المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل [في النذر] - تحبير المختصر وهو الشرح الوسط لبهرام على مختصر خليل - جـ ٢

[بهرام الدميري]

الفصل: ‌فصل [في النذر]

واختلف الأشياخ في الاعتذار عنه، فقيل: معناه ونيته ألا يكسوها (1) إياهما مجتمعين ولا مفترقين، ولو نوى لا يجمعهما (2) لم يحنث بأحدهما، وقاله أبو محمد (3) والتونسي واللخمي (4) ونحوه لأبي عمران، وقال ابن عبد السلام: يمكن أن يوجه بما تقرر (5) أنه يحنث بالبعض؛ لأن غاية نية (6) الجمع أن تجري مجرى التنصيص (7) على ذلك وهو يجري مجرى التأكيد فيما إذا قال: والله لا أكلت هذا الرغيف كله (8) وهو يحنث فيه بالبعض (9).

‌فصلٌ [في النذر]

(المتن)

فَصْلٌ النَّذْرُ الْتِزَامُ مُسْلِمٍ كُلِّفَ وَلَوْ غَضْبَانَ، وَإِنْ قَالَ إِلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي أَوْ أَرَى خَيْرًا مِنْهُ، بِخِلَافِ إِلا إِنْ يَشَاءَ فُلَانٌ فَبِمَشِيئَتِهِ. وَإِنَّمَا يَلْزَمُ بِهِ مَا نُدِبَ كَلِلَّهِ عَلَيَّ، أَوْ عَلَيَّ ضَحِيَّةٌ. وَنُدِبَ الْمُطْلَقُ وَكُرِهَ الْمُكَرَّرُ، وَفِي كُرْهِ الْمُعَلَّقِ تَرَدُّدٌ. وَلَزِمَ الْبَدَنَةُ بنَذْرِهَا، فَإِنْ عَجَزَ فَبَقَرَةٌ، ثُمَّ سَبْعُ شِيَاهٍ لَا غَيْرُ، وَصِيَامٌ بِثَغْرٍ، وَثُلُثُهُ حِينَ يَمِينِهِ إِلَّا أَنْ يَنْقُصَ فَمَا بَقِيَ بِمَالِي فِي كَسَبِيلِ اللهِ.

(الشرح)

(النَّذْرُ الْتِزَامُ مُسْلِمٍ كُلِّفَ) هو عبارة عن الالتزام والإيجاب، وأركانه ثلاثة: الملتزم والصيغة وما يلتزم (10)، فالملتزم كل مسلم مكلف، فلا يلزم الكافر ولا الصبي ولا (11) المجنون.

(1) قوله: (ونيته ألا يكسوها) يقابله في (ز): (أنه حلف لا كساها)، وفي (س):(أنه حلف لا يكسوها).

(2)

في (ن): (ألا جمعهما).

(3)

قوله: (أبو) ساقط من (ن). وانظر: النوادر والزيادات: 4/ 83.

(4)

انظر: التبصرة، للخمي، ص:1723.

(5)

في (ن 2): (تقدم).

(6)

قوله: (غاية نية) يقابله في (ز 2): (غاية ما فيه)، وفي (ز):(غايته نية).

(7)

في (ز 2) و (ن 2): (التبعيض).

(8)

قوله: (كله) زيادة من (س).

(9)

قوله: (لأن غاية نية الجمع أن تجري مجرى التنصيص

وهو يحنث فيه بالبعض) ساقط من (ن).

وانظر: التوضيح: 3/ 344.

(10)

في (ن) و (ن 2): (يلزم).

(11)

قوله: (لا) ساقط من (ز 2) و (س).

ص: 421

قوله: (وَلَوْ غَضْبَانَ) أي: أنه يلزم المسلم المكلف ولو صدر منه في حال غضبه، وهو المعروف نص عليه ابن بشير، وعن ابن القاسم قوله: إن فيه كفارة يمين (1).

قوله: (وَإِنْ قَالَ إِلا أَنْ يَبْدُوَ لِي أَوْ أرَى خَيْرًا مِنْهُ، بِخِلافِ إِلا أَنْ يَشَاءَ فُلانٌ فَبِمَشِيئَتِهِ) يريد أن النذر لازم له، وإن قال: إلا أن يبدو لي أو أرى خيرًا منه، بخلاف ما إذا قال: إلا أن يشاء فلان فلا يلزم إلا (2) بمشيئته (3)، وقاله في المدونة فيمن قال: على المشي إلى مكة (4).

قوله: (وَإِنّمَا يَلْزَمُ بِهِ مَا نُدِبَ كَلِلَّهِ عَلَيَّ، أَوْ عَلَيَّ ضَحِيَّةٌ) هذا الكلام فيه إشارة إلى صيغة الالتزام وما يلزم بذلك، فأما صيغته فنحو: لله عليَّ كذا من حج أو صدقة أو صلاة أو صيام أو اعتكاف أو أضحية أو غيرها من القُرَب، وأما ما يلزم به، فأشار إليه بقوله:(ما ندب)، فأخرج به الواجب الأصلي كصوم رمضان ونحوه من الواجبات؛ إذ هو لازم بغير النذر، والمحرم كالزنى والقتل وشرب الخمر ونحوها، فلا يلزمه ما نذر من ذلك.

قوله: (وَنُدِبَ الْمُطْلَقُ) أي: الذي يوجبه الإنسان على نفسه ابتداء شكرًا لله تعالى. ابن رشد: وهو مذهب مالك (5)، وحكاه في الجواهر (6).

قوله: (وَكُرِهَ الْمُكَرَّرُ) أي: كما إذا نذر صوم كل خميس أو كل اثنين أو نحو ذلك، قاله (7) في المدونة (8)؛ مخافة التفريط في الوفاء به، واختلف في النذر المعلق على شرط كقوله: إن شفى الله تعالى مريضي أو نجاني من كذا أو رزقني كذا فعليَّ المشي إلى مكة أو صدقة كذا أو نحو ذلك، هل هو مكروه، وإليه ذهب الباجي (9) وابن

(1) انظر: عقد الجواهر: 2/ 361.

(2)

قوله: (إلا) ساقط من (ز 2).

(3)

في (ز 2): (فبمشيئته).

(4)

انظر: المدونة: 1/ 469.

(5)

انظر: البيان والتحصيل: 3/ 137، والمقدمات الممهدات: 1/ 207.

(6)

انظر: عقد الجواهر: 2/ 363.

(7)

في (ز) و (س) و (ن 2): (قال).

(8)

انظر: المدونة: 1/ 283.

(9)

انظر: المنتقى: 4/ 456.

ص: 422

شاس (1) وغيرهما، أو لا؟ وإليه ذهب صاحب البيان (2)، وإلى هذا أشار بقوله:(وَفِي كُرْهِ الْمُعَلِّقِ ترَدُّدٌ).

قوله: (وَلَزِمَ الْبَدَنَةُ بِنَذْرِهَا) يريد أن من نذر هدي بدنة؛ أي: سواء كان نذرًا معلقًا أم لا، فإنه يلزمه إخراجها لله تعالى.

قوله: (فَإِنْ عَجَزَ فَبَقَرَةٌ) أي: فإن لم تكن عنده بدنة ولا مقدار (3) ثمنها فإنه يخرج بقرة، وهو المشهور، وقال ابن نافع: لا يجزئه إلا ما نذر (4).

قوله: (ثُمَّ سَبْعُ شِيَاهٍ) أي: فإن عجز عن البقرة أخرج سبع شياه من الغنم، وهو المشهور، وفي كتاب محمد: عشرًا (5).

قوله: (لا غَيْرُ) أي: فإن عجز عن الغنم لم يجزئه الصيام بوجهٍ، وهو مذهب المدونة (6)، وفي الواضحة: إذا أعسر صام سبعين يومًا، وقال أشهب: إن أحب صام سبعين يومًا (7) أو أطعم سبعين مسكينًا (8).

قوله: (وَصِيَامٌ بِثَغْرٍ) أي: ولزمه (9) صيام بثغر من الثغور كعسقلان والإسكندرية إذا نذره، قال في المدونة: وإن كان -أي: الناذر- من مكة أو المدينة (10).

قوله: (وَثُلُثُهُ حِينَ يَمِينِهِ) أي: ولزمه (11) إخراج ثلث ماله في قوله: مالي في سبيل الله ونحوه مما سيأتي، وهذا هو المشهور، ولسحنون: إنما يلزمه ما لا يضرُّ به (12)، ولابن

(1) انظر: عقد الجواهر: 2/ 363.

(2)

انظر: البيان والتحصيل: 3/ 137.

(3)

في (ن) و (ن 2): (ولا قدر على).

(4)

انظر: الذخيرة: 4/ 86.

(5)

انظر: النوادر والزيادات: 2/ 456.

(6)

انظر: المدونة: 1/ 475.

(7)

قوله: (يومًا) زيادة من (س) و (ن 2).

(8)

انظر: النوادر والزيادات: 2/ 457.

(9)

في (س): (ولزم).

(10)

انظر: المدونة: 1/ 565.

(11)

في (ز) و (ز 2): (ولزم).

(12)

انظر: عقد الجواهر: 2/ 362.

ص: 423

وهب قولان، أحدهما: أنه إن كان ذا يسار فثلث ماله (1)، وإن كان قليل المال فالربع (2)، وإن كان عديمًا فكفارة يمين، والثاني: أنه يلزمه إخراج جميع المال (3)، وعلى المشهور: لو حلف وماله ألف دينار (4) ثم حنث وهو ألفان فلا يلزمه إلا ثلث الألف، وإليه أشار بقوله:(حين يمينه).

