الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله: (بِخِلافِ الطَّوَافِ وَالحِجْرِ) هو كقوله في المدونة: ولم يكره مالك الطواف بالبيت بالنعلين والخفين، ثم قال فيها: وأجاز ابن القاسم أن يدخل بهما الحجر (1). ابن يونس: وقال لا ينبغي على أصله أن يدخل الحجر بهما؛ لأنه من البيت، وهو مذهب أشهب قال: وكراهتي لذلك في البيت أشد (2).
قوله: (وَإنْ قَصَدَ بِطَوَافِهِ نَفْسَهُ مَعَ مَحْمُولِهِ، لَمْ يُجْزِئْ عَنْ وَاحِدٍ) يريد أن من حمل في طوافه مريضًا أو صغيرًا أو نحوهما ونوى بذلك الطواف عنه وعن محموله، فإن ذلك الطواف (3) لا يجزئ عن واحد منهما، وهو المشهور خلافًا لعبد الملك في أنه يجزئ (4) عنه دون محموله، ولابن القاسم: أنه يجزئ (5) عن الصبيِّ فقط، قال: وأحب إليَّ أن يعيد عن نفسه (6).
قوله: (وَأَجْزَأَ السَّعْيُ عَنْهُمَا) أي: عنه وعن محموله فيه إذا نوى ذلك عنهما معًا لخفة أمر السعي، قاله في المدونة (7).
قوله: (كمَحْمُولَيْنِ فِيهِما) أي: في الطواف والسعي، ومعناه: أن من حمل صبيين أو أكثر في الطواف والسعي ينوي بذلك عنهما، فإنه يجزئ عنهما في العبادتين.
فصلٌ [في محظورات الإحرام]
(المتن)
فَصْلٌ حَرُمَ بِالإِحْرَامِ عَلَى الْمَرْأَةِ لُبْسُ قُفَّازٍ، وَسَتْرُ وَجْهٍ إِلَّا لِسَتْرٍ بِلَا غَرْزٍ وَرَبْطٍ؛ وَإِلَّا فَفِدْيَةٌ، وَعَلَى الرَّجُلِ مُحِيطٌ بعُضْوٍ، وَإِنْ بِنَسْجٍ أَوْ زَرٍّ أَوْ عَقْدٍ، كخَاتَمٍ وَقَبَاءٍ، وَإِنْ لَمْ يُدْخِلْ كُمًّا، وَسَتْرُ وَجْهٍ أَوْ رَأْسٍ بِمَا يُعَدُّ سَاتِرًا: كَطِينٍ، وَلَا فِدْيَةَ فِي سَيْفٍ، وَإِنْ بِلَا عُذْرٍ وَاحْتِزَامٍ، أَوِ اسْتثْفَارٍ لِعَمَلٍ فَقَطْ. وَجَازَ خُفٌّ قُطِعَ أَسْفَلَ مِنْ
(1) انظر: المدونة: 1/ 426 و 427.
(2)
انظر: الجامع، لابن يونس، ص:1565.
(3)
قوله: (فإن ذلك الطواف) يقابله في (ن 2): (فإنه).
(4)
في (ز): (يجزئه).
(5)
في (ز): (يجزئه).
(6)
انظر: النوادر والزيادات: 2/ 359.
(7)
انظر: المدونة: 1/ 437 و 438.
كَعْبٍ لِفَقْدِ نَعْلٍ أَوْ غُلُوِّهِ فَاحِشًا. وَاتِّقَاءُ شَمْسٍ أَوْ رِيحٍ بِيَدٍ. أَوْ مَطَرٍ بِمُرْتَفِعٍ وَتَقْليمُ ظُفُرٍ انْكَسَرَ، وَارْتِدَاءٌ بِقَمِيصٍ، وَفِي كُرَاهَةِ السَّرَاوِيلِ رِوَايَتَانِ. وَتَظَلُّلٌ بخِبَاءٍ أوْ بِنَاءٍ وَمَحَارَةٍ لا فِيهَا، كَثَوْبٍ بِعَصًا، فَفِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ خِلافٌ.
(الشرح)
(حَرُمَ بِالإِحْرَامِ عَلى المَرْأَةِ لُبْسُ قُفَّازٍ) هذا هو المشهور، وقوله في المدونة:"يكره لها أن تلبس القفازين"(1) محمول على التحريم لقوله بعده: فإن فعلت افتدت. وقال ابن حبيب: لا أبلغ بها الفدية لما جاء فيه من الرخصة عن عائشة رضي الله عنها، قال: والمنع أحسن للحديث (2).
قوله: (وَسَتْرُ وَجْهٍ إِلا لِسَتْرٍ) أي: وكذلك يحرم عليها أن تستر وجهها في إحرامها (3)، فإن فعلت افتدت إلا أن تكون قصدت بذلك الستر عن الناس، فإن فعلت ذلك لحر أو برد افتدت، قال في المدونة: ووسع مالك لها أن تسدل رداءها من فوق رأسها على وجهها إذا أرادت سترًا، فإن لم ترد سترًا فلا تسدل (4). قال ابن القاسم: وما علمت أن مالكًا كان يأمرها إذا سدلت (5) رداءها أن تجافيه عن (6) وجهها وما علمت أنه ينهاها أن يصيب الرداء وجهها إذا سدلته (7)، وإن رفعته من أسفل وجهها افتدت؛ لأنه لا يثبت حتى تعقده بخلاف السدل (8). وإليه أشار بقوله:(بِلا غَرْزٍ وَرَبْطٍ).
قوله: (وَإِلا فَفِدْيَةٌ) أي: فإن فعلت شيئًا مما حرم عليها أو غرزت ما سدلته على وجهها بإبرة أو ربطته، افتدت.
قوله: (وَعَلى الرَّجُلِ محيط بِعُضْوٍ) أي: ويحرم بالإحرام على الرجل لبس مخيط. يريد: باعتبار ما خيط له سواء كان مصنوعًا على قدر البدن أو عضو منه، فلو ارتدى
(1) انظر: المدونة: 1/ 461.
(2)
انظر: النوادر والزيادات: 2/ 342.
(3)
قوله: (في إحرامها) زيادة من (س).
(4)
انظر: المدونة: 1/ 463.
(5)
في (ن 2): (اسدلت).
(6)
في (ز): (على).
(7)
في (ن 2): (اسدلته).
(8)
انظر: المدونة: 1/ 463.
بالقميص جاز؛ لأنه لم يلبسه (1) باعتبار ما خيط له.
قوله: (وَإِنْ بِنَسْجٍ) يريد: أنه لا فرق في ذلك بين أن يكون مخيطًا أو صنع نسجًا على هيئة ما يخاط، كما يفعل في بعض البلاد البرانس من غير خياطة، وكما يصنع القميص من اللبد بغير خياطة.
قوله: (أَوْ زِرٍّ أَوْ عَقْدٍ) أي: فإذا عمل للثوب الذي يحرم فيه زرًّا وأقفله عليه أو عقده أو خلله بخلال، كان في معنى المخيط وعليه الفدية.
قوله: (كَخَاتَمٍ) أي: وكذلك يحرم عليه أيضًا لبس الخاتم. اللخمي: ويجوز الخاتم والسوار والعصائب للمرأة؛ لأن لباس المخيط يجوز لها (2)، وفي مختصر ما ليس في المختصر: لا بأس أن يلبس المحرم الخاتم (3).
قوله: (وَقَبَاءٍ، وَإنْ لَمْ يُدْخِلْ كُمًّا) أي: وكذلك يحرم عليه لبس القباء، فإن فعل وإن لم يدخل يديه في كميه افتدى؛ لأنه في معنى اللباس، وقاله في المدونة (4)، وإن لم يزره عليه.
قوله: (وَسَتْرُ وَجْهٍ أَوْ رَأْسٍ بِما يُعَدُّ سَتْرًا (5) كَطِينٍ (6)) أي: ويحرم على الرجل بالإحرام ستر وجهه ورأسه؛ لأن إحرامه فيهما، قاله في المدونة (7) والجواهر (8)، إلا أنه لا خلاف في منع تغطية الرأس، والمشهور في الوجه المنع، وإليه ذهب مالك (9)، وحكي عن بعض (10) المتأخرين الكراهة، واقتصر عليها ابن القصار (11).
(1) في (س): (يلبس).
(2)
انظر: التبصرة، للخمي، ص:1290.
(3)
انظر: البيان والتحصيل: 3/ 441.
(4)
انظر: المدونة: 1/ 462.
(5)
في (ز) والمطبوع من مختصر خليل: (ساترا).
(6)
قوله: (كَطِينٍ) ساقط من (ن 2).
(7)
انظر: المدونة: 1/ 463.
(8)
انظر: عقد الجواهر: 1/ 290.
(9)
انظر: النوادر والزيادات: 2/ 348.
(10)
قوله: (بعض) ساقط من (س) و (ن 2).
(11)
انظر: المنتقى: 3/ 329.
قوله: (بِما يُعَدُّ سَتْرًا (1) كَطِينٍ) قال سند: وإذا لطخ رأسه بالطين افتدى كالعمامة، وسواء غطى جميع رأسه أو بعضه (2).
قوله: (وَلا فِدْيَةَ في سَيْفٍ، وَلَوْ بِلا عُذْرٍ) أي: لا فدية في تقليده به ولو كان ذلك لغير عذر. ابن المواز: وهو قول مالك وزاد: ولينزعه مكانه (3). ابن يونس: وقاله أصبغ، وقال ابن وهب (4): عليه الفدية (5). ابن رشد (6): والأول أصح.
قوله: (وَاحْتِزَامٍ، وَاسْتِثفَارٍ) أي: وكذلك لا تجب عليه (7) الفدية في الاحتزام ولا في الاستثفار.
قوله: (لِعَمَلٍ فَقَطْ) هو قيد في قوله: (واحتزام)، وهكذا قال في المدونة (8)؛ أي: فإن لم يكن لعمل افتدى. ابن الجلاب: وقد اختلف قوله في الاستثفار عند الركوب والنزول (9)، فكره ذلك مرة وأجازه (10) مرة (11) أخرى (12).
قوله: (وَجَازَ خُفٌّ قُطِعَ أَسْفَلَ مِنْ كَعْبٍ لِفَقْدِ نَعْلٍ) لقوله عليه الصلاة والسلام: "إلا ألا يجد نعلين فليلبس الخفين وليقطعهما من أسفل من الكعبين"(13).
(1) في (ز) والمطبوع من مختصر خليل: (ساترا).
(2)
انظر: الذخيرة: 3/ 307.
(3)
انظر: النوادر والزيادات: 2/ 347.
(4)
قوله: (وقاله أصبغ، وقال ابن وهب) يقابله في (ن): (وقال أصبغ. قال أشهب).
(5)
انظر: الجامع، لابن يونس، ص: 1729 و 1730.
(6)
في (س) و (ن 2): (ابن راشد).
(7)
قوله: (عليه) ساقط من (س).
(8)
انظر: المدونة: 1/ 470.
(9)
زاد هنا في (ن 2): (وهو أن يأخذ طرف إزاره ويجعله في حجره، قاله الأبهري). وزاد في (ن): (وهو أن يأخذ طرف إزاره ويجعله في حجره).
(10)
في (س): (وأجاز ذلك مرة أخرى).
(11)
قوله: (مرة) زيادة من (ن 2).
(12)
انظر: التفريع: 1/ 200.
(13)
متفق عليه، أخرجه البخاري: 6/ 380، في باب لبس الخفين للمحرم إذا لم يجد النعلين، من كتاب الحج، برقم: 1711، ومسلم: 6/ 102، في باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة وما لا يباح
…
، من كتاب الحج، برقم: 2012، ومالك: 1/ 324، في باب ما ينهى عنه من لبس الثياب في الإحرام، من=
قوله: (أَوْ غُلُوِّهِ فَاحِشًا) نحوه في ابن يونس (1).
قوله: (وَاتِّقَاءُ شَمْسٍ أَوْ رِيحٍ بِيَدٍ) أي: وكذلك يجوز الاتقاء من (2) الشمس والريح باليد؛ لأن مثل هذا لا يعد ساترًا.
قوله: (أَوْ مَطَرٍ بِمُرْتَفِعٍ) يريد: أنه يجوز له أن يتقي المطر بشيءٍ مرتفع كالخيمة ونحوها. ابن الحاجب: ويجوز له أن يرفع شيئًا فوق رأسه ليقيه المطر (3).
قوله: (وَتَقْلِيمُ ظُفُرٍ انْكَسَرَ) هو معطوف على فاعل جاز، وهو كقوله في المدونة: وإن انكسر له ظفر (4) فليقلمه ولا شيء عليه (5). ابن يونس: كاكتحاله أو ادِّهانه لضرورة. أبو إسحاق: وكذا لو انكسر له ظفران أو ثلاثة فقلمهما فلا شيء عليه (6).
قوله: (وَارْتِدَاءٌ بِقَمِيصٍ) أي: وجاز أيضًا ارتداء بقميص بأن يضعه على ظهره أو يتَّزر (7) به؛ لأن مثله (8) لا يعد لبسًا (9) باعتبار ما خيط له، والجبة ونحوها كالقميص.
قوله: (وَفي كَرَاهَةِ السَّرَاوِيلِ رِوَايَتَانِ) يريد: أنه اختلف في السراويل هل يكره لبسها للمحرم أو لا؟ على روايتين. الباجي: ووجه الكراهة عندي قبح الزي، كما كره لغير المحرم لبسه مع الرداء (10).
قوله: (وَتَظَلُّلٍ بِخِبَاءٍ أَوْ بِنَاءٍ (11)) ابن عبد البر: أجمعوا على ذلك (12). وفي الذخيرة:
= كتاب الحج، برقم:707. بلفظ: "إلا أحد لا يجد النعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين".
(1)
انظر: الجامع، لابن يونس، ص:1723.
(2)
قوله: (من) ساقط من (ن 2).
(3)
انظر: التوضيح: 3/ 75، وهذا القول منسوب في التوضيح لابن الحاج.
(4)
قوله: (له ظفر) يقابله في (ن 2): (ظفره).
(5)
انظر: المدونة: 1/ 440.
(6)
انظر: التوضيح: 3/ 93، الجامع، لابن يونس، ص:1739.
(7)
في (ن 2): (يأتزر).
(8)
في (ن): (مثل هذا).
(9)
في (ز): (لباسًا).
(10)
انظر: المنتقى: 3/ 322.
(11)
قوله: (بِخِبَاءٍ أَوْ بِنَاءٍ) يقابله في (ز): (بناء وخباء).
(12)
انظر: التمهيد: 15/ 111.
لا خلاف في جواز دخوله تحت السقف والخيمة (1).
قوله: (وَمَحَارَةٍ لا فِيهَا كَثَوْبٍ بِعَصًا) أي: وجاز الاستظلال بالمحارة وما في معناها إن لم يكن داخلًا فيها، وهو قول مالك والجمهور خلافًا لسحنون (2)، فإن كان فيها فظاهر المذهب المنع (3). ابن عبد البر: وهو قول مالك (4)، وظاهر كلام ابن القاسم وأشهب، وعن مالك قول بالتوسعة فيه، وأجازه عبد الملك للنازل بالأرض؛ لأنه يشبه الخباء المضروب ومنعه للمسافر، ونحوه ليحيى بن عمر (5)، وأما الثوب المجعول (6) على عصا أو أعواد فلا يجوز الاستظلال به للراكب قولًا واحدًا، واختلف في النازل فمنعه أيضًا مالك لما فيه من الترفه، وجوزه عبد الملك قياسًا على الخيمة.
قوله: (فَفِي وَجُوبِ الْفِدْيَةِ خِلافٌ) أي: فإن استظل داخل المحارة أو تحت ثوب موضوع على أعواد ونحوها فإنه يفتدي به (7) وجوبًا، وقيل: لا، وحكى ابن يونس (8) وأبو إسحاق وابن عبد البر الأول عن مالك، وكذا نقله اللخمي في المحارة (9).
(المتن)
وَحَمْلٌ لِحَاجَةٍ أَوْ فَقْرٍ بِلَا تَجْرٍ، وَإبْدَالُ ثَوْبِهِ أَوْ بَيْعهُ بِخِلَافِ غَسْلِهِ إِلَّا لِنَجِسٍ فَبِالْمَاءِ فَقَطْ، وَبَطُّ جُرْحِهِ، وَحَكُّ مَا خَفِيَ بِرِفْقٍ، وَفَصْدٌ إِنْ لَمْ يَعْصِبْهُ، وَشَدُّ مِنْطَقَةٍ لِنَفَقَتِهِ عَلَى جِلْدِهِ، وَإضَافَةُ نَفَقَةِ غَيْرِهِ، وَإلَّا فَفِدْيَةٌ، كَعَصْبِ جُرْحِهِ أَوْ رَأْسِهِ، أَوْ لَصْقِ خِرْقَةٍ كَدِرْهَمٍ أَوْ لَفِّهَا عَلَى ذَكَرٍ، أَوْ قُطْنَةٍ بِأُذُنَيْهِ، أَوْ قِرْطَاسٍ بِصُدْغَيْهِ، أَوْ تَرْكِ ذِي نَفَقَةٍ ذَهَبَ أَوْ رَدِّهَا لَهُ. وَلِمَرْأَةِ خَزٌّ وَحَلِيٌّ وَكُرِهَ شَدُّ نَفَقَتِهِ بِعَضُدِهِ أَوْ فَخِذِهِ، وَكَبُّ رَأْسٍ عَلَى وِسَادٍ، وَمَصْبُوغٌ لِمُقْتَدًى بِهِ وَشَمُّ كَرَيْحَانٍ،
(1) انظر: الذخيرة: 3/ 305.
(2)
انظر: النوادر والزيادات: 2/ 348.
(3)
قوله: (المنع) ساقط من (س).
(4)
انظر: الكافي: 1/ 387، والتمهيد: 15/ 111.
(5)
انظر: النوادر والزيادات: 2/ 348 - 350.
(6)
في (ز): (المحمول).
(7)
قوله: (به) زيادة من (ن).
(8)
قوله: (ابن يونس) ساقط من (س).
(9)
انظر: التبصرة، للخمي، ص:1300.
وَمُكْثٌ بِمَكَانٍ بِهِ طِيبٌ، وَاسْتِصْحَابُهُ وَحِجَامَةٌ بِلَا عُذْرٍ، وَغَمْسُ رَأْسِه أَوْ تَجْفِيفُهُ بِشِدَّةٍ، وَنَظَرٌ بِمِرْآةٍ وَلُبْسُ مَرْأَةٍ قَبَاءً مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِمَا دَهْنُ اللِّحْيَةِ وَالرَّأْسِ وَإِنْ صَلَعًا وَإِبَانَةُ ظُفُرٍ أَوْ شَعَرٍ.
(الشرح)
قوله: (وَحَمْلٌ لِحاجَةٍ وَفَقْر (1) بِلا تَجْرٍ) أي: وجاز الحمل لحاجة. يريد: على الرأس إذا كان راجلًا كما في المدونة (2)، قال فيها: مثل خرجه فيه زاده أو جرابه، واحترز بذلك مما إذا حمله لغير حاجة فإنه يفتدي، وكذلك لو كان غنيًّا فحمله بُخلًا فلا خلاف (3) أنه يفتدي، قال في المدونة: ولا أحب له أن يحمل على رأسه تجارة لنفسه من بَزٍّ أو سقط، ولا يتجر فيما يغطي به رأسه في إحرامه (4). أشهب: إلا أن يكون ذلك عيشه (5)، وهو تقييد للمدونة.
قوله: (وَإبْدَالُ ثَوْبِهِ أَوْ بَيْعُهُ، بِخِلافِ غَسْلِهِ، إِلا لِنَجَسٍ فَبِالمَاءِ فَقَطْ) هذا كقوله في المدونة: وجائز أن يبدل ثوبه الذي أحرم فيه ويبيعه (6)، وأكره أن يغسل ثوبه أو ثوب غيره خيفة قتل الدواب إلا أن يصيب ثوبه نجاسة أو جنابة فيغسله بالماء وحده لا بالحُرُض، زاد في رواية الدباغ عن مالك: فإن فعل افتدى.
قوله: (وَبَطُّ جُرْحِهِ) قال في الموطأ (7): ولا بأس أن يبط جراحه ويفقأ دمله ويقطع عرقه إذا احتاج إلى ذلك (8) ونحوه في الموازية (9). ابن زرقون عن ابن (10) عبد البر: ولا خلاف بين العلماء في ذلك.
(1) في (ز) والمطبوع من مختصر خليل: (أو فقر).
(2)
انظر: المدونة: 1/ 464.
(3)
قوله: (فلا خلاف أنه) ساقط من (س).
(4)
انظر: المدونة: 1/ 464.
(5)
انظر: عقد الجواهر: 1/ 291.
(6)
في (ز) و (ز 2) و (س) و (ن) و (ن 1): (وأن بيعه). وانظر: المدونة: 1/ 459.
(7)
في (ز) و (ن): (المدونة).
(8)
انظر: الموطأ: 1/ 358.
(9)
انظر: النوادر والزيادات: 2/ 355.
(10)
قوله: (ابن) ساقط من (س).
قوله: (وَحَكُّ مَا خَفِيَ بِرِفْقٍ) أي: وكذلك يجوز له أن يحك ما خفي من جسده برفق كرأسه وظهره برفق (1)، قال في البيان عن مالك: ولا يشد في حك ذلك وله في ذلك ما يراه وإن أدمى جلده (2). يريد: لأنه إذا شدد مع عدم الرؤية ربما أتى على شيء من الدواب ولا يشعر به.
قوله: (وَفَصْدٌ) هو كقوله في الموطأ: لا بأس أن يقطع عرقه إذا احتاج إلى ذلك (3). قال في الذخيرة: ولا تكره له الفصادة إلا لشد العصائب (4) فإن فعل وجبت عليه الفدية، قاله مالك (5)، وإليه أشار بقوله:(إِنْ لَمْ يَعْصِبْهُ).
قوله: (وَشَدُّ مِنْطَقَةٍ لِنَفَقَتِهِ عَلَى جِلْدِهِ) أي: فإن شدها لا للنفقة (6) بل للتجارة، أو لم يكن فيها نفقة أو كانت النفقة لغيره فإنه لا يجوز، واحترز بقوله:(على جلده) مما إذا ربطها (7) على إزاره فإنه لا يجوز أيضًا، ويفتدي في جميع ذلك.
قوله: (وَإضَافَةُ نَفَقَةِ غَيْرهِ) أي: وجاز له أن يضيف نفقة غيره بعد شد نفقة نفسه، وليس له أن يبتدئ شدها بنفقة الغير.
قوله: (وَإلا فَفِدْيَةٌ) أي: وإن خالف في أمر مما تقدم وجبت عليه الفدية، ونحوه في المدونة (8).
