الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المصدر الذي أورد الخبر (1).
وعند نشوب الحرب العالمية الأولى ولجوء فرنسا إلى الطرق الصوفية لتحصل منها على التأييد المعنوي والسياسي، كتب ممثل الطريقة الطيبية في وهران نداء إلى أتباعه حثهم فيه على حب فرنسا وقال إن الله قد وضع غشاوة على عيني دولة تركيا، واعتبر الأتراك لئاما لأنهم أنكروا خير فرنسا عليهم، (واللئيم لا يربح). ودعا على ألمانيا بالدمار، كما دعا لفرنسا بالانتصار، ويهمنا أن موقع هذا النداء هو أحمد بن الحسين بن إبراهيم الشريفي، شيخ الطريقة الطيبية في وهران (2).
ومن أبرز شيوخ الطيبية في فترة ما بين الحربين الهاشمي بن بكار الذي تولى عدة وظائف دينية في ناحية معسكر، وكان من المدافعين المتحمسين عن رجال الطرق الصوفية، ومنها الطيبية، معتبرا موقفهم هو السليم بينما اعتبر موقف المصلحين فسادا وتطرفا.
الطريقة الشيخية
وتنسب الشيخية إلى (سيدي الشيخ). وهو عبد القادر بوسماحة، دفين البيض، وكانت وفاته سنة 1023 (1615). وأصولها الصوفية ترجع إلى عدة طرق منها القادرية والشاذلية والطيبية والصديقية والبكرية، وكان مؤسسها قادري الطريقة إلا أنه أصبح مقدما للشاذلية على يد محمد بن عبد الرحمن السهيلي، وأوصى أولاده عند وفاته باتباع تعاليم الشاذلية، وقد ذكرنا أن معظم الطرق الصوفية تأخذ من بعضها البعض، وأن الأتباع يمكنهم أن يجمعوا بين عدة طرق في نفس الوقت، إلا أتباع التجانية فإن من شروط دخولهم فيها عدم جمعهم بينها وبين طريقة أخرى، حسب المشهور عنها، وقد أخذ الشيخ عبد القادر بوسماحة الطريقة الشاذلية عن السهيلي، كما ذكرنا، وأخذ هذا عن
(1)(التقويم الجزائري) للشيخ محمود كحول، سنة 1912.
(2)
مجلة العالم الإسلامي، ديسمبر 1914، ص 234،
أحمد بن يوسف الملياني، إلى آخر السلسلة، المعروفة بسلسلة البركة، وقد ترك بوسماحة (سيدي الشيخ) ثمانية عشر ولدا وأوصاهم باتباع الطريقة الشاذلية، وهذه هي السلسلة: سليمان بن بوسماحة إلى ابنه محمد، إلى حفيده عبد القادر (سيدي الشيخ). إلى الحاج بوحفص، والحاج عبد الحكيم، إلى ابن الدين، إلى العربي، إلى بو بكر مولى الجماعة، إلى النعيمي، إلى بو بكر الصغير، إلى حمزة، إلى بو بكر، إلى حمزة (المولود سنة 1859) وهو الذي كان متوليا لوظيفة آغا جبال عمور والمتزوج من فرنسية، وقد ورث السلسلة معه إخوته: سليمان ومحمد وأحمد وقدور (صاحب اتفاق 1892 مع الفرنسيين) وابن أخيه العربي الذي ورث من أبيه البركة أيضا.
أما السلسلة الذهبية أو النسبية فأولاد سيدي الشيخ يرجعون إلى أبي بكر الصديق، حسب الشائع عنهم، ويذهب أحد الكتاب الفرنسيين الذي تعرف عليهم مبكرا (سنة 1859) أنهم يرجعون إلى الأشراف، أي من نسل فاطمة والإمام علي (1). لكن الشائع، كما قلنا إنهم صديقيون، ويذهب (رين) إلى أن السلسله تمتد إلى الخليفة أبي بكر عن طريق ابنه محمد عن طريق سلمان (ويكتبه سليمان) الفارسي، وقد نزحوا من مكة بعد طردهم من الجزيرة العربية في وقت غير معروف، لأسباب سياسية - دينية، ويذهب (دوفيرييه) إلى أن نزوحهم كان من تونس، وأن جدهم كان غاضبا لأسباب عائلية، فذهب إلى الصحراء واستقر بالبيض بعيدا عن الخلق، وأسس فيه زاويته المعروفة، وتوارث أبناؤه تراثه في آخر أيام دولة بني زيان واحتلال الإسبان لوهران، ثم أوائل العهد العثماني، وكان الشيخ مقدما للقادرية - الشاذلية، كما عرفنا.
