الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما الكتاب الذي سماه (النهج السوي في الفقه الفرنسوي) فسنعرض إليه في جزء آخر.
ومن عائلة بريهمات أيضا زروق ابن أحمد، حفيد حسن بريهمات. ولد أيضا بالعاصمة. ودرس الطب وتخرج منه بدرجة الدكتوراه. وكان مزدوج الثقافة أيضا. ولا ندري إذا كان فكره مثل فكر عمه عمر أو كان يختلف عنه. وكان زروق قد نشر عدة مقالات في (كوكب إفريقية) 1908، حول علم الصحة، وهي موجهة إلى الجزائريين. وكان زروق عضوا في الجمعية الرشيدية. وقالت عنه مجلة العالم الإسلامي إنه كان يتبع تقاليد أسرته (1).
قضية تدوين الفقه الإسلامي
اهتم علماء المسلمين منذ القديم بتقريب المذاهب الفقهية من بعضها البعض، وتدوين الأحكام العامة والآراء التي توصلوا إليها خلال عملهم في القضاء ونحوه، وعندنا ما سجله المازوني في (الدرر المكنونة)، والونشريسي في (المعيار)، والفكون في مجموعة فتاويه غير المطبوعة، وقد قام ابن العنابي بوضع كتاب سماه (صيانة الرياسة) جمع فيه ما تتفق فيه المذاهب الأربعة ليعمل به القضاة وتقل المنازعات بين الناس.
وكان المختصر للشيخ خليل بن إسحاق هو عمدة المذهب المالكي في الجزائر في العقود المتأخرة، وهو متن مركز وعليه شروح عديدة أشهرها شرح الخرشي، وقد عرفنا أن تدريس متن خليل وشروحه قد شاعت في القرن الثاني عشر للهجرة في زواوة أكثر من غيرها بعد أن أدخله إليها الشيخ
= الاحتلال اسم (الفتح) وذكر أن الجزائريين كانوا يسفكون دماء بعضهم بعضا قبل الاحتلال، وهي المقولة التي ملأ الفرنسيون بها عقول تلاميذهم الجزائريين حتى انطلت عليهم المؤامرة، وصدق الذين قاطعوا المدرسة الفرنسية ما دامت لا تخرج إلا هذا النوع من التفكير المسموم.
(1)
انظر مجلة العالم الإسلامي، ابريل 1909، ص 444، وعن الجمعيات انظر فصل المنشآت الثقافية.
الحسين بن أعراب، ولكن مذهب الإمام مالك كانت له متونه وشروحه قبل ذلك، ومن أشهرها تحفة الحكام لابن عاصم، والمدونة لسحنون، والمختصر لابن الحاجب، والرسا لة للقيرواني.
ومنذ الاحتلال الفرنسي للجزائر أبقت الإدارة الفرنسية على هذه المصادر الفقهية، وأبقت القضاء الإسلامي على ما هو عليه في المرحلة الأولى، أي خلال العشرية 1830 - 1840، بينما نشأت محاكم فرنسية عسكرية ومدنية موازية، أخذت تنتزع بالتدرج صلاحيات المحاكم الإسلامية، إلى أن لم يبق للمحاكم الأخيرة سوى قضية النكاح والطلاق، وخلال ذلك قام علماء الفرنسيين بالاطلاع على مصادر الفقه الإسلامي، وترجموا نصوصها إلى الفرنسية، وكان على رأسها متن الشيخ خليل (المختصر). وكان المستشرقون يساعدون رجال الحكم على التعرف على المصادر الكبرى للتشريع الإسلامي بالترجمة الكاملة أو الجزئية، والتعريف بأكابر فقهاء المسلمين وارائهم.