قوله: (كَعَصْبِ جُرْحِهِ أَوْ رَأْسهِ، أَوْ لَصْقِ خِرْقَةٍ كَدِرْهَمٍ) أي: وكذلك تجب الفدية في تعصيب جرحه وما بعده، قال في المدونة: وجاز أن يعصب على جراحه خرقًا ويفتدي، فإن عصب رأسه من صداع أو عصب رأسه أو جسده من جراح أو قروح، أو عصب على بعض جسده من غير علة أو ربط الجبائر على كسر أصابه أو لصق على
(1) قوله: (برفق) زيادة من (س).
(2)
انظر: التوضيح: 3/ 91.
(3)
انظر: الموطأ: 1/ 358.
(4)
في (ن 2): (العصابة).
(5)
انظر: الذخيرة: 3/ 310.
(6)
في (ن 2): (نفقته).
(7)
في (س): (كانت مربوطة).
(8)
انظر: المدونة: 1/ 470 و 471.
صدغيه (1) مثل ما يصنع الناس افتدى، إن شاء أطعم وإن شاء صام أو نسك (2)، ولو ألصق على قرح (3) به خرقًا صغارًا فلا شيء عليه، وإن كانت خرقًا كبارًا افتدى، وفصل في المدونة (4) في التعصيب بين الخرق الكبار والصغار، وجعل قدر الدرهم كثيرًا (5)، ولم يفرق بين اللصق والتعصيب (6)، وفرق التونسي بينهما بأن التعصيب أشد؛ إذ لا بد فيه من حصول شيء على الجسد الصحيح بخلاف اللصق (7).
قوله: (أَوْ لَفِّهَا عَلَى ذَكَرٍ) يشير إلى قول مالك في العتبية والموازية: ولا بأس أن يتخذ خرقة يجعل فيها ذكره (8) عند النوم، وهو بخلاف لفها عليه للمني والبول، هذا يفتدي (9).
قوله: (أَوْ قُطْنَةٍ بِأُذُنَيْهِ) أي: وكذلك يفتدي إذا جعل قطنة في أذنيه. يريد: سواء كانت القطنة صغيرة أو كبيرة (10).
قوله: (أَوْ قِرْطَاسٍ بِصُدْغَيْهِ) أي: وكذلك يفتدي (11) إذا ألصق (12) على صدغيه
(1) قوله: (فإن عصب رأسه من صداع أو عصب رأسه أو جسده من جراح أو قروح، أو عصب على بعض جسده من غير علة أو ربط الجبائر على كسر أصابه أو لصق على صدغيه) ساقط من (ن)، قوله:(أصابه أو لصق على صدغيه) يقابله في (ن 2): (أصابعه أو لصق صدغيه).
(2)
انظر: المدونة: 1/ 463.
(3)
في (ن): (جرح).
(4)
في (ن 2) و (س) و (ن): (الموازية).
(5)
في (ن) و (ن 2): (كبيرا).
(6)
انظر: المدونة: 1/ 413.
(7)
انظر: التوضيح: 3/ 77.
(8)
في (س) و (ن) و (ن 2): (فرجه).
(9)
انظر: النوادر والزيادات: 2/ 347.
(10)
قوله: (وكذلك يفتدي إذا جعل قطنة في أذنيه. يريد: سواء كانت القطنة صغيرة أو كبيرة) يقابله في (ن): (لو جعل قطنة في أذنيه لعله فإنه يفتدي كان في القطنة طيب أم لا؛ لأن ذلك موضع الإحرام الذي لا يجوز للرجل ستره وعورض إجابهم بفدية في الأذنين مطلقة بمسألة الخرق الصغار فإنها لا فدية فيها لعموم الجرح وأجيب بأن ذلك لكثرة انتفاعه فيها الأذنين أشبها بكبير).
(11)
قوله: (يريد: سواء كانت
…
وكذلك يفتدي) ساقط من (ن 2).
(12)
قوله: (إذا ألصق) يقابله في (ن 2): (أو لصق).
قرطاسًا، وقد تقدم ذلك من لفظه في المدونة (1).
قوله: (وَتَرْكِ (2) ذِي نَفَقَةٍ ذَهَبَ، أَوْ رَدِّهَا لَهُ) هذا معطوف على الجائز؛ أي: ويجوز لصاحب النفقة إذا شد نفقة غيره معها ونفدت نفقته أن يترك نفقة الغير إن ذهب صاحبها أو يردها له، وقاله اللخمي (3).
قوله: (وَلِمَرْأَةِ (4) خَزٌّ وَحُليٌّ) أي: ويجوز للمرأة أن تلبس الخز والحلي، وقاله في المدونة (5) وهو المشهور، وحكى فيه اللخمي قولًا بالفدية.
قوله: (وَكُرِهَ شَدُّ نَفَقَتِهِ بِعَضُدِهِ أَوْ فَخْذِهِ) هكذا قال في المدونة (6) وهو المشهور، وقال أصبغ: عليه في العضد فدية (7).
قوله: (وَكَبُّ رَأْسٍ عَلَى وِسَادٍ (8)) هكذا قال في العتبية عن مالك (9) خشية أن يكون من باب الرفاهية، وهو بخلاف وضع خده (10) عليها عند نومه، فإنه يجوز من غير كراهة.
قوله: (وَمَصْبُوغٌ لِمُفْتَدًى بِهِ) يريد المصبوغ بما لا طيب فيه. الباجي: ويكره ذلك للإمام ومن يقتدى به؛ لئلا يلتبس (11) على من لا يعرف فيقتدي به في لبس المصبوغ الممنوع لبسه. رواه محمد عن مالك (12). ابن عبد البر: ولا خلاف أنه لا يجوز (13).
(1) انظر: المدونة: 1/ 413.
(2)
في (ز) والمطبوع من مختصر خليل: (أو ترك).
(3)
انظر: التبصرة، للخمي، ص:1294.
(4)
في المطبوع من مختصر خليل: (وللمرأة).
(5)
انظر: المدونة: 1/ 463.
(6)
انظر: المدونة: 1/ 470 و 471.
(7)
انظر: النوادر والزيادات: 2/ 350.
(8)
الذي في شفاء، لابن غازي، ص: 234: (وسادة).
(9)
انظر: النوادر والزيادات: 2/ 349، وانظر: البيان والتحصيل: 3/ 455.
(10)
في (س): (جسده).
(11)
في (س): (يلبس).
(12)
انظر: المنتقى: 3/ 325.
(13)
انظر: الاستذكار: 4/ 21.
قوله: (وَشَمٌّ كَرَيْحَانٍ) يريد: أنه يكره للمحرم أن يشم الريحان وما في معناه كالياسمين والورد والبنفسج، فإن تعمد شم شيء من ذلك (1) فلا فدية فيه عليه، وقاله في المدونة (2).
قوله: (وَمُكْثٌ بِمَكَانٍ بِهِ (3) طِيبٌ) يريد: أن المحرم يكره له المكث بمكان فيه (4) طيب كموضع العطارين وشبههم. ابن القاسم في الموازية: ويكره له أن يخرج في رفقة معها أحمال الطيب (5)، وإليه أشار بقوله:(وَاسْتِصْحَابُهُ) أي: استصحاب الطيب.
قوله: (وَحِجَامَةٌ بِلا عُذْرٍ) يريد: لخشية قتل الدواب التي في موضعها إن كانت في الرأس، وهذا هو المشهور. وقال (6) سحنون: لا كراهة إذا لم يزل بسببها شعر، إلا في الرأس خيفة قتل الدواب (7)، فلو حصل له عذر فلا كراهة، فإن لم تدع إليها ضرورة وحلق بسببها شعرا فهي حرام والفدية على المحرم (8).
قوله: (وَغَمْسُ رَأْسِه (9)) أي: في الماء خيفة قتل دوابه (10)، وهكذا قال في المدونة وزاد: فإن فعل أطعم شيئًا (11)، وقيده اللخمي بما إذا كانت له وفرة، فإن لم تكن له وعلم أنه لا شيء برأسه، أو كان حديث عهد بالحلاق، فلا بأس بغمس رأسه (12)، وأجاز ذلك ابن وهب وأشهب وأكثر العلماء وكانا يتغاطسان في الماء وهما محرمان قصدًا لمخالفة ابن القاسم (13).
(1) قوله: (فإن تعمد شم شيء من ذلك) زيادة من (س).
(2)
انظر: المدونة: 1/ 459.
(3)
في (ز): (فيه).
(4)
في (س): (به).
(5)
انظر: النوادر والزيادات: 2/ 352.
(6)
قوله: (وقال) زيادة من (س).
(7)
في (س): (دوابه). وانظر: النوادر والزيادات: 2/ 355.
(8)
قوله: (فإن لم تدع إليها ضرورة وحلق بسببها شعرا فهي حرام والفدية على المحرم) زيادة من (ن).
(9)
في (ز) والمطبوع من مختصر خليل: (رأس).
(10)
قوله: (خيفة قتل دوابه) يقابله في (ن 2): (خشية قتل الدواب).
(11)
انظر: المدونة: 1/ 440.
(12)
انظر: التبصرة، للخمي، ص: 1288، 1289.
(13)
انظر: التمهيد: 4/ 270.
قوله: (وَتَجْفِيفُهُ بِشِدَّةٍ) أي: إذا غسل رأسه يكره له أن يجففه بشدة، قال في البيان: مخافة أن يقتل في ذلك دواب جسده، ولو جففه برفق لا يخشى معه القتل لم يكره (1).
قوله: (وَنَظَرٌ بِمِرْآةٍ) إنما كره له ذلك كما قال في العتبية خشية أن يرى شعثًا فيصلحه، قاله محمد ومالك (2).
قوله: (وَلُبْسُ مَرْأَةٍ (3) قَبَاءً مُطْلَقًا) أي: ومما يكره أيضًا لبس القباء للمرأة المحرمة، قال في المدونة: حرة أو أمة لأنه يصفهن (4)، ومراده بالإطلاق؛ أي (5): في الإحرام وغيره.
قوله: (وَعَلَيْهما دَهْنُ اللِّحْيَةِ وَالرَّأسِ وَإِنْ صَلِعَا) يريد: ويحرم عليهما؛ أي: على (6) الرجل والمرأة إلى آخره، فلا يجوز للرجل ترجيل لحيته ولا رأسه بالدهن، وكذلك المرأة لا يجوز لها أن ترجل شعرها بالدهن، وسواء كان مطيبًا أم لا لما فيه من الزينة، وكذلك لا فرق بين الأصلع وغيره كما قال.
قوله: (وَإبَانَةُ ظُفُرٍ) أي: ويحرم عليه (7) إبانة الظفر؛ أي: قطعه، وهو معنى قوله في المدونة: ولا ينبغي لمحرم أن يقلم أظفاره، فإن فعل ناسيًا أو جاهلًا افتدى (8). قال الأشياخ: معنى "لا ينبغي" لا يجوز.
قوله: (أوْ شَعْرٍ) أي: وكذلك يحرم عليهما أيضًا إبانة الشعر، قال مالك في المدونة: ومن نتف شعرة أو شعرات يسيرة أطعم شيئًا من طعام كان ناسيًا أو جاهلًا، وإن نتف ما أماط عنه به أذى افتدى (9).
(1) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 31.
(2)
انظر: النوادر والزيادات: 2/ 353.
(3)
في (ن) والمطبوع من مختصر خليل: (امرأة).
(4)
انظر: المدونة: 1/ 463.
(5)
قوله: (أي: ) ساقط من (س).
(6)
قوله: (على) زيادة من (س).
(7)
قوله: (ويحرم عليه) يقابله في (س) و (ن) و (ن 2): (وكذلك يحرم عليهما).
(8)
انظر: المدونة: 1/ 440.
(9)
انظر: المدونة: 1/ 441 و 442.
(المتن)
أَوْ وَسَخٍ إِلَّا غَسْلَ يَدَيْهِ بِمُزِيلِهِ وَتَسَاقُطَ شَعَرٍ لِوُضُوءٍ أَوْ رُكُوبٍ. وَدَهْنُ الْجَسَدِ: كَكَفٍّ أوْ رِجْلٍ بِمُطَيِّبٍ أَوْ لِغَيْرِ عِلَّةٍ، وَلَهَا قَوْلانِ اخْتُصِرَتْ عَلَيْهِمَا. وَتَطَيُّبٌ بِكَوَرْسٍ وَإِنْ ذَهَبَ رِيحُهُ، أَوْ لِضَرُورَةِ كُحْلٍ وَلَوْ فِي طَعَامٍ أَوْ لَمْ يَعْلَقْ؛ إِلا قَارُورَةً سُدَّتْ وَمَطْبُوخًا، وَبَاقِيًا مِمَّا قَبْلَ إِحْرَامِهِ، وَمُصِيبًا مِنْ إِلْقَاءِ رِيحٍ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ خَلُوقِ كَعْبَةٍ، وَخُيِّرَ فِي نَزْعِ يَسِيرِهِ، وَإِلا افْتَدَى إِنْ تَرَاخَى كَتَغْطِيَةِ رَأسِهِ نَائِمًا. وَلا تُخَلَّقُ أَيَّامَ الْحَجِّ، وَيُقَامُ العَطَّارُونَ فِيهَا مِنَ الْمَسْعَى، وَافْتَدَى الْمُلْقِي الْحِلُّ إِنْ لَمْ تَلْزَمْهُ بِلا صَوْمٍ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَفْتَدِ الْمُحْرِمُ، كَأَنْ حَلَقَ رَأْسَهُ.
(الشرح)
قوله: (أَوْ وَسَخٍ إِلا غَسْلَ يَدَيْهِ بمُزِيلِهِ) يريد: وكذلك يحرم عليهما إزالة الوسخ عنهما إلا إذا غسل يديه بما يزيل به الوسخ فلا شيء عليه؛ لأنه محل ضرورة، وكذلك ما عطف عليه من تساقط الشعر في الوضوء أو الركوب، وإليه أشار بقوله:(وَتَسَاقُطُ شَعَرٍ لِوُضُوءٍ أَوْ رُكُوبٍ) قال في المدونة: ولا شيء عليه فيما انقطع عند وضوئه من لحيته أو رأسه وأنفه إذا امتخط (1) أولما حلق الإكاف (2) والسرج في الركوب من ساقه، وهذا خفيف لابد للناس منه (3).
قوله: (وَدَهْنُ الجَسَدِ) أي: وكذلك يحرم على الرجل والمرأة دهن جسدهما؛ أي: سواء كان مطيبًا أم لا، وعليهما الفدية في ذلك خلافًا لابن حبيب في غير المطيب فإنه (4) لا فدية عليهما فيه.
قوله: (كَكَفٍّ) أي: باطنه احترازًا من ظاهره.
قوله: (أَوْ رِجْلٍ (5)) أي: وكذا يحرم عليهما أيضًا دهن رجليهما.
قوله: (بِمُطَيِّبٍ أَوْ لِغَيْرِ عِلَّةٍ) إشارة (6) إلى دهن الكف والرجل وفيهما ثلاث صور:
(1) قوله: (وأنفه إذا امتخط) يقابله في (ز) و (ز 2) و (س) و (ن) و (ن 1): (أو أنفه أو امتخط).
(2)
في (ز) الركاب، والمثبت من (س)، والإكافُ والأُكاف: من المراكب شبه الرِّحالِ والأَقْتابِ وزعم يعقوب أَن همزته بدل من واو وُكافٍ ووِكافٍ والجمع آكِفةٌ وأُكُفٌ كإزارٍ وآزِرةٍ وأُزُرٍ غيرَه أُكافُ الحمار وإكافُه ووِكافُه ووُكافه والجمع أُكُفٌ وقيل في جمعه وَكُفٌ، انظر: لسان العرب: (أكف) 9/ 8.
(3)
انظر: المدونة: 1/ 442.
(4)
في (ن 2): (لأنه).
(5)
في (ز) والمطبوع من مختصر خليل: (ورجل).
(6)
في (س): (أشار).
الأولى: الجواز وهو دهنهما بغير مطيب لعلة به من شقوق ونحوها، ولا فدية. الثانية: المنع وهو دهنهما بمطيب لغير علة، ويفتدي إن فعل. الثالثة: المنع ولو مع علة على أحد القولين وهي التي أشار إليها بقوله: (وَلَهَا قَوْلانِ) أي: وإن دهنهما لعلة؛ يريد: بمطيب ففي ذلك قولان مقيدان بما عدا باطن الكف والقدم فإنه لا خلاف في الجواز وسقوط الفدية في دهنهما لها ويتبين ذلك بالنقل عن المدونة وغيرها (1).
قوله: (اخْتُصِرَتْ عَلَيْهِما) أي أن المدونة اختصرت على قولين، ففيها عند البراذعي: وإن دهن قدميه وعقبيه من شقوق فلا شيء عليه، وإن دهنهما لغير علة أو دهن ذراعيه أو ساقيه ليحسنهما لا (2) لعلة افتدى (3). وعند ابن أبي زمنين: ليحسنهما أو من علة افتدى، فحملها على الوجوب مطلقًا (4). أبو الحسن الصغير وفي غير المدونة ما يدل على غير القولين هل لا شيء عليه في الساقين والدم عين إذا كان من علة قياسا على القدمين وعليه اختصر البراذعي أو عليه الفدية مطلقا لأن العلة في الساقين والدم أعين نادرة بخلاف القدمين فإنهما محل الشقوق وهذا يبنى على النادر هل يراعى في نفسه أو يرد إلى غالب جنسه وعليه اقتصر ابن أبي زمنين انتهى. فقد تبين من هذا أن محل القولين اللذين ذكرهما الشيخ في الدم والساقين وظاهر الكف والقدم وباطنهما انظر الكبير (5).
قوله: (وَتَطَيُّبٌ بِكَوَرْسٍ وَإنْ ذَهَبَ رِيحُهُ) أي: ويحرم عليهما أن يتطيبا بالمؤنث من الطيب (6) وهو ما يظهر ريحه وأثره كالزعفران والمسك والكافور والورس، وإلى جميع ذلك أشار بقوله:(بكورس)، والورس نبت باليمن رائحته طيبة صبغه ما بين الحمرة والصفرة. ابن شاس: ولو بطلت رائحة الطيب لم يبح (7)؛ يريد (8): لأن حكم المنع قد
(1) قوله: (مقيدان بما عدا باطن الكف والقدم فإنه لا خلاف في الجواز وسقوط الفدية في دهنهما لها ويتبين ذلك بالنقل عن المدونة وغيرها) زيادة من (ن).
(2)
في (س): (إلا).
(3)
انظر: تهذيب المدونة: 1/ 604.
(4)
انظر: التوضيح: 3/ 86.
(5)
قوله: (أبو الحسن الصغير وغير المدونة ما يدل
…
انظر الكبير) زيادة من (ن).
(6)
في (س): (المطيب).
(7)
انظر: عقد الجواهر: 1/ 295.
(8)
قوله: (يريد: ) ساقط من (س) و (ن 2).
ثبت فيه والأصل استصحابه، وإليه أشار بقوله:(وَإِنْ ذَهَبَ رِيحُهُ) وتجب الفدية باستعمال ذلك ولو لضرورة كحل، كما قال:(أَوْ لِضَرُورَةِ كُحْلٍ) أي: فإن اكتحل لأجل ذلك ولم يكن فيه طيب فلا فدية، وأشار بقوله:(وَلَوْ في طَعَامٍ) إلى أن الطيب يحرم عليهما استعماله ولو خلط بطعام (1) ثم أكله، وظاهره كان مطبوخًا فيه أم لا، والمشهور المنع، وهو مذهب المدونة إن لم يطبخ فيه وتجب فيه الفدية (2)، وقيل: لا فدية، وقد (3) رواه محمد عن مالك وهو قول أشهب (4)، فإن طبخ بالنار وصبغ الفم (5) فالمشهور عدم الفدية، وهو مذهب المدونة (6)، وظاهر الموطأ (7) والمختصر: وإن لم يصبغ الفم فلا فدية (8).
قوله: (أَوْ لَمْ يَعْلَقْ) إشارة إلى قوله في المدونة: ومن مس الطيب بيده افتدى لصق الطيب (9) بيده أم لا، قال: وتجب الفدية بمجرد اللمس (10).
قوله: (إِلا قَارُورَةً سُدَّتْ) أي: فإنه لا فدية فيها، وكذلك ما يذكره بعده (11) من المعطوفات (12)، ومراده أنه من حمل قارورة مسدودة الفم في حال إحرامه لا فدية عليه؛ إذ لا رائحة لها حينئذٍ، وألحق بها (13) فأرة المسك غير المشقوقة.
قوله: (وَمَطْبُوخًا) أي: طعامًا مطبوخًا، يريد: بالطيب وقد تقدم أن المشهور: وإن
(1) قوله: (خلط بطعام) يقابله في (ن 2)(خلط بها لطعام).
(2)
انظر: المدونة: 1/ 459.
(3)
قوله: (قد) زيادة من (ن).
(4)
انظر: النوادر والزيادات: 2/ 351.
(5)
زاد هنا في (ن): (فقولان).
(6)
انظر: المدونة: 1/ 459.
(7)
انظر: الموطأ: 1/ 329، حديث رقم:723.
(8)
انظر: المنتقى: 3/ 339.
(9)
قوله: (الطيب) ساقط من (س).
(10)
انظر: المدونة: 1/ 460.
(11)
في (ن 2): (بعد).
(12)
في (ز) و (ز 2) و (س) و (ن 1) و (ن 2): (المطعومات).
(13)
في (س): (به).
صبغ الفم.
قوله: (وَبَاقِيًا مِمَّا قَبْلَ إِحْرَامِهِ) الباجي: لأن الفدية إنما تجب بإتلاف الطيب وهو محرم (1)، وهذا أتلفه قبل إحرامه وإنما بقي منه الرائحة، إلا أن يكون قد بقي منه مقدار ما تجب الفدية بإتلافه فحينئذٍ تجب، وقيل: هو بمنزلة من تطيب بعد الإحرام إذ الاستدامة (2) كالابتداء (3).
قوله: (وَمُصِيبًا مِنْ إِلْقَاءِ رِيحٍ) يريد: أن من ألقت عليه الريح الطيب فنزعه عنه (4) ناجزًا فلا شيء عليه، يدل عليه قوله بعد ذلك:(وَإلا افتدَى إِنْ تراخَى) أي: في نزعه (5).
قوله: (أَوْ غَيْرِ) أي: أوقعه عليه (6) غيره وهو نائم أو غير ذلك، فإن انتبه فنزعه في الحال فلا فدية، وإن تراخى لزمته الفدية (7).
قوله: (أَوْ خَلُوقِ كَعْبَةٍ) يريد: أن ما أصابه من خلوق الكعبة؛ أي: إذا كان كثيرًا ونزعه في الحال فلا فدية، وإن تراخى لزمته الفدية (8).
قوله: (وَخُيِّرَ في نَزْعِ يَسِيرِهِ) يريد: أنه مخير في نزع يسير الطيب، وفيه إشارة إلى أن الكثير لا يخير فيه كما تقدم.
قوله (9): (وَإلَّا افتدَى إِنْ تراخَى)؛ أي: في مسألة إلقاء الريح وما بعدها.
