المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌اليقظة أول مفاتيح الخير - إحسان سلوك العبد المملوك إلى ملك الملوك

[عبد الكريم الحميد]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌فوائد عن الروح والموت والقبر

- ‌تعارف الأرواح وتناكرها

- ‌ما هو الموت

- ‌صورة الروح

- ‌صفة الروح

- ‌رائحة الروح

- ‌الحياة في القبر

- ‌وجه الشبه بين النائم والميت

- ‌تقارب الأرواح وتباعدها

- ‌هل يشارك البدن النفس في النعيم والعذاب أم لا

- ‌هل تُخبر الرسل بالمستحيل

- ‌خلط الحق بالباطل

- ‌مواعظ القبور

- ‌عذاب القبر نوعان: دائم ومنقطع

- ‌الروح ذات مستقلة

- ‌هل النفس والروح شيء واحدأم شيئان متغايران

- ‌الروح تخلق من نفخة الملك

- ‌الروح ليست من أمر الغيب

- ‌روح الله

- ‌(العقلانيون/ الجاهليون)

- ‌لا يتم الإسلام إلا على ظهر التسليم

- ‌الثواب والأجروالفروق بين أجر الخالق وأجر المخلوق

- ‌الفرق الأول

- ‌الفرق الثاني

- ‌الفرق الثالث

- ‌الفرق الرابع

- ‌العمل لله ليس كالعمل لغيرهمن المخلوقين

- ‌نعمة النفس تستوعب الأعمالالصالحة كلها

- ‌نعمة البصر تأخذ عبادةخمسمائة سنة

- ‌الدواوين الثلاثة

- ‌حق الله على عبده

- ‌أعمال العبد مستحقة عليهبموجب العبودية

- ‌النظر في حق الله على العبد

- ‌الفرق بين نظر أهل المعرفة ونظر الجهال

- ‌من فوائد نظر العبد في حق الله عليه

- ‌فوائد محاسبة النفس

- ‌التوبة

- ‌من أسرار التوبة

- ‌فقر العبد إلى ربه

- ‌الغنى السافل

- ‌الغنى العالي

- ‌معرفة المعبود الحق بلا جنة ولا نار

- ‌أقسام القلوب

- ‌(لم يجعل الله لرجل من قلبين في جوفه)

- ‌قِبْلة القلب

- ‌العرش

- ‌أقسام الناس في العبادة

- ‌محبة الإله

- ‌محبة يقارنها إجلال وتعظيم ومهابه

- ‌طريق المحبة

- ‌تصحيح الغلط في مسمى الجنة

- ‌سِرُّ (لا إله إلا الله) وحقيقتها

- ‌معرفة النفس

- ‌النفس المطمئنة

- ‌النفس الأمارة بالسوء

- ‌النفس اللوامة

- ‌علامات مرض القلب

- ‌دواء مرض القلب

- ‌علامات صحة القلب

- ‌كسرة التائب وصَوْلة المُدِل

- ‌الإخلاص

- ‌عاقبة الإخلاص لله

- ‌آفات الأعمال

- ‌التخلص من رؤية العمل

- ‌التخلص من طلب العوض على العمل

- ‌التخلص من الرضى بالعملوالسكون إليه

- ‌الخوف

- ‌الرجاء

- ‌الكرامة والاستقامة

- ‌التوكل

- ‌تأثير المعاصي والطاعات على العبد

- ‌مدح الناس لا يزين وذمهم لا يشين

- ‌النفس جبل عظيم شاق في طريق العبودية

- ‌شواهد السائر إلى الله والدار الآخرة

- ‌وطن القلب

- ‌اليقظة أول مفاتيح الخير

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس الموضوعات

- ‌من مؤلفات فضيلة الشيخ/ عبد الكريم بن صالح الحميد

- ‌هذا الكتاب

الفصل: ‌اليقظة أول مفاتيح الخير

‌اليقظة أول مفاتيح الخير

ذكر ابن القيم –رحمه الله: أن النفس إذا اطمأنت من الشك إلى اليقين ومن الجهل إلى العلم ومن الغفلة إلى الذكر ومن الخيانة إلى التوبة ومن الرياء إلى الإخلاص ومن الكذب إلى الصدق ومن العجز إلى الكَيْس ومن صولة العجب إلى ذِلّة الإخبات ومن التيه إلى التواضع ومن الفتور إلى العمل فقد باشرت روح الطمأنينة.

وأصل ذلك ومنشؤه من اليقظة فهل أول مفاتيح الخير، فإن الغافل عن الاستعداد للقاء ربه والتزوّد لمعاده بمنزلة النائم بل أسوأ حالاً منه، فإن الغافل يعلم وعد الله ووعيده وما تتقاضاه أوامر الرب تعالى ونواهيه وأحكامه من الحقوق لكن يحجبه عن حقيقة الإدراك ويُقْعده عن الاستدراك سِنَة القلب وهي غفلته التي رقد فيها فطال رقوده وركَدَ وأخلد إلى نوازع الشهوات فاشتد إخلاده وركوده، وانغمس في غمار الشهوات واستولت عليه العادات ومخالطة أهل البطالات ورضي بالتشبه بأهل إضاعة الأوقات.