وكانت المدارس الشرعية - الفرنسية الثلاث التي أنشأتها الإدارة الفرنسية بالجزائر تهتم بالفقه بالدرجة الأولى، لأن مهمتها هي تخريج القضاة المسلمين الذين تحتاجهم الإدارة، ولكن هذه الدراسات لم تكن قوية متجددة مع الزمن، ولها مدرستها الفكرية ومجتهدوها، وإنما كانت تعتمد على مختصرات المؤلفات التي ذكرناها، وعلى تقليدها دون تعمق في محتواها ولا في لغتها، وخلال ذلك كانت الجزائر تفقد بقية علمائها دون أن تعوضهم بأمثالهم أو بمن هو أفضل منهم، إلى أن تجمدت الدراسات الفقهية وأصبحت عبارة عن اجترار القواعد دون فهمها وتطبيقها، وكانت الإدارة الفرنسية تتفادى توظيف العلماء الجزائريين الذين لم يتخرجوا من مدارسها الثلاث المذكورة خشية أن يكونوا حاملين معهم بذور التشويش الديني والسياسي، ولا سيما أولئك الذين درسوا في المعاهد الإسلامية خارج الجزائر، فكان معظم هؤلاء لا يرجعون إلى وطنهم لوجود الفرنسيين فيه ولعدم إمكانية التوظف، فإذا أضيف إلى ذلك غزو القضاء الفرنسي للفقه
الإسلامي في المحاكم، والغزو الثقافي العام، أدركنا إلى أي مدى تخلفت الدراسات الفقهية في الجزائر بحلول القرن الحالي.
وقد كان في إمكان الإدارة الفرنسية السعي إلى تدوين الفقه الإسلامي وأحكامه في وقت مبكر، أي قبل الاعتداء على الشريعة الإسلامية وانتزاع كل أنواع المعاملات والجنايات من أيدي القضاة المسلمين، وكانت الدولة العثمانية فعلت ذلك خلال القرن الماضي، وكذلك تونس (1) ومصر، دون ضجة كبيرة ودون أن تتأثر مسيرة تطبيق القوانين الشرعية، ولكن الفرنسيين لم يشرعوا في العمل على تدوين الفقه الإسلامي إلا حوالي 1904 - 1905، أي حين قرروا فصل الدين عن الدولة في بلادهم وحين لم يبق للقضاة المسلمين غير صلاحية الحكم في النكاح والطلاق، وقد صدقت (مجلة العالم الإسلامي)(2) حين انتقدت بشدة هذه الخطوة التي جاءت متأخرة، بل جاءت بعد سلسلة من الإجراءات التي تهدف إلى مسخ الإسلام في الجزائر وجعله (إسلاما فرنسيا) على مقاس المستوطين والحكام، وقد ثبت أن نية علماء الاستعمار الفرنسي لم تكن تقريب المذاهب الإسلامية وتفادي الخلافات وإنما كانت نيتهم هي دمج ما بقي من اختصاص المحاكم الإسلامية في القانون الفرنسي، ونحن نعلم أنه في هذه الفترة كثر الحديث عن الزواج المختلط والدمج الحضاري عن طريقه وعن طريق المدرسة والتشريعات، ويظهر أن فكرة تدوين الفقه غير جديدة، فقد نوقشت منذ 1865، ثم في أوقات مختلفة بعد ذلك، ولكن المكي بن باديس قد استبعدها (3).
(1) عن تدوين الفقه التجاري والجنائي في تونس انظر مجلة العالم الإسلامي، ابريل، 1911 ص 170 - 178، ويرجع تاريخ المحاولة إلى 1896، وقد ابتدأت لجنة التدوين في تونس بالأحكام المذكورة، اما الأحوال الشخصية والملكية العقارية فقد أجلتها إلى 1910.
(2)
R.M.M، سبتمبر 1910، ص 79 - 80.
