المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في كيفية الذكاة] - تحبير المختصر وهو الشرح الوسط لبهرام على مختصر خليل - جـ ٢

[بهرام الدميري]

الفصل: ‌فصل في كيفية الذكاة]

‌[بابٌ في الذكاة

‌فصلٌ في كيفية الذكاة]

(المتن)

بَابٌ الذَّكَاةُ قَطْعُ مُمَيِّزٍ يُنَاكِحُ تَمَامَ الْحُلْقُومِ وَالْوَدَجَيْنِ مِنَ الْمُقَدَّمِ بِلا رَفْعٍ قَبْلَ التَّمَامِ. وَفِي النَّحْرِ طَعْنٌ بِلَبَّةٍ، وَشُهِرَ أَيْضًا الاِكْتِفَاءُ بِنِصْفِ الْحُلْقُومِ، وَالْوَدَجَيْنِ، وَإنْ سَامِرِيًّا، أَوْ مَجُوسِيًّا تَنَصَّرَ، وَذَبَحَ لِنَفْسِهِ مُسْتَحَلَّهُ وَإِنْ أَكَلَ الْمَيْتَةَ، إِنْ لَمْ يَغِبْ، لا صَبِيٍّ ارْتَدَّ وَذِبْحٍ لِصَنَمٍ، أوْ غَيْرِ حِلٍّ لَهُ إِنْ ثَبَتَ بِشَرْعِنَا، وَإِلَّا كُرِهَ كَجِزَارَتِهِ، وَبَيْعٍ، وَإِجَارَةٍ لِعِيدِهِ، وَشِرَاءِ ذِبْحِهِ، وَتَسَلُّفِ ثَمَنِ خَمْرٍ، وَبَيْعٍ بِهِ، لا أَخْذِهِ قَضَاءً، وَشَحْمِ يَهُودِيٍّ، وَذِبْحٍ لِصَلِيبٍ أَوْ عِيسَى، وَقَبُولِ مُتَصَدِّقٍ بِهِ لِذَلِكَ،

(الشرح)

(الذَّكَاةُ قَطْعُ مُمَيِّزٍ يُنَاكَحُ تَمَامَ الْحُلْقُومِ وَالْوَدَجَيْنِ) يريد أن صفة الذبح قطع تمام الحلقوم والودجين، وظاهره عدم اشتراط قطع المريء، وهو المشهور وقاله في المدونة (1)، والحلقوم مجرى النفس، والودجان عرقان في صفحتي (2) العنق، والمريء عرق أحمر تحت الحلقوم وهو مجرى الطعام والشراب.

قوله: (مُمَيِّزٍ) احترازًا من الصبي الذي لا ميز (3) له، ومن المجنون والسكران لافتقار الذكاة إلى نية، واحترز بقوله:(يُنَاكَحُ) من المرتد والمجوسي (4) والصابئ ونحوهم ممن لا تجوز مناكحته، وأشار بقوله:(مِن المُقَدَّمِ) إلى أن الذكاة المذكورة (5) شرطها أن تكون من مقدم العنق احترازًا مما إذا ذبح من القفا أو من أحد جانبي العنق فإنها لا تؤكل، وقاله في المدونة (6).

قوله: (بِلا رَفْعٍ قَبْلَ التَّمامِ) احترازًا مما إذا رفع يده قبل تمام الذكاة ثم عاد فأجهز فإنها لا تؤكل على تفصيل في ذلك، ولا خلاف أنه إذا أطال بعد الرفع ثم عاد أنها لا

(1) انظر: المدونة: 1/ 543.

(2)

في (ن): (محفتي).

(3)

في (ن 2): (تمييز).

(4)

قوله: (المجوسي) ساقط من (ن).

(5)

قوله: (المذكورة) ساقط من (ن).

(6)

انظر: المدونة: 1/ 543.

ص: 299

تؤكل إذا كانت قبل العود على حال لو تركت عليها لم تعش، وأما إن كانت تعيش لو تركت فإنها تؤكل، قاله ابن القصار (1)؛ لأن الثانية ذكاة مستقلة.

قوله: (وَفي النَّحْرِ طَعْنٌ بِلَبَّةٍ) يعني: وصفة الذكاة في النحر أن يطعن المذكي بالسكين أو غيرها من الآلات في لبة المذكَّى.

وفي المدونة: ما بين اللبة والمذبح منحر ومذبح (2)، فإن نحر فجائز وإن ذبح فجائز (3).

اللخمي: ولا يكفي الطعن في الحلقوم لبقاء الحياة بعد شقه (4).

قوله: (وَشُهرَ أَيْضًا الاكْتِفَاءُ بِنِصْفِ الْحُلْقُومِ) وهو قول ابن القاسم وابن حبيب خلافًا لسحنون (5).

قوله: (وَالْوَدَجَيْنِ) أي: ونصف الودجين وهو محتمل لمعنيين:

أحدهما: أن يقطع واحدًا منهما ويترك الآخر، وفيه رواية بالأكل ورواية بعدمه، قيل: وهو الأقرب لعدم إنهار الدم.

والثاني: أن يقطع من كل واحد منهما النصف فقط، فقد صدق عليه في كل صورة أنه قطع نصف الودجين، وقد اختلف في ذلك فعن عبد الوهاب عدم الإجزاء (6)، وفي تبصرة ابن محرز: إن بقي اليسير لم يحرم (7).

قوله: (وَإِنْ سَامِرِيًّا، أَوْ مَجُوسِيًّا تَنَصَّرَ) هو راجع إلى قوله: (مميز يناكح) يعني: تصح ذكاة المميز الذي يناكح وإن كان سامريًّا أو مجوسيًّا تنصر (8)، ابن الفاكهاني في شرح الرسالة: والمذهب صحة ذكاة السامرية وهم صنف من اليهود وإن أنكروا بعث

(1) انظر: المنتقى: 4/ 211.