ومن السلسلتين والوضع السياسي والاجتماعي يظهر أن عائلة سيدي الشيخ كانت وارثة لمجد ديني ومجد نسبي، وقد جلب إليها ذلك مكانة
(1) هنري دوفيرييه (اكتشاف الصحراء). باريس، 1864، ص 315،
مرموقة بين الناس وزادها وضعها الجغرافي المفتوح على الطرق الصحراوية جنوبا والتلية شمالا، أهمية خاصة، فاستغنت بالدين والتصوف وتحكمت بالسياسة والجاه، ولذلك اختلط أمرها على كثير من الدارسين (1). فمنهم من يدرس الشيخية على أنها طريقة دينية فإذا به يكتشف أنها إقطاعية اقتصادية سياسية، واتحادية كبرى من الأعراش والقبائل والنفوذ السياسي (2). ومنهم من يدرسها على أنها (إمارة) وسلطة حاكمة فإذا به يجد نفسه أمام قوة روحية وشخصيات من طراز المرابطين الأولين، ولذلك اختلط تاريخ أولاد سيدي الشيخ الديني بالسياسي، سيما وأنهم من أوائل الطرق الصوفية التي تولت السلطة للفرنسيين، لأن الطرق الأخرى لم تقبل بالوظائف الإدارية إلا بعد تدجينها بالانقسام والتزويج بالفرنسيات والتجسس عليها ونحو ذلك (3). وفي هذا النطاق نجد أن أولاد سيدي الشيخ قد لعبوا أدوارا مزدوجة أيضا، تارة يكونون في مقدمة الثائرين ضد الاحتلال والنظام الفرنسي، وتارة يكونون خدما له وولاة يطبقون الأوامر الإدارية والتعليمات على أفضل ما يكون.
ونحن هنا لن ندرس دورهم السياسي المحض، لأن ذلك مكانه تاريخ الحركة الوطنية، ولكن نشير إلى الجانب الروحي أو الطرقي عندهم وعلاقته
(1) يقول (رين). مرجع سابق، ص 349 وما بعدها: إن الطريقة الشيخية ليست جماعة دينية، ولا طريقة صوفية، ولا جمعية خيرية بالمعنى الحقيقي للكلمة، إنها خليط من تأثيرات مرابطية في أيدي أناس كثيرا ما يكونون منقسمين، لكن لهم أصل واحد، ويضعون سلطتهم الدينية في شكل مزدوج، ولا شك أن ذلك كان عندما سلك الفرنسيون معهم سياسة (فرق تسد).
(2)
سندرس دور أولاد سيدي الشيخ فى الثورات في الجزء الأول من تاريخ الحركة الوطنية، وقد تناول دورهم السياسي كل من بيزي، 1864، وتروملي 1884 Trumelet اهتم بهم بعض الباحثين الأجانب في السنوات الأخيرة، مثل بيتر فان سيفرز P، VenSivers من جامعة يوتا الأميريكية.
