المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب [في الجهاد] - تحبير المختصر وهو الشرح الوسط لبهرام على مختصر خليل - جـ ٢

[بهرام الدميري]

الفصل: ‌باب [في الجهاد]

‌بابٌ [في الجهاد]

(المتن)

بَابٌ الْجِهَادُ فِي أَهَمِّ جِهَةٍ كُلَّ سَنَةٍ -وَإِنْ خَافَ مُحَارِبًا، كَزِيَارَةِ الْكَعْبَةِ- فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَلَوْ مَعَ وَالٍ جَائِرٍ، عَلَى كُلِّ حُرٍّ ذَكَرٍ مُكَلَّفٍ قَادِرٍ، كَالْقِيَامِ بِعُلُومِ الشَّرْعِ وَالْفَتْوَى، وَدَفْعِ الضَّرَرِ وَالْأَذَى عَنِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْقَضَاءِ وَالشَّهَادَةِ، وَالإِمَامَةِ وَالأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالْحِرَفِ الْمُهِمَّةِ، وَرَدِّ السَّلَامِ وَتَجْهِيزِ الْمَيِّتِ، وَفَكِّ الأَسِيرِ. وَتَعَيَّنَ بِفَجْءِ الْعَدُوِّ وَإِنْ عَلَى امْرَأَةٍ، وَعَلَى مَنْ بِقُرْبِهِمْ إِنْ عَجَزُوا، وَبتَعْيِينِ الإِمَامِ.

(الشرح)

(الْجِهَادُ) وهو في اللغة: التعب والمشقة، مأخوذ من الجهد، وفي االشرع: تعب خاص، وهو من العبادات العظيمة (1) لما ورد فيه من الآيات والأحاديث، وهو من فروض الكفايات، كما قال آخر (2) المسألة.

قوله: (في أَهَمِّ جِهَةٍ (3)): أي في جهة يحصل فيها من الكفار خوف على المسلمين دون غيرها من الجهات فيندب الإمام إليها طائفة (4)، أو يغزوها بنفسه.

قوله: (كُلَّ سَنَةٍ) أي: ليس هو مما يجب مرة في العمر، بل حكمه باقٍ في كل عام.

ابن عبد البر: يجب على الإمام إغزاء طائفة إلى العدو في كل (5) سنة مرة يخرج معهم بنفسه، أو يرسل معهم (6) من يثق به، ليدعوهم إلى الإسلام ويرغبهم، ويكف أذاهم (7)، ويظهر دين الله عليهم، ويقاتلهم حتى يسلموا أو يؤدوا الجزية (8).

قوله: (وَإِنْ خَافَ مُحَارِبًا) أي: يكون في أهم جهة، ولو مع خوف محارب.

(1) في (ن): (المالية).

(2)

زاد في (ن) و (ن 2): (في).

(3)

قوله: (في أَهَمِّ جِهَةٍ) زيادة من (ن 1).

(4)

قوله: (الإمام إليها طائفة) يقابله في (ن 2): (للإمام أن يصرف إليها طائفة)، وفي (ن):(للإمام أن يصرف طائفة).

(5)

قوله: (كل) ساقط من (ز).

(6)

قوله: (معهم) ساقط من (ن 1).

(7)

في (ن): (إيذايتهم).

(8)

انظر: الكافي: 1/ 463.

ص: 447

قوله: (كَزِيَارَةِ الْكَعْبَةِ) يريد أن زيارتها في كل سنة فرض كفاية، فلا يجوز أن يترك الناس كلهم زيارتها في عام من الأعوام، إلا من عذر لا يستطيعون معه الوصول إليها، نعوذ بالله من ذلك.

قوله: (فَرْضُ كِفَايَةٍ) هو خبر عن قوله: (الجهاد)، وحكى ابن رشد (1) وابن الحاجب الإجماع على ذلك (2).

قوله: (وَلَوْ مَعَ وَالٍ جَائِرٍ) يشير إلى قوله في المدونة: ولا بأس بالجهاد مع هؤلاء الولاة (3)، ثم قال: وقد كان مالك يكره الجهاد معهم ثم رجع عن ذلك (4). وفي الرسالة: ويقاتل العدو مع كل بر وفاجر من الولاة (5)، لأنه لو ترك لأضرَّ بالمسلمين، وقد قال مالك: ترك ذلك ضرر (6) وجرأة لأهل الكفر (7).