(2)

قوله: (ومذبح) زيادة من (س).

(3)

انظر: المدونة: 1/ 543.

(4)

انظر: التوضيح: 3/ 234، التبصرة، للخمي، ص:1521.

(5)

انظر: المنتقى: 4/ 223 و 224.

(6)

انظر: المعونة: 1/ 455.

(7)

انظر: التوضيح: 3/ 236.

(8)

قوله: (هو راجع إلى قوله

مجوسيًّا تنصر) ساقط من (ن 2).

ص: 300

الأجساد (1). وذكره غيره من الأشياخ. وأما المجوسي إذا تنصر فقد نص محمد على أكل ذكاته، وكذلك النصراني العربي (2).

قوله: (وَذَبَحَ لِنَفْسِهِ مُسْتَحَلَّهُ) هو قيد فيمن تصح (3) ذكاته من الكتابيين وغيرهم، واحترز بذلك مما إذا لم يذبح لنفسه بل ذبح لمسلم، ومما إذا ذبح ما لا يستحله وسيأتي ذلك.

قوله: (وَإنْ أَكَلَ الْمَيْتَةَ، إِنْ لَمْ يَغِبْ) يعني أن ذكاته تصح وإن أكل الميتة كالإفرنج (4)، ولا بد من عدم (5) غيبته عليها، ونص الباجي (6) والقرافي على أن الإباحة مع عدم الغيبة (7)، وعن ابن العربي إباحة ما قتلوه وإن رأينا ذلك؛ لأنه من طعامهم (8).

قوله: (لا صَبِيٍّ ارْتَدَّ) أي: فإن ذبيحته لا تؤكل، وقاله في المدونة (9)، وقيل: تؤكل؛ لأنه لا يقتل إذا ارتد قبل بلوغه، فردته كلا ردة.

قوله: (وَذِبْحٍ لِصَنَمٍ) أي: وكذلك لا يؤكل ما ذبح للصنم. ابن عبد السلام: ولا خلاف أنه حرام؛ لأنه مما أُهلَّ به لغير الله (10).

قوله: (أَوْ غَيْرِ حِلٍّ لَهُ إِنْ ثَبَتَ بِشَرْعِنَا) أي: وكذلك لا يؤكل ما ذبحه الكتابي مما يرى أنه غير حلال له إن ثبت تحريمه عليه بشرعنا كذي الظفر، وهو المشهور وقاله في المدونة (11)، خلافًا لابن وهب وابن عبد الحكم في الإباحة نظرًا إلى وجود الذكاة وقد نسخ بشرعنا شريعتهم (12)، وقيل: بالكراهة.

(1) انظر: التوضيح: 3/ 217.

(2)

انظر: النوادر والزيادات: 4/ 366.

(3)

في (س): (تحل).

(4)

في (س): (كالفرنج).

(5)

قوله: (عدم) ساقط من (ن).

(6)

في (ز 2): (اللخمي).

(7)

في (ز): (الإباحة). وانظر: المنتقى: 4/ 220 و 221، والذخيرة: 4/ 124.

(8)

انظر: إرشاد السالك: 1/ 106.

(9)

انظر: المدونة: 1/ 256.

(10)

انظر: التوضيح: 3/ 221.

(11)

انظر: المدونة: 1/ 544.

(12)

قوله: (بشرعنا شريعتهم) يقابله في (ن 2): (شرعنا شرعهم).

ص: 301

قوله: (وَإلا كُرِهَ) أي: وإن ثبت تحريمه لا بشرعنا بل بإخباره فإنه يكره من غير تحريم كالطريفة (1)، وكان مالك يقول أولًا بالجواز ثم ثبت على الكراهة ولم يحرمه، والقولان في المدونة (2).

قوله: (كَجِزَارَتهِ) أي: فإنها تكره، وسواء كان ذلك في الأسواق أو للمسلمين (3) في بيوتهم؛ لأنه (4) لا ينصحهم.

قوله: (وَبَيْعٍ) أي: وكذا يكره أن يكون بياعًا في الأسواق أو صيرفيًّا، "وقد أمر عمر رضي الله عنه بإقامتهم من الأسواق كلها"، ويحتمل أن يكون مراده أنه (5) لا يباح (6) له شيء من الأنعام التي يذبحها لعيده كما قال في العتبية.

وروي عن مالك إجازته (7)، ثم قال فيها: قيل لمالك: أيكري المسلم الدواب والسفن إلى أعيادهم، قال: تجنبهم أحب إليَّ (8).

وفي المدونة: ولا يكري إبله أو (9) سفينته لهذا (10).

ابن رشد: وهذا كما قيل أنه مكروه وليس (11) بحرام (12)، وإليه أشار بقوله:(وَإِجَارَةٍ لِعِيدِهِ).

قوله: (وَشِرَاءِ ذِبْحِهِ) أي: وكذلك يكره الشراء من ذبيحته.

قوله: (وَتَسَلُّفِ ثَمَنِ خَمْرٍ، وَبَيْعٍ بِهِ، لا أَخْذِهِ قَضَاءً) هذا كقوله في المدونة: وإذا باع

(1) في (ن 2): (الظرفية). والطريفة هي فاسدة الرئة الملتصقة بالظهر، كما فسرها الشراح. وانظر: شرح الخرشي: 3/ 6.

(2)

انظر: المدونة: 1/ 544.

(3)

قوله: (الأسواق أو للمسلمين) يقابله في (ن): (في أسواق المسلمين).

