الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحاج موسى بن أحمد، وهم يعتقدون أنه من نسل العباس عم الرسول صلى الله عليه وسلم. وتقام له حفلة سنوية في ساحة الزاوية، وقبة الحاج بو حفص بن سيدي الشيخ، ويعتبر من حماة متليلي، وله أوقاف وتذبح عنده الذبائح، وهناك ثلاث قباب للشيخ عبد القادر الجيلاني كان بعضها لأتباع الشيخ بوعمامة، وكذلك مقام الشيخ ابن الدين حيث الذبائح والزيارات والأدعية، وكان للزنوج مقامهم أيضا، وهو مقام الفلاح بن بركة الذي أصله من السودان (1).
وتحتوي غرداية وضواحيها على عدد من المساجد ذات الطابع الصوفي والمقامات والمزارات الخاصة بأهل كل مذهب، ولكننا لا نجد فيها الزوايا المعروفة في بقية القطر، ولا الطرق الصوفية نفسها كالتجانية والرحمانية، وربما وجد ذلك بين الأفراد والأتباع ولكن ليس في شكل مؤسسات ومشيخات.
تمويل الزوايا
للطرق الصوفية مصادر للعيش والتوسع، فإذا انقطعت أو نضبت تقلص نفوذ الطريقة واعتراها الانكماش والفناء، ولذلك كانت كل طريقة حريصة على تحصيل المال بوسائل معلنة وغير معلنة، تقليدية ومتجددة، ونريد الآن أن نعرف مصادر التمويل ووسائل التحصيل.
معظم الطرق لها زوايا يديرها الشيخ حامل البركة، وهذه الزوايا منها التقليدية المبنية منذ عهد قديم، ومنها الجديدة التي بناها المقدمون المنفصلون عن شيوخهم الأصليين، والزوايا القديمة كانت مقرأ لبعض المرابطين المشهورين وهم الوارثون لقداسة جدهم وتركته وسمعته وأمواله. ومعظم الزوايا القديمة كانت لها أحباس (أوقاف) تتمثل في الأراضي الزراعية، وكانت الأرض تحرث وتزرع وتحصد ثمراتها على يد السكان
(1)(أساطير ميزابية) في مجلة (الجمعية الجغرافية للجزائر وشمال إفريقية) S.G.A.A.N 1919، ص 93 - 115، ليس لهذا البحث اسم مؤلف، فقط حرف (x).
أنفسهم عن طريق تخصيص يوم أو أكثر لها، فهو عندهم عمل مجاني لله، ومن أجل بركة الشيخ عند أصحاب الزاوية، ولكنه في المفاهيم الحديثة هو نوع من السخرة الممنوعة، ومهما كان الأمر فإن الزاوية تجني من وراء ذلك المال والثمرات من مختلف الإنتاج الذي تأتي به الأرض. ولم يكن للزاوية إلا الأرض، فهناك أيضا العقارات كالدكاكين والمحلات الأخرى التي يذهب ريعها للمرابط والزاوية. هذا النوع من الوقف قد توقف في العهد الفرنسي بعد أن استولت الإدارة الاستعمارية على جميع أحباس الزوايا وضمتها إلى أملاك الدولة، في المدن أولا ثم في الأرياف، ولذلك اعتمدت الزوايا على طرق أخرى في التمويل والعيش والانتشار.
ومن ذلك حق الزيارات، وقد شرحنا هذا اللفظ من قبل والذي يعني ما يأتي به الزائر من عطية أو صدقة أو هبة للزاوية وصاحبها، والزيارات على هذا النحو خاصة بكل فرد تابع للطريقة (إخواني). فكل من جاء للتبرك أو السؤال أو زيارة قبر الشيخ، يأتي معه بمبلغ من المال، أو يقدم عينا من كل نوع يستطيع، من الملابس إلى المواد الغذائية إلى الحيوانات المختلفة، وهناك الزيارات المنظمة أو الموسمية التي يحددها الشيوخ والمقدمون، حسب طبيعة المنطقة ومواقيت جني المحاصيل وحصول الناس على مداخيلهم، كأوقات الزكاة، ومواسم الزواج والأفراح، وتكون الزيارات في هذه الحالة جماعية، وما يأتي منها مبالغ محددة لكل فرد، أو لكل عرش أو قبيلة.
