الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حق الله على عبده
قال ابن القيم رحمه الله: فإن من حق الله على عبده أن يعبده لا يشرك به شيئاً وأن يذكره ولا ينساه وأن يشكره ولا يكفره، وأن يرضى به رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا.
وليس الرضى بذلك مجرد إطلاق هذا اللفظ وحاله وإرادته تكذّبه وتخالفه.
فكيف يرضى به رباً من يسخط ما يقضيه له إذا لم يكن موافقاً لإرادته وهواه، فيظل ساخطاً به متبرّماً، يرضى وربه غضبان ويغضب وربه راض، فهذا إنما رضي من ربه حظاً لم يرض بالله ربا.
وكيف يدّعي الرضى بالإسلام ديناً من ينبذ أصوله خلف ظهره إذا خالفت بدعته وهواه، وفروعه وراءه إذا لم يوافق غرضه وشهوته.
وكيف يصح الرضى بمحمد رسولاً لمن لم يُحكّمه على ظاهره وباطنه ويتلقّ أصول دينه وفروعه من مشكاته وحده، وكيف يرضى
به رسولاً من يترك ما جاء به لقول غيره ولا يترك قول غيره لقوله، ثم قال:
والمقصود أن من حقه سبحانه على كل أحد من عبيده أن يكون حبه كله لله وبغضه في الله وقوله لله وتركه لله وأن يذكره ولا ينساه ويطيعه ولا يعصيه ويشكره ولا يكفره، وإذا قام بذلك كله كانت نعم الله عليه أكثر من عمله، بل ذلك نفسه من نعم الله عليه حيث وفقه له ويسّره، وأعانه عليه وجعله من أهله، واختصّه به على غيره، فهو يستدعي شكراً آخر عليه ولا سبيل له إلى القيام بما يجب لله من الشكر أبداً.
فنعم الله تطالبه بالشكر وأعماله لا تقابلها، وذنوبه وغفلته وتقصيره قد تستنفد عمله.
فديوان النعم وديوان الذنوب يستنفدان طاعاته كلها. إنتهى.
تأمل قوله: (ولا سبيل له إلى القيام بما يجب لله من الشكر أبداً) وذلك لأن الثمن المزغوم من العبد هو أجلّ نعم الرب سبحانه عليه وهو الذي وفقه له وجعله من أهله، وهو طاعته.