المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فرض الحج وسنة العمرة - تحبير المختصر وهو الشرح الوسط لبهرام على مختصر خليل - جـ ٢

[بهرام الدميري]

الفصل: ‌فرض الحج وسنة العمرة

‌باب [في الحج]

‌فرض الحج وسنة العمرة

(المتن)

بَابٌ فُرِضَ الْحَجُّ، وَسُنَّتُهُ الْعُمْرَةُ مَرَّةً، وَفِي فَوْرِيَّتِهِ وَتَرَاخِيهِ لِخَوْفِ الْفَوْتِ خِلَافٌ، وَصِحَّتُهُمَا بِالإِسْلَامِ فَيُحْرِمُ وَلِيٌّ عَنْ رَضِيعٍ، وَجُرِّدَ قُرْبَ الْحَرَمِ، وَمُطْبِقٍ لا مُغْمًى، وَالْمُمَيِّزُ بِإِذْنِهِ، وَإِلَّا فَلَهُ تَحْلِيلُهُ، وَلا قَضَاءَ بِخِلَافِ الْعَبْدِ، وَأَمَرَهُ مَقْدُورَهُ، وَإِلَّا نَابَ عَنْهُ إِنْ قَبِلَهَا كَطَوَافٍ، لَا كَتَلْبِيَةٍ، وَرُكُوعٍ، وَأَحْضَرَهُمُ الْمَوَاقِفَ.

(الشرح)

قوله: (بابٌ: فُرِضَ الحَجُّ) يريد: لقوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97] ولقوله عليه الصلاة والسلام: "بني الإسلام على خمس"(1) فذكر منها حج البيت، وقوله للذي سأله عن الإسلام وحج البيت:"وحجوا قبل أن لا تحجوا"(2)، والإجماع على وجوبه.

قوله: (وَسُنَّتُهُ (3) الْعُمْرَةُ) هو المشهور، وذهب ابن الجهم وابن حبيب إلى وجوبها (4)، والأول أظهر لأنه عليه الصلاة والسلام قال:"بني الإسلام على خمس" فذكر الحج دون العمرة، وقال عليه الصلاة والسلام:"الحج جهاد والعمرة تطوع"(5)، ولأنها غير مؤقتة فلا تجب كطواف التطوع.

قوله: (مَرَّةً) هذا مما لا أعلم فيه خلافًا، ولما نزل قوله تعالى:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} الآية، قيل: يا رسول الله، أكل عام؟ قال: "الحج مرة واحدة، ولو قلت نعم

(1) سبق تخريجه.

(2)

باطل، أخرجه البيهقي: 4/ 341، في باب ما يستحب من تعجيل الحج إذا قدر عليه، من كتاب الحج، برقم: 8480، عن عليٍّ يرفعه، والحاكم: 1/ 617، برقم: 1646، وأبو نعيم في الحلية: 4/ 131، قال ابن حبان:"هذا خبر باطل"، وانظر: الثقات: 7/ 401.

(3)

في (ز) و (ن 2): (وسنة)، وفي المطبوع من خليل:(وَسُنَّتِ).

(4)

انظر: النوادر والزيادات: 2/ 362.

(5)

ضعيف، أخرجه ابن ماجه: 2/ 995، في باب العمرة، من كتاب المناسك، برقم: 2989، والشافعي في مسنده: 1/ 112، برقم: 508، ومن طريقه البيهقي: 4/ 348، في باب من قال العمرة تطوع، من كتاب الحج، برقم: 8532، . قال ابن حجر: إسناده ضعيف، ولا يصح من ذلك شيء. وانظر: التلخيص الحبير: 2/ 494 و 495.

ص: 136

لوجبت" (1).

قوله: (وَفي فَوْرِيَّتِهِ وَتَرَاخِيهِ لِخَوْفِ الْفَوْتِ (2) خِلافٌ) اختلف هل الحج على (3) الفور وهو الذي حكاه ابن القصار عن مالك (4) وتابعه العراقيون، وشهره صاحب الذخيرة (5) وصاحب العدة (6) وابن بزيزة، أو هو على التراخي، وإليه ذهب اللخمي (7) والباجي (8) وصاحب المقدمات (9) والتلمساني، وقال ابن الفاكهاني في كتاب الأقضية من شرح الرسالة: هو (10) المشهور (11). وقوله: (لِخَوْفِ الْفَوَاتِ) إشارة (12) إلى أن الخلاف المذكور مقيد بما إذا لم يخش الفوات، فإن خشيه فلا خلاف في فوريته، قال سحنون: وهو ستون سنة، قال (13): ويفسق إذا زاد وترد شهادته (14)، وقيل: هو مُغْيَّى (15) بظن العجز، وذلك ربما اختلف باختلاف الأشخاص بكثرة المرض وقلته (16).

قوله: (وَصِحَّتُهُمَا بِالإِسْلامِ) يعني: صحة الحج والعمرة بالإسلام، وإلى هذا ذهب ابن شاس وصاحب الذخيرة (17)،

(1) أخرجه مسلم: 2/ 975، في باب فرض الحج مرة في العمر، من كتاب الحج، برقم:1337.

(2)

في (ز) و (ن 2) والمطبوع من مختصر خليل: (الفوات).

(3)

قوله: (على) ساقط من (ز).

(4)

انظر: البيان والتحصيل: 6/ 106.

(5)

نظر: الذخيرة: 3/ 180.

(6)

في (ن 2): (العمدة).

(7)

انظر: التبصرة، للخمي، ص:1132.

(8)

انظر: المنتقى: 3/ 465.

(9)

انظر: المقدمات الممهدات: 1/ 193.

(10)

في (ن 2): (وهو).

(11)

انظر: التوضيح: 2/ 482.

(12)

في (ن 2): (أشار).

(13)

قوله: (قال) ساقط من (ن) و (ن 2).

(14)

انظر: النوادر والزيادات: 2/ 320، والبيان والتحصيل: 10/ 145 و 146.

(15)

في (ن) و (ن 2): (مقيَّد).

(16)

انظر: التمهيد: 16/ 164، والتوضيح: 2/ 483.

(17)

انظر: عقد الجواهر: 1/ 266 و 267، والذخيرة: 3/ 179.

ص: 137

وهو ظاهر ما (1) عند اللخمي بناء على خطاب الكفار بفروع الشريعة.

القرافي: وهو المشهور (2)، وجعل ابن يونس والجزولي وغيرهما الإسلام من شروط الوجوب بناء على عدم خطابهم (3).

قوله: (فَيُحْرِمُ وَلِيٌّ عَنْ رَضِيعٍ) أي: فبسبب كون الإسلام شرط صحة، يجوز للولي أن يحرم عن الرضيع؛ إذ يصح منه الحج، وإحرامه عنه أن ينوي عنه الإحرام (4). مالك: ويكون بإحرام الولي عنه محرمًا (5).

قوله: (وَجُرِّدَ قُرْبَ الْحَرَمِ) هذا يدل على أن مراده بإحرام الولي عنه مجرد النية، ولذلك (6) يفعل بالصبي (7) ما يقدر (8) عليه من التجريد والتلبية إن قدر على التكلم، ويطوف به ويسعى (9) إن قدر على المشي، ويُحضِره المشاعر ولا يركع عنه للطواف على المشهور؛ خلافًا لابن عبد الحكم.

قوله: (وَمُطْبَقٍ) أي: فيُحرم ولي المجنون المطبق كما يحرم ولي الرضيع عنه (10) ويفعل ما تقدم، والمطبق هو الذي لا يميز بين الأرض والسماء، ولا بين الإنسان والفرس.

قوله: (لا مُغْمًى عليه (11)) أي: فلا يحرم عنه أحد، فلو أحرم عنه أصحابه لم يصح، أمَّا لو أحرم قبل إغمائه ثم أغمي عليه فوقف به، أجزأه عند ابن القاسم خلافًا لأشهب (12).

(1) في (ز): (ظاهرها).

(2)

انظر: الذخيرة: 3/ 179.

(3)

انظر: الجامع، لابن يونس، ص:1469.

(4)

قوله: (وإحرامه عنه أن ينوي عنه الإحرام) يقابله في (ن): (والإحرام).

(5)

انظر: المدونة: 1/ 398.

(6)

في (ن): (وكذلك).

(7)

في (ن) و (ن 2): (الصبي).

(8)

في (ن 2): (قدر).

(9)

في (ن 2): (سبعًا).

(10)

قوله: (عنه) زيادة من (س).

(11)

قوله: (عليه) زيادة من (ن 2).

(12)

انظر: المدونة: 1/ 430.

ص: 138

قوله: (وَالْمُمَيِّزُ بِإِذْنِهِ) أي: وأمَّا المميز فإنه يحرم عن نفسه من الميقات بإذن وليه.

قوله (1): (وَإِلا فَلَهُ تَحْلِيلُهُ) أي: وإن لم يستأذنه بل أحرم من غير (2) إذنه فله أن يحلله من إحرامه لا سيما إذا كان يرجو بلوغه، فيحلله (3) ليحرم بالفرض من (4) بعد البلوغ.

قوله: (وَلا قَضَاءَ) أي: لما حلله (5) منه؛ لأنه غير مكلف، فالعقد الذي عقده على نفسه كلا عقد.

قوله: (بِخِلافِ الْعَبْدِ) أي: فإنه إذا أحرم بغير إذن سيده فحلله فإنه يقضي ما حلله منه إذا عتق أو أذن له سيده في ذلك قبل حجة الإسلام؛ لأنه أحرم وهو مكلف، وهو قول ابن القاسم (6)، وقال أشهب: لا قضاء عليه (7).

قوله: (وَأَمَرَه مَقْدُورَهُ) أي: وأمر الولِيُّ الصبيَّ بما يقدر عليه في حجه من الطواف والسعي والرمي وغير ذلك.

قوله: (وَإِلا نَابَ عَنْهُ) أي: وإن لم يقدر الصبي على شيءٍ نَابَ الولي عنه إن كان الفعل يَقْبَل النيابة كالطواف ونحوه، لا ركعتي الطواف والتلبية كما تقدم، وإليه أشار بقوله:(إِنْ قَبِلَهَا كَطَوَافٍ، لا كَتَلْبِيَةٍ وَرُكُوعٍ).

قوله: (وَأَحْضَرَهُ (8) الْمَوَاقِفَ) يريد: كعرفة ومزدلفة ومنى.

(المتن)

وَزِيَادَةُ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ إِنْ خِيفَ ضَيْعَةٌ، وَإِلَّا فَوَلِيُّهُ، كَجَزَاءِ صَيْدٍ، وَفِدْيَةٍ بِلا ضَرُورَةٍ. وَشَرْطُ وُجُوبِهِ -كَوُقُوعِهِ فَرْضًا- حُرِّيَّةٌ وَتَكْلِيفٌ وَقْتَ إِحْرَامِهِ بِلَا نِيَّةِ نَفْلٍ، وَوَجَبَ بِاسْتِطَاعَةٍ بِإِمْكَانِ الْوُصُولِ بِلَا مَشَقَّةٍ عَظُمَتْ، وَأَمْنٍ عَلَى نَفْسٍ وَمَالٍ؛ إِلَّا لِأَخْذِ ظَالِمٍ مَا قَلَّ لا يَنْكُثُ عَلَى الأَظْهَرِ، وَلَوْ بِلَا زَادٍ وَرَاحِلَةٍ لِذِي صَنْعَةٍ

(1) قوله: (قوله) ساقط من (س).

(2)

في (ن 2): (بغير).

(3)

في (ن 2): (بتحلله).

(4)

قوله: (من) ساقط من (س) و (ن 2).

(5)

في (ن 2): (يحلله).

(6)

انظر: المدونة: 1/ 490.

(7)

انظر: النوادر والزيادات: 2/ 360.

(8)

في (ن 2): (وأحضرهم)، وهي التي في المطبوع من خليل.

ص: 139

تَقُومُ بِهِ، وَقَدَرَ عَلَى الْمَشْي، كَأَعْمَى بِقَائِدٍ، وَإِلَّا اعْتُبِرَ الْمَعْجُوزُ عَنْهُ مِنْهُمَا، وَإِنْ بِثَمَنِ وَلَدِ زِنًى، أَوْ مَا يُبَاعُ عَلَى الْمُفَلَّسِ، أَوْ بِافْتِقَارِهِ، أَوْ تَرْكِ وَلَدِهِ لِلصَّدَقَةِ، إِنْ لَمْ يَخْشَ هَلَاكًا، لا بِدَيْنٍ أَوْ عَطِيَّةٍ أَوْ سُؤَالٍ مُطْلَقًا، وَاعْتُبِرَ مَا يُرَدُّ بِهِ؛ إِنْ خَشِيَ ضَيَاعًا. وَالْبَحْرُ كَالْبَرِّ؛ إِلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَطَبُهُ، أَوْ يُضَيّعَ رُكْنَ صَلاةٍ لِكَمَيْدٍ.

(الشرح)

قوله: (وَزِيَادَةُ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ إِنْ خِيفَ ضَيْعة) أي: فإن سافر الولي به لخوف ضيعته إن تركه، فإن زيادة النفقة تكون على الصبيِّ؛ لأن ذلك من مصالحه.

قوله: (وَإِلا فَوَلِيُّهُ) أي: وإن لم يخف عليه الضيعة بل سافر به لغير مصلحة تعود على الصبيِّ، فالولي هو الذي يغرم الزائد.

قوله: (كَجَزَاءِ صَيْدٍ وَفِدْيَةٍ) أي: فإن فيهما ما تقدم، وهو أن الولي إن خاف ضيعته فجزاء ما أتلف الصبي من الصيد وما وجب عليه من فدية الأداء (1) في ماله وإلا فعلى الولي، وهذا القول لمالك، وقيل: ذلك على الولي مطلقًا، وهو أيضًا لمالك في كتاب محمد (2)، قال في الكافي: وهو الأشهر (3). وقيل: على الصبي مطلقًا حكاه في النوادر (4).

قوله: (بِلا ضَرُورَةٍ) يريد: كما إذا طيبه بلا داعٍ إلى ذلك، فإن طيبه لضرورة فلا شيء على الولي، قال في المدونة: وإن احتاج إلى دواء أو (5) طيب فعل به ذلك وفدى به (6) عنه (7). يريد: من مال الصبيِّ، هكذا قال ابن شاس (8).

قوله: (وَشَرْطُ وَجُوبِهِ كَوُقُوعِهِ فَرْضًا حُرِّيَّةٌ وَتَكْلِيفٌ وَقْتَ إِحْرَامِهِ) يريد: أن الحرية والتكليف (9) شرط في وجوب الحج؛ فلا يجب على من فيه بقية رق، ولا على غير

(1) قوله: (الأداء) زيادة من (ن).

(2)

انظر: النوادر والزيادات: 2/ 358.

(3)

انظر: الكافي: 1/ 412.

(4)

انظر: النوادر والزيادات: 2/ 358.

(5)

في (ن 2): (و).

(6)

قوله: (به) ساقط من (س) و (ن) و (ن 2).

(7)

انظر: المدونة: 1/ 437.

(8)

انظر: عقد الجواهر: 1/ 287.

(9)

في (ن 2): (والتكلف).

ص: 140

مكلف كالصبي والمجنون، وهما أيضًا شرط في سقوط الفرض، فلو أحرم العبد أو غير المكلف كان (1) ما فعله نفلًا لا يجزئ عن حجة الإسلام.

قوله: (بِلا نِيَّةِ نَفْلٍ) أي: لأنه إذا نوى بحجه النفل لا يجزئه عن حجة الإسلام؛ إذ لا ينقلب النفل فرضًا.

قوله: (وَوَجَبَ بِاسْتِطَاعَةِ بِإِمْكَانِ الْوُصُولِ بِلا مَشَقَّةٍ عَظُمَتْ، وَأَمْنٍ عَلَى نَفْسٍ وَمَالٍ) لا شك (2) أنَّ الإستطاعة أيضًا من شروط الوجوب؛ لقوله تعالى: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 197] وتحقيق الإستطاعة أن من قدر على الوصول آمنًا على نفسه وماله ولم يكن به مرض ولا ضعف يمنعه من الركوب، فإنه يجب عليه الحج وإن لحقته مشقة، إلا أن تكون مشقة عظيمة، فلا يجب عليه كما ذكر.