قوله: (عَلَى كُلِّ حُرٍّ ذَكَرٍ مُكَلَّفٍ قَادِرٍ) هو متعلق بقوله: (فرض كفاية)، واحترز بالحُرِّ من العبد، وبالذكر من الأنثى، وبالكلَّف من الصبيِّ والمجنون، وبالقادر من العاجز، فإنهم لا يخاطبون بالجهاد.

قوله: (كَالْقِيَامِ بِعُلُومِ الشَّرْعِ) قال في المقدمات: وطلب العلم والتفقه في الدين من فروض الكفايات كالجهاد، أوجبه الله تعالى على الجملة بقوله:{فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} [التوبة: 122](8)، و {مِنْ} للتبعيض، فإذا قام به (9) البعض سقط الفرض (10) عن الباقين، إلا ما لا (11) يسع الإنسان جهله من صفة وضوئه وصلاته

(1) انظر: البيان والتحصيل: 18/ 95.

(2)

انظر: الجامع بين الأمهات، ص:352.

(3)

في (ن) و (ن 2): (الأئمة).

(4)

انظر: المدونة: 1/ 498.

(5)

انظر: الرسالة: 1/ 84.

(6)

في (ن 1): (ضرورة).

(7)

انظر: النوادر والزيادات: 3/ 25.

(8)

انظر: المقدمات الممهدات: 1/ 174.

(9)

قوله: (به) ساقط من (ز)، وفي (ن):(إليه).

(10)

قوله: (الفرض) ساقط من (ن 1).

(11)

قوله: (لا) ساقط من (س).

ص: 448

وصيامه وزكاته، إن كان ممن تجب عليه الزكاة فذلك فرض عين (1).

قوله: (وَالْفَتْوَى) أي: فكما يجب التعلم (2) على المتعلم (3) كذلك يجب على العالم الإفتاء (4) والإرشاد؛ لقوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران: 187] الآية، وقوله عليه السلام:"بلغوا عني ولو آية"(5).

قوله: (وَدَفْعِ الضَّرَرِ وَالْأَذَى عَنِ الْمُسْلِمِينَ) هو أيضًا من فروض الكفاية؛ لما فيه من مصالح العباد في فصل الخصومات (6)؛ لأن كف الأذى عنهم ورفع الضرر من المصالح المطلوبة.

مالك: وقد كان عمر يخرج إلى الحوائط يخفف عمن أثقل في عمله من الرقيق والأحرار، ويزيد في رزق (7) من أقل في رزقه (8)، وفي كلامه هنا حذف، تقديره: ورفع الضرر عن المسلمين (9).

قوله: (وَالْقَضَاءِ) أي: هو أيضًا من فروض الكفايات لما فيه من مصالح العباد في فصل (10) الخصومات، ورفع التهارج (11)، وإقامة الحدود، وكف الظالم (12)، ونصر المظلوم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قاله في الجواهر (13).

قوله: (وَالشَّهَادَةِ) هي أيضًا من فروض الكفاية يحملها بعض الناس عن بعض

(1) قوله: (فذلك فرض عين) زيادة من (ن).

(2)

في (ن): (التعليم).

(3)

قوله: (على المتعلم) زيادة من (س).

(4)

في (ن): (الاقتداء).

(5)

أخرجه البخاري: 3/ 1275، في باب ما ذكر عن بني إسرائيل، من كتاب الأنبياء، برقم: 3274، والترمذي: 5/ 40، في باب الحديث عن بني إسرائيل، من كتاب العلم، برقم:2669.

(6)

قوله: (لما فيه من مصالح العباد في فصل الخصومات) ساقط من (ص) و (ن) و (ن 1) و (ن 2).

(7)

قوله: (في رزق) ساقط من (ز).

(8)

انظر: البيان والتحصيل: 17/ 510.

(9)

سقطت كلمة (رفع) في النسخة التي اعتمد عليها بهرام، ولم يقع هذا في نسخ غيره من الشراح.

(10)

قوله: (في فصل) يقابله في (ن 1): (لما فيه من رفع الخصومات).

(11)

في (ن) و (ن 1) و (ن 2): (التهاجر).

(12)

في (ن 1) و (ن 2): (المظالم).

(13)

انظر: عقد الجواهر: 3/ 1001.

ص: 449

كالجهاد، وقاله ابن يونس، ثم قال: إلا في موضع ليس فيه من يحمل (1) ذلك، فيجب على الإنسان حينئذٍ أن يشهد (2).

قوله: (وَالإمَامَةِ) ابن شاس: وهو (3) القيام بالإمامة من فروض الكفاية (4).

