المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

في الصحراء إلى السنوسية بطريقة مباشرة، ومنذ آخر القرن الماضي - تاريخ الجزائر الثقافي - جـ ٤

[أبو القاسم سعد الله]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الرابع

- ‌الفصل الأولالطرق الصوفية (1)

- ‌خطة هذا الفصل والذي يليه

- ‌مصطلحات وتعاريف

- ‌الطرق الصوفية والمقاومة الشعبية

- ‌الطريقة القادرية

- ‌العمارية/ القادرية

- ‌الطريقة الشاذلية

- ‌الزروقية واليوسفية

- ‌الطريقة العيساوية

- ‌الطريقة الحنصالية

- ‌الكرزازية (الأحمدية) والزيانية

- ‌الطريقة الطيبية

- ‌الطريقة الشيخية

- ‌الطريقة الدرقاوية

- ‌الطريقة الهبرية

- ‌ الطريقة المدنية

- ‌ الطريقة العليوية

- ‌الطريقة الرحمانية

- ‌الفصل الثانيالطرق الصوفية (2)

- ‌الطريقة التجانية

- ‌أ - عموميات:

- ‌ب - فرع عين ماضي:

- ‌ج - فرعا تماسين وقمار:

- ‌تعاليم وأوراد التجانية وموقفها من فرنسا وتركيا سنة 1914

- ‌الطريقة السنوسية/ الطكوكية

- ‌الطكوكية

- ‌البوعلية

- ‌الشابية:

- ‌البكائية:

- ‌المكاحلية (الرماة):

- ‌الناصرية:

- ‌طرق أخرى:

- ‌في ميزاب ومتليلي:

- ‌تمويل الزوايا

- ‌إحصاءات الطرق والزوايا

- ‌1 - الشاذلية:

- ‌2 - القادرية:

- ‌3 - الرحمانية:

- ‌4 - التجانية:

- ‌5 - الطيبية:

- ‌6 - الحنصالية:

- ‌7 - العيساوية:

- ‌8 - العمارية:

- ‌9 - الزروقية:

- ‌10 - السنوسية:

- ‌11 - الناصرية:

- ‌12 - الدرقاوية:

- ‌13 - المدنية:

- ‌14 - الزيانية:

- ‌15 - الكرزازية:

- ‌16 - المكاحلية:

- ‌17 - الشيخية:

- ‌18 - اليوسفية:

- ‌19 - الشابية:

- ‌20 - جمعية ابن نحال:

- ‌الطرق الصوفية والسياسة

- ‌توظيف الطرق الصوفية وتدجينها

- ‌الفصل الثالثالسلك الديني والقضائي

- ‌مدخل

- ‌الهيئة الدينية

- ‌رجال الدين والسياسة

- ‌تصنيف المساجد وموظفيها

- ‌شؤون الحج

- ‌إجحاف في حق الدين ورجاله

- ‌مدخل إلى السلك القضائي

- ‌بداية التدخل في القضاء الإسلامي

- ‌تجربة المجالس القضائية ومراسيمها

- ‌المكي بن باديس والعرائض

- ‌(مؤامرة) القضاة ومسألة التجنسوالزواج المختلط

- ‌الهجوم على القضاة وبعض خصائصهم

- ‌نماذج من القضاة

- ‌قضية تدوين الفقه الإسلامي

الفصل: في الصحراء إلى السنوسية بطريقة مباشرة، ومنذ آخر القرن الماضي

في الصحراء إلى السنوسية بطريقة مباشرة، ومنذ آخر القرن الماضي ظهر تيار في الكتابات الفرنسية ينادي بعدم إعلان الحرب على السنوسية، إذ من الممكن أن تكون قوة تنشد فرنسا التحالف معها ضد الإنكليز أو الألمان وقت الحاجة، فالعداء السافر لها ليس في صالح السياسة الفرنسية بعيدة المدى، واعتبر بعض الكتاب أن السنوسية لا تدعو المسلمين إلى العنف ولكن إلى الهجرة إلى دار الإسلام، وهي لا تدعو الناس إلى التمرد والثورة وإنما الذين تأثروا بها هم الذين يفعلون ذلك ولا سيما دعوتها للإمامة والسلفية، وكان الفرنسيون يفتحون الرسائل والمراسلات الأخرى ولم يجدوا ما يدل على دعوة السنوسية للثورة.

