1). وكأننا بالسنوسي قد سلك طريق الحج المغربي القديم، طريق الصحراء، كما فعل الدرعي والعياشي، فهو لم يركب البحر أو يذهب عبر المدن الساحلية، ولكنه رحل عبر التلول والمدن الداخلية، قاطعا المسافات ببطء، كما لاحظ أحد الكتاب، فكان يتوقف عند مشايخ الطرق، كما فعل مع شيخ القنادسة (الزيانية) وشيخ كرزاز (الكرزازية). وقد أخذ الطريقة عن كليهما، ولا ندري إن كان للحصار البحري الذي ضربه الفرنسيون حول الجزائر منذ 1827 دخل في سلوك السنوسي طريق البر نحو الشرق، ولكن الأكيد أن صدى الحملة على الجزائر الذي بدأ منذ يناير 1830، وتصاعد منذ إبريل وانتهى باحتلال الجزائر والمرسي الكبير في صيف السنة نفسها، قد أثر على مجرى الرحلة، ونحن نعلم أن الشيخ لم يرجع إلى الجزائر بعد ذلك، ولكنه كان من النضج ومن شدة الملاحظة أثناء الطريق ما يجعله يحتفظ بصورة واضحة عن الأوضاع الاجتماعية والسياسية والدينية فيها.
كان الشيخ السنوسي يتوقف في الطريق، وقد انتصب للتدريس في بعض البلدان مثل الأغواط، ونزل عين ماضي وجبل عمور ومساعد، وأخذ ذكر الطريقة التجانية، ودرس الفقه والنحو في الأغواط، وتزوج في مساعد امرأة تدعى منة بنت محمد بن عبد الرحمن، ودخل الجلفة، ثم بوسعادة، وأقام عدة أشهر بين بوسعادة وجبل السحاري، وكان ذلك في الصيف حين كانت الحملة الفرنسية تنزل بالجزائر، وقد علم بذلك وهو في الصحراء، كما
(1) رين، مرجع سابق، ص 483.
قص ذلك بنفسه، وفي بوسعادة طلق زوجه (1). وواصل الطريق، فمر بتماسين حيث شيخ الزاوية التجانية الحاج علي، والغالب على الظن أنه مر بوادي سوف ومنه دخل إلى جريد تونس ثم طرابلس وبرقة، ثم مصر، ويرى صاحب كتاب (حاضر العالم الإسلامي) أن السنوسي قد حج سنة 1829 ثم رجع إلى المغرب (؟) وبقي ينشط ويعلم في الأغواط، ثم ذهب إلى المشرق من جديد سنة 1839، ولعل ذلك مجرد هفوة، لأنه لم يتحدث أحد عن عودة السنوسي بعد حجه الأول إلى المغرب، رغم أن صاحب الكتاب المذكور يروي الخبر عن حفيده (2).
لقد نزل الشيخ بمصر وأقام بها مدة، وقرأ بالأزهر وأخذ الإجازات العلمية وأذكار الطرق الصوفية، كان متطلعا إلى الجو العلمي الذي يسود المشرق، ولا سيما مصر في ذلك العهد، حين كانت الحركة التجديدية بين مؤيد ومعارض، وكان تأثير الغرب، وخصوصا فرنسا، قويا هناك، وكان بعض علماء الأزهر يخدمون ركاب السلطة بالتقرب إليهم زلفى، وقد نوه السنوسي نفسه ببعض العلماء وأهل الطريق الذين لقيهم في القاهرة وتصادق معهم وارتبطوا بعلائق قوية للمستقبل، وكان الشيخ نفسه على ما ذكرنا من المناطحة وعدم المجاملة، ولعله كان متحفظا من أولئك المتزلفين بدون دل، وقد لاحظ أحد الكتاب أن بعضهم (راعه ما هو فيه من استقلال الفكر والنزوع إلى الاجتهاد فأفتى بمخالفته للشرع)(3). ويقول ديبون وكوبولاني إن
(1) يحلو للفرنسيين أن يجعلوا من الحبة قبة في موضوع المرأة بالذات، يقول (رين) أن المرأة قد (أهديت) إلى السنوسي من قبل أهل الورع، وأنها لم تحمل منه، ولكنها تزوجت بعد ذلك، وأنجبت بنتا، اسمها (سعيدة). واعتقد الناس أن أمها كانت حاملا بها من الشيخ السنوسي نفسه عند طلاقها، ولاحظ أيضا أن الشيخ السنوسي لم يبال بعد ذلك لا بأمها ولا بالبنت، مرجع سابق، ص 484.
(2)
أرسلان (حاضر). مرجع سابق، 2/ 399.
(3)
نفس المصدر، وذلك هو رأي المستشرق ستودارد، وقد علق شكيب أرسلان على ذلك بقوله إنه قد يكون إشارة إلى رأي الشيخ محمد عليش مفتي المالكية عندما بلغته أشياء لم يقف على حقيقتها، فأصدر فتوى بحق الشيخ السنوسي، ويضيف ارسلان: =
علماء الأزهر قد هاجموا السنوسي لآرائه ومذهبه (المتزمت) واعتبروه مجددا ومصلحا في الدين، وقد أفاض في الحديث عن الفتوى التي كان قد أصدرها الشيخ محمد عليش ضد الشيخ أحمد بن إدريس الفاسي، شيخ السنوسي في مكة، ثم أصدرها بعضهم بعد ذلك في حق السنوسي نفسه، بعد وفاته (؟)(1). وقد ضخم (رين) علاقة السنوسي بعلماء الأزهر وجاء بالفروق بين العلماء الرسميين التابعين للخديوي والسنوسي الذي كان يبحث عن العلم في رأيه في الصحارى وعند المتصوفة، ونسج رين من وراء ذلك أسطورة لا شك أن أعداء السنوسية قد تخيلوها في وقت تأليف كتابه (1884). ولكنه يعترف أن الشيخ السنوسي نفسه لم يرو الأسطورة وأن سبب رحيله من مصر ليس (كرهه للمصريين دا ولكنه حث أحد أقطاب الصوفية له بالتوجه إلى مكة (2).