قوله: (وَالَأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ) لا إشكال أنه فرض كفاية يسقط بفعل البعض كالنهي عن المنكر، قال الله تعالى:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 104].

قوله: (وَالْحِرَفِ الْمُهِمَّةِ) أي: التي (5) لا يستقيم صلاح الناس إلا بها؛ كالخياطة والحياكة والحجامة ونحوها، فإذا قام بها البعض (6) سقط عن الباقين، ولا يجوز تركها جملة، واحترز بـ (المهمة) من غيرها فإنها لا تجب، بل ربما تحرم كما سيأتي.

قوله: (وَرَدِّ السَّلامِ) إنما كان من فروض الكفاية؛ لأن بردِّ البعض يحصل الغرض (7) المقصود. قال في الرسالة: وإذا سلم واحد من الجماعة أجزأ عنهم (8)، وكذلك إن ردَّ واحد منهم (9)، وعن بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"يجزئ عن الجماعة إذا مروا أن يسلم أحدهم، ويجزئ عن الجلوس إذا رد أحدهم"(10).

(1) في (ن 1): (يتحمل).

(2)

انظر: الذخيرة: 10/ 152.

(3)

قوله: (هو) زيادة من (ن) و (ن 2).

(4)

انظر: عقد الجواهر: 3/ 1001.

(5)

قوله: (التي) ساقط من (ز).

(6)

في (ن 1): (بعض الناس).

(7)

في (ن): (الفرض).

(8)

قوله: (عنهم) زيادة من (ز 2).

(9)

انظر: الرسالة، ص:161.

(10)

قوله: (وعن بعضهم أن

الجلوس إذا رد أحدهم") ساقط من (ن) و (ن 2). ضعيف، أخرجه أبو داود: 2/ 775، في باب ما جاء في رد الواحد عن الجماعة، من كتاب الأدب، برقم: 5210، والبزار: 2/ 167، برقم: 534، وأبو يعلى: 1/ 345، برقم: 441، والبيهقي في الكبرى: 9/ 48، في باب النفير وما يستدل به على أن الجهاد فرض على الكفاية

، من كتاب السير، برقم: 17725، وابن الجوزي في العلل المتناهية: 2/ 721، برقم: 1199، وقال: قال الدارقطني تفرد به سعيد بن خالد بن الفضل وليس بالقوي. وقال ابن الملقن: وفي سنده سعيد بن خالد الخزاعي ضعفوه. انظر: تحفة =

ص: 450

قوله: (وَتَجْهِيزِ الْمَيِّتِ) أي: وكذلك تجهيز الميت فرض كفاية، فإذا قام به البعض سقط عن الباقين، ولا يجوز تركه جملة.

قوله: (وَفَكِّ الأَسِيرِ) أي: المسلم من أيدي العدو. الباجي: والوجوب قول الجمهور، وسماه أشهب نافلة (1).

قوله: (وَتَعَيَّنَ بِفَجْءِ الْعَدُوِّ وَإِنْ عَلَى امْرَأَةٍ، وَعَلَى قُرْبِهِمْ إِنْ عَجَزُوا) لما ذكر أنه فرض كفاية نبَّه على أنه قد يعرض له ما يصيره فرض عين، وذكر من ذلك أمرين:

الأول: إذا فجأ العدو قومًا؛ أي: وفاهم (2) بغتة، فإن كان لهم قوة على دفعهم تعين على الجميع دفعهم، فإن لم يقدروا على ذلك تعين على من قرب منهم، فإن لم يستقل الجميع تعين على كل من علم بضعفهم وطمع في إدراكهم وإعانتهم المضيُّ إليهم حتى يندفع العدو عنهم، ولا فرق في ذلك بين أن يكون العدو أغار على قوم أو على امرأة كما قال.

وأما قوله: (وعلى قربهم إن عجزوا) فهو معطوف على محذوف تقديره: وتعين بفجء العدو على من فجأهم إن كان لهم قوة عليه (3) وعلى النازلين قربهم إن عجزوا عن دفعه، ثم أشار إلى الأمر الثاني بقوله:(وَبِتَعْيِينِ الإِمَامِ) يريد أن الجهاد يتعين بتعيين الإمام؛ فمن عيَّنه بأمره تعين عليه الخروج، ولا تسعه مخالفته.