قوله: (إلا لأَخْذِ ظَالِمٍ مَا (3) قَلَّ) قد تقدم أن مما يعتبر في الاستطاعة الأمن على النفس والمال، ولا شك (4) أن عدم الأمن على النفس معتبر (5) في السقوط، وأما عدم الأمن على المال فإن كان من لصوصٍ فكذلك؛ لأنه مؤدٍّ (6) إلى ضياع النفس، وإن كان من أجل (7) ظالم كصاحب مكس، ونحوه ممن يتعرض لأخذ شيء من الناس، فإن كان الذي يأخذه غير معلوم أو معلومًا وهو مما يُجْحِف سقط أيضًا عنه الحج، وإن كان لا يُجْحِف به لقلته فلا يسقط، وهو معنى ما ذكر (8) هنا.

قوله: (لا يَنْكُثُ عَلَى الأَظْهَرِ) يريد أن ابن رشد قيد المسألة بقيد آخر وهو ألا يكون الآخذ (9) القليل ممن ينكث؛ أي: إذا أخذه عاد إلى الكثير ولا يقف عند قوله.

قوله: (وَلَوْ بِلا زَادٍ وَرَاحِلَةٍ لِذِي صَنْعَةٍ تَقُومُ بِهِ، وَقَدَرَ عَلَى الْمَشْي) هو كما قال

(1) في (ن) و (ن 2): (فإن).

(2)

في (ن 2): (لا إشكال).

(3)

في (ن): (مال).

(4)

في (ن 2): (ولا إشكال).

(5)

في (ن 2): (يعتبر).

(6)

في (ن 2): (يؤدي).

(7)

قوله: (من أجل) يقابله في (ن 2): (لأخذ)، وفي (س) و (ن):(من أخذ).

(8)

في (ن) و (ن 2): (ذكره).

(9)

قوله: (ألا يكون الآخذ) يقابله في (ن): (أن يكون آخذ).

ص: 141

اللخمي: إذا كان يستطيع المشي وعيشه في المقام من صنعة لا يتعذر عليه عملها في سفره والعيش منها (1) وجب عليه الحج، وإن كان يستطيع المشي ولا صنعة له أو له صنعة يتعذر عليه عملها في سفره فلا يجب عليه إلا مع الزاد والراحلة، وإن كان لا يستطيع المشي وله حرفة يقوم منها عيشه في سفره ذلك وجب عليه بوجود المركوب، إلا أن يكون في حرفته فضل عن عيشه مما يكتري به (2).

قوله: (كَأَعْمَى بِقَائِدٍ) أي: أن (3) الأعمى إذا وجد من يقوده وهو قادر على المشي مثل البصير فيما ذكر.

قوله: (وَإِلا اعْتُبِرَ الْمَعْجُوزُ عَنْهُ مِنْهُمَا) أي: وإن لم يقدر على المشي وليس له صنعة تقوم به في سفره (4)، أو كان قادرًا على المشي ولا صنعة له ويخشى (5) الهلاك على نفسه، أو له صنعة ولا قدرة له على المشي وليس في صنعته فضل يكري منه فلا يجب عليه الحج، وهو معنى قوله:(اعْتُبِرَ الْمَعْجُوزُ عَنْهُ مِنْهُمَا)(6) أي: من الصنعة والمشي، ومعنى (اعتبر) أي: في جانب السقوط.

قوله: (وَإِنْ بِثَمَنِ وَلَدِ زِنًى) أي: وجب (7) الحج باستطاعة مع إمكان الوصول وإن بثمن ولد زنى إلى آخر ما ذكره، وقد سئل مالك: هل يحج بثمن ولد الزنى؟ فقال: أليس من (8) أمته ولدته من زنى، قال: نعم، فقال: لا بأس به (9). وإنما قال ذلك تنبيهًا على مذهب المخالف القائل: إنه لا يحج بثمن ولد الزنى.

قوله: (أَوْ مَا يُبَاعُ عَلَى الْمُفْلِسِ) يشير به إلى أن (10)

(1) قوله: (والعيش منها) ساقط من (ن 2).

(2)

انظر: التبصرة، للخمي، ص:1124.

(3)

قوله: (أن) ساقط من (ن 2).

(4)

قوله: (في سفره) ساقط من (س).

(5)

في (ن 1) و (ن 2) و (ز) و (س): (أو يخشى).

(6)

قوله: (أي: وإن لم يقدر على المشي وليس له صنعة

عَنْهُ مِنْهُمَا) ساقط من (ن 2).

(7)

في (ن 2): (ووجب).

(8)

في (ن 2): (أن)، وفي (ن):(له من).

(9)

انظر: النوادر والزيادات 2/ 504، والبيان والتحصيل: 3/ 470.

(10)

قوله: (أن) ساقط من (ن 2).

ص: 142

من (1) كان عنده من الأمتعة ما (2) يباع للغرماء في الفلس كالحيوان والعقار والرقيق وثوبي جمعته (3) إن كانت لهما قيمة، وكذا كتب الفقه وغيرها (4) مما سيأتي في موضعه، فإنه يخاطب ببيع (5) ذلك ليحج بثمنه.

قوله: (أَوْ بِافْتِقَارِهِ) أي: أو (6) مع افتقاره بعده، ومعنى ذلك: أن من كان معه ما يكفيه لسفره (7) لكنه إذا سافر يكون (8) فقيرًا لا شيء له ولا لأهله، فإنه يجب عليه الحج من غير نظر إلى (9) ما يؤول إليه أمره وأمر أهله؛ إذ يصدق عليه أنه مستطيع، وهذا مذهب ابن القاسم (10) وهو المشهور، وقيل: لا يلزمه ذلك لقوله عليه الصلاة والسلام: "كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يعول (11) "(12).

قوله: (أَوْ تَرْكِ وَلَدِهِ لِلصَّدَقَةِ) أي: وكذلك يجب الحج على مستطيعه وإن أدى إلى ترك ولده للصدقة، قال في العتبية: سئل ابن القاسم عن الرجل تكون (13) له القرية (14)

(1) في (ن): (ما).

(2)

في (ن): (مما).

(3)

في (ن 2): (جمعة).

(4)

في (ن 2): (وغيرهما).

(5)

قوله: (ببيع) ساقط من (ز).

(6)

قوله: (أو) ساقط من (ن 2).

(7)

قوله: (لسفره) ساقط من (ن).

(8)

في (س) و (ن) و (ن 2): (يصير).

(9)

قوله: (إلى) ساقط من (س).

(10)

انظر: النوادر والزيادات: 2/ 319.

(11)

في (س) و (ن) و (ن 2): (يقوت).

(12)

انظر: التوضيح: 2/ 486. والحديث أخرجه مسلم: 2/ 692، في باب فضل النفقة على العيال

، من كتاب الزكاة، برقم: 996، بلفظ:"أن يحبس عمن يملك قوته"، وأبو داود: 1/ 529، في باب في صلة الرحم، من كتاب الزكاة، برقم: 1692، وأحمد: 2/ 160، برقم: 6495، بلفظ:"من يقوت"، والنسائي في الكبرى: 5/ 374، في باب إثم من ضيع عياله، من كتاب عشرة النساء، برقم: 9176، واللفظ له.

(13)

في (ن 2): (يكون).

(14)

في (ن): (صنعة).

ص: 143

وليس له غيرها أيبيعها في حجة الإسلام ويترك ولده للصدقة (1)، قال: نعم، ذلك عليه (2)، وقيده في البيان بألا يخشى عليهم الهلاك، وأما لو خشي عليهم لم يلزمه ذلك (3)، وإلى هذا أشار بقوله:(إِنْ لَمْ يَخْشَ هَلاكًا).

قوله: (لا بِدَيْنٍ) أي: فلا يجب عليه (4) أن يتداين ليحج.

قوله: (أَوْ عَطِيَّةٍ) أي: وكذلك لا يلزمه أن يستعطي شيئًا يحج منه (5)؛ لأن فيه منة.

قوله: (أَوْ سُؤَالٍ مُطْلَقًا) لا خلاف أن الحج لا يجب عليه إذا لم تكن العادة إعطاءه، سواء كان معتادًا بالسؤال والإعطاء (6) أم لا، واختلف إذا كانت عادته السؤال والإعطاء، فظاهر المذهب عدم اللزوم أيضًا وهي رواية ابن القاسم، وروى ابن وهب اللزوم (7)، وإلى جميع ذلك أشار بالإطلاق؛ أي: لا يلزمه على وجه.

قوله: (وَاعْتُبِرَ مَا يَرُدُّ بِهِ، إِنْ خَشِيَ ضَيَاعًا) مذهب الرسالة: أن الاستطاعة القوة على الوصول إلى مكة فقط من غير نظر إلى عوده (8)، وهكذا قال اللخمي ثم قال: إلا أن يعلم أنه إن بقي هناك ضاع وخشي على نفسه فيراعى ما يبلغه ويرجع به إلى أقرب (9) المواضع مما يمكنه التمعش فيه (10)، وهذا مراده بما ذكر وقوله (11):(يرد به) أي (12): إلى أقرب (13) المواضع التي يتمعش فيها.

(1) في (ن 2): (في الصدقة).

(2)

انظر: النوادر والزيادات: 2/ 319.

(3)

انظر: البيان والتحصيل: 4/ 72.

(4)

قوله: (عليه) ساقط من (ن 2).

(5)

قوله: (يحج منه) يقابله في (س): (ليحج به)، وفي (ن 2):(يحج به).

(6)

قوله: (والإعطاء) زيادة من (س).

(7)

انظر: النوادر والزيادات: 2/ 319.

(8)

انظر: الرسالة، ص:72.

(9)

في (ن 2): (قرب).

(10)

انظر: التبصرة، للخمي، ص:1125.

(11)

في (ن) و (ن 1) و (ز) و (س): (بقوله).

(12)

قوله: (أي) ساقط من (ن 2).

(13)

في (ن 2): (قرب).

ص: 144

قوله: (وَالْبَحْرُ كَالْبَرِّ) أي: في جميع ما تقدم، فيتعين السفر في البحر حيث يتعين في البر إلا أن يغلب العطب أو يعلم من نفسه أنه يميد حتى يعطل أمر الصلاة أو ركنها فلا يلزمه ذلك، وإلى هذا أشار بقوله:(إِلا أَنْ يَغْلِبَ (1) عَطَبُهُ، أَوْ يُضَيِّعَ رُكْنَ صَلاةٍ لِكَمَيْدٍ) يريد: أو ضيق ونحوهما مما يحصل به (2) تعطيل الصلاة كلها (3) أو ركنها، فقد سئل مالك عمن يركب البحر ولا يجد موضعًا لسجوده لكثرة الراكب وضيق الموضع إلا على ظهر أخيه، فقال: لا يركبه (4). ثم قال (5): أيركب حيث لا يصلي؟ ! ويلٌ لمن ترك الصلاة (6). ومال الباجي إلى ركوبه وإن أدى إلى تعطيل بعض أحكام الصلاة بدليل ركوبه في الجهاد اتفاقًا (7).

(المتن)

وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ؛ إِلَّا فِي بَعِيدِ مَشْيٍ، وَرُكُوبِ بَحْرٍ إِلَّا أَنْ تُخَصَّ بِمَكَانٍ، وَزِيَادَةِ مَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ. كَرُفْقَةٍ أُمِنَتْ بِفَرْضٍ، وَفِي الإِكْتِفَاءِ بِنِسَاءٍ أَوْ رِجَالٍ، أَوْ بِالْمَجْمُوعِ تَرَدُّدٌ. وَصَحَّ بِالْحَرَامِ وَعَصَى. وَفُضِّلَ حَجٌّ عَلَى غَزْوٍ إِلَّا لِخَوْفٍ، وَرُكُوبٌ، وَمُقَتَّبٌ وَتَطَوُّعُ وَلِيِّهِ عَنْهُ بِغَيْرِهِ: كَصَدَقَةٍ وَدُعَاءٍ. وَإِجَارَةُ ضَمَانٍ عَلَى بَلَاغٍ فَالْمَضْمُونَةُ كَغَيْرِهِ، وَتَعَيَّنَتْ فِي الإِطْلَاقِ، كَمِيقَاتِ الْمَيِّتِ، وَلَهُ بِالْحِسَابِ إِنْ مَاتَ وَلَوْ بِمَكَّةَ، أوْ صُدَّ وَالْبَقَاءُ لِقَابِلٍ، وَاسْتُؤْجِرَ مِنَ الانْتِهَاءِ.

(الشرح)

قوله: (وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ) يريد: أن المرأة مساوية للرجل في جميع ما تقدم إلا في أمور أشار إلى الأول منها بقوله (8): (إِلا فِي بَعِيدِ مَشْيٍ) أي (9): فإن ذلك يكره لها (10) نص عليه

(1) في (ن 2): (يكثر).

(2)

في (س) و (ن) و (ن 2): (معه).

(3)

قوله: (كلها) ساقط من (س).

(4)

في (ن 2): (لا يركب).

(5)

قوله: (ثم قال) ساقط من (ن).

(6)

انظر: النوادر والزيادات 1/ 252، والبيان والتحصيل: 1/ 444 و 445.

(7)

انظر: المنتقى: 3/ 469.

(8)

قوله: (بقوله) ساقط من (ز).

(9)

قوله: (أي) ساقط من (ن 2).

(10)

في (ز): (لما).

ص: 145

في الموازية (1).

قال (2): لأنها عورة في مشيها إلا القريب مثل مكة وما حولها (3). وإلى الثاني أشار بقوله: (وَرُكُوبِ بَحْرٍ) يريد: لأن ركوبه (4) في حقها مكروه، نصَّ عليه أيضًا في الموازية (5)، وقيده عياض بما صغر من السفن لعدم الأمن من انكشاف عورتهن لا سيما عند قضاء الحاجة، قال: وركوبهن فيما كبر من السفن حيث يختصصن بأماكن يستترن فيها جائز (6)، وإلى هذا أشار بقوله:(إِلا أَنْ تُخَصَّ بِمَكَانٍ)، ثم نبه على الثالث بقوله:(وَزِيَادَةِ (7) مَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ، كَرُفْقَةٍ أُمِنَتْ بِفَرْضٍ (8)) يريد لقوله عليه الصلاة والسلام:"لا يحل لامرأة"(9)، وفي رواية:"لا تسافر المرأة مسيرة يوم وليلة (10) إلا ومعها ذو محرم"(11)، وعند مالك والشافعي الرفقة (12) المأمونة (13)، وإليه أشار بقوله:(كَرُفْقَةٍ أُمِنَتْ) وقيل: لا تحج (14) إلا مع ولي أو زوج،

(1) في (ز): (المدونة).

(2)

قوله: (قال) ساقط من (ن) و (ن 2).

(3)

انظر: النوادر والزيادات: 2/ 318.

(4)

في (ن 2): (ركوبها).

(5)

في (ز): المدونة، وانظر: النوادر والزيادات: 2/ 319 و 320.

(6)

انظر: إكمال المعلم: 6/ 172.

(7)

في (ن 2): (وبزيادة).

(8)

قوله: (كَرُفْقَةٍ أُمِنَتْ بِفَرْضٍ) ساقط من (ن) و (ن 2).

(9)

متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 369، في باب في كم يقصر الصلاة، من أبواب تقصير الصلاة، برقم: 1038، ومسلم: 2/ 977، في باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره، من كتاب الحج، برقم: 1339، ومالك: 2/ 979، في باب ما جاء في الوحدة في السفر للرجال والنساء، من كتاب الاستئذان، برقم: 1766، بلفظ:"لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم".

(10)

في (ن 2): (أو ليلة).

(11)

صحيح: أخرجه الترمذي: 3/ 473، في كراهية أن تسافر المرأة وحدها، من كتاب الرضاع، برقم: 1170، وقال: هذا حديث حسن صحيح.

(12)

في (ن 2): (في الرفقة).

(13)

انظر: المدونة: 1/ 457، وانظر: المنتقى: 9/ 471.

(14)

قوله: (لا تحج) ساقط من (ن 2)، وفي (س):(لا تخرج).

ص: 146

وقيل: أما في غير (1) التطوع فلها أن تخرج (2) مع (3) الرفقة المأمونة، وإنما قال محرم أو زوج ولم يكتفِ بذكر المحرم؛ لأن الزوج لم يذكر في الحديث، وإنما قاسه العلماء على المحرم من باب الأولى.

قوله: (بِفَرْضٍ) هو متعلق بقوله: (أمنت) أي: كرفقة أمنت في فرض، واحترز بذلك مما إذا كانت الرفقة غير مأمونة أو مأمونة (4) وهي متطوعة بالحج فلا يباح لها ذلك.