قبل ذهابه إلى مكة كان السنوسي قد أخذ مجموعة من الطرق في المغرب الأقصى والجزائر، ومنها القادرية، والشاذلية والتجانية، والزيانية، والكرزازية، والدرقاوية، ولعله قد أخذ الرحمانية أيضا، وحين وصل إلى مكة تتلمذ في الطريق على الشيخ عبد الحفيظ بن محمد العجمي وعمر بن عبد الرسول، ولكن (عمدته) في التصوف هناك هو الشيخ أحمد بن إدريس الفاسي، وكان الفاسي هو شيخ الطريقة الخضرية، وقد ارتبط به السنوسي تماما، فكان يتبعه في إقامته وترحاله، وأشاد به في مؤلفاته، ثم أخذ السنوسي أيضا الطريقة النقشبندية، وكان الشيخ الفاسي إذا غضب من علماء مكة يقصد (صوبيا) في عسير فكان السنوسي يتبعه إليها، وكان الفاسي قد أخذ عن عبد الوهاب التازي الذي عاش 130 سنة، وأدرك الشيخ عبد العزيز الدباغ، وأخذ عنه الطريقة المعروفة بالخضرية، ويروى صاحب (حاضر
= وقيل: إنه تراجع عنها بعد أن عرف الحقيقة.
(1)
ديبون وكوبولاني، مرجع سابق، ص 346 - 333، وخلال هذه الصفحات يجد القارئ أخبار الفتوى المذكورة والتعاليق المحبذة لها.
(2)
رين، مرجع سابق، ص 491.
العالم الإسلامي) أن الشيخ السنوسي قد وقعت فيه ريبة من أنه يميل إلى بعض المبادئ الوهابية (1).
ولكن شيخه الفاسي ما لبث أن توفي (سنة 1835). فكان على السنوسي وقد تجاوز الأربعين، أن ينظر في حاله وحال العالم الإسلامي من حوله، وأن يقدم ما عنده من معارف سياسية وعلمية ودينية لهذا العالم المبعثر والمغزو في عقر داره، وكانت مكة تعج بمختلف الطرق وواقعة في قبضة دولة إسلامية ضعيفة، وتتصارع في مكة الأفكار التي ترد مع الحجاج، ومنها الأفكار الغريبة عن الدين الإسلامي نفسه، كتلك التي يأتي بها الجواسيس والدعاة المزيفون باسم الفرنسيين والبريطانيين وغيرهم، وكان في مكة أيضا هاربون من ظلم الاستعمار الغربي في بلادهم مثل الجزائريين ومسلمي روسيا، والهند، فكانت مكة بحق مهبط أفئدة المسلمين في الحج والزيارة، وملتقى الأفكار والمذاهب.
وقد أسس السنوسي زاوية في جبل أبي قبيس المطل على الكعبة. وأخذ ينشر طريقته الجديدة حسب التعاليم التي سنذكرها، وكان زميله في التتلمذ على الشيخ أحمد بن إدريس الفاسي هو الشيخ محمد صالح الميرغني الذي أسس بدوره زاوية في مكة تسمى (دار الخيزران) وأصبحت تعرف بالميرغنية، وكلتاهما ترجع إلى الخضرية/ القادرية، كما حملها عبد العزيز الدباغ، وكان مجال الميرغنية بعد ذلك مكة والسودان، كما كان مجال السنوسية مكة وليبيا ثم إفريقية والجزائر، وكان السنوسي قوي الشخصية غزير العلم مستقلا في رأيه مبتعدا عن الحكام والسياسة، فجلب عليه ذلك توجس الحكام ولكنه استقطب العلماء المستقلين أمثاله، فاغنوا زاويته وطريقته وتقوت بهم، ولكن السنوسي بقي على خلاف مع أبناء شيخه ابن إدريس الفاسي، كما أنه كان في مكة عابرا فقط لأن مهمته في الدعوة إلى
(1) أرسلان، (حاضر) 2/ 399، وفي الهامش علق شكيب أرسلان بأن ذلك ينكره السنوسيون.
الدين والطريقة ومكافحة النفوذ الأجنبي كانت تدعوه إلى الخروج من مكة، إلى الميدان والجهاد، كما خرج الصحابة والتابعون من قبل من مكة والمدينة لنشر لواء الإسلام وتعاليمه، وهكذا اغتنم إحاطة وفد من حجاج ليبيا به ودعوتهم له بالنزول عندهم، حسب الروايات، فغادر مكة إلى برقة، تاركا زاوية أبي قبيس في يد أحد مقدميه، وكان ذلك سنة 1843.
وفي ليبيا بنى السنوسي عدة زوايا وازدهرت طريقته بسرعة، أول زاوية بناها كانت البيضاء بالجبل الأخضر، وكانت أول مهد لحركته، ثم تكاثرت الزوايا حتى وصلت أثناء حياته، اثنتين وعشرين زاوية، منها ثمانية عشر في ناحية برقة - بنغازي، ومنها بعض الزوايا في تونس والجزائر، سيما نواحي توات والصحراء عموما، وأسس سنة 1855 زاوية جديدة في جغبوب، ثم انتقل إليها مبتعدا عن الاحتكاك بالسلطة العثمانية المتمركزة بالسواحل، لكي يضمن حرية الحركة والاتصال بالأهالي وبإفريقية بعيدا عن أنظارها، وتقع جغبوب جنوب غرب بنغازي مسافة 15 يوما مشيا مع القوافل، ولقد ساءت العلاقة بين الشيخ السنوسي وبين السلطة العثمانية التي أصبحت تخشاه، فكان انتقاله إلى الجنوب فرصة لاستكمال بناء الطريقة وتكثير الأتباع قبل القضاء عليها في المهد، ولكن الوفاة أدركته سنة 1859 وهو في أوج عطائه وقوته الشخصية.