(المتن)

وَسَقَطَ بِمَرَضٍ، وَصِبًى، وَجُنُونٍ، وَعَمًى، وَعَرَجٍ، وَأُنُوثَةٍ، وَعَجْزٍ عَنْ مُحْتَاجٍ لَهُ، وَرِقٍّ، وَدَيْنٍ حَلَّ، كَوَالِدَيْنِ فِي فَرْضِ كِفَايَةٍ بِبَحْرٍ، أَوْ خَطَرٍ، لَا جَدٍّ، وَالْكَافِرُ كَغَيْرِهِ فِي غَيْرِهِ. وَدُعُوا لِلإِسْلَامِ، ثُمَّ جِزْيَةٍ بِمَحَلٍّ يُؤْمَنُ، وَإِلَّا قُوتِلُوا، وَقُتِلُوا إِلَّا الْمَرْأَةَ؛ إِلَّا فِيِ مُقَاتَلَتِهَا، وَالصَّبِيَّ وَالْمَعْتُوهَ، كَشَيْخٍ فَانٍ، وَزَمِنٍ، وَأَعْمَى، وَرَاهِبٍ مُنْعَزِلٍ بِدَيْرٍ أوْ صَوْمَعَةٍ بِلَا رَأْيٍ. وَتُرِكَ لَهُمُ الْكِفَايَةُ فَقَطْ،

(الشرح)

قوله: (وَسَقَطَ بِمَرَضٍ وَصِبًى وَجُنُونٍ، وَعَمَى وَعَرَجٍ وَأُنُوثَةٍ وَعَجْزٍ عَنْ مُحْتَاجٍ لَهُ،

= المحتاج في أدلة المنهاج، لابن الملقن: 2/ 500، برقم:1623.

(1)

انظر: المنتقى: 4/ 375.

(2)

في (ن 2): (واتاهم)، وفي (ن):(أتاهم).

(3)

في (ن 2): (على دفعهم).

ص: 451

وَرِقٍّ وَدَيْنٍ حَلَّ كَوَالِدَيْنِ فِي فَرْضِ كِفَايَةٍ بِبَحْرٍ أَوْ خَطَرٍ) يريد أن الجهاد يسقط بالعجز الحسي وبالموانع الشرعية، فالأول كالصبا والجنون والأنوثة والعمى والعرج والمرض (1) والفقر، وهو العجز عن السلاح والركوب عند الحاجة إليه ونفقة الذهاب والإياب، ولهذا قال (2):(وعجز عن محتاج له)، وأما الموانع الشرعية فكالرق ومنع صاحب الدين ومنع الوالدين (3)، لأن العبد ليس له جهاد (4) بغير إذن سيده، واحترز بـ (حلول الدين) من المؤجل؛ فإن رب الدين ليس له المنع به عن ذلك ولا عن سائر الأسفار، فإن كان يحل في غيبته وكَّل من يقضيه في غيبته (5)، وإن حل ولم يقدر على قضائه فله السفر بغير إذن رب المال، وهذا القيد زاده في الجواهر، وليس هنا إشعار به. ابن شاس: وللوالدين المنع، ولا يبلغ (6) الجد والجدة أن يلحقا بهما (7)، وسفر العلم الذي هو فرض عين ليس لهما منعه منه، فإن كان فرض كفاية فليتركه في طاعتهما، ولهما المنع من ركوب البحار والبراري الخطرة، وحيث لا خطر لا يجوز لهما المنع (8)، وإليه أشار بقوله:(كوالدين في فرض كفاية وفي سفر بحر أو بَرٍّ خطر)، ولا بدَّ من حذف في كلامه، والتقدير: ويسقط فرض الجهاد بمرض ونحوه كما يسقط بحق (9) الوالدين (10) في فرض الكفاية (11) بسبب سفر بحر أو بر خطر.

قوله: (لا جَدٍّ) أي: فليس له منع ولا حق له كما تقدم، وقاله ابن شاس (12).

(1) قوله: (والمرض) زيادة من (ن).

(2)

قوله: (قال) ساقط من (ن).

(3)

قوله: (ومنع الوالدين) ساقط من (ن).

(4)

قوله: (له جهاد) يقابله في (ن 1): (عليه الجهاد).

(5)

قوله: (في غيبته) زيادة من (ن 1).

(6)

في (ن) و (ن 2): (يمنع).

(7)

قوله: (أن يلحقا بهما) يقابله في (ن): (لا حض لهما).

(8)

انظر: عقد الجواهر: 1/ 316.

(9)

قوله: (ولا بدَّ من حذف

ونحوه كما يسقط بحق) ساقط من (ن 1).

(10)

في (س): (كالوالدين).

(11)

قوله: (إلى آخره)، ولا بدَّ

في فرض الكفاية) ساقط من (ن 2).