قوله: (وَفِي الاكْتِفَاءِ بِنِسَاءٍ أَوْ رِجَالٍ، أَوْ بِالْمَجْمُوعِ تَرَدُّدٌ) يشير إلى اختلاف الشيوخ في فهم قول مالك: تخرج مع رجال ونساء (5) هل معناه أنها تخرج في جماعة من أحد الجنسين أو لا تخرج إلا معهما (6)؟ قال في الإكمال: وأكثر ما نقله أصحابنا عنه اشتراط النساء، وقال ابن عبد الحكم: لا تخرج مع (7) رجال ليسوا منها بمحرم، ولعل (8) مراده على الانفراد دون النساء فيكون وفاقًا لما تقدم (9)، وحمل سند قول ابن عبد الحكم على الكراهة (10).

قوله: (وَصَحَّ بِالْحَرَامِ وَعَصَى) أي: وصحَّ الحج بالمال (11) الحرام وعصى فاعل ذلك، وقال:(بالحرام) ليشمل الغصب والسرقة والإختلاس ونحو ذلك، وإنما قال:(صَحَّ) ولم يقل سقط ليشمل النفل والفرض.

قوله: (وَفُضِّلَ حَجٌّ عَلَى غَزْوٍ) وهكذا روي عن مالك (12)، ولعله محمول على ما إذا

(1) قوله: (غير) زيادة من (ن 2).

(2)

في (ن 2): (تحج).

(3)

قوله: (مع) ساقط من (ن 2).

(4)

قوله: (أو مأمونة) ساقط من (ن) و (ن 2).

(5)

في (ن): (أو نساء). وانظر: المدونة: 1/ 457.

(6)

في (ن 1) و (ن 2) و (ز) و (س): (بهما).

(7)

في (ن): (تخرج إلا مع).

(8)

في (ن 2): (ولعله).

(9)

انظر: إكمال المعلم: 4/ 232.

(10)

انظر: الذخيرة: 3/ 180.

(11)

في (ن 2): (بمال).

(12)

انظر: النوادر والزيادات: 2/ 505، والبيان والتحصيل 2/ 552.

ص: 147

خشي من نفسه جبنًا، أو خشي أن يكون غزا لأجل ما يحصل له من أموال الكفار ونحوه، مما يخرج به عن المرتبة السنية، وإلا فقد (1) ورد في الجهاد فضل لم يرد في الحج.

قوله: (إِلا (2) لِخَوْفٍ) أي: فحينئذٍ يكون الحج مفضولًا، بل يتعين الجهاد عند ذلك (3).

قوله: (وَرُكُوبٌ) أي: مفضل (4) على مشي؛ لأنه عليه الصلاة والسلام حج كذلك، وظاهر كلام سند أن المشي أفضل (5)، وقال اللخمي: أرى أن المشي أفضل لقوله عليه الصلاة والسلام: "ما اغبرت قدما عبد في سبيل الله فتمسه النار"(6).

قوله: (وَمُقَتَّبٌ) أي: فضل مقتَّب (7) على الرا كب (8) في المحارة ونحوها، وقد فعله عليه الصلاة والسلام، ولا شك أن ما يفعله هو الأفضل.

قوله: (وَتَطَوُّعُ وَلِيِّهِ عَنْهُ بِغَيْرِهِ كَصَدَقَةٍ وَدُعَاءٍ (9)) يشير إلى ما قال (10) في المدونة: ومن مات وهو صرورة ولم يوصِ بحج فأراد وليه أن يحج عنه فليتطوع عنه بغير هذا يهدي عنه أو يتصدق أو يعتق (11)، وإنما كانت هذه أفضل من الحج؛ لأنها تصل إلى الميت بلا خلاف بخلاف الحج (12).

قوله: (وَإِجَارَةُ (13) ضَمانٍ عَلَى بَلَاغٍ) إنما كانت أفضل وإن كان المشهور فيها

(1) قوله: (وإلا فقد) يقابله في (ن): (وإلى هذا فقد).

(2)

في (ز): (وإلا).

(3)

في (ن) و (ن 1) و (ن 2) و (س): (مالك)، والنوادر والزيادات: 2/ 505.

(4)

قوله: (مفضل) زيادة من (ن 2).

(5)

انظر: الذخيرة: 3/ 181.

(6)

أخرجه البخاري: 3/ 1035، في باب من اغبرت قدماه في سبيل الله، من كتاب الجهاد والسير، برقم:2656. انظر: التبصرة، للخمي، ص: 1126.

(7)

قوله: (فضل مقتب) زيادة من (ن 2).

(8)

في (ن) و (ن 2): (الركوب).

(9)

قوله: (كَصَدَقَةٍ وَدُعَاءٍ) ساقط من (ن) و (ن 2).

(10)

قوله: (قال) ساقط من (س).

(11)

انظر: المدونة: 1/ 485.

(12)

قوله: (بخلاف الحج) ساقط من (س).

(13)

في (س): (كَصَدَقَةٍ وَدُعَاءٍ وَإِجَارَةُ).

ص: 148

الكراهة؛ لأن الأجير في المضمونة إذا مات حوسب بما صار له، وأخذ البقية من تركته فهي أحوط، ولأن الأجرة فيها معلومة مسماة، وليس كذلك غيرها.

قوله: (فَالْمَضْمُونَةُ كَغَيْرِهِ (1)) أي: كغير الحج، ومعنى ذلك أنها إعطاء عوض للأجير يكون ثمنًا (2) عن جميع فعله (3) كسائر الإجارات في غير الحج فيكون العوض (4) ملكًا للمستأجر، فما عجز عن كفايته يلزمه إتمامه (5) من ماله وما فضل عنها كان له ذلك (6)، وأما قوله:(وَتَعَيَّنَتْ فِي الإِطْلاقِ) يريد أن الموصي بالحج إذا أطلق ولم يعين (7) صفة ما يستأجر عليه من ضمان أو بلاغ تعينت المضمونة، يريد: لأنها أحوط كما تقدم.

قوله: (كَمِيقَاتِ الْمَيِّتِ) أي: وكذا في الميقات، ومعناه أن الميت إن عين الموضع الذي يحرم منه الأجير فلا إشكال، وإن أطلق تعين ميقاته الذي يحرم منه، كالمصري فإنه يحرم عنه من الجحفة وإن أوصى بذلك وهو بغير مصر مثلا (8)، وهو ظاهر قول ابن القاسم (9)، ويحرم من ميقات الميت وإن لم يشترطوا عليه ذلك (10)، وقال أشهب في الموازية (11): يحج عنه من الموضع الذي أوصى به (12) أي إذا كان بغير بلده، وقال ابن عبد الحكم: إن كان من أهل مصر فمات بخراسان وأوصى بالحج حج عنه من خراسان.

اللخمي: وهو أحسن وإنما يحج عنه من بلده إذا مات به، إلا ألا يجد من يستأجر

(1)(ن) و (ن 1) و (ز) و (س): (كغيرها).

(2)

في (ن): (عوضا).

(3)

في (ن 1) و (ن 2) و (ز) و (س): (منافعه).

(4)

في (ز): (العرض).

(5)

في (ن 2): (تمامه).

(6)

قوله: (ذلك) زيادة من (ن 2).

(7)

في (ن 2): (يقيِّد).

(8)

قوله: (بغير مصر مثلا) يقابله في (س): (بغير مصر فلا)، وفي (ن):(بعير مصر في اليمن مثلا).

(9)

انظر: النوادر والزيادات: 2/ 489.

(10)

قوله: (عليه ذلك) زيادة من (ن 2).

(11)

في (ن): (المدونة).

(12)

قوله: (به) زيادة من (ن 2).

ص: 149

لتلك (1) الوصية من موضع أوصى به (2).

قوله: (وَلَهُ بِالْحِسَابِ إِنْ مَاتَ) يريد (3): أن الأجير المذكور إذا مات قبل وفاء ما استؤجر عليه فله بحساب ما سار؛ أي: على قدر صعوبة الطريق وسهولتها وأمنها وخوفها لا لمجرد قطع المسافة؛ لأنه قد يكون سار (4) ربع المسافة ولصعوبته يساوي نصف الكراء، ونبه بقوله:(وَلَوْ بِمَكَّةَ) على خلاف ابن حبيب القائل بأنه إذا وصل مكة يستحق جميع الأجرة (5).

قوله: (أَوْ صُدَّ) أي: وكذا الحكم إن صد فإنه يعطى بحساب ما سار.

قوله: (وَالْبَقَاءُ لِقَابِلٍ) أي: وللأجير البقاء على حكم الإجارة إلى العام القابل. يريد: إذا فاته الحج بمرض أو حُصر عنه بعدو.

قوله: (وَاسْتُؤْجِرَ مِنَ الانْتِهَاءِ) يريد أن الأجير إذا مات أو صد واحتيج إلى استئجار غيره فإنه يستأجر مكانه من حيث انتهاء الأول.

(المتن)

وَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ كَهَدْيِ تَمَتُّعٍ عَلَيْهِ، وَصَحَّ إِنْ لَمْ يُعَيِّنِ الْعَامَ. وَتَعَيَّنَ الأَوَّلُ وَعَلَى عَامٍ مُطْلَقٍ، وَعَلَى الْجَعَالَةِ، وَحَجَّ عَلَى مَا فُهِمَ وَجَنَى إِنْ وَفَّى دَيْنَهُ وَمَشَى. وَالْبَلَاغُ: إِعْطَاءُ مَا يُنْفِقُهُ بَدْءًا وَعَوْدًا بِالْعُرْفِ، وَفِي هَدْيٍ وَفِدْيَةٍ لَمْ يتَعَمَّدْ مُوجِبَهُمَا، وَرُجِعَ عَلَيْهِ بِالسَّرَفِ.

(الشرح)

قوله: (وَلا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ كَهَدْيِ تَمَتُّعٍ عَلَيْهِ) أي: على الأجير، ونبه بقوله:(كَهَدْيِ تَمَتُّعٍ عليه (6)) إلى أن هدي (7) القران وجزاء الصيد وفدية الأذى كذلك، وإنما امتنع ذلك لأن الهدي مجهول الجنس والصفة والثمن عند الإطلاق، وذلك يؤدي إلى الجهالة في

(1) في (ن) و (ن 2): (لبلد).

(2)

انظر: التبصرة، للخمي، ص:1264.

(3)

قوله: (إلا ألا يجد من يستأجر

قوله: "وَلَهُ بِالْحِسَابِ إِنْ مَاتَ" يريد) ساقط من (س).

(4)

قوله: (سار) زيادة من (ن 2).

(5)

انظر: التوضيح: 2/ 502.

(6)

قوله: (عليه) زيادة من (ن 2).

(7)

قوله: ("عليه" إلى أن هدي) يقابله في (ن): (على هدي).

ص: 150

الأجرة (1).

قوله: (وَصَحَّ إِنْ لَمْ يُعَيَّنِ الْعَامُ، وَتَعَيَّنَ الأَوَّلُ) يريد أن العقد يصح وإن لم يشترط على الأجير عام معين ويحمل (2) على أقرب زمان يمكن وقوع الفعل فيه وهو العام الأول، وقيل: لا يصح للجهالة، ونسبه ابن رشد لابن القصار، قال: وليس بصحيح.

قوله: (وَعَلَى عَامٍ مُطْلَقٍ) أي: وكذلك يصح العقد على عام مطلق، أي كما إذا قال: حج عني متى شئت (3).

قوله: (وَعَلَى الْجُعَالَةِ) أي (4): وكذا يصح العقد على الجعالة؛ وهو أن يؤجر نفسه على أنه إن وفَّى بالحج كان له جميع الأجرة، وإلا فلا شيء له.

قوله: (وَحَجَّ عَلَى مَا فُهِمَ) أي: ما فهم (5) من حال الموصي من ركوب دواب وغيرها، قال في السليمانية: لا ينبغي للأجير أن يركب من الجمال والدواب إلا ما كان الميت يركب؛ لأنه كذلك أراد أن يوصي (6).

قوله: (وَجَنَى إِنْ وَفَّى دَيْنَهُ وَمَشَى) قال في السليمانية: ولا يقضي بها دينه ويسأل (7) الناس وهذه جناية (8)، وإنما أراد الميت أن يحج عنه بماله ثم قال: والعادة اليوم بخلاف ذلك، وأنه (9) يصنع به ما أحب ويحج ماشيًا (10) وكيف تيسر (11) له (12).

قوله: (وَالْبَلاغُ إِعْطَاءُ مَا يُنْفِقُهُ بَدْءًا وَعَوْدًا بِالْعُرْفِ) يريد: أن معنى إجارة البلاغ أن

(1) قوله: (ونبه بقوله: "كَهَدْيِ تَمَتُّعٍ" إلى أن هدي القران

في الأجرة) ساقط من (ن 1).

(2)

في (ن 2): (وعمل).

(3)

قوله: (أي كما إذا قال: حج عني متى شئت) زيادة من (ن).

(4)

قوله: (أي) ساقط من (ن 2).

(5)

قوله: (ما فهم) زيادة من (ن).

(6)

انظر: التوضيح: 2/ 499.

(7)

في (ز): (ويسار).

(8)

في (ن) و (ن 2): (خيانة).

(9)

في (ن) و (ن 2): (وإنما).

(10)

في (ن): (بما شاء).

(11)

في (ن 2): (يتيسر).

(12)

انظر: التوضيح: 2/ 499.

ص: 151

يدفع للأجير (1) مالًا ينفق عليه منه (2) ذهابًا وإيابًا (3)، قال في الموازية (4): وينفق ما لا بدَّ له منه مما يصلح له (5) من الكعك (6) والزيت والخل واللحم مرة بعد مرة وشبه ذلك والوطاء واللحاف والثياب (7)، وإليه أشار بقوله:(بِالْعُرْفِ).

قوله: (وَفِي هَدْيٍ وَفِدْيَةٍ لَمْ يَتَعَمَّدْ مُوجِبَهُمَا) أي: أن أجير البلاغ إذا وجب عليه هدي أو فدية فإن لم يتعمد موجبهما فهما في مال الميت كالنفقة، وإن تعمد فذلك في ماله، وقاله في المدونة (8).

قوله: (وَرُجِعَ عَلَيْهِ بالسَّرَفِ) يريد أن الأجير إذا تعدى في النفقة بغير العرف كما لو اشترى هدية أو (9) غيرها مما لا تعلق للحج به، أو (10) عمل وليمة وجمع لها (11) أصحابه، أو اشترى (12) منها الفاكهة ونحوها مما لم تدع الضرورة إليه، فإنه يرجع عليه به.

(المتن)

وَاسْتَمَرَّ إِنْ فَرَغَ، أَوْ أَحْرَمَ وَمَرِضَ، وَإِنْ ضَاعَتْ قَبْلَهُ رَجَعَ، وَإِلَّا فَنَفَقَتُهُ عَلَى آجِرِهِ، إِلَّا أَنْ يُوصِيَ بِالْبَلَاغِ؛ فَفِي بَقِيَّةِ ثُلُثِهِ وَلَوْ قُسِمَ، وَأَجْزَأَ إِنْ قُدِّمَ عَلَى عَامِ الشَّرْطِ أَوْ تَرَكَ الزِّيَارَةَ، وَرُجِعَ بِقِسْطِهَا، أَوْ خَالَفَ إِفْرَادًا لِغَيْرِهِ إِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ الْمَيِّتُ، وَإِلَّا فَلَا، كَتَمَتُّعٍ بِقِرَانٍ أَوْ عَكْسِهِ، أَوْ هُمَا بِإِفْرَادٍ، أَوْ مِيقَاتًا شُرِطَ، وَفُسِخَتْ إِنْ عُيِّنَ الْعَامُ، أوْ عُدِمَ، كَغَيْرِهِ، وَقَرَنَ، أَوْ صَرَفَهُ لِنَفْسِهِ وَأَعَادَ؛ إِنْ تَمَتَّعَ،

(1) في (ن 2): (الأجير).

(2)

قوله (منه) ساقط من (س).

(3)

في (ن 2): (ذاهبًا وآيبًا).

(4)

في (ز): (المدونة).

(5)

قوله: (له) زيادة من (ن 2).

(6)

في (ن 2): (العسل).

(7)

انظر: النوادر والزيادات: 2/ 486.

(8)

انظر: المدونة: 1/ 487.

(9)

في (ن 2): (و).

(10)

في (ن 2): (و).

(11)

في (ن) و (ن 2): (عليها).

(12)

في (ن) و (ن 2): (يشتري).

ص: 152

وَهَلْ يُفْسَخُ إِنِ اعْتَمَرَ لِنَفْسِهِ فِي الْمُعَيَّنِ، أَوْ إِلَّا أَنْ يَرْجِعَ لِلْمِيقَاتِ فَيُحْرِمُ عَنِ الْمَيِّتِ فَيُجْزِئَهُ؟ تَأْوِيلَانِ.