قوله: (إِلا أَنْ يَنْقُصَ فَما بَقِيَ) أي: إلا أن ينقص ماله بين اليمين والحنث فلا يلزمه إلا ثلث ما بقي من ذلك وهو متفق عليه إذا كانت يمينه على بر، وإن كانت على حنث فكذلك على المشهور.

قوله: (بِمَالِي) أي: في قوله: (5) مالي (6)، أو بسبب قوله: مالي في كذا.

قوله: (فِي كَسَبِيلِ اللهِ) إنما أدخل الكاف على ذلك تنبيهًا على عدم اختصاص هذا النوع (7) بالحكم المذكور بل يشاركه في ذلك قوله "مالي صدقة للفقراء أو هبة لهم أو هدي لله"، أو "هو في جنب الله"، أو حلف بذلك فحنث.

(المتن)

وَهُوَ الْجِهَادُ، وَالرِّبَاطُ بِمَحَلٍّ خِيفَ وَأُنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ إِلَّا لِتَصَدَّقٍ بِه عَلَى معَيَّنٍ فَالْجَمِيعُ وَكَرَّرَ إِنْ أَخْرَجَ، وَإِلَّا فَقَوْلَانِ، وَمَا سَمَّى وَإِنْ مُعَيَّنًا أَتَى عَلى الْجَمِيعِ وَبَعْثُ فَرَسٍ وَسِلاحِ لِمَحَلِّهِ إِنْ وَصَلَ، وَإِنْ لَمْ يَصِلْ بِيعَ وَعُوِّضَ كَهَدْيٍ وَلَوْ مَعِيبًا عَلَى الأَصَحِّ، وَلَهُ فِيهِ إِذَا بِيعَ الإِبْدَالُ بالأَفْضَلِ، وَإِنْ كَانَ كَثَوْبٍ بِيعَ، وَكُرِهَ بَعْثُهُ وَأُهْدِيَ بِهِ، وَهَلِ اخْتُلِفَ هَلْ يُقَوِّمُهُ؟ أوْ لَا، أَوْ لَا نَدْبًا، أَوِ التَّقْوِيمُ إِذَا كَانَ بِيَمِينٍ؟ تَأْوِيلَاتٌ،

(الشرح)

قوله: (وَهُوَ الْجِهَادُ، وَالرِّبَاطُ) أي: أن المراد بسبيل الله الجهاد، فإذا قال: مالي في

(1) في (ز 2) و (س) و (ن 2): (المال).

(2)

قوله: (فالربع) كذا في كل النسخ، وما نقل عن ابن وهب هو:(ربع العشر) أو (زكاة ماله) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 35، وانظر: المنتقى: 4/ 519، والتوضيح: 3/ 398.

(3)

انظر: النوادر والزيادات: 4/ 35 و 36، والمنتقى: 4/ 519.

(4)

قوله: (دينار) زيادة من (ن 2).

(5)

قوله: (قوله) ساقط من (س).

(6)

قوله: (مالي) ساقط من (ن 2).

(7)

في (ن) و (ن 2): (الفرع).

ص: 424

سبيل الله، فمخرج ثلثه الجهاد والرباط بمكان يخاف فيه من العدو، كما أشار إليه بقوله:(بِمَحَلٍّ خِيفَ)؛ لأنه إذا لم يكن محل خوف فليس برباط.

قوله: (وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ) أي: إذا قال: مالي في سبيل الله، وقلنا يلزمه الثلث، فاحتاج إلى أن يبعث به فإنه ينفق عليه من غيره (1)، وقاله مالك (2) وابن القاسم (3)، وقيل: إن النفقة من الثلث.

قوله: (إِلا لِتَصَدُّقٍ بِهِ عَلَى مُعَيَّنٍ فَالْجَمِيعُ) أي: فإن قال: مالي صدقة لزيد، أو نحوه من المعينين، فإنه يلزمه إخراج الجميع (4) للمعين، نص عليه في النوادر (5).

قوله: (وَكَرَّرَ إِنْ أَخْرَجَ) أي: إذا حلف بصدقة جميع ماله فحنث أو قال في سبيل الله (6) ونحوه، وأخرج من (7) الثلث، ثم حصل له سبب آخر أوجب إخراج ثلث الباقي فإنه يخرج ثانيًا وثالثًا وهو متفق عليه، قاله ابن زرقون (8)، واحترز بقوله:(إن أخرج) مما إذا حصل سبب الوجوب ثانيًا قبل إخراج الأول، فإنه اختلف هل يجزئه ثلث واحد، وهو قول مالك في الواضحة، وقاله في العتبية، وكتاب محمد، وهو أحد قولي ابن القاسم وقاله ابن كنانة، أو يخرج أولًا ثم ثانيًا ثلث الباقي، وهو قول ابن القاسم وأشهب وابن المواز (9)؟ وإليه أشار بقوله:(وَإِلا فقَوْلانِ)(10).

قوله: (وَمَا سَمَّى وَإِنْ مُعَيَّنًا أَتَى عَلَى الْجَمِيعِ) أي: فإن سمى شيئًا من ثلث أو نصف أو نحوه، فقال: ثلث مالي للمساكين أو الفقراء، أو عينه بأن قال: عبدي فلان أو داري أو حائطي أو نحو ذلك فإنه يلزمه، وإن أتى على جميع المال وهو المشهور، وروي عن

(1) في (ز) و (ن) و (ن 2): (ماله).

(2)

انظر: المدونة: 1/ 474.

(3)

انظر: النوادر والزيادات: 4/ 36.

(4)

قوله: (الجميع) ساقط من (س).

(5)

انظر: النوادر والزيادات: 4/ 36.

(6)

قوله: (سبيل الله) يقابله في (ز): (السبيل).

(7)

قوله: (من) زيادة من (ن 2).

(8)

انظر: التوضيح: 3/ 401.

(9)

انظر: النوادر والزيادات: 4/ 37 و 39، والبيان والتحصيل: 3/ 218 و 219.

(10)

قوله: (وإليه أشار بقوله: "وَإِلا فقَوْلانِ") ساقط من (ن 2).

ص: 425

مالك، وقاله ابن نافع وأصبغ: أنه لا يلزمه غير الثلث، وعن سحنون: إنما يلزمه ما لا يجحف بماله (1).

قوله: (وَبَعْثُ فَرَسٍ وَسِلاحٍ لِمَحَلِّهِ) أي: ولزم بعث فرس أو سلاح (2) إن (3) قال: هو في السبيل، أو نذر لله أو حلف يمينًا فحنث، قال في المدونة: وليبعث ذلك بعينه (4)؛ يريد: إلى أماكن الجهاد، وهو المراد هنا بمحله.

قوله: (وَإِنْ لَمْ يَصِلْ بِيعَ وَعُوِّضَ) أي: وإن لم يمكن وصوله بيع وعوض به من جنسه وبعث به.

قوله: (كَهَدْيٍ) أي: وكذلك الهدي يلزم بعثه إلى محله إن أمكن وصوله إلى محله (5)، وإلا بيع وعوض من جنسه إن بلغ، ولا فرق على المذهب بين كونه معيبًا أو سليمًا؛ لأنه لما لم يمكن وصوله صار كأنه غير مقصود العين، وأشار بقوله:(ولو معيبًا على الأصح) إلى أن الشخص إذا قال: لله عليَّ أن أهدي هذه (6) البدنة العوراء أو العرجاء أو نحوهما مما لا يهدى أنه يخرجها بعينها؛ لأن السلامة إنما تطلب في الوا جب المطلق، وإليه ذهب أشهب، فإن لم يصل عُوِّض بثمنه، وقال محمد: يبيعه ويشتري بثمنه هديًا سالمًا، واتفق أشهب ومحمد على (7) أنه إذا قال: لله عليَّ هدي ولم (8) يعين، أن عليه هديًا سالمًا (9).

قوله: (وَلَهُ فِيهِ إِذَا بِيعَ الإِبْدَالُ بِالأَفْضَلِ) هذا إشارة إلى الفرق بين الهدي وغيره مما هو كالفرس وآلات السلاح، ومراده أن الهدي يجوز أن يعوض من جنسه، ويجوز أن يبدل بالأفضل، وأما الفرس ونحوه فلا يجوز تعويضه.

(1) انظر: التوضيح: 3/ 399.

(2)

قوله: (أي: ولزم بعث فرس أو سلاح) ساقط من (ن) و (ن 2).

(3)

قوله: (إن) ساقط من (ز 2)، وفي (ن):(من).

(4)

انظر: المدونة: 1/ 474.

(5)

قوله: (إلى محله) زيادة من (ن).

(6)

قوله: (أن أهدي هذه) يقابله في (ن): (هدي).

(7)

قوله: (على) ساقط من (ز 2).

(8)

قوله: (لم) ساقط من (ز 2).

(9)

انظر: النوادر والزيادات: 2/ 457، والتوضيح: 3/ 391.

ص: 426

قوله: (وَإِنْ كَانَ كَثَوْبٍ بِيعَ) أي: فإن كان الذي التزمه مما لا (1) يهدى كالثوب والعبد ونحوهما باعه وعوض بثمنه هديًا، وقاله في المدونة وفيها: فإن لم يبعه وبعثه (2) فلا يعجبني ويباع هناك ويشترى به هدي (3)، وإليه أشار بقوله:(وَكُرِهَ بَعْثُهُ وَأُهْدِيَ بِهِ).