قوله: (كَتَغْطِيَةِ رَأْسِهِ نَائِمًا) يريد: أن حكم تغطية الرأس نائمًا (10) حكم إلقاء الطيب عليه، فإذا ألقى عليه غيره شيئًا (11) غطى به رأسه، فإن انتبه فنزعه في الحال فلا شيء
(1) انظر: المنتقى: 3/ 327.
(2)
في (ز): (استدامته).
(3)
في (ن): (الافتداء).
(4)
قوله: (عنه) زيادة من (س).
(5)
في (س): (نزاعه).
(6)
قوله: (أوقعه عليه) زيادة من (ن).
(7)
قوله: (لزمته الفدية) يقابله في (س)، و (ن 2):(افتدى كما قال).
(8)
قوله: (قوله: (أوْ خَلُوقِ كَعْبَةٍ) يريد: أن ما أصابه
…
الفدية) ساقط من (ن).
(9)
قوله: (قوله) ساقط من (ز).
(10)
قوله: (نائمًا) زيادة من (س).
(11)
في (س): (ثوبًا).
عليه، وإن تراخى افتدى.
قوله: (وَلا تُخَلَّقُ أيَّامَ الحَجِّ) أي: لا تخلق الكعبة في ذلك الزمن؛ يريد: لكثرة ازدحام الطائفين.
قوله: (وَيُقَامُ الْعَطَّارُونَ فِيهَا مِنَ الْمَسْعَى) أي: في أيام الحج من بين الصفا والمروة، وقاله في المدونة (1).
قوله: (وَافْتَدَى الْمُلْقِي الحِلُّ إِنْ لَمْ تَلْزَمْهُ) يريد: أن الفدية حيث لا تجب على المحرم الملقَى عليه الطيب أو الثوب بأن (2) يكون قد نزعه عنه في حال انتباهه يلزم الفاعل به ذلك، وقاله في المدونة (3).
قوله: (بِلا صَوْمٍ) أي: أن الملقي إذا لزمته الفدية فإنما هي نيابة عن المحرم، فلذلك لا يصوم؛ إذ لا يصوم (4) أحد عن أحد.
قوله: (وَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَفْتَدِ الْمُحْرِمُ) أي: فإن أعسر الملقي افتدى المحرم، ثم يرجع عليه إن لم يفتد بالصوم بالأقل من الطعام (5) أو النسك، فإن صام لم يرجع بشيء (6).
قوله: (كَأَنْ حَلَقَ رَأْسَهُ) يعني: وكذلك الحكم فيمن حلق رأس محرم في مخاطبة الفاعل بالفدية حيث لا تجب على المفعول كما (7) تقدم.
(المتن)
وَعَلَى الْمُحْرِمِ الْمُلْقِي فِدْيَتَانِ عَلَى الأَرْجَحِ. وَإِنْ حَلَقَ حِلٌّ مُحْرِمًا بِإذْنٍ فَعَلَى الْمُحْرِمِ؛ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ، وَإنْ حَلَقَ مُحْرِمٌ رَأْسَ حِلٍّ أَطْعَمَ وَهَلْ حَفْنَةٌ أَوْ فِدْيَةٌ؟ تَأْوِيلَانِ. وَفِي الظُّفُرِ الْوَاحِدِ -لَا لإمَاطَةِ الأَذَى- حَفْنَةٌ، كَشَعْرَةٍ أَوْ شَعَرَاتٍ، وَقَمْلَةٍ أَوْ قَمَلاتٍ، وَطَرْحِهَا كَحَلْقِ مُحْرِمٍ لِمِثْلِهِ مَوْضِعَ الْحِجَامَةِ؛ إِلَّا أَنْ يَتَحَقَّقَ نَفْيَ الْقَمْلِ، وَتَقْرِيدِ بَعِيرِهِ لا كَطَرْحِ عَلَقَةٍ أَوْ بُرْغُوثٍ. وَالْفِدْيَةُ فِيمَا يَتَرَفَّهُ بِهِ أَوْ
(1) انظر: المدونة: 1/ 459.
(2)
في (ز): (أن).
(3)
انظر: المدونة، دار صادر: 2/ 464.
(4)
قوله: (إذ لا يصوم) زيادة من (س).
(5)
في (س): (الإطعام).
(6)
زاد هنا في (ن): (وهو معنى قوله ورجع بالأقل إلا لم يفتد بصوم).
(7)
في (ن): (على ما).
يُزِيلُ أَذًى: كَقَصِّ الشَّارِبِ أَوْ ظُفُرٍ وَقَتْلِ قَمْلٍ كَثُرَ، وَخَضْبٍ بِكَحِنَّاءٍ وَإِنْ رُقْعَةً إِنْ كَبُرَتْ، وَمُجَرَّدُ حَمَّامٍ عَلَى الْمُخْتَارِ، وَاتَّحَدَتْ إِنْ ظَنَّ الإِبَاحَةَ، أَوْ تَعَدَّدَ مُوجِبُهَا بِفَوْرٍ، أَوْ نَوَى التَّكْرَارَ، أَوْ قَدَّمَ الثَّوْبَ عَلَى السَّرَاوِيلِ.
(الشرح)
قوله: (وَعَلَى الْمُحْرِمِ الْمُلْقِي فِدْيَتَانِ) يريد: فإن كان الملقي محرمًا فعليه حيث لا فدية على المحرم فديتان؛ فدية (1) لمسه الطيب وفدية لتطييب النائم، وهو قول ابن (2) القابسي، وقال ابن أبي زيد: ليس عليه غير فدية. ابن يونس: وقول أبي الحسن أصوب (3)، وإليه أشار بقوله:(عَلَى الأَرْجَحِ).
قوله: (وَإِنْ حَلَقَ حِلٌّ مُحْرِمًا بِإذْنٍ فَعَلَى المُحْرِمِ) المراد بالحل غير المحرم؛ أي: إذا حلق حلال شعر محرم بإذنه فإن الفدية على المحرم دون الحلال، وإن فعله بغير إذنه مكرهًا أو نائمًا فإنها على الفاعل، وإليه أشار بقوله:(وَإلا فَعَلَيْهِ) أي: على (4) الحلال.
قوله: (وَإنْ حَلَقَ مُحْرِمٌ رَأْسَ حِلٍّ أَطْعَمَ) هذه عكس التي قبلها، ومعناها أن المحرم إذا حلق شعر (5) رأس الحلال فإنه يطعم، قال مالك في المدونة: يفتدي. وقال ابن القاسم: يطعم شيئًا من الطعام (6). واختلف الأشياخ هل قول مالك بالفدية محمول على الحفنة وأنه وفاق لقول ابن القاسم، وإليه ذهب التونسي، أو هو خلاف، والفدية على ظاهرها، وإليه ذهب اللخمي (7) والباجي وبعض البغداديين (8)؟ وإلى هذا أشار بقوله:(وَهَلْ حَفْنَةٌ (9) أَوْ فِدْيَةٌ؟ تَأْوِيلانِ).
قوله: (وَفى الظُّفُرِ الْوَاحِدِ، لا لإِمَاطَةِ الأَذَى حَفْنَةٌ) أي: وفي تقليم الظفر الواحد
(1) قوله: (فدية) زيادة من (س).
(2)
قوله: (ابن) ساقط من (س).
(3)
انظر: الجامع، لابن يونس، ص:1726.
(4)
قوله: (على) زيادة من (س).
(5)
قوله: (شعر) ساقط من (س).
(6)
انظر: المدونة: 1/ 440.
(7)
انظر: التبصرة، للخمي، ص:1299.
(8)
انظر: التوضيح: 3/ 93.
(9)
قوله: (والفدية على ظاهرها
…
أشار بقوله: وَهَلْ حَفْنَةٌ) ساقط من (ن).
لغير إماطة الأذى حفنة من الطعام. واحترز بقوله: (لا لإماطة الأذى) مما إذا كان للإماطة فإنه يفتدي على المشهور.
قوله: (كَشَعْرَةٍ أَوْ شَعَرَاتٍ) أي: وكذلك يطعم حفنة إذا أزال من جسده شعرة واحدة (1)، أو شعرات متعددة لغير إماطة الأذى.
قوله: (وَقَمْلَةٍ أَوْ قَمَلاتٍ، وَطَرْحُهَا) أي: وكذلك يطعم حفنة إذا قتل قملة واحدة أو قملات، وكذلك إذا طرحها؛ لأن ذلك يؤدي إلى قتلها، وقوله:(وَطَرْحُهَا) أي: كذلك فحذف الخبر لفهم المعنى، واختلف إذا قتل الكثير من القمل فقال مالك عليه الفدية قال في البيان ورآه من إماطة الأذى وقال ابن القاسم يطعم كيسيره (2).
قوله: (كَحَلْقِ مُحْرِمٍ لِمِثْلِهِ مَوْضِعَ الحِجَامَةِ) يريد أن حكم (3) المحرم إذا حلق لمحرم موضع الحجامة حكم ما تقدم في أنه يطعم حفنة من الطعام لمكان الدواب، ولهذا إذا تحقق ألا دواب فلا شيء عليه؛ لأنه إنما أزال شعرًا من جسد غيره ولا شيء عليه فيه، ولهذا أشار بقوله:(إِلا أَنْ يَتَحَقَّقَ نَفْيَ الْقَمْلِ) نعم على المحجوم المحرم الفدية لكونه حلق قبل التحليل.
قوله: (وَتَقْرِيدِ بَعِيرِهِ) أي: وكذلك الحكم في المحرم إذا قرَّد بعيره؛ أي: إذا (4) أزال عنه القراد فإنه يطعم حفنة من الطعام بيد واحدة.
قوله: (لا كَطَرْحِ عَلَقَةٍ أَوْ بُرْغُوثٍ) أي: فإنه لا شيء عليه في طرحهما، قاله الباجي (5) وغيره.
قوله: (وَالْفِدْيَةُ فِيما يُتَرَفَّهُ بِهِ وَيُزِيلُ أَذًى كَقَصِّ الشَّارِبِ أَوْ ظُفُرٍ وَقَتْلِ قَمْلٍ كَثُرَ) يريد أن الفدية تجب في كل ما يحصل به الترفه أو يزيل به أذى كقص الشارب (6) أو حلق (7)
(1) قوله: (واحدة) ساقط من (س).
(2)
قوله: (واختلف إذا قتل الكثير من القمل
…
كيسيره) زيادة من (ن).
(3)
قوله: (حكم) ساقط من (س).
(4)
قوله: (إذا) ساقط من (س).
(5)
انظر: المنتقى: 4/ 137.
(6)
قوله: ("أَوْ ظُفُرٍ وَقَتْلِ قَمْلٍ كَثُرَ" يريد أن الفدية تجب
…
الشارب) ساقط من (ز).
(7)
في (ز): (وحلق).
العانة أو نتف الإبط أو الأنف، وكذا تقليم الأظفار للإماطة، أو قتل ما كثر من القمل، وقاله مالك (1).
قوله: (وَخَضْبٍ بِكَحِنَّاءَ) أي: وكذا تجب الفدية في الخضب بالحناء وشبهه، يريد: كان في رأسه أو لحيته أو غيرهما من جسده، فإن خضب جرحه في إصبعه (2)، ونحوه برقعة فإن كانت كبيرة فعليه أيضًا الفدية، وإليه أشار بقوله:(وَإِنْ رُقْعَةً إِنْ كَبُرَتْ)، ونبه به على أنها إن صغرت فلا شيء عليه فيها، ونحوه في المدونة، وحكم المحرمة تخضب يديها أو رجليها أو رأسها أو تطرف (3) أصابعها بحناء حكم الرجل في الفدية، وقاله في المدونة (4).
قوله: (وَمُجَرَّدُ حَمَّامٍ) اختلف في وجوب الفدية بغسل المحرم في الحمام، ففي المدونة: إن تدلك وأنقى الوسخ وجبت عليه وإلا فلا (5)، وقيل: تجب بمجرد التدلك ولو لم ينقِ الوسخ وحكاه (6) اللخمي، وروي أنها تجب بمجرد الغسل وإن لم يتدلك ولم ينق الوسخ، وهو اختيار اللخمي وغيره (7)؛ لأن صب الماء الحار على الجسد مظنة إزالة الوسخ، وإلى اختيار اللخمي أشار بقوله:(عَلَى المُخْتَارِ).
قوله: (وَاتَّحَدَتْ إِنْ ظَنَّ الإباحَةَ، أَوْ تَعَدَّدَ مُوجِبُهَا بِفَوْرٍ (8)، أَوْ نَوَى التَّكْرَارَ، أَوْ قَدَّمَ الثَّوْبَ عَلَى السَّرَاوِيلِ) يريد أن الفدية تتعدد بتعدد (9) موجبها إلا في هذه المواضع الأربعة: الأول: أن يظن (10) الإباحة ابتداء أو يعلم وجوب الفدية بالمرة الأولى ويظن إباحة الاستعمال ثانيًا وثالثًا، والثاني: أن يفعل ذلك في فور واحد كأن يلبس ويتطيب
(1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 464.
(2)
في (ز): (إصبع).
(3)
في (س): (بطرف).
(4)
انظر: المدونة: 1/ 461.
(5)
انظر: المدونة: 1/ 461.
(6)
قوله: (وحكاه) ساقط من (ن).
(7)
انظر: التبصرة، للخمي، ص: 1288، 1289.
(8)
قوله: (بِفَوْرٍ) ساقط من (ز).
(9)
قوله: (بتعدد) ساقط من (س).
(10)
قوله: (أن يظن) يقابله في (ز): (بظن).
ويقلم أظفاره ويقتل القمل دفعة من غير تراخٍ، والثالث: أن يفعل ذلك ناويًا التكرار؛ يريد: ولو بَعُد ما بين الفعلين، والرابع: إلا (1) يحصِّل بالفعل الثاني نفعًا زائدًا على الأول، كأن يلبس الثوب أولًا ثم يلبس السراويل، أو العمامة بعد القلنسوة، أو الجبة بعد القميص.
(المتن)
وَشَرْطُهَا فِي اللُّبْسِ انْتِفَاعٌ مِنْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ، لا إن نَزَعَ مَكَانَهُ، وَفي صَلاةٍ قَوْلانِ. وَلَمْ يَأْثَمْ إِنْ فَعَلَ لِعُذْرٍ، وَهِيَ نُسُكٌ بِشَاةٍ فَأَعْلَى، أوْ إِطْعَامِ سِتَّةِ مَسَاكينَ لِكُلٍّ مُدَّانِ كَالْكَفَّارَةِ، أَوْ صِيَامِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ وَلَوْ أَيَّامَ مِنًى، وَلَمْ يَخْتَصَّ بِزَمَانٍ أَوْ مَكَانٍ؛ إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِالمَذْبَحِ الْهَدْيَ فَكَحُكْمِهِ، وَلا يُجْزِئُ غَدَاءٌ وَعَشَاءٌ إِنْ لَمْ يَبْلُغْ مُدَّيْنِ. وَالْجِمَاعُ وَمُقَدِّمَاتُهُ وَأَفْسَدَ مُطْلَقًا، كَاسْتِدْعَاءِ مَنِيٍّ، وَإِنْ بِنَظَرٍ، قَبْلَ الْوُقُوفِ مُطْلَقًا، أوْ بَعْدَهُ إِنْ وَقَعَ قَبْلَ إِفَاضَةٍ وَعَقَبَةٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ قَبْلَهُ، وَإلَّا فَهَدْيٌ كَإنْزَالٍ ابْتِدَاءً وَإِمْذَائِهِ. وَقُبْلَتِهِ وَوُقُوعِهِ بَعْدَ سَعْيٍ فِي عُمْرَتِهِ، وَإِلَّا فَسَدَتْ.
(الشرح)
قوله: (وَشَرْطُهَا، في اللُّبْسِ انْتِفَاعٌ مِنْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ، لا إِنْ نَزَعَ مَكَانَهُ) أي: وشرط الفدية بسبب اللبس أن يحصل به الانتفاع من حر أو برد، ولهذا لو نزعه مكانه لا شيء عليه كمن لبس قميصًا أو خفًّا ثم نزعه، وقاله مالك (2). اللخمي: واختلف إذا صلى به صلاة ولم يطل، قيل: لا شيء عليه فيه (3)، وقيل: يفتدي (4)، وإليه أشار بقوله:(وَفي صَلاةٍ قَوْلانِ).
قوله: (وَلَمْ يَأْثَمْ إِنْ فَعَلَ لِعُذْرٍ) إشارة (5) إلى أن من فعل شيئًا من الأمور السابقة، تارة يكون آثمًا كما إذا فعل ذلك لغير ضرورة ولا مشقة من حر أو برد، وتارة غير آثم لعذر حصل له من ضرورة أو مشقة شديدة ألجأته إلى ذلك، يريد: وعليه الفدية (6).
(1) في (ز) و (ز 2) و (ن 1) و (ن 2): (أن).
(2)
قوله: (مالك) ساقط من (ن) و (س). وانظر: المدونة: 1/ 462.
(3)
قوله: (قيل: لا شيء عليه فيه) ساقط من (س).
(4)
انظر: التبصرة، للخمي، ص:1298.
(5)
في (س): (أشار).
(6)
زاد في (ن 2): (والإثم عليه).
قوله: (وَهِيَ نُسُكٌ) أي: والفدية نسك لا هدي، والفرق بينها وبين الهدي أن الهدي على الترتيب، وأنه يختص بزمان ومكان يفعل فيهما، وأن الصوم يدخل على (1) بعض أفراده على سبيل النيابة كالأمداد في إطعام جزاء الصيد والنسك بخلاف ذلك.
قوله: (بِشَاةٍ فَأَعْلَى) هو بيان لقوله: (نسك) أي: والنسك شاة أو بقرة أو بدنة من الإبل.
قوله: (أَوْ إِطْعَامِ سِتَّةِ مَسَاكِينَ لِكُلٍّ مُدَّانِ) يريد أن فدية الأذى على التخيير، وهذا لقوله تعالى:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] وفي الموطأ: كان كعب بن عجرة معه عليه الصلاة والسلام محرمًا فأذاه القمل في رأسه، فأمره عليه الصلاة والسلام أن يحلق رأسه، وقال له:"صم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين مدَّيْن مدَّيْن (2) لكل مسكين أو انسك بشاة"(3)، أيُّ ذلك فعلت أجزأ عنك، قال في المدونة: والإطعام لستة مساكين مدان لكل مسكين بمدِّ النبي صلى الله عليه وسلم من عيش أهل ذلك البلد من بر أو شعير (4)، وإليه أشار بقوله:(كَالْكَفَّارَةِ).
قوله: (أَوْ صِيَامِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ (5) وَلَوْ أَيَّامَ مِنًى) هو مذهب المدونة (6)، وفي الموازية هو مكروه (7)؛ لأنها لم تقيد بالحج كالهدي، وأرى (8) أنها أيام منهي عن صومها.
قوله: (وَلَمْ تَخْتَصَّ بِزَمَانٍ أَوْ مَكَانٍ) هو أحد ما فرق به بين الهدي والنسك وهو المشهور، وقال ابن الجهم: لا يكون النسك إلا بمكة (9).
(1) قوله: (على) ساقط من (س).
(2)
قوله: (مدَّيْن) زيادة من (س).
(3)
متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 644، في باب قول الله تعالى:{أَوْ صَدَقَةٍ} وهي إطعام ستة مساكين، من أبواب الإحصار وجواز الصيد، برقم 1720، ومسلم: 2/ 859، في باب جواز حلق الرأس للمحرم
…
، من كتاب الحج، برقم 1201، ومالك: 1/ 417، في باب فدية من حلق قبل أن ينحر، من كتاب الحج، برقم: 937، واللفظ له.
(4)
انظر: المدونة: 1/ 464.
(5)
قوله: (أيَّامٍ) ساقط من (س).
(6)
انظر: المدونة: 1/ 431.
(7)
انظر: النوادر والزيادات: 2/ 460.
(8)
في (س): (ورأى).
(9)
انظر: التوضيح: 3/ 171.
قوله: (إِلا أَنْ يَنْوِيَ بِالْمَذْبَحِ الْهَدْيَ فكَحُكْمِهِ) أي: إلا أن ينوي بالنسك (1) الهدي فيصير له حكم الهدي، و (المذبح) اسم مفعول بمعنى المذبوح مثل مكروم ومكرم.
قوله: (وَلا يُجْزِئُ غَدَاءٌ وَعَشَاءٌ إِنْ لَمْ يَبْلُغْ مُدَّيْنِ) هكذا قال أشهب في النوادر (2)، وقال (3) أكثر الأشياخ وهو وفاق لقوله في المدونة: ولا يجزئ أن يغدي ويعشي (4)؛ لأنه عليه الصلاة والسلام سمى مدين (5).
قوله: (وَالجِمَاعُ وَمُقَدِّمَاتُهُ) وهو معطوف على فاعل حرم، يريد أن المحرم يحرم عليه الجماع ومقدماته من القبلة والمباشرة للذة (6) والغمزة والجسه (7) وشبهها.
قوله: (وَأَفْسَدَ مُطْلَقًا) فاعل أفسد هو الجماع، والمعنى: أن الجماع يفسد الحج إذا وقع قبل التحليل، ولا فرق عندنا بين أن يطأ عمدًا أو نسيانًا في الفرج أو المحل المكروه من رجل أو امرأة كان معه إنزال أم لا، وإليه أشار بالإطلاق.
قوله: (كاسْتِدْعَاءِ مَنِيٍّ، وَإنْ بِنَظَرٍ) أي: ومما يساوي الجماع في إفساد الحج استدعاء المني ولو بنظر، وهذا هو المعروف، وقيل: لا يفسده إلا ما يوجب الصداق والحد.
قوله: (قَبْلَ الْوُقُوفِ مُطْلَقًا أَوْ بَعْدَهُ إِنْ وَقَعَ قَبْلَ إِفَاضَةٍ وَعَقَبَةٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ قَبْلَهُ) يريد أن الفساد مشروط (8)، بأن يقع قبل الوقوف بعرفة أو بعده إن وقع قبل طواف الإفاضة ورمي (9) جمرة العقبة يوم النحر أو قبله؛ أي: ليلة المزدلفة، والمشهور في القسم الأول من هذه الأقسام الأربعة الإفساد، واختلف في الجميع على أربعة أقوال: الفساد في الجميع، وعدمه في الجميع، والمشهور ما ذكر هنا (10) وهو مذهب المدونة (11)، وقال
(1) في (ز) و (ز 2) و (ن) و (ن 1) و (ن 2): (بالمنسك).
(2)
انظر: النوادر والزيادات: 2/ 358.
(3)
في (س): (قال).
(4)
في (ز): (أو يعشي).
(5)
انظر: المدونة: 1/ 464، وانظر: تهذيب المدونة: 1/ 611.
(6)
قوله: (للذة) ساقط من (ن 2).
(7)
قوله: (والجسة) زيادة من (ن 2).
(8)
قوله: (الفساد مشروط) يقابله في (ز) و (ز 2) و (ن) و (ن 1) و (ن 2): (للفساد شروط).