(4)

قوله: (بيوتهم؛ لأنه) يقابله في (ن 2): (سوقهم فإنه).

(5)

قوله: (أنه) ساقط من (ز 2).

(6)

في (ن 2): (يباع).

(7)

انظر: البيان والتحصيل: 3/ 272.

(8)

انظر: البيان والتحصيل: 3/ 276.

(9)

في (ن 2): (ولا).

(10)

انظر: التوضيح: 3/ 221.

(11)

في (س): (ليس).

(12)

انظر: البيان والتحصيل: 3/ 276.

ص: 302

الذمي خمرًا بدينار كرهت للمسلم (1) أن يتسلفه منه أو يبيعه به شيئًا أو يأخذه هبة أو يعطيه فيه دراهم ويأخذه أو يأكل (2) من طعام ابتاعه الذمي بذلك الدينار، وجائز أن يأخذه منه قضاء عن (3) دين كما أباح الله تعالى أخذ الجزية منهم (4).

قوله: (وَشَحْمِ يَهُودِيٍّ) هذا هو المشهور من قول ابن القاسم، وعنه أيضًا الإباحة وهو قول أشهب (5) وابن نافع، ولمالك في الموازية قول بالمنع (6).

قوله: (وَذِبْحٍ لِصَلِيبٍ، أَوْ عِيسَى) أي: ومما يكره أيضًا أكل ما ذبحه الكتابي للصليب أو لعيسى عليه السلام. ابن القاسم: وما ذبحوه وسموا عليه اسم المسيح فهو بمنزلة ما ذبحوا لكنائسهم (7)، زاد ابن حبيب: وكذلك ما ذبحوه للصليب (8).

وقال سحنون وابن لبابة: هو حرام؛ لأنه مما أهل به لغير الله، وذهب ابن وهب إلى جوازه من غير كراهة (9).

قوله: (وَقَبُولِ مُتَصَدَّقٍ بهِ لِذَلِكَ) ابن عبد السلام: سئل مالك عن الطعام يتصدق به النصراني (10) عن موتاه فكره للمسلم قبوله، قال: لأنه يُعمل (11) تعظيمًا لشركهم (12).

(المتن)

وَذَكَاةِ خُنْثَى وَخَصِيٍّ وَفَاسِقٍ. وَفِي ذَبْحِ كِتَابِي لِمُسْلِمٍ قَوْلانِ. وَجَرْحُ مُسْلِمٍ مُمَيِّزٍ وَحْشِيًّا، وَإنْ تَأنَّسَ عَجَزَ عَنْهُ إِلَّا بِعُسْرٍ. لا نَعَمٍ شَرَدَ، أَوْ تَرَدَّى بِكَوَّةٍ بِسِلاحٍ مُحَدَّدٍ، وَحَيَوَانٍ عُلِّمَ بِإرْسَالٍ مِنْ يَدِهِ بِلا ظُهُورِ تَرْكٍ، وَلَوْ تَعَدَّدَ مَصِيدُهُ، أَوْ أَكَلَ،

(1) قوله: (للمسلم) ساقط من (ن)، وفي (ن 2):(للمسلمين).

(2)

قوله: (يأكل) ساقط من (ن).

(3)

قوله: (عن) زيادة من (ن 2).

(4)

انظر: المدونة: 1/ 552.

(5)

انظر: النوادر والزيادات: 4/ 367 و 368.

(6)

انظر: عقد الجواهر: 2/ 389.

(7)

انظر: المدونة: 1/ 536.

(8)

انظر: النوادر والزيادات: 4/ 368.

(9)

انظر: البيان والتحصيل: ابن رشد: 3/ 272.

(10)

في (س): (النصارى).

(11)

قوله: (يُعمل) زيادة من (س).

(12)

انظر: النوادر والزيادات: 4/ 368.

ص: 303

أَوْ لَمْ يُرَ بِغَارٍ، أَوْ غَيْضَةٍ، أَوْ لَمْ يَظُنَّ نَوْعَهُ مِنَ المُبَاحِ، أَوْ ظَهَرَ خِلافُهُ لا إِنْ ظَنَّهُ حَرَامًا، أَوْ أَخَذَ غَيْرَ مُرْسَلٍ عَلَيْهِ، أَوْ لَمْ يَتَحَقَّقِ الْمُبِيحَ فِي شَرِكَةِ غَيْرِهِ كَمَاءٍ، أَوْ ضَرْبٍ بِمَسْمُومٍ، أَوْ كَلْبِ مَجُوسِيٍّ، أَوْ بِنَهْشِهِ مَا قَدَرَ عَلَى خَلاصِهِ مِنْهُ،

(الشرح)

قوله: (وَذَكَاةِ خُنْثَى، وَخَصِيٍّ، وَفَاسِقٍ) أي: وكذلك تكره ذكاة هذه الثلاثة، وقاله ابن رشد (1) وغيره، وعللت الكراهة في الأولين بأن ضعف قوتهما يمنع من وقوع الذكاة على وجهها، وأما في الفاسق ونحوه فلنقص دينه.

قوله: (وَفي ذَبْحِ كِتَابيٍّ لِمُسْلِمٍ قَوْلانِ) أي: في الصحة وعدمها وهما منصوصان لمالك، وينبني (2) عليهما إبَاحة الأكل وعدمه (3).