قلنا إن السنوسي شخصية امتازت بالطموح والهيبة، ونضيف أنه كان عالما قوي العلم، وله هدف محدد وواضح، وأنه عرك الحياة الدينية والسياسية للعالم الإسلامي من المغرب إلى المشرق، وعرف أن هناك داء ينخر جسم هذا العالم، ويتمثل في الحكام الجهلة والمنحرفين عن شريعة الإسلام، وفي العامة السائبة بدون راع ولا تنظيم ولا علم، ومن حول هذا العالم أطماع شرهة ينقض أصحابها هنا وهناك مفترسين جسم المعالم الإسلامي قطعة قطعة، فلم يكن السنوسي أميرا ليعلن عن إنشاء دولة جديدة، ولا ضابطا يقوم بانقلاب على حاكم فاسد، ولكنه رجل دين وعلم فسعى إلى أن يؤسس للدين منارة تسمى طريقة وللعلم معهدا يسمى زاوية، وكان
مشهورا بالانضباط والتنظيم، وكان قليل الكلام بعيد الهمة، ولا يظهر للناس إلا قليلا، متمسكا بالكتاب والسنة، متشددا مع نفسه ومع الناس، وكان في استقبالاته يضبط الوقت بالساعة، وهو طويل القامة بادي الهيبة، سهل الحديث بسيط المظهر فصيح اللسان يتمتع بجاذبية نادرة، وطريقة تكوين الدعاة عند السنوسيين كانت تتمثل في شراء الرقيق من الزنوج صغارا ثم يربونهم تربية إسلامية ويعتقونهم، ثم يرسلونهم لبث تعاليم الإسلام، فأصبح سلطان وداي مثلا تابعا للطريقة السنوسية، وأصبح أهلها يأتون إلى الزاوية، وكان هدف السنوسي هو تحرير الإسلام من النفوذ الأجنبي وإقامة حكم إسلامي على الأسس التي كان عليها في عهد الخلفاء الراشدين، كما كان هدفه هو (إعادة الإمامة العامة) ويقول (رين): إنه أسس داخل الدولة العثمانية دولة دينية مستقلة (1).
كان مع الشيخ السنوسي رجال أخلصوا له كل الإخلاص وتشبعوا بتعاليمه وآمنوا بهدفه البعيد، ومن هؤلاء عبد الله السني الذي عاش إلى سنة 1877، وهو الذي أمر ببناء سبع زوايا حول طرابلس، والحاج أحمد التواتي الملقب (العالم) الذي كان يشرف على مجموعة من الزوايا في نواحي فزان ومرزوق، وهناك شخصية أخرى قوية كان صاحبها مرشحا لخلافة الشيخ، ويدعى عبد الله التواتي، غير أنه قتل سنة 1851 قرب المدينة المنورة، وقد ترك السنوسي ولدا عمره، حين وفاة أبيه، حوالي 14 سنة، وهو المهدي، لكن الزاوية كان يتولاها مستشارون أقوياء العقيدة ومعلمون متمرسون، منهم معلم الأولاد: المدني بن أحمد التلمساني، ومنهم علي بن عبد المولى التونسي، وأحمد الغماري، وأحمد الريفي، وكلاهما من المغرب الأقصى، وعمران الطرابلسي، وغيرهم.
وقبل أن ننتقل إلى الحديث عن تعاليم السنوسية وانتشارها نذكر حادثين وقعا في عهد السنوسي نفسه ويتعلقان بالجزائر، الأول موقف
(1) انظر أرسلان، (حاضر). 2/ 400، ورين، مرجع سابق، 494.
السنوسي من مهمة ليون روش، الجاسوس الفرنسي الذي حمل نص فتوى إلى علماء مكة ليوافقوا عليه، ومحتوى النص هو دعوة الجزائريين إلى الكف عن حرب الفرنسيين ما داموا قد سمحوا لهم بالعبادة، والمعروف أن روش قد روى بنفسه في كتابه القصة وكيف ذهب إلى مكة ومن رافقه من مقدمي الطرق الصوفية الجزائريين، وقد تنكر روش مدعيا أنه مسلم باسم (عمر). وكان ذلك سنة 1842، وقد اعترف روش أن العالم الوحيد الذي عارض الفتوى في المجلس العلمي الذي دعا إليه الشريف غالب، حاكم مكة، هو السنوسي (1). وكانت حركة الجهاد على أشدها عندئذ في الجزائر بقيادة الأمير عبد القادر، وقد علق الفرنسيون الفتوى في المساجد بعد أن وافق عليها علماء المذاهب الأربعة في مكة، وقرئت في خطب الجمعة من قبل الأئمة والخطباء الرسميين، كما قرئت في الأسواق ونشرتها (المبشر) الرسمية.
أما الحادث الثاني فهو الدعم الكبير الذي تلقاه ثائر الصحراء الشرقية، محمد بن عبد الله، من السنوسية خلال الخمسينات بل إلى وفاته، ومحمد بن عبد الله هذا كان التقى بالسنوسي في مكة ونسق معه الرجوع إلى الجزائر في حدود 1850، وكتب السنوسي الرسائل إلى أهل الطرق والمؤيدين له يطلب منهم دعم حركة هذا (الشريف). وقد شملت المنطقة التي حارب فيها الشريف محمد، بلاد الطوارق وورقلة وبني ميزاب والأغواط وتوات ووادي ريغ ووادي سوف والزيبان (2). ويروى دو فيرييه أن الشخصية التي كانت وراء دعم هذا الشريف هو الحاج أحمد التواتي المعروف (بالعالم). وكان هو العضد الأيمن للسنوسي، وكان أحمد التواتي هذا يعيش طالب علم في
(1) انظر الفتوى في ديبون وكوبولاني، مرجع سابق، وفي كتاب ليون روش (32 سنة في الاسلام) ج 1، ط، باريس، 1884.