وهناك نوع آخر من المداخيل يحصله، في مواسم معينة، الشواش والوكلاء باسم كل طريقة، إذ يذهب هؤلاء موسميا، وبأمر من الشيخ أو المقدم، لتحصيل المستحق على الأفراد أو الجماعات من الإخوان، وإذا رجع الشيخ من الحج، أو صح بعد مرض، أو احتفلت الزاوية بإحدى المناسبات، فإن على الإخوان واجب التبرع والزيارة أيضا وتقديم ما عليهم إلى شيخ الطريقة، كل حسب استطاعته، وقد عرفنا أن من بين المناسبات التي تجمع فيها الأموال أو الأعيان هو الحضرة التي تعقد مرة أو أكثر في
السنة والتي يحضرها الشيخ بنفسه في أغلبية الطرق، وهناك مناسبات أخرى لجمع المال للطريقة، كالوعدة والنذر وميلاد الأولاد والبرء بعد المرض ونحو ذلك، وقد ذكرنا أن الإخوان يدفعون ما عليهم في أغلب الأحيان عن طيب خاطر لأن ذلك من واجب الانتماء للطريقة والتقدير للمرابط.
وقد ذكرنا أن من بين المدفوعات أيضا الهدايا والغفارة والغرامات التي تدفع للزاوية، وبعض هذه المدفوعات قد تكون لتفادي حدوث كوارث أو للحماية أو التبعية، بالإضافة إلى التقدير والاعتبار للشيخ، سيما في الزوايا التي تقوم بالضيافة والتعليم.
ولكن كل ذلك أصبح خاضعا للسياسة والعلاقات بين الطريقة والسلطة الفرنسية، فالمال سلاح خطير في نظر الفرنسيين، ولا يمكنهم التغاضي عمن يجمعه لاستعماله ضدهم، ولذلك وضعوا شروطا للزيارات والحضرة والخدمة ونحو ذلك مما فيه معنى الدعم للطريقة، ئم منعوها تماما إلا على من يرخصون له لمصلحة سياسية، كما سنذكر، ولكن المنع والقيود الرسمية لم تمنع الطرق من تحصيل المال بالطرق المستقيمة والملتوية، فالإخوان الأوفياء لشيخهم يدفعون إليه في الخفاء ما كانوا يدفعونه إليه علنا، وفي المناسبات التي ذكرنا قد لا تقدم الزيارة بطريقة تقليدية ولكن تقدم أشياء مادية أخرى بعناوين مختلفة.
والإستيلاء على الأحباس من جهة وتقييد ثم منع الزيارات من جهة أخرى إجراءان أضرا طبعا بنشاط وقوة الزاوية والطريقة. بالنسبة لمنع الزيارات اشترط الفرنسيون في البداية الرخصة المسبقة للتوجه للزيارة ومنح المال، دون الاعتراف بالزيارة نفسها، كما يقولون، أو التدخل في كيفية أدائها، ثم وقع التدخل حين رأى البعض، ربما بتشجيع من السلطة نفسها، عدم الدفع والتخلص من هذا الولاء المكلف للطريقة، وإلى هنا كان يمكن لأي شيخ أن يحصل على حق الزيارة بطلب منه إلى المكتب العربي في ناحيته، كما يمكن للوفد أو الفرد المتوجه للزيارة أن يطلب الرخصة من نفس
المكتب، ولكن الدراسات أثبتت للفرنسيين بالتدرج أهمية المرابطين والطرق الصوفية في الحياة السياسية واليومية للناس فرأوا أن تضييق الخناق هو الوسيلة العملية للسيطرة عليهم ومراقبتهم.