قوله: (وَهَلْ اخْتُلِفَ هَلْ يُقَوِّمُهُ أَوَّلًا أَوْ لَا نَدْبًا، أَوِ التَّقْوِيمُ إِنْ كَانَ بِيَمِينٍ؟ تَأْوِيلَاتٌ) يعني: وهل اختلف إذا كان الشيء مما لا يهدى أيجوز أن يقومه على نفسه ابتداء، أو الأولى له عدم التقويم ويبيعه ويعوض بثمنه، أو يفرق بين أن يكون بيمين أو لا؟ تأويلات ثلاثة، ومذهب المدونة أنه يبيعه ويعوض بثمنه كما تقدم (4)، وظاهر ما (5) في كتاب الحج والنذر جواز تقويمه (6) على نفسه وإخراج قيمته، وهو مذهب العتبية، واختلف (7) هل هو اختلاف قول، وإليه ذهب جمهورهم أو هو وفاق، وإليه ذهب جماعة منهم صاحب البيان، قال: وليس هو من باب شراء المرء صدقته؛ لأن القصد في الهدي الثمن؛ لأنه مما لا يهدى عينه بخلاف الصدقة؛ لأنه قد يتصدق بذلك الشيء بعينه (8). وحكى ابن يونس عن بعض القرويين: أنه إذا تصدق بعرض تطوعًا لم يكن له حبسه ويتصدق بقيمته، ولو حلف بذلك وحنث أجزأه إخراج قيمته؛ لأن الحالف غير قاصد للقربة فلم يدخل في قوله عليه الصلاة والسلام:"العائد في صدقته (9) كالكلب يعود في قيئه"(10)، بخلاف المتطوع فإنه داخل في ذلك، وأشار ابن

(1) قوله: (لا) ساقط من (ز 2).

(2)

قوله: (لم يبعه وبعثه) يقابله في (ن 2): (بعثه).

(3)

انظر: المدونة: 1/ 451.

(4)

انظر: المدونة: 1/ 451.

(5)

في (س) و (ن 2): (وظاهرها).

(6)

في (ز 2): (تقديمه).

(7)

قوله: (اختلف) زيادة من (ز 2).

(8)

انظر: البيان والتحصيل: 3/ 99.

(9)

في (ز 2): (هبته).

(10)

متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 925، في باب لا يحل لأحد أن يرجع في هبته وصدقته، من كتاب الهبة وفضلها، برقم: 2480، ومسلم: 3/ 1239، في باب كراهة شراء الإنسان ما تصدق به ممن تصدق عليه، من كتاب الهبات، برقم: 1620، ومالك: 1/ 282، في باب اشتراء الصدقة والعود فيها، من كتاب الزكاة، برقم:623.

ص: 427

يونس وعياض إلى أنه لا فرق في ذلك بين أن يكون بيمين أو لا (1).

(المتن)

فَإِنْ عَجَزَ عُوِّضَ الأَدْنَى، ثُمَّ لِخَزَنَةِ الْكَعْبَةِ يُصْرَفُ فِيهَا إِنِ احْتَاجَتْ وَإِلّا تُصُدِّقَ بِهِ، وَأَعْظَمَ مَالِكٌ أَنْ يُشْرَكَ مَعَهُمْ غَيْرُهُمْ لِأَنَّهُ وِلَايَةٌ مِنْهُ عليه الصلاة والسلام، وَالْمَشْيُ لِمَسْجِدِ مَكَّةَ وَلَوْ لِصَلَاةٍ وَخَرَجَ مَنْ بِهَا وَأَتَى بِعُمْرَةٍ كَمَكَّةَ، أَوِ الْبَيْتِ، أَوْ جُزْئِهِ لَا غَيْرُ، إِنْ لَمْ يَنْوِ نُسُكًا مِنْ حَيْثُ نَوَى، وَإِلَّا فمن حيث حَلَفَ أَوْ مِثْلِهِ إِنْ حَنِثَ بِهِ.

(الشرح)

قوله: (فَإنْ عَجِزَ عُوِّضَ الأَدْنَى) أي: فإن عجز ثمن ما لا يهدى عن قيمة بدنة أو بقرة عوض أَدنى الهدي وهو شاة يشتريها من مكة أو غيرها فإن لم يبلغ ثمن شاة، فقال مالك في المدونة (2): يبعثه إلى خزنة الكعبة يُنفَق عليها (3)، وإلى هذا أشار بقوله:(ثُمَّ لِخَزَنَةِ الْكَعْبَةِ يُصْرَفُ فِيهَا إِنْ احْتَاجَت) أي: في مصالحها إن احتاجت (4)، وقال ابن القاسم: أحب إليَّ أن يتصدق به حيث شاء (5)، وقال (6) أصبغ: يتصدق به على فقراء الحرم. اللخمي: ولو قيل يشارك به في هدي لكان له وجه (7)، والخزنة: جمع خازن؛ وهم أمناء الكعبة (8).

قوله: (وَإِلا تُصُدِّقَ بِهِ) أي: وإن لم تحتج له الكعبة تصدق به، وقاله في كتاب محمد (9).

قوله: (وَأَعْظَمَ مَالِكٌ أَنْ يُشْرَكَ مَعَهُمْ غَيْرُهُمْ؛ لأَنَّهُ وِلايَةٌ مِنْهُ عليه الصلاة والسلام هكذا قال في المدونة (10) وليس هو من النذرفي شيء، وإنما ذكره استطرادًا، ولعله

(1) انظر: التوضيح: 3/ 391.

(2)

في (ز): (الموازية).

(3)

انظر: المدونة: 1/ 570.

(4)

قوله: (في مصالحها إن احتاجت) ساقط من (س) و (ن 2)، قوله:(إن احتاجت) ساقط من (ن).

(5)

انظر: المدونة: 1/ 570.

(6)

قوله: (وقال) ساقط من (ز 2).

(7)

انظر: التبصرة، للخمي، ص:1666.

(8)

انظر: التوضيح: 3/ 393.

(9)

انظر: النوادر والزيادات: 4/ 33.

(10)

انظر: المدونة: 1/ 570.

ص: 428

جواب عن سؤال (1) مقدر كأن قائلًا قال: هل يجوز دفع ذلك إلى غيرهم ينفقه على الكعبة؟ فقال: أعظم مالك ذلك أو يكون معناه أنه استعظم أن يشرك في خدمة الكعبة والقيام بمصالحها غيرهم، ثم استدل بأن ذلك ولاية منه عليه السلام إذ دفع المفاتيح لعثمان بن طلحة، وقال:"هي لكم يا بني عبد الدار خالدة (2) لا ينزعها (3) من أيديكم إلا ظالم"(4).

قوله: (وَالْمَشْيُ لِمَسْجِدِ مَكَّةَ وَلَوْ لِصَلاةٍ) أي: وكذلك يلزم المشي إلى مسجد مكة لمن نذره ولو لصلاة، قال في الإكمال: من قال لله عليَّ صلاة في أحدها -أي: المساجد الثلاثة- وهو في بلد غير بلادها فعليه إتيانها، وإن قال ماشيًا فلا يلزمه المشي إلا في حرم مكة خاصة، وأما المسجدان الآخران (5) فالمشهور عندنا أنه لا يلزمه المشي إليهما ويأتيهما راكبًا. وقال ابن وهب: بل يأتيهما ماشيًا. وقال القاضي إسماعيل: إن (6) من نذر المشي إلى المسجد الحرام للصلاة لا للحج لم يكن عليه المشي وليركب إن شاء (7).

قوله: (وَخَرَجَ مَنْ بِهَا وَأَتَى بِعُمْرَةٍ) يريد أن من كان بمكة ونذر المشي إليها أنه يخرج إلى الحل ويأتي بعمرة، ولا خلاف فيه بين مالك وابن القاسم (8) إذا كان في المسجد، وأما إذا كان خارجًا عنه فقال ابن القاسم: الحكم كذلك، وقال مالك: يمشي من موضعه إلى البيت في غير حج ولا عمرة (9). وكلامه هنا جارٍ على مذهب ابن القاسم؛

(1) في (ز) و (ز 2): (مثال).

(2)

قوله: (خالدة) زيادة من (س).

(3)

في (س): (ينتزعها).

(4)

ضعيف، أخرجه الطبراني في الكبير: 11/ 120، برقم: 11234، وفي الأوسط: 1/ 155، برقم: 488، وابن عدي في الكامل: 4/ 137. وفيه عبد الله بن المؤمل: وثقه ابن معين في رواية، وابن حبان، وقال: يخطئ، وضعفه آخرون. انظر: المقاصد الحسنة، للسخاوي، ص: 320، ومجمع الزوائد، للهيثمي: 3/ 620، برقم:5707.

(5)

قوله: (الآخران) زيادة من (ن 2).

(6)

قوله: (إن) زيادة من (س).

(7)

انظر: إكمال المعلم: 4/ 517.

(8)

قوله: (وابن القاسم) يقابله في (ن 2): (وأصحابه، هذا).

(9)

انظر: النوادر والزيادات: 2/ 337.

ص: 429

أجزاه (1) إذ لم يفرق بين المسجد وغيره.

قوله: (كَمَكَّةَ، أَوِ الْبَيْتِ، أَوْ جُزْئِهِ لا غير) هو تشبيه في حكم اللزوم (2)؛ أي: وكذلك من نذر المشي (3) إلى مكة أو البيت أو إلى شيء من أجزاء البيت كـ "بابه" أو "ركنه" أو "شاذروانه" فإنه يلزمه، وقاله في المدونة (4)، ثم قال فيها: وأما غير ذلك كعرفة ونحوها فلا (5)؛ أي: فلا يلزمه ذلك، وإليه أشار بقوله:(لَا غَيْرُ). قال في التنبيهات: مذهبه في هذه المسألة إلزامه (6) اليمين إن قال بيت الله أو الكعبة أو المسجد الحرام أو مكة، أو ذكر شيئًا من أجزاء البيت فقط دون ما عدا ذلك إلا أن ينوي حجًّا أو عمرة، وهو تأويل جمهور الشيوخ، ومقتضى ما في الواضحة: أنه لا يلزمه في الحطيم والحجر وزمزم (7)، وعن أصبغ قول آخر: أنه يلزمة بكل ما سمى مما هو داخل مكة كالصفا والمروة وأبي قبيس وقعيقعان (8). وقال ابن حبيب: يلزمه إذا سمى الحرم أو ما هو (9) فيه، ولا يلزمه ما خرج عنه ما عدا عرفات (10).