(2)
عن هذه الثورة انظر كتابنا الحركة الوطنية، ج 1، وربما كان السنوسي والشريف يحرفان بعضهما البعض من قبل، فهما من منطقة واحدة ومن جيل واحد، وقد سبق الشريف أن اشتغل بشؤون الدين في الجزائر قبل هجرته.
تيديكلت، كما كان ناقما على الفرنسيين الذين يصفونه بدورهم بالتعصب، وبتزكية من الشريف محمد بن عبد الله ذهب الحاج أحمد التواتي إلى السنوسي فعينه مقدما على المنطقة الغربية، أي فزان ومرزوق وتوات وبلاد الطوارق، وقد تحالف التواتي مع الشريف فكان التواتي، حسب روايات فرنسية، يجند الأتباع للسنوسية والشريف هو الذي يحارب بهم، وأخبر دو فيرييه أنه إذا تحول موقف الزاوية السنوسية إلى موقف هجومي، فإن الحاج التواتي سيكون على رأسها، فقد كان يدعو إلى الجهاد في كل مكان ويتنقل من مكان إلى آخر، ويأمر بشراء الأسلحة والذخيرة، وكان يدفع بالشريف إلى الدخول في هجومات، وهو الذي أوعز إليه بتنظيم الحملة الأخيرة التي انتهت باعتقال الشريف سنة 1861، وكان الحاج التواتي قد أفتى بقتل بعثة دو فيرييه بمن فيها من المسلمين، حسب قول هذا الرحالة الفرنسي (1).
والمعروف أن السنوسي قد رجع إلى ليبيا سنة 1843، وتعتبر هذه السنة مهمة في حياة الجزائر، أليست هي السنة التي فقد فيها الأمير عبد القادر الزمالة الشهيرة؟ ومع ذلك استمرت حركة الجهاد ضد الفرنسيين إلى نهاية 1847، كما هو معروف، لكننا نذكر أن قبيلة السنوسي، أولاد سيدي عبد الله، حاربوا في هذه الحركة أكثر من عشر سنوات، لكنهم أجبروا على الاستسلام سنة 1841 ودخلوا تحت قيادة المجاهر (الأغاليك) التي عينها الفرنسيون بعد أن استولوا على المنطقة في عهد بوجو (2).
…
ألف السنوسي عددا كبيرا من الكتب في علوم الظاهر والباطن، كما يقولون، أو الشريعة والتصوف، ومنها تلك التي ذكر فيها أسانيده ومسلسلاته، وقد ذكر الكتاني جملة منها في كتابه (فهرس الفهارس) حسب عناوينها، مثل الأوائل، وسوابغ الأيدي، والمنهل الروي الرائق
…
ومنها
(1) دو فيرييه، مرجع سابق، ص 306.
(2)
رين، مرجع سابق، ص 481.
كتاب (السلسل المعين في الطرائق الأربعين)(1). وقد اعتمد رين كثيرا على هذا الكتاب وعلى فهرسة السنوسي، وقال عن الفهرسة إنه ذكر فيها شيوخه ورحلاته وأسافيده، وقد صاغ الرحلة في المقدمة، ومن جملة ما ذكره حوالي 150 كتابا بأسانيدها وكلها تتصل بعلم الشريعة أو علم الظاهر، ثم ذكر مجموعة بأرقام جافة عن مختلف الطرق الصوفية التي أخذ منها ودرسها، وهي تمثل علم الحقيقة أو الباطن، فقد قال السنوسي في الفهرسة إنه رحل من مكان إلى آخر في سبيل العلم ولقي العديد من الشيوخ المشهورين والمغمورين وصاحب كثيرين منهم، ووصف علمهم بالقوة والصلابة، وقال إن من بينهم الخطيب والإمام، وكان بعضهم يريد أن يصل إلى الحقيقة والتصوف وبعضهم كان يكتفي بنيل الإجازة، كان لقاؤه بهم في مختلف الأماكن التي مر بها، في الصحارى والخلوات، وفي القرى والواحات، بين الجزائر وتونس وليبيا ومصر، فكون معهم صحبة العلم والطريقة وتكلم معهم بلغة ليست هي لغة العامة، وارتبطوا جميعا بروابط العلم والصداقة والعمل المشترك (2).
وألح الشيخ السنوسي على أنه تلميذ لأحمد بن إدريس الفاسي بمكة واعتبر نفسه استمرارا له بعد موته، وقد ذكر سنده منه، والكتب التي أخذها عنه، وكذلك الطرق الأصلية والفرعية التي أخذها عنه، فكانت 64 طريقة، أما كتابه (السلسل المعين) فقد تضمن أربعين طريقة أخذها، لكن هناك فروع لبعض الطرق لم يذكرها (3). وقد ذكر السنوسي أن من أوائل من أخذ عنهم الإجازة في مستغانم هو بدر الدين بن عبد الله المستغانمي، وهو تلميذ الشيخ محمد بن علي بن الشارف المازوني، ويظهر مما سبق ومن دراسات الباحثين أن الطريقة السنوسية هي خلاصة الطرق القديمة والمعاصرة، وأنها تميزت
(1) عبد الحي الكتاني، مرجع سابق، 2/ 1040 - 1044.
(2)
رين، مرجع سابق، ص 485 - 486، هامش 1، 2.
(3)
ديبون وكوبولاني، مرجع سابق، ص 554، كتاب (السلسل المعين) يكتب أحيانا (السلسبيل المعين) ترجمه إلى الفرنسية كولاس، المترجم العسكري الفرنسي.
برفع شعار الرجوع إلى عمل السلف والعمل بالكتاب والسنة وتصفية الدين مما علق به من الشوائب كالخرافات والزيغ والبدع الضالة، وما دام صاحبها من علماء الوقت فإن طريقته قد استعملت العلم والتعليم وسيلتها إلى قلوب الناس وعقولهم، وإلى إحياء العمل بالدين الخالص، والوقوف في وجه الغارات الأجنبية على العالم الإسلامي فكريا وعسكريا، ماديا ومعنويا.