ص: 237

فهو في رقاده مع النائمين، وفي سكرته مع المخمورين، فمتى انكشف عن قلبه سِنَة هذه الغفلة بزجرة من زواجر الحق في قلبه استجاب فيها لواعظ الله في قلب عبده المؤمن أو هِمّة علِيَّة أثارها مِعْوَل الفكر في المحل القابل فضرب بمعول فكره وكبّر تكبيرة أضاءت له منها قصور الجنة فقال:

ألا يا نفس ويحك ساعديني

يسعى منك في ظلم الليالي

لعلك في القيامة أن تفوزي

بطيب العيش في تلك العلالي

فأثارت تلك الفكرة نوراً رأى في ضوئه ما خُلق له وما سيلقاه بين يديه من حين الموت إلى دخول دار القرار، ورأى سرعة انقضاء الدنيا وعدم وفائها لبنيها وقَتْلها لعشاقها، وفعلها بهم أنواع المثلات فنهض في ذلك الصوء على ساق عزمه قائلاً:(يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ) فاستقبل بقية عمره التي لا قيمة لها مستدركاً بها ما فات، ومحيياً بها ما أمات، مستقلاً بها ما تقدم من العثرات، منتهزاً فرصة الإمكان التي إن فاتت فاتته جميع الخيرات.

ثم يلحظ في نور تلك اليقظة وُفُور نعمة ربه عليه من حين استقر في الرّحم إلى وقته وهو ينقلب فيها ظاهراً وباطناً ليلاً ونهاراً ويقظة ومناماً سراً وعلانية.

ص: 238

فلو اجتهد في إحصاء أنواعها لما قَدِر، ويكفي أن أدناها نعمة النفس فما ظنك بغيرها؟

ثم يرى في ضوء ذلك النور أنه آيس من حصرها وإحصائها عاجز عن أداء حقها، وأن المنعِم بها إن طالبه بحقوقها استوعب جميع أعماله حق نعمة واحدة منها.

فيتيقن حينئذ أنه لا مطمع له في النجاة إلا بعفو الله ورحمته وفضله.

ثم يرى في ضوء تلك اليقظة أنه لو عمل أعمال الثقلين من البرّ لاحتقرها بالنسبة إلى جنب عظمة الرب تعالى وما يستحقه لجلال وجهه وعظيم سلطانه.

هذا لو كانت أعماله منه فكيف وهي مجرد فضل الله ومنته وإحسانه حيث يسّرها له وأعانه عليها وهيّأه لها وشاءها منه وكوّنها ولو لم يفعل ذلك لم يكن له سبيل إليها، فحينئذ لا يرى أعماله منه وأن الله سبحانه لن يقبل عملاً يراه صاحبه من نفسه حتى يرى عين توفيق الله وفضله عليه ومنته، وأنه من الله لا من نفسه، وأنه ليس له من نفسه إلا الشر وأسبابه، وما به من نعمة فمن الله وحده فضلاً ساقه إليه من غير أن يستحقه بسبب ويستأهله بوسيلة، فيرى ربه

ص: 239

ووليه ومعبوده أهلاً لكل خير ويرى نفسه أهلاً لكل شر، وهذا أساس جميع الأعمال الصالحة الظاهرة والباطنة، وهو الذي يرفعها ويجعلها في ديوان أصحاب اليمين.

ثم يبرق له في نور اليقظة بارقة أخرى يرى في ضوئها عيوب نفسه وآفات عمله وما تقدم له من الجنايات والإساءات وهتك الحرمات والتقاعد عن كثير من الحقوق والواجبات، فإذا انضمّ ذلك إلى شهود نعم الله عليه وأياديه لديه رأى أن حق المنعِم عليه في نعمه وأوامره لم يُبْقِ له حسنة واحدة يرفع بها رأسه، وقد اطمئن قلبه وانكسرت نفسه وخشعت جوارحه وسار إلى الله ناكس الرأس بين مشاهدة نعمه ومطالعة جناياته وعيوب نفسه وآفات عمله قائلاً: أبوء لك بنعمتك عليّ وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.

فلا يرى لنفسه حسنة ولا يراها أهلاً لخير فيُوجب له أمرين عظيمين:

أحدهما: إستكثار ما مِن الله عليه.

والثاني: إستقلال ما منه من الطاعة كائنة ما كانت، ثم تبرق له بارقة أخرى يرى في ضوئها عزّة وقته وخطره وشرفه وأنه رأس مال

ص: 240

سعادته فيبخل به أن يضيعه فيما لا يقربه إلى ربه، فإن في إضاعته الخسران والحسرة والندامة، وفي حفظه وعمارته الربح والسعادة فيشِحّ بأنفاسه أن يضيعها فيما لا ينفعه يوم معاده.

ثم يلحظ في ضوء تلك البارقة ما تقتضيه يقظته من سِنة غفلته من التوبة والمحاسبة والمراقبة والغَيْرة لربه أن يُؤثِر عليه غيره، وعلى حظه من رضاه وقربه وكرامته أن يبيعه بثمن بخس في دار سريعة الزوال، وعلى نفسه أن يُمَلِّك رقّها لمعشوق لو فكّر في منتهى حُسْنه ورأى آخره بعين بصيرته لأنِفَ لها من محبته.

فهذا كله من آثار اليقظة وموجباتها، وهي أولى منازل النفس المطمئنة التي نشأ منها سفرها إلى الله والدار الآخرة.

ص: 241