قوله: (وَجَرْحُ مُسْلِمٍ مُمَيِّزٍ وَحْشِيًّا، وَإنْ تَأَنَّسَ عَجَزَ عَنْهُ (4)) هذا أيضًا أحد أنواع الذكاة وهو العقر، والكلام فيه يتعلق بثلاثة أركان: الصائد والمصيد والمصيد به، فقوله:(مُسْلِمٍ مُمَيِّزٍ) إشارة إلى الصائد، واحترز بالمسلم من غيره فلا يصح من الكتابي على المشهور خلافًا لأشهب وابن وهب (5)، واختاره الباجي (6) واللخمي (7) وابن يونس، وعن مالك الكراهة (8) وهو قول ابن حبيب (9)، ولا يصح من المجوسي قولًا واحدًا ولا يؤكل صيد الصابئ كذبيحته، واحترز بقوله:(مميز) من الصبي الذي لا (10) يعقل القربة والمجنون والسكران لاحتياج الصيد إلى نية، واحترز بقوله:(جرح) مما إذا مات من الخوف ونحوه فإنه لا يؤكل، وقوله:(وحشيًّا)(11) هو إشارة إلى الصيد وهو

(1) انظر: البيان والتحصيل: 3/ 289 و 290.

(2)

في (ز): (ينبغي).

(3)

انظر: النوادر والزيادات: 4/ 365.

(4)

قوله: (وَإنْ تَأَنَّسَ عَجَزَ عَنْهُ) ساقط من (ن) و (ن 2).

(5)

انظر: النوادر والزيادات: 4/ 352.

(6)

انظر: المنتقى: 4/ 254.

(7)

قوله: (اللخمي) ساقط من (ن)، انظر: التبصرة، للخمي، ص:1490.

(8)

انظر: المدونة: 1/ 536.

(9)

انظر: النوادر والزيادات: 4/ 352.

(10)

قوله: (لا) زيادة من (ز 2).

(11)

في (ن 2): (وحشا).

ص: 304

الوحش المعجوز عنه، واحترز (1) به من الإنسي فإنه لا يؤكل لحمه (2) بالعقر، وقال ابن حبيب: تؤكل به البقر نظرًا إلى أن لها أصلًا في التوحش، وكذلك يؤكل عنده بالعقر حمام البيوت والإوز إذا ندت بخلاف الدجاج؛ إذ ليس له أصل في التوحش (3).

قوله: (وَإنْ تَأَنَّسَ) يريد: ثم ندَّ بعد ذلك وعجز عنه، ولهذا كان قوله:(عَجَزَ عَنْهُ) قيدًا في جميع ذلك.

قوله: (إِلا بِعُسْرٍ) أي (4): في تحصيله، وظاهره أنه لو كان يقدر على إمساكه بلا مشقة فإنه لا يؤكل إلا بما يؤكل به الإنسي، وهو كذلك، لأنه مقدور عليه من غير كلفة فأشبه الإنسي.

قوله: (لا نَعَمٍ شَرَدَ أَوْ تَرَدَّى بِكُوَّةٍ) اعلم انه لا خلاف إذا ندَّت النعم أو الإبل (5) أنها لا تؤكل بالعقر، وكذلك البقر على المشهور خلافًا لابن حبيب، وأما قوله:(أَوْ تَرَدَّى بِكُوَّةٍ) فيشير به إلى أن (6) ما وقع في حفرة من النعم لا يجوز أكله بالعقر وهو المشهور، وقال ابن حبيب: إذا طعن في جنب أو كتف أو نحوه أكل (7).

قوله: (بِسِلاحٍ مُحَدَّدٍ، وَحَيَوَانٍ عُلِّمَ) هذا هو الركن الثالث من أركان الصيد وهو ما يصاد به من سلاح أو حيوان، والباء في (بسلاح) متعلقة بقوله:(وجرح) أي: ومن شرط الجرح أن يكون بسلاح محدد أو حيوان معلم، فاحترز بالمحدد من مثل البندق والشرك والحبال إلا أن يأخذه مجتمع الحياة فيذكيه، وكذلك العصا ونحوها، وإنما اشترط في الحيوان التعليم لقوله تعالى:{وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4].

ابن حبيب: والتكليب التعليم (8)، ولقوله عليه الصلاة والسلام: "إذا أرسلت كلبك

(1) قوله: (واحترز) زيادة من (س).

(2)

قوله: (لحمه) ساقط من (س).

(3)

انظر: النوادر والزيادات: 4/ 354.

(4)

قوله: (أي) ساقط من (س).

(5)

قوله: (النعم أو الإبل) يقابله في (س): (الإبل والغنم).

(6)

قوله: (أن) زيادة من (س).

(7)

انظر: عقد الجواهر: 2/ 381.

(8)

انظر: النوادر والزيادات: 4/ 341.

ص: 305

المعلَّم" (1) فذكر التعليم، ولا يختص ذلك بالكلب بل كل ما يقبل التعليم كذلك. ابن شعبان: ولو سنورًا وابن عرس (2). ابن حبيب: والنسر (3) والنمس (4) لا يقبلان التعليم (5)، واشترط في المدونة في التعليم أمرين أن ينزجر إذا زجر وأن ينطاع إذا أرسل (6)، واعتُرِض بأن الطير لا ينزجر.

قوله: (بِإرْسَالٍ مِنْ يَدِهِ) لما ذكر أن شرط الجارح التعليم نبه على أنه لا بد مع ذلك أن يرسله الصائد من يده فلو انبعث من غير إرسال لم يؤكل ما قتله؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: "إذا أرسلت كلبك

" (7) الحديث، واختلف إذا انبعث بنفسه ثم أتبعه ربه بالإشلاء هل يؤكل ما قتله وهو قول أصبغ (8)، أو لا وهو المشهور، أو يؤكل إن زاده ذلك قوة وهو قول عبد الملك (9)، أو يؤكل إن كان حين الإرسال قريبًا منه وهو قول ابن حبيب (10).