وباعتبارها طريقة صوفية أيضا اعتمدت السنوسية أنماطا من الطقوس يمارسها أتباعها ليدخلوا في حظيرتها ويصبحوا من أنصارها، من ذلك ذكر لا إله إلا الله مائة مرة، بعدد حبات السبحة، ومائة أخرى لعبارة الاستغفار، ومائة أخرى لعبارة اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم، وإذا لم يكن هناك غريب عن الطريقة يجوز للتابع أن يقول أيضا: لا إله إلا الله محمد رسول الله، صلى الله على سيدنا محمد في كل لمحة ونفس عدد ما وسعه علم الله، وهذه أذكار قريبة من أذكار الطرق الأخرى، مثل الشاذلية، ومن تعاليم السنوسية أيضا عدم تعليق السبحة في الرقبة، كما يفعل الدرقاويون، بل يحملونها في أيديهم، وكذلك عدم استعمال الطبول، ولا آلالات الموسيقية في الاجتماعات، ولا الرقص والإنشاد، ولا التدخين ولا شرب القهوة، أما الشاي فمسموح به، ويقول المسلم عقب صلاة الفجر: يا رب اغفر لي ساعة الموت وما بعد الموت، أربعين مرة (1). وللطريقة حضرة أو مجلس بحضرة الشيخ بنفسه، ولها وكلاء في مرتبة الوزراء.
وهناك ميزات تتميز بها السنوسية عن غيرها من الطرق، من ذلك أنها لا تمنع أتباعها من الانضمام إلى أية طريقة أو طرق أخرى، فيمكن للتابع أن يبقى درقاويا أو تجانيا أو رحمانيا ومع ذلك يكون سنوسيا إذا أراد، لأن مؤسسي الطرق في الواقع يرجعون إلى أصل واحد في نظرها، وهو القرآن الكريم، ولوحظ أن السنوسيين يتميزون عن غيرهم ظاهريا في وضع أيديهم
(1) هذه المعلومات جاءت في كل من رين وديبون وكوبولاني،
على صدورهم عند الصلاة، وذلك بوضع اليد اليسرى في اليمنى، خلافا للسدل عند المالكية، ويذهب رين إلى أن السنوسية ليست طريقة مجددة ولا مصلحة، لأن ما تدعو إليه هو السلفية، والرجوع إلى الكتاب والسنة مجردين من كل البدع التي نشأت عبر السنين، سواء من قبل الحكام أو من قبل شيوخ الطرق، الذين خرجوا عن تعاليم القرآن، ومعنى ذلك أن السنوسيين يدعون (للإمامة) والحياة الصافية المثالية في التأمل والإخلاص، وتعني الإمامة عند (رين) الجامعة الإسلامية الدينية - الثيوقراطية (الخلافة). ذلك هو محور الدعوة السنوسية، وهم لا يدعون إلى تحقيق ذلك عن طريق الثورة والعنف، وإنما يدعون إليه بكل هدوء وصبر، فهم يريدون في نظر رين البقاء خارج الشؤون السياسية، ومع ذلك فهم في الشؤون السياسية أخطر من غيرهم، لأن الإسلام المتجدد سيقف في وجه الاختراعات (الشيطانية) للحضارة الأروبية وروح التقدم العصرية، إن كل ما يصدر عن السنوسية في نظره، له محرك ديني وهدفه ديني (1).
ويذهب دوفيرييه الذي قام برحلته على إثر وفاة الشيخ السنوسي نفسه. إلى وصف الطريقة السنوسية بأنها حركة احتجاجية (قياسا على المذاهب الأروبية الدينية). فهي في نظره تقف ضد التنازل للغرب، وضد البدع التي حدثت نتيجة لتقدم الغرب، وضد محاولات الغرب الامتداد إلى المناطق الإسلامية الباقية، واعتبر هذه الطريقة عدوة ومتعصبة، وقال إن الشيخ السنوسي ثار ضد حكام إسطانبول وحكام مصر لأنهم استعملوا التقاليد الفرنسية والنظم الغربية، ولكن دوفيرييه اعترف بظلم الحكام في العالم الإسلامي والهبوط المعنوي الذي عليه حالة المجتمع الإسلامي، والتخلي عن الدين وظهور الشرور والفساد، واعترف أيضا بأن الشيخ السنوسي كان مثقفا وكثير الأسفار والاطلاع على أحوال العصر والمجتمعات، وأنه (السنوسي) يرى أنه لا بد من تبني التقدم الآتي من الشرق وإنشاء قلعة حصينة سياسية - دينية تدافع عن الإسلام وتحميه، وقال دوفيرييه إن السنوسية ما تزال
(1) رين، مرجع سابق، ص 496.
دفاعية ولكنها قد تتحول إلى حركة هجومية (1).
وإذا كان برنامج السنوسية يجد معارضة من الغرب ومن الحكومات الإسلامية الواقعة تحت تأثير الغرب، فإنه كان يجد معارضة أيضا من بعض العلماء الرسميين وحتى من بعض الطرق الصوفية المتحركة بتعليمات أنانية أو بإيعازات غربية، رأينا كيف انتفل السنوسي من الجبل الأخضر إلى جغبوب بعيدا عن أنظار وضغط الحكام العثمانيين ليؤسس زاويته ونفوذه بحرية، ومع ذلك بقيت الاتصالات بينه وبين السلطة العثمانية من جهة والمبعوثين الغربيين من جهة أخرى، محاولين معرفة نواياه والاستفادة من نفوذه، وسنعود إلى هذه النقطة بعد حين، وقد قال (ستودارد) إن السنوسي كان حذرا من الحكومات النصرانية (الغربية) والحكومة العثمانية (2). وكان الفرنسيون في الجزائر يحركون بعض الطرق الصوفية في الجنوب، كما رأينا، ضد نفوذ السنوسية مخوفين إياها بأن السنوسية ستأخذ منها الأتباع وتحرمها من الزيارات والاستقلالية، ونحو ذلك من الأساليب، ولذلك قال ديبون وكوبولاني إن برنامج السنوسية في الجزائر وتونس يواجهه شيوخ الطريقة التجانية والقادرية في الجنوب (3). وقد رأينا أن الفرنسيين كانوا يوظفون التجانية، في تماسين وقمار، وبعض فروع القادرية في ورقلة وعميش، ضد السنوسية، ومن جهة أخرى رأينا كيف نشرت بعض الجهات فتوى لبعض علماء الأزهر (الشيخ محمد عليش) ضد تعاليم ونشاط السنوسية، وهي الفتوى التي كانت في الأصل ضد الشيخ أحمد بن إدريس الفاسي بمكة (4).