(الشرح)

قوله: (وَاسْتَمَرَّ إِنْ فَرَغَ أَوْ أَحْرَمَ، وَمَرِضَ) يريد أنه إذا فرغ ما أخذه من النفقة فإنه يستمر، ومعناه: ويرجع بالزائد، وكذا إذا أحرم فمرض فحصر عن تمام الحج أو بعد وفاته (1) يستمر.

قوله: (وَإِنْ ضَاعَتْ قَبْلَهُ رَجَعَ) أي: ضاعت النفقة التي أخذها قبل الإحرام، وإنما يرجع لأن الإجارة إنما انعقدت على ذلك المال لا على مال (2) مطلق، وله النفقة في رجوعه، فإن تمادى بعد الضياع فلا شيء له في ذهابه، قاله في المدونة (3).

ابن اللباد: ولا (4) في رجوعه إلى موضع الضياع وله من ذلك الموضع إلى بلوغه (5).

قوله: (وَإِلا فَنَفَقَتُهُ عَلَى آجِرِهِ) أي: وإن كان الضياع إنما حصل بعد أن أحرم فإن النفقة حينئذٍ تكون على آجره ويتمادى على حجه لعدم ارتفاضه (6)، وسواء كان للميت مال أم لا، وقال (7) ابن حبيب: إن كان للميت مال فمنه (8).

قوله: (إِلا أَنْ يُوصِيَ بِالْبَلاغِ، فَفِي بَقِيَّةِ ثُلُثِهِ وَلَوْ قُسِمَ) أي: فإن النفقة تكون في بقية الثلث إن لم يقسم المال (9) بلا خلاف، فإن قسم فقال في البيان: يجري ذلك على الاختلاف (10) فيمن أوصى بشراء عبد من ثلثه، فاشتري ولم ينفذ له العتق حتى مات العبد وقد اقتسم الورثة المال، فقيل: يشترى عبد آخر من بقية الثلث، وهو ظاهر

(1) قوله: (بعد وفاته) يقابله في (ن) و (ن 2): (بعدو فإنه).

(2)

قوله: (مال) زيادة من (س).

(3)

انظر: المدونة: 1/ 488.

(4)

في (ن 2): (إلا).

(5)

انظر: التوضيح: 2/ 502.

(6)

في (ن): (ارتفاعه).

(7)

قوله (وقال) ساقط من (س).

(8)

انظر: النوادر والزيادات: 2/ 486.

(9)

قوله: (المال) زيادة من (ن).

(10)

في (ن 2): (اختلاف).

ص: 153

المدونة، وقيل: لا (1).

قوله: (وَأَجْزَأَ إِنْ قُدِّمَ عَلَى عَامِ الشَّرْطِ) يريد: أن الأجير إذا شرط عليه الحج مثلًا في عام خمسين فقدَّم بأن (2) حج في (3) سنة تسع وأربعين أو ما قبلها فإن ذلك يجزئ عن الميت. بعض الأندلسيين: كما لو قدم دينًا عليه، نقله ابن رشد (4).

قوله: (أَوْ تَرَكَ الزِّيَارَةَ) يريد أن من استؤجر على الحج وعلى زيارة النبي صلى الله عليه وسلم فحج وتعذرت عليه الزيارة أن ذلك يجزئ عن الميت.

ابن أبي زيد: ويرد من الأجرة بقدر مسافة الزيارة، وقيل: يرجع ثانية حتى يزور (5)، وهو معنى قوله:(وَرُجِعَ بِقِسْطِهَا).

قوله: (أَوْ خَالَفَ (6) إِفْرَادًا لِغَيْرِهِ) يريد أن الأجير إذا شرط (7) عليه الإفراد فخالف فتمتع أو قرن فإنه يجزئ عن الميت، والمذهب في مسألة التمتع الإجزاء كما ذكر، وكان ابن القاسم يقول بعدم الإجزاء ثم رجع إلى الإجزاء، وأمَّا إذا قرن فذهب ابن القاسم إلى عدم الإجزاء (8)، قاله ابن الجلاب خلافًا لعبد الملك (9)، لكن قال في الكافي: الأكثر من أصحاب مالك على الإجزاء (10)، وهذا كله إذا كان المشترط على الأجير الورثة (11)، وإليه أشار بقوله:(إِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ الْمَيِّتُ) أي: إن لم يشترط الميت الإفراد على الأجير، ولهذا قال:(وَإلا فَلا) أي: وإن كان المشترط لذلك هو الميت فلا يجزئ وهذا مما لا خلاف فيه، لكن إن قرن انفسخت الإجارة سواء كان العام معينًا أم لا، وإن تمتع

(1) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 74 و 75.

(2)

في (ن) و (ن 2): (فإن).

(3)

قوله (في) ساقط من (س).

(4)

انظر: التوضيح: 2/ 505، وفيه:(ابن راشد).

(5)

انظر: التوضيح: 2/ 505.

(6)

في (ز): (خاف).

(7)

في (س): (اشترط).

(8)

انظر: المدونة: 1/ 486.

(9)

قوله: (لعبد الملك) يقابله في (ن 2): (لابن عبد الملك). وانظر: التفريع: 1/ 194.

(10)

انظر: الكافي: 1/ 409.

(11)

قوله: (المشترط على الأجير الورثة) يقابله في (ن): (الشرط على الأجير من الورثة).

ص: 154

أعاد (1) إن كان العام غير معين (2).

قوله: (كَتَمَتُّعٍ بِقِرَانٍ أَوْ عَكْسِهِ) أي (3): كما لا يجزئ إذا اشترط عليه التمتع فقرن أو القران فتمتع، نقله في الذخيرة (4).

قوله: (أَوْ هُمَا بِإِفْرَادٍ) أي: وكذلك لا يجزئه إذا اشترط عليه التمتع فأفرد أو القران فأفرد، نصَّ على ذلك أيضًا (5) في الذخيرة (6).

قوله: (أَوْ مِيقَاتًا شُرِطَ) أي: وإن شرط على الأجير أن يحج من ميقات فأحرم من غيره لم يجزئه، فـ (ميقاتًا) معطوف على (إفراد) أي: أو خالف ميقاتًا شرط عليه. قال في الذخيرة: ظاهر المذهب أنه لا يجزئه، ويرد المال في الحج المعين إن فات (7).

قوله: (وَفُسِخَتْ إِنْ عُيِّنَ الْعَامُ أو عُدِمَ) يريد أن الأجير إذا خالف الميقات فإن الإجارة تنفسخ (8) إن كان العام معينًا، وكذلك إن عدم العام المعين؛ أي: فات، أو عدم الأجير بموت ونحوه.

قوله: (كَغَيْرِهِ) يريد أن الأجير إذا أمر غيره بحج عن الميت فإن الإجارة أيضًا تنفسخ، معناه: إذا كان العام أيضًا معينًا، ولا خلاف في هذا إذا نص الميت على الأجير أو الورثة أو دلت قرينة على تعيينه، وكذلك إن لم تكن قرينة، واختاره ابن عبد البر (9) وغيره، وقيل: يصح (10) ويجزئ عن الميت.

قوله: (أَوْ قَرَنَ) أي: وكذلك تنفسخ الإجارة إذا قرن الأجير. يريد: مخالفًا لما شرط عليه من إفراد أو تمتع، وقد سبق ذلك.

(1) في (ن): (جاز).

(2)

قوله (كان العام غير معين) يقابله في (س): (كان العام معينًا).

(3)

قوله (أي) ساقط من (س).

(4)

انظر: الذخيرة: 3/ 199.

(5)

قوله: (أيضًا) ساقط من (ن 2).

(6)

انظر: الذخيرة: 3/ 199.

(7)

انظر: الذخيرة: 3/ 198.

(8)

قوله: (الإجارة تنفسخ) يقابله في (ن 2): (الأجرة تفسخ).

(9)

انظر: الكافي: 1/ 409.

(10)

في (ن 2): (تصح).

ص: 155

قوله: (أَوْ صَرَفَهُ لِنَفْسِهِ) أي: حج عن نفسه ولم يحج عن الميت وفسخت هنا الإجارة؛ لأن العام معين وقد أتى فيه بغير ما استؤجر عليه فالعقد خاص بالعام الذي فوته ولم يتعلق بما بعده من الأعوام، وإن لم يعين العام فقال ابن بشير: تنفسخ أيضًا، ونص في البيان على خلافه (1).

قوله: (وَأَعَادَ إِنْ تَمَتَّعَ) أي: فإن شرط عليه الإفراد أو القران فتمتع لم تنفسخ (2)، لكن يبقى إلى العام القابل فيعيد كما شرط عليه، والفرق بينه وبين ما إذا خالف فقرن أن القران مما يخفى سببه فلا يؤمن من العود (3) بخلاف التمتع، وأيضًا فإن القارن شرك (4) في العمل (5) فأتى ببعض ما استؤجر عليه، والمتمتع (6) أتى بما اشترط (7) عليه وزيادة.

قوله: (وَهَلْ يُفْسَخُ (8) إِنِ اعْتَمَرَ لِنَفْسِهِ (9) فِي الْمُعَيَّنِ، أَوْ إِلا أَنْ يَرْجِعَ لِلْمِيقَاتِ فَيُحْرِمَ عَنِ الْمَيِّتِ فَيُجْزِئَهُ؟ تَأَوِيلانِ) قال في المدونة: ومن أخذ مالًا ليحج به عن الميت من بعض الآفاق فاعتمر عن نفسه وحج عن الميت من مكة، لم يجزئ ذلك عن الميت، وعليه أن يحج حجة أخرى عن الميت كما استؤجر (10)، واختلف الأشياخ كما أشار إليه في تأويل ذلك؛ فذهب بعضهم إلى أن الإجارة تفسخ في المعين، قال: ويلزمه أن يحج عنه من موضع الإستئجار لا من الميقات؛ لأنه لما اعتمر عن نفسه كأنه إنما حج لذلك (11)، ففهم أن مذهب المدونة عموم نفي الإجزاء، وهذا أحد التأويلين ذكره ابن

(1) انظر: التوضيح: 2/ 503.

(2)

في (ن 2): (لم ينفسخ).

(3)

في (ن) و (ن 2): (العودة).

(4)

في (ن 2): (القران شريك).

(5)

قوله: (القارن شرك في العمل) يقابله في (ن): (القران شرك العمل).

(6)

في (ن) و (ن 2): (والتمتع).

(7)

في (ن) و (ن 2): (شرط).

(8)

في (ز): (ينفسخ).

(9)

في (ن 2) والمطبوعة من خليل: (عن نفسه).

(10)

انظر: المدونة: 1/ 486.

(11)

قوله: (لذلك) يقابله في (ن): (له ذلك).

ص: 156

يونس، قال: والذي أرى أنه (1) إن رجع فأحرم من ميقات الميت أنه يجزئه؛ لأنه تعدى منه فأحرم عن نفسه، وكان الواجب عليه أن يحرم عمن استأجره، فإذا رجع فأحرم منه عنه لم ينقصه (2) شيئًا مما شرط عليه (3)، وهذا هو التأويل الثاني، وفي العتبية: أراه ضامنًا للحج؛ لأن من استؤجر على الحج عن ميت فعليه أن يحرم من ميقات الميت، سواء اشترط عليه من ذي الحليفة أم لا (4).

(المتن)

وَمُنِعَ اسْتِنَابَةُ صَحِيحٍ فِي فَرْضٍ؛ وَإِلَّا كُرِهَ كَبَدْءِ مُسْتَطِيعٍ بِهِ عَنْ غَيْرِهِ وَإِجَارَةِ نَفْسِهِ، وَنَفَذَتِ الْوَصِيَّةُ بِهِ مِنَ الثُّلُثِ، وَحُجَّ عَنْهُ حِجَجٌ إِنْ وَسِعَ وَقَالَ يُحَجُّ بِهِ لَا مِنْهُ، وَإِلَّا فَمِيرَاثٌ، كَوُجُودِهِ بِأَقَلَّ، أَوْ تَطَوَّعَ غَيْرٌ، وَهَلْ إِلَّا أَنْ يَقُولَ يُحَجُّ عَنِّي بِكَذَا فَحِجَجٌ؟ تَأوِيلانِ. وَدُفِعَ الْمُسَمَّى -وَإِنْ زَادَ عَلَى أُجْرَتِهِ- لِمُعَيَّنٍ لَا يَرِثُ فُهِمَ إِعْطَاؤُهُ لَهُ، وَإِنْ عَيَّنَ غَيْرَ وَارِثٍ وَلَمْ يُسَمِّ زِيدَ -إِنْ لَمْ يَرْضَ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ- ثُلُثُهَا، ثُمَّ تُرُبِّصَ، ثُمَّ أُوجِرَ -لِلصَّرُورَةِ فَقَطْ- غَيْرُ عَبْدٍ وَصَبِيٍّ، وَإِنِ امْرَأَةً وَلَمْ يَضْمَنْ وَصِيٌّ دَفَعَ لَهُمَا مُجْتَهِدًا، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ بِمَا سَمَّى مِنْ مَكَانِهِ حُجَّ مِنَ الْمُمْكِنِ وَلَوْ سَمَّاهُ؛ إِلَّا أَنْ يَمْنَعَ فَمِيرَاثٌ، وَلَزِمَهُ الْحَجُّ بِنَفْسِهِ لَا الإِشْهَادُ، إِلَّا أَنْ يُعْرَفَ، وَقَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ فِيمَنْ يَأْخُذُهُ فِي حَجَّةٍ، وَلا يَسْقُطُ فَرْضُ مَنْ حُجَّ عَنْهُ، وَلَهُ أَجْرُ النَّفَقَةِ وَالدُّعَاءِ.

(الشرح)

قوله: (وَمُنِعَ اسْتِنَابَةُ صَحِيحٍ فِي فَرْضٍ) هو من باب إضافة المصدر إلى فاعله، والمعنى أن الصحيح لا يجوز له أن يستنيب غيره ليحج عنه في (5) الفرض.

قوله: (وَإِلا كُرِهَ) أي: وإن استناب العاجز في ذلك والصحيح في النفل، كره له (6) ذلك.

(1) قوله: (أنه) ساقط من (ن 2).

(2)

في (ن 2): (ينقص).

(3)

انظر: الجامع، لابن يونس، ص:1684.

(4)

انظر: البيان والتحصيل: 3/ 403.

(5)

قوله (في) ساقط من (س).

(6)

قوله: (له) ساقط من (ن 2).

ص: 157

سند: والمذهب (1) كراهتها للصحيح في التطوع، وإن وقعت صحت الإجارة (2).

واختلف في العاجز هل تجوز استنابته وهو مروي عن مالك، أو تكره وهو المشهور، أو يفرق بين الولد فيجوز (3) منه وبين غيره فلا تجوز، وهو قول ابن وهب وأبي مصعب (4).

قوله: (كَبَدْءِ مُسْتَطِيعٍ بِهِ عَنْ غَيْرِهِ) يريد: أنه يكره للمستطيع أن يبدأ بالحج عن غيره قبل أن يحج عن نفسه؛ لقوله عليه الصلاة والسلام للذي أحرم بالحج عن غيره: "حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة"(5)، قال في المدونة: ويحج عنه من حج عن نفسه فإن جهلوا فاستأجروا من لم يحج أجزأ عنه (6). وقال أشهب: لا بأس أن يستأجروا له صرورة ممن (7) لم يجد السبيل، فأما من يجد السبيل فلا ينبغي أن يعان على ذلك (8)، فإن أحجوا عنه أساؤوا ويجزئه.

قوله: (وَإِجَارَةِ نَفْسِهِ) هذا هو المشهور، قال في كتاب محمد: ولأن يؤاجر الرجل نفسه في سَوْق الإبل وحمل اللبن أحب إليَّ من أن يعمل عملًا لله عز وجل عن غيره بإجارة (9)، والشاذ (10) جواز ذلك.

قوله: (وَنَفَذَتِ الْوَصِيَّةُ بِهِ مِنَ الثُّلُثِ) يريد: أن الإستنابة وإن كانت مكروهة فإنها تنفذ إن أوصى بها وهو المشهور، وقال ابن كنانة: لا تنفذ ويصرف قدر الموصى به في

(1) في (ن): (والمذهب له).

(2)

انظر: الذخيرة: 3/ 193.

(3)

قوله (فيجوز) ساقط من (س).

(4)

انظر: الذخيرة: 3/ 193، والتوضيح: 2/ 496.

(5)

صحيح، أخرجه أبو داود: 1/ 562، في باب الرجل يحج عن غيره، من كتاب المناسك، برقم: 1811، وابن ماجه: 2/ 969، في باب الحج عن الميت، من كتاب المناسك، برقم: 2903 وقال ابن الملقن: إسناده صحيح على شرط مسلم. انظر: 6/ 46.