(3)
إيميل عمار (مشروع تدوين الشريعة الإسلامية) في (مجلة العالم الإسلامي) R.M.M، أكتوبر 1908، ص 362، عن محاضرة ألقاها أرنست رينان E.Renan في السوربون =
ومنذ 1883 حث أرنست رينان فرنسا أن تأخذ بيد الشعوب الإسلامية نحو التحرر العقلي، وأن تعين مسلمي الجزائر على أن يكونوا على الأقل في مستوى إخوالمهم في الدين في البلدان الأخرى، وهو يعني هنا مصر وتونس والدولة العثمانية، حيث يتقدم الإسلام في المدارس اللائكية، كما قال، وقد قال عن الإسلام بأنه (يمثل الاتحاد بين عالمي الدنيا والآخرة، المادي والروحي، وأنه تحكيم للعقيدة، وأنه السلسلة الأكثر ثقلا والتي لم تحمل الإنسانية مثلها)(1). ويقول إيميل عمار: إن القرآن كتاب غير مترابط ولكنه مثير للإعجاب في نفس الوقت، وقد ظهرت أثناء ذلك دراسات عديدة عن الطرق الصوفية في العالم الإسلامي والجزائر، وعن (الإسلام الجزائري) كما سماه ادمون دوتيه، وعن الحركات الإسلامية وأثرها على الرأي العام في الجزائر، ولذلك فإن الحديث عن تدوين الفقه الإسلامي في فاتح هذا القرن لم يكن معزولا عما ذكرنا من الآراء المنتقدة للإسلام.
ثم اهتم نواب الكولون في المجلس المالي بفكرة التدوين ظنا منهم أن الشريعة تقف حجر عثرة في وجه المعاملات ولا سيما مسألة الأرض، واهتم بالتدوين المستشرقون الذين تولوا المحاكم وأشرفوا على المدارس الثلاث ومدرسة (كلية) الحقوق وإدارة الشؤون الأهلية، وكان بعضهم يؤمن بأن تدوين الفقه سيفتح المجال امام عقلنة الشريعة وجعلها تواكب العصر وحاجات فرنسا في المغرب العربي وإفريقية، وعلى رأس هؤلاء أوكتاف هوداس مفتش تعليم المدارس الثلاث، وتدخل أيضا روبير ايستوبلان Estoublon الذي عمل في تونس والجزائر، والذي درس الشريعة الإسلامية، فنصح الحاكم العام جونار بأن تستعين فرنسا بعلماء المغرب وتونس، مما يدل على أنه لا يثق في كفاءة العلماء المتخرجين من المدارس الثلاث، ولكن
= بعنوان (الإسلام والعلم)، يوم 29 مارس 1883.
(1)
كريستلو، (المحاكم)، ص 253.
ايميل لارشي أحد القضاة الفرنسيين عارض تدوين الفقه لأنه رأى فيه خطوة نحو التعريب (1).
أما الجزائريون فقد انقسموا انقساما واضحا حول هذه المسألة، وظهرت آراء مفصلة وأخرى مجملة، وكان بعضها يتجه نحو فكرة التقدم وتسهيل التجنس والعلمانية، وبعضها كان يتجه إلى التخلص من الاختلافات الفقهية التي لا طائل من ورائها والتخلص من الاستئنافات في المحاكم، وهناك من عارض التدوين أصلا وتمسك بالفقه كما هو إما خوفا على مصير الشريعة من الذوبان في القانون الفرنسي تماما، بما في ذلك الأحوال الشخصية، وإما محافظة فقط على التقاليد، فقد أعلن هني بن السائح، وكان قاضيا، أن التدوين سيكون مضيعة للوقت، ومع ذلك عين في لجنة التدوين، ورأى علاوة بن الساسي - أحد القضاة المشتركين في مؤامرة 1881 - أن التدوين خطوة تستحق المدح لأنه يستجيب لشروط التقدم، ووقف محيي الدين بن خدة مثله، وهو أحد قضاة المدية، ونادى بالتدوين القائم على القرآن والسنة والمذاهب الأربعة والمصالح والأعراف، وشاركهم يحيى غرامو، قاضي تيزي وزو حيث كان قضاة الصلح الفرنسيون يستعملون العرف فقط، فطالب بالتدوين وتطبيقه على كل الجزائريين بقطع النظر عن المذاهب والأعراف (2).