(9)
في (ز): (أو من).
(10)
قوله: (هنا) ساقط من (س).
(11)
انظر: المدونة: 1/ 458.
ابن وهب وأشهب: إن وطئ يوم النحر بعد الإفاضة وقبل الرمي (1) أفسده، وعن مالك خامس: إن وقع قبلها (2) بعد طلوع الفجر يوم النحر فعليه الهدي والعمرة (3)، وإن كان قبل الفجر أفسد.
قوله: (وَإلا فَهَدْيٌ) أي: وإن لم يقع الوطء قبل الوقوف ولا بعده وقبل الإفاضة والرمي يوم النحر أو قبله، بل وقع قبل الإفاضة وبعد جمرة العقبة أو بالعكس أو قبلهما بعد (4) يوم النحر فإنه لا يفسد وعليه الهدي.
قوله: (كَإنْزَالٍ ابْتِدَاءً) أي: فإن فيه الهدي ولا يفسد الحج.
قوله: (وَإمْذَائِهِ) أي: ابتداء.
قوله: (وَقُبْلَتِهِ) يريد: مع عدم الإنزال، قال في المدونة: وإذا نظر المحرم فأنزل ولم يتبع النظر ولا أدامه، أو قبَّل أو غمز أو جس أو باشر أو تلذذ بشيء من أهله ولم ينزل ولم تغب الحشفة منه في ذلك، فعليه في ذلك الدم وحجه تام (5).
قوله: (وَوُقُوعِهِ بَعْدَ سَعْيٍ فِي عُمْرَتِهِ) يريد أن وقوع الوطء بعد السعي وقبل الحلق في العمرة موجب للهدي أيضًا من غير إفساد؛ إذ لم يبق من أركانها شيء لأن الحلق ليس بركن، فإن وقع الوطء قبل السعي أوفي أثنائه فسدت العمرة، وإلى هذا أشار بقوله:(وَإلا فَسَدَتْ) أي: العمرة إن وقع الوطء في السعي أو قبله.
(المتن)
وَوَجَبَ إِتْمَامُ الْمُفْسَدِ وَإِلَّا فَهُوَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَحْرَمَ، وَلَمْ يَقَعْ قَضَاؤُهُ إِلَّا فِي ثَالِثَةٍ، وَفَوْرِيَّةُ الْقَضَاءِ وَإِنْ تَطَوُّعًا، وَقَضَاءُ الْقَضَاءِ، وَنَحْرُ هَدْيٍ فِي الْقَضَاءِ. وَاتَّحَدَ وَإِنْ تَكَرَّرَ لِنِسَاءٍ بِخِلافِ صَيْدٍ وَفِدْيَةٍ، وَأَجْزَأَ إِنْ عَجَّلَ وَثَلاثَةٌ إِنْ أَفْسَدَ قَارِنًا ثُمَّ فَاتَهُ وَقَضَى، وَعُمْرَةٌ إِنْ وَقَعَ قَبْلَ رَكْعَتَي الطَّوَافِ، وَإِحْجَاجُ مُكْرَهَتِهِ وَإنْ نَكَحَتْ غَيْرَهُ، وَعَلَيْهَا إِنْ أعْدَمَ وَرَجَعَتْ كَالْمُتَقَدِّمِ.
(الشرح)
قوله: (وَوَجَبَ إِتْمَامُ الْمُفْسَدِ) يريد أن المحرم إذا أفسد حجه أو عمرته بالوطء أو
(1) قوله: (وقبل الرمي) زيادة من (س).
(2)
قوله: (وقع قبلها) يقابله في (س) و (ن): (وطئ قبلهما).
(3)
انظر: النوادر والزيادات: 2/ 422 و 423.
(4)
قوله: (بعد) زيادة من (س).
(5)
انظر: المدونة: 1/ 439.
غيره فإنه يجب (1) عليه أن يمضي على ذلك المفسد حتى يتمَّه كما لو لم يفسد، ولا خلاف في ذلك.
قوله: (وَإلا فَهُوَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَحْرَمَ) أي: وإن لم يتمه فهو عليه باقٍ، ولو أحرم بحجة القضاء أو عمرة القضاء، قال في المدونة: ومن أفسد حجه بالوطء فلم يتمه حتى أحرم بحجة القضاء لم يلزمه ذلك ولا قضاؤه وهو على إحرامه الأول، ولا يكون ما جدد من إحرامه قضاء لحجته الفاسدة (2).
قوله: (وَلَمْ يَقَعْ قَضَاؤُهُ إِلا فِي ثَالِثَةٍ) أي: فإن لم يتم الفاسد وأحرم لقضائه في السنة الثانية منه فهو على ما أفسد ولا يكون ذلك قضاء عنه، ولا يقع على هذا قضاؤه إلا في السنة الثالثة.
قوله: (وَفَوْريَّةُ الْقَضَاءِ وَإِنْ تَطَوُّعًا) أي: ومما يجب عليه أيضًا أن يقضي ما أفسد من حج أو عمرة على الفور، وهو القضاء للحج في العام القابل ولا يؤخره عنه فإن أخره عصى وقضاه فيما بعده، وأما العمرة فيقضيها بعد التحلل من فاسدها؛ لأنها تقع في جميع السنة، وسواء كان الحج الذي أفسده فرضًا أو تطوعًا.
قوله: (وَقَضَاءُ الْقَضَاءِ) أي: ومما يجب عليه أيضًا قضاء القضاء، ومعناه إذا أحرم قضاء عما أفسد ثم أفسد القضاء ثانيًا، فإنه يلزمه أن يحج حجتين، إحداهما قضاء عن الأصل، والثانية عن القضاء المفسَد وهو المشهور، وقيل: لا يجب عليه إلا حجة واحدة وهي الأولى.
قوله: (وَنَحْرُ هَدْيٍ في الْقَضَاءِ) يريد: أنه كما تجب عليه حجة ثانية بسبب إفساده القضاء، كذلك يجب عليه هدي آخر مع الهدي الأول، وهو مذهب ابن القاسم (3) وابن وهب، وقال عبد الملك: لا يلزمه غير الهدي الأول (4).
قوله: (وَاتَّحَدَ، وَإنْ تَكَرَّرَ لِنِسَاءٍ) أي: واتحد الهدي وإن تكرر الوطء لأجل تعدد النساء، يريد أو في امرأة واحدة، وقاله في المدونة (5).
(1) في (ن): (لا يجب).
(2)
انظر: تهذيب المدونة: 1/ 593.
(3)
انظر: المدونة: 1/ 431.
(4)
انظر: النوادر والزيادات: 2/ 427، والمنتقى: 4/ 6.
(5)
انظر: المدونة: 1/ 423.
قوله: (بِخِلافِ صَيْدٍ وَفِدْيَةٍ) أي: فإن الموجَب يتعدد بتعدد موجِبه، وهو المشهور في الصيد خلافًا لابن عبد الحكم، فإن الجزاء عنده لا يتعدد بتعدد موجب (1) الصيد، نقله سند (2)، وتعدد الموجِب في الفدية مقيد بالأمور التي تقدمت وهو أن يحصل بالفعل الثاني نفع زائد على الأول، ولم يظن الإباحة، ولم ينوِ التكرار، ولم يكن في فور واحد.
قوله: (وَأَجْزَأَ إِنْ عَجَّلَ) أي: وأجزأ هدي الفساد إن عجل قبل القضاء، وهو قول عبد الملك (3)، قال: وأحب إلينا أن يكون مع حجة القضاء (4). الباجي: ويحتمل على (5) قول أصبغ في هدي الفوات: أنه لا يجزئه (6).
قوله: (وَثَلاثَةٌ إِنْ أَفْسَدَ قَارِنًا ثُمَّ فَاتَهُ وَقَضَى) أي: فإن أحرم بحجة وعمرة فأفسدهما ثم فاته الحج فإن عليه هديًا آخر لقرانه الأول.
قوله: (وعُمْرَةٌ إِنْ وَقَعَ): ثلاثة هدايا واحدًا عن قرانه (7) الثاني وآخر عن فساده وثالث عن فواته، روي عن ابن القاسم أن عليه هديًا آخر لقرانه الأول (8).
قوله: (وَعُمْرَةٌ إِنْ وَقَعَ قَبْلَ رَكْعَتِيِ الطَّوَافِ) أي: وكذلك يجب عليه (9) أن يأتي بعمرة إذا وقع منه الوطء قبل ركعتي الطواف، وكذا إذا وقع قبل الطواف أو بعده (10) في محل لا يكون مفسدًا، وهذا هو المشهور، وقيل: لا عمرة عليه وقع قبل الطواف أو بعده.
(1) قوله: (موجب) زيادة من (ن).
(2)
انظر: الذخيرة: 3/ 324.
(3)
في (ن 2)(عبد الحكم).
(4)
انظر: النوادر والزيادات: 2/ 427.
(5)
في (ز): (أن يكون).
(6)
انظر: المنتقى: 4/ 6.
(7)
في (ز): (فواته). وقوله: (هديًا آخر لقرانه الأول. قوله: "وعمرة وإن وقع": ثلاثة هدايا واحدًا عن قرانه) زيادة من (ن 1)، وفي (ن):(فإنه يجب عليه).
(8)
انظر: النوادر والزيادات: 2/ 424.
(9)
قوله: (عليه) ساقط من (س).
(10)
في (س): (بعضه).
قوله: (وَإحْجَاجُ مُكْرَهَتِهِ (1) وَإنْ نَكَحَتْ غَيْرَهُ) أي: ووجب على المكرِه إحجاج مكرهته وإن طلقها ونكحت غيره أو كانت أَمَة.
قوله: (وَعَلَيْهَا إن أَعْدَمَ وَرَجَعَتْ) أي: فإن لم يكن مع الزوج ما يُحِجُّها به وجب عليها أن تحج نفسها وترجع عليه إذا أيسر، وقيل: ليس عليها حج ولا صيام وإنما ذلك على من أكرهها.
قوله: (كَالمُتقَدِّمِ) كما تقدم هذا فيمن أكره امرأته في رمضان وقد تقدم في باب الصيام (2).
(المتن)
وَفَارَقَ مَنْ أَفْسَدَ مَعَهُ مِنْ إِحْرَامِهِ لِتَحَلُّلِهِ، وَلا يُرَاعَى زَمَنُ إِحْرَامِهِ، بِخِلافِ مِيقَاتٍ إِنْ شُرِعَ وَإنْ تَعَدَّاهُ، فَدَمٌ، وَأَجْزَأَ تَمَتُّعٌ عَنْ إِفْرَادٍ وَعَكْسُهُ، لا قِرَانٌ عَنْ إِفْرَادٍ أَوْ تَمَتُّعٍ وَعَكْسُهُمَا، وَلَمْ يَنُبْ قَضَاءُ تَطَوُّعٍ عَنْ وَاجِبٍ، وَكُرِهَ حَمْلُهَا لِلْمَحْمِلِ وَلِذَلِكَ اتُّخِذَتِ السَّلالِمُ، وَرُؤْيةُ ذِرَاعَيْهَا لا شَعْرِهَا، وَالْفَتْوَى فِي أُمُورِهِنَّ.
(الشرح)
قوله: (وَفَارَقَ مَنْ أَفْسَدَ مَعَهُ) أي: زوجة كانت أو أمة.
قوله: (مِنْ إِحْرَامِهِ لِتَحَلُّلِهِ) أي: من حين إحرامه بحجة القضاء إلى أن يحل منها، قال في المدونة: وإن جامع زوجته في الحج فليفترقا إذا أحرما بحجة القضاء ولا يجتمعا حتى يحلا (3)؛ أي: لئلا يتذاكرا ما كان منهما (4) فيدعوهما إلى الفساد ثانية، واختلف هل افتراقهما واجب وهو ظاهر المدونة عند ابن بشير، أو مستحب وهو رأي ابن القصار، أو يفرق بين العامد والجاهل فإن صدر من عامد فالوجوب أو من الجاهل فالاستحباب، وهو رأي اللخمي (5).
(1) وفي المطبوع من مختصر خليل: (مُكْرَهَةٍ).
(2)
قوله: (كما تقدم هذا فيمن أكره .... في باب الصيام) يقابله في (ن 2): (أي في كتاب الصوم)، وفي (ز) و (ز 2) و (س) و (ن 1):(أي: كالمحرم إذا ألقى عليه الحِلُّ طيبًا وهو نائم ولم يجد الحل فدية).
(3)
انظر: المدونة: 1/ 458.
(4)
قوله: (لئلا يتذاكرا ما كان منهما) يقابله في (ن): (ليلاتها إكراها كان بينهما).
(5)
قوله: (وهو رأي اللخمي) ساقط من (ن). وانظر: التوضيح: 3/ 60، التبصرة، للخمي، ص:1279.
قوله: (وَلا يُرَاعَى زَمَنُ إِحْرَامِهِ) أي: فيجوز لمن أحرم أولًا بالحج من شوال أن يحرم بحجة القضاء يوم التروية أو غير ذلك.
قوله: (بِخِلافِ مِيقَاتٍ إِنْ شُرِعَ) أي: فليس لمن أحرم (1) أولًا من ذي الحليفة مثلًا أو غيرها من المواقيت المشروعة أن يحرم بحجة القضاء إلا من موضع إحرامه؛ فلو أحرم قبل الميقات فليس عليه أن يحرم إلا من الميقات، وقاله في المدونة (2)؛ لأنه أحرم من مكان لم يشرع منه الإحرام.
قوله: (وَإنْ تَعَدَّاهُ، فَدَمٌ) أي: فلو لم يحرم ثانيًا من الميقات بل تعداه فإن عليه في ذلك الدم، قاله في المدونة (3).
قوله: (وَأَجْزَأَ تَمَتُّعٌ عَنْ إِفْرَادٍ) يريد: أنه إذا أفسد حجًّا مفردًا فقضاه متمتعًا فإنه يجزئه؛ لأن التمتع إفراد وزيادة، ولا إشكال في ذلك إذا أحرم ثانيًا بالحج من المكان الذي أحرم منه بالحج أولًا.
قوله: (وَعَكْسُهُ) أي: وكذلك يجزئه إذا قضى إفرادٌ عن تمتع، وهو قول ابن القاسم، وقال ابن بشير: مقتضى الروايات عدم الإجزاء (4).
قوله: (لا قِرَانٌ عَنْ إِفْرَادٍ) أي: فإن ذلك لا يجزئه على المشهور؛ لأن حج القارن ليس تامًّا كتمام المفرد، وقال عبد الملك: يجزئه (5).
قوله: (أَوْ تَمَتُّعٍ) أي: وكذلك لا يجزئه (6) قران عن تمتع؛ يريد: لأن القارن يأتي بعمل واحد للحج والعمرة معًا والمتمتع يأتي بعملين.
قوله: (وَعَكْسُهُمَا) أي: فلا يجزئه (7) أن يقضي إفرادًا عن قران أو تمتعًا عن قران، وقاله في النوادر (8).
(1) قوله: (لمن أحرم) يقابله في (س): (عليه أن يحرم).
(2)
انظر: المدونة: 1/ 417، وتهذيب المدونة: 1/ 592.
(3)
انظر: المدونة: 1/ 417، وتهذيب المدونة: 1/ 592.
(4)
انظر: عقد الجواهر: 1/ 296.
(5)
انظر: النوادر والزيادات: 2/ 426.
(6)
في (س): (يجزئ).
(7)
في (ز): (يجوز).
(8)
انظر: النوادر والزيادات: 2/ 425 و 426.
قوله: (وَلَمْ يَنُبْ قَضَاءُ تَطَوُّعٍ عَنْ وَاجِبٍ) يريد: أن من تطوع بحج قبل الفرض ثم أفسده بالوطء فإنه يلزمه قضاؤه، ولم ينب له ذلك (1) عن حجة الإسلام إذا نوى به ذلك؛ لأن حجة القضاء مترتبة في ذمته وعليه حجة الفرض، وحجة واحدة لا تجزئ عن حجتين.
قوله: (وَكُرِهَ حَمْلُهَا لِلْمَحْمَلِ (2)) أي: أنه يكره للمحرم أن يحمل زوجته أو غيرها للمحمل، قال في كتاب محمد: وإن الناس ليتخذون سلالم (3)، وإلى هذا أشار بقوله:(وَلذَلِكَ اتُّخِذَتِ السَّلالِمُ) أي لأجل الكراهة المذكورة.
قوله: (وَرُؤْيَةُ ذِرَاعَيْهَا لا شَعْرِهَا) قال مالك في كتاب محمد: ولا يلمس المحرم كفي امرأته تلذذًا، ويكره له (4) أن يرى ذراعيها، ولا بأس أنه يرى شعرها (5).
قوله: (وَالْفَتْوَى في أُمُورِهِنَّ (6)) هو معطوف على قوله: (لا شعرها) أي: وكذلك لا يكره الفتوى في أمور النساء، وقاله مالك في الموازية (7).
(المتن)
وَحَرُمَ بِهِ وَبِالْحَرَمِ مِنْ (8) نَحْوِ الْمَدِينَةِ أَرْبَعَةُ أَمْيَالٍ أَوْ خَمْسَةٌ لِلتَّنْعِيمِ، وَمِنَ الْعِرَاقِ ثَمَانِيَةٌ لِلْمَقْطَعِ، وَمِنْ عَرَفَةَ تِسْعَةٌ، وَمِنْ جُدَّةَ عَشْرَةٌ لآخِرِ الْحُدَيْبِيَةِ. وَيَقِفُ سَيْلُ الْحِلِّ دُونَهُ تَعَرُّضُ بَرِّيٍّ، وَإِنْ تَأَنَّسَ أَوْ لَمْ يُؤْكَلْ،
(الشرح)
أي: وحرم بالإحرام، يريد بحج أو عمرة التعرض إلى قتل صيد بري وإن كان متأنسًا أو لم يؤكل، فاحترز بالبري من البحري فإن صيده للمحرم جائز. ابن شاس: وأما البري فيحرم إتلاف جميعه ما أكل لحمه وما لم يؤكل كان متأنسًا أو متوحشًا مملوكًا أو مباحًا (9)، ولما كان المكان الذي يحرم فيه الاصطياد
(1) قوله: (له ذلك) ساقط من (س).
(2)
قوله: (لِلْمَحْمَلِ) ساقط من (س).
(3)
انظر: النوادر والزيادات: 2/ 420.
(4)
قوله: (له) ساقط من (س).
(5)
انظر: النوادر والزيادات: 2/ 420.
(6)
في (س) والمطبوع من مختصر خليل: (أمرهن).
(7)
في (ز): (المدونة). وانظر: النوادر والزيادات: 2/ 420.
(8)
قوله: (مِنْ) ساقط من (ز).
(9)
انظر: عقد الجواهر: 1/ 298.
على المحرم (1) وغيره محدودًا أشار إلى بيانه على ما رواه مالك عن عمر (2) رضي الله عنه في تحديد معالم الحرم، قال في الموازية (3): وحده مما يلي المدينة نحو من أربعة أميال إلى منتهى التنعيم، ومما يلي العراق ثمانية أميال إلى مكان يقال له المقطع، ومما يلي عرفة تسعة أميال، ومما يلي طريق اليمن سبعة أميال إلى موضع يقال له آضاة، ومما يلي جدة عشرة أميال إلى منتهى الحديبية، قال: والحديبية في الحرم، وقال ابن القاسم: سمعت أن الحرم يعرف بأن لا يجري (4) سيل من الحل فيدخل الحرم، وإنما يخرج السيل من الحرم إلى الحل وهو يجري من (5) الحل فإذا انتهى إلى الحرم وقف ولم يدخل الحرم إلا سيل الحرم، نقله في النوادر (6)، وهو معنى قوله هنا:(وَيَقِفُ سَيْلُ الحلِّ دُونَهُ).
(المتن)
أَوْ طَيْرَ مَاءٍ وَجُزْئِهِ وَبَيضِهِ، وَلْيُرْسِلْهُ بِيَدِهِ أَوْ رُفْقَتِهِ، وَزَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ لا بِبَيْتِهِ، وَهَلْ وَإِنْ أَحْرَمَ مِنْهُ؟ تَأْوِيلانِ. فَلا يَسْتَجِدُّ مِلْكَهُ وَلا يُسْتَوْدَعُهُ، وَرُدَّ إِنْ وُجِدَ مُودِعَهُ وَإلَّا بُقِّيَ، وَفِي صِحَّةِ شِرَائِهِ قَوْلانِ، إِلَّا الْفَأْرَةَ وَالْحَيَّةَ وَالْعَقْرَبَ مُطْلَقًا، وَغُرَابًا وَحِدَأَةً، وَفِي صَغِيرِهِمَا خِلافٌ، كَعَادِي سَبُعٍ كَذِئْبٍ إِنْ كَبُرَ، كَطَيْرٍ خِيفَ إِلَّا بِقَتْلِهِ، وَوَزَغًا لِحِلٍّ بِحَرَمٍ، كَأَنْ عَمَّ الْجَرَادُ فَاجْتَهَدَ، وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ، وَفِي الْوَاحِدَةِ حَفْنَةٌ، وَإِنْ فِي نَوْمٍ: وَالْجَزَاءُ بِقَتْلِهِ، وَإِنْ لِمَخْمَصَةٍ وَجَهْلٍ وَنِسْيَانٍ،
(الشرح)
قوله: (أوْ طَيْرِ مَاءٍ وَجُزئِهِ وَبَيْضِهِ) أي: وكذلك يحرم عليه أن يتعرض لطير الماء، قال في المدونة: وإن أصاب شيئًا منه فعليه جزاؤه (7)، وقال في الجواهر: ويحرم التعرض لأجزائه وبيضه (8).
قوله: (وَلْيُرْسِلْهُ بِيَدِهِ أَوْ رُفْقَتِهِ) هذا قريب من قوله في المدونة: ومن أحرم ومعه
(1) قوله: (على المحرم) يقابله في (ز) و (ن 2): (للمحرم).
(2)
في (س): (ابن عمر).
(3)
في (ن): (المدونة).
(4)
في (س): (يجيء).
(5)
في (س): (في).
(6)
انظر: النوادر والزيادات: 2/ 502.
(7)
انظر: المدونة: 1/ 452.
(8)
انظر: عقد الجواهر: 1/ 298.
صيد (1) بيده يقوده أو في قفص معه فليرسله ثم لا يأخذه حتى يحل، فإن أرسله من يده حلالًا أو حرامًا لم يضمن شيئًا؛ لأن ملكه زال عن الصيد بإحرامه (2)، وإلى هذا أشار بقوله:(وَزَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ) وهو المشهور خلافًا لابن القصار والأبهري، وقيل: ليس عليه إرساله.
قوله: (لا بِبَيْتِهِ) أي: فلا يجب على من أحرم وفي بيته صيد أن يرسله ولا شيء عليه، وقاله في المدونة (3)، واختلف هل هو على إطلاقه وهو رأي ابن يونس أو هو مقيد بما إذا لم يحرم من بيته، فإن (4) أحرم من بيته وجب عليه أن يرسله كما قال (5) في القفص (6)، وإلى هذين التأويلين أشار بقوله:(وَهَلْ وَإِنْ أَحْرَمَ مِنْهُ؟ تَأْوِيلانِ) أي: من بيته أو بشرط ألا يحرم منه تأويلان.