قوله: (إِنْ لَمْ يَنْوِ نُسُكًا) هو استثناء من قوله: (لا غير)؛ يريد أن من قال: عليَّ المشي إلى موضع كذا، وليس من المواضع التي تقدم أنه (11) يلزمه المشي إليها، فلا يلزم بذلك إلا أن ينوي أحد النسكين من (12) الحج أو العمرة فإنه يتعين عليه الإتيان إليه ماشيًا ويدخل محرمًا بما نوى، وقد تقدم أنه تأويل الجمهور على المدونة.

(1) قوله: (أجزاه) زيادة من (ن).

(2)

قوله: (هو تشبيه في حكم اللزوم) ساقط من (ز 2).

(3)

قوله: (المشي) ساقط من (ز).

(4)

قوله: (وقاله في المدونة) ساقط من (ز 2).

(5)

انظر: المدونة: 1/ 469.

(6)

قوله: (إلزامه) زيادة من (س).

(7)

انظر: التوضيح: 3/ 365.

(8)

انظر: النوادر والزيادات 4/ 29.

(9)

قوله: (داخل مكة كالصفا

الحرم أو ما هو) ساقط من (س).

(10)

انظر: النوادر والزيادات: 4/ 29.

(11)

قوله: (تقدم أنه) ساقط من (ن 2).

(12)

قوله: (من) ساقط من (س) و (ن 2).

ص: 430

قوله: (مِنْ حَيْثُ نَوَى) هذا مما لا خلاف فيه إن كانت له نية، وإن لم تكن له نية ففي النذر (1) من حيث نذر باتفاق، وفي اليمين من حيث حلف، فقوله:(من حيث نوى) أي: في الصورتين؛ أي: وكذا من حيث نذر في النذر.

قوله: (وَإِلا فمن حيث (2) حَلَفَ) أي: وإن لم تكن له نية فمن حيث حلف، وهو المشهور ومذهب المدونة (3) وقيل: يمشي من حيث حنث (4).

قوله: (أَوْ مِثْلِهِ إِنْ حَنَثَ بِهِ) أي: فإن كان مكان الحنث غير مكان الحلف إلا أنه مثله في المسافة فإنه يمشي من حيث حنث، قاله اللخمي (5).

وإن كان أقرب بالشيء اليسير فقيل: لا يجزئه، وقال أبو الفرج: يهدي هديًا ويجزئه، وإن بَعُد ما بين الموضعين لم يجزئه (6)، إلا أن يكون ممن لا يستطيع مشي جميع الطريق فيمشي من موضعه ويهدي (7).

(المتن)

وَتَعَيَّنَ مَحَلٌّ اعْتِيدَ وَرَكِبَ فِي الْمَنْهَلِ، وَلِحَاجَةٍ كَطَرِيق قُرْبَى اعْتِيدَتْ، وَبَحْرًا اضْطُرَّ لَهُ، لَا اعْتِيدَ عَلَى الأَرْجَحِ، لِتَمَامِ الإِفَاضَةِ وَسَعْيِهَا، وَرَجَعَ وَأَهْدَى إِنْ رَكِبَ كَثِيرًا بِحَسَبِ مَسَافتِهِ، أَوِ الْمَنَاسِكَ وَالإِفَاضَةَ نَحْوُ الْمِصْرِيِ قَابِلًا فَيَمْشِي مَا رَكِبَ. فِي مِثْل الْمُعَيَّنِ، وِإلَّا فَلَهُ الْمُخَالَفَةُ إِنْ ظَنَّ أَوَّلًا الْقُدْرَةَ، وَإِلَّا مَشَى مَقْدُورَهُ وَرَكِبَ وَأَهْدَى فَقَطْ كَأَنْ قَلَّ وَلَوْ قَادِرًا كَالإِفَاضَةِ فَقَطْ، وَكَعَامٍ عُيِّنَ وَلْيَقْضِهِ، أَوْ لَمْ يَقْدِرْ وَكَإِفْرِيقِيّ، وَكَإِنْ فَرَّقَهُ وَلَوْ بِلَا عُذْرٍ، وَفِي لُزُومِ الْجَمِيعِ بِمَشْيِ عُقْبَةٍ وَرُكُوبِ أُخْرَى تَأْوِيلَانِ.

(الشرح)

قوله: (وَتَعَيَّنَ مَحَلٌّ اعْتِيدَ) أي: إذا نذر المشي من بلد أو حلف به فلا يتعين عليه أن يمشي من موضع خاص منه إلا أن تكون عادة الناس جارية بالمشي منه فيتعين المشي

(1) في (ن 2): (النوادر).

(2)

قوله: (فمن حيث) زيادة من (ن 2).

(3)

قوله: (ومذهب المدونة) يقابله في (ن 2): (وهو مذهب مالك في المدونة).

(4)

انظر: المدونة: 1/ 467.

(5)

انظر: التبصرة، للخمي، ص:1642.

(6)

انظر: الذخيرة: 4/ 81.

(7)

انظر: التوضيح: 3/ 369.

ص: 431

منه (1)، وهذا إن لم تكن له نية كما تقدم وإلا فمن الموضع الذي نوى المشي منه.

قوله: (وَرَكِبَ فِي الْمَنْهَلِ، وَلِحَاجَةٍ) هكذا قال في المدونة، وعن مالك: أنه لا يركب في ذلك، وأنه إن ركب استحب له أن يهدي (2).

قوله: (كَطَرِيقٍ قُرْبَى اعْتِيدَتْ) أي: وكذلك له أن يمشي في الطريق الأقرب، وهكذا في الموازية (3)، وقيده الباجي بأن تكون كلها معتادة كما هنا، ولهذا لو لم تكن معتادة لم يكن له المشي منها (4).

قوله: (وَبَحْرٍ اضْطُرَّ لَهُ لَا اعْتِيدَ عَلى الْأَرْجَحِ (5)) أي: وكذلك يجوز له أن يركب بحرًا اضطر إلى ركوبه، كمن هو (6) ساكن في جزيرة لا يمكنه (7) المرور من مكانه إلا في السفن ثم يمشي بعد ذلك ما بقي، وهذا مما لا إشكال فيه. ابن يونس: وسئل أبو بكر بن عبد الرحمن عمن حلف بالمشي إلى مكة وهو بصقلية فحنث، هل يمشي من أقرب بر إليها أو من الإسكندرية؛ لأن عادتهم في السير إلى الحجاز إنما هو منها، فقال: إنما عليه المشي من الإسكندرية، لأن غالب فعلهم إذا أرادوا الحج إنما ينزلون بالإسكندرية، وأما بر إفريقية فإنما (8) يأتون إليه على طريق التجارة (9).

وقال أبو عمران: بل (10) يلزمه المشي من بر إفريقية، لأنه أقرب بر إليها. ابن يونس: وهو أبين (11).

وإليه أشار بقوله: (لا اعْتِيدَ عَلى الأَرْجَحِ).

(1) قوله: (منه) ساقط من (ز 2).

(2)

انظر: المدونة: 1/ 556 و 557.

(3)

في (س) و (ن 2): (المدونة).

(4)

انظر: المنتقى: 4/ 470.

(5)

قوله: (لا اعتيد على الأرجح) زيادة من (ن 2).

(6)

قوله: (هو) ساقط من (ز 2).

(7)

قوله: (لا يمكنه) ساقط من (ز 2).

(8)

في (ن 2): (فإنهم).

(9)

انظر: التوضيح: 3/ 370.

(10)

في (ن 2): (إنما).

(11)

انظر: الذخيرة: 4/ 81.

ص: 432

قوله: (لِتَمَامِ الإِفَاضَةِ وَسَعْيِهَا) يريد أن غاية المشي تمام الإفاضة إن دخل مكة محرمًا بحج، وإن دخل محرمًا بعمرة فلتمام سعيها، وإليه يعود الضمير، وإنما لم يجعل الحلق منتهى مشيه فيها؛ لأنه ليس بركن، ولا خلاف في ذلك بالنسبة إلى العمرة، وأما ما ذكره بالنسبة إلى الحج فهو مذهب المدونة، قال فيها: وله أن يركب في رجوعه من مكة إلى منى، وفي رمي الجمار بمنى (1)، وإن أخر طواف الإفاضة فلا يركب في رمي الجمار (2)، وقال ابن حبيب: يمشي في رمي الجمار وإن كان قد أفاض (3).

قوله: (وَرَجَعَ وَأَهْدَى إِنْ رَكِبَ كَثِيرًا) يريد أن من لزمه المشي فركب فيه (4) كثيرًا فإنه يرجع ويمشي أماكن ركوبه وعليه هدي.

قوله: (بِحَسَبِ مَسَافتِهِ) أي: بحسب قرب المسافة وبعدها فقد يكون مشي (5) يسيرًا (6) في النظر، كَما لو ركب دون يوم لكن لقرب المسافة يكون كثيرًا، وقد يكون بالعكس، كمن مشى من إفريقية ونحوها، فركب فوق اليومين، وقيل: إنه يرجع في ركوبه أقل من يوم، وقيل: اليوم والليلة قليل على ما في المدونة (7)، والعتبية قَرُب المكان أو بَعُد ويهدي، وقيل: لا هدي عليه (8).

