الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النفس المطمئنة
ذكر ابن القيم رحمه الله: أن النفس إذا سكنت إلى الله واطمأنت بذكره وأنابت إليه واشتاقت إلى لقائه وأنِسَتْ بقربه فهي مطمئنة، وهي التي يقال لها عند الوفاة:(يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً).
وهي في كلام السلف: المصدِّقة، المطمئنة إلى ما وعد الله المنيبة المخبتة الموقنة بلقاء الله.
قال رحمه الله: وحقيقة الطمأنينة: السكون والإستقرار، فهي التي قد سكنت إلى ربها وطاعته وأمره وذكره، ولم تسكن إلى سواه فقد اطمأنت إلى محبته وعبوديته وذكره، واطمأنت إلى أمره ونهيه وخبره واطمأنت إلى لقائه ووعده، واطمأنت إلى التصديق بحقائق أسمائه وصفاته، واطمأنت إلى الرضى به ربا وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولا.
واطمأنت إلى قضائه وقدره، واطمأنت إلى كفايته وحسْبه وضمانه، فاطمأنت بأنه وحده ربها وإلهها ومعبودها ومليكها ومالك
أمرها كله وأن مرجعها إليه، وأنها لا غنى لها عنه طرفة عين، وإذا كانت بضد ذلك فهي الأمارة بالسوء.
وذكر ابن القيم سراً لطيفاً حيث قال عنه: يجب التنبيه عليه والتنبه له والتوفيق له بيد من أزمّة التوفيق بيده.
-يريد رحمه الله أن يبين سر طمأنينة القلب ببيان وظيفته وعمله الذي خلق له وأنه بوجوده وقيامه به تحصل له الطمأنينة وبفقده تستحيل مهما كان البديل والعِوَض-.
قال: وهو أن الله سبحانه جعل لكل عضو من أعضاء الإنسان كمالاً إن لم يحصل له فهو في قلق واضطراب وانزعاج بسبب فقد كماله الذي جُعِل له.
مثاله: كمال العين بالإبصار، وكمال الأذن بالسمع، وكمال اللسان بالنطق.
فإذا عدمت هذه الأعضاء القُوى التي بها كمالها حصل الألم والنقص بحسب فوات ذلك.
وجُعِل كمال القلب ونعيمه وسروره ولذته وابتهاجه في معرفته سبحانه، وإرادته، ومحبته، والإنابة إليه، والإقبال عليه، والشوق إليه، والأنس به.
فإذا عدم القلب ذلك كان أشد عذاباً واضطراباً من العين التي فقدت النور الباصر، ومن اللسان الذي فقد قوّة الكلام والذوق.
ولا سبيل له إلى الطمأنينة بوجه من الوجوه ولو نال من الدنيا وأسبابها ومن العلوم ما نال إلا بأن يكون الله وحده هو محبوبه وإلهه ومعبوده، وغاية مطلوبه وأن يكون هو وحده مستعان على تحصيل ذلك.
فحقيقة الأمر أنه لا طمأنينة له بدون التحقيق بإياك نعبد وإياك نستعين، وأقوال المفسرين في الطمأنينة ترجع إلى ذلك.