(6)

انظر: المدونة: 1/ 485.

(7)

قوله: (ممن) زيادة من (ن) و (ن 2).

(8)

انظر: التوضيح: 2/ 498.

(9)

انظر: النوادر والزيادات: 2/ 481.

(10)

وأشار في حاشية (ن): (والصواب).

ص: 158

هدايا (1)، وقال بعض (2) من قال بقوله: يصرف في وجه من وجوه الخير، وإنما كان من الثلث؛ لأن حكمه حكم الوصية التي لا تكون إلا في الثلث. وقال أشهب: ذلك (3) من رأس المال إن كان صرورة، وقيل: لا تنفذ. حكاهما في الذخيرة (4).

قوله: (وَحُجَّ عَنْهُ حِجَجٌ إِنْ وَسِعَ وَقَالَ: يُحَجُّ بِهِ لا مِنْهُ) يريد: أن الميت إذا أوصى أن يحج عنه بمال حج عنه حجج بعدده (5) إن وسع المال الموصى به ذلك إذا قال في وصيته يحج به؛ أي: بمجموعه (6) لا منه؛ أي (7): لا ببعضه، وهذا مع القرينة أو (8) التنصيص على ذلك، قال في العتبية: في رجل أوصى أن يحج عنه بثلثه فوجد ثلثه ثلاثة آلاف (9) دينار ونحو ذلك، فإنه يحج عنه حتى يستوعب الثلث. قال في البيان: لأنه لما كان الثلث واسعًا علم أنه لم يرد حجة واحدة ولو كان ثلثه يشبه أن يحج به حجة واحدة رجع ما بقي ميراثًا كما قال في المدونة في مسألة الأربعين دينارًا (10).

قوله: (وَإِلا فَمِيرَاثٌ) أي: وإن لم يسعِ المال الموصى به ذلك فهو ميراث، وكذلك إذا سمى الميت قدرًا فلم يوجد من يحج به من موضع الميت ولا من مكة فهو ميراث (11)، وأشار بقوله:(كَوُجُودِهِ بِأَقَلَّ) إلى مسألة المدونة: إذا قال (12): حُجوا عني بأربعين دينارًا ففضل منها فضلة أو رضي الأجير بثلاثين فإن الباقي يرجع ميراثًا (13)،

(1) في (ن 2): (الهدايا). وانظر: البيان والتحصيل: 3/ 419.

(2)

قوله: (بعض) ساقط من (ن 2).

(3)

قوله: (ذلك) يقابله في (ن): (لا تكون إلا).

(4)

انظر: الذخيرة: 3/ 193.

(5)

في (ز): (بعده)، وفي (ن) و (ن 2):(متعددة).

(6)

في (ن 2): (مجموعه).

(7)

قوله (أي) ساقط من (س).

(8)

في (ن 2): (و).

(9)

قوله: (ثلاثة آلاف) يقابله في (ن) و (ن 2): (ألف).

(10)

انظر: البيان والتحصيل: 4/ 53.

(11)

قوله (أي: وإن لم يسعِ المال الموصى به ذلك فهو ميراث،

ميراث) ساقط من (ز).

(12)

قوله (قال) ساقط من (ز).

(13)

انظر: المدونة: 1/ 488.

ص: 159

وكذلك إذا تبرع رجل فحجَّ عن الميت مجانًا فإن المال يرجع ميراثًا، وإليه أشار بقوله:(أَوْ تَطَوُّعِ غَيْرٍ).

وأشار بقوله: (وَهَلْ إِلا أَنْ يَقُولَ: يُحَجُّ عَنِّي بِكَذَا فَحِجَجٌ؟ تَأْوِيلانِ) إلى ما قاله (1) ابن المواز: إن الموصي إذا قال: حجوا بهذا عني أو يحج به (2) عني أنه (3) يحج عنه حجج إلى مبلغ ذلك، بخلاف ما إذا قال: يحج به فلان عني فرضي فلان (4) بأقل فإن الفاضل يكون ميراثًا (5)، واختلف المتأخرون هل هو (6) تفسير لقول ابن القاسم أو خلاف؟ وهذا التردد راجع إلى قوله (7):(وَإِلا فَمِيرَاثٌ) أي: وهل جعله أو ما فضل عنه ميراثًا مقيد بما إذا لم يقل: حجوا عني أو مطلقًا؟ تأويلان، وهذا على أن قول محمد خلاف.

قوله: (وَدُفِعَ الْمُسَمَّى وَإِنْ زَادَ عَلَى أُجْرَتِهِ لِمُعَيَّنٍ لا يَرِثُ (8)) يريد: أن الميت إذا عين شخصًا فقال: يحج عني بكذا، فإنه يعطى له الجميع ولو كان زائدًا على مقدار (9) أجرته؛ لأنها وصية له، وليس له أن يقول: أحجوا غيري بكذا (10)، وادفعوا إليَّ الزائد؛ لأنه إنما أوصى له بشرط الحج، وهذا إذا كان غير وارث، وأما الوارث فلا يزاد على النفقة والكراء شيئًا كما قال سند (11)، وإليه أشار بقوله:(لا يَرِثُ) أي: دفع الجميع لمعين غير وارث، وإنما قال:(فُهِمَ إِعْطَاؤُهُ لَهُ) لأنه إذا لم يفهم من لفظ الموصي أو فهم غير ذلك لم يُزَد على أجرته شيئًا.

قوله: (وَإِنْ عَيَّنَ غَيْرَ وَارِثٍ وَلَمْ يُسَمِّ زِيدَ إِنْ لَمْ يَرْضَ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ ثُلُثَهَا ثُمَّ تُرُبِّصَ)

(1) في (ن) و (ن 2): (قال).

(2)

قوله (به) زيادة من (س).

(3)

قوله: (أنه) ساقط من (ن 2).

(4)

قوله (فلان) ساقط من (ز).

(5)

انظر: النوادر والزيادات: 2/ 484.

(6)

قوله: (هو) ساقط من (ن 2).

(7)

في (ن 2): (لقوله).

(8)

قوله: (لا يَرِثُ) ساقط من (ز) و (ن) و (ن 2).

(9)

قوله: (مقدار) ساقط من (ن 2).

(10)

قوله: (أحجوا غيري بكذا) يقابله في (ن) و (ن 2): (آجروا غيري).

(11)

انظر: الذخيرة: 3/ 200.

ص: 160

يعني: إذا عين الميت شخصًا غير وارث (1) يحج عنه ولم يسمِّ قدر ما يعطى له (2)، وأبى الشخص (3) أن يحج عنه بأجرة مثله، فإنه يزاد له فوق تلك الأجرة مقدار ثلثها، فإن رضي (4) فلا كلام وإلا تربص قليلًا لعله يرضى بذلك، واحترز بقوله:(غير وارث) من الوارث فإنه لا يزاد على نفقته وكرائه كما تقدم، وبقوله:(ولم يسم) مما إذا سمى قدرًا يحج به عنه، فإنه إن رضي بذلك القدر أو بدونه دفع له ورجع ما فضل ميراثًا، وإن لم يرضَ به (5) لم يزد على ذلك شيئًا واستأجروا من يحج عنه إن كان الميت صرورة، وإلا رجع المال ميراثًا وقيل: لا.

قوله: (ثُمَّ أُوجِرَ لِلصَّرُورَةِ فَقَطْ، غَيْرُ عَبْدٍ وَصَبِيٍّ، وَإِنِ امَرْأَةً (6)) يريد أن الصرورة وهو الذي لم يحج قطُّ (7)، إذا أوصى بالحج فإنما يستأجر له مسلم حر بالغ يحج عنه؛ ليكون حجه مُنَزَّلًا منزلةَ حج الميت، فإن أوصى أن يحج عنه عبد أو صبي أنفذ ذلك، قاله في المدونة (8)، وقال ابن القاسم: يدفع ذلك لغيرهما، حكاه ابن المواز (9).

وأشار بقوله: (فقط) إلى أن (10) غير الصرورة إذا حج عنه عبد أو صبي فلا بأس به، ونبه بقوله:(وإن امرأة) على خلاف من يرى (11) أنها لا تحج عن الرجل؛ لأن إحرامها في وجهها وكفيها بخلافه، وأيضًا فإن الرجل في الطواف يَرْمُل بخلافها، وكذلك يَخبُّ في بطن المسيل دونها إلى غير ذلك.

(1) قوله: (غير وارث) زيادة من (ن 2).

(2)

قوله: (له) ساقط من (ز) و (ن) و (ن 2).

(3)

قوله: (وأبى الشخص) يقابله في (ن) و (ن 2): (فإن لم يرض الشخص).

(4)

في (ن): (لم يرضَ).

(5)

قوله (به) ساقط من (ز) و (ن) و (ن 2).

(6)

في (ز) و (ن 2): (امرأة).

(7)

قوله: (قط) زيادة من (ن).

(8)

انظر: المدونة: 4/ 367.

(9)

قوله: (يدفع ذلك لغيرهما، حكاه ابن المواز) يقابله في (ن): (يرجع ذلك إلى غيرهما، وقاله ابن المواز). وانظر: النوادر والزيادات: 2/ 483.

(10)

قوله: (أن) ساقط من (ن 2).

(11)

قوله: (خلاف من يرى) ساقط من (ن).

ص: 161

قوله: (وَلَمْ يَضْمَنْ وَصِيٌّ دَفَعَ لَهُمَا مُجْتَهِدًا) يريد: أن الوصي إذا ظن أن العبد حرٌّ أو (1) الصبي بالغٌ فدفع لهما الأجرة ثم ظهر أنهما على خلاف ما ظن فلا يضمن شيئًا لأنه اجتهد، والغرض من ذلك الثواب وهو يحصل بهما كما يحصل بغيرهما.

قوله: (وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ بِما سَمَّى مِنْ مَكَانِهِ حُجَّ مِنَ الْمُمْكِنِ وَلَوْ سَمَّاهُ (2) إِلا أَنْ يُمْنَعَ فَمِيرَاثٌ (3)) يعني: إذا سمى الميت قدرًا فلم يوجد من يحج عنه من مكانه بذلك القدر (4)، فإنه يحج عنه من مكان يمكن أن يستأجر له منه بالمقدار الذي عينه الميت، ولا خلاف فيه إذا لم يسمِّ الكان الذي يحج منه عنه، فإن سماه فقال: حجوا عني من بلد كذا، وقد مات به ولم يوجد من يحج به (5) عنه من ذلك البلد (6)، فروي عن ابن القاسم أنه يستأجر له به من حيث يوجد، إلا أن يتبين أنه أراد ألا يحج به عنه إلا من بلده (7)؛ أي: فيكون ميراثًا، وإلى هذا أشار بقوله:(وَلَوْ سَمّاهُ (8) إِلا أَنْ يُمْنَعَ فَمِيرَاثٌ) أي: ولو سمى (9) المكان الذي يحج عنه منه، فكذلك يحج عنه من حيث (10) يمكن إلا أن يمنع من (11) ذلك لكونه إنما أراد أن يحج عنه من موضعه، فيكون ميراثًا.

قوله: (وَلَزِمَهُ الْحَجُّ بِنَفْسِهِ) أي: ولزم الأجير أن يحج عن الموصي بنفسه. يريد: إذا قامت قرينة تدل على تعيينه من الورثة أو عيَّنه الميت قصدًا لخيره ورغبة في بركته.

قوله: (لَا الإِشْهَادُ (12)) أي: فلا يلزمه أن يشهد على نفسه أنه قد حج عن الميت،

(1) في (ن) و (ن 2): (و).

(2)

في المطبوع من خليل: (سمى)

(3)

قوله: (وَلَوْ سَمَّاهُ إِلا أَنْ يُمْنَعَ فَمِيرَاثٌ) زيادة من (ن 2).

(4)

قوله (القدر) ساقط من (ز) و (ن) و (ن 2).

(5)

قوله (به) ساقط من (ز).

(6)

في (ن 2): (الموضع).

(7)

انظر: البيان والتحصيل: 4/ 52.

(8)

في المطبوع من خليل: (سمى)

(9)

قوله (ولو سمى) يقابله في (ز): (ولم يسم).

(10)

قوله (حيث) ساقط من (ز).

(11)

في (ز): (في).

(12)

قوله: (لَا الإِشْهَادُ) يقابله في (ز): (إلا الإشهاد).

ص: 162

وهذا إذا لم يكن عرف الناس الإشهاد فإن كان لزمه، وإليه أشار بقوله:(إلا أَنْ يُعْرَفَ) ولا خفاء أن العرف إذا جرى بالإشهاد (1) أو بعدمه أنه يصار إليه، فإن لم يكن عرف فعن المتأخرين في ذلك قولان.

قوله: (وَقَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ فِيمَنْ يَأْخُذُهُ فِي حَجِّهِ (2)) أي: وقام وارث الموصي مقامه في تعيين من يعينه لحجه. يريد: وكذلك يقوم وارث الأجير مقامه إذا كان الحج مضمونًا لا معينًا.

قوله: (وَلا يَسْقُطُ فَرْضُ مَنْ حُجَّ عَنْهُ، وَلَهُ أَجْرُ النَّفَقَةِ وَالدُّعَاءِ) يريد: أن من مات وعليه فريضة الحج فإنها لا تسقط بحج غيره عنه.

ابن القصار: وإنما للميت المحجوج عنه أجر النفقة والدعاء (3)؛ إن أوصى أن يستأجره من ماله على ذلك، وإن تطوع غيره عنه (4) بذلك فله أجر الدعاء وفضله (5)، وإلى هذا أشار بقوله:(وله أجر النفقة)(6)؛ أي: إذا أوصى أن (7) يحج عنه من ماله (والدُّعاء) أي: إذا تبرع به عنه الغير، وخرج الباجي قولًا بسقوط الفريضة (8).

(المتن)

وَرُكْنُهُمَا الإِحْرَامُ، وَوَقْتُهُ لِلْحَجِّ شَوَّال لآخِرِ ذِي الْحِجَّةِ، وَكُرِهَ قَبْلَهُ كَمَكَانِهِ، وَفِي رَابِغٍ تَرَدُّدٌ. وَصَحَّ. وَلِلْعُمْرَةِ أَبَدًا إِلَّا لِمُحْرِمٍ بِحَجٍّ لِتَحَلُّليْهِ، وَكُرِهَ بَعْدَهُمَا وَقَبْلَ غُرُوبِ الرَّابِعِ. وَمَكَانُهُ لَهُ لِلْمُقِيمِ مَكَّةَ، وَنُدِبَ الْمَسْجِدُ، كَخُرُوجِ ذِي النَّفَسِ لِمِيقَاتِهِ، وَلَهَا وَلِلْقِرَانِ الْحِلُّ. وَالْجِعِرَّانَةُ أَوْلَى، ثُمَّ التَّنْعِيمُ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ أَعَادَ طَوَافَهُ وَسَعْيَهُ بَعْدَهُ، وَأَهْدَى إِنْ حَلَقَ؛ وَإِلَّا فَلَهُمَا ذُو الْحُلَيْفَةِ، وَالْجُحْفَةُ، وَيَلَمْلَمُ، وَقَرْنٌ، وَذَاتُ عِرْقٍ، وَمَسْكَنٌ دُونَهَا، وَحَيْثُ حَاذَى وَاحِدًا، أَوْ مَرَّ وَلَوْ

(1) قوله (فإن كان لزمه وإليه أشار بقوله: "إلا أَنْ يُعْرَفَ"

بالإشهاد) ساقط من (ز).

(2)

في المطبوع: (في حَجَّةٍ).

(3)

قوله: (والدعاء) زيادة من (ن).

(4)

قوله: (عنه) ساقط من (ن 2).

(5)

انظر: المنتقى: 3/ 470.

(6)

قوله: (النفقة) زيادة من (س).

(7)

في (ن 2): (لمن).

(8)

انظر: المنتقى: 3/ 471.

ص: 163

ببَحْرٍ؛ إِلَّا كَمِصْرِيٍّ يَمُرُّ بِالْحُلَيْفَةِ، فَهُوَ أَوْلَى، وَإِنْ لِحَيْضٍ رُجِيَ رَفْعُهُ، كَإِحْرَامِهِ أَوَّلَهُ، وَإِزَالَةِ شَعَثِهِ، وَتَرْكِ اللَّفْظِ بِهِ.

(الشرح)

قوله (1): (وَرُكْنُهُمَا الإِحْرَامُ) أي: وركن الحج والعمرة الإحرام، وهذا مما لا إشكال فيه لفعله عليه الصلاة والسلام وقوله:"خذوا عني مناسككم"(2) وأمره به، وذلك مجمع (3) عليه.