قوله: (أَوِ الْمَنَاسِكَ وَالإِفَاضَةَ) أي: وكذا يرجع ويهدي إذا ركب المناسك والإفاضة فألحقه بالكثير وإن كان يسيرًا؛ لأن هذه الأفعال لما كانت مقصودة أشبهت الكثير، ونحوه في المدونة (9)، لكن الهدي مستحبّ بخلاف الأول.

قوله: (نَحْوُ الْمِصْرِيِّ) أي: ومن هو دونه بخلاف من بعدت داره كإفريقية.

قوله: (قَابِلًا فيمْشِي مَا رَكِبَ) يريد: أن من أمر بالرجوع فإنما ذلك في العام القابل،

(1) قوله: (بمنى) ساقط من (ن 2).

(2)

انظر: المدونة: 1/ 465 و 466.

(3)

انظر: النوادر والزيادات: 2/ 494، والمنتقى: 4/ 471.

(4)

قوله: (فيه) ساقط من (ز 2).

(5)

قوله: (مشي) زيادة من (ن 1).

(6)

في (ز) و (ز 2): (قصيرًا).

(7)

انظر: المدونة: 1/ 466.

(8)

انظر: النوادر والزيادات: 2/ 493، والبيان والتحصيل: 3/ 404.

(9)

انظر: المدونة: 1/ 466.

ص: 433

فيرجع فيمشي في حج أو عمرة الأماكن التي ركبها أولًا.

قوله: (فِي مِثْلِ الْمُعَيَّنِ) أي: فيرجع محرمًا بما كان محرمًا (1) به أولًا، فإن أحرم ثانيًا بعمرة وقد كان أولًا محرمًا بحج لم يجزئه بلا خلاف، ولا يجزئه (2) ذلك في العكس على مذهب المدونة (3)؛ لما بينهما من التغاير، وقال ابن حبيب: يجزئه (4).

قوله: (وَإِلا فَلَهُ الْمُخَالَفَةُ) أي: فإن لم يعين أولًا وإنما نذر مشيًا (5) مطلقًا ولم يسمِّ حجًّا ولا عمرة ثم مشى محرمًا بأحدهما فعجز، فإن له جعل (6) مشيه الثاني في غير ما كان الأول من حج أو عمرة، وهو مراده بالمخالفة، وهو مذهب المدونة (7)، وقال عبد الملك: له ذلك ما لم يكن ركوبه في الحج في المناسك، فإن عجز في خروجه لمعرفة وطواف الإفاضة لم يكن له جعل مشيه الثاني في عمرة (8).

قوله: (إنْ ظَنّ أَوَّلًا الْقُدْرَةَ، وَإِلا مَشَى مَقْدُورَهُ وَرَكِبَ وَأَهْدَى فَقَطْ) هو كقوله في المدونة: قال ابن القاسم عن مالك: ولو علم في الثانية أنه لا يقدر على تمام المشي قعد وأهدى كانت حجة أو عمرة قال: ولو علم أول خروجه أنه لا يقدر أن يمشي كل الطريق في ترداده إلى مكة مرتين لضعفه أو بُعد بلده، فلا بد أن يخرج أول مرة ولو (9) راكبًا (10) ويمشي ولو نصف ميل ثم يركب ويهدي ولا شيء عليه بعد ذلك (11)؛ أي: ولا يُلزَم برجوع وهو مراده بقوله هنا: (وأهدى فقط).

قوله: (كَأنْ قَلَّ وَلَوْ قَادِرًا) أي: وكذا لا يؤمر بالعود ثانيًا إذا كان ركوبه قليلًا

(1) قوله: (بما كان محرمًا) زيادة من (س).

(2)

قوله: (ولا يجزئه) يقابله في (ن 2): (وليس).

(3)

انظر: المدونة: 1/ 466.

(4)

انظر: النوادر والزيادات: 2/ 493.

(5)

في (ن): (شيئا).

(6)

في (ن): (فعل).

(7)

انظر: المدونة: 1/ 467.

(8)

انظر: التوضيح: 3/ 377.

(9)

في (ز) و (ن): (وهو).

(10)

قوله: (ولو راكبًا) يقابله في (ن 2): (وهو غير راكب).

(11)

انظر: المدونة: 1/ 560.

ص: 434

للحرج مع يسارة الركوب ولزمه الهدي فقط لما ترك (1) من المشي، ولا فرق بين أن يكون ركب (2) مختارًا أو عاجزًا، ولهذا قال:(وَلَوْ قَادِرًا) وقاله ابن المواز، وقال ابن حبيب: إذا ركب مع القدرة على المشي يرجع ثانيًا، وحكاه عن بعض أصحاب مالك (3).

قوله: (كَالإِفَاضَةِ فَقَطْ) أي: وكذا لا يرجع ثانيًا إذا ركب في الإفاضة ويهدي، وهو مذهب المدونة (4).

قوله: (وَكَعَامٍ عُيِّنَ، وَلْيَقْضِهِ) كما إذا قال: لله عليَّ المشي (5) إلى مكة في هذا العام أو عام (6) كذا وكذا، فإنه إذا ركب في ذلك العام لا يرجع ثانيًا ويهدي، بخلاف ما إذا كان العام غير معين، ولكنه يقضي ما فاته من حج أو عمرة.

قوله: (أَوْ لَمْ يَقْدِرْ) أي: وكذا لا يرجع إذا علم أنه لا يقدر على الرجوع ثانيًا ويهدي، وهو مذهب المدونة (7)، وكذا لا يرجع إذا بعدت داره جدًّا كالإفريقي، ولهذا قال:(وَكَإِفْرِيقِيٍّ) وأشار بقوله: (وَكَإِنْ فَرَّقَهُ وَلَوْ بِلا عُذْرٍ) إلى أن من فرق مشيه بأن مشى على غير العادة، كمن يقيم في الطريق إقامة طويلة ثم يمشي ثم يقيم هكذا، ولا إشكال أن ذلك يجزئ مع الضرورة، واختلف إن فعله اختيارًا، ففي المدونة: يجزئه، وفي الواضحة: لا يجزئه (8)، وهما روايتان.

قوله: (وَفِي لُزُومِ الْجَمِيعِ بِمَشْيِ عَقَبَةٍ وَرُكُوبِ أُخْرَى تَأْوِيلانِ) يريد أنه اختلف إذا مشى عقبة -أي: مرحلة- وركب أخرى، هل يلزمه ثانيًا أن يمشي الطريق كلها أو يمشي مواضع ركوبه فقط؟ والأول قول مالك في الموازية، والثاني في الواضحة (9)،

(1) في (ز): (نزل).

(2)

قوله: (ركب) زيادة من (س).

(3)

انظر: التوضيح: 3/ 377.

(4)

انظر: المدونة: 1/ 466.

(5)

قوله: (يرجع ثانيًا، وحكاه

قال: لله عليَّ المشي) ساقط من (ن 2).

(6)

قوله: (أو عام) زيادة من (س).

(7)

انظر: المدونة: 1/ 466.

(8)

انظر: عقد الجواهر: 2/ 368.

(9)

انظر: النوادر والزيادات: 2/ 493.

ص: 435

وهو ظاهر المدونة؛ لقوله فيها: وعرف أماكن ركوبه من الأرض ثم يعود ثانية فيمشي أماكن ركوبه (1). الشيخ: وقد يقال ما في الموازية (2) ليس بخلاف، وإنما أمره مالك بمشي الطريق كله؛ لأنه لا يتحقق بطريق العادة ضبط مواضع مشيه من ركوبه لا سيما إذا كان الموضع بعيدًا.

(المتن)

وَالْهَدْيُ وَاجِبٌ إِلَّا فِي مَنْ شَهِدَ الْمَنَاسِكَ فَنَدْبٌ، وَلَوْ مَشَى الْجَمِيعَ وَلَوْ أَفْسَدَ أَتَمَّهُ وَمَشَى فِي قَضَائِهِ مِنَ الْمِيقَاتِ، وَإِنْ فَاتَهُ جَعَلَهُ فِي عُمْرَةٍ وَرَكِبَ فِي قَضَائِهِ، وَإِنْ حَجَّ نَاوِيًا نَذْرَهُ وَفَرْضَهُ مُفْرِدًا أَوْ قَارِنًا أَجْزَأَ عَنِ النَّذْرِ، وَهَلْ إِنْ لَمْ يَنْذرْ حَجًّا؟ تَأْوِيلَانِ.

(الشرح)

قوله: (وَالْهَدْيُ وَاجِبٌ إِلَّا فِي مَنْ شَهِدَ الْمَنَاسِكَ فَنَدْبٌ) لا إشكال في ذلك إلا فيمن (3) شهد المناسك راكبًا، كما إذا ركب من حين خروجه لمعرفة حتى طاف الإفاضة، فإن الهدي مستحب فقط، قاله مالك (4).

قوله: (وَلَوْ مَشَى الْجَمِيعَ) أي أن الهدي واجب ولو (5) مشى الراجع الجميع، وهو الأصح عند المتأخرين؛ لأنه قد ترتب في الذمة فلا يسقط بمشي غير واجب (6).

قوله: (وَلَوْ أَفْسَدَ أَتَمَّهُ وَمَشَى فِي قَضَائِهِ مِنَ الْمِيقَاتِ) أي: فلو مشى في الحج فأفسده فإنه يتمادى على إتمامه كما في سائر صور الفساد، ثم إذا قضى الحج فلا يلزمه أن يمشي فيما قبل الميقات؛ لأنه مشاه قبل ذلك، ولم يتسلط الفساد إلا على ما بعد الإحرام، وعليه هديان (7) للفساد ولتبعيض (8) المشي.

(1) انظر: المدونة: 1/ 467.

(2)

في (ن 2): (المدونة).

(3)

في (ز): (من).