‌الطكوكية

ورغم كثرة الزوايا السنوسية في العالم، فإنه لم يكن لها في الجزائر سوى زاوية رئيسية واحدة سمحت بها السلطات الفرنسية، وهي زاوية طكوك أو تكوك، نواحي مستغانم، حوالي سنة 1859 (عام وفاة السنوسي الكبير). وقد عاشت هذه الزاوية نفس الظروف والتقلبات التي عرفتها الطرق الصوفية في الجزائر خلال الاحتلال، كما عاشت الظروف التي كانت تؤثر على السياسة الإسلامية/ الفرنسية في الخارج ولا سيما بالنسبة للطريقة السنوسية، ويبدو أن الفرنسيين حاولوا أن يجعلوا من زاوية طكوك صلة وصل بينهم وبين السنوسية في ليبيا، وبالخصوص في العهود المتأخرة.

ومؤسس الزاوية الطكوكية قيل إنه قادري ورحماني وأنه درقاوي - شاذلي، ثم سنوسي، والواقع أنه قد يكون كل ذلك لأننا رأينا أن السنوسية لا تمانع في أن يجمع التابع لها بين مختلف الطرق الصوفية، وقد فسر

= السنوسية) في كتاب (معرفة المغرب العربي). إشراف كلود فاتان c. Vatin (Connaissance du Maghreb) ص 114 - 115. عن موقف ديبون وكوبولاني من مراجعة الآراء الفرنسية حول السنوسية، انظر كتابهما، مرجع سابق، ص 561 - 562.

ص: 266

بعضهم انتقال الشيخ طكوك إلى السنوسية كون محمد بن علي السنوسي من نفس البلدة والقبيل الذي ينتمي إليه، وسيرته تظهر تعامل السلطات الفرنسية مع ضحايا من أصحاب الطرق التي لا مطمع لها فيهم أو الذين تشك في انتماءاتهم وتوجهاتهم، وقد ساق ديبون وكوبولاني سيرته فكانت عبرة للمعتبرين، يقولان إنه هو الشيخ طكوك الشارف، ولد الجيلاني عبد الله بن طكوك، المولود حوالي سنة 1794 بمجاهر قرب مستغانم (نفس المنطقة التي ولد فيها السنوسي). درس على عدة مشائخ في الناحية، منهم شيوخ السنوسي نفسه، كالشيخ محمد بلقندوز الملقب (قتيل الترك). لأن الباي حسن، باي وهران، حكم بقتله سنة 1829 بمازونة، رغم علمه، ربما لأنه كان من مقدمي الدرقاوية الذين ثاروا قبل ذلك بحوالي عقدين، وقد خشي طكوك على نفسه من المصير الذي عاشه شيخه فهاجر إلى المغرب، تماما كما فعل زميله محمد بن علي السنوسي، ولكن لسبب آخر فيما يبدو.

لا نعرف متى رجع الشيخ طكوك إلى إقليم وهران، ولكن من الأكيد أن رجوعه كان بعد هزيمة الأمير عبد القادر (1847). لأن الفرنسيين يقولون إنه رجع بعد الاحتلال النهائي، ولعل رجوعه كان زمن ثورة الشريف محمد بن عبد الله بالصحراء الوسطى والشرقية (عقد الخمسينات) والذي عرفنا أنه كان مدعوما من قبل الشيخ السنوسي، ويقول الفرنسيون إنهم لاحظوا على الشيخ طكوك تأثيره على العامة بكلامه الغريب، وهم كانوا يتحفظون من هذا النوع من الناس ويضعون حولهم العيون التي لا تنام، فاستدعوه في مركز الأمن في (عمي موسى). ولكنه لم يحضر، فجاءته العساكر وحملته، ودام اعتقاله (سنوات) حسب ديبون وكوبولاني، بمركز عمي موسى (1). وبعد إطلاق سراحه رجع إلى موطنه الأصلي (المجاهر؟) وأخذ يكون أتباعه وينشئ

(1) بعض شيوخ الزوايا كانوا يتفادون الظهور أمام الفرنسيين واستقبالهم حفاظا على (حرمتهم) عند العامة، وكان الفرنسيون يقبلون ذلك من البعض، ولا ندري لماذا أجبروا الشيخ طكوك على الظهور وفرضوا عليه السجن، واعتبروا موقفه عصيانا.