(12)

انظر: عقد الجواهر: 1/ 316.

ص: 452

قوله: (وَالْكَافِرُ كَغَيْرِهِ فِي غَيْرِهِ) يريد أن الأب الكافر كالمسلم فيما عدا الجهاد.

ابن شاس: وقال سحنون: ولهما المنع من الجهاد، إلا أن يعلم أن منعهما ليوهنا (1) الإسلام (2).

قوله: (وَدُعُوا لِلإِسْلامِ ثُمَّ جِزْيَةٍ) اختلف في الدعوة فرأى بعضهم أن المذهب كله على وجوبها فيمن بعدت داره، ورأى غيره (3) أن المذهب على ثلاثة أقوال: الوجوب، وعدمه، والوجوب فيمن بعدت داره فقط، ومنهم من زاد رابعًا بالوجوب إن كان جيش المسلمين كبيرًا (4) آمنًا وإلا فلا، وإذا وجبت الدعوة فإنما يدعون إلى الإسلام جملة من غير ذكر الشرائع إلا أن يسألوا عنها فتبين لهم، وكذلك الجزية مجملة بلا توقيت ولا تحديد إلا أن يسألوا عنها فتبين لهم، والدعوة كما قال على الترتيب: يدعون إلى الإسلام أولًا، فإن أجابوا وإلا دعوا إلى الجزية.

قوله: (بِمَحَلٍّ يُؤْمَنُ وَإلَّا قُوتِلُوا) يريد: أن (5) الدعوة مع الجيش الكثير الآمن أو الأماكن التي لا يخشى على المسلمين من العدوفيها، فإن لم يكن كذلك قوتلوا من غير دعوة.

قوله: (وَقُتِلُوا، إِلا الْمَرْأَةَ، إِلا فِي مُقَاتَلَتِهَا، وَالصَّبِيَّ وَالْمَعْتُوهَ كَشَيْخِ فَانٍ، وَزَمِنٍ وَأَعْمَى، وَرَاهِبٍ مُنْعَزِلٍ بِدَيْرٍ أَوْ صَوْمَعَةٍ بِلا رَأْيٍ) أشار بهذا إلى من يجوز قتله من الكفار من غيره، وحاصله أن جميع الكفار يقتلون إلا سبعة: المرأة والصبي ومن بعدهما (6).

وقوله: (وقتلوا) مبني للمفعول، والضمير فيه يعود إلى (7) الكفار لقوله:(ودعوا للإسلام)، فأما المرأة فلا تقتل إذا لم تقاتل، وأما إن قاتلت فإنها تقتل كما قال هنا، وهو قول ابن القاسم في الموازية والعتبية، و (في) من قوله:(في مقاتلتها) سببية، وفي كتاب

(1) في (ن 1): (ليوهن).

(2)

انظر: عقد الجواهر: 1/ 316.

(3)

في (ن 2): (بعضهم).

(4)

في (ن) و (ن 1): (كثيرًا).

(5)

في (ن) و (ن 2): (أنما).

(6)

في (ز) و (ز 2) و (س) و (ن) و (ن 1): (بعدها).

(7)

في (ن) و (ن 2): (على).

ص: 453

ابن سحنون: لا تقتل مطلقًا؛ لعموم النهي، فقد روي أنه عليه السلام نهى عن قتل النساء والصبيان (1)، وهو ظاهر قوله في المدونة: لا تقتل النساء ولا (2) الصبيان (3)، وذهب ابن حبيب إلأ أنها تقتل إلا أن يرى الإمام أن يستحييها، قال: ولا تقتل إن رمت بالحجارة فقط إلا أن تكون قد قتلت بذلك، ونحوه لمالك (4).

وابن (5) شاس: وإذا شك في بلوغ الصبي كشف عن مئزره واعتبر منابت (6) شعر العانة وقتل (7)، وقيل (8): لا يقتل حتى يحتلم (9).

ابن حبيب: والمراهق كالمرأة إن قاتل بالسيف وشبهه قتل، وإن رمى بالحجارة لا يقتل، إلا أن يقتل بذلك (10)، وقيل: إنما يقتل حال القتال، وأمَّا إن أسر فلا، وأما المعتوه وهو الضعيف العقل فلا يقتل؛ إذ هو أخف حالًا من المرأة.

اللخمي: ولا يقتل المجنون إلا أن يفيق أحيانًا ويجن أحيانًا (11)، ومذهب المدونة أن الشيخ الكبير الفاني (12) لا يقتل.