(4)

قوله: (راكبًا، كما إذا

فقط، قاله مالك) يقابله في (ن 2):(فمندوب، أي: ما ذكر من هدي في مسائل الركوب لقادر المشي وإنه واجب إلا في مسألة من شهد المناسك راكبًا ومشى الطريق كله، فإنه في حق ذلك الشخص مستحب)، وفي (ن):(فندب). وانظر: المدونة: 1/ 557.

(5)

في (ز): (لو).

(6)

قوله: (فلا يسقط بمشي غير واجب) يقابله في (ن 2): (كما في سائر الفساد، ولتبعيض المشي).

(7)

في (ن 2): (فديتان).

(8)

في (ز): (وليقض).

ص: 436

قوله: (وَإِنْ فَاتَهُ جَعَلَهُ فِي عُمْرَةٍ وَرَكِبَ فِي قَضَائِهِ) هكذا قال في المدونة (1)، قال مالك في الموازية وغيرها: فإذا حج قابلًا فليس عليه أن يمشي من مكة إلى منى؛ لأن مشيه قد صار في عمرة فقد قضاه. محمد: وقال ابن القاسم وسحنون: يمشي المناسك (2).

قوله: (وَإِنْ حَجَّ نَاوِيًا نَذْرَهُ وَفَرْضَهُ مُفْرِدًا أَوْ قَارِنًا أَجْزَأَ عَنِ النَّذْرِ) أي: إذا نذر الحج ثم مشى فيه ناويًا ذلك مع الفريضة، فإنه يجزئه عن نذره فقط، وهو المشهور ومذهب المدونة (3)، وعن مالك: لا (4) يجزئه عن واحد منهما، وعن المغيرة: يجزئه للفرض (5) فقط (6).

قوله: (وَهَلْ إِنْ لَمْ يَنْذُرْ حَجًّا؟ تَأْوِيلانِ) أي: وهل الإجزاء عن النذر في الصورتين مطلقًا، أو بشرط ألا يكون قد نذر حجًّا تعيينًا (7)؟ تأويلان على المدونة (8)، الأول لابن المواز، والثاني لبعضهم (9).

(المتن)

وَعَلَى الصَّرُورَةِ جَعْلُهُ فِي عُمْرَةٍ ثُمَّ يَحُجُّ مِنْ مَكَّةَ عَلَى الْفَوْرِ، وَعَجَّلَ الإِحْرَامَ فِي أَنَا مُحْرِمٌ أَوْ أُحْرِمُ إِنْ قَيَّدَ بِيَوْمِ كَذَا كَالْعُمْرَةِ مُطْلِقًا، إِنْ لَمْ يَعْدَمْ صَحَابَةً لَا

(1) انظر: المدونة: 1/ 467.

(2)

انظر: النوادر والزيادات: 2/ 495.

(3)

انظر: المدونة: 1/ 468.

(4)

في (ز): (ما).

(5)

في (ز): (عن نذره).

(6)

انظر: النوادر والزيادات: 2/ 495 و 496.

(7)

قوله: (وهل الإجزاء عن النذر

قد نذر حجًّا تعيينًا؟ ) ساقط من (ن).

(8)

قوله: (على المدونة) زيادة من (ز 2) و (ن). وانظر: المدونة: 1/ 468.

(9)

قوله: (أي: وهل الإجزاء

والثاني لبعضهم) يقابله في (ن): (قوله: أي تأويلان على المدونة أحدهما أنه لا يجزئه عن واحد منهما، وهو قول ابن المواز، والثاني قول ابن يونس: حكى بعض أصحابنا عن بعض الناس أن قول ابن المواز خلاف قول ابن القاسم في كتاب الحج الأول من المدونة؛ أي أنه يجزئه عن نذره لا عن فرضه)، وفي (ن 2):(وفسر محمد قول ابن القاسم في المدونة أنه يجزئه عن النذر وإن كان نذره مبهمًا بأن قال على المشي ولم يقل في حج ولا عمرة وإلا فلا يجزئه عن واحد منهما وأطلق اللخمي وغيره). وانظر: النوادر والزيادات 2/ 495 و 496، والمنتقى: 4/ 471 و 472.

ص: 437

الْحَجِّ وَالْمَشْيِ فَلِأَشْهُرِهِ، إِنْ وَصَلَ، وَإِلَّا فَمِنْ حَيثُ يَصِلُ عَلَى الأَظْهَرِ. وَلَا يَلْزَمُ فِي مَالِي فِي الْكَعْبَةِ أَوْ بَابِهَا أَوْ كُلُّ مَا أَكْتَسِبُهُ، أَوْ هَدْيٌ لِغَيْرِ مَكَّةَ، أَوْ مَالُ غَيْرٍ، إِنْ لَمْ يُرِدْ إِنْ مَلَكَهُ، أَوْ عَلَيَّ نَحْرُ فُلَانٍ وَلَوْ قَرِيبًا؛ إِنْ لَمْ يَلْفِظْ بِالْهَدْيِ أَوْ يَنْوِهِ، أَوْ يَذْكُرْ مَقَامَ إِبْرَاهِيمَ. وَالأَحَبُّ حِينَئِذٍ -كَنَذْرِ الْهَدْيِ- بَدَنَةٌ ثُمَّ بَقَرَةٌ، كَنَذْرِ الْحَفَاءِ

(الشرح)

قوله: (وَعَلَى الصَّرُورَةِ جَعْلُهُ فِي عُمْرَةٍ ثُمَّ يَحُجُّ مِنْ مَكَّةَ عَلى الْفَوْرِ) يريد: أن من نذر مشيًا إلى مكة أو حلف فحنث به وكان صرورة -أي: لم يحج حجة الإسلام- فإن عليه أن يجعل مشيه إلى مكة في عمرة، ثم يحج من عامه من مكة حجة الإسلام، ولا يؤخره إلى العام القابل.

قوله: (وَعَجَّلَ الإِحْرَامَ فِي أَنَا مُحْرِمٌ أَوْ أُحْرِمُ إِنْ قَيَّدَ بِيَوْمِ كَذَا) يعني: أنه يتعين عليه الإحرام على الفور في قوله: أنا محرم أو أحرم يوم أفعل كذا إذا فعله؛ لأن النذور المطلقة محملها (1) على الفور أو عقيب السبب الذي عُلِّقت عليه، وحمله الباجي على الاستحباب (2)، وقيل: لا يلزمه ذلك على الفور.

قوله: (كَالْعُمْرَةِ مُطْلَقًا، إِنْ لم يَعْدَمْ صَحَابَةً) أي: إذا قال: أنا محرم بعمرة، فإنه يتعين عليه أن يحرم بها على الفور إن لم يعدم الرفقة، قال في المدونة: ويخاف على نفسه؛ أي: إن خرج وحده، ثم قال: وليؤخر حتى يجد فيخرج حينئذٍ (3)، وقال سحنون: يحرم فإن لم يجد صحابة أقام على إحرامه (4).

قوله: (لا الْحَجِّ وَالْمَشْيِ فَلأَشْهُرِهِ) أبو محمد: ولما كانت العمرة لا وقت لها لزم الإحرام لها حين الحنث، وأما الحج فإن له زمانًا وهي الأشهر (5)، فمتى حنث قبلها لم ينبغِ له أن يحرم له حتى تدخل أشهره (6).

(1) في (ز): (محلها).

(2)

انظر: المنتقى: 4/ 470.

(3)

انظر: المدونة: 1/ 558.

(4)

انظر: التوضيح: 3/ 382.

(5)

في (ن 2): (أشهر الحج).

(6)

انظر: النوادر والزيادات: 4/ 31.

ص: 438

قلت: ولهذا قال (1) هنا: (لا الحج فلأشهره)، وأما قوله:(والمشي) فيريد به أن ناذر المشي لا يلزمه أن يخرج على الفور، وشهره ابن الحاجب، وخرج المشي على الفور من القول في المسألة السابقة بأن الإحرام على الفور (2).

قوله: (إِنْ وَصَلَ، وَإِلا فَمِنْ حَيْثُ يَصِلُ) هكذا قيده الشيخ أبو محمد، فقال عقيب كلامه: وهذا إذا كان يصل من بلده إلى مكة في أشهر الحج، فأما إن كان لا يصل إلى مكة حتى تخرج أشهر الحج فإنه يلزمه الإحرام من وقت حنث. ابن يونس: يريد من وقت يصل فيه إلى مكة ويدرك الحج، قال: وحكي لنا عن أبي الحسن (3) القابسي أنه قال: بل يخرج من بلده غير محرم فأينما أدركته أشهر الحج أحرم. وقول أبي محمد أولى (4)؛ لأن معنى قوله: أنا محرم بحجة؛ أي: إذا جاء وقت خروج الناس خرجت أنا محرمًا، على ذلك يحمل قوله وعليه يدل لفظه، وفي الموازية (5): يُحرِم في أشهر الحج، وفي موضع آخر في أوان الحج (6)، وهو يدل على صحة تأويل أبي محمد، وإليه أشار بقوله:(عَلَى الأَظْهَرِ).

قوله: (وَلا يَلْزَمُ فِي مَالِي فِي الْكَعْبَةِ، أَوْ بَابِهَا) أي: لا يلزم القائل بذلك شيء من كفارة يمين أو غيرها، وقاله في المدونة فيمن قال: مالي في رتاج الكعبة؛ أي: بابها.

ابن القاسم: وكذا إن قال: مالي في الكعبة أو الحطيم (7)، فلا شيء عليه؛ لأن الكعبة لا تنتقض (8) فتبنى (9)، والحطيم ما بين الباب إلى المقام، وقال ابن حبيب (10): ما بين

(1) قوله: (قال) ساقط من (ز).

(2)

انظر: الجامع بين الأمهات، ص:348.

(3)

قوله: (أبي الحسن) زيادة من (ن 2).