قوله: (فَلا يَسْتَجِدُّ مِلْكَهُ) أي: فإن أبقى الصيد بيده بعد إحرامه حتى حل فليس له أن يتملكه، وهو معنى قوله:(فلا يستجد ملكه)، ويحتمل أن يريد أن المحرم لا يجوز له في حال إحرامه استحداث ملك الصيد. ابن عبد البر: أجمع العلماء على أن من وهب له صيد في حال إحرامه لا يجوز له قبوله ولا شراؤه ولا اصطياده ولا استحداث ملكه بوجه من الوجوه (7).
قوله: (وَلا يُسْتَوْدَعُهُ) أي: ولا يجوز للمحرم أن يأخذ صيدًا وديعة عنده لغيره، فإن استودعه وجب عليه إرساله وضمن لربه قيمته، ولو أحرم وبيده صيد وديعة رده لصاحبه إن وجده فإن لم يجد صاحبه أبقاه بيده، وإليه أشار بقوله:(وَرُدَّ إِنْ وَجَدَ مُودِعَهُ وَإلا بَقِيَ) قال في الموازية (8): وإن أرسله ضمن (9).
(1) في (ز): (صيده).
(2)
انظر: المدونة: 1/ 447 و 448.
(3)
انظر: المدونة: 1/ 447.
(4)
في (ز): (أو إن).
(5)
قوله: (قال) زيادة من (س).
(6)
انظر: الجامع، لابن يونس، ص: 1761 و 1762.
(7)
انظر: التمهيد: 9/ 58.
(8)
في (ز)، وفي (ن 2):(المدونة).
(9)
انظر: النوادر والزيادات: 2/ 471.
قوله: (وَفي صِحَّةِ اشْتِرَائِهِ قَوْلانِ) يريد (1): إنما هذا بعد الوقوع، وإلا (2) فقد تقدم أن ابن عبد البر حكى الإجماع على عدم جواز شراء المحرم الصيد في حال إحرامه؛ أي: فلو تعدى واشتراه فهل شراؤه صحيح أم فاسد؟ قولان.
قوله: (إِلا الْفَأْرَةَ وَالحَيَّةَ وَالْعَقْرَبَ مُطْلَقًا، وَغُرَابًا، وَحِدَأَةً) وهذا (3) مستثنى من قوله: (حرم بالحرم والإحرام تعرض بري)؛ أي: إلا ما ورد في الصحيحين مما يباح قتله في الحل والحرم، وهي: الفأرة وما بعدها، وقد روي أنه عليه السلام قال:"خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم: الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور"(4)، خرجه الصحيحان، وقوله:(مُطْلَقًا) أي: أنه لا فرق في الفأرة والحية والعقرب بين الكبير والصغير؛ لأن صغيرها (5) يؤذي ككبيرها (6).
قوله: (وَفي صَغِيرِهِمَا خِلافٌ) أي: صغير الغراب والحدأة، قال ابن راشد: والمشهور القتل (7)؛ لعموم الحديث، وقال ابن هارون: المشهور المنع (8).
قوله: (كَعَادِي سَبُعٍ) أي: وكذلك لا يحرم قتل كل عادٍ (9) من السباع كالأسد والنمر والفهد ونحوها مما يعدو، وهو المشهور حملًا لقوله عليه السلام:"والكلب العقور" على ذلك، وقيل: المراد الكلب الإنسي. الباجي: ولم يختلف قول مالك في الأسد والفهد والنمر أنه يجوز قتلها، واختلف قوله في الذئب، فروي عنه إباحة ذلك، وعنه منعه (10)،
(1) قوله: (يريد: ) ساقط من (س).
(2)
في (س): (وإنما).
(3)
في (س): (هو).
(4)
متفق عليه، أخرجه البخاري: 3/ 1204، في باب خمس من الدواب فواسق يقتلن في الحرم، من كتاب بدء الخلق، برقم 3136، ومسلم: 2/ 856، في باب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل والحرم، من كتاب الحج، برقم 1189، ومالك: 1/ 357، في باب ما يقتل المحرم من الدواب، من كتاب الحج، برقم:791.
(5)
في (ز): (صغيرهما).
(6)
في (ز): (ككبيرهما).
(7)
انظر: لباب اللباب، ص:77.
(8)
انظر: التوضيح: 3/ 100.
(9)
في (س): (كل ذي عاد).
(10)
انظر: المنتقى: 3/ 453 و 454.
وإليه أشار بقوله: (كَذِئْبٍ).
قوله: (إِنْ كَبُرَ) يعني أن الذئب الذي روي عن (1) مالك إباحة قتله إنما هو إذا كان كبيرًا؛ لأنه الذي يحصل منه الأذى غالبًا، وأما الصغير فلا يقتل على مذهب المدونة (2)، وعن ابن القاسم الكراهة، وقال أشهب: يقتل (3).
قوله: (كَطَيْرٍ خِيفَ، إِلا بِقَتْلِهِ) أي: وكذا يقتل الطير إذا عدا عليه وخيف من إذايته (4) ولا تندفع إلا بقتله، وقال أشهب: عليه في الطير الفدية (5).
قوله: (وَوَزَغًا لِحِلٍّ بِحَرَمٍ) أي: وكذلك يجوز للحلال أن يقتل الوزغ في الحرم، وفهم من تخصيصه جواز القتل بالحلال أن المحرم يمنع من ذلك، وقاله مالك (6).
قوله: (كَأَنْ عَمَّ الْجَرَادُ) أي: ولا يستطاع دفعه، قال في المختصر: ولا شيء على من أصاب منه حينئذٍ شيئًا ولو أطعم شيئًا من الطعام كان أحسن (7).
قوله: (فَاجْتَهَدَ (8)) أي: في التحفظ منه.
قوله: (وَإلا فَقِيمَتُهُ) أي: وإن لم يكثر الجراد ولا مشقة فيه فعليه ضمانه إذا قتله وهو المراد بالقيمة.
قوله: (وَفي الْوَاحِدَةِ حَفْنَةٌ) أي: من الطعام بيد واحدة، وهو معنى قوله في الموازية: قبضة (9).
قوله: (وَإنْ في نَوْمٍ) أي: إذا تقلَّب عليه في نومه فقتله فعليه جزاؤه.
قوله: (وَالجَزَاءُ بِقَتلِهِ، وَإنْ لِمَخْمَصَةٍ) الضمير في (بقتله) عائد على الصيد المفهوم من السياق؛ أي: ويجب الجزاء بقتل الصيد وإن كان السبب في ذلك حصول مخمصة
(1) في (ز): (عنه).
(2)
انظر: المدونة: 1/ 449.
(3)
انظر: النوادر والزيادات: 2/ 463.
(4)
في (س): (أذيته).
(5)
انظر: النوادر والزيادات: 2/ 463.
(6)
انظر: النوادر والزيادات: 2/ 461.
(7)
انظر: النوادر والزيادات: 2/ 465.
(8)
في (ز) و (ن 2) والمطبوع من مختصر خليل: (واجتهد).
(9)
انظر: النوادر والزيادات: 2/ 464.
ومجاعة، وقاله في الجواهر (1) وغيرها، وحكى اللخمي قولًا بعدم الجزاء (2). وأشار بقوله:(وَجَهْلٍ وَنِسْيَانٍ) إلى أن حكم الجهل والنسيان والعمد في قتل الصيد وإتلافه في الجزاء واحد؛ يريد: إلا في الإثم، وعن ابن عبد الحكم: أن لا جزاء (3) في غير العمد (4).
(المتن)
وَتَكَرَّرَ كَسَهْمٍ مَرَّ بِالْحَرَمِ، وَكَلْبٍ تَعَيَّنَ طَرِيقُهُ، أَوْ قَصَّرَ فِي رَبْطِهِ، أَوْ أَرْسَلَ بِقُرْبِهِ فَقَتَلَ خَارِجَهُ، وَطَرْدِهِ مِنْ حَرَمٍ، وَرَمْيٍ مِنْهُ أَوْ لَهُ، وَتَعْرِيضِهِ لِلتَّلَفِ، وَجَرْحِهِ وَلَمْ يتَحَقَّقْ سَلامَتَهُ، وَلَوْ بِنَقْصٍ، وَكَرَّرَ إنْ أَخْرَجَ لِشَكٍّ ثُمَّ تُحُقِّقَ مَوْتَهُ، كَكُلٍّ مِنَ الْمُشْتَرِكِينَ، وَبِإرْسَالٍ لِسَبُعٍ، أَوْ نَصْبِ شَرَكٍ لَهُ، وَبِقَتْلِ غُلامٍ أُمِرَ بِإفْلاتِهِ فَظَنَّ الْقَتْلَ، وَهَلْ إِنْ تَسَبَّبَ السَّيِّدُ فِيهِ أَوْ لا؟ تَأْوِيلانِ.
(الشرح)
قوله: (وَتَكَرَّرَ) أي أن الجزاء يتكرر بحسب (5) تكرار الموجب، وهو المشهور خلافًا لابن عبد الحكم؛ لقوله تعالى:{وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} [المائدة: 95] أي: في الآخرة أو يعفو عنه.
قوله: (كَسَهْمٍ مَرَّ بالْحَرَمِ) أي: وكذلك يجب الجزاء على من رمى صيدًا وهما في الحل إلا أن السهم قطع أطراف (6) الحرم، ثم خرج إلى الحل فقتل الصيد فيه، وهو قول ابن القاسم، وقال أشهب: لا جزاء (7).
قوله: (وَكَلْبٍ تَعَيَّن طَرِيقُهُ) أي: وكذلك يجب الجزاء على من أرسل كلبًا على صيد في الحل فدخلا معًا في الحرم ثم خرجا منه فأدركه في الحل فقتله فيه، وقيد وجوب الجزاء بما إذا لم يكن للكلب طريق سوى الحرم كما قال:(تعين طريقه)؛ لأن الرامي حينئذٍ منتهك حرمة الحرم، فإن كان له طريق من غير الحرم فلا شيء عليه لعدم الانتهاك.
(1) انظر: عقد الجواهر: 1/ 300.
(2)
في (ز): (الإجزاء)، انظر: التبصرة، للخمي، ص: 1304، وما بعدها.
(3)
قوله: (لا جزاء) يقابله في (ز) و (ن): (الإجزاء).
(4)
انظر: النوادر والزيادات: 2/ 465.
(5)
في (ز): (بحيث).
(6)
في (س): (هواء طرف).
(7)
انظر: النوادر والزيادات: 2/ 474.
قوله: (أَوْ قَصَّرَ في رَبْطِهِ) يريد أنه إذا كان محرمًا أو هو في الحرم ومعه كلب أو جارح يصيد به فانفلت من يده فقتل صيدًا، وقد كان قصر في رباطه أولًا، فعليه الجزاء، وإن لم يقصر فلا شيء عليه.
قوله: (أَوْ أُرْسِلَ بِقُرْبِهِ فَقَتَلَ خَارِجَهُ) الضمير في (بِقُرْبِهِ) و (خَارِجَهُ) عائد على الحرم، ولا بد من حذف في كلامه ومعناه: وكذلك يجب عليه الجزاء إذا أرسل جارحه بقرب الحرم (1) فدخل ثم خرج فقتل الصيد خارجه، لأنه منتهك حرمة الحرم.
قوله: (وَطَرْدِهِ مِنْ حَرَمٍ) وهذا وما بعده معطوف على قوله: (وَالجَزَاءُ بِقَتْلِهِ) أي: ويجب الجزاء بطرد الصيد من الحرم إلى الحل، وقاله في المدونة (2)، يريد إذا كان الصيد لا يمكنه النجاة بنفسه؛ لأنه أخرجه من مأمنه وعرضه للتلف، فإن كان ينجو بنفسه فلا شئ عليه.
قوله: (وَرَمْيٍ (3) مِنْهُ أَوْ لَهُ) أي: وكذلك يجب الجزاء إذا كان في الحرم فرمى صيدًا في الحل أو العكس، وهو معنى قوله:(أو له) أي: رمى من الحل للحرم، وقاله في المدونة (4)، وقال أشهب وعبد الملك: إذا رمى صيدًا من الحل وهو في الحرم فلا جزاء عليه (5).
قوله: (وَتَعْرِيضِهِ لِلتَّلَفِ) كما إذا نتف ريشه فمات، أو حبسه فمات، أو نفَّره (6) فهلك ونحو ذلك في المدونة (7).
قوله: (وَجَرْحِهِ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ سَلامَتَهُ) كما إذا جرحه وغاب عنه، وقاله في المدونة (8)،
(1) قوله: (ولا بد من حذف في كلامه ومعناه: وكذلك يجب عليه الجزاء إذا أرسل جارحه بقرب الحرم) ساقط من (ز).
(2)
انظر: المدونة: 1/ 444.
(3)
في (ز): (أو رمي).
(4)
انظر: المدونة: 1/ 444.
(5)
انظر: النوادر والزيادات: 2/ 474.
(6)
في (ز): (نغزه).
(7)
انظر: المدونة: 1/ 447.
(8)
انظر: المدونة (دار صادر): 2/ 433.
وقال عبد الملك: لا شيء عليه (1)؛ لأن الأصل براءة الذمة، أما إذا أُنْفِذَتْ مقاتله فلا خلاف في الجزاء؛ لأنه حينئذٍ في حكم الميت، واختلف إذا أيقن لحاقه بنقص فالمشهور وهو مذهب المدونة: لا شيء عليه (2)، وإليه أشار بقوله:(وَلَوْ بِنَقْصٍ) أي: ولا شيء عليه إن تحقق سلامته ولو مع نقص، وقال محمد: يلزمه ما بين القيمتين (3)، فيقوَّم صحيحًا مثلًا بعشرة أمداد ومعيبًا بثمانية فيغرم مُدَّين وهو ما بين القيمتين.
قوله: (وَكَرَّرَ إِنْ أَخْرَجَ لِشَكٍّ، ثُمَّ تَحَقَّقَ مَوْتَهُ) يريد فإن جرح صيدًا وغاب عنه، ولم يتحقق سلامته فأخرج جزاءه وهو على شك، ثم ثبت أنه مات بعد الإخراج فإنه يخرج ثانيًا، وهو مراده بالتكرار (4)، واقتضى كلامه أنه لو بقي على شكه (5) لم يكن عليه جزاءٌ ثانٍ.
قوله: (كَكُلٍّ مِنَ المُشْتَرِكِينَ) أي: وكذلك يتكرر الجزاء إذا اجتمع على قتل الصيد اثنان فأكثر ويكون على كل واحد جزاء كامل وهو المشهور، وفي الذخيرة قول باتحاد الجزاء (6) كمذهب الشافعي (7).
قوله: (وَبِإرْسَالٍ لِسَبُعٍ) أي: وكذا يترتب الجزاء على من أرسل كلبًا أو بازيًّا على ما يجوز قتله كالسبع والنمر والذئب ونحو ذلك فقتل صيدًا، وهو مذهب المدونة (8)، وقال أشهب: لا جزاء عليه (9).
اللخمي: وهو أبين (10).
قوله: (أَوْ نَصْبِ شَرَكٍ لَهُ) أي: وكذا يترتب عليه الجزاء إذا نصب شركًا للسبع
(1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 468.
(2)
انظر: المدونة: 1/ 447.
(3)
انظر: النوادر والزيادات: 2/ 468.
(4)
قوله: (بالتكرار) ساقط من (س).
(5)
في (ز): (شك).
(6)
في (ن): (الأجزاء).
(7)
انظر: الذخيرة: 3/ 320.
(8)
انظر: المدونة: 1/ 495.
(9)
انظر: النوادر والزيادات: 2/ 468.
(10)
انظر: التبصرة، للخمي، ص:1325.
ونحوه فوقع فيه صيد فعطب، وقاله في المدونة، وقال سحنون: لا جزاء لأنه فعل ما يجوز له (1).
وقال أشهب: إن كان موضعًا يتخوف فيه على الصيد وداه وإلا فلا شيء عليه، واختاره ابن المواز (2).
قوله: (وَبِقَتْلِ غُلامٍ أُمِرَ بِإفْلاتِهِ فَظَنَّ الْقَتْلَ) هذه مسألة المدونة وهي إذا أمر المحرم عبده أن يرسل صيدًا كان معه فظن العبد أنه أمره بذبحه فذبحه، فعلى السيد الجزاء قال فيها: وإن كان العبد محرمًا فعليه الجزاء أيضًا ولا ينفعه خطؤه (3). اللخمى: والأحسن ألا شيء على السيد كان العبد حلالًا أو حرامًا؛ لأن الخطأ من العبد (4).
قوله: (وَهَلْ إِنْ تَسَبَّبَ السَّيِّدُ فِيهِ أَوْ لا؟ تَأْوِيلانِ) أي: وهل وجوب الجزاء على السيد مشروط بأن يكون هو المتسبب للعبد في أخذ الصيد، وإليه ذهب ابن الكاتب قال: وأما إن صاده العبد بغير إذنه فلا شيء على السيد إذ لم يفعل إلا خيرًا، أو ذلك (5) مطلقٌ، وإليه ذهب ابن محرز (6)؟
(المتن)
وَبِسَبَبٍ وَلَوِ اتَّفَقَ، كَفَزَعِهِ فَمَاتَ، وَالأَصَحُّ وَالأَظْهَرُ خِلافُهُ، كَفُسْطَاطِهِ وَبِئْرٍ لِمَاءٍ، وَدِلالَةِ مُحْرِمٍ أَوْ حِلٍّ، وَرَمْيِهِ عَلَى فَرْعٍ أَصْلُهُ بِالْحَرَمٍ، أَوْ بِحِلٍّ وَتَحَامَلَ فَمَاتَ بِهِ، إِنْ أَنْفَذَ مَقْتَلَهُ، وَكَذَا إِنْ لَم يُنْفَذْ عَلَى الْمُخْتَارِ، أَوْ أمْسَكَهُ لِيُرْسِلَهُ فَقَتَلَهُ مُحْرِمٌ، وإلَّا فَعَلَيْهِ، وَغَرِمَ الْحِلُّ لَهُ الأَقَلَّ، وَلِلْقَتْلِ شَرِيكَانِ. وَمَا صَادَهُ مُحْرِمٌ أَوْ صِيدَ لَهُ مَيْتَةٌ، كَبَيْضِهِ وَفِيهِ الْجَزَاءُ، إِنْ عَلِمَ وَأَكَلَ، لا فِي أَكْلِهَا، وَجَازَ مَصِيدُ حِلٍّ لِحِلٍّ وَإنْ سَيُحْرِمُ، وَذَبْحُهُ بِحَرَمٍ مَا صِيدَ بِحِلٍّ، وَلَيْسَ الإِوَزُّ وَالدَّجَاجُ بِصَيْدٍ، بِخِلافِ الْحَمَامِ.
(الشرح)
قوله: (وَبِسَبَبٍ وَلَوِ اتَّفَقَ كَفَزَعِهِ فَماتَ) هذا هو السبب الاتفاقي، وهو ألا يقصد إلى قتل
(1) انظر: المدونة: 1/ 447.
(2)
انظر: النوادر والزيادات: 2/ 469.
(3)
انظر: المدونة، دار صادر: 2/ 433.
(4)
انظر: التبصرة، للخمي، ص:1321.
(5)
في (س): (وذلك).
(6)
انظر: التوضيح: 3/ 105.
الصيد ألبتة، وإنما اتفق إهلاكه من غير شعور كما إذا رآه الصيد ففزع منه فمات أو فر فعطب فعليه الجزاء، قاله في المدونة (1)، وقال أشهب: لا جزاء (2) عليه. أبو إسحاق: وهو الصواب، واختاره ابن المواز وهو أظهر (3)، ولا تكون حرمته أعظم من حرمة الآدمي (4)، وإليه أشار بقوله:(وَالأَصَحُّ وَالأَظْهَرُ خِلافُهُ) أي: خلاف قول ابن القاسم.
قوله: (كَفُسْطَاطِهِ وَبِئْرٍ لِمَاءٍ) أي: فإنه لا جزاء عليه بسببهما، وقاله ابن القاسم (5) وأشهب (6).
قوله: (وَدِلالَةِ مُحْرِمٍ أَوْ حِلٍّ) أي: وكذا لا جزاء على من دل غيره على صيد فقتله (7) سواء كان الدال حلالًا أو حرامًا، وقاله في المدونة (8)، وحكى ابن المواز عنه أنه قال: إذا دل المحرم محرمًا على صيد فقتله فعلى كل واحد منهما جزاء، وإن دل حلالًا فليستغفر الله ولا شيء عليه، والأشبه أن عليه الجزاء إذا دل حلالًا (9)، وقال ابن وهب: هو أحب إليَّ (10).
قوله: (وَرَمْيِهِ عَلَى فَرْعٍ أصْلُهُ بِالحَرمِ) أي: وكذلك لا جزاء على من رمى (11) صيدًا على فرع في الحل أصله في الحرم، وهو مذهب المدونة (12)؛ لأنه إنما صاد في الحل، وقال عبد الملك: عليه الجزاء (13).
قوله: (أوْ بِحِلٍّ وتَحَامَلَ فَماتَ بِهِ، إِنْ أَنْفَذَ مَقْتَلَهُ) أي: وكذلك لا جزاء على من رمى
(1) انظر: المدونة: 1/ 447.
(2)
في (س): (شيء).
(3)
انظر: النوادر والزيادات: 2/ 468.
(4)
انظر: التوضيح: 3/ 104.
(5)
انظر: المدونة: 1/ 447.
(6)
انظر: عقد الجواهر: 1/ 299.
(7)
قوله: (فقتله) ساقط من (ن 2).
(8)
انظر: المدونة: 1/ 494.
(9)
انظر: النوادر والزيادات: 2/ 467.
(10)
انظر: التوضيح: 3/ 107.
(11)
في (ن): (أصاب).
(12)
انظر: المدونة: 1/ 553.
(13)
انظر: النوادر والزيادات: 2/ 473.
صيدًا في الحل فتحامل حتى دخل الحرم فمات فيه إن كان قد أنفذ مقتله، وهذا مما لا إشكال فيه. اللخمي: اختلف إذا لم ينفذ مقاتله، فقال أشهب: يؤكل (1)، وقال أصبغ: لا يؤكل ولا جزاء عليه (2)، قال: وقول أشهب أبين؛ لأنه إنما مات من تلك الرمية بالحضرة فكانت مقتلًا (3)، وإلى هذا أشار بقوله:(وَكَذَا إِنْ لَمْ يُنْفَذْ عَلَى المُخْتَارِ) وقال التونسي: الأشبه أن عليه الجزاء ولا يؤكل (4).