وسلك الفرنسيون أفانين من التصنيفات في هذا المجال، فبدلا من اشتراط الرخصة وقع تخفيض عددها، وبدلا من منح الرخصة في عين المكان ودون إجراءات من السلطات المحلية، كالبحث عن هوية الزائر والمزور، وعلاقاتهما، وتاريخ الطريقة، ونوع الزيارة، أصبح الضباط المسؤولون في عين المكان، ثم من فوقهم في المقاطعة من جنرالات وولاة، هم الذين يمنحون الرخصة، وبذلك لم يعد من السهل الحصول على الرخصة إلا بعد إجراءات بحثية وتنقلات مكانية، وانتظار طويل، وزيادة في التصعيب سحب أحد الحكام العامين (ألبير قريفي A. GREVY) سنة 1880، حق منح الرخصة من هؤلاء جميعا، ومنع الزيارة مبدئيا على أساس أنها تدخل في مجال التسول وطلب الصدقات، ولم يجزها إلا في حالات استثنائية، وقد أثبتت الحالات الاستثنائية أنه لم يكن صادقا في اعتبارها (شحاتة) أو تسولا، لأن الذين أجاز لهم فيما بعد ليسوا مساكين ولا متسولين، رغم أن الزيارات، بالطريقة التي أصبحت عليها عند بعض الطرق، هي فعلا نوع من الاستغلال لعرق الناس ونوع من الاستجداء، والحالات الاستثنائية عند هذا الحاكم العام هي التي تقررها الحكومة لأسباب سياسية، وفي هذه الحالة تعطى الرخصة لشيخ الطريقة الصديقة لفرنسا أو التي تنتظر منها فرنسا خدمة ما، ويقول الفرنسيون بأنه منذ هذا التاريخ لم تعط الرخصة إلا في حالات نادرة جدا (1).
وقد ذكر رين أربع حالات منحت فيها السلطات الفرنسية الرخصة بالزيارة لبعض الطرق الصوفية، الحالة الأولى لشريف وزان، شيخ الطيبية، وذلك بطلب من الوزير الفرنسي في طنجة، ويبررون ذلك بأن الزيارة كانت
(1) رين، مرجع سابق، ص 95.
لابن الشريف المذكور فقط وليست للمقدمين الطيبين عموما، ولكن رين لم يحضر نهاية القرن عندما جاء شريف وزان بنفسه إلى الجزائر وجمع ما راق له من زيارات من زواياه وأتباعه، وقد وصل إلى القورارة وتوات، من أجل تسهيل مهمة فرنسا في تلك النواحي.
والحالة الثانية لشيخ الطريقة الزيانية بالقنادسة تعويضا له على خدماته أثناء، لتمرد، ويقصدون بذلك معارضته لثورة بوعمامة سنة 1881، والحالة الثالثة كانت لشيخ الطريقة التجانية دون تحديد، والغالب أن المقصود به هو أحمد التجاني في عين ماضي بعد تأثره من عدم انتخابه شيخا للطريقة على أثر وفاة الشيخ محمد العيد بن الحاج علي سنة 1875، وبعد أن شحت عليه زاوية تماسين بالزيارات الإخوانية، فرخصت فرنسا لأحمد التجاني أن يجمع الزيارات من إخوانه أيضا في النواحي الغربية، وذلك هو زمن التوتر بين الفرعين التجانيين (عين ماضي وتماسين).
أما الرابعة فقد رخصت فرنسا للشيخ علي بن عثمان شيخ زاوية طولقة الرحمانية على خدماته أيضا، وربما كان ذلك راجعا إلى موقفه من عدم اتباع الشيخ الحداد في إعلان الجهاد سنة 1871، لأن الشيخ علي بن عثمان، كان متبوعا من معظم الرحمانيين في الجنوب، ومع ذلك لم ينضم للثورة، ولذلك أكد رين قائلا إن الرخصة قد منحت في الحالات الأربع من أجل خدمات قدمت للسلطات الفرنسية (1). ولكن رين كان يكتب سنة 1884 وما يزال العهد طويلا والعلاقات متداخلة بين الفرنسيين والطرق الصوفية.
لقد رأى الفرنسيون أن أموالا طائلة كان يجمعها أصحاب الطرق الصوفية تحت غطاء الدين وأن ذلك يعتبر في نظرهم منافسة لهم في الحكم، لأن الفكرة التي جاء بها الفرنسيون أن علامة الطاعة والخضوع عند العرب والمسلمين هي الإلتزام المالي، من غرامة وضريبة ونحوهما، ورأوا أن المرابطين وأصحاب الطرق الصوفية قد أفتوا بأن الحكومة الكافرة تفرض
(1) رين، مرجع سابق، ص 95.