(4)

انظر: الذخيرة: 4/ 81.

(5)

في (ن 2): (المدونة).

(6)

انظر: النوادر والزيادات: 4/ 31.

(7)

في (ن 1): (في).

(8)

في (س): (تنقص).

(9)

انظر: المدونة: 1/ 475 و 476.

(10)

في (ن 1): (ابن القاسم).

ص: 439

الركن الأسود إلى الباب إلى المقام؛ إذ (1) عليه ينحطم الناس (2).

قوله: (أَوْ كُلُّ مَا أَكتَسِبُهُ) أي: وكذا لا يلزم القائل: "كل ما اكتسبه في الكعبة أو بابها أو نحو ذلك" شيء (3)؛ لأنه من باب الحرج والمشقة، أما لو عين مدة يكتسب إليها أو مكانًا لزمه التصدق بثلث (4) ما يكتسب إلى المدة أوفي المكان عند ابن القاسم وابن عبد الحكم، ولم يلزمه عند ابن الماجشون، وعن أصبغ القولان (5).

قوله: (أَوْ هَدْيٌ لِغَيْرِ مَكَّةَ) يريد: لأن سَوْقه إلى غيرها من البلدان بدعة (6) ضلال، وقاله في المدونة (7)، وقد جاء:"لا نذر في معصية ولا فيما لا يملك ابن آدم"(8).

قوله: (أَوْ مَالُ غيرٍ، إِنْ لَمْ يُرِدْ إِنْ مَلَكَهُ) أي: وكذا لا شيء عليه فيما التزمه من مال غيره، وسواء كان مما يهدى (9) أم لا، قاله في المدونة، وحجته الحديث السابق (10)، أما إن التزمه ونوى إن ملكه (11) فإنه يلزمه إذا ملكه على المشهور، وقيل: لا يلزمه.

قوله: (أَوْ عَلَيَّ نَحْرُ فُلانٍ وَلَوْ قَرِيبًا، إنْ لَمْ يَلْفِظْ بالْهَدْيِ، أَوْ يَنْوِهِ أَوْ يَذْكُرْ مَقَامَ إِبْرَاهِيمَ) أي: وكذا لا يلزمه شيء (12) إذا قال: لله عليَّ (13) نحر فلان، إلا أنه إن كان

(1) قوله: (إذ) ساقط من (ز 2) و (ن 1) و (ن 2).

(2)

انظر: النوادر والزيادات: 4/ 35.

(3)

في (ن 1) و (ن 2): (يعني)، وفي (ن):(لا شيء عليه).

(4)

في (ن): (بكل).

(5)

انظر: النوادر والزيادات: 4/ 40.

(6)

قوله: (بدعة) ساقط من (ن).

(7)

قوله: (ضلال، وقاله في المدونة) يقابله في (ن 2): (غير حلال). وانظر: المدونة: 1/ 476.

(8)

أخرجه مسلم: 3/ 1262، في باب لا وفاء لنذر في معصية الله

، من كتاب النذر، برقم: 1641، وأبو داود: 2/ 258، في باب في النذر فيما لا يملك، من كتاب الأيمان والنذور، برقم: 3316، والترمذي: 4/ 103، في باب أن لا نذر في معصية، من كتاب النذور والأيمان، برقم: 1524، والنسائي: 7/ 19، في باب النذر فيما لا يملك، من كتاب الأيمان والنذور، برقم: 3812، وابن ماجه: 1/ 686، في باب النذر في المعصية، من كتاب الكفارات، برقم:2124.

(9)

في (ن 1) و (ن 2): (لا يهدى).

(10)

انظر: المدونة: 1/ 567 و 568.

(11)

في (ز): (ملكته).

(12)

قوله: (شيء) ساقط من (ن 2).

(13)

قوله: (لله عليّ) يقابله في (ن): (عليَّ).

ص: 440

أجنبيًّا فلا يلزمه شيء مطلقًا على المشهور؛ لأنه ظاهر في المعصية (1)، وإن كان قريبًا ولم يذكر الهدي ولا نواه ولا ذكر المقام فلا شيء عليه أيضًا. ابن بشير: أولم يذكر موضعًا من مواضع مكة أو منى فلا شيء عليه (2)، أما إن قال: لله عليَّ هدي فلان فإنه يلزمه هدي على المشهور، وقيل: لا شيء عليه لأنه نذر في معصية، واحترز بقوله:(أو ينوه) مما إذا نوى الهدي فإنه يلزمه بلا خلاف، وبقوله:(أو يذكر مقام إبراهيم) مما إذا ذكره؛ يريد: أو ذكر شيئًا من مواضع مكة أو منى فإنه يلزمه الهدي مثل أن يقول: لله عليَّ أن أنحر ولدي في مقام إبراهيم أوفي مكة أو منى، أو إن فعلت كذا فعلي نحر ولدي في بعض هذه الأماكن (3) وهو المشهور، وقيل: عليه كفارة يمين فقط، وسواء ذكر هذه المواضع (4) أم لا. اللخمي: وسواء نوى الهدي أم لا (5).

قال عبد الحق: عليه كفارة يمين إلا أن ينوي وجه الهدي، وجعله مذهب المدونة (6)، ثم رجع مالك (7) فقال: لا شيء عليه إلا أن ينوي وجه الهدي فيلزمه. ابن القاسم: وهو أحب إليَّ من الذي سمعت منه، والذي سمعت منه: إذا لم يقل عند مقام إبراهيم فعليه الكفارة (8)، وإن قال عند المقام فليهدِ (9). وذهب بعض القرويين إلى أنه لا يلزمه شيء في غير المعلق، كقوله: لله عليَّ كذا؛ لأنه لا نذر (10) في معصية (11)، ويلزمه في

المعلق، كقوله: إن فعلت كذا فعلي نحر ولدي في مكة أو مقام إبراهيم ونحوهما (12)،

(1) قوله: (ظاهر في المعصية) يقابله في (ن): (نذر في معصية).

(2)

انظر: التوضيح: 3/ 395.

(3)

قوله: (فعلي نحر ولدي في بعض هذه الأماكن) يقابله في (ن 1): (فعلي نحر ولدي في مقام إبراهيم أو في مكة أو في منى أي إن فعلت كذا فعلي نحر ولدي في موضع من هذه الأماكن).

(4)

في (ن 1): (الأماكن).

(5)

انظر: التبصرة، للخمي، ص:1669.

(6)

انظر: التوضيح: 3/ 395.

(7)

قوله: (مالك) زيادة من (س).

(8)

قوله: (فعليه الكفارة) يقابله في (ن 1): (فعليه الكفارة وإن قال مقام إبراهيم فعليه الكفارة).

(9)

انظر: المدونة: 1/ 576.

(10)

قوله: (لا) ساقط من (ن 1).

(11)

قوله: (لا نذر في معصية) يقابله في (ن 2): (نذر معصية).

(12)

في (ز): (وغيرهما).

ص: 441

وهو كقوله (1) في كتاب الأبهري (2)، وهو ظاهر المدونة. ابن عبد السلام: وحيث أمرناه بالهدي فقيل: إنه من الإبل، فإن لم يجد فمن البقر، فإن لم يجد فمن الغنم، وقيل: يكتفى بكبش، واختاره ابن شعبان (3)، وإلى الأول أشار بقوله:(وَالأَحَبُّ حِينَئِذٍ كَنَذْرِ الْهَدْيِ بَدَنَةٌ ثُمَّ بَقَرَةٌ) أي: فإن لم يجد بدنة فبقرة، وقد مر بيانه، لكن ظاهره أنه لا يكون من الغنم عند عدم وجدان غيرها، وليس كذلك.

قوله: (كَنَذْرِ الْحَفَاءِ) أي: وكذا لا يلزم من نذر المشي حافيًا شيء؛ لأنه لا قربة فيه والأحب له الهدي، وقاله ابن الجلاب (4) ونحوه في المدونة (5)، وعلى هذا فالتشبيه في عدم اللزوم واستحباب الهدي، ويحتمل في عدم اللزوم فقط، ويصير المعنى: ولا يلزم في قوله: ما لي في الكعبة شيء، كنذر الحفاء وهو ظاهر.

(المتن)

أَوْ حَمْلَ فُلَانٍ إِنْ نَوَى التَّعَبَ، وَإِلَّا رَكِبَ وَحَجَّ بِهِ بِلَا هَدْي. وَلَغَا عَلَيَّ الْمَسِيرُ، وَالذَّهَابُ، وَالرُّكُوبُ لِمَكَّةَ، وَمُطْلَقُ الْمَشْيِ، وَمَشْيٌ لِمَسْجِدٍ، وَإِنْ لاِعْتِكَافٍ، إِلَّا الْقَرِيبِ جِدًّا فَقَوْلانِ تَحْتَمِلُهُمَا. وَمَشْيٌ لِلْمَدِينَةِ، أَوْ إِيلِيَاءَ إِنْ لَمْ يَنْوِ صَلَاةً بِمَسْجِدَيْهِمَا، أَوْ يُسَمِّهِمَا، فَيَرْكَبُ، وَهَلْ إِنْ كَانَ بِبَعْضِهَا، أَوْ إِلَّا لِكَوْنِهِ بِأَفْضَلَ؟ خِلَافٌ، وَالْمَدِينَةُ أَفْضَلُ ثُمَّ مَكَّةُ.

(الشرح)

قوله: (أَوْ حَمْلِ فُلانٍ إِنْ نَوَى التَّعَبَ) هكذا نص في المدونة على أن القائل: أنا أحمل فلانًا إلى بيت الله، إن أراد تعب نفسه وحمله على (6) عنقه، يحج ماشيًا ويهدي (7). ابن يونس: والهدي على الاستحباب (8)، وقيل: واجب.