قوله: (وَوَقْتُهُ لِلْحَجِّ شَوَّالٌ لآخِرِ ذِي (4) الْحِجَّةِ) يريد: ووقت الإحرام للحج شوال وذو القعدة وذو الحجة بكماله، ولهذا قال:(لآخر ذِي الحجة) وهو المشهور، وقال ابن عبد الحكم: آخره عشر ذي الحجة ورواه ابن حبيب (5)، وروي أيام التشريق نقله في الجواهر (6)، وفائدة الخلاف تعلق الدم بتأخير طواف الإفاضة عن أشهر الحج (7).

قوله: (وَكُرِهَ قَبْلَهُ) يريد: أن الإحرام بالحج قبل شوال مكروه؛ لأنه عليه الصلاة والسلام إنما أحرم به في أشهره، واختلف إذا فعل ذلك هل ينعقد وهو المشهور، أو لا ينعقد؟ وحكى هذا القول اللخمي ولم يعزه (8)، وأشار بقوله:(كَمَكَانِهِ) إلى أن الحج أيضًا له ميقات مكاني كما سيأتي من (9) كلامه، وأنه يكره له أن يحرم قبله (10)، وهو ظاهر المدونة (11)، وهو الذي يحكيه العراقيون عن المذهب من غير

(1) في (ز): (فصل).

(2)

أخرجه مسلم: 2/ 943، في باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر

، من كتاب الحج، برقم: 1297، وأبو داود: 1/ 604، في باب في رمي الجمار، من كتاب المناسك، برقم: 1970، والنسائي: 5/ 270، في باب الركوب إلى الجمار واستظلال المحرم، من كتاب مناسك الحج، برقم: 3062، وابن ماجه: 2/ 1006، في باب الوقوف بجمع، من كتاب المناسك، برقم:3023.

(3)

في (ن 2): (مجموع).

(4)

قوله: (ذِي) ساقط من (ز) و (ن 2) والمطبوعة من خليل.

(5)

انظر: النوادر والزيادات: 2/ 340.

(6)

انظر: عقد الجواهر: 1/ 270.

(7)

قوله: (عن أشهر الحج) زيادة من (ن) و (ن 2).

(8)

انظر: التبصرة، للخمي، ص:1165.

(9)

في (ن 2): (في).

(10)

قوله: (قبله) ساقط من (ن).

(11)

انظر: المدونة، دار صادر: 2/ 363.

ص: 164

تفصيل، وفي الموازية: له أن يحرم من منزله إذا كان قبل الميقات إلا أن يكون قريبًا منه فيكره أن يحرم منه (1)، لأنه مع القرب إنما قصد مخالفة الميقات، ومع البعد إنما قصد استدامة الإحرام وهو غير مكروه.

قوله: (وَفِي رَابغٍ تَرَدُّدٌ) أي: هل يكره الإحرام منه لأنه قبل الجحفة، وإليه ذهب الشيخ القدوة (2) أبو عبد الله بن الحاج (3)، أو لا يكره، لأنه أول الميقات ومن أعمال الجحفة ومتصل بها بدليل اتفاق الناس على ذلك، وإليه ذهب بعض (4) أشياخنا المتأخرين؛ وحكي ذلك عن شيخ شيخنا الشهير (5) بعبد الله المنوفي (6)، رحمهم الله أجمعين.

قوله: (وَصَحَّ) أي: ولو قلنا بالكراهة فإنه ينعقد ويصح.

قوله: (وَللْعُمْرَةِ أَبَدًا إِلا لِمُحْرِمٍ (7) بِحَجٍّ لِتَحَلُّلَيْهِ (8)) يريد: أن ميقات العمرة في (9) أيام السنة كلها، أي (10): فأي وقت أحرم بها جاز (11) إلا من كان محرمًا بالحج فالوقت في حقه إذا تحلل من الحج، فمراده (12) بقوله:(لتحلليه) أي: إلى أن يحل من حجه، ثم قال:(وَكُرِهَ بَعْدَهُمَا وَقَبْلَ غُرُوبِ الرَّابِعِ) لما كان الذي يحل به من الحج أمرين: طواف الإفاضة ورمي جمرة العقبة، ثنى الضمير لأجل ذلك، ومراده أن الإحرام بالعمرة قبل

(1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 336.

(2)

قوله: (القدوة) زيادة من (ن 2).

(3)

في (ن 2): (بن الحاجب). وانظر: المدخل، لابن الحاج: 4/ 216.

(4)

قوله: (بعض) ساقط من (ن) و (ن 2).

(5)

قوله: (حكي ذلك عن شيخ شيخنا الشهير) يقابله في (ن) و (ن 2): (وحكى ذلك شيخ شيوخنا المشهور).

(6)

انظر: التوضيح: 2/ 527، ومناسك الحج، ص:90.

(7)

في (ن 2): (المحرم).

(8)

في المطبوع من خليل: (فلتحلله).

(9)

قوله (في) ساقط من (ز).

(10)

قوله: (أي) زيادة من (ن 2).

(11)

في (ن 2): (كان).

(12)

قوله: (من الحج، فمراده) يقابله في (ن): (وهو مراده).

ص: 165

الفراغ منهما ممنوع، وبعدهما وقبل الغروب (1) من آخر أيام الرمي مكروه، وقاله في المدونة (2)، ومعناه: ينعقد (3).

قوله: (وَمَكَانُهُ لَهُ لِلْمُقِيمِ مَكَّةُ) أي: ومكان الإحرام للحج للمقيم مكة، وسواء كان من أهلها أم (4) مقيمًا بها وقت الإحرام، واحترز بقوله:(له)(5) مما إذا كان الإحرام للعمرة كما سنذكره.

قوله: (وَنُدِبَ الْمَسْجِدُ) يريد أنه يستحب من بمكة إذا أراد الإحرام بالحجِّ أن يأتي المسجد ليحرم (6) منه به (7)، وهو مذهب المدونة (8).

أشهب: يريد من داخله لا من بابه، وقاله في الموازية عن مالك (9). وقال ابن حبيب: إنما يحرم من بابه (10).

قوله: (كَخُرُوجِ ذِي النَّفَسِ لِمِيقَاتِهِ) المراد بصاحب النفس من اتسع له الوقت من أهل الآفاق إذا كان بمكة وأراد الإحرام بالحج، فالمستحب أن يخرج إلى ميقاته فيحرم منه، وقاله في المدونة (11)، وإنما أمره هنا بالخروج لأنه في سعة من الوقت، وفي المسألة الأولى استحب له أن يحرم من المسجد؛ لأن معناه أنه في ضيق من الوقت ليس عليه نفس مثل ذلك، وهكذا قال (12) في النكت إثر (13) مسألتي المدونة (14).

(1) في (س): (غروب الرابع).

(2)

انظر: المدونة: 1/ 400.

(3)

قوله: (ومعناه: ينعقد) يقابله في (ن 2): (معناه: ينعقد الإحرام)، وفي (ن):(وينعقد).

(4)

في (ن) و (ن 2): (أو).

(5)

قوله: (له) ساقط من (ن).

(6)

في (ن 2): (فيحرم).

(7)

قوله (به) ساقط من (س).

(8)

انظر: المدونة: 1/ 422.

(9)

انظر: النوادر والزيادات: 2/ 335.

(10)

انظر: المنتقى: 3/ 371.

(11)

انظر: المدونة: 1/ 401.

(12)

قوله (قال) ساقط من (س).

(13)

في (ن 2): (أنه معنى)، وفي (ن):(وفرق به بين).

(14)

انظر: التوضيح: 2/ 522.

ص: 166

قوله: (وَلَهَا وَللْقِرَانِ الْحِلُّ) أي: وللإحرام بالعمرة من بمكة الحل للجمع فيها بين الحل والحرم؛ لفعله عليه الصلاة والسلام، فلو أحرم بها من الحرم وهي تنقضي فيه لزم من ذلك عدم الجمع بينهما في الإحرام للعمرة (1)؛ بخلاف الحج فإنه وإن أحرم به من (2) الحرم يخرج إلأ عرفة (3) وهي حل فيحصل له الجمع بين الحل والحرم، وهذا وجه كون القران يطلب فيه الخروج أيضًا إلأ الحل؛ لأن القارن (4) لو أحرم به (5) من مكة لزم عدم الجمع في العمرة بينهما؛ لأن خروجه لمعرفة خاص بالحجِّ، وهذا هو المشهور، وقال عبد الملك وسحنون: يجوز إحرامه من مكة بناء على أن العمرة مضمحلة (6) والعبرة بالحج لا غير (7).

قوله: (والجْعِرَّانَة أَوْلَى، ثُمَّ التَّنْعِيمُ) إنما كان الإحرام بالعمرة من الجعرانة أولًا لفعله عليه الصلاة والسلام إذ أحرم بها من الجعرانة، وكان التنعيم يليها في الفضل؛ لأمره لعبد الرحمن أن يخرج بأخته عائشة إلى التنعيم.

قوله: (وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ أَعَادَ طَوَافَهُ وَسَعْيَهُ بَعْدَهُ، وَأَهْدَى إِنْ حَلَقَ) يريد: أن من أحرم بالعمرة من الحرم ولم يخرج إلى الحل ثم طاف وسعى (8) فإنه يعيد طوافه وسعيه بعد أن يخرج إلى الحل لكونهما وقعا بغير شرطهما، فإن حلق أعادهما أيضًا وأهدى؛ لكونه حلق في حال إحرامه، هذا هو الأصح خلافًا لأشهب في سقوط الدم، حكاه عنه ابن المواز (9).

قوله: (وَإِلا فَلَهُمَا ذُو الْحُلَيْفَةِ، وَالْجحْفَةُ، وَيَلَمْلَمُ، وَقَرْنٌ، وَذَاتُ عِرْقٍ) لما ذكر أن

(1) قوله: (بينهما في الإحرام للعمرة) يقابله في (ن): (فيها بين الحل والحرم).

(2)

في (ن 2): (في).

(3)

قوله: (إلى عرفة) يقابله في (ن 2): العرفة).

(4)

في (ن 2): (القران).

(5)

قوله (به) زيادة من (س).

(6)

في (ن): (مطمحلة).

(7)

انظر: التوضيح: 2/ 523.

(8)

قوله: (ثم طاف وسعى) ساقط من (ن).

(9)

في (ن): (محمد). وانظر: النوادر والزيادات: 2/ 338.

ص: 167

الميقات المكاني من بمكة في الحج مكة، وفي العمرة الحل، أشار بهذا (1) إلى أن من أراد (2) الإحرام بحج أو عمرة ممن هو من أهل الآفاق فإن ميقاته فيهما ما ذكر؛ أي: وإن لم يكن مقيمًا بمكة (3) فللحج والعمرة هذه المواقيت وذو الحليفة أبعد المواقيت من مكة بينهما نحو من عشر مراحل أو تسع، وهي قريبة من المدينة على ستة أميال منها، وقيل: سبعة، وقيل: أربعة وهي ميقات أهل المدينة.

والجحفة على ثلاث مراحل، ونحوها من مكة وبينها وبين المدينة ثماني مراحل وهي ميقات أهل الشام ومصر والمغرب.

ويلملم ويقال أيضًا أَلَمْلَم بإبدال الياء همزة وهو جبل من جبال تهامة (4) على ليلتين من مكة وهي ميقات أهل اليمن.

وقرن المنازل على مرحلتين من مكة، قيل: أنها أقرب المواقيت إليها، وهي ميقات أهل نجد.

وأما ذات عرق وهي ميقات أهل العراق فهي موضع بالبادية (5) ولم أرَ من ذكر ذات عرق بالنسبة إلى قربه وبعده من مكة شرفها الله تعالى،

والشيخ رحمه الله قد ذكر هذه المواقيت ولم يذكر أهلها اتكالًا على ما ورد في ذلك في الصحيحين، عن ابن عباس "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقَّت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل (6)، ولأهل اليمن يلملم، قال: عن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة، ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة"(7)،

(1) في (ن 2): (بهذه).

(2)

في (ز): (مراده).

(3)

قوله: (بمكة) زيادة من (ن 2).

(4)

قوله: (ويقال أيضًا ألملم بإبدال الياء همزة وهو جبل من جبال تهامة) زيادة من (ن).

(5)

قوله: (وهي ميقات أهل نجد. وأما ذات عرق وهي ميقات أهل العراق فهي موضع بالبادية) زيادة من (ن).

(6)

قوله (المنازل) ساقط من (ز).

(7)

متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 554، في باب مهل أهل مكة للحج والعمرة، من كتاب الحج، برقم 1452، ومسلم: 2/ 838، في باب مواقيت الحجة والعمرة، من كتاب الحج، برقم 1811، ومالك: 1/ 330، في باب مواقيت الإهلال، من كتاب الحج، برقم:724.

ص: 168

زاد مسلم: "وأهل العراق من ذات عرق"(1)، وأشار بقوله:(وَمَسْكَن دُونَهَا) إلى أن من كان ساكنًا (2) دون هذه المواقيت فميقاته من (3) مكانه (4)، وهو معنى قوله عليه الصلاة والسلام:"ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ".

قوله: (وَحَيْثُ حَاذَى وَاحِدًا أَوْ مَرَّ وَلَوْ بِبَحْرٍ) أي: وحيث حاذى ميقاتًا (5) منها أو مر به فإنه يلزمه أن يحرم منه إلا المصري والشامي (6) والمغربي يمرون بذي الحليفة فليس عليهم الإحرام منها، لأن ميقاتهم وهو الجحفة (7) بين أيديهم، إلا أن (8) الأولى لهم أن يحرموا من ذي الحليفة، وإليه أشار بقوله:(إِلا كَمِصْرِيٍّ يَمُرُّ بِذِي الْحُليْفَةِ، فَهُوَ أَوْلَى)، وأشار بقوله:(وَلَوْ بِبَحْرٍ) إلى قول مالك في النوادر: إن من حج (9) في البحر من أهل مصر وشبههم فليحرم إذا حاذى الجحفة (10).

قوله: (وَإِنْ لِحيْضٍ رُجِيَ رَفْعُهُ) يريد أن الحائض إذا مرَّتْ بذي الحليفة وترجو أن يحصل لها الطهر قبل الجحفة فإنها لا تؤخر إحرامها إلى الجحفة، والأولى لها أن تحرم من ذي الحليفة، ذكره في النوادر (11)، واختلف في المدني (12) المريض هل يرخص له في ترك الإحرام إلى الجحفة، فحكى محمد عن مالك: لا ينبغي له أن يتجاوز الميقات فيما يرجو

(1) أخرجه مسلم: 2/ 840، في باب مواقيت الحجة والعمرة، من كتاب الحج، برقم 1813، وأبو داود: 1/ 542، في باب في المواقيت، من كتاب المناسك، برقم: 1739، والنسائي: 5/ 123، في باب ميقات أهل مصر، من كتاب مناسك الحج، برقم:2653.

(2)

في (ز): (دونها).

(3)

قوله (من) ساقط من (س).

(4)

في (ن 2): (مسكنه)، وقوله:(من مكانه) يقابله في (ن): (منزله).

(5)

في (ن) و (ن 2): (واحدًا).

(6)

قوله: (والشامي) ساقط من (ن).

(7)

قوله: (لأن ميقاتهم وهو الجحفة) يقابله في (ن): (إلا أنه من ميقاتهم وهو الجحفة وهي).

(8)

قوله: (إلا أن) يقابله في (ن) و (ن 2): (لكن).

(9)

قوله: (حج) يقابله في (ن): (مر حاجّا).

(10)

انظر: النوادر والزيادات: 2/ 335.

(11)

انظر: النوادر والزيادات: 2/ 324.

(12)

قوله: (المدني) ساقط من (ن).

ص: 169

من قوة وليحرم، فإن احتاج إلى شيء افتدى، وقال أيضًا: لا بأس أن يؤخر للجحفة (1).

ابن بزيزة: وهو المشهور للضرورة. اللخمي: وهو الأولى (2).

قوله: (كَإِحْرَامِهِ أَوَّلَهُ) أي: أول الميقات؛ وإنما كان ذلك أولى لأن المبادرة إلى الطاعة تستحب.

قوله: (وَإِزَالَةِ شَعَثِهِ) أي: قبل الإحرام، وهو معطوف على قوله:(كإحرامه أوله)، والتقدير: وكذلك يستحب للمحرم أن يزيل شعثه قبل إحرامه. بعض الأشياخ: ويقلم أظفاره ويزيل ما على بدنه من الشعر الذي يؤمر بإزالته؛ إلا (3) شعر الرأس فإن الأفضل إبقاؤه طلبًا للشعث في الحج.