كان محرك هذا المشروع هو دومينيك لوسياني الذي عمل طويلا كمدير للشؤون الأهلية (إدارة شؤون الجزائريين) في الحكومة العامة، والذي أصبح منذ 1904 مستشارا لدى هذه الحكومة في نفس الموضوع، ونحن نفهم من ذلك أن مسألة تدوين الفقه الإسلامي عندئذ كانت من إيحائه هو بل من أعماله الصريحة، وقد قيل أيضا إن نواب الكولون في المجلس المالي قد وافقوا على ذلك، وقيل إن الهدف من هذا المشروع ليس فائدة الأوربيين
(1) نفس المصدر، ص 244.
(2)
نفس المصدر، ص 224. وهو رأي أزعج دعاة فصل زواوة عن بقية القطر بتحكيم العرف فيها وليس الشريعة الإسلامية.
(الفرنسيين) ولكن فائدة الأهالي، رغم أن القضاة الفرنسيين سينسقون أحكامهم معه ويجدون فيه ما يساعد أحكامهم، وقد جعل للمشروع عنوان وهو (تدوين الحيثيات والخصوصيات في الشريعة الإسلامية المطبقة على المسلمين في الجزائر). وكلف الأستاذ مارسيل موران M.Morand وهو عندئذ عميد مدرسة الحقوق (كلية فيما بعد) بالجزائر، بإعداد المشروع، ولكن لوسياني هو روح اللجنة التي أنشئت لهذا الغرض (1).
وتألفت اللجنة سنة 1906 من ستة عشر عضوا فرنسيا وخمسة جزائريين فقط، وكان رئيسها هو الأستاذ مارسيل موران، وهذه هي أسماء الجزائريين: علي محيي الدين ومحمد الشريف بن علي الشريف، كلاهما كان نائبا في المجلس المالي، وهني بن السائح، وكان قاضيا ونائبا في المجلس المذكور أيضا، ثم عبد الرزاق الأشرف الذي كان متوليا للقضاء في نقاوس أو بسكرة، وعبد القادر المجاوي الأستاذ الشهير بالقسم العالي بمدرسة الجزائر الشرعية، وكان الأشرف هو الذي يترجم عليه، وفي سنة 1907 أضيف إلى اللجنة عضو سادس وهو مصطفى بن أحمد الشرشالي أحد القضاة السابقين، وكان عندئذ مدرسا للفقه في مدرسة الجزائر الشرعية، وقد قال السيد كريستلو إن مناقشات هذه اللجنة كانت تشبه مناقشات لجنة قاستنبيد سنة 1865، إذ دار نقاش طويل حول رؤية الخاطب لمخطوبته، وهل تظهر المرأة سافرة أو متحجبة، وهل كل المخطوبات سواء أو هناك فرق بين المرأة ذات الجاه والاعتبار والمرأة ذات المستوى الاجتماعي العادي، وتبين لبعض الملاحظين أن مسألة المرأة كانت طبقية بالدرجة الأولى وتمر بالمخططات السياسية والاقتصادية (2).
وقد استفتت اللجنة المسلمين بطريقة سمتها مشاورة، فتحمس البعض للمشروع ورفضه آخرون، وأعلنت إحصاءات القابلين والرافضين، فكانت كما يلي: من بين 224 شخصا وافق على التدوين 132، أما الذين رفضوه
(1) من بين أعضاء اللجنة المستشرق هوداس، والأستاذ ايستو بلان.
(2)
كريستلو (المحاكم). ص 255. انظر أيضا ماسينيون (الحولية). 1954، ص 253.
فهم 92. أي أن هناك أغلبية لصالح التدوين، ولكن المعارضة كانت أيضا قوية، ونعتقد أن الذين استشيروا هم النخبة والقضاة ورجال الدين.