(1) في (س): (كذلك).

(2)

انظر: التوضيح: 3/ 396.

(3)

انظر: التوضيح: 3/ 397.

(4)

انظر: التفريع: 1/ 280.

(5)

انظر: المدونة: 1/ 562.

(6)

قوله: (على) ساقط من (ز).

(7)

انظر: المدونة: 1/ 563.

(8)

انظر: التوضيح: 3/ 367.

ص: 442

قوله: (وَإِلا رَكِبَ وَحَجَّ بِهِ بِلا هَدْيِ) أي: وإن لم يرد (1) إتعاب نفسه ولا حمله على عنقه ركب وحج بالرجل معه، ولا هدي (2) عليه، وقاله في المدونة، ثم قال: وإن أبى الرجل أن يحج حج الحالف وحده راكبًا، ولا شيء عليه في الرجل (3).

قوله: (وَلغَا (4) عَلَيَّ الْمَسِيرُ، وَالذَّهَابُ، وَالرُّكُوبُ لِمَكَّةَ) يريد أن من قال: إن كلمت فلانًا فعليَّ المسير أو الذهاب أو الركوب إلى مكة، فلا شيء عليه، وقاله ابن القاسم في المدونة، ثم قال (5) فيها: إلا أن ينوي أن يأتيها حاجًّا أو معتمرًا فليأتها راكبًا إلا أن ينوي ماشيًا (6)، وقوله:(لَغَا (7)) أي: بطل، وقال أشهب: يلزمه الإتيان إلى مكة بهذه الألفاظ.

ولابن القاسم أيضًا: يلزم في قوله عليَّ الركوب فقط (8). القاضي: يريد سواء نوى أو لم ينوِ (9). ولابن القاسم أيضًا (10): مثل قول أشهب (11).

قوله: (وَمُطْلَقُ الْمَشْيِ) يريد: أن من قال: عليَّ المشي ولم يسمِّ مكانًا فلا شيء عليه؛ لأن المشي على انفراده لَا طاعة فيه، وهو قول ابن القاسم، وقال أشهب: يلزمه المشي إلى مكة. ابن يونس: ويأتي إلى مسجد غير الثلاثة إن كان قريبًا كالأميال اليسيرة ماشيًا (12) ويصلي فيه، وقال ابن حبيب: إن كان بموضعه (13) مسجد جمعة لزمه الإتيان إليه، وقاله مالك (14).

(1) في (ن): (ينوي).

(2)

في (س): (يهدي).

(3)

انظر: المدونة: 1/ 563.

(4)

في (ن) و (ن 1) و (ن 2) والمطبوع من مختصر خليل: (وألغي).

(5)

قوله: (ثم قال) ساقط من (ن 1).

(6)

انظر: المدونة: 1/ 567.

(7)

في (ن) و (ن 1) و (ن 2) والمطبوع من مختصر خليل: (ألغي).

(8)

انظر: المنتقى: 4/ 468.

(9)

انظر: المعونة: 1/ 431.

(10)

قوله: (يلزم في قوله

ولابن القاسم أيضًا) ساقط من (ن 1).

(11)

انظر: المنتقى: 4/ 468.

(12)

قوله: (ماشيًا) ساقط من (ن 2).

(13)

قوله: (إن كان بموضعه) يقابله في (ن 1): (موضعه).

(14)

انظر: الذخيرة: 4/ 85.

ص: 443

قوله: (وَمَشْيٌ لِمَسْجِدٍ، وَإِنْ لاعْتِكَافٍ) يريد: أن من نذر المشي لمسجد (1) -أي: من غير المساجد الثلاثة- لم يلزمه، وإن نوى اعتكافًا به؛ يريد لقوله عليه السلام:"لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى"(2)، وفي الرسالة: وأما غير هذه الثلاثة (3) فلا يأتيه ماشيًا ولا راكبًا (4)، ولا يلحق بالثلاثة مسجد قباء خلافًا لابن مسلمة (5).

قوله: (إِلَّا الْقَرِيبَ جِدًّا فقَوْلانِ تَحْتَمِلُهُمَا) أي: المدونة، ومراده أن المسجد الذي نوى الإتيان إليه إن كان قريبًا جدًّا فإن فيه قولين، والمدونة محتملة لهما (6)، وظاهرها (7) عند اللخمي (8) وابن يونس: أنه لا شيء عليه؛ لقوله: ولو نذر الصلاة في غيرها من مساجد الأمصار صلى بموضعه، وفي الرسالة (9) نحوه، وقال محمد (10): إن كان قريبًا جدًّا كالأميال اليسيرة أتاه ماشيًا وصلى فيه كما التزم (11)، وقاله ابن الجلاب (12)، ولابن حبيب ما تقدم، وقاله مالك (13)، واستحسنه اللخمي (14) وغيره (15)، وانظر ما هنا مع

(1) قوله: (لمسجد) ساقط من (س).

(2)

متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 398، في باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، من أبواب التطوع، برقم: 1132، ومسلم: 2/ 1014، في باب لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، من كتاب الحج، برقم: 1397، واللفظ له.

(3)

في (ن 1) و (ن 2): (الثلاثة المساجد).

(4)

انظر: الرسالة، ص: 88 و 89.

(5)

انظر: المنتقى: 2/ 137.

(6)

انظر: المدونة: 1/ 565.

(7)

في (ز): (وظاهر ما).

(8)

انظر: التبصرة، للخمي، ص:1662.

(9)

انظر: الرسالة، ص:89.

(10)

في (ن 1) و (ن 2): (أبو محمد).

(11)

انظر: النوادر والزيادات 4/ 30.

(12)

انظر: التفريع: 1/ 280 و 281.

(13)

انظر: النوادر والزيادات: 4/ 30، والمنتقى: 4/ 461.

(14)

انظر: التبصرة، للخمي، ص:1661.

(15)

انظر: التوضيح: 3/ 385.

ص: 444

ما له (1) في المدونة في باب الاعتكاف فيمن نذر جوار مسجد مثل جوار (2) مكة لزمه ذلك فيه (3)، ولعلَّ (4) هذا هو السبب في كون المدونة محتملة للقولين.

قوله: (وَمَشْيٌ لِلْمَدِينَةِ، أَوْ إِيلْيَاءَ إِنْ لَمْ يَنْوِ صَلاةً بِمَسْجِدَيْهِمَا (5)، أَوْ يُسَمِّهِمَا، فَيَرْكَبُ) يشير إلى قوله في المدونة: ومن قال: لله عليَّ أن آتي المدينة أو بيت المقدس أو أمشي إلى المدينة أو بيت المقدس، فلا يأتيهما حتى ينوي الصلاة في مسجديهما (6) أو يسميهما، فيقول: إلى مسجد الرسول أو مسجد إيلياء، وإن لم ينو الصلاة فيهما فيأتيهما (7) راكبًا، ولا هدي عليه، وكأنه لما سماهما قال: لله عليَّ أن أصلي فيهما (8). انتهى.

ولابن وهب -واستحسنه الأشياخ- لزومُ الإتيان إليهما ماشيًا (9).

قوله. (وَهَلْ إِنْ كَانَ بِبَعْضِهَا، أَوْ إِلَّا لِكَوْنِهِ بِأَفْضَلَ؟ خِلافٌ) يريد أن الأشياخ اختلفوا إذا كان الناذر في أحد المساجد الثلاثة والتزم الإتيان إلى الآخر، هل يلزمه ذلك مطلقًا، أو إذا كان الذي هو فيه مفضولًا، وأما إن كان فاضلًا فلا؟ وإلى الأول ذهب ابن بشير، قال: والظاهر من المذهب لزوم الإتيان وإن كان موضعه أفضل من الذي التزم المشي إليه (10)، وإلى الثاني ذهب اللخمي، فقال: إن كان بمكة أو المدينة صلى بموضعه، وأجزأه إذا نذر الصلاة في بيت المقدس والمقدسي يأتيهما، وإن نذر مكي الصلاة بالمدينة أو بالعكس أتاه، وذلك أحوط؛ ليخرج من الخلاف، وقياس قول مالك: يأتي المكي المدينة بخلاف العكس (11).

(1) في (ن 2): (ما قاله).

(2)

قوله: (مثل جوار) زيادة من (س).

(3)

انظر: المدونة: 1/ 295.

(4)

في (ن 1): (ولعلى).

(5)

في (ن 1) والمطبوع من مختصر خليل: (بمسجدهما).

(6)

في (ن 1): (مسجدهما).

(7)

في (ن 1): (فليأتيهما)، وفي (ن 2):(فلا يأتيهما).

(8)

انظر: المدونة: 1/ 470.

(9)

انظر: النوادر والزيادات 4/ 30.

(10)

انظر: التوضيح: 3/ 386.

(11)

انظر: التبصرة، للخمي، ص: 1661 و 1662.

ص: 445

قوله: (وَالْمَدِينَةُ أَفْضَلُ ثُمَّ مَكْةُ) لا خلاف أن بيت المقدس مفضولٌ بالنسبة إليهما، واختلف في مكة والمدينة ما عدا موضع (1) قبر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ إذ الإجماع على أنه أفضل بقاع الأرض (2) كلها، نقله القاضي عياض في الإكمال، والمشهور أن المدينة أفضل، وقال ابن وهب وابن حبيب: مكة أفضل، وهو مذهب الشافعي (3)، ولا يخفى ما في ذلك من الأدلة والحجج لكل من الفريقين، ولولا الإطالة لجلبنا ذلك.

* * *

(1) قوله: (موضع) ساقط من (ز) و (ن 1).

(2)

قوله: (بقاع الأرض) يقابله في (ن 1): (البقاع).

(3)

انظر: إكمال المعلم: 4/ 511.

ص: 446