قوله: (بلا ظُهُورِ تَرْكٍ) أي: ويشترط أيضًا في أكل ما قتله الجارح أن يكون على انبعاثه من حين أرسله ربه إلى حين أخذ الصيد، فلو أرسله ربه فاشتغل بأكل ميتة أو مع كلب آخر وقف معه ثم انبعث ثانيًا حتى أخذه فإنه لا يؤكل، أما إذا أرسله على جماعة فقتل منها واحدًا بعد واحد (11) فإن اشتغاله بالأول لا يضر في جواز أكل الثاني، وهو

(1) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 76، في باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان، من كتاب الوضوء، برقم 173، ومسلم: 3/ 1529، في باب الصيد بالكلاب المعلمة، من كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان، برقم 1929.

(2)

انظر: المنتقى: 4/ 250.

(3)

في (ن 2): (النمر).

(4)

في (ز): (والنمر).

(5)

انظر: النوادر والزيادات: 4/ 342، والمنتقى: 4/ 250 حيث ذكر النمر.

(6)

انظر: المدونة: 1/ 532.

(7)

سبق تخريجه.

(8)

انظر: النوادر والزيادات: 4/ 348.

(9)

انظر: عقد الجواهر: 2/ 385.

(10)

انظر: التوضيح: 3/ 188.

(11)

قوله: (بعد واحد) ساقط من (ن 2).

ص: 306

مذهب المدونة (1)، وقيل: لا يؤكل، وإلى الأول أشار بقوله:(وَلَوْ تَعَدَّدَ مَصِيدُهُ) والفرق بين هذا وبين (2) ما تقدم أنه في الأولى (3) اشتغل بخلاف ما أرسل عليه ولا (4) كذلك هنا، وقال محمد: إن قتل الجارح واحدًا بعد واحد أكل الأول فقط، وإن قتلهما دفعة أكلا معًا (5)، ثم أشار إلى بقية الأمور التي لا تضر في الصيد ولا تؤثر في عدم أكله بقوله:(أَوْ أَكَلَ) أي: الجارح من الصيد فإنه لا يضر، وهو المشهور في الوحش، وأما في الطير فلا خلاف أن أكله من الصيد لا يضر.

قوله: (أَوْ لَمْ يُرَ بِغَارٍ، أوْ غَيْضَةٍ) يريد أن الصائد إذا لم ير الصيد لاختفائه عنه في غار أو غيضة فأرسل عليه الجارح فقتله فإنه يؤكل. المازري: وهو المشهور، ونص ابن الجلاب في مسألة الغار على الأكل (6)، وقال سحنون: إذا أرسله وهو لا يدري أفيه شيء أم لا أنه لا يؤكل ولو نواه، وقال أشهب: لا يصح له أن ينوي ما لم يره من الصيد (7).

قوله: (أَوْ لَمْ يَظُنَّ نَوْعَهُ مِنَ الْمُباحِ) يريد أن الصائد إذا أرسله على صيد ولم يظن جنسه ولا تحققه من أي أنواع المباح هو، يريد: مع علمه أنه ليس بمحرم فإنه يصح. ابن الحاجب: ولو أرسله ولا ظن صح على المشهور (8)، ولم يحك اللخمي خلافه، وحكى ابن بشير قولين بالصحة وعدمها (9).

قوله: (أَوْ ظَهَرَ خِلافُهُ) أي: وكذلك يصح إذا ظن نوعًا من المباح فأرسل عليه فإذا هو نوع غيره من المباح، وهو قول أشهب واختاره الأشياخ، وقال أصبغ: لا يصح (10)،

(1) انظر: المدونة: 1/ 534.

(2)

قوله: (وبين) ساقط من (س).

(3)

في (س) و (ن 2): (الأول).

(4)

في (ن 2): (وليس).

(5)

انظر: النوادر والزيادات: 4/ 346.

(6)

انظر: التفريع: 1/ 312.

(7)

انظر: النوادر والزيادات: 4/ 349.

(8)

انظر: الجامع بين الأمهات: 314.

(9)

انظر: التوضيح: 3/ 200.

(10)

انظر: النوادر والزيادات: 4/ 347.

ص: 307

وقال ابن بشير: هو خلاف في حال أن قصد الذكاة مطلقًا صح وإلا فلا (1).

قوله: (لا إِنْ ظَنَّهُ حَرَامًا) أي: فإنه لا يؤكل إذا قتله الجارح ولو ألفاه مباحًا، وقاله في المدونة (2).

قوله: (أَوْ أَخَذَ غَيْرَ مُرْسَلٍ عَلَيْهِ) أي: مثل أن يرسله على بقرة وحش فأخذ حمار وحش أو غيره من المباح، وقاله في المدونة ثم قال فيها: وإن أرسله على صيد لا يرى غيره ونوى ما صاد سواه، فليأكل ما صاده (3).

قوله: (أَوْ لَمْ يَتَحَقَّقِ الْمُبِيحَ في شَرِكَةِ غَيْرِهِ) أي: وكذلك لا يؤكل الصيد إذا لم يتحقق المبيح لأكله كما إذا اشترك مع المبيح لأكله ما أعان على (4) قتل الصيد من أحد الأمور التي يذكرها؛ لأن الأمر إذا دار بين التحريم والحلية غلب التحريم، ثم أشار إلى الأمور التي لا يؤكل معها، فقال:(كَماءٍ) يريد: أن الجارح إذا ألجأ الصيد حتى دخل معه الماء ثم أخذه وقتله وهو في الماء أو رمى سهمًا على طير فوقع فيه فمات داخل الماء، ومثل ذلك ما إذا وقعت البهيمة في الماء فلم يقدر صاحبها أن يذبحها إلا ورأسها في الماء أنها لا تؤكل، وقاله في العتبية (5).