الضرائب على المسلمين، وأن الحكم الإسلامي غير موجود، وإذن فإن المال الذي كان يدفع لبيت المال أصبح حلالا على أصحاب الطرق عن طريق الزيارات، فالزيارة إذن أصبحت واجبة عند أصحاب الطرق، وأشاعوا في الناس ذلك حتى أصبح عقيدة عندهم وهي أن خلاصهم من عذاب الله يمكن في دفع الصدقات للزاوية، وكانت الزيارة في الماضي مستحبة فأصبحت في عهد الحكم غير المسلم واجبة، فدفع العشور والزكوات والصدقات الدينية إنما هو للمرابط أو الشيخ أو المقدم، وأما الغرامة فهي للحاكم الفرنسي، وليس للزيارة مبلغ محدد، وهي عادة بين عشرة ومائة فرنك، وقد تكون أكثر، بحساب القرن الماضي، وكانت قطعة الخمسة فرنك هي ما يدفعه الخماس أو الفلاح للمقدم، مرة في السنة، عند موسم الحصاد في الصيف وعند نهاية العمل في الخريف، وهناك من يدفع مبالغ اعتبارية تدخل في الجاه والثروة والمكانة للدافع، ذلك أن الدافعين قد يكونون من الموظفين البارزين، قبل زوال نعمتهم، وقد يكونون من رؤساء الأعراش وأصحاب الخيام الكبيرة الذين يدفعون للشيخ من أجل الحماية المعنوية والعقيدة في البركة والدعم السياسي.
وهناك عناوين أخرى للدفع إلى الزاوية، منها العمل الجماعي كالتويزة، ومنها العمل اليومي الفردي لصالح الزاوية وأرضها بدون مقابل، وهناك (المعونة) التي تدفع عند المهمات والمناسبات والكوارث، ولكن الزيارة تظل هي المصدر الأساسي والدائم للزاوية وأصحابها، وهي عنوان ولاء والتزام الإخوان نحو شيخهم، ويذكرون أن الاحتفال بدخول (الأخ) إلى الطريقة وبإعطائه الجائزة من الشيخ تأتي معه صدقة أيضا غير محدودة إلى الشيخ.
وقد بالغ الفرنسيون في حساباتهم لهذه (الضرائب) الدينية المدفوعة للطرق الصوفية بدل أن تدفع لهم، أو تبقى عند أهلها، فوجدوا أن أكثر من سبعة ملايين من الفرنكات بحساب القرن الماضي، كانت تدفع للطرق الصوفية، واعتبروا أن ذلك خطر سياسي داهم، قائلين إنه يجعل من الطرق
دولة داخل الدولة، فقد قدروا سنة 1897 أن في الجزائر حوالي 24 طريقة صوفية تحصل من الزيارات رغم القيود، على حوالي ثلائة ملايين فرنك، ومن الإجازة والاحتفالات بها حوالي مليون ونصف، يضاف إليها ناتج الزيارات، والتويزة ونحو ذلك، فكان المبلغ الإجمالي سبعة ملايين ونصفا، ثم قارنوا ذلك (بالضرائب العربية) المفروضة التي يدفعها الجزائريون لفرنسا، فوجدوا أن الطرق الصوفية تحصل على حوالي نصف هذه الضرائب الرسمية، صاليك ما ذكره تقرير سنة 1897:
نتاج الصدقات = 3، 000، 000 فرنك
نتاج الزيارات = 3، 000، 000 فرنك
حق دخول الطريقة = 1، 500، 000، فرنك
سخرة (تويزة) = (غير مذكور).
المجوع = 7، 500، 000 فرنك (1)
وبعد أن ذكر شارل تيار TAILLART سنة 1925 المبالغ السابقة التي تحصل عليها الطرق الصوفية، فقال إن رجالها ليسوا متآمرين ولا حمقى بل هم أناس مهرة يعرفون أن الحرب ضد فرنسا تقضي على الزيارات وأن الأمن هو الذين يضمن لهم استمرارية الحياة من هذه المداخيل، ولكن تيار جعل شيوخ الزوايا مستغلين للجماهير وهدوئها (2).
وقد ربط الفرنسيون أيضا بين هذه الأموال التي جعلت من الطرق دولة داخل الدولة، وبين (جمود الثروة العامة) وتفقير السكان لفائدة طبقة معينة ووحيدة، وخفض الدخل الضريبي للدولة الفرنسية، فدقوا طبول الخطر وأنذروا بالعواقب الوخيمة إذا استمر هذا النزيف، وقالوا إن هذه الأموال تجمعها الطرق الصوفية والزوايا بعد اختفاء الأحباس التي كانت مقررة
(1) ديبون وكوبولاني، مرجع سابق، ص 243، ذكروا أيضا أن مبلغ الضرائب العربية بلغ سنة 1895 ما يلي: 16، 187، 092 فرنك و 90 سنتيم.
(2)
شارل تيار (الجزائر في الأدب الفرنسي). الجزائر، 1925، ص 400.