قوله: (أَوْ أَمْسَكَهُ ليُرْسِلَهُ إِنْ قتَلَهُ مُحْرِمٌ) أي (5): وكذلك لا جزاء على المحرم إذا أمسك صيدًا ليرسله فقتله محرم، يريد: وعلى المحرم (6) الجزاء، قاله في المدونة (7)، واحترز بقوله:(ليرسله)(8) مما إذا أمسكه للقتل فإن عليه الجزاء، وبقوله:(محرم) مما إذا قتله حلال فإن الجزاء على الممسك، وإليه أشار بقوله:(وَإلا فَعَلَيْهِ) وقال سحنون: لا شيء عليه.
قوله: (وَغَرِمَ الحِلُّ لَهُ الأَقَلَّ)(9) أي: فإن أمسكه للقتل فقتله حلال فعلى القاتل القيمة ما لم تكن أكثر من الجزاء فلا يلزمه إلا الجزاء؛ لأن المحرم يقول: كنت أقدر على السلامة بإطلاقه (10) فعليك ما أدخلت عليَّ بقتله. وقال أشهب: على كل واحد منهما جزاء إن كان في الحرم ويغرم الحلال قيمته للمحرم، وإن كان في الحل غرم له قيمته والجزاء على المحرم وحده (11)، وإليه أشار بقوله:(وَلِلْقَتْلِ شَرِيكَانِ) أي: في الجزاء.
(1) انظر: البيان والتحصيل: 3/ 320 و 321.
(2)
انظر: النوادر والزيادات: 2/ 474.
(3)
انظر: التبصرة، للخمي، ص:1324.
(4)
انظر: التوضيح: 3/ 108.
(5)
قوله: (قوله) ساقط من (ز).
(6)
في (ن): (القاتل).
(7)
انظر: المدونة: 1/ 495.
(8)
قوله: (فقتله محرم، يريد: وعلى المحرم
…
: "ليرسله") ساقط من (س).
(9)
قوله: (قوله: "وَغَرِمَ الحِلُّ لَهُ الأقَلَّ") زيادة من (س).
(10)
قوله: (بإطلاقه) زيادة من (س).
(11)
انظر: النوادر والزيادات: 2/ 470.
قوله: (وَمَا صَادَهُ مُحْرِمٌ أَوْ صِيدَ لَهُ مَيْتَةٌ (1)) أي: فلا يأكله حلال ولا حرام، وعن ابن القاسم: إن كان عالمًا أنه صيد من أجله أو من أجل محرم سواه فالجزاء عليه؛ وإن لم يعلم فلا شيء عليه (2)، وقال أصبغ: لا جزاء (3) عليه وإن صيد من أجله وعلم (4).
قوله: (كَبَيْضِهِ) أي: كبيض الصيد فإنه إذا أخذه المحرم أو أخذ من أجله فهو ميتة لا يؤكل لحلال ولا لحرام، وهو مذهب الجمهور.
قوله: (وَفِيهِ الجَزَاءُ، إِنْ عَلِمَ وَأَكَلَ (5)) هو مقيد بما صيد للمحرم؛ يعني: فإن صيد لأجل المحرم فعلم به وأكل فإن عليه الجزاء؛ لأن الصائد (6) إنما اصطاده لأجله، وقد تقدم ما في ذلك.
قوله: (لا في أَكْلِهَا) أي: أكل الميتة فلا يترتب عليه بأكلها جزاء ئانٍ وهو المشهور.
قوله: (وَجَازَ مَصِيدُ حِلٍّ لِحِلٍّ) لا إشكال في ذلك إذا صيد (7) في غير الحرم. ابن شاس: ولا بأس بأكل المحرم من لحم صيد صاده الحلال لنفسه أو لحلال (8).
قوله: (وَإِنْ سَيُحْرِمُ) يريد أن الحكم في ذلك الجواز وإن كان الذي صيد من أجله يريد أن يحرم بعد ذلك.
قوله: (وَذَبْحُهُ بِحَرَمٍ مَا صِيدَ بِحِلٍّ) أي: يجوز للمحرم (9) أن يذبح في الحرم ما صيد في الحل، وقاله في المدونة (10).
قوله: (وَلَيْسَ الإِوَزُّ وَالدَّجَاجُ بِصَيْدٍ) أي: فللمحرم وغيره أن يذبحه في الحرم وغيره.
(1) في المطبوع من مختصر خليل: (ميت)
(2)
انظر: النوادر والزيادات: 2/ 465 و 466.
(3)
قوله: (لا جزاء) يقابله في (ن): (جزاء).
(4)
انظر: عيون المجالس: 2/ 875، وعقد الجواهر: 1/ 301.
(5)
قوله: (وَأَكَلَ) ساقط من (ن 2).
(6)
في (س): (الصيد).
(7)
قوله: (إذا صيد) ساقط من (ن 2).
(8)
انظر: عقد الجواهر: 1/ 300.
(9)
في (ز 2) و (س) و (ن) و (ن 1) و (ن 2): (للحل).
(10)
انظر: المدونة: 1/ 451.
قوله: (بِخِلافِ الحَمَامِ) أي: فإنه يكره ذبحها قاله مالك (1)، وهل الكراهة على المنع أو على بابها؟ قولان.
(المتن)
وَحَرُمَ بِهِ قَطْعُ إِلَّا الإِذْخِرَ وَالسَّنَا، كَمَا يُسْتَنْبَتُ، وَإِنْ لَمْ يُعَالَجْ، وَلا جَزَاءَ، كَصَيْدِ الْمَدِينَةِ بَيْنَ الْحِرَارِ، وَشَجَرِهَا بَرِيدًا فِي بَرِيدٍ، وَالْجَزَاءُ بِحُكْمِ عَدْلَيْنِ فَقِيهَيْنِ بِذَلِكَ، مِثْلُهُ مِنَ النَّعَمِ، أَوْ إِطْعَامٌ بِقِيمَةِ الصَّيدِ يَوْمَ التَّلَفِ بِمَحَلِّهِ، وَإِلَّا فَبِقُرْبِهِ. وَلا يُجْزِئُ بِغَيْرِهِ وَلا زَائِدٌ عَلَى مُدٍّ لِمِسْكِينٍ؛ قَالَ إِلَّا أَنْ يُسَاوِيَ سِعْرَهُ فَتَأْوِيلانِ. أَوْ لِكُلِّ مُدٍّ صَوْمُ يَوْمٍ، وَكَمَّلَ لِكَسْرِهِ: فَالنَّعَامَةُ بَدَنَةٌ وَالْفِيلُ بِذَاتِ سَنَامَيْنِ، وَحِمَارُ الْوَحْشِ، وَبَقَرُهُ بَقَرَةٌ وَالضَّبُعُ وَالثَّعْلَبُ شَاةٌ كَحَمَامِ مَكَّةَ وَالْحَرَمِ وَيَمَامِهِ بِلا حُكْمٍ،
(الشرح)
قوله: (وَحَرُمَ بِهِ) أي: بالحرم قطع ما ينبت بنفسه؛ أي: ما عادته أن يطلع من غير صنع أدمي ولا معالجة.
قوله: (إِلا الإِذْخِرَ وَالسَّنَا) أي: فلا يحرم قطعهما، معناه ولا يكره لما جاء في الحديث (2).
قوله: (كَمَا يُسْتَنْبَتُ) أي: فلا يحرم قطعه أيضًا كشجر الرمان والخوخ ونحوهما
(1) انظر: المدونة: 1/ 450.
(2)
جاءت الأحاديث صريحة في جواز قطع الإذخر، وقاس أهل المذهب "السنا" عليه قياس الأولى بالحكم؛ لأن حاجة الناس إليه في الأدوية أكثر وأشد من حاجة أهل مكة إلى الإذخر، فجاء فيما يخص الإذخر حديث متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 452، في باب الإذخر والحشيش في القبر، من كتاب الجنائز، برقم 1284، ومسلم: 2/ 986، في باب تحريم مكة
…
، من كتاب الحج، برقم 1353.
وجاء في فضل "السنا" قوله صلى الله عليه وسلم: "لو أن شيئًا كان فيه شفاء من الموت لكان في السنا".
أخرجه الترمذي: 4/ 408، في باب السنا، من كتاب الطب، برقم: 2081، وقال: هذا حديث حسن غريب، وأحمد: 6/ 369، برقم: 27125، وابن أبي شيبة: 5/ 33، في باب شرب الدواء الذي يمشي، من كتاب الطب، برقم: 23435، والحاكم: 4/ 223، برقم: 7440، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، والبيهقي في الكبرى: 9/ 346، في باب أدوية النبي صلى الله عليه وسلم
…
، من كتاب الضحايا، برقم:19364.
والبقول والسلق والخس (1) وغير ذلك مما ينبت بالعلاج والصنعة، وأشار بقوله:(وَإِنْ لَمْ يُعَالَجْ) إلى أن ما كان عادته أن يستنبت فاتفق أنه طلع بنفسه من غير علاج فإن حكمه حكم غالبه ويجوز قطعه نظرًا إلى الجنس، وحكم العكس على العكس من ذلك.
قوله: (وَلا جَزَاءَ) أي: ويستغفر الله، قاله في المدونة (2).
قوله: (كَصَيْدِ المَدِينَةِ بَيْنَ الحِرَارِ، وَشَجَرِهَا بَرِيدًا فِي بَرِيدٍ) يعني أن صيد المدينة يحرم في حرمها كما يحرم قطع شجر حرم مكة ولا جزاء فيه، كما أنه لا جزاء في الشجر ونحوها على ما سبق، والتشبيه بين صيد (3) حرم المدينة وقطع شجر حرم مكة في تحريم الصيد وعدم الجزاء، وكذلك حكم شجر المدينة، وهو مراده (4) بقوله:(وشجرها)، والأصل في تحريم صيد المدينة وشجرها ما في الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام قال:"إني لأحرم ما بين لابَتَي المدينة أن يقطع عضاهها أو يقتل صيدها"(5)؛ أي: بين الحِرَار الأربع، وإليه أشار بقوله:(بين الحرار). ابن حبيب: إنما هذا في الصيد وأما في قطع الشجر فبريد في بريد (6)، وقاله غيره ونص عليه مالك أيضًا (7)، وإليه أشار بقوله (8):(وَشَجَرِهَا بَرِيدًا فِي بَرِيدٍ) والمشهور ما قدمناه أن لا جزاء في صيد المدينة خلافًا لابن نافع، وعليه فيحرم أكله، وروى أشهب فيه الكراهة (9).
(1) قوله: (والسلق والخس) يقابله في (ن): (الفستق والحمس).
(2)
انظر: المدونة: 1/ 456.
(3)
قوله: (صيد) زيادة من (س).
(4)
قوله: (حرم مكة ولا جزاء
…
شجر المدينة، وهو مراده) يقابله في (ن 2):(في قطع شجر مكة ولا جزاء، كما أنه لا جزاء في شجرها على ما سبق، والتشبيه بين حرم المدينة وشجر مكة في تحريم الصيد وعدم الجزاء، وكذلك حكم شجر المدينة، وهو المراد).
(5)
أخرجه مسلم: 2/ 992، في باب فضل المدينة
…
، من كتاب الحج، برقم: 1363، وابن أبي شيبة: 7/ 295، برقم: 36220، وعبد بن حميد، ص 81، برقم: 153، وأحمد: 1/ 181، برقم: 1573، وأبو يعلى: 2/ 58، برقم:699.
(6)
انظر: النوادر والزيادات: 2/ 503.
(7)
انظر: التوضيح: 3/ 120.
(8)
قوله: ("بين الحرار" ابن حبيب إنما هذا في الصيد
…
بقوله) زيادة من (س).
(9)
انظر: البيان والتحصيل: 4/ 19.
قوله: (وَالجَزَاءُ بِحُكْمِ عَدْلَيْنِ فَقِيهَيْنِ بذَلِكَ) الأصل فيه قوله تعالى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95]. وقوله: (فقيهين) أَي: بذلك؛ إذ (1) لا يشترط أن يكونا فقيهين بجميع أبواب الفقه.
قوله: (مِثْلُهُ مِنَ النَّعَمِ) الضمير عائد على الصيد؛ أي: والجزاء مثل الصيد، والمراد ما قاربه في الصورة والقدر، ولهذا كان في النعامة بدنة (2) لقربها منها صورة وقدرًا، فإن لم يوجد مثله في القدر والصورة فالقدر كافٍ.
قوله: (أَوْ إِطعَامٌ) يشير إلى أن ذلك على التخيير، وهو قوله (3) تعالى:{أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ} [المائدة: 95].
قوله: (بقِيمَةِ الصَّيْدِ) أي أن المقوَّم هو الصيد المقتول لا عدله، فيقال: كم يساوي هذا الظبي (4) الذي وجب فيه الجزاء؟ فإذا قيل عشرة أمداد من الحنطة أعطي ذلك للفقراء.
قوله: (يَوْمَ التَّلَفِ) أي: أن القيمة إنما تعتبر يوم التلف وهو الأصح، وقيل: يوم القضاء، وقيل: الأكثر من القيمتين (5) من يوم القضاء إلى يوم الإتلاف.
قوله: (بِمَحَلِّهِ) أي: محل الإتلاف؛ يريد: إذا كان له هناك قيمة، فإن لم يكن له (6) قيمة فالمعتبر أقرب الأماكن إلى محل الإتلاف، وإليه أشار بقوله:(وَإلا فَبِقُرْبِهِ) كسائر المتلفات.
قوله: (وَلا يُجْزِئُ بِغَيْرِهِ) يعني: أنه مطلوب ابتداء بأن يخرج بمحل التقويم، فإن أخرجه في غيره فمذهب المدونة عدم الإجزاء، ومذهب الموطأ الإجزاء.
قوله: (وَلا زَائِدٌ عَلَى مُدٍّ لِمِسْكِينٍ (7)) أي: لا يجزئ ذلك، وهو ظاهر الموطأ (8)
(1) قوله: (إذ) زيادة من (س).
(2)
في (ن): (فدية).
(3)
في (ن 2): (كقوله).
(4)
في (ن): (الطير).
(5)
قوله: (من القيمتين) زيادة من (س).
(6)
قوله: (له) ساقط من (س).
(7)
الذي في شفاء الغليل، لابن غازي، ص: 246: (لكل مسكين).
(8)
انظر: الموطأ: 1/ 355.
والمدونة (1).
قوله: (قَالَ (2) إِلا أَنْ يُسَاوِيَ سِعْرَهُ فتَأْوِيلانِ) (3) قال محمد: إن أصاب الصيد بمصر فأطعم في المدينة أجزأه بخلاف العكس (4)، واختلف هل هو تفسير أو خلاف؛ وإليه أشار بقوله:(إِلا أَنْ يُسَاوِيَ سِعْرَهُ فتَأْوِيلانِ) وقال أصبغ: يجزئ حيث شاء إذا أخرج (5) على سعر البلد المحكوم فيه (6).
قوله: (أوْ لِكُلِّ مُدٍّ صَوْمُ يَوْمٍ وَكَمَّلَ لِكَسْرِهِ) هكذا قال في المدونة: وإنما وجب في كسر المد يوم (7)؛ لأنه لا يمكن إلغاؤه، ولا يتبعض الصوم فلم يبقَ إلا جبره بالإكمال كالأيمان في القسامة.
قوله: (فَالنَّعَامَةُ بَدَنَةٌ) هذا مما لا إشكال فيه؛ لأن البدنة تقارب النعامة في القدر والصورة، وتقدير كلامه فالنعامة فيها (8) بدنة أو نظيرتها بدنة، أو ففي النعامة بدنة.
قوله: (وَالْفِيلُ بِذَاتِ سَنَامَيْنِ) أي: وكذلك في الفيل بدنة ذات سنامين وهي البدنة الخراسانية، وقيل: قيمته طعامًا لغلاء عظامه ولا ينظر إلى شبع لحمه.
قوله: (وَحِمَارُ الْوَحْشِ وَبَقَرُهُ بَقَرَةٌ) أي: وفي كل من حمار الوحش وبقرة الوحش بقرة. ابن شاس: وكذلك في الإبل بقرة (9).
قوله: (وَالضَّبُعُ وَالثَّعْلَبُ شَاةٌ) أي: وفي الضبع شاة، وكذلك في الثعلب شاة، ولم يذكر ابن شاس في الضبع (10) خلافًا في ذلك (11)، وحكى في الثعلب قولين أحدهما: أن
(1) انظر: المدونة: 1/ 454.
(2)
قوله: (قَالَ) ساقط من (ز).
(3)
قوله: (قوله: "قال إلا أن يُسَاوِيَ سِعْرَهُ فتَأْوِيلانِ") ساقط من (ن 2).
(4)
انظر: النوادر والزيادات: 2/ 480.
(5)
في (ز): (خرج).
(6)
انظر: النوادر والزيادات: 2/ 480.
(7)
انظر: المدونة: 1/ 444.
(8)
قوله: (فيها) زيادة من (س).
(9)
انظر: عقد الجواهر: 1/ 302.
(10)
قوله: (في الضبع) زيادة من (س).
(11)
قوله: (في ذلك) ساقط من (ن 2).
فيه شاة، والآخر: قيمته طعامًا أو يصوم (1).
قوله: (كَحَمَامِ مَكَّةَ) أي: فإن فيه شاة لقضاء عثمان رضي الله عنه (2) بذلك، فإن لم توجد الشاة فقال مالك وعبد الملك: لا يخرج طعامًا بل يصوم عشرة أيام، وقال أصبغ: إن شاء صام أو أطعم قدر ما تُشْبع الشاة من الطعام، وإن أحب صام لكلِّ مدٍّ يومًا (3).
قوله: (وَالْحَرَمِ) أي: وكذلك في حمام الحرم شاة وهو المشهور، وقاله مالك وابن الماجشون وأصبغ وهو مذهب المدونة (4)، وقال ابن القاسم: فيه حكومة (5).
قوله: (وَيَمَامِهِ) أي: في يمام مكة والحرم شاة، وفي المدونة: واليمام مثل الحمام (6).
قوله: (بِلا حُكْمٍ) أي: فلا يحتاج في حمام مكة والحرم ولا في يمامهما (7) إلى حُكْمِ حَكَمَيْن كغيرهما؛ لأن ذلك من باب الديات التي تَقَرَّرَ (8) حكمها فلا يحتاج إلى إنشاء حكم في كل واقعة بل يقتصر فيه على ما ورد.
(المتن)
وَلِلْحِلِّ وَضَبٍّ وَأَرْنَبٍ وَيَرْبُوعٍ وَجَمِيعِ الطَّيرِ الْقِيمَةُ طَعَامًا، وَالصَّغِيرُ وَالْمَرِيضُ وَالْجَمِيلُ كَغَيْرِهِ، وَقُوِّمَ لِرَبِّهِ بِذَلِكَ مَعَهَا، وَاجْتَهَدَا، وَإنْ رُوِيَ فِيهِ، وَلَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ إِلَّا أَنْ يَلْتَزِمَ فَتَأْوِيلانِ. وَإِنِ اخْتَلَفَا ابْتُدِئَ، وَالأَوْلَى كَوْنُهُمَا بِمَجْلِسٍ، وَنُقِضَ إِنْ
(1) انظر: عقد الجواهر: 1/ 302.
(2)
أخرجه الشافعي، ص 135، برقم: 644، بلفظ: "قدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه مكة فدخل دار الندوة في يوم الجمعة وأراد أن يستقرب منها الرواح إلى المسجد، فألقى رداءه على واقف في البيت فوقع عليه طير من هذا الحمام، فأطاره، فانتهزته حية فقتلته، فلما صلى الجمعة دخلت عليه أنا وعثمان بن عفان رضي الله عنه، فقال: احكما على في شيء صنعته اليوم
…
فقلت لعثمان بن عفان: كيف ترى في عنز ثنية عفراء تحكم بها على أمير المؤمنين؟ قال: إني أرى ذلك، فأمر بها عمر رضي الله عنه". قال ابن حجر:"إسناده حسن"، وابن أبي شيبة: 3/ 178، برقم: 13222، بلفظ:"أول من فدى طير الحرم شاة عثمان"، وقال ابن حجر: فيه جابر وهو الجعفي ضعيف. انظر تفصيل ذلك في التلخيص الحبير: 2/ 599 وما بعدها.
(3)
انظر: النوادر والزيادات: 2/ 476.
(4)
انظر: المدونة: 1/ 451.
(5)
انظر: النوادر والزيادات: 2/ 476.
(6)
انظر: المدونة: 1/ 451.
(7)
قوله: (في يمامهما) يقابله في (س): (يمامها).
(8)
في (ز) و (ن 2): (يقدر).
تَبَيَّنَ الْخَطَأُ. وَفِي الْجَنِينِ وَالْبَيْضِ عُشْرُ دِيَةِ الأُمِّ وَلَوْ تَحَرَّكَ، وَدِيَتُهَا إِنِ اسْتَهَلَّ، وَغَيْرُ الْفِدْيَةِ وَالصَّيْدِ مُرَتَّبٌ هَدْيٌ، وَنُدِبَ إِبِلٌ فَبَقَرٌ، ثُمَّ صِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ إِحْرَامِهِ، وَصِيَامُ أَيَّامِ مِنًى بِنَقْصٍ بِحَجٍّ إِنْ تَقَدَّمَ عَلَى الْوُقُوفِ، وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعَ مِنْ مِنًى وَلَمْ تُجْزِئْ إِنْ قُدِّمَتْ عَلَى وُقُوفِهِ، كَصَوْمٍ أَيْسَرَ قَبْلَهُ، أَوْ وَجَدَ مُسَلِّفًا لِمَالٍ بِبَلَدِهِ،
(الشرح)
قوله: (وَلِلْحِلِّ وَضَبٍّ وَأَرْنَبٍ وَيَرْبُوعِ وَجَمِيعِ (1) الطَّيْرِ الْقِيمَةُ طَعَامًا) أي: والواجب في حمام الحل وما ذكره معه القيمة طعامًا، وقد نص فى المدونة على ذلك فى الضب واليربوع والأرنب وشبهه (2)، وقال ابن وهب: فى الضب شاة (3)، وقاله أيضًا مالك في اليربوع والأرنب (4).
قوله: (وَالصَّغِيرُ وَالمَرِيضُ وَالجَمِيلُ كَغَيْرِهِ) يريد أن الصغير من الصيد (5) كالكبير والمريض كالسليم (6) والجميل كغيره (7)، فقوله:(كغيره) أي: فى الثلاثة؛ يريد: وكذلك الأنثى كالذكر (8).
قوله: (وَقُوِّمَ لِرَبِّهِ بِذَلِكَ مَعَهَا) يشير إلى أن من قتل بازيًّا معلمًا أو غيره مما فيه منفعة شرعية فإنه يقوم لربه (9) بما فيه من المنفعة فيعطي القيمة على ما هو عليه ويخرج الجزاء، وإلى هذا أشار بقوله:(معها) أي: مع القيمة التي وجبت جمعًا بين حق الله تعالى وحق الآدمي وهو المشهور، وقيل: لا جزاء عليه.
قوله: (وَاجْتَهَدَ، وَإِنْ رُوِيَ فِيهِ) الضمير فى الموضعين عائد على الجزاء، وأحدهما
(1) في (ز 2) و (س) و (ن) و (ن 1): (فَجَمِيعِ).