أما بالنسبة للقضاة المسلمين فقد تضاربت الآراء، فقد أعلن تسعة من بين ستة عشر من رؤساء المحاكم أنهم ضد التدوين، كما أعلن 45 قاضيا أنهم ضده بينما وافق عليه 42 من بين 87 قاضيا جرت استشارتهم، هذا عن القضاة المسلمين، أما القضاة الفرنسيون (قضاة الصلح) فقد رجحوا الكفة لصالح التدوين، إذ عبر 73 منهم عن الموافقة بينما لم يرفضه إلا 32 منهم، ومن بين القضاة المسلمين الذين أيدوا المشروع قاضي نقاوس الذي لم يذكر بالاسم وإنما فهمنا نحن أنه هو عبد الرزاق الأشرف، لأنه هو الذي عين هناك عندئذ، وذكر تقرير لوسياني أن هذا القاضي (الأشرف) قد حث على قبول المشروع معتبرا إياه شرفا لفرنسا، لأن مصر وتركيا قد دونتا الفقه أيضا.
أما من غير القضاة فقد أيد المشروع أيضا أبو بكر عبد السلام، وكان هذا قد ولى القضاء بعض الوقت في عمي موسى، بصفته عدلا فقط، قبل أن يصبح مدرسا في مدرسة تلمسان الشرعية - الفرنسية، ويكتسي رأيه طابعا خاصا لأنه هو ابن شعيب بن علي، قاضي تلمسان منذ 1869، وكان شعيب عندئذ ما يزال حيا ومؤثرا ومن ثمة نعتبر رأي الابن هو رأي الأب أيضا، سيما وقد عرفنا أنه رباه ليكون خليفة له، رغم أن هذه القاعدة ليست دائما ثابتة، كتب السيد أبو بكر مقالة بالفرنسية عنوانها (تدوين الفقه الإسلامي) ذكر فيها أن هناك عدة انتقادات لمشروع التدوين، ولكنه يقف إلى جانبه، وقد تعرض في مقاله إلى أصول الشريعة وهي القرآن والسنة والإجماع والقياس والاجتهاد، وأطال في عرضه، وتحدث عن المذاهب الأربعة وأسباب ظهورها، وهو هنا يخاطب الفرنسيين وليس الجزائريين، واستعرض معلومات معروفة بالضرورة حتى لدى الفرنسيين المتخصصين في الموضوع، وأخيرا رفض أبو بكر أطروحة الناقدين الرافضين للتدوين وأيد اللجنة في مشروعها، معتبرا التدوين تجديدا ممتازا
…
فإذا تحقق المشروع فإنه سيكون، في رأيه، مفيدا للقضاة الموظفين لحاجتهم إليه في التعامل مع
المسلمين، ولغير القضاة أيضا من الفقهاء الذين، لولاه، سيجدون أنفسهم مضطرين للتأويل والتفسير (1).
أما الراقضون من غير الجزائريين فأبرزهم كاتب مجهول في مجلة العالم الإسلامي، ولعله هو رئيس تحريرها، المستشرق لوشاتلييه، فقد وصف المشروع باللقيط، والملفق من الفقه الإسلامي والقانون الفرنسي، وقاك إنه محاولة لأسلمة الجزائر من جديد بعد اضطهاد المؤسسات الإسلامية فيها خلال ما يقرب من ثمانين سنة، وقال أيضا: إن الإساءة للمسلمين قد تحققت فلا يجب الرجوع إلى الوراء، وكان يعرض بسياسة جونار في الجزائر عندما قال إننا نزعم أننا نقرب بين الحضارة المغزوة والحضارة الغازية، بدون اندماج، بينما نحتفظ بوضع الرعايا للمغزوين المسلمين، وقد أتينا من قبل على عبارته القوية حين قال: لقد اصطنعنا إسلاما فذا في العالم (في الجزائر). بدون أوقاف، وبمساجد إدارية، وأهل دين ورعين، وقضاة موظفين، وحج بالترخيص (2).