ومما يستحب عند الإحرام أيضًا (4) ترك التلفظ بما يحرم به، وروي عن مالك كراهة التلفظ بذلك، يريد أن مجرد النية بذلك مع التلبية أو ما حصل من فعل كالتوجه كافٍ، وإليه أشار بقوله:(وَتَرْكِ اللَّفْظِ بهِ) وروي عن ابن وهب: التسمية أحب إليَّ. وفي الموازية (5): ذلك واسع سمى أو تركَ (6).

(المتن)

وَالْمَارُّ بِهِ إِنْ لَمْ يُرِدْ مَكَّةَ، أَوْ كَعَبْدٍ فَلا إِحْرَامَ عَلَيْهِ، وَلا دَمَ. وِإنْ أَحْرَمَ إِلَّا الصَّرُورَةَ الْمُسْتَطِيعَ فَتَأْوِيلانِ. وَمُرِيدُهَا إِنْ تَرَدَّدَ أَوْ عَادَ لَهَا لِأَمْرٍ، فَكَذَلِكَ، وَإِلَّا وَجَبَ الإِحْرَامُ، وَأَسَاءَ تَارِكهُ، وَلا دَمَ إِنْ لَم يَقْصِدْ نُشكًا، وَإِلَّا رَجَعَ، وَإِنْ شَارَفَهَا وَلا دَمَ وَلَوْ عَلِمَ؛ مَا لَمْ يَخَفْ فَوْتًا، فَالدَّمُ، كَرَاجِعٍ بَعْدَ إِحْرَامِهِ، وَلَوْ أَفْسَدَ، لا فَاتَ. وَإِنَّمَا يَنْعَقِدُ بِالنِّيَّةِ، وَإنْ خَالَفَهَا لَفْظُهُ وَلا دَمَ، وَإِنْ بِجِمَاع مَعَ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ تَعَلَّقَا بِهِ بَيَّنَ أَوْ أَبْهَمَ، وَصَرَفَهُ لِحَجّ، وَالْقِيَاسُ لِقِرَانٍ، وَإنْ نسِيَ فَقِرَانٌ، وَنَوَى الْحَجَّ وَبَرِئَ مِنْهُ فَقَطْ، كَشَكِّهِ أَفْرَدَ أَوْ تَمَتَّعَ، وَألْغَى عُمْرَةٌ عَلَيْهِ، كَالثَّانِي فِي حَجَّتَينِ أَوْ عُمْرَتَينِ، وَرَفْضُهُ، وَفِي كَإِحْرَامِ زَيْدٍ تَرَدُّدٌ.

(الشرح)

(1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 338.

(2)

انظر: التوضيح: 2/ 526، التبصرة، للخمي، ص:1161.

(3)

في (ن) و (ن 1) و (ز) و (س): (لا).

(4)

قوله: (أيضًا) زيادة من (ن 2).

(5)

في (ن 2): (المدونة).

(6)

انظر: النوادر والزيادات: 2/ 331، والتوضيح: 2/ 516.

ص: 170

قوله: (وَالْمَارُّ بهِ إن لم يُرِدْ مَكةَ، أَوْ كَعَبْدٍ فَلا إِحْرَامَ عَلَيْهِ، وَلا دَمَ، وَإِنْ أَحْرَمَ إِلا الصَّرُورَةَ الْمُسْتَطِيع فتَأْوِيلانِ) يريد أن المار بالميقات إذا لم يرد مكة، بل جاوزه لحاجة دون مكة، أو كان مريدًا إلا أنه ممن لم يخاطب بفريضة الحج كالعبد والصبي، فلا إحرام على واحد منهما ولا دم؛ لأن الحج غير متوجه على العبد والصبي ونحوهما، فإن أحرموا بعد ذلك فلا دم أيضًا، إلا أن يكون الذي أحرم بعد الميقات صرورة مستطيعًا، فاختلف في وجوب الدم عليه، قال مالك في المدونة: ومن تعدى الميقات وهو صرورة مستطيع ثم أحرم فعليه الدم (1).

عياض: اختلف في تأويله فقيل: معناه إذا جاوزه وهو يريد الحج ثم أحرم بعده، فأما إن جاوزه غير مريد الحج فلا دم عليه (2)، وإليه ذهب أبو محمد (3)، وقيل: معناه سواء جاوزه وهو مريد (4) الحج أو لا، وإليه ذهب ابن شبلون وزعم أنه ظاهر الكتاب هنا؛ إذا لم يقل وهو مريد (5) الحج أو غيره (6)، وإلى هذا الخلاف (7) أشار بقوله:(فتأويلان).

قوله: (وَمُرِيدُهَا إِنْ ترَدَّدَ أَوْ عَادَ لَهَا لأَمْر، فكَذَلِكَ) أي: ومريد مكة إن كان مترددًا لها كالمتسببين (8) في (9) الحطب والفاكهة ونحوهما، أو عاد لأمر عرض له (10) فليس عليه إحرام، وهو معنى قوله:(فكذلك)، وقال اللخمي في المترددين: يستحب لهم أن يحرموا أول مرة ثم إن تكرر ذلك منهم سقط عنهم الإحرام (11).

(1) انظر: المدونة: 1/ 417.

(2)

انظر: إكمال المعلم: 3/ 174.

(3)

انظر: النوادر والزيادات: 2/ 339، ما وقفت عليه في النوادر والزيادات هذا القول منسوبًا لمحمد بن المواز وليس لأبي محمد بن أبي زيد.

(4)

قوله: (جاوزه وهو مريد) يقابله في (ن): (أو هو يريد).

(5)

قوله: (هنا؛ إذ لم يقل وهو مريد) يقابله في (ن): (وهذا إذا لم يصل وهو يريد).

(6)

انظر: التوضيح: 2/ 532.

(7)

في (ن) و (ن 2): (الاختلاف).

(8)

في (ن 2): (كالحطابين).

(9)

قوله: (لها كالمتسببين في) يقابله في (ن): (إليها ليشتري).

(10)

(قوله (له) ساقط من (ز).

(11)

انظر: التبصرة، للخمي، ص:1163.

ص: 171

قوله: (وَإِلا وَجَبَ الإِحْرَامُ، وَأَسَاءَ تَارِكُهُ، وَلا دَمَ) أي: وإن لم يكن من المترددين ولا ممن عرض له أمر عاد لأجله وجب عليه أن يحرم من ميقاته الذي يأتي عليه، فإن ترك الإحرام وجاوز الميقات حلالًا فلا دم عليه، وقد أساء من أي الآفاق كان، قاله في المدونة، ثم قال: إذا لم يرد الحج ولا العمرة (1)، وإليه أشار هنا بقوله:(إِنْ لَمْ يَقْصِدْ نُسُكًا)، وقال في (2) الجلاب: إن أحرم فعليه الدم وإلا فلا (3)، وقاله في تهذيب الطالب لعبد الحق (4)، وفي المدونة (5): وجوب الدم، وظاهره أحرم أم لا (6)، وقيل: إن كان صرورة فعليه الدم وإلا فلا (7)، وفي الموازية (8): إن أحرم وكان صرورة فعليه الدم وإلا فلا.

قوله: (وَإِلا رَجَعَ، وَإِنْ شَارَفَهَا وَلا دَمَ وَلَوْ عَلِمَ، مَا لَمْ يَخَفْ فَوْتًا (9)، فَالدَّمُ) أي: وإن قصد أحد النسكين الحج (10) أو العمرة رجع للإحرام من ميقاته وإن قرب من مكة ولا دم عليه، قال في المدونة: إلا أن يخاف فوات الحج فليحرم من (11) موضعه ويتمادى وعليه دم (12).

أبو الحسن الصغير: يريد (13) وسواء جاوز (14) جاهلًا أو عامدًا (15)، وإليه أشار

(1) انظر: المدونة: 1/ 432.

(2)

في (س): (ابن).

(3)

انظر: التفريع: 1/ 196.

(4)

قوله: (لعبد الحق) زيادة من (ن 2).

(5)

في (ز) و (ن 2): (الموازية).

(6)

انظر: المدونة: 1/ 402.

(7)

قوله: (وفي المدونة: وجوب الدم، وظاهره

وإلا فلا) ساقط من (ن 1).

(8)

في (ن 2): (المدونة).

(9)

في (ن) و (ن 2): (فواتًا).

(10)

في (ن 2): (بالحج).

(11)

قوله: (من) ساقط من (ن)

(12)

انظر: المدونة: 1/ 402.

(13)

قوله: (يريد) ساقط من (ن 2).

(14)

في (ن 2): (جاوزها).

(15)

انظر: التوضيح: 2/ 530.

ص: 172

بقوله: (ولو علم).

قوله: (كَرَاجِعٍ بَعْدَ إِحْرَامِهِ) أي: وكذلك يجب الدم أيضًا على من رجع بعد أن جاوز (1) الميقات بغير إحرام ثم أحرم وإن قرب، خلافًا لابن حبيب، ولا يسقطه الرجوع لترتبه عليه، وقيل: يسقطه (2) ولذلك نظائر (3).

قوله: (وَلَوْ أَفْسَدَ، لا فَاتَ) يريد: أن الدم لا يسقط عنه بعد ترتبه (4) ولو فسد (5) حجه؛ بخلاف ما إذا فات فإنه يسقط عنه (6)، قاله في المدونة (7).

قوله: (وَإِنَّمَا يَنْعَقِدُ بِالنِّيَّةِ) يريد: أن الإحرام لا ينعقد إلا بنية مقرونة بقول أو فعل متعلقين (8) به كالتلبية والتوجه إلى الطريق، كما أشار إليه بعد هذا (9).

قوله: (وَإِنْ خَالَفَهَا لَفْظُهُ) أي: أن الإحرام ينعقد بما تقدم وإن خالفها لفظه، كما إذا نوى الحج وتلفظ بالعمرة أو العكس، وهو قول صاحب الجواهر (10)، وإن اختلف عقده ونطقه فالاعتبار بالعقد.

قوله: (وَلا دَمَ) أي: ولا دم عليه لمخالفته لفظه وعدم مطابقته لنيته.

قوله (11): (وَإِنْ بِجِمَاعٍ) يشير إلى ما حكاه سند أن الإحرام ينعقد وهو يجامع ويلزمه (12) التمادي والقضاءَ، وذكر ما يدل على أن ذلك متفق عليه (13)، والباء في (وإن

(1) في (ن) و (ن 2): (يجاوز).

(2)

قوله: (وقيل يسقطه) زيادة من (س).

(3)

انظر: التوضيح: 2/ 529.

(4)

قوله: (بعد ترتبه) يقابله في (ن 2): (بترتبه).

(5)

في (ن): (افسد).

(6)

قوله: (عنه) ساقط من (ن 2).

(7)

انظر: المدونة.1/ 494.

(8)

في (ن 2): (معلقين).

(9)

قوله: (كما أشار إليه بعد هذا) يقابله في (ن) و (ن 2): (وإليه أشار بقوله: "مَعَ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ تَعَلَّقَا بهِ" أي: بالإحرام؛ فلا ينعقد بمجرد النية، وقاله اللخمي وابن بشير وابن شاس، وقيل: ينعقد بذلكَ، قاله سند وهو مروي عن مالك).

(10)

انظر: عقد الجواهر: 1/ 270.

(11)

قوله: (أي: ولا دم عليه لمخالفته لفظه وعدم مطابقته لنيته. قوله) ساقط من (ن) و (ن 2).

(12)

(في (ن 2): (ويجب عليه).

(13)

انظر: الذخيرة: 3/ 220.

ص: 173

بجماع) للمعية؛ أي: وإن أحرم مع جماع أو في حال جماع.

قوله: (مَعَ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ تَعَلَّقَا بِهِ) أي: بالإحرام؛ فلا ينعقد بمجرد النية، وقاله اللخمي (1) وابن بشير وابن شاس (2)، وقيل: ينعقد بذلك، قاله سند وهو مروي عن مالك (3).

قوله: (بَيَّنَ أَوْ أَبْهَمَ) يريد أن الإحرام ينعقد بالنية مع قول أو فعل سواء بيَّن ما أحرم به أو أبهم، إلا أنه لا يفعل شيئًا إلا بعد التعيين، فإن طاف قبل التعيين فقال في الذخيرة: الصواب أن يجعله حجًّا ويكون هذا طواف القدوم (4)، وفي الموازية: أحب إليَّ أن يفرد، والقياس أن يقرن، وقاله أشهب (5)، وإليه أشار بقوله:(وَصَرَفَهُ لِحجٍّ وَالْقِيَاسُ لِقِرَانٍ) وقيل: القياس أن يصرفه لعمرة، ورأيُ اللخميِّ التخيير إنما هو في حق المدني ونحوه، وأما أهل المغرب ونحوهم ممن لا يقصد إلا الحج فلا يلزمه غيره (6).

قوله: (وَإِنْ نَسِيَ فَقِرَانٌ، وَنَوَى الْحَجَّ) أي: فإن أحرم بشيء معين ثم نسيه فلم يدرِ أهو حج أو عمرة أو قران فإنه ينوي الحج ويعمل على القران (7) احتياطًا، فيطوف ويسعى ويهدي بناء على القران (8) ويعتمر بعد ذلك؛ لاحتمال أن يكون إنما أفرد أولًا، وإليه أشار بقوله:(وَبَرِئَ مِنْهُ فَقَطْ) أي: من الحج، وأما العمرة فيأتي بها، وفي الموازية: وهو قول أشهب يكون قرانًا (9) وهو وفاق، وأشار بقوله:(كَشَكِّهِ أَفْرَدَ) إلى أن من شك هل أحرم بحج وعمرة (10)، وهو معنى قوله:(أَوْ تَمَتَّعَ) فإنه يعمل على الحج، قال في

(1) انظر: التبصرة، للخمي، ص:1137.

(2)

انظر: عقد الجواهر: 1/ 274.

(3)

قوله: ("مَعَ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ تَعَلَّقَا بِهِ" أي: بالإحرام؛

عن مالك) هذا القول ذكر في (ن) و (ن 2) قبل (وإن خالفها لفظه). وانظر: الذخيرة: 3/ 218.

(4)

انظر: الذخيرة: 3/ 221.

(5)

انظر: النوادر والزيادات: 2/ 332.

(6)

انظر: التبصرة، للخمي، ص:1638.

(7)

قوله: (حج أو عمرة أو قران فإنه ينوي الحج ويعمل على القران) ساقط من (ن).

(8)

قوله: (بناء على القران) يقابله في (ن 2): (شيئا).

(9)

في (ن 2): (قارنًا).

(10)

في (ن) و (ن 1) و (ز) و (س): (أو عمرة).

ص: 174

الجواهر: ولو شك هل أحرم بالحج (1) مفردًا أو بالعمرة؟ طاف وسعى لجواز أن يكون إحرامه بعمرة، ولا يحلق لإمكان أن يكون في حج ويتمادى على عمل الحج ويهدي لتأخير الحلاق لا للقران؛ لأنه لم يحدث (2) نية الحج، بل يتمادى على نيته (3) الأولى وهو كشيء (4) واحد، وأما العمرة فلا يضره تماديه بعد فرا غه من سعيها وأما الحج فيكون مفردًا، وما تقدم من الطواف والسعي يكون (5) له لا للعمرة (6)، ونحوه للخمي.

قوله: (وَأَلْغَى عُمْرَةً (7) عَلَيْهِ كَالثَّانِي فِي حَجَّتَيْنِ أَوْ عُمْرَتَيْنِ) يريد: أن العمرة الداخلة على الحج تلغى كالحج الداخل على مثله (8) أو العمرة الداخلة على مثلها، والأقسام أربعة لا يصح منها إلا إدخال الحج على العمرة كما سيأتي، ومعنى (ألغى) أن الثاني لا ينعقد ولا يقضى (9).

قوله: (وَرَفْضُهُ) هو معطوف على قوله: (وألغى عمرة عليه) أي: وكذلك يلغى رفض الحج فلا أثر له على المشهور، نص عليه غير واحد من أصحابنا، وقاله ابن القاسم في المدونة (10).

قوله: (وَفي كَإِحْرَامِ زَيْدٍ ترَدُّدٌ) يريد أنه اختلف فيمن أحرم بما أحرم به زيد مثلًا ولم يعلم هل أحرم بحج أو عمرة (11)، هل يصح إحرامه أو يبطل لعدم الجزم حين الدخول في العبادة، والمنقول أن إحرامه صحيح عند أشهب؛ لما ورد أن عليًّا أهلَّ بما أهلَّ به

(1) قوله: (بالحج) ساقط من (ن 2).

(2)

في (ن): (يحدد)

(3)

في (ن 2): (نية).

(4)

في (ن 2)(ن): (شيء).

(5)

قوله: (يكون) ساقط من (ن 2).