(1) دو فيرييه، مرجع سابق، ص 306.
(2)
شكيب أرسلان (حاضر). مرجع سابق، 1/ 295، علق أرسلان على رأي (ستودارد) بأن السنوسي كان مؤيدا للسلطان باعتباره خليفة.
(3)
ديبون وكوبولاني، مرجع سابق، ص 558.
(4)
انظر خلاصتها في نفس المصدر، ص 552، وفي الرد عليهم جاء أنهم يعاملون الشيخ معاملة الملوك، ولا يذكرون للتابع ما هو محرم عليه، ويدعون العمل بالكتاب =
ومهما اختلف الناس حول تعاليم وبرنامج السنوسية، فإن نظامهم في الزاوية الأم كان ملفتا لنظر الجميع لما امتاز به من إحكام وضبط وولاء وسرعة انتشار، ففي ظرف قصير تعددت الزوايا وأصبح الأتباع بالآلاف في آسيا وإفريقيا، لقد أصبحت الطريقة عبارة عن حكومة، كما وصفها بعضهم، وأصبح الشيخ السنوسي في زاويته كأنه رئيس دولة، وعلى رأس كل زاوية مقدم أو قيم يدير شؤونها ويرتب أمورها ويبث دعايتها ويحمي أتباعها، ويعطي عهودها، وكان فوقه وكيل دوره هو دور الحاكم المحلي، وكلاهما ينسق مع الآخر ويسهر على الأمن والنظام في القبيلة والزاوية، تنفيذا لأوامر الشيخ السنوسي، وبواسطة هذين المسؤولين تجبي الضرائب وتصرف المصاريف في المصالح العامة، ويجري العدل بين الناس وتفلح الأرض وتسوق السلع، وكانت أراضي الزاوية تحرث وتحصد بمقتضى عمل تطوعي لكل فرد في القبيلة، وبالإضافة إلى ذلك فإن الزاوية هي المسجد للصلوات والأذكار واللقاء الاجتماعي، وهي المدرسة حيث يتلقى الأطفال تعليمهم ويدخلون إلى تعاليم الدين، وفيها تجري عقود الزواج والصلاة على الأموات، وكانت الزاوية أيضا ملجأ الغريب ومأمن الخائف، سيما في المناطق النائية حيث القوافل والمنقطعون (1).
قوة الزاوية السنوسية ومركزيتها شهدت لها كل الكتابات المعاصرة. ومنها ما بالغ ربما في عدد الأتباع، فقد قال دوفيرييه سنة 1861 أن أتباع السنوسية قد بلغوا حوالي مليون ونصف، بينما قال لويس فينيون سنة 1887 أنهم ثلاثة ملايين (2). وهذا الرقم يدفع أصحابه الضرائب ويطيعون الشيخ ويدربون على السلاح، ويتبعون تعاليم السنوسية القائلة بأن الدين كله لله،
= والسنة لكن يأمرون الناس بأخذ الورد، وطالبوهم بالرجوع إلى التعاليم المالكية، الخ.
(1)
شكيب أرسلان (حاضر). مرجع سابق، 1/ 297.
(2)
لويس فينيون (فرنسا في شمال إفريقيا). باريس، 1887، ص 219 - 221. وهو رقم مبالغ فيه.
وأن التابع لا يطيع إلا سلطة رئيس واحد (إمام). رئيس دولة مسلم، يجمع بين السلطة الزمنية والدينية، وهذا الرئيس (الإمام) يفقد كل حق له على رعاياه إن تخلي عن العمل بأحكام الدين، كما تحددها الطريقة السنوسية، ويصبح من الواجب الثورة على هذا الرئيس أو الإمام، ويقولون في مبالغة واضحة أن السنوسية تحرم التجارة والتعامل مع غير المسلمين، بل وتحرم حتى الحديث معهم أو تحيتهم (1). وهو قول يهدف إلى تخويف الغربيين من السنوسية، فهؤلاء يرونها خطرا ليس على الأروبيين فحسب بل على الخلافة في إسطانبول أيضا، لأن السنوسية تؤمن (بطرد) السلطان الخارج عن الدين، ولكن لماذا يخرج السلطان عن الدين قبل كل شيء؟.
وقد وصفت النصوص المعاصرة واحة جغبوب بأنها كانت محسنة ولها أربعة أبواب وتضم بين ستة وسبعة آلاف ساكن، وزاويتها عجيبة الشكل لبنائها بالرخام المزين، وحولها محطات للقوافل العابرة، وفي الزاوية ضريح الشيخ السنوسي نفسه مغطى بأغطية ثمينة، ويقيم في الزاوية حوالى 400 شخص من شتى أنحاء العالم الإسلامي، ولهم منازل خاصة، ومعظمهم عزاب، والعزاب هم طلبة يخضعون لانضباط قاس، وفي الزاوية حوالي مائة زنجي يخدمونها من الداخل، وتسقى الواحة بثلاث عشرة بئرا، وكل الأشخاص مسلحون فيها، لأن الدفاع عنها ضروري، وفي الزاوية حوالي 400 بندقية و 200 سيف، هذا في الحياة اليومية، أما في الاحتياط فهناك أسلحة تكفي 3، 000 شخص، وفي الزاوية غرف مليئة بالبارود والرصاص، وحوالي 15 مدفعا، وفي جغبوب صناع، لمختلف الحرف، منها صنع الأسلحة، وهناك بريد منتظم عن طريق الخيول والمهاري، يتجه إلى مختلف الاتجاهات من مصر إلى برقة إلى فزان إلى طرابلس إلى وداي، إلخ. كان لهم نظام شرطة محكم، ودار للضيافة ينزل بها الغرباء، ولهم أسلوب حكيم لمعرفة هوية الغريب قبل أن يواصل مسيرته، وفي سنة 1884 كان عدد زوايا السنوسية قد وصل إلى أكثر من مائة زاوية في مساحة تمتد من الجزيرة العربية إلى إفريقية، وكل
(1) نفس المصدر.