ص: 267

زاويته في أولاد شفاعة، وذلك حوالي سنة 1859 كما ذكرنا، وفي هذا العهد كانت ثورة شريف ورقلة تشرف على نهايتها أيضا (اعتقل سنة 1861).

وقد لاحظ الفرنسيون أنه أخذ يربط علاقات مع (الخارج). فكان مبعوثوه يتوجهون إلى لييبا ومصر والحجاز ثم يعودون، فما الأمر؟ لقد أثار حوله الشكوك من جديد، ودون سبب واضح اعتقلوه مرة أخرى ولكن في مستغانم هذه المرة، ولعل من أسباب اعتقاله هو الخوف من تداخله أثناء ثورة قبيلة فليته وشيخها ابن الأزرق، ثم ثورة أولاد سيدي الشيخ بعد ذلك (1864). ولكن الفرنسيين لاحظوا أن الشيخ طكوك لم يدع للجهاد ولم يكن مثورا للناس بل كان مهدئا، رغم أنه كان على رأس زاوية تعتبر خصيمة للفرنسيين بانتمائها إلى السنوسية، ونفس الملاحظة أبداها الفرنسيون على موقف هذا الشيخ أثناء ثورة المقراني والشيخ الحداد (سنة 1871). لكن تقدم السن بالشيخ طكوك جعل شخصيات من حوله تستغله وتشير عليه بأمور رآها الفرنسيون ضد مصالحهم، سيما عندما حدثت ثورة بوعمامة (1881). فهم يعرفون مدى الارتباط بين الشيخية والقادرية والسنوسية والدرقاوية، ولذلك خشوا أن يكون الشيخ طكوك مطية يركبها المغامرون كما فعلوا، في نظرهم، مع الشيخ الحداد.

ولكي نصل إلى علاقة زاوية طكوك بالزاوية السنوسية نقول إن العلاقات لا شك كانت ترجع إلى عهد تأسيس الزاوية السنوسية بأبى قبيس (مكة) سنة 1835. فالحجاج كانوا ينقلون الأخبار والرسائل والإجازات، وقد عرفنا أن الشيخ طكوك كان عندئذ مهاجرا في المغرب الأقصى، ومن يدرينا لعله حج والتقى بالشيخ السنوسي في مكة، أما الرواية التي يسوقها ديبون وكوبولاني فهي عاطفية أكثر منها دينية، فقد قالا إن بطانة (السوء) هم الذين اقترحوا على الشيخ أن يرسل ابنته إلى الحج، على أن تتوقف أثناء رجوعها، في جغبوب للزواج من الشيخ المهدي السنوسي، فهل كان ذلك بترتيب مسبق بين المهدي السنوسي (وبطانة السوء)؟ ومهما كان الأمر فقد

ص: 268

حجت البنت فعلا وعادت عبر جغبوب، حسب الخطة المرسومة، ولكن الزواج المخطط لم يتم، دون أن نعرف السبب، فرجعت البنت إلى أبيها، وتزوجت من رجل آخر، يقول الفرنسيون إنه أحد (القياد) السابقين، وقد جرى كل ذلك دون معرفة بتواريخ الأحداث.