(3)
ممن تزوج بفرنسية حمزة بن بوبكر، آغا جبل عمور، واسمها (فيري، Feret). وهي بنت لقائد مشاة فرنسي كان في حالة تقاعد، انظر: هنري قارو، مرجع سابق، ص 174،
بأحداث البلاد، لقد طلب منهم الأمير عبد القادر (وهو ابن طريقة كانوا ينتسبون إليها أصلا) أن ينضموا إليه ويساعدوه على العدو المشترك، فاعتذروا إليه بعزلتهم وفقرهم، فقبل عذرهم وقبل أيضا مشاركتهم الرمزية، أو حيادهم، ولعله قبل ذلك منهم مؤقتا فقط، إلى أن يوحد بقية الأعراش والطرق الصوفية، وقد وجدنا أولاد سيدي الشيخ قد عاونوا الفرنسيين، بل هم الذين ألقوا القبض على محمد بن عبد الله (شريف ورقلة) رغم أنه كان مسنودا بالطريقة السنوسية، وهي ترجع إلى نفس الأصول الصوفية التي يرجعون إليها (1). وهناك تلاقى بينهم وبين الطريقة الطيبية في آخر القرن، بل منذ 1883، في تمهيد الطريق للفرنسيين في الصحراء، وعندما جاء شريف وزان سنة 1891، 1892، لزيارة زواياه ومقدميه في توات والقورارة، وهي تابعة لهم إداريا، كانوا على رأس الموكب (القوم) الذي استقبله، كما التقى زعيمهم قدور بن حمزة بالحاكم العام، جول كامبون سنة 1892، في المنيعة لنفس الغرض، إن هذه المواقف تجعل أولاد سيدي الشيخ أداة في يد السياسة الفرنسية، وتجعلهم يظهرون كأنهم أناس لا (سياسة) لهم ولا برنامج، تمزقهم الخلافات العائلية والأطماع الفردية، وتتحكم فيهم الظروف المفروضة عليهم من الخارج، كما تفعل الآن بالساسة العرب في المشرق والمغرب، لقد كان أولاد سيدي الشيخ يثورون بدون برنامج، ويتراجعون بدودن نتيجة، رغم مكانتهم الكبيرة التي استغلها العدو لصالحه، وثقافتهم الروحية، ووزنهم السياسي والجغرافي.
(1) مدح (دوفيرييه) الخليفة حمزة الذي كان المتولى عندئذ باسم فرنسا على الجنوب الوهراني كله، على تهدئة كل القبائل التابعة للشيخية من حيث الطريقة، من حدود المغرب الأقصى إلى ورقلة والمنيعة، وكان حمزة هو الذي كتب إلى أعيان المنيعة يطلب منهم عدم التعرض لدوفيرييه وحسن معاملته، فلم يؤذوه ولكنهم لم يستضيفوه، فخاف منهم وانسحب، وسي حمزة هو الذي احتل المنيعة باسم فرنسا سنة 1861، بأمر من الحاكم العام، وابنه بوبكر هو الذي ألقى القبض على محمد بن عبد الله (شريف ورقلة) وسلمه للفرنسيين، انظر دوفيرليه، مرجع سابق، ص 315،
جد أولاد سيدي الشيخ الأول يسمى معمر بن سليمان العالية، وهو دفين الأربعاء التحتاني، وأولاده مدفونون إلى جانبه، وقد جاء من مكة على رواية أو من تونس على رواية أخرى، وتناسلت منه العائلة إلى أن وصلت إلى عبد القادر بوسماحة، كما ذكرنا، وهذا هو الذي تفرعت منه فروع لكثرة أولاده، ومنهم من سكن التلول والمدن، ومنهم من استوطن المغرب الأقصى، ومنهم من بقي في المنطقة حول قبور الآباء والأجداد، وقد اهتموا بالحياة الدينية والدينيوة معا، فكانوا من نبلاء الدين (أشراف على رواية) ومن نبلاء السيف أيضا، وقد نشروا طريقتهم الدينية على طريق سلطتهم السياسية، فهم بحكم وظائفهم الإدارية أو الزمنية جلبوا العبيد والخدم، ثم حرروهم وجعلوهم يقومون بشؤون الدين والزوايا، ويقول بعض الباحثين إن دورهم الديني يتضاءل كلما سكنوا المدن وكذلك يضعف وزنهم السياسي، ولذلك فإن مكانتهم الحقيقية تكمن في عزلتهم واحتفاظهم بأصالتهم الدينية والسيفية، أو كما عبر عنه البعض: إن قوتهم تكمن في بداوتهم، وقد اختار بعضهم طرقا صوفية أخرى، بعد هذا التطور، مثل سليمان بن قدور الذي دخل في الطيبية وأصبح تابعا لزاوية وزان.