ومهما كان الأمر فقد صدر تقريران، أحدهما لرئيس اللجنة الأستاذ موران، والثاني للوسياني، وانتهت اللجنة إلى صيغة التدوين في الأحوال الشخصية، ولا سيما الزواج (النكاح)، على أساس أن الموافقة قد تمت بشأنه، وقد قلنا إن هناك علاقة بين التدوين والزواج المختلط وكذلك قضية التجنس بالجنسية الفرنسية التي كان قانونها يشترط على المسلم التخلي عن الأحوال الشخصية قبل التمتع بها، ولا ندري ما إذا كان رفض الرافضين للتدوين يرجع إلى هذه العلاقة التي ذكرناها.
أصدر الأستاذ موران (مجلة الأحكام الإسلامية) ودامت فترة قصيرة، وقد ضمت ما توصل إليه من نتائج في الفقه الإسلامي والقانون الفرنسي.
(1) أبو بكر عبد السلام بن علي (تدوين الفقه الإسلامي) في مجلة العالم الإسلامي R.M.M، يوليو - عشت، 1909، ص 446 - 456.
(2)
نفس المصدر، سبتمبر، 1910، ص 79 - 80.
وأخذ القضاة الفرنسيون والمجالس الابتدائية يعملون بما جاء في هذه المجلة، وكذلك حاول بعض القضاة المسلمين تطبيق ما جاء فيها، ولكن المجلة لم تكن ملزمة بل كانت للاستشارة فقط، وبعد حين تبين أنها غير وافية بالأحكام الشرعية، وقيل إن موران خلط فيها بين عدة مذاهب، بالإضافة إلى المذهب المالكي، وتوالت الانتقادات عليها (1).
ورغم عدم الاتفاق على مشروع تدوين الإرث والوقف، فإن موران قد ذكر له المراجع الأساسية أيضا - الفقه الإسلامي - ولكن لوحظ على هذا المشروع أنه خرج عن فقه الإمام مالك ومختصر خليل إلى فقه الإمام أبي حنيفة والإمام الشافعي، وكان على القاضي المسلم، وكذلك القضاة الفرنسيين، إذا طبقوا أحكام الشريعة، أن يواجهوا مشاكل في ذلك (2). أما المذهب الإباضي فالمعول عليه فيه هو كتاب (النيل) تأليف عبد العزيز الثميني وشرح محمد بن يوسف اطفيش عليه. وقد أرسل الشيخ نسخة من شرحه إلى لجنة تدوين الفقه لتهتدي به في المذهب.
وظل الرأي العام غير مستقر في هذا الجانب خلال الحرب العالمية الأولى، ولما تولى موريس فيوليت الحكومة العامة خلال العشرينات أحس بشكوى المسلمين من تعسف الأحكام المبنية على مجلة الأستاذ موران، وكان فيوليت أكثر تأثرا من غيره لصوت الأهالي، فألف لجنة جديدة لدراسة الموضوع، وكانت كالسابقة تضم أصحاب الإدارة والقانون الفرنسي، كما
(1) صدرت عدة نصوص ووثائق عن التدوين عندئذ، من ذلك ما نشرته الحكومة العامة - إدارة الشؤون الأهلية بعنوان (رأي رؤساء المحاكم ووكلاء الجمهورية وقضاة الصلح والقضاة المسلمين)، الجزائر، ط، فونتانة، 1905، 195 صفحة، وكذلك محاضر جلسات اللجنة سنة 1907، 241 صفحة، بهذا الصدد انظر أيضا بوضربة (أحمد؟)(القضاء الإسلامي المدني) في مطبوعة جمعية الدراسات السياسية والاجتماعية، 2 (1904)، ص 4 - 12، وهي جمعية كان يشرف عليها السيد اوميرا - شرفيا - وكاتبها هو بوضربة، وكان من المحامين.
(2)
مجلة العالم الإسلامي، R.M.M، 1911، ص 181.
تضم بعض القضاة والعلماء المسلمين الرسميين.