لكن في سنة 1876 أبلغ المخبرون أو الوشاة أن في زاوية طكوك أسلحة وذخيرة، فهرع الفرنسيون إلى الزاوية واحتجزوا الأسلحة وصادروا الزاوية نفسها، واعتقلوا شيخها مرة ثالثة، ووجهوا إليه تهمة الاغتيال، وساقوه إلى سجن مستغانم أيضا، والمؤلفان، ديبون وكوبولاني، يسوقان هذا الحدث وكأنهما يكتبان رواية خيالية أو قصة (بوليسية) تذكرنا باغتيال الشيخ كحول واعتقال الشيخ العقبي ووجود السكين البو سعادي عند المتهم عكاشة، سنة 1936، ولكن الإدارة الفرنسية هي هي سواء مع الشيخ طكوك أو الشيخ العقبي، والغريب في الأمر أنهم بعد أن اعتقلوا الشيخ وصادروا ما في الزاوية تبينوا براءة الشيخ (دون محاكمة طبعا) إذ قالوا إنه لم يدع قبيلة المجاهر إلى الثورة، وكان في إمكانه أن يفعل لأن نفوذه فيهم قوي، بالعكس لقد طلب الهدوء من أتباعه، ومع ذلك سيق إلى السجن كما يساق المجرمون، وذكر آجرون أن الشيخ اعتقل سنة 1877 بناء على هجوم الإعلام الكولوني عليه واتهامه بإخفاء السلاح، وكان ذلك في عهد الحاكم العام شانزي، وفي سنة 1879 اعتقل الشيخ طكوك من جديد وقيد إلى سجن مستغانم، وكان بإمكانه أن يثور عشرين ألفا من الناس، ولكنه مع ذلك دعاهم إلى الهدوء (1). ومع ذلك فإن الذين فعلوا به ذلك هم الذين قيل إنهم مشوا في جنازته وأظهروا التأسف عليه.

ولا ندري كم المدة التي قضاها الشيخ في الاعتقال هذه المرة. لأن الذي عاش بين 1870 - 1890 يعرف أن قانون الأهالي ليس له مرجع في القانون العام، وأن الإنسان الجزائري كان مسحوقا بيد الجمهورية الثالثة،

(1) آجرون (الجزائريون المسلمون وفر نسا). 1/ 309، وأيضاص 516.

ص: 269

وحكامها العامين من أمثال ديقيدون، وشانزي ولويس تيرمان، وقد تزوج الشيخ طكوك على كبر سنه بإشارة من حاشيته، حسب ديبون وكوبولاني، طمعا في نيل الزيارات التي منعتها فرنسا على الطرق الصوفية إلا على من ترضى عنها، ويفهم من هذا، لأن العبارة غير صريحة، أن هذا الزواج كان فرصة لجلب المال للزاوية، ولا ندري متى وقع هذا الزواج ولكن قيل إنه كان في آخر أيام الشيخ، في 5 غشت سنة 1890، فقد توفي الشيخ في هذه السنة عن 96 سنة، ودفن في زاويته، وترك خلافته الروحية لأخيه أحمد طكوك، ويبدو أن الفرنسيين ممن يبكون على الميت بعد أن يقتلوه، إذ قالوا إن الأروبيين كانوا يحترمون الشيخ ويلجأون إليه عند وقوع السرقة وغيرها، ولذلك حضر عدد منهم جنازته مع المسلمين أسفا على فقده، وحضر جنازته حوالي ثمانية آلاف شخص.

ولم تسلم الزاوية من الغلق مرة أخرى رغم وفاة شيخها الشهير بتهدئة الأوضاع، وكان غلقها راجعا إلى أسباب سياسية، كما قال ديبون وكوبولاني، وزج بشيخها الجديد في السجن أيضا، ولكن في (أينكرمان) هذه المرة، ويذهب آجرون إلى أن المتصرف الإداري لبلدية هليل قد حكم بغلق الزاوية 1890 لمعاقبة شيخها بالنيابة لأنه جمع أموالا (زيارات) على أثر وفاة أخيه، ولما حاكموه وجدوه شخصا شرها ونشيطا جدا فسجنوه (1). كما سجنت فرنسا أحمد بن الشيخ طكوك بعد رجوعه إلى الجزائر بعد غربة دامت خمس سنوات في زاوية جغبوب، ويقولون إن أحمد بن طكوك قد ذهب إلى المشرق على إثر زواج أبيه المشار إليه، ثم رجع بعد وفاة والده بثلاث سنوات (أي 1893، في عهد جول كامبون). وكان الشيخ أحمد الإبن قد تزوج في جغبوب من إحدى بنات أخوة الشيخ المهدي السنوسي، وقد حل أحمد محل عمه الذي ربما يكون قد توفي في سجنه، ذلك أن هذا المصدر الفرنسي يقول إن أحمد الإبن كان على رأس الزاوية عند اعتقاله، (لأسباب

(1) آجر ون (الجزائريون) 1/ 516.