زاوية تخضع لنفس النظام، فلها أيضا شيخها ووكيلها ورقابها، وطلبتها وخدمها، ومدريستها ودروسها الوعظية والدينية، والسلطات العثمانية تعفي الزوايا من دفع الضرائب (1).
وتسمى السنوسية بالطريقة المحمدية وأتباعها يدعون الإخوان مثل معظم الطرق الأخرى، ولكنها تستوعب عددا كبيرا من الأتباع نظرا لعدم قيودها أو شروطها كما لاحظنا، وقد ذكر بعضهم أن حوالي عشر طرق منتشرة في الجزائر وتونس لها أتباع في السنوسية وتخضع لتعاليمها، وقد اتهمت حتى التجانية بأنها ضالعة في هذا التيار، وعلق لويس فينيون بأنه إذا صح ذلك فعلى فرنسا أن تراجع سياستها إزاء هذه الطريقة - التجانية، أما الشاذلية والدرقاوية والمدنية فبالتأكيد أنها مستوعبة في السنوسية، وقد ذكر فينيون أن أتباع السنوسية مستعدون لتنفيذ الاغتيالات والقيام بالثورات، ثم عدد ما واجهه الفرنسيون من أتباع السنوسية منذ 1852، تاريخ الهجوم على الأغواط من قبل الشريف محمد بن عبد الله صديق السنوسي، وكذلك مبعوثي السنوسي سنوات 1879، 1880، 1881، ووجود شخصيات منها في ثورات أولاد سيدي الشيخ، واغتيال بعثة فلاترز 1881، إلخ، هذا بالنسبة للجزائر، أما بالنسبة لدور السنوسية في تونس والسينغال وغيرهما فهناك قائمة أيضا من الثورات والاغتيالات، حسب لويس فينيون (2).
في عهد المهدي السنوسي أصبح ترتيب الإخوان على درجات، يأتي (المجتهد) في أعلاها، وهو العالم، ثم المجتهد الثاني والثالث، أما الدرجة الرابعة فهي العامة، أولئك الذين لا يعرفون من الدين إلا ما يؤدون به صلاتهم، والدخول في الطريقة لا يكون إلا عن طريق مجتهد من أية درجة، وبالإضافة إلى ما ذكرناه عن سلوكهم العام، فهم أيضا لا يتنازعون فيما
(1) رين، مرجع سابق، ص 506 - 509.
(2)
مرجع سابق، ص 211. وكذلك لاباتو، مرجع سابق، ص 71، كان فينيون يستعمل أسلوب الاستعداء على السنوسية لإثارة الرأي العام الفرنسي ضدها. ولذلك كرر ذكر الاغتيالات والثورات التي كانت السنوسية وراءها في نظره.
بينهم، ولا يلبسون إلا أحسن الثياب، وكانوا يستهلكون الطيب، وخصوصا العنبر، بكميات كبيرة، ويمارسون التسليات، ولا يهزلون إلا بجد، والنظافة من مظاهر الحياة في الزاوية، ولها ثروة كبيرة، ولها رجال بلغوا حد الحماس لها، أمثال الحاج التواتي الذي ذكرناه آنفا، ومحمد البسكري الذي كان يستقبل الأجانب على أنه هو المهدي أو بتفويض منه (1).
وقد اختلفت الآراء حول موقف السنوسية من الحكومة العثمانية، فبعض المصادر تجعلها عدوة لهذه الدولة لانحرافها وتنازلاتها للأروبيين وعدم وفائها بأحكام الدين، ومن ثمة دعوة السنوسية إلى طرد السلطان الجائر والخارج عن الدين، وإلى الإمامة العامة بين المسلمين، أي غير الوراثية، ولذلك يشبهون السنوسية في هذا المجال بالحركة الوهبية (ويكتبها بعضهم الوهابية فيختلط الأمر على غير العارفين). ويعتبرونها حركة خارجية، من أجل ذلك، وهم يستشهدون ببعض التوترات بين السنوسية والعثمانيين كابتعاد السنوسي عن الجبل الأخضر وتأسيس الزاوية في جغبوب، وابتعاد خلفائه أيضا إلى واحة الكفرة وغيرها، ولكن آخرين يذكرون أن السنوسية لم تكن سوى طريقة من الطرق الإسلامية التي تؤيد (الخليفة) المسلم وتعمل على إنجاح حركة الجامعة الإسلامية التي دعا إليها السلطان عبد الحميد، وأنها قد دعت المسلمين إلى الهجرة من كل أرض احتلها (الكفار). واستشهد هؤلاء بإعفاء السلطات العثمانية الطريقة السنوسية وزواياها من دفع الضرائب، وإرسال المبعوثين من السلطان إلى السنوسي بالهدايا ونحوها (2).
وتقرب من السنوسية في القرن الماضي الألمان والإيطاليون أيضا.
(1) يذهب أحد المراجع إلى أن محمد البسكري قد يكون أحد أبناء السنوسي من زوجة تزوجها أثناء مروره بين بوسعادة وبسكرة.