اللخمي (13): إلا أن يعلم أنه ممن له الرأي والتدبير على المسلمين (14)، ونحوه في

(1) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 57 و 58.

(2)

قوله: (لا) ساقط من (ن) و (ن 2).

(3)

انظر: المدونة: 1/ 499.

(4)

انظر: النوادر والزيادات: 3/ 57.

(5)

قوله: (و) زيادة من (ن).

(6)

قوله: (منابت) ساقط من (ن) و (ن 2).

(7)

قوله: (وقتل) ساقط من (س) و (ن 2).

(8)

قوله: (وقيل) ساقط من (ز) و (ز 2).

(9)

قوله: (وقيل لا يقتل حتى

أن يقتل بذلك) ساقط من (ن) و (ن 2). وانظر: عقد الجواهر: 1/ 317.

(10)

قوله: (وقتل، وقيل

أن يقتل بذلك) ساقط من (ن 2). وانظر: النوادر والزيادات 3/ 57.

(11)

انظر: التبصرة، للخمي، ص:1357.

(12)

قوله: (الفاني) زيادة من (ن 2).

(13)

قوله: (اللخمي) ساقط من (ن 2).

(14)

انظر: التبصرة، للخمي، ص:1353.

ص: 454

كتاب ابن (1) حبيب، وليس بخلاف، وإنما قال:(كشيخ فانٍ) ولم يقطعه (2) ولم يعطفه (3) بالواو كغيره؛ لأن عدم قتله وقتل من بعده مشروط بعدم الرأي، ولهذا كان قوله:(بلا رأي) قيدًا في الأربعة، وفي كتاب ابن سحنون: في الشيخ (4) الكبير يقتل إن قاتل وإلا فلا (5)، ولا يقتل الزمن؛ كالمقعد والأعمى والأشل والأعرج الذين لا رأي لهم ولا تدبير ولا نكاية فيهم، وقال سحنون: يقتل المقعد والأعمى (6). وفي المدونة: لا يقتل الراهب المنعزل في دير أو صومعة (7).

أبو الحسن الصغير: بخلاف رهبان الكنائس فإنهم يقتلون، وقاله ابن حبيب، واختلف هل تلحق الراهبات (8) بالذكران أم لا؟ على قولين لمالك وسحنون (9).

قوله: (وَتُرِكَ لهُمُ الْكِفَايَةُ فَقَطْ) هو كقوله في المدونة: ويترك لهم ما يعيشون به من أموالهم، ولا تؤخذ كلها فيموتون (10)، ونحوه في العتبية (11) والجلاب (12). وفي التلقين: تترك لهم أموالهم إلا أن تكون كثيرة فيترك (13) لهم اليسير (14).

وقال سحنون في الراهب يترك له ما يعيش به الأشهر والشيخ الكبير مثله، وعنه أنهما لا يترك لهما إلا ما يستر عورتهما (15) ويعيشان به

(1) قوله: (ابن) ساقط من (ز).

(2)

قوله: (ولم يقطعه) زيادة من (ن).

(3)

في (ن 2): (يقطعه).

(4)

قوله: (الشيخ) زيادة من (ن 2).

(5)

انظر: النوادر والزيادات: 3/ 58.

(6)

انظر: النوادر والزيادات: 3/ 58.

(7)

انظر: المدونة: 1/ 499.

(8)

في (ن 2): (يلحق المترهبات).

(9)

انظر: النوادر والزيادات 3/ 60 و 61.

(10)

انظر: المدونة: 1/ 499.

(11)

انظر: النوادر والزيادات: 3/ 61.

(12)

انظر: التفريع: 1/ 254.

(13)

في (ن): (فتؤخذ ويترك).

(14)

انظر: التلقين: 1/ 93.

(15)

قوله: (يستر عورتهما) يقابله في (ن): (يستتران به).

ص: 455

الأيام (1). والضمير في (لهم) عائد على السبعة الذين سقط عنهم القتل.