ص: 270

سياسية لا وهي، حسب آجرون، أفكار الجامعة الإسلامية، وقد سجن أولا في كاسينيو Cassaigne، ثم في كالفي CALVI (كورسيكا)(1). والأسباب السياسية المشار إليها يمكن إدراكها بوضوح، ذلك أن عودة الشيخ أحمد بن طكوك إلى الجزائر، بعد الارتباط بالسنوسية عن طريق المصاهرة، والارتباط النسبي والوطني القديم، كانت كلها تخيف الفرنسيين إذ جاءت في الوقت الذي كان فيه الكتاب الفرنسيون يحذرون من خطر السنوسية داعية الجامعة الإسلامية والهجرة إلى دار الإسلام (2). فلعل هذا الشيخ قد اتهم بمثل هذه الاتهامات، ولكن دون إثبات، وقد أخبر آجرون أن هذا الشيخ قد بقي (عدة شهور) في المنفى والسجن، ثم أطلق سراحه، وأنه أظهر تعاونا مع الإدارة سنة 1900 حين دعا إلى تجنيد فرقة من الرماة، كما كانت الإدارة تريد.

وفي ترجمة لأصحاب زاوية طكوك ذكر ابن بكار، معلومات إضافية عن مؤسس الزاوية ولكنها قليلة (3). فقد أضاف إلى الشيخ اسم محمد، فهو إذن محمد بن طكوك، وقال إن نسبه يتصل بنسل الولي سيدي عبد الله دفين مستغانم، بقرية المطمر، ويتصل نسبه كذلك بإدريس الأصغر، وقد ذكرنا انفا كلام (رين) حول نسب أولاد سيدي عبد الله الذين هم أيضا أصل محمد بن علي السوسي، وأضاف ابن بكار أن محمد بن طكوك قد فتح زاويته للعلم، ونحن لا نستغرب ذلك ما دامت السنوسية قد جعلت التعليم من مهامها الأساسية، ولكن المستغرب هو ماذا يمكنه أن يعلم في بلاد حكم عليها الفرنسيون بالجهل؟ ومن الجدير بالملاحظة أن هؤلاء الشيوخ: محمد بن طكوك، وعدة بن غلام الله، ومحمد الموسوم، وعلي بن عمر الطولقي،

(1) ديبون وكوبولاني، مرجع سابق، ص 567.

(2)

أورد رين، مرجع سابق، ص 498 - 499، رسالة من المقدم السنوسي (الحبيب بن عمار). شيخ زاوية النجيلة، بلدية هليل، يدعو فيها الإخوان إلى الهجرة قياسا على ما فعله المهآجرون الأولون، لأن أرض الله واسعة، كما قال.

(3)

ابن بكار، مرجع سابق، ص 1671.

ص: 271

ومحمد بن بلقاسم الهاملي، وسعيد بن أبي داود

كلهم متعاصرون، وكلهم حاولوا التعليم عن طريق الزوايا، وكأنهم كانوا على اتفاق وبرنامج موحد، ولكن تجربتهم لا تقاس بتجربة مصطفى بن عزوز في نفطة ولا بتجربة محمد بن علي السنوسي في جغبوب لحرية التعليم في تونس وليبيا وسيطرة الاستعمار في الجزائر، ولم يذكر ابن بكار أن خليفة الشيخ طكوك الأول هو أخوه، كما ذكر ديبون وكوبولاني، وإنما ذكر ابنه أحمد مباشرة. فقال (وبعد وفاته خلفه ابنه أحمد بن طكوك). ولم يذكر شيئا أيضا عن الاعتقالات التي تعرض لها الشيوخ الثلاثة، لماذا؟ وقد لاحظ ابن بكار، الذي كان من أتباع الزاوية الطيبية، إن الزاوية الطكوكية اشتهرت بالعلم، وبتحفيظ القرآن في زمن أحمد بن طكوك، والظاهر أن عهد هذا الابن قد طال أيضا مثل والده، إذ يقول ابن بكار أنه عاش إلى أوائل النصف الثاني من القرن الرابع عشر، وتوفي عن 80 سنة، والغريب أن ابن بكار لم يقل إن زاوية طكوك سنوسية، بل قال إنها قادرية - شاذلية، فلماذا هذا التعتيم أيضا؟.