(2)
يذكر لاباتو، أن الحشائشي يقول إن السنوسي يحب الترك (يعني الشيخ محمد بن علي). ولكن لاباتو نفسه يذكر أن السلطان قد أرسل ضابطا كسفير لدى السنوسي مع هدية للتعرف على نواياه، وأن السيد فلاح (؟) كان مستشارا للسلطان عبد الحميد، وهو الآن سنوسي متحمس، انظر لاباتو، مرجع سابق، ص 73 وما بعدها.
فجاء البروسيون سنة 1872 ودعوا المهدي السنوسي إلى إعلان الجهاد ضد فرنسا، حسب رواية الفرنسيين، ولكنه أبى، وحين جاء الرحالة الألماني (رولفس) لمقابلة الشيخ المهدي لم يقابله شخصيا وأرسل إليه الشيخ محمدالبسكري لمقابلته على أنه هو المهدي، وذلك في بئر سالم، أما الأيطاليون فقد جاء الضابط (كامبيريو) إلى برقة سنة 1881 على أنه مستكشف وحاول أن يجر السنوسية إلى إعلان الجهاد ضد فرنسا في تونس، فلم ينجح في مهمته، كذلك لم تفعل السنوسية شيئا إزاء ثورة عرابي بمصر (1). أما ثورة المهدي السوداني فقد أشيع أنها تلقت تأييد السنوسية، ولعل ذلك راجع إلى العلاقة بين هذه الطريقة والطريقة الميرغنية.
وقد اعتبر الفرنسيون السنوسية خطرا عليهم، ابتداء من دوفيرييه إلى لاباتو (1911). ولكن درجات الخطر تختلف من كاتب إلى آخر، ويقول رين إن الفرنسيين أخذوا يهتمون بالسنوسية منذ 1855، إثر زيارة السنوسي للجريد (2). ولكن أول من لفت الأنظار إلى (خطر) السنوسية هو دوفيرييه الذي ألف كتابه بين 1859 (تاريخ وفاة محمد بن علي السنوسي) و 1864 تاريخ نشر الكتاب على نفقة الجمعية الجغرافية الباريسية، فقد تجول بالصحراء ونزل بغدامس وعبر بلاد الطوارق، وتحسس أثر السنوسية وغيرها من الطرق، وجمع وثائق هامة عن المنطقة في عاداتها ورسومها ولغتها ومجتمعها وعلاقتها، وأصدر أحكاما اتهامية ضد السنوسية لأغراض يقول البعض إنها تخدم تيارات معينة في فرنسا، وكان يظهر السنوسية كأنها جرثومة أو مرض معد يجب الحذر منه، وقد رأينا كيف صور شخصية الحاج التواتي ودوره، ويقول هذا المصدر إن إيطاليا قد أخذت فيما بعد برأي
(1) رين، مرجع سابق، ص 496. ولرين رأي آخر في موقف السنوسية من ثوره المهدي السوداني، كما له تحليل لموقفها من ثورة عرابي، انظره.
(2)
رين، مرجع سابق، ص 498، لا ندري من هو السنوسي الذي زار الجريد عندئذ لتدشين إحدى الزوايا، وجاءت الأخبار إلى الفرنسيين بأنه شريف يدعو إلى الجهاد. ولا نظن أنه هو الشيخ محمد بن علي السنوسي نفسه، ولعله أحد مقدميه.
دوفيرييه في تعاملها مع السنوسية.
ولرين ولوشاتلييه موقف مشابه، فقد كان رين رجلا معاديا للدين عموما. وكان يرى الدين خطرا على الفرنسيين فما بالك على الشعوب التي يسميها المنهزمة (المحتلة). فالدين يصبح هنا أشد خطرا في نظره، وقد درس رين الطرق الدينية عموما، لكنه يتفق مع زميله دوفيرييه بالنسبة للخطر السياسي الذي يكمن في السنوسية، وقد ذكرنا أنه لا يرى السنوسية طريقة مجددة ولا مصلحة، خلافا لزميله، كما يتفق معه في أهميتها، أما خطرها فهو مبالغ فيه عنده، ويذهب رين إلى أن السنوسية حركة لها أهمية قومية وإسلامية وثيوقراطية، أما لوشاتلييه (1) فقريب من رأي دوفيرييه حول السنوسية، فهو يقر بخطرها ويعطيها حجما كبيرا في عمله، واعتبرها مسيطرة على شؤون الإسلام في ذلك العهد، وكان لوشاتلييه رئيسا للمكتب العربي في ورقلة، ونتيجة لذلك ألفط كتابا (مونوغرافيا) حول الموضوع، ثم واصل عمله في الحجاز نفسه، وقال إن للسنوسية تأثيرا كبيرا في الحجاز، وهي قادرة على إعلان الجهاد، وقال إن الحجاز تحت تأثير إمامة جغبوب، وتنبأ أن الجهاد ستعلنه السنوسية في الحجاز كما أعلنته الوهابية في نجد، وهو تنبؤ كان في غير محله طبعا.
أما دراسة ديبون وكوبولاني عن السنوسية فكانت أكثر اعتدالا نحوها. وقد نظرا إلى أن الطرق الصوفية مبالغ في دورها، والسنوسية في الحقيقة طريقة مستوحاة من الواقع، ورأيا أن تأثير السنوسية جغرافيا مبالغ فيه وكذلك في عدائها للمسيحيين الذي لا يختلف عن موقف المسلمين الآخرين، وكلاهما يقول برأي رين في أن السنوسي (مرابط). وأنه ولي له أصالة وإنما دعا إلى الرجوع إلى السلفية (2). وقد رأيا أيضا عدم نسبة الاغتيالات التي وقعت
(1) نشر كتابه (الطرق الإسلامية في الحجاز) سنة 1887، أما رين فقد ذكرنا أن كتابه صدر سنة 1884.
(2)
هذه الآراء حول الكتابات الفرنسية عن السنوسية والطرق الصوفية وردت في بحث جياني البيرقوني G.Albergoni، بعنوان (تنويعات إيطالية عن موضوع فرنسي: =