(6)

انظر: عقد الجواهر: 1/ 275.

(7)

في المطبوع من خليل: (ولغا عمرةٌ).

(8)

في (ن): (الحج).

(9)

قوله: (ومعنى "ألغى" أن الثاني لا ينعقد ولا يقضى) يقابله في (ن): (ومعني قوله كالثاني أنه إذا أحرم بحجتين أو عمرتين أن الثاني لا ينعقد ولا يقضي)

(10)

انظر: المدونة: 1/ 431.

(11)

في (ن 2): (بعمرة).

ص: 175

رسول الله صلى الله عليه وسلم، نقله سند وصاحب الذخيرة، وحكي عن مالك منع ذلك (1).

(المتن)

وَنُدِبَ إِفْرَادٌ، ثُمَّ قِرَانٌ بِأَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا وَقَدَّمَهَا، أَوْ يُردِفَهُ بِطَوَافِهَا؛ إِنْ صَحَّتْ وَكَمَّلَهُ، وَلا يَسْعَى، وَتَنْدَرِجُ، وَكُرِهَ قَبْلَ الرُّكُوعِ؛ لا بَعْدَهُ، وَصَحَّ بَعْدَ سَعْي، وَحَرُمَ الْحَلْقُ، وَأَهْدَى لِتَأْخِيرِهِ وَلَوْ فَعَلَهُ. ثُمَّ تَمَتعٌ بِأَنْ يَحُجَّ بَعْدَهَا وَإِنْ بِقِرَانٍ. وَشَرْطُ دَمِهِمَا عَدَمُ إِقَامَةٍ بِمَكَّةَ أَوْ ذِي طُوًى وَقْتَ فِعْلِهِمَا وَإِنْ بِانْقِطَاع بِهَا أَوْ خَرَجَ لِحَاجَةٍ، لا انْقَطَعَ بِغَيْرِهَا، أَوْ قَدِمَ بِهَا يَنْوِي الإِقَامَةَ. وَنُدِبَ لِذِي أَهْلَيْنِ، وَهَلْ إِلَّا أَنْ يُقِيمَ بِأحَدِهِمَا أَكْثَرَ فَيُعْتَبَرُ؟ تَأْوِيلانِ.

(الشرح)

قوله: (وَنُدِبَ إِفْرَادٌ) لأنه أفضل من القِران (2) والتمتع، قال في المدونة: وهو أحب إليَّ (3)، وهذا هو المشهور.

قوله: (ثُمَّ قِرَانٌ) يريد (4): أنه يلي الإفراد في الأفضلية ثم التمتع يليهما، وقال أشهب والقاضي عبد الوهاب (5) واللخمي: التمتع أفضل من القِران (6).

قوله: (بِأنْ يُحْرِمَ بِهِمَا وَقَدَّمَهَا) هو بيان لكيفية القِران؛ وهو أن يحرم بالحج والعمرة معًا؛ أي: ويقدم العمرة في نيته على الحج لارتدافه عليها دون العكس، فإن قدم الحج أجزأه عند الأبهري. الباجي: وذلك إذا نواهما (7) معًا (8).

قوله: (أَوْ يُرْدِفَهُ بِطَوَافِهَا) هو أيضًا نوع ثانٍ من أنواع القِران؛ وهو أن يحرم بالعمرة أولًا ثم يردف الحج على العمرة في طوافها، يريد أو قبله، وهو مذهب المدونة (9)، وظاهر كلام بعض الأشياخ أنه إذا شرع في الطواف يكره له الارتداف (10)، وعن ابن

(1) انظر: الذخيرة: 3/ 215، والتوضيح: 2/ 549.

(2)

قوله: (القران) ساقط من (ن)

(3)

انظر: المدونة: 1/ 394.

(4)

في (ن 2): (أي).

(5)

انظر: المعونة: 1/ 363.

(6)

انظر: التبصرة، للخمي، ص:1150.

(7)

في (ن): (قرنهما).

(8)

انظر: المنتقى: 3/ 360.

(9)

انظر: المدونة: 1/ 416 و 417.

(10)

في (ز) و (ن 2)(ن): (الإرداف).

ص: 176

القاسم جوازه وإن فرغ من الطواف (1)، وأما قوله:(إِنْ صَحَّتْ) فيشير به إلى أن الحج لا يردف (2) على العمرة الفاسدة، وهو المشهور ومذهب (3) المدونة (4)، وقال عبد الملك (5): يجوز ذلك ويصير قارنًا.

قوله: (وَكَمَّلَهُ، وَلا يَسْعَى) يريد: أنه إذا أردفه في الطواف على العمرة الصحيحة (6) فإنه يكمله ولا يسعى.

قوله: (وَتَنْدَرِجُ) أي: العمرة في الحج فلا يبقى لها فعل (7) ظاهر تختص (8) به، وفيه تنبيه على قول أبي حنيفة في (9) إيجابه على القارن طوافين وسعيين (10).

قوله: (وَكُرِهَ قَبْلَ الرُّكُوعِ لا بَعْدَهُ، وَصَحَّ بَعْدَ سَعْيٍ) أي: وكره الإرداف قبل الركوع؛ وأما بعده فلا إرداف، قال في المدونة: ومن أردف الحج قبل تمام طواف العمرة فليتمه ولا يسعى لها؛ لأنه قارن، وإن أردف بعد أن طاف وركع ولم يسعَ أو سعى بعض السعي كره له ذلك، فإن فعل فليمضِ على سعيه ثم يحل، وإن (11) أردف الحج بعد تمام سعيه قبل (12) أن يحلق لزمه ولم يكن قارنًا ويؤخر حلاق رأسه ولا يطوف ولا يسعى حتى يرجع من منى إلا أن يشاء أن يطوف تطوعًا، ولا يسعى ولا دم عليه للقران، وعليه دم لتأخير الحلاق في عمرته؛ لأنه لم يقدر على الحلاق (13)، وإلى هذا أشار بقوله:(وَحَرُمَ الحْلْقُ وَأَهْدَى لتأخيره). وأمَّا قوله: (وَلَوْ فَعَلَهُ) يريد أنه لا يسقط الهدي المترتب

(1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 368.

(2)

في (ن 2): (لا يرتدف).

(3)

في (ن 2): (وهذا مذهب).

(4)

انظر: المدونة: 1/ 458.

(5)

في (ز) و (س): (ابن عبد الحكم).

(6)

في (ن) و (ن (1) و (ن 2) و (ز): بـ (الفاسدة).

(7)

في (ن 2): (أثر فعل).

(8)

في (ن 2): (يختص).

(9)

قوله: (في) ساقط من (ن 2).

(10)

انظر: المعونة: 1/ 357.

(11)

في (ن 2): (فإن).

(12)

في (ن 2): (وقبل).

(13)

قوله: (في عمرته؛ لأنه لم يقدر على الحلاق) ساقط من (ن 2). وانظر: المدونة: 1/ 416.

ص: 177

عليه بسبب تأخير الحلاق إذا حلق (1) في حالة إحرامه بالحج (2)، وقيل: يسقط.

قوله: (ثُم تَمَتُّعٌ) يريد: أن التمتع يلي القران في الفضيلة (3)، وذهب أشهب والقاضي عبد الوهاب (4) واللخمي إلى أن التمتع أفضل من القران (5).

قوله: (بِأَنْ يَحُجَّ بَعْدَهَا) يريد أن صفة التمتع أن يحج بعد أن يحل من عمرته؛ أي: ويكون قد فرغ منها كلها في أشهر الحج، كما سنذكره في شروط (6) وجوب الدم.

قوله: (وَإِنْ بِقِرَانٍ) يريد أنه (7) إذا حل من عمرته ثم أحرم ثانيًا وإن بحج وعمرة فإنه يكون بذلك (8) متمتعًا، ولا خلاف فيه، وإنما اختلف (9) هل عليه وإن لتمتعه وقرانه، أو دم واحد.

قوله: (وَشَرْطُ دَمِهِما عَدَمُ إِقَامَةٍ بِمَكةَ أَوْ ذِي طُوًى وَقْتَ فِعْلِهِمَا) أي: وشرط وجوب (10) دم القران ودم التمتع أن لا يكون الآتي بذلك من حاضري المسجد الحرام، فإن كان حاضرًا سقط عنه فيهما، وهو الشهور في القران، خلافًا لعبد الملك (11) واللخمي (12)، ولا خلاف في سقوطه عن الحاضر في التمتع لقول الله (13) تعالى في وجوب الدم (14):{ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196]. قال في

(1) في (ن): (تعلق).

(2)

قوله: (بالحج) ساقط من (ن 2)(ن).

(3)

في (ن) و (ن 2): (الأفضلية).

(4)

انظر: المعونة: 1/ 363.

(5)

انظر: التبصرة، للخمي، ص:1150.

(6)

قوله: (شروط) ساقط من (ن 2).

(7)

قوله: (أنه) ساقط من (ن 2).

(8)

قوله: (بذلك) ساقط من (ن 2).

(9)

في (ن 2): (الخلاف).

(10)

قوله: (وجوب) ساقط من (س).

(11)

انظر: شرح الرسالة: 2/ 285.

(12)

قوله: (ابن الماجشون) زيادة من (ن) انظر: التبصرة، للخمي، ص:1156.

(13)

في (ن 2): (لقوله).

(14)

قوله: (في وجوب الدم) ساقط من (ن 2).

ص: 178

المدونة: وليس على أهل مكة القرية (1) بعينها وأهل ذي طوى إذا قرنوا أو تمتعوا دم قران ولا متعة (2).

ابن حبيب عن مالك وأصحابه: ومن (3) كان دون مسافة القصر من مكة حكمه حكم المكي (4)، وقيل: إن من دون المواقيت كالمكي ولا يضره (5) اللخمي.

قوله (6): (وقت (7) فعلهما) متعلق بعدم إقامة؛ أي: وشرط وجوب الدم عدم إقامة بمكة وقت فعل العمرة والحج (8)، ولهذا لو قدم آفاقي في أشهر الحج معتمرًا بنية الإقامة ثم حج من عامه ذلك لزمه الدم؛ لكونه متمتعًا إذ لم يكن وقت فعل العمرة مقيمًا، قال في المدونة: وقد يبدو له (9)؛ أي (10) في عدم الإقامة، وصوب اللخمي كونه غير متمتع (11) اعتبارًا بنيته (12).

قوله: (وَإِنْ بِانْقِطَاعٍ بِهَا أَوْ خَرَجَ لِحاجَةٍ) يريد أن المنقطع إلى مكة - كالمجاور بها - حكمه في سقوط الدم (13) كالمكي، وكذلك من كان من (14) أهلها وخرج لحاجة لتجارة (15) أو رباط ثم رجع (16) إليها فلا يخرج عن كونه من أهلها ويسقط عنه الدم إن

(1) في (ن) و (ن (1) و (ز) و (س): (القربة)، وقوله:(القربة) ساقط من (ن)

(2)

انظر: المدونة: 1/ 406.

(3)

في (ن 2): (من).

(4)

انظر: النوادر والزيادات: 2/ 366.

(5)

في (س) و (ن) و (ن 2): (ولم يعزه). وانظر: عقد الجواهر: 1/ 274، والذخيرة: 3/ 292.

(6)

قوله: (قوله) زيادة من (ن 2).

(7)

في (ن) و (ن (1) و (ز) و (س): (ووقت).

(8)

في (ن 2): (بالحج).

(9)

انظر: المدونة: 1/ 413.

(10)

قوله (أي) زيادة من (س).

(11)

قوله: (غير متمتع) يقابله في (ن 2): (متمتع).

(12)

انظر: التبصرة، للخمي، ص:1153.

(13)

قوله (سقوط الدم) يقابله في (ز): (سقوطه).

(14)

قوله: (من) ساقط من (ن 2).

(15)

في (ن 2): (كتجارة).

(16)

في (ن 2): (يرجع).

ص: 179

قرن أو تمتع، وكذا لو توطن غيرها ولم يرفض سكناها، أما لو انقطع إلى غيرها رافضًا سكناها وقدم في أشهر الحج معتمرًا بنية الإقامة ثم حج (1) من عامه فلا يسقط عنه الدم، وإليه أشار بقوله:(لا انْقَطَعَ (2) بِغَيْرِهَا، أَوْ قَدِمَ بِهَا يَنْوِي الإِقَامَةَ) والضمير المجرور بغير (3) عائد على مكة، وبالباء إلى أشهر الحج أو إلى العمرة (4)، وهي بمعنى في كما تقدم.

قوله: (وَنُدِبَ لِذِي أَهْلَيْنِ) أي: وندب الدم من له أهل بمكة وأهل بغيرها، وهو كقوله في المدونة: والأحوط له أن يهدي (5). يريد: لأنه قد تعارض عنده دليلان موجب ومسقط، وظاهره سواء تساوى سكناه فيهما أو تفاوت (6)، وعن أشهب أن العبرة بالذي يكثر به سكناه، فإن كان يسكن بمكة أكثر فلا يهدي وإلا فليهدِ (7)، واختلف هل هو تفسير وإليه ذهب اللخمي (8)، أو خلاف وإليه ذهب التونسي (9)؛ وإليه أشار بقوله:(وَهَلْ إِلا أَنْ يُقيمَ بِأَحَدِهِمَا أَكْثَرَ فَيُعْتَبرُ؟ تَأْوِيلانِ).

(المتن)

وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ، وَلِلْمُتَمَتِّعِ عَدَمُ عَوْدٍ لِبَلَدِهِ أَوْ مِثْلِهِ وَلَوْ بِالْحِجَازِ لا بأَقَلَّ، وَفِعْلُ بَعْضِ رُكْنِهَا فِي وَقْتِهِ. وَفِي شَرْطِ كَوْنِهِمَا عَنْ وَاحِدٍ تَرَدُّدٌ. وَدَمُ التَّمَتُّعِ يَجِبُ بِإِحْرَامِ الْحَجِّ، وَإجْزَاءٌ قَبْلَهُ، ثُمَّ الطَّوَافُ لَهُمَا سَبْعًا بِالطُّهْرَيْنِ، وَالسَّتْرِ. وَبَطَلَ بحَدَثٍ بِنَاءٌ، وَجَعَلِ الْبَيْتِ عَنْ يَسَارِهِ، وَخُرُوجِ كُلِّ الْبَدَنِ عَنِ الشَّاذَرْوَانِ، وَسِتَّةِ أَذْرُعٍ مِنَ الْحِجْرِ، وَنَصَبَ الْمُقَبِّل قَامَتَهُ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ وَوَلاءٌ، وَابْتَدَأَ إِنْ قَطَعَ لِجِنَازَةٍ أَوْ نَفَقَةٍ، أَوْ نَسِيَ بَعْضَهُ إِنْ فَرَغَ سَعْيُهُ، وَقَطَعَهُ لِلْفَرِيضَةِ.

(الشرح)

(1) في (ن 2): (يحج).

(2)

في (ن) و (ن 2): (إن انقطع).

(3)

في (ن 2): (بغيرها).

(4)

قوله: (أو إلى العمرة) زيادة من (س).

(5)

انظر: المدونة: 1/ 409.

(6)

في (ن) و (ن 2): (تقاربا).

(7)

قوله: (وإلا فليهدِ) ساقط من (س). وانظر: النوادر والزيادات: 2/ 365.

(8)

انظر: التبصرة، للخمي، ص:1153.

(9)

انظر: التوضيح: 2/ 545.

ص: 180

قوله: (وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ) هذا أيضًا من شروط الدم وهو أن يحج من عامه ذلك، واحترز به مما إذا كان الحج واقعًا في عام آخر فإنه لا دم عليه، ومثله ما إذا قرن (1) ففاته الحج فإنه يتحلل بعمرة ولا دم عليه.

قوله: (وَللْمُتَمَتِّعِ عَدَمُ عَوْدٍ (2) لِبَلَد أَوْ مِثْلِهِ) يريد أن الشرطين المذكورين يشترك فيهما التمتع والقران (3)، وأن التمتع يشترط في وجوب الدم فيه مع الشرطين السابقين شروط أخرى، منها أنه لا يعود إلى أفقه، وهو المراد ببلده أو مثل أفقه في البعد، فإذا عاد سقط عنه دم التمتع، قال في المدونة: ولا يكون متمتعًا إذا رجع إلى أفقه أو إلى (4) مثل أفقه وتباعد من مكة ثم حج (5)، وظاهره كان أفقه بالحجاز أم لا، وإليه أشار بقوله:(وَلَوْ بِالْحِجَازِ)، وفي الموازية: إن كان أفقه بالحجاز لم يسقط بعوده إليه (6). اللخمي: ولا أعلم له وجهًا، ونحوه لابن يونس (7).