وفي هذا الجو الاضطهادي المتميز بين الطرق الصوفية لا يمكن أن يكثر الأتباع في الجزائر بالآلاف، كما حدث مع الطرق المخلصة للإدارة أو الجامدة أو الثائرة التي عرفناها، ففرع طكوك من الزاوية السنوسية كان يعيش على الهامش بين الزوايا والطرق، ولعله لم يكن يعلن أنه سنوسي أصلا، وكان يكتفي بأنه قادري أو شاذلي، كما لاحظ ابن بكار، لأن السنوسية طريقة (أجنبية) وخصمة لفرنسا. ومع ذلك كان الفرنسيون يحسون بالعلاقات بين الزاوية الأم وهذا الفرع اليتيم في موطن السنوسي الأصلي، ولذلك فنحن لن نذكر (ملايين) أتباع السنوسية في العالم، كما قال بعضهم، ومئات الزوايا والمقربين والوكلاء، يقول إحصاء رين سنة 1882 أن عدد إخوان السنوسية في الجزائر حوالي 480 فردا، ولهم زاوية واحدة (زاوية طكوك) وثلاثون مقدما، وقد صنف رين زاوية طكوك ضمن الطريقة الخضرية، وبعد عشر سنوات ذكر ديبون وكوبولاني (1897) أن للسنوسية 950 إخوانيا، وعشرين مقدما، وشيخا واحدا وزاوية واحدة.

ص: 272

لكن السنوسيين كانوا منتشرين في أتباع الطرق الأخرى كما لاحظ الفرنسيون، وقد قالوا إنهم موجودون في المدن والبوادي، ولذلك كانوا يتواصون بوجوب المراقبة الشديدة والحذر الدائم منهم، رغم أن رين يقول إنه منذ 1875 أصبحت التقارير تكشف أنه لا وجود للسنوسية سوى ما يأتي من جهة مستغانم، ولكن هذا لم يجعله يغفل عن إسداء النصح لقومه بالتزام المراقبة المستمرة للسنوسيين (1). وقد كان مجال نشاط السنوسية هو الجنوب بالخصوص، والكتابات التي رجعنا إليها حتى الآن ترجع إلى أواخر القرن الماضي، لكن احتلال إيطاليا لليبيا والحرب العالمية الأولى وما تلاها من أحداث جعل السنوسية تنشط بوجه آخر في الجزائر وغيرها، ومنها أحداث الطوارق سنة 1916 ومقتل شارل دي فوكو، الجاسوس/ القديس، والثورة التي وقعت في تلك المنطقة، ومقاومة التسرب الفرنسي في فزان.

وقد شارك أحمد الشارف طكوك، كغيره من زعماء الطرق الصوفية، في توجيه نداء إلى أنصاره وأتباع طريقته السنوسية بأولاد شافع (شفاعة). وتبدو العبارات الواردة في ندائه أخف حدة ضد تركيا من غيرها، وجاء فيه عن فرنسا (أننا أبناؤها وخدامها من قلب وقالب، مستعدون للدفاع عن حوزتها). وذكرهم الشيخ بأن فرنسا قد قدمت للجزائريين العدرل والإحسان وحسن أحوالهم المادية والمعنوية بعد ظلم الترك وجورهم وقتلهم الأولياء ظلما وعدوانا (2).

وفي سنة 1954 كتب إيميل برمنغام مقالة عن الجزائر الدينية، جاء فيها أنه بالرغم من القول إن السنوسية كانت معادية للأجانب، فإن زاوية الشيخ

(1) لم يضف هنري قارو، 1906، وليباتو، 1911، جديدا عن موضوع السنوسية، وكلاهما سبقت الإشارة إليه.

(2)

مجلة العالم الأسلامي، R.M.M، ديسمبر 1914، ص 230 - 232، عدد خاص، والإشارة إلى (قتل الأولياء) ربما تعني الشيخ بلقندوز شيخ السنوسي وطكوك.

ص: 273