قوله: (أَوْ ضُرِبَ بِمَسْمُومٍ) أي: رماه الصائد بسهم مسموم، قال مالك في العتبية فيمن رمى صيدًا بسهم مسموم فيدرك ذكاته: لا أرى أن يؤكل وإن ذكي، فقيل له: إن السم (6) يجتمع في بضعة واحدة وتقطع، قال: لا أرى (7) ذلك، ونهى عنه، وقال: أخاف أن يكون السم قتله ويخاف على من يأكل منه الموت، ونهى عنه، وقال سحنون: يؤكل (8).

(1) انظر: الجامع بين الأمهات: 314.

(2)

انظر: المدونة: 1/ 540.

(3)

قوله: (ما صاده) ساقط من (ن 2)، و (ن). وانظر: المدونة: 1/ 535.

(4)

قوله: (على) ساقط من (ن 2).

(5)

قوله: (في العتبية) يقابله في (س): (ابن حبيب). وانظر: النوادر والزيادات: 4/ 345.

(6)

في (ز): (السهم)، والمثبت من (ص) و (ز 2)

(7)

في (ز): (أدري).

(8)

انظر: البيان والتحصيل: 3/ 277.

ص: 308

قوله: (أَوْ كَلْبِ مَجُوسِيٍّ) أي: وكذلك (1) لا يؤكل الصيد إذا اشترك (2) في قتله كلب مسلم وكلب مجوسي، يريد: إذا كان المجوسي هو المرسل له، وأما لو أرسله المسلم من يده وهو معلم فإن الصيد يؤكل، وقاله في المدونة (3)، وهو كذبحه بسكين المجوسي.

قوله: (أَوْ بِنَهْشِهِ (4) مَا قَدَرَ عَلَى خَلاصِهِ مِنْهُ) يريد أن الصيد إذا مات من نهش الجارح والصائد يقدر على خلاصه منه فلم يفعل، ويحتمل أن تكون الباء بمعنى مع، والضمير فيه وفي (منه) عائد على الجارح وفي (خلاصه) على الصيد، ولا بد في كلامه حينئذٍ من حذف، والتقدير: ولا يؤكل الصيد إذا اشترك في قتله ذكاة الصائد مع نهش الجارح المقدور على خلاصه منه، واحترز بذلك مما إذا لم يقدر على خلاصه (5) منه ولم يفرط حتى مات بنفسه فإنه يؤكل إن بينه الجارح، قاله في المدونة (6).

(المتن)

أَوْ إِغْرَاءٍ فِي الْوَسَطِ أَوْ تَرَاخَى فِي اتِّبَاعِهِ؛ إِلَّا أَنْ يَتَحَقَّقَ أَنَّهُ لا يَلْحَقُهُ، أَوْ حَمَلَ الآلَةَ مَعَ غَيْرٍ، أَوْ بِخُرْجٍ، أَوْ بَاتَ أَوْ صُدِمَ، أَوْ عَضَّ بلا جُرْحٍ أَوْ قَصَدَ مَا وَجَدَ، أَوْ أَرْسَلَ ثَانِيًا بَعْدَ مَسْكِ أَوَّلَ، وَقَتَلَ، أَوِ اضْطَرَبَ فَأَرْسَلَ وَلمْ يُرَ، إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْمُضْطَرَبَ، وَغَيْرَهُ فَتَأْوِيلانِ.

(الشرح)

قوله: (أَوْ إِغْرَاءٍ في الْوَسَطِ) يريد: أن الكلب إذا انبعث على الصيد بنفسه ثم أغراه الصائد بعد ذلك فإنه لا يؤكل لقوله عليه الصلاة والسلام: "إذا أرسلت كلبك المعلم

" (7) الحديث، وظاهر ما هنا أن الإغراء هو المثير للشك وليس كذلك، بل هو المرجح جانب (8) الإباحة، إلا أن يقال: لولا الإغراء لما شك في عدم أكله وفيه نظر؛ إذ يصير تقدير كلامه: ولا يؤكل الصيد إذا لم يتحقق المبيح بسبب إغراء الجارح في

(1) قوله: (وكذلك) ساقط من (س).

(2)

في (س): (أشرك).

(3)

انظر: المدونة: 1/ 536.

(4)

في (ز 2) و (س) و (ن) و (ن 1) و (ن 2): (بنهشة).

(5)

في (ز): (صلاحه).

(6)

انظر: المدونة: 1/ 537 و 538.

(7)

سبق تخريجه.

(8)

في (س): (من جانب).

ص: 309

الوسط، وما ذكره من أن الإغراء في الوسط لا يفيد (1) هو المشهور خلافًا لأصبغ، وقال عبد الملك: إن زاده قوة أكل وإلا فلا (2)، وقد تقدم ذلك.

قوله: (أَوْ تَرَاخَى فِي اتِّبَاعِهِ، إِلا أَنْ يَتَحَقَّقَ أَنَّهُ لا يَلْحَقُهُ) يريد أن الصائد إذا تراخى في اتباع الصيد حتى قتله الجارح لا يؤكل إلا أن يعلم أنه لا يدركه ولو جَدَّ في أثره؛ لأنه مع القدرة على إدراكه يشبه الإنسي الذي لا يؤكل بالعقر، بخلاف ما إذا علم أنه لا يدركه فإنه على أصله من جواز الأكل بالعقر، وهذا معطوف على قوله:(لَا إِنْ ظَنَّهُ حَرَامًا) وما بعده كذلك.