(المتن)

وَاسْتَغْفَرَ قَاتِلُهُمْ، كَمَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ دَعْوَةٌ، وَإِنْ حِيزُوا فَقِيمَتُهُمْ. وَالرَّاهِبُ وَالرَّاهِبَةُ حُرَّانِ. بِقَطْعِ مَاءٍ وَآلَةٍ وَبِنَارٍ؛ إِنْ لَمْ يُمْكِنْ غَيْرُهَا، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مُسْلِمٌ، وَإِنْ بِسُفُنٍ، وَبِالْحِصْنِ بِغَيْرِ تَحْرِيقٍ وَتَغْرِيقٍ مَعَ ذُرِّيَّةٍ. وَإِنْ تَتَرَّسُوا بِذُرِّيَّةٍ تُرِكُوا، إِلَّا لِخَوْفٍ، وَبِمُسْلِمٍ لَمْ يُقْصَدِ التُّرْسُ؛ إِنْ لَمْ يُخَفْ عَلَى أَكثَرِ الْمُسْلِمِينَ،

(الشرح)

قوله: (وَاسْتَغْفَرَ قَاتِلُهُمْ كَمَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ دَعْوَةٌ، وَإِنْ حِيزُوا فَقِيمَتُهُمْ) هو لسحنون، قال: ومن قتل من نُهي عن قتله من صبي أو امرأة أو شيخ هرم فإن قتله في دار الحرب قبل أن (2) يصير مغنمًا؛ فليستغفر الله ولا شيء عليه، وإن قتله بعد أن صار مغنمًا (3) فعليه قيمته، يجعل ذلك الإمام في المغنم (4)، وهو مراده بقوله:(وإن حيزوا) أي: صاروا بيد المسلمين، وأما قوله:(كمن لم تبلغه دعوة) فيريد به (5) أن من قَتَل من لم تبلغه الدعوة قبل أن يدعوه للإسلام والجزية أنه لا شيء عليه إلا الاستغفار، وعن بعض البغداديين: أن المقتول إن ثبت أنه متمسك بكتابه أو أمر نبيه على حسب ما اقتضاه كتابه ولم يعلم ببعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أن على قاتله الدية.

قوله: (وَالرَّاهِبُ وَالرَّاهِبَةُ حُرَّانِ) هو مفرع على القول بعدم قتلهما؛ أي: وإذا قلنا بعدم القتل فهما حران ولا يسترقان، ولم يحكِ اللخمي في الراهب خلافًا، وحكي عن سحنون في الراهبة أنها تسترق، وعن مالك خلافه كما هنا، وفي كلامه هذا (6) تنبيه على أن الراهبة حرة (7) لا تقتل أيضًا كالراهب؛ لأنها إذا لم تسترق فلا تقتل (8).

قوله: (بِقَطْعِ مَاءٍ وَآلَةٍ) هو متعلق بقوله: (قتلوا). يريد أن الكفار يقتلون بكل نوع

(1) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 525.

(2)

قوله: (أن) ساقط من (ز 2).

(3)

قوله: (فليستغفر الله

أن صار مغنمًا) ساقط من (ز).

(4)

انظر: النوادر والزيادات: 3/ 59.

(5)

قوله: (به) ساقط من (ز).

(6)

في (ن 2): (هذا).

(7)

قوله: (حرة) زيادة من (ن 1) و (ن 2).

(8)

انظر: التبصرة، للخمي، ص: 1355 و 1356.

ص: 456

من أنواع الحرب كقطع الماء عنهم وإرساله عليهم، ورمي بالمجانيق، وضرب بالسيف، وطعن بالرمح وشبهه من آلة القتال، فقوله:(وآلة) معطوف على قوله: (بقطع ماء) أي: يقتلون بقطع ماء وآلة، وحكى ابن حبيب (1) عن مالك أنه لا يجوز قتلهم بقطع الماء عنهم ولا رميهم بالمجانيق (2).

قوله: (وَبِنَارٍ إِنْ لَمْ يُمْكِنْ غَيْرُهَا وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مُسْلِمٌ وَإِنْ بِسُفُنٍ وَبِالْحِصْنِ) لا خلاف في جواز قتلهم بالنار إذا لم يمكن غيرها وخيف منهم (3) وليس معهم مسلم، فأمَّا إذا لم يخف منهم وقدر (4) عليهم بالنار وغيرها، فقال ابن القاسم وسحنون: لا يقتلون بها، وعن مالك جوازه (5)، والأول أظهر، لقوله عليه السلام "لا يعذِّب بالنار إلا الله تعالى"(6).

ابن زرقون: والخلاف إنما هو إذا كانوا في حصن، فأما إذا كان العدو في سفينة ونحن كذلك (7) "فلا خلاف في جواز رميهم بالنار وإن كان معهم النساء والصبيان؛ لأنا إن لم نرمهم بها رمونا بها، وعلى هذا فقوله:(وإن بسفن) ليس من أماكن المبالغة، نعم لو قال: وإن بحصن حسن ذلك، واحترز بقوله:(ولم يكن فيهم مسلم) مما إذا كان في الحصن مسلم، فإنه لا يحرق (8) قولًا واحدًا. حكاه ابن يونس (9).

