الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإخلاص
إنه فرق بين أن نعمل العمل وبين أن ننظر فيه، وأكثر الخلق من العالمين منصرفة همته كلها على إيقاع العمل وحصوله وقلّ أن ينظر فيه، وكأنه على ثقة من صحته وقبوله.
والإخلاص شأنه عظيم، وهو والصدق قرينان في معاملة الله عز وجل، وقد خاف سادات الأولياء من حبوط الأعمال وردّها لتخلف الإخلاص.
قال تعالى: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً) وهي الأعمال التي كانت على غير السنة أو أُريد بها غير وجه الله.
وفي أثر إلهي: (الإخلاص سِرٌّ من سرّي استودعته قلب مَنْ أحببته من عبادي).
وقيل في الإخلاص أنه: (تصفية العمل عن ملاحظة المخلوقين).
وهنا أمر مهم لتفقد الإخلاص من غفل عنه أهلكه العجب وإلا فما زال أهل الصدق والإخلاص في عناء شديد مع نفوسهم دون أن يَمَشُّوا الحال على ما حَسُنَ أو ساء من الأعمال.
وهذا الأمر هو قول بعض السلف: من شهد في إخلاصه الإخلاص احتاج إخلاصه إلى إخلاص.
قال ابن القيم رحمه الله على هذا الكلام:
فنقصان كل مخلص في إخلاصه بقدر رؤية إخلاصه، فإذا سقط عن نفسه رؤية الإخلاص صار مخلِصاً مخلَصاً.
وقيل في الإخلاص أنه استواء أعمال العبد في الظاهر والباطن، والرياء أن يكون ظاهره خيراً من باطنه، والصدق في الإخلاص أن يكون باطنه أعمر من ظاهره.
وقيل: الإخلاص نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الخالق، ومن تزيّن للناس بما ليس فيه سقط من عين الله.
وقال الجنيد: الإخلاص سِرّ بين الله وبين العبد لا يعلمه ملَك فيكتبه ولا شيطان فيفسده ولا هوى فيميله.
وقال أبو سليمان الداراني: إذا أخلص العبد انقطعت عنه كثرة الوساوس والرياء.
ومما يُخيف ما قاله يوسف بن الحسين: أعزّ شيء في الدنيا الإخلاص، وكم أجتهد في إسقاط الرياء عن قلبي فكأنه ينبت على لون آخر.
فانظر كيف ينظرون في أعمالهم وكيف يتهمون نفوسهم لعلمهم بظلمها وجهلها.
قال الهروي: الإخلاص تصفية العمل من كل شَوْب.
قال ابن القيم على هذا الكلام:
أي لا يُمازج عمله ما يشوبه من شوائب إرادات النفس إما طلب التزيّن في قلوب الخلق، وإما طلب مدحهم والهرب من ذمّهم، أو طلب تعظيمهم، أو طلب أموالهم أو خدمتهم ومحبتهم وقضاء حوائجه، أو غير ذلك من العلل والشوائب التي عَقْدُ متفرقاتها: هو إرادة ما سوى الله بعمله كائناً ما كان. إنتهى.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: والشرك غالب على النفوس كما في الحديث أخفى من دبيب النمل. وكثير ما يخالط النفوس من الشهوات ما يفسد عليها تحقيق ذلك كما قال شداد بن أوس: (أخوف ما أخاف عليكم الرياء والشهوة الخفيّة) قال أبو داود: هي حب الرياسة. وفي الحديث: (ما ذِئبان جائعان أُرسلا في
غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه) وفي الصحيح: (تعس عبد الدينار) الحديث؛ وهذا في المال والجاه والصُّور.
ولقد ذكر ابن القيم –رحمه الله أن العبد كلما قوي إخلاصه لله وعَظُم كلما ابتعد عن الشهوات والشبهات، وكلما ضعُف إخلاصه وقلّ كلما توغّل فيها، والعياذ بالله.
وذكر ابن القيم –أيضاً-: أن العبد يقوى إخلاصه لله وصدقه ومعاملته حتى لا يُحب أن يطلع أحد من الخلق على حاله مع الله ومقامه معه فهو يخفي أحواله غيْرة عليها من أن تشوبها شائبة الأغيار.
وكان بعضهم إذا غلبه البكاء وعجز عن دفعه قال: لا إله إلا الله ما أمرّ الزكام.
فالصادق إذا غلب عليه الوجْد والحال وهاج من قلبه لواعج الشوق أخلد إلى السكون ما أمكنه فإن غُلِبَ أظهر ألماً ووجعاً يستر به حاله مع الله.
فالصادقون يعملون على كتمان المعاني واجتناب الدعاوي، فظواهرهم ظواهر الناس وقلوبهم مع الحق تعالى، لا نلتفت عنه يَمْنة ولا يَسْرة، فهم في واد والناس في واد. إنتهى.
ويُذكر أن الإنسان يعمل العمل سراً بينه وبين الله فيُكتب بديوان السرّ فما يزال يذكره حتى يُكتب بديوان العلانية؛ ففي هذا التنبيه على الإخلاص وكتمان المعاني إلا لمصلحة كالإقتداء بالعامل ونحو ذلك مما يحسن فيه ذكر العمل.