(2)
انظر: المدونة: 1/ 450.
(3)
انظر: النوادر والزيادات: 2/ 479.
(4)
انظر: المنتقى: 3/ 438.
(5)
في (س): (المصيد).
(6)
في (س): (والسليم).
(7)
قوله: (كغيره) ساقط من (س).
(8)
قوله: (الأنثى كالذكر) يقابله في (س): (الذكر والأنثى).
(9)
قوله: ("مَعَهَا" يشير
…
يقوم لربه) ساقط من (ن 2).
متعلق بـ (اجتهد) والآخر بـ (روي)؛ أي أن الحكمين يجتهدان في الجزاء وإن روي فيه ما روي، قال في المدونة: ولا يكتفيان في الجزاء بما روي فيه وليبتدئا بالاجتهاد، ولا يخرجا باجتهادهما عن آثار من مضى (1)، يريد: مثل أن يخرجا عما وجب فيه القضاء ببدنة إلى شاة أو بالعكس.
قوله: (وَلَهُ أَنْ يَنتقِلَ، إِلا أَنْ يَلْتَزِمَ فتَأْوِيلانِ) أي: إذا خيره الحكمان في المثل والإطعام والصيام فاختار أحدها فحكما عليه به، ثم أراد بعد حكمهما أن ينتقل إلى غيره فله ذلك، وهو مذهب المدونة قال فيها: وإن حكما عليه بالجزاء فأراد بعد حكمهما أن يرجع إلى الإطعام أو الصيام فحكما عليه به هما أو غيرهما فذلك له (2)، واختلف هل ذلك على ظاهره أم لا؟ فقال ابن الكاتب: إنما قال "له أن ينتقل" لأنه ألزم نفسه ذلك قبل أن يعرفه، ولو أنهما حكما عليه بالجزاء من النعم (3) أو الطعام، وعرف مبلغ ذلك لزمه ولم يكن له أن يعدل إلى غيره. ابن محرز: وخالفه غيره من شيوخنا وحملوا ما في الكتاب على ظاهره (4)، وإلى هذا أشار بالتأويلين، وحكى ابن شعبان ثالثًا: أنه لا ينتقل ويلزمه ما حكما به عليه (5).
قوله: (وَإنِ اخْتَلَفَا ابْتُدِئَ) أي: إذا حكما ثم اختلفا فيما حكما به فإن غيرهما يبتدئ الحكم حتى يجتمعا على أمر واحد، وقاله في المدونة، قال في المدونة (6): وليس له أن يأخذ بقول أرفقهما (7)؛ أي: لأنه يصير كمن أخرج بقول واحد. اللخمي: ويجوز إذا ابتدأ غيرهما أن يكون أحدهما أحد الأولين.
قوله: (وَالأَوْلَى كَوْنُهُما بِمَجْلِسٍ) أي: ليطلع كل منهما على حكم صاحبه، قاله محمد (8). سند: ولا بد من لفظ الحكم والأمر بالجزاء، ولا تكفي الفتوى ولا يكون
(1) انظر: المدونة: 1/ 444.
(2)
انظر: المدونة: 1/ 449.
(3)
قوله: (من النعم) ساقط من (ن).
(4)
انظر: عقد الجواهر: 1/ 311.
(5)
انظر: التوضيح: 3/ 170.
(6)
في (س) و (ن): (الموازية).
(7)
انظر: المدونة: 1/ 449.
(8)
انظر: النوادر والزيادات: 2/ 479.
القائل أحدهما (1).
قوله: (وَنُقِضَ إِنْ تبَيَّنَ الخَطَأُ) أي: ونُقض حكمُهما إن تبين خطؤه كما (2) إذا حكما بشاة فيما فيه بدنة أو بقرة أو العكس، وقاله في المدونة ثم قال: ويوقف الحكم فيه (3)، وقيل: إن وافق قول قائل لم ينتقض، وقال اللخمي: الاستحسان أنهما إن حكما ببقرة أو بدنة فيما فيه شاة أنه يجزئ، وإن حكما فيما فيه (4) الطعام بالنعم لم يجزئ (5).
قوله: (وَفي الجَنِينِ وَالْبَيْضِ عُشْرُ دِيَةِ الأُمِّ) أي: والواجب في الجنين عشر دية أمه، وكذلك حكم البيض وهو مذهب المدونة (6)، وقيل: إنما فيه الحكومة، وقيل: كالأم، وقيل: هذا إن كان فيها فرخ وإلا صام أو أطعم مسكينًا.
قوله: (وَلَوْ تَحَرَّكَ) أي: الجنين وقاله في المدونة (7)، وقال أشهب: فيه الجزاء كاملًا (8).
قوله: (وَدِيَتُهَا إِنِ اسْتَهَلَّ) أي: والواجب في الجنين إذا استهل دية أمه؛ أي: جزاؤها.
قوله: (وَغَيْرُ الْفِدْيَةِ وَالصَّيْدِ مُرَتَّبٌ وهدي) قد تقدم أن فدية الأذى وجزاء الصيد على التخيير، وأشار بهذا إلى أن ما عداهما مما وجب كتعدي الميقات أو ترك الجمار أو المبيت ليلة من ليالي منى أو لترك طواف أو غيره فعلى الترتيب.
قوله: (هَدْيٌ، وَنُدِبَ إبِلٌ فَبَقَرٌ) هذا بيان كون هذه الأمور على الترتيب، أي: فبسبب ذلك طولب أولًا بإخراج هدي، والأولى أن يكون من الإبل أو البقر، لأن المقصود هنا كثرة اللحم للفقراء بخلاف الأضحية.
قوله: (ثُمَّ صِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ) أي: فإن لم يجد الهدي صام ثلاثة أيام كما قال الله تعالى:
(1) انظر: الذخيرة: 3/ 332.
(2)
قوله: (إن تبين خطؤه كما) زيادة من (س).
(3)
انظر: المدونة: 1/ 449.
(4)
قوله: (فيه) ساقط من (س).
(5)
انظر: التبصرة، للخمي، ص:1327.
(6)
انظر: المدونة: 1/ 446.
(7)
انظر: المدونة: 1/ 446.
(8)
انظر: عقد الجواهر: 1/ 302.
{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196].
قوله: (مِنْ إِحْرَامِهِ) أي: من حين إحرامه بالحج إلى يوم النحر لقوله تعالى: {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} .
قوله: (وَصِيَامُ (1) أَيَّامِ مِنًى بِنَقْصٍ بِحَجٍّ إِنْ تَقَدَّمَ عَلَى الْوُقُوفِ (2)) أشار بهذا إلى أن موجب الهدي (3) إن كان سابقًا على الوقوف كالتمتع والقران والفساد (4) والفوات وتعدي الميقات، فإنه يصوم ثلاثة أيام في الحج من حين الإحرام إلى يوم النحر كما تقدم، فإن أخرها إلى يوم النحر صام أيام التشريق وهي الثلاثة، وهذا معنى قوله:(وَصَامَ أَيَّامَ مِنًى بِنَقْصٍ) أي: بسبب نقصٍ حَصَلَ في الحج. ابن شاس: وقيل: لا يصومها (5) في أيام التشريق (6)؛ إذ هي منهي عن صيامها وإنما يصوم ما بعدها.
قوله: (وَسَبْعَةً (7)، إِذَا رَجَعَ مِنْ مِنًى) هو كقوله تعالى:{وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196] أي: من منى.
قوله: (وَلَمْ تُجْزِئْ (8) إِنْ قُدِّمَتْ عَلَى وُقُوفِهِ) يعني أنه إذا صام الأيام السبعة قبل وقوفه بعرفة لم تجزه (9)؛ لأنه صامها قبل وقتها. اللخمي: وظاهر المذهب نفي الإجزاء، وأرى (10) أن ذلك يجزئه؛ لأن التأخير توسعة لمكان سفره (11)، ونحوه لابن وهب وابن حبيب (12).
(1) الذي في شفاء الغليل، لابن غازي، ص: 246: (وصام).
(2)
قوله: (إِنْ تَقَدَّمَ عَلَى الْوُقُوفِ) ساقط من (ن 2).
(3)
قوله: (موجب الهدي) يقابله في (ز): (موجب الحج الهدي).
(4)
في (ن 2): (الفاسد).
(5)
في (س): (يصومهما).
(6)
انظر: عقد الجواهر: 1/ 312.
(7)
في (ن 2): (وسبع).
(8)
في (ن 2): (تُجِزْ).
(9)
في (س): (يجزئ)، وفي (ز) و (ز 2) و (ن) و (ن 1):(يجزئه).
(10)
في (ن): (وروي).
(11)
انظر: التبصرة، للخمي، ص:1252.
(12)
انظر: التوضيح: 3/ 174.
قوله: (كَصَوْمٍ أَيْسَرَ قَبْلَهُ) أي: وكذلك لا يجزئه الصوم إذا أيسر قبل الشروع فيه، وقاله (1) في المدونة (2)؛ يريد: لأن الله تعالى إنما أباح الصوم لغير الواجد؛ لقوله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ} [البقرة: 196].
قوله: (أَوْ وَجَدَ مُسَلِّفًا لِمَالٍ بِبَلَدِهِ) هو كقوله في المدونة: ومن وجد من يسلفه فلا يصم (3)، وليستلف إن كان موسرًا ببلده.
(المتن)
وَنُدِبَ الرُّجُوعُ لَهُ بَعْدَ يَوْمَيْنِ، وَوُقُوفُهُ بِهِ الْمَوَاقِفَ، وَالنَّحْرُ بمِنًى إِنْ كَانَ فِي حِجٍّ، وَوَقَفَ بِهِ هُوَ أَوْ نَائِبُهُ، كَهُوَ بِأَيَّامِهَا، وَإِلَّا فَمَكَّةُ، وَأَجْزَأَ إِنْ أُخْرِجَ لِحِلٍّ، كَأَنْ وَقَفَ بِهِ فَضَلَّ مُقَلَّدًا، وَنُحِرَ. وَفِي الْعُمْرَةِ بِمَكَّةَ بَعْدَ سَعْيِهَا ثُمَّ حَلَقَ، وَإنْ أَرْدَفَ لِخَوْفِ فَوَاتٍ أَوْ لِحَيْضٍ؛ أَجْزَأَ التَّطَوُّعُ لِقِرَانِهِ، كَأَنْ سَاقَهُ فِيهَا، ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ، وَتُؤُوِّلَتْ أَيْضًا بِمَا إِذَا سِيقَ لِلتَّمَتُّعِ. وَالْمَنْدُوبُ بِمَكَّةَ الْمَرْوَةُ، وَكُرِهَ نَحْرُ غَيْرِهِ كَالأُضْحِيَّةِ، وَإِنْ مَاتَ مُتَمَتِّعٌ فَالْهَدْيُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ؛ إِنْ رَمَى الْعَقَبَةَ.
(الشرح)
قوله: (وَنُدِبَ الرُّجُوعُ لَهُ بَعْدَ يَوْمَيْنِ) يريد أن من وجد الهدي قبل أن يستكمل الأيام الثلاثة فإنه يستحب له الرجوع إلى الهدي، وقاله مالك (4). اللخمي: وهذا يحسن فيمن قدم الصوم على الوقت المضيق (5).
قوله: (وَوُقُوفُهُ بِهِ الْمَوَاقِفَ) أي: ويستحب (6) له أن يقف بالهدي المواقف؛ وهي عرفة والمزدلفة والمشعر الحرام.
قوله: (وَالنَّحْرُ بِمِنًى إِنْ كَانَ في حَجٍّ) أشار بهذا إلى أن للهدي محلين؛ أحدهما منى والآخر مكة، وأن شرط الهدي الذي ينحر بمنى أن يقف (7) به بعرفة، وأن يكون في
(1) في (ن): (قال).
(2)
انظر: المدونة: 1/ 414.
(3)
في (ز): صوم، وفي (ن 2):(يصوم). وانظر: المدونة: 1/ 414.
(4)
انظر: النوادر والزيادات: 2/ 459.
(5)
انظر: التبصرة، للخمي، ص:1249.
(6)
في (ن 2): (واستحب).
(7)
في (س): (يوقف).
حج وأن ينحر في أيام منى. عياض: فمتى انخرم شرط منها لم يجزئ (1) النحر بمنى (2)،
يريد: وإنما ينحر بمكة كما أشار إليه (3) الشيخ بقوله: (وَإلا فَمَكَّةُ).
قوله: (وَوَقَفَ بِهِ هُوَ أَوْ نَائِبُهُ كَهُوَ) يريد به (4): أنه لا فرق بين أن يقف بالهدي (5) بعرفة ربُّه أو نائبه، ثم نبه على أن النائب هنا مقيد بأن يكون قد أذن له أن يوقفه عنه، فأقامه بمقام نفسه بقوله:(كهو).
قوله: (بِأيَّامِهَا) هو عائد على منى، والباء فيه للظرفية؛ أي: في أيام منى، وهو أحد الشروط السابقة.
قوله: (وَأَجْزَأَ إِنْ أُخْرِجَ لِحِلٍّ) يريد أن ما فات وقوفه من الهدي بعرفة فإنه ينحر بمكة بعد أن يخرج به من الحرم (6)؛ يريد: إذا اشتراه من الحرم، وأما إن (7) اشتراه من الحل (8) فإنه يجزئه ذلك، وقاله في المدونة (9).
قوله: (كَأَنْ وَقَفَ بِهِ فَضَلَّ مُقَلَّدًا، وَنُحِرَ) يريد (10): أن الهدي إذا أوقفه صاحبه فضلَّ بعد ذلك وهو مقلَّد فإنه يجزئه وينحر؛ أي: بمنى إن وجده في أيام منى وإلا فبمكة، قاله في المدونة (11).
قوله: (وَفي الْعُمْرَةِ بِمَكَّةَ بَعْدَ سَعْيِهَا ثُمَّ حَلَقَ (12)) أي: والهدي الواجب في العمرة ينحر بمكة بعد كمال السعي بالمروة، قال في المدونة: ومن اعتمر في أشهر الحج وساق
(1) قوله: (لم يجزئ) يقابله في (ن): (أولم يجد).
(2)
انظر: إكمال المعلم: 4/ 284.
(3)
قوله: (أشار إليه): في (ن 2): (وإليه أشار).
(4)
قوله: (به) ساقط من (ن) و (ن 2).
(5)
قوله: (يقف بالهدي) يقابله في (س): (يوقف الهدي).
(6)
قوله: (من الحرم) يقابله في (ن 2): (إلى الحل).
(7)
في (ن 2): (لو).
(8)
قوله: (وأما إن اشتراه من الحل) زيادة من (س) و (ن 2).
(9)
انظر: المدونة: 1/ 416.
(10)
في (س): (يعني).
(11)
انظر: المدونة: 1/ 411.
(12)
قوله: (بَعْدَ سَعْيِهَا ثُمَّ حَلَقَ) زيادة من (ن 2).
هديًا معه وطاف لعمرته وسعى فلينحره في مكة (1) إذا أتم سعيه ثم يحلق أو يقصر ويحل (2).
قوله: (وَإنْ أَرْدَفَ لِخَوْفِ فَوَاتٍ أَوْ لِحَيْضٍ، أَجْزَأَ التَّطَوُّعُ لِقِرَانِهِ) يعني أن من ساق هديًا تطوعًا في عمرته ثم خشي إن تشاغل بعملها فاته الحج، أو تخشى المرأة الفوات للحيض فإنهما يحرمان بالحج ويصيران قارنين، ويجزئهما ذلك لقرانهما.
قوله: (كَأَنْ سَاقَهُ فِيهَا، ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ) أي: وكذلك يجزئه الهدي إذا ساقه في العمرة ثم حج من عامه عن متعته، وذكر في المدونة في إجزاء ذلك روايتين، وأن الذي رجع إليه مالك الإجزاء (3).
قوله: (تُؤُوِّلَتْ أَيْضًا بِما إِذَا سِيقَ لِلتَّمَتُّعِ) هو (4) تأويل عبد الحق وغيره، وتأولوا القول بالإجزاء على ذلك، فقال عبد الحق: معنى مسألة المتمتع الذي أخر نحر هديه إلى يوم النحر أنه ساقه ليجعله عن متعته فلما وجب بالتقليد والإشعار قبل أن يتعين عليه الدم للمتعة حمله محمل التطوع في أحد القولين، ولذلك لم يجزئه عما وجب عليه، وقال مرة: يجزئه إذا كان تطوع الحج يجزئ عن واجبه في غير وجه، فكيف بهذا الذي لم يقصد التطوع وقصد الواجب (5).
قوله: (وَالْمَنْدُوبُ بِمَكَّةَ الْمَرْوَةُ) يعني أنه (6) يستحب لمن نحر هديه بمكة ألا يعدل عن المروة لما ورد في ذلك.
قوله: (وَكُرِهَ نَحْرُ غَيْرِهِ كَالأُضْحِيَّةِ) يريد أن الأولى للمهدي أن يلي نحر هديه ويباشره بنفسه كما في الأضحية، ويكره له أن يستنيب غيره فيهما (7)، فإن نحره عنه غيره أجزأه.
(1) قوله: (في مكة) زيادة من (ن 2).
(2)
انظر: المدونة: 1/ 409.
(3)
انظر: المدونة: 1/ 410.
(4)
في (ن 2): (هذا).
(5)
انظر: التوضيح: 3/ 184 و 185.
(6)
قوله: (أنه) زيادة من (ن).
(7)
في (س) و (ن 2): (فيها).
قوله: (وَإنْ مَاتَ مُتَمَتِّعٌ فَالْهَدْيُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، إِنْ رَمَى الْعَقَبَةَ) يريد أن المتمتع إذا مات بعد أن رمى جمرة العقبة فالهدي من رأس ماله؛ لأنه حصَّل معظم الأركان مع أحد التحللين فكان كمن شارف (1) على فراغ العبادة فيلزمه الهدي لذلك، فأخرج من رأس ماله، وهو قول ابن القاسم، وقال سحنون: لا شيء في ثلثه ولا شيء (2) في رأس ماله على الورثة إلا أن يختاروا (3). ومفهوم قوله: (إِنْ رَمَى الْعَقَبَةَ) أنه لو مات قبل رميها لا شيء عليه، وهو المشهور؛ لأنه لم (4) يحصل له شيء من التحللين، وقيل: يخرج الهدي أيضًا من ماله، وهذا إذا مات بعد الوقوف بعرفة، فلو مات قبله فلا شيء على ورثته (5).
(المتن)
وَسِنُّ الْجَمِيعِ وَعَيْبُهُ كَالضَّحِيَّةِ، وَالْمُعْتَبَرُ حِينُ وُجُوبِهِ وَتَقْلِيدِهِ، فَلا يُجْزِئُ مُقَلَّدٌ بِعَيْبٍ وَلَوْ سَلِمَ، بِخِلافِ عَكْسِهِ إِنْ تَطَوَّعَ بِهِ. وَأَرْشُهُ وَثَمَنُهُ فِي هَدْيٍ إِنْ بَلَغَ، وَإلَّا تَصَدَّقَ بِهِ. وَفِي الْفَرْضِ يَسْتَعِينُ بِهِ فِي غَيرٍ. وَسُنَّ إِشْعَارُ سُنُمِهَا مِنَ الأَيْسَرِ لِلرَّقَبَةِ مُسَمِّيًا، وَتَقْلِيدٌ، وَنُدِبَ نَعْلانِ بِنَبَاتِ الأَرْضِ، وَتَجْلِيلُهَا وَشَقُّهَا إِنْ لَمْ تَرْتَفِعْ، وَقُلِّدَتِ الْبَقَرُ فَقَطْ؛ إِلَّا بِأَسْنِمَةٍ لا الْغَنَمُ. وَلَمْ يُؤْكَلْ مِنْ نَذْرِ مَسَاكِينَ عُيِّنَ مُطْلَقًا عَكْسُ الْجَمِيعِ فَلَهُ إِطْعَامُ الْغَنِيِّ وَالْقَرِيبِ، وَكُرِهَ لِذِمِّيٍّ
(الشرح)
قوله: (وَسِنُّ الجَمِيعِ وَعَيْبُهُ كالضَّحِيَّةِ) يريد أن السن المطلوب في الأضحية يطلب هنا في الإبل والبقر والغنم، وأن العيب الذي لا تجزئ معه الأضحية لا يجزئ معه الهدي وسيأتي ذلك.
قوله: (وَالْمُعْتَبَرُ حِينَ وُجُوبِهِ وَتَقْلِيدِهِ) يريد أن المعتبر من السن والعيب إنما هو حين وجوب الهدي وتقليده ولهذا قال في المدونة: ومن قلد هديه وأشعره وهو لا يجزئه لعيب به فلم يبلغ محله حتى زال ذلك العيب لم يجزئه، وعليه بدله إن كان مضمونًا، ولو قلده سالمًا ثم حدث به ذلك قبل محله أجزأه (6)، وإليه أشار بقوله: (فَلا يُجْزِئُ مُقَلَّدٌ
(1) في (س): (شارفه).
(2)
قوله: (ولا شيء) ساقط من (س).
(3)
انظر: النوادر والزيادات: 2/ 367 و 368، والبيان والتحصيل: 3/ 410.
(4)
قوله: (لم) زيادة من (س).
(5)
قوله: (على ورثته) يقابله في (ن 2): (لورثته).
(6)
انظر: المدونة: 1/ 411.
بِعَيْبٍ وَلَوْ سَلِمَ، بِخِلافِ عَكْسِهِ).
قوله: (إِنْ تَطَوَّع بِهِ) أي: إذا قلده سليمًا (1) ثم تعيب فإنه يجزئه في التطوع، يريد وعليه بدله في الواجب إذا كان مضمونًا، نص عليه غير واحد.
قوله: (وَأَرْشُهُ وَثَمَنُهُ فِي هَدْيٍ إِنْ بَلَغَ، وَإلَّا تَصَدَّقَ بِهِ (2)) يريد: أنه يجعل ما يأخذه (3) من أرش هدي (4) التطوع في هدي إن بلغ وإلا تصدق به وكذلك ثمنه؛ أي: إذا استحق فرجع (5) بثمنه، وقال ابن القاسم: إذا استحق فعليه (6) بدله ويجعل (7) ما يرجع به من ثمنه في هدي كما يفعل فيما يرجع به من عيب (8)، ابن يونس، وروى أشهب عن مالك أنه يصنع بقيمة عيبه ما شاء، وقاله ابن القاسم في المجالس، وقال أصبغ: إن كان عيبًا يجزئ في الهدي وإلا أبدله كله وإن كان تطوعًا، وصوبه ابن المواز (9).
قوله: (وَفي الْفَرْضِ يَسْتَعِينُ بِهِ فِي غَيْرٍ) أي: وإن كان الهدي واجبًا استعان بما يأخذه في (10) ثمن هدي غيره (11)، وقاله في المدونة (12).
