الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عاقبة الإخلاص لله
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (فمن خلصت نيته في الحق ولو على نفسه كفاه الله ما بينه وبين الناس ومن تزيّن بما ليس فيه شانه الله).
قال ابن القيم رحمه الله على كلام عمر: هذا شقيق كلام النبوة، وهو جدير بأن يخرج من مِشْكاة المحدَّث المُلْهَم، وهاتان الكلمتان من كنوز العلم ومَن أحسن الإنفاق منهما نفع غيره وانتفع غاية الانتفاع.
فأما الكلمة الأولى فهي منبع الخير وأصله.
والثاية أصل الشر وفصله.
فإن العبد إذا خلصت نيته لله تعالى وكان قصده وهمّه عمله لوجهه سبحانه كان الله معه فإنه سبحانه مع الذين اتقوا والذين هم محسنون.
ورأس التقوى والإحسان خلوص النية لله في إقامة الحق، والله سبحانه لا غالب له فمن كان معه فمن ذا الذي يغلبه أو يناله بسوء؟
فإن كان الله مع العبد فمن يخاف؟ وإن لم يكن معه فمن يرجو؟ وبمن يتق؟ ومن ينصره من بعده؟
فإذا قام العبد بالحق على غيره وعلى نفسه أولاً وكان قيامه بالله ولله لم يقم له شيء ولو كادته السموات والأرض والجبال لكفاه الله مؤنتها وجعل له فرجاً ومخرجاً.
وإنما يُؤتى العبد من تفريطه وتقصيره في هذه الأمور الثلاثة أو في اثنين منها أو في واحد.
فمن كان قيامه في باطل لم يُنصر، وإن نُصر نصراً عارضاً فلا عاقبة له وهو مذموم مخذول.
وإن قام في حق لكن لم يقم فيه لله وإنما قام لطلب المحمدة والشكور والجزاء من الخلق أو التوصل إلى غرض دنيوي كان هو المقصود أولاً والقيام في الحق وسيلة إليه، فهذا لم تُضمن له النصرة فإن الله إنما ضمن النصرة لمن جاهد في سبيله وقاتل لتكون كلمة الله هي العليا، لا لِمن كان قيامه لنفسه وهواه فإنه ليس من المتقين ولا من المحسنين، وإن نُصر فبحسب ما معه من الحق فإن الله لا ينصر إلا الحق، وإن كانت الدولة لأهل الباطل فبحسب ما معهم من الصبر،
والصبر منصور أبداً فإن كان صاحبه مُحِقاً كان منصوراً له العاقبة، وإن كان مبطلاً لم يكن له عاقبة.
وإذا قام العبد في الحق لله ولكن قام بنفسه وقوته ولم يقم بالله مستعيناً به متوكلاً عليه مفوضاً إليه بَرِياً من الحول والقوة إلا به فله من الخذلان وضعف النصرة بحسب ما قام به من ذلك ونُكتة المسألة أن تجريد التوحيد في أمر الله لا يقوم له شيء البتة وصاحبه منصور ولو توالت عليه زمر الأعداء.
وعن عائشة رضي الله عنها: (من أسخط الناس برضى الله عز وجل كفاه الله الناس ومن أرضى الناس بسخط الله وَكَلَه إلى الناس) إنتهى.
قال ابن تيمية رحمه الله: وإذا أخلص العبد اجتباه ربه فأحيا قلبه، وجذبه إليه، بخلاف القلب الذي لم يخلص، فإن فيه طلباً وإرادة: تارة إلى الرئاسة فترضيه الكلمة ولو كانت باطلاً، وتغيظه ولو كانت حقاً، وتارة إلى الدرهم والدينار وأمثال ذلك فيتخذ إلهه هواه.
ومَن لم يكن مخلصاً لله بحيث يكون أحب إليه مما سواه وإلا استعبدته الكائنات واستولت على قلبه الشياطين، وهذا أمر ضروري
لا حيلة فيه، فالقلب إن لم يكن حنيفاً وإلا كان مشركاً (فأقم وجهك للدين حنيفاً).
وقال: وإذا أذاق طعم الإخلاص انقهر له هواه بلا علاج.