ومن أعضائها الجزائريين: أحمد لعيمش ومصطفى الشرشالي وأبو القاسم الحفناوي ومحمود كحول ومحمد بن الحاج (بلحاج) وعبد الرحمن الصديق (1). وكان فيهم الإمام والمدرس والمحامي، ولكن هذه اللجنة كان حظها أقل نجاحا إذ لم يصدر عنها ما صدر عن الأولى من اجتهادات. والمعروف أن فيوليت قد عوض في الحكومة العامة بالسيد بيير بورد سنة 1927، وترك موضوع تدوين الفقه مطلقا.
وأمام ذلك اقترح الشيخ محمد العابد الجلالي سنة 1927 هيئة إسلامية من العلماء المسلمين بدل اللجنة المذكورة، وقال إن ذلك يحرر الجزائريين من نظر الأجنبي في قضاياهم ودينهم ولغتهم وعاداتهم في منصب القضاء الإسلامي أو التشريع له، وهدف هذه الهيئة الإسلامية في نظره هو تقريب وجهات نظر المذاهب وتوحيد الأحكام في المسائل الخلافية، وهو اقتراح طموح وله أهداف سياسية بعيدة، وقد سبق لنا ذكر المحاولات التي قام بها ابن العنابي وغيره، ولكن اقتراح الشيخ الجلالي لم يلتفت إليه على ما نعلم، وكان ظهور جمعية العلماء المسلمين الجزائريين سنة 1931 قد أدى إلى تحقيق جزء من اقتراح للشيخ الجلالي، فقد أثر وجودها وفتاوى علمائها في حياة القضاة أيضا، ولكن هؤلاء بقوا مرتبطين بالوظيافة الرسمية والأحكام الدائرة في فلك المحاكم الفرنسية، وكان الشيخ الجلالي قد اقترح أيضا إنشاء معاهد علمية في الجزائر لتخريج الاكفاء من العلماء لإصدار الأحكام وإبداء الرأي في المسائل الفقهية الخلافية، وطالب بأن يكون ذلك من إنشاء الجماعات الإسلامية بدل ترك الموضوع للحكومة الفرنسية فقط (2).
وارتباطا بهذا الموضوع، موضوع الأحكام الشرعية وتدوينها، ظهرت
(1) المدني (كتاب الجزائر)، مرجع سابق، ص 319، عن أحمد لعيمش انظر سابقا، وأما الحفناوي وكلحول فقد تعرضنا إليهما في فصل آخر.
(2)
محمد العابد الجلالي (تقويم الأخلاق)، مرجع سابق، ص 16 - 18.
عدة دراسات أيضا حول المرأة والشريعة الإسلامية، فأصدر ميرسييه كتابا عن المرأة بعنوان: المرأة المسلمة في شمال إفريقية، وأصدر ليون ميو كتابا بعنوان المرأة المسلمة في المغرب (العربي). اهتم فيه بالشريعة والعرف ودور الحضارة الفرنسية إزاء المرأة (1). كما أصدر محمد بن مصطفى خوجة بحثه عن (الاكتراث بحقوق الإناث) في الشريعة الإسلامية، وظهرت دراسات عن المرأة في زواوة الخاضعة للعرف المحلي، وكذلك المرأة في جهات أخرى من القطر، وقد اهتمت السيدة بوجيجا بموضوع المرأة عموما في الجزائر ثم هرو والشريعة خاصة، وسندرس ذلك في مكانه، كما ظهرت عدة دراسات حول المحاكم الإسلامية وقواعد العمل فيها، منها دراسة السيد علي حسين (2).
ورغم اللجان والضجة التي حصلت، فإن تدوين الفقه الإسلامي لم يحصل لأن الممارسات الحقيقية كانت للقانون الفرنسي، وكان على القضاة الجزائريين أن يعملوا على التخلص من هذه السيطرة التي تدخل في عملية الاندماج، وسيكون للحركة الوطنية الكلمة الفصل في ذلك، لأن تحرير القضاء هو جزء من تحرير الأرض.