قوله: (وَسُنَّ إِشْعَارُ سُنُمِهَا مِنَ الأَيْسَرِ لِلرَّقَبةِ مُسَمِّيًا، وَتَقْلِيدٌ) لا إشكال أن التقليد والإشعار من سنة الهدي في الإبل إذا كان لها أسنمة، وقد ورد ذلك عنه عليه السلام في غير حديث (13)،
(1) في (ن 2): (سالما).
(2)
قوله: (بِهِ) ساقط من (س).
(3)
في (ن 2): (يأخذ).
(4)
قوله: (هدي) زيادة من (س).
(5)
في (ن 2): (فيرجع).
(6)
قوله: (فعليه) ساقط من (س).
(7)
في (ن 2): (ويجعله).
(8)
في (س) و (ن 2): (عيبه). وانظر: المدونة: 1/ 410.
(9)
انظر: النوادر والزيادات: 2/ 450، الجامع، لابن يونس، ص:1661.
(10)
في (ز): (من).
(11)
في (ز): (وغيره).
(12)
انظر: المدونة: 1/ 478.
(13)
متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 608، في باب من أشعر وقلد بذي الحليفة ثم أحرم، من كتاب الحج، برقم 1608، ومسلم: 2/ 912، في باب تقليد الهدي وإشعاره عند الإحرام، من كتاب الحج=
وفي الموطأ عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان (1) إذا أهدى قلَّد هديه وأشعره يوجِّهُ به (2) للقبلة ويقلده بنعلين ويشعره من الشق الأيسر (3)، وكان إذا طعن في سنام هديه قال: بسم الله والله أكبر (4)، وهذا هو المشهور، وعن مالك أن الإشعار من الجانب الأيمن (5)، وقال محمد: يشعر في أي الشقين شاء (6)، وإن كانت الإبل غير مسنمة فظاهر المدونة جواز الإشعار أيضًا (7)، وفي كتاب محمد: لا تشعر (8)؛ لأنه تعذيب فيقتصر فيه على ما ورد، والمشهور أنه من الرقبة إلى المؤخر، وقال ابن حبيب: الإشعار طولًا (9).
قوله: (وَنُدِبَ نَعْلانِ بِنَبَاتِ الأَرْضِ) يريد أنه يستحب لمن قلد هديه أن يعلق في عنقه نعلين، وقاله في الموطأ (10) والمدونة وغيرهما، والنعل الواحد كافٍ، وإذا علق ذلك في عنق الهدي فليكن الحبل من نبات الأرض كما قال، وقال ابن حبيب: لا فرق بين نبات الأرض وغيره (11)، واختاره اللخمي، وحكى في الجواهر قولًا بكراهة التقليد بالنعال والأوتار (12).
= برقم 1243. بلفظ: "خرج النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة في بضع عشرة مائة من أصحابه حتى إذا كانوا بذي الحليفة قلد النبي صلى الله عليه وسلم الهدي وأشعر وأحرم بالعمرة".
(1)
قوله: (كان) زيادة من (س).
(2)
قوله: (يوجه به) يقابله في (ز): (بوجهه)، وفي (ن 2):(ويوجهه)، والمثبت من (س).
(3)
ذكره البخاري معلقًا: 2/ 607، في باب من أشعر وقلد بذي الحليفة ثم أحرم، من كتاب الحج، ووصله مالك: 1/ 379، في باب العمل في الهدي حين يساق، من كتاب الحج، برقم: 848، والبيهقي في الكبرى من طريقه: 5/ 232، في باب الاختيار في التقليد والإشعار، من كتاب الحج، برقم:9951.
(4)
صحيح، أخرجه مالك: 1/ 379، في باب العمل في الهدي حين يساق، من كتاب الحج، برقم:849.
(5)
انظر: الكافي: 1/ 402.
(6)
انظر: النوادر والزيادات: 2/ 440.
(7)
انظر: المدونة: 1/ 455.
(8)
انظر: النوادر والزيادات: 2/ 441.
(9)
انظر: النوادر والزيادات: 2/ 441.
(10)
انظر: الموطأ: 1/ 379، برقم:848.
(11)
انظر: النوادر والزيادات: 2/ 442.
(12)
انظر: عقد الجواهر: 1/ 308.
قوله: (وَتَجْلِيلُهَا) أي: ومما يستحب تجليل الهدايا، وقد كان (1) ابن عمر يجللها بالقباطي والأنماط والحلل ثم يبعث بها (2) إلى الكعبة فيكسوها إياها (3)، والمستحب عند مالك شق الجلال عن الأسنمة إلا أن تكون مرتفعة عن الأسنمة (4)، وإلى هذا أشار بقوله:(وَشَقُّهَا إِنْ لَمْ تَرْتَفِعْ) أي: فإن ارتفعت فلا.
قوله: (وَقُلِّدَتِ الْبَقَرُ فَقَطْ، إِلا بِأَسْنِمَةٍ) يريد أن البقر إذا لم يكن لها أسنمة فليس إلا التقليد، وإن كان لها أسنمة أشعرت أيضًا؛ لأنها حينئذٍ تشبه الإبل، وقيل: إن الإبل والبقر تشعر وإن لم يكن لها أسنمة.
قوله: (لا الْغَنَمُ) فلا تشعر ولا تقلد، فأما عدم إشعارها فلا خلاف فيه، وأما عدم تقليدها فهو المشهور خلافًا لابن حبيب.
قوله: (وَلَمْ يُؤْكَلْ مِنْ نَذْرِ مَسَاكِينَ عُيِّنَ مُطْلَقًا) يريد أن المعين من الهدي نذرًا للمساكين لا يجوز الأكل منه مطلقًا؛ أي: سواء بلغ محله أم لا.
قوله: (عَكْسُ الجَمِيعِ) أي: فيجوز في جميع الهدايا مطلقًا، يريد: إلا ما يستثنيه بقوله: (إِلَّا نَذْرًا لَمْ يُعَيَّنْ) إلى آخر كلامه، وعلى هذا فيؤكل من هديٍ وَجَبَ عليه لنقص في حج أو عمرة كهدي التمتع والقران وتعدي الميقات وترك الرمي أو المبيت بمزدلفة أو منى أو ترك الطواف وشبه ذلك، والمشهور في هدي الفساد كذلك، وفي كتاب محمد: لا يؤكل (5)، وحيث جاز له الأكل من الهدي فله أن يطعم منه الغني والقريب ويكره للذمي، وإليه أشار بقوله:(فَلَهُ إِطْعَامُ الْغَنِيِّ وَالْقَرِيبِ، وَكُرِهَ لِذِّمِيٍّ).
(المتن)
إِلَّا نَذْرًا لَمْ يُعَيَّنْ، وَالْفِدْيَةَ وَالْجَزَاءَ بَعْدَ الْمَحِلِّ، وَهَدْيَ تَطَوُّعٍ إِنْ عَطِبَ قَبْلَ مَحَلِّهِ فَتُلْقَى قَلائِدُهُ بِدَمِهِ وَيُخَلَّى لِلنَّاسِ، كَرَسُولِهِ، وَضَمِنَ فِي غَيْرِ الرَّسُولِ بِأَمْرِهِ
(1) في (ز): (قال).
(2)
قوله: (بها) ساقط من (ن 2).
(3)
صحيح، أخرجه مالك: 1/ 379، في باب العمل في الهدي حين يساق، من كتاب الحج، برقم: 849، وابن أبي شيبة: 3/ 443، في باب في البيت ما كان كسوته، من كتاب الحج، برقم:15818.
(4)
انظر: النوادر والزيادات: 2/ 440.
(5)
انظر: عقد الجواهر: 1/ 309.
بِأَخْذِ شَيءٍ، كَأَكْلِهِ مِنْ مَمْنُوعٍ بَدَلَهُ، وَهَلْ إِلَّا نَذْرَ مَسَاكِينَ عُيِّنَ فَقَدْرُ أكلِهِ؟ خِلافٌ. وَالْخِطَامُ وَالْجِلالُ كَاللَّحْمِ، وَإِنْ سُرِقَ بَعْدَ ذَبْحِهِ أَجْزَأَ، لا قَبْلَهُ، وَحُمِلَ الْوَلَدُ عَلَى غَيْرٍ، ثُمَّ عَلَيْهَا وَإِلَّا فَإنْ لَمْ يُمْكِنْ تَرْكُهُ لِيَشْتَدَّ، فَكَالتَّطَوُّعِ.
(الشرح)
قوله: (إِلا نَذْرًا لَمْ يُعَيَّنْ، وَالْفِدْيَةَ وَالجَزَاءَ بَعْدَ الْمَحِلِّ) أي: إلا (1) نذر المساكين الذي لم يعين وفدية الأذى وجزاء الصيد فإنه لا يؤكل منه بعد المحل، يريد: وأما قبله فله ذلك، وقد علمت أن هذا مخرج من قوله:(عكس الجميع) أي (2): فإنه يأكل من جميع الهدايا إلا هذه الأشياء الثلاثة بعد محلها فلا يأكل منها، وله ذلك قبله وهو المشهور ولمالك في المبسوط: لا ينبغي أن يأكل من فدية الأذى وجزاء الصيد، فإن فعل فلا شيء عليه (3)، وفي المدونة: استحباب (4) ترك الأكل من نذر المساكين (5).
قوله: (وَهَدْيَ تَطَوُّعٍ إِنْ عَطِبَ قَبْلَ مَحِلِّهِ) أي: وكذلك لا يجوز أن يأكل من هدي التطوع إذا عطب قبل محله، يعني (6): وأما إن عطب بعده فلا بأس بالأكل منه، قال في المدونة: لأنه غير مضمون وليس عليه بدله، فإن أكل منه أبدله (7).
قوله: (فَتُلْقَى قَلائِدُهُ (8) بِدَمِهِ وَيُخَلَّى لِلنَّاسِ) يريد: أن هدي التطوع إذا عطب قبل محله فإن مهديه ينحره ثم يلقي قلائده في دمه ويخلي بينه وبين الناس يأكلونه، وهكذا ورد في حديث الموطأ أنه عليه الصلاة والسلام أمر بذلك (9)، ونحوه في
(1) في (ز): (لا).
(2)
قوله: (أي) زيادة من (س).
(3)
انظر: عقد الجواهر: 1/ 309.
(4)
قوله: (استجاب) ساقط من (ن).
(5)
انظر: المدونة: 1/ 410.
(6)
قوله: (يعني) زيادة من (س).
(7)
انظر: المدونة: 1/ 411.
(8)
في (ز) والمطبوع من مختصر خليل: (قلادته).
(9)
أخرجه مسلم بنحوه: 2/ 962، في باب ما يفعل بالهدي إذا عطب في الطريق، من كتاب الحج، برقم: 1325، ومالك مرسلًا: 1/ 380، في باب العمل في الهدي إذا عطب أو ضل، من كتاب الحج، برقم: 851، ووصله أبو داود: 1/ 547، في باب في الهدي إذا عطب قبل أن يبلغ، من كتاب المناسك، برقم: 1762، والترمذي: 3/ 253، في باب إذا عطب الهدي ما يصنع به، من كتاب=
المدونة (1)، وأشار بقوله:(كَرَسُولِهِ) إلى أن حكم الرسول في الأكل من الهدي والتصدق وفي إلقاء القلائد والتخلية بين الناس وبينه كصاحبها، وقاله في المدونة وزاد: ولا يأكل منه الرسول وإن أكل لم يضمن (2).
قوله: (وَضَمِنَ فِي غَيْرِ الرَّسُولِ بِأَمْرِهِ، بِأَخْذِ شَيْءٍ كَأَكْلِهِ مِنْ مَمْنُوعٍ) يريد أن صاحب الهدي إذا كان معه فأمر أحدًا بأخذ شيء من الهدي الذي لا يجوز له (3) الأكل منه فإنه يضمن، وكذلك إذا أكل منه، وأما الرسول يأمر بذلك أو يأكل منه فإنه لا يضمن؛ لأنه أجنبي كما أشار إليه، وقد تقدم ذلك عن المدونة.
قوله: (بَدَلَهُ (4)) هو معمول و (ضَمِنَ)؛ أي: يضمن بدله وهو كقوله في المدونة: فإن أكل أو أمر بأكلها أو بأخذ شيء من لحمها فعليه البدل (5).
قوله: (وَهَلْ إِلا نَذْرَ مَسَاكِينَ عُيِّنَ، فَقَدْرُ أَكْلِهِ؟ خِلافٌ) أي: هل (6) حكم البدل عام في نذر المساكين المعين وغيره أو هو خاص بغير المعين وأما المعين فالواجب عليه قدر ما أكل في ذلك خلاف بين الأشياخ (7)؟ والذي شهره ابن الحاجب أن عليه في ذلك قدر ما أكل (8)، وهو قول ابن القاسم في المدونة (9)، وشهر في الكافي وجوب البدل (10).
قوله: (وَالخِطَامُ وَالجِلالُ كَاللَّحْمِ) أي: فليس له أن يأخذ شيئًا من ذلك ولا يأمر
= الصوم، برقم: 910، وقال: حديث حسن صحيح، وابن ماجه: 2/ 1036، في باب في الهدي إذا عطب، من كتاب المناسك، برقم: 3106، والنسائي في الكبرى: 2/ 454، في باب كيف يفعل بالبدن إذا زحفت فنحرت، من كتاب الحج، برقم:4137.
(1)
انظر: المدونة: 1/ 415.
(2)
انظر: المدونة: 1/ 415.
(3)
قوله: (له) زيادة من (س).
(4)
في (ز): (ببدله).
(5)
انظر: المدونة: 1/ 415.
(6)
قوله: (هل) زيادة من (س).
(7)
قوله: (أو هو خاص بغير المعين وأما المعين فالواجب عليه قدر ما أكل في ذلك خلاف بين الأشياخ) زيادة من (ن 2).
(8)
انظر: جامع الأمهات 303.
(9)
انظر: المدونة: 1/ 453.
(10)
انظر: الكافي: 1/ 403.
بأخذه في (1) الهدي الممنوع من أكل لحمه، فإن أمر أحدًا بأخذ شيء من ذلك أو أخذ هو (2) شيئًا رده، وإن أتلفه غرم قيمته للفقراء، وإن لم يكن ممنوعًا من أكل لحمه فله ذلك.
قوله: (وَإنْ سُرِقَ بَعْدَ ذَبْحِهِ أَجْزَأَ، لا قَبْلَهُ) يريد الهدي الواجب، وأما التطوع فلا بدل على صاحبه وإن سرق قبل الذبح، وقاله في المدونة (3). أبو الحسن الصغير: ونذر المساكين المعين كالتطوع.
قوله: (وَحُمِلَ الْوَلَدُ عَلَى غَيْرٍ ثُمَّ عَلَيْهَا وَإلَّا فَلا (4)، وَإنْ لَمْ يُمْكِنْ تَرْكُهُ ليَشْتَدَّ، فكَالتَّطَوُّعِ (5)) يريد أن من أهدى ناقة أو بقرة أو شاة فولدت معه فإنه يحمل ولدها على غيرها إن وجد ما يحمله عليه، فإن لم يجد حمله عليها، فإن لم يمكن ذلك لضعفها أو خشية هلاكها فلا. ابن يونس: ويتكلف حمله من ماله، وإن باعه أو نحره فعليه بدله هديًا كبيرًا واجبًا، وقاله ابن القاسم، وقال أبو عمران: إذا لم يستطع حمله على حاله نَحَرَه بذلك الموضع ويصير كهدي تطوع عطب قبل محله إذا كان في فلاة أو حضر ولا يجد من يحتفظ به ولا يرتجي حياته (6)، وإلى هذا أشار بقوله:(فَإنْ لَمْ يُمْكِنْ تَرْكُهُ ليَشْتَدَّ، فكَالتَّطَوُّعِ) أي: فكهدي التطوع، وهذا كله إذا ولدت الهدية بعد التقليد أو الإشعار، وأما إذا ولدت قبل التقليد أو الإشعار فإنه يستحب له (7) ذبح ولدها معها (8)؛ لأنها كالأضحية إذا ولدت بخلاف ما إذا ولدت بعد نية الهدي (9) التقليد أو الإشعار فإنه يجب (10) لتعيين أمه بذلك.
(1) في (س): (من).
(2)
قوله: (هو) زيادة من (س).
(3)
انظر: المدونة: 1/ 452.
(4)
قوله: (وَإلَّا فَلا) ساقط من (س).
(5)
قوله: (وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَرْكُهُ ليَشْتَدَّ، فَكَالتَّطَوُّعِ) ساقط من (ز) و (ن 2).
(6)
انظر: الجامع، لابن يونس:1664.
(7)
قوله: (له) ساقط من (س).
(8)
قوله: (الهدية بعد التقليد
…
ذبح ولدها معها) يقابله في (ن 2): (قبله فإنه يستحب له ذبح ولدها).
(9)
قوله: (نية الهدي) زيادة من (ن).
(10)
قوله: (يجب) ساقط من (س).
(المتن)
وَلا يَشْرَبُ مِنَ اللَّبَنِ وَإنْ فَضَلَ، وَغَرِمَ إِنْ أَضَرَّ بِشُرْبِهِ الأُمَّ أَوِ الْوَلَدَ مُوجَبَ فِعْلِهِ، وَنُدِبَ عَدَمُ رُكُوبِهَا بِلا عُذْرٍ، فَلا يَلْزَمُ النُّزُولُ بَعْدَ الرَّاحَةِ، وَنَحْرُهَا قَائِمَةً أَوْ مَعْقُولَةً. وَأَجْزَأَ إِنْ ذَبَحَ غَيْرُهُ عنه مُقَلَّدًا، وَلَوْ نَوَى عَنْ نَفْسِهِ إِنْ غَلِطَ، وَلا يُشْتَرَكُ فِي هَدْيٍ، وَإنْ وُجِدَ بَعْدَ نَحْرِ بَدَلِهِ نُحِرَ إِنْ قُلِّدَ، وَقَبْلَ نَحْرِهِ نُحِرَا مَعًا إِنْ قُلِّدَا وَإلَّا بِيعَ وَاحِدٌ.
(الشرح)
قوله: (وَلا يَشْرَبُ مِنَ اللَّبَنِ وَإنْ فَضَلَ) إنما لم يشرب منه، لأنه خرج عن ملكه بالتقليد والإشعار وحين (1) خرجت الرقبة عن ملكه (2) خرجت المنافع عن ملكه، ولأن في شربه من (3) ذلك نوعًا من العود في الصدقة، ولأن ذلك يضعفها ويضعف ولدها، وقوله (4):(وَإنْ فَضَلَ) هو كذلك (5) في المدونة (6).
قوله: (وَغَرِمَ إِنْ أَضَرَّ بِشُرْبِهِ الأُمَّ أَوِ الْوَلَدَ مُوجَبَ فِعْلِهِ) ابن القاسم: فإن أضر بولدها حتى مات فعليه بدله مما يجوز في الهدي، وحكى بعضهم قولًا بإباحة الشرب من لبنها، ولابن القاسم في الموازية الكراهة، محمد: إلا أن يضرها (7) ترك الحلاب (8) فتحلب بقدر (9) ذلك، وأجاز مالك شربه للضرورة (10).
قوله: (وَنُدِبَ عَدَمُ رُكُوبِهَا بِلا عُذْرٍ) أي: وأما مع العذر فلا، ولمالك إباحة الركوب غير الفادح من غير ضرورة (11). اللخمي: ولا يحمل عليها زاده ولا شيئًا يتعبها به (12)،
(1) في (ز 2): (حيث).
(2)
في (ن 2): (مالكه).
(3)
قوله: (من) ساقط من (ز 2).
(4)
في (ن 2): (قوله).
(5)
في (س): (كقوله).
(6)
انظر: المدونة: 1/ 479.
(7)
في (ن) و (ن 2): (يضر بها).
(8)
في (ن 2): (الجلاب).
(9)
قوله: (بقدر) ساقط من (ن 2).
(10)
انظر: النوادر والزيادات: 2/ 454 و 455.
(11)
انظر: الموطأ: 1/ 378، برقم: 847، وانظر: المنتقى: 3/ 542 و 546.
(12)
انظر: التبصرة، للخمي، ص:1247.
وذكر ابن الجلاب أنه يحمل عليها زاده للضرورة (1).
قوله: (فَلا يَلْزَمُ النُّزُولُ بَعْدَ الرَّاحَةِ) أي: فإذا ركبها لعذر فلا يلزمه النزول إذا زال تعبه واستراح، وقاله في المدونة (2)، وفي الجلاب: إذا استراح نزل (3).
قوله: (وَنَحْرُهَا قَائِمَةً أَوْ مَعْقُولَةً) أي: وكذلك يستحب نحر البدنة (4) قائمة على قوائمها الأربع أو معقولة يدها اليسرى قائمة على ما بقي من قوائمها، وهكذا (5) روي عنه عليه الصلاة والسلام وعن أصحابه (6).
قوله: (وَأَجْزَأَ إِنْ ذَبَحَ غَيْرُهُ عنه مُقَلَّدًا) يريد أن غير المهدِي إذا نحر عنه هديه أجزأ عن صاحبه إذا كان مقلَّدًا، وأما غير المقلد فلا.
قوله: (وَلَوْ نَوَى عَنْ نَفْسِهِ إِنْ غَلِطَ) أي: وكذلك يجزئ ما ذبحه غيره عنه (7)، ولو نوى ذلك الذابح عن نفسه إذا كان فعله ذلك غلطًا، وهذا هو المشهور بخلاف المتعدي؛ لأن الغالط قصد القربة، وقال ابن المواز: يجزئ ولو نوى عن نفسه تعديًا؛ لأنه وجب بالتقليد (8) والإشعار، وقال أشهب: لا يجزئ ولو غلط (9).
قوله: (وَلا يُشْتَرَكُ في هَدْيٍ) أي: تطوعًا كان أو واجبًا، وكذلك النذر والجزاء
(1) انظر: التفريع: 1/ 215.
(2)
انظر: المدونة: 1/ 480.
(3)
انظر: التفريع: 1/ 215.
(4)
في (ن 2): (الهدية).
(5)
في (س): (وهذا).
(6)
متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 612، في باب نحر الإبل مقيدة، من كتاب الحج، برقم 1627، ومسلم: 2/ 956، في باب نحر البدن قيامًا مقيدة، من كتاب الحج، برقم 1320. بلفظ:"أن ابن عمر رضي الله عنه أتى على رجل وهو ينحر بدنته باركة فقال: ابعثها قيامًا مقيدة سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم"، وأخرجه أبو داود بلفظه: 1/ 549، في باب كيف تنحر البدن، من كتاب المناسك، برقم: 1767 بلفظ: "أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا ينحرون البدنة معقولة اليسرى قائمة على ما بقي من قوائمها".
(7)
قوله: ("مُقَلَّدًا" يريد أن غير المهدي إذا نحر عنه هديه
…
إِنْ غَلِطَ) أي: وكذلك يجزئ ما يذبحه غيره عنه) ساقط من (س).
(8)
في (ن 2): (التقليد).
(9)
انظر: النوادر والزيادات: 4/ 329.