قوله: (أَوْ حَمَلَ الآلَةَ مَعَ غيْرٍ أَوْ بِخُرْجٍ) أي: وكذلك لا يؤكل الصيد إذا فرط الصائد في عدم ذكاته حتى مات (3) بنفسه بأن وضع آلة الذبح في مكان يحتاج معه إلى طول، كما إذا كانت مع غيره أو في خرجه؛ إذ يطلب منه حملها (4) في مكان يسهل تناولها منه ككمه وخفه وحزامه ويده.

قوله: (أَوْ بَاتَ) أي: عن صائده ثم وجده من الغد فيه أثر كلبه أو بازه أو وجد فيه سهمه وهو ميت، قال في المدونة: ولو أنفذت مقاتله الجوارح أو سهمه وهو فيه بعينه. مالك: وتلك السنة وهذا هو المشهور (5). وقال أصبغ وابن عبد الحكم: يؤكل، وقال محمد: إن كان بسهم ووجده في مقتله أكله وإلا فلا، وقال عبد الملك: إن وجده منفوذ المقاتل أكل وإلا فلا (6).

قوله: (أَوْ صُدِمَ، أَوْ عُضَّ بِلا جُرْحٍ) أي: وكذلك لا يؤكل الصيد إذا مات من صدم الكلب أو الجارح أو صدمه جبل من خوفه، أو مات من عض الكلب من غير جرح وهو المشهور، ولا خلاف أنه (7) إن جرحه الجارح حتى أدماه (8) أنه يؤكل.

(1) في (ز): (لا يقيد).

(2)

انظر: عقد الجواهر: 2/ 385.

(3)

في (س): (فات).

(4)

في (س): (جعلها).

(5)

انظر: المدونة: 1/ 533.

(6)

قوله: (وقال عبد الملك: إن وجده منفوذ المقاتل أكل وإلا فلا) ساقط من (س). وانظر: النوادر والزيادات: 4/ 344.

(7)

قوله: (أنه) ساقط من (ز 2).

(8)

في (ن 2): (أدما به).

ص: 310

قوله: (أَوْ قَصَدَ مَا وَجَدَ) أي: لم يقصد شيئًا معينًا. بعض الأشياخ: ولا خلاف في المذهب أنه لا يباح الإرسال إلا (1) على صيد يقوم بين يديه، معناه: ويرسله على أن كل صيد وجده في طريقه أخذه، وهو مراد الشيخ هنا.

قوله: (أَوْ أَرْسَلَ ثَانِيًا بَعْدَ مَسْكِ (2) أَوَّلَ، وَقتَلَ) أي: وكذلك لا يؤكل الصيد إذا أرسل عليه جارحًا (3) فأمسكه ثم أرسل عليه (4) ثانيًا فقتله الثاني؛ لأن الصيد بعد إمساك (5) الأول لا يؤكل بالعقر، لأنه مقدور عليه حينئذٍ.

قوله: (أَوِ اضْطَرَبَ فَأَرْسَلَ وَلَمْ يُرَ إِلا أنْ يَنْوِيَ المُضْطَرَبَ، وَغَيْرَهُ فتَأْوِيلانِ) أي: وكذلك لا يؤكل ما قتله الجارح إذا اضطرب فأرسله ربه ولم يظهر له صيد إلا أن ينوي الصائد المضطرب عليه وغيره فإنه اختلف فيه، فقيل: يؤكل. ابن رشد: وهو معنى ما في المدونة في الذي يرسل كلبه على جماعة من الصيد وينوي إن كان وراءها جماعة أخرى لم يرها فيأخذ ما لم ير أنه يأكله. قال: ومن الناس من حمل ذلك على الخلاف لما في المدونة مثل قول أشهب أنه لا يصح أن ينوي في إرساله ما لم يره، والأول أظهر (6)، وهذا معنى قوله:(فتأويلان).

(المتن)

وَوَجَبَ نِيَّتُهَا وَتَسْمِيَةٌ إِنْ ذَكَرَ. وَنَحْرُ إِبِلٍ، وَذَبْحُ غَيْرِهِ إِنْ قَدَرَ، وَجَازَا لِلضَّرُورَةِ، إِلَّا الْبَقَرَ فَيُنْدَبُ الذَّبْحُ كَالْحَدِيدِ، وَإحْدَادِهِ، وَقِيَامُ الإِبِلِ وَضَجْعُ ذِبْحٍ عَلَى الأَيْسَرَ وَتَوَجُّهُهُ، وَإِيضَاحُ الْمَحَلِّ، وَفَرْيُ وَدَجَي صَيْدٍ أُنْفِذَ مَقْتَلُهُ، وَفِي جَوَازِ الذَّبْحِ بالْعَظْمِ وَالسِّنِّ أوْ إِنِ انْفَصَلا، أَوْ بِالْعَظْمِ، وَمَنْعِهِمَا، خِلافٌ. وَحَرُمَ اصْطِيَادُ مَأْكُولٍ لا بِنِيَّةِ الذَّكَاةِ، إِلَّا بِكَخِنْزِيرٍ، فَيَجُوزُ كَذَكَاةِ مَا لا يُؤْكَلُ إِنْ أَيِسَ مِنْهُ،

(الشرح)

قوله: (وَوَجَبَ نِيَّتُهَا) الضمير عائد على الذكاة التي هي ذبح ونحر وعقر وهو

(1) قوله: (إلا) زيادة من (س).

(2)

في (ن 2) والمطبوع من مختصر خليل: (إِمْسَاكِ).

(3)

في (ز 2): (جراحًا).

(4)

قوله: (عليه) زيادة من (س).

(5)

قوله: (إمساك) ساقط من (ن 2).

(6)

انظر: البيان والتحصيل: 3/ 275.

ص: 311

الاصطياد؛ أي: ووجب قصد الذكاة على كل تقدير فلو رمى بحجر أو غيره ولم ينوِ الاصطياد فوافق الإصابة فإنه لا يؤكل كما إذا ضرب شاة أو غيرها لا يريد ذبحها (1) فوافق الذبح أو النحر.