من فروع أولاد سيدي الشيخ الدينية ما سماه بعضهم (بالعمامية) نسبة إلى الشيخ بوعمامة، الثائر المشهور، وهو محمد بن العربي من ذرية سيدي التاج، أحد أبناء عبد القادر بوسماحة (سيدي الشيخ). والده (العربي) مدفون بفجيج بالقصر المعروف بالحمام الفوقاني.
وقد تثقف محمد بن العربي - بوعمامة - ثقافة دينية ولغوية في جهته، (الحمام الفوقاني). ودرس على شيخ يدعى محمد بن عبد الرحمن، أحد مقدمي سيدي الشيخ، وأصبح سنة 1875 مقدما في الموقار، وكان يعطي ورد الطريقة الشيخية، واشتهر أمره وجاءته الزيارات وأصبح في أعين الناس من أهل الكرامة والولاية، وقد ساعد على هروب أحد أفراد العائلة، وهو حمزة بن بوبكر سنة 1878، ثم أعلن الثورة المعروفة سنة 1881 لظروف
ليس هنا محل ذكرها، ولكن الفرنسيين يقولون إن الثورة كانت بدافع التعصب الديني، وقد حاول بوعمامة توحيد أولاد سيدي الشيخ المتفرقين بطريق الروابط الروحية والعائلية، وقال المعاصرون إنه جاء (بمذهب جديد). وأنه رجل يقظ وحذر، وأنه حاول الاستفادة من الانقسام الموجود في العائلة لصالحه، وذلك بإنشاء قيادة واحدة، ولكن الفرنسيين كان لا يرضيهم ذلك، سيما وأن الفترة (الثمانينات) كانت هي الفترة التي أخذوا فيها يسعون بين الطرق كلها حتى لا تتوحد ولا تصبح خطرا يهدد مصالحهم، ومهما كان الأمر فإن محاولة بوعمامة أن يكون هو (خليفة) سيدي الشيخ مباشرة، لم تنجح، ولكن أصحابه أعلنوا أنه أصبح قطبا، وأجاز هو لأصحابه أن يجمعوا بين طريقته وطريقة أخرى، وكان له ذكر يعطيه لأتباعه قال إن سيدي الشيخ أعطاه إياه بالرؤية والمكاشفة (1). وقد نجح الفرنسيون في عزل أولاد سيدي الشيخ الآخرين من الانضمام لثورته، رغم أنه منهم، واتهموا بوعمامة بأنه كان يقلد الشيخ السنوسي في عدائه (للنصارى).
وللشيخية الأذكار الشاذلية التي يتلقاها الأتباع ويرددونها في أوقات معينة بعد دخولهم للطريقة، وهم يضيفون إلى ذلك قراءة الفاتحة ثلاث مرات بعد كل صلاة من الصلوات الخمس، وهذه الأذكار يعلمها شيوخ الزوايا الشيخية الذين هم من العبيد العتقاء والذين يتوارثون في أولادهم إدارة هذه الزوايا، وإعطاء الأوراد والأذكار، سواء كانوا من الشراقة أو من الغرابة (الزوة). أما الذكر الذي نسب لبوعمامة فهو التشهد والاستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في أوقات معينة أثناء الصلوات الخمس، وله أيضا دعاء (يا لطيف) ألف مرة، وعبارة (لا إله إلا الله، بو عمامة ضيف الله) تردد عدة مرات في اليوم، وكذلك عبارة (لا إله إلا الله، بوعمامة ولي الله)(2). ومن عادة
(1) ديبون وكوبولاني، مرجع سابق، ص 477، والمترجم العسكري في جيريفيل (مارتن) هو الذي اعتبر بوعمامة مؤسسا لطريقة خاصة، عنه انظر أيضا عبد الحميد زوزو (نصوص سياسية). الجزائر، 1988، ص 85، 137.
(2)
ديبون وكوبولاني، مرجع سابق، ص 478،
الشيخية أن التابع إذا جاء لتقديم الزيارة يأخذ المقدم يده بينما يبدي الزائر رغبته في شؤون الدنيا كرزقه بأولاد بدل بنات، وحصوله على زراعة جيدة، واستمتاعه بصحة سليمة، طالبا من الله ذلك في خشوع وتضرع، كما يقرأ مع المقدم ورد الشاذلية.