انتهى الجزء الرابع
ويليه الجزء الخامس
(1) مجلة العام الإسلامي، R.M.M، 1911، ص 182.
(2)
على حسين (المحاكم)، ط، 3، الجزائر، 1934 - بالفرنسية -.
المحتوى
الفصل الأول: الطرق الصوفية (1) .......... 5
مصطلحات وتعاريف ...................... 8
الطرق الصوفية والمقاومة الشعبية .......... 33
الطريقة القادرية ............................ 42
العمارية/ القادرية ........................... 80
الطريقة الشاذلية ............................ 64
الزروقية واليوسفية .......................... 77
الطريقة العيساوية ........................... 81
الحنصالية .................................. 86
الكرزازية (الأحمدية) والزيانية ................ 88
الطريقة الطيبية ............................. 94
الطريقة الشيخية ............................ 103
الطريقة الدرقاوية ............................ 112
الطريقة الهبرية .............................. 117
الطريقة المدنية .............................. 122
الطريقة العليوية ............................. 126
الطريقة الرحمانية ............................ 139
الفصل الثاني: الطرق الصوفية (2) .......... 189
الطريقة التجانية ............................. 191
أ. عموميات ................................. 191
_________
ب. فرع عين ماضي .............................................. 205
ج. فرع تماسين وقمار ............................................. 219
تعاليم وأوراد التجانية وموقفها من فرنسا وتركيا سنة 1914 .......... 236
الطريقة السنوسية ................................................. 244
الطكوكية ......................................................... 266
البوعلية .......................................................... 274
الشابية ........................................................... 275
البكائية ........................................................... 277
المكاحلية (الرماة) ................................................. 280
الناصرية ......................................................... 281
طرق أخرى ....................................................... 281
تمويل الزوايا ...................................................... 284
إحصاءات الطرق والزوايا .......................................... 291
الطرق الصوفية والسياسة .......................................... 301
توظيف الطرق الصوفية وتدجينها .................................. 325
الفصل الثالث: السلك الديني والقضائي ............................. 343
مدخل ............................................................. 345
الهيئة الدينية ...................................................... 350
رجال الدين والسياسة .............................................. 379
تصنيف المساجد وموظفيها ........................................ 386
شؤون الحج ....................................................... 399
إجحاف في حق الدين ورجاله ...................................... 416
مدخل إلى السلك القضائي ......................................... 420
بداية التدخل في القضاء الإسلامي ................................. 427
تجربة المجالس القضائية ومراسيمها ................................ 435
المكي بن باديس والعرائض ........................................ 482
(مؤامرة) القضاة ومسألة التجنس والزواج المختلط ................... 468
الهجوم على القضاة وبعض خصائصهم ........................... 473
_________
نمانج من القضاة ....................................................... 483
المجاهد - ابن المختار - الشرقي - ابن الحاج موسى - الحاج
حمو - الزهار - الأشرف - لعيمش - دغمان - الزردومي -
ابن عبد الله - المازوني - الخبزاوي - ابن سعد - العوامر -
الجليلي- بريهمات
قضة تدوين الفقه الإسلامي .............................................. 528
دار الغرب الإسلامي
بيروت - لبنان
لصاحبها: الجيب اللمسي
شارع الصوراتي (المعماري) - الحمراء، بناية الأسود
تلفون: 350331 - 009611: Tel / خلوي: 638535 - 009613: Cellulair فاكس: 742587 - 009611: Fax / ص. ب. 5787 - 113 يروت، لبنان
DAR AL - GHARB AL - ISLAMI B.P.: 113 - 5787 Beyrouth، LIBAN
الرقم: 337/ 2000/ 11/ 1998
التنضيد: كومبيوتايب - بيروت
الطباعة: دار صادر، ص. ب ، 10 - بيروت
HISTOIRE CULTURELLE DE
L'ALGERIE
PAR
Professeur Aboul Kacem Saadallah
Université d'Alger
Tome 4
1954 -
1830
DAR AL - GHARB AL - ISLAMI