قوله: (وَتَسْمِيَةٌ إِنْ ذَكَرَ) يريد: في الأنواع الثلاثة، قال في المدونة: ولا بد من التسمية عند الرمي وعند إرسال الجوارح وعند الذبح (2)، فإن نسي التسمية في ذلك كله أكل وسمى، وإن ترك التسمية عامدًا لم تؤكل (3)، وظاهرها كما قال هنا أنها واجبة مع الذكر ساقطة مع النسيان، وعليه حملها بعض الأشياخ، ومنهم من حمل المدونة على أنها سنة.

قوله: (وَنَحْرُ إبِلٍ، وَذَبْحُ غَيْرِهِ، إِنْ قَدَرَ) أي: ووجب نحر الإبل وذبح غيرها مع القدرة، وأما مع الضرورة فيجوز الأمران في كل الحيوان، ولهذا قال:(وَجَازَا لِلضَّرُورَةِ).

قوله: (إِلا الْبَقَرَ فَيُنْدَبُ الذَّبْحُ) هو مستثنى من صدر المسألة، أي: ووجب في الإبل النحر وفي غيرها الذبح مع القدرة إلا البقر فإنه يجوز فيها الأمران، والمستحب الذبح.

قوله: (كَالْحَدِيدِ، وَإحْدَادِهِ) أي: ويندب ذبح البقر كما تندب الذكاة بالحديد، وكما يندب إحداده، أي: سنه لأنه أخف على الذبيحة، لقوله عليه السلام:"إذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليُحِدَّ أحدُكُمْ شفرته وليرح ذبيحته"(4)، وأمر أن تُحدَّ الشِّفَار.

قوله: (وَقِيَامُ الإِبِلِ) أي: ومما يستحب في نحر الإبل أن تكون قائمة، لأنه أمكن للمذكي، ويريد: معقولة؛ لئلا تنفر فلا يستطيع ردها.

(1) في (ن 2): (الذبح).

(2)

في (ن): (النحر).

(3)

انظر: المدونة: 1/ 532، وتهذيب المدونة: 2/ 9.

(4)

أخرجه مسلم: 3/ 1548، في باب الأمر بإحسان الذبح

، من كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان، برقم: 1955، وأبو داود: 2/ 109، في باب في النهي أن تصبر البهائم والرفق بالذبيحة، من كتاب الضحايا، برقم: 2815، والترمذي: 4/ 23، في باب النهي عن المثلة، من كتاب الديات، برقم: 1409، والنسائي: 7/ 227، في باب الأمر بإحداد الشفرة، من كتاب الضحايا، برقم: 4405، وابن ماجه: 2/ 1058، في باب إذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، من كتاب الذبائح، برقم:3170.

ص: 312

قوله: (وَضَجْعُ ذِبْحٍ عَلَى الأَيْسَرِ وَتَوَجُّهُهُ (1)، وَإِيضَاحُ المحَلِّ) الذبح بكسر الذال: هو ما يذبح، ومنه قوله تعالى:{وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107]، وإنما استحب ضجعه على شقه (2) الأيسر؛ لأنه أمكن للذابح، ولهذا قال ابن القاسم: إن الأعسر يضجعه على شقه الأيمن.

محمد: والسنة أن يكون إلى القبلة ورأسه مشرف (3)، وتأخذ بيدك اليسرى جلدة حلقه من اللحي الأسفل بالصوف وغيره فتمد حتى تتبين البشرة (4)، وهو معنى إيضاح المحل.

قوله: (وَفَرْيُ وَدَجَيْ صَيْدٍ أُنْفِذَ مَقْتَلُهُ) يريد: أنه يستحب للصائد إذا (5) أدرك الصيد منفوذ المقاتل أن يفري أوداجه، قاله في المدونة وزاد فيها: فإن لم يفعل وتركه حتى مات أكله ولا شيء عليه (6).

قوله: (وَفي جَوَازِ الذَّبْحِ بِالْعَظْمِ وَالسِّنِّ أَوْ إِنِ انْفَصَلَا (7)، أَوْ بِالْعَظْمِ، أَوْ مَنْعِهِمَا (8) خِلافٌ) أي: وفي جواز الذبح بالعظم والسن مطلقًا، وهو قول ابن وهب عن مالك (9) واختاره ابن القصار (10)، أو جوازه بهما إن انفصلا لا إن اتصلا؛ لأنه نهش وخنق، وهو قول مالك عند ابن حبيب (11).

ابن رشد: وهو الصحيح (12)، أو إنما يجوز ذلك بالعظم دون السن وهو أيضًا عن

(1) قوله: (وَتَوَجُّهُهُ) في المطبوع من مختصر خليل: (وتوجيهه).

(2)

قوله: (شقه) ساقط من (ز 2).

(3)

في (ز): (يفيد).

(4)

انظر: النوادر والزيادات: 4/ 359.

(5)

قوله: (إذا) ساقط من (ز 2).

(6)

انظر: المدونة: 1/ 533.

(7)

قوله: (أَوْ إِنِ انفصلا) يقابله في شفاء الغليل، لابن غازي، ص: 262: (وانفصلا).

(8)

قوله: (أَوْ مَنْعِهِمَا) يقابله في شفاء الغليل، لابن غازي، ص: 262: (ومنعهما).

(9)

انظر: المنتقى: 4/ 210.

(10)

انظر: المنتقى: 4/ 210.

(11)

انظر: النوادر والزيادات: 4/ 362.

(12)

انظر: البيان والتحصيل: 3/ 302.

ص: 313