قوله: (بِغَيْرِ حَرْقٍ وَتَغْرِيقٍ مَعَ ذُرّيَّةٍ) يريد ان ما تقدم من جواز قتلهم بالنار وبالماء إنما هو إذا لم يخف على ذريتهم من ذلك، فإن خيف عليهم من ذلك (10) تركوا. يريد: ما

(1) في (ن) و (ن 1) و (ن 2): (ابن وهب).

(2)

انظر: النوادر والزيادات: 3/ 66، والبيان والتحصيل: 3/ 30.

(3)

قوله: (وخيف منهم) ساقط من (ن 1).

(4)

في (ن 1) و (ن 2): (وقدرنا).

(5)

انظر: النوادر والزيادات: 3/ 66.

(6)

أخرجه البخاري: 3/ 1079، في باب التوديع، من كتاب الجهاد والسير، برقم: 2795، وأبو داود: 2/ 61، في باب في كراهية حرق العدو بالنار، من كتاب الجهاد، برقم: 2673، والترمذي: 4/ 137، في كتاب السير، برقم: 1571، بلفظ:"وإن النار لا يعذب بها إلا الله".

(7)

قوله: (ونحن كذلك) يقابله في (ن): (ونحو ذلك).

(8)

في (ن): (يجوز).

(9)

انظر: التوضيح: 3/ 423 و 424.

(10)

قوله: (من ذلك) ساقط من (س) و (ن 2).

ص: 457

لم يخف على المسلمين كما قال بعد ذلك، وحكى صاحب البيان (1) وابن زرقون إذا كان معهم النساء والصبيان في الحصن أربعة أقوال:

الأول (2): لابن القاسم: أنهم لا يحرقون ولا يغرقون ولا يرموا بالمجانيق (3)، ولأصبغ جواز ذلك، ولابن حبيب جواز ما عدا التحريق، ومذهب المدونة أنهم لا (4) يرمون ولا يحرقون ولا يغرقون. ابن رشد وابن زرقون: وهذا ما لم يكن في الحصن أسرى مسلمون وإلا فلا يرمون بالنار ولا يغرقون (5)، واختلف في قطع الماء عنهم ورميهم (6) بالمجانيق، فلابن القاسم وأشهب الجوا ز (7) خلافًا لابن حبيب، وحكاه عن مالك وأصحابه المدنيين والمصريين، ولا ترمى سفنهم بالنار إن كان معهم مسلمون أو ذرية عند ابن القاسم خلافًا لأشهب (8)، وقيل: إن كان فيهم مسلمون لم يرموا وإلا رموا، وعند (9) اللخمي: إن كان العدو طالبين ولم يقدر عليهم إلا بالنار جاز ذلك قولًا واحدًا (10)، ويختلف إن كانوا مطلوبين فدفعوا عن أنفسهم بالنار هل يجوز رميهم بها أم لا (11)؟

قوله: (وَإِنْ تَتَرَّسُوا بِذُرِّيَّةٍ تُرِكُوا، إِلا لِخَوْفٍ، وَبِمُسْلِمٍ لَمْ يُقْصَدِ التُّرْسُ، إِنْ لَمْ يُخَفْ عَلَى أَكْثَرِ المُسْلِمِينَ) المراد بالترس هنا أن يجعل الكفار المسلمين بين أيديهم يتقوا بهم من ضرب المسلمين (12) كالتُّرس، وهذا الذي ذكره قريب منه قوله في الجواهر: وإذا تترسوا

(1) في (ز): (الطراز).

(2)

قوله: (الأول) ساقط من (ز 2) و (ن 2).

(3)

قوله: (ولا يرموا بالمجانيق) يقابله في (ن) و (ن 1): (ولا يرمون بالمنجنيق).

(4)

قوله: (لا) زيادة من (ن) و (ن 2).

(5)

قوله: (ابن رشد وابن زرقون

ولا يغرقون) ساقط من (ن) و (ن 1) و (ن 2).

(6)

في (ن 2): (دون رميهم).

(7)

في (ن 2): (جواز ذلك).

(8)

انظر: البيان والتحصيل: 3/ 30.

(9)

في (ن 2): (وعن).

(10)

قوله: (قولًا واحدًا) ساقط من (ز 2).

(11)

انظر: التبصرة، للخمي، ص:1400.

(12)

قوله: (من ضرب المسلمين) يقابله في (ن): (ضرر المسلمين).

ص: 458