ولأولاد سيدي الشيخ تقليد قلما نجده في طرق أخرى، ويسمى الغفارة، والغفارة تقديم حيوانات وبضائع ونحوها يعينها الشيخ سنويا، وهي في الواقع ضرائب دنيوية اتخذت صفة دينية، ومثالها نعجة على كل خيمة أو ناقة، وكيس من القمح أو التمر، حسب ما يفرضه الشيخ على كل تابع، وبناء على تقرير لأحد الضباط المراقبين لهذه الأعمال (1) أن غفارة أولاد سيدي الشيخ تتألف مما يلي: ربع الحوارات (وليد الناقة) المولودة في نفس العام مفروضة على بعض القبائل، و 2000 شاه على قبائل أخرى، واثنا عشر برنوسا، وغير ذلك من البضائع، إضافة إلى 1، 500 فرنك مفروضة على شعانبة البرازنة، وهذه الغفارة السنوية تقسم بين الفروع كما يلي: 103 من الشياه إلى الدين وقدور بن حمزة، و 30 جملا إلى أولاد الحاج بو حفص، و 100 شاه، مع منسوجات قطنية وسكر وقهوة وغيرها من المواد الغذائية إلى أولاد الحاج الدين، و 1، 500 فرنك سنويا إلى بوعمامة.
ويذهب البعض إلى أن هذه المداخيل من الغفارة ومن الزيارات المالية هي التي أدت إلى استقلال فروع الطريقة الشيخية والانقسامات العائلية بهدف جمع المال والبضائع من الأتباع، كل على طريقته الخاصة (2). أما السلطات
(1) اسمه ديدييه، قائد دائرة غرداية، في آخر القرن الماضي، وكان ديدييه قد عمل في الشؤون الأهلية في بوسعادة والميلية وتيزي وزو، والشلف وغيرها، إلى أن شارك في الحملة ضد تونس، ثم عين على غرداية حيث ظل في الثمانينات ونصف التسعينات (تقاعد 1895). انظر بيرونيه (الكتاب الذهبي). 2/ 381، وعن الغفارة انظر الميلي (رسالة الشرك). ص 247.
(2)
ديبون وكوبولاني، مرجع سابق، ص 244 - 245، عن الغفارة انظر أيضا (رين). مرجع سابق، ص 362 - 368، وهذا المصدر يفصلها،
الفرنسية فلها موقف من هذه الغفارات والزيارات، سنعرض له عند الحديث عن تمويل الطرق الصوفية ومداخيلها، ونكتفي هنا بالقول بأنها كانت تملك وسيلة الضغط فمن ترضى عنه من الطرق تتغاضى عليه، وربما تشجعه على جمع المداخيل من الزيارات والغفارات، ومن تسخط عليه تمنعها عنه، فيفتقر، وما عليه إلا أن يستسلم أو ينقرض (1).
لأولاد سيدي الشيخ ثلاث زوايا رئيسية، اثنتان في الناحية الشرقية (الشراقة). وواحدة غربية (الغرابة). وتسمى الأولى الزاوية الأم أو زاوية سيدي الشيخ بالبيض، والثانية زاوية الحاج بوحفص، أما الثالثة فهي زاوية الحاج عبد الحكيم، ولكل زاوية مديرون أو مسيرون، وهم يجمعون حقوق الزيارات، وقال بعض الباحثين إن من لم يدفع ليس له حق في زيارة ضريح الشيخ، ولا شك أن الثورات العديدة قد أثرت على المداخيل وعلى الرؤساء أيضا، ويكفي أن نعرف أن جثمان سيدي الشيخ قد حمل إلى جريفيل بعد أن هدم الجيش الفرنسي زاوية سيدي الشيخ سنة 1881 عقابا لهم على الثورة، ثم شيدت لسيدي الشيخ قبة جديدة بعد اتفاق 1883، ونقل إليها الجثمان، أما عدد الأتباع فهو بالنسبة للطرق الأخرى كثير، لأن أتباع الشيخية ليسوا دينيين فحسب ولكن رعايا سياسيين أيضا، وقد عرفنا أن سلطة أولاد سيدي الشيخ في الزمن الأول - الأربعينات والخمسينات - كانت تمتد من حدود المغرب إلى المنيعة وورقلة، ولكن منذ الستينات أصابهم ما أصاب كل القيادات الجزائرية من تقليص وتحجيم وتقسيم، ونحن يهمنا الآن (الإخوان) أو الأتباع الدينيون لهذه الطريقة، ويذكر إحصاء سنة 1882 أن لهم 2، 780 من الأتباع، و 39 مقدما، وخمس زوايا، بينما ذكر لهم إحصاء سنة 1897 عددا أكثر من الأتباع وعددا أقل من الزوايا، فالأتباع، 10، 216
(1) الحقيقة أن التدهور كان باديا على الطريقة الشيخية منذ الستينات، وهذا ما لاحظه (دوفيرييه) لأن أولاد سيدي الشيخ اشتغلوا بالدنيا والمناصب وأهملوا زواياهم، فأصابها التدهور، وقد أدت الثورات التي كان يقوم بها أولاد سيدي الشيخ إلى تحطيم الزاوية الأم سنة 1881 على يد الضابط (نقرييه). كما أشرنا،
إخوانيا، ولهم أربع زوايا، و 45 مقدما، وقد أكد إحصاء 1906 هذا الإحصاء الأخير (1).
أشرنا عدة مرات إلى اتفاق 1883 واتفاق 1892 بين زعماء أولاد سيدي الشيخ والسلطات الفرنسية، أما الأول فقد جاء على أثر ثورة بوعمامة (الغرابة). ومحاولة فرنسا فصل العائلة عن بعضها وفصل الطريقة الواحدة إلى فرعين متنافسين، وكان الفرع الشرقي بقيادة أولاد حمزة هو الثائر في عدة مرات، سيما ثورة 1864 التي دامت فترة طويلة وأدت إلى تحطيم ما كان للطريقة والاتحادية من قوة وسلطان، وكان هذا الاتفاق يعني عزل بوعمامة، وتمهيد الطريق لفرنسا لاستعادة نشاطها في الصحراء (2) بعد أن توقف منذ بعثة دوفيرييه، ومقتل بعثة فلا ترز على يد الشعانبة الموالين لبوعمامة.
أما اتفاق 1892 فهو أهم وأخطر من سابقه، ففي الوقت الذي كان فيه زعيم الطريقة الطيبية، شريف وزان، يزور الجنوب الغربي (ليتفقد) زواياه ويجمع حقوق الزيارات المسموح بها من قبل فرنسا، كان الحاكم العام جول كامبون - يلتقي في المنيعة بقدوربن حمزة الذي كان ثائرا ثم غاضبا ولاجئا بضع سنوات، وقد أعلنت وسائل الإعلام الفرنسية أن قدور بن حمزة سلم حصانه إلى كامبون رمزا للطاعة والرجوع عما كان عليه، وكأننا هنا أمام مشهد سنة 1847 حين سلم الأمير عبد القادر حصانه إلى الدوق دومال في الغزوات، ولكن هذه الوسائل أضافت أن قدور بن حمزة قد حى العلم الفرنسي الذي حياه جده في ورقلة عندما كان خليفة عليها، فالمسألة هنا ليست مجرد إعلان للطاعة ولكن تقليد للآباء والأجداد أيضا، ومن جهتها اعترفت فرنسا بقدور بن حمزة كتابع إقطاعي لها، بعد أن كان عاقا لها وناقمة عليه، وقد امتدح المستشرق (ماسكري) أستاذ مدرسة الجزائر العليا، طريقة كامبون في التعامل مع (الأهالي) إذ خرج كامبون من قصر مصطفى باشا ومن
(1) انظر رين، مرجع سابق، 368، وديبون وكوبولاني، مرجع سابق، ص 475، وقارو، مرجع سابق، 174.
(2)
لويس فينيون (فرنسا في شمال إفريقية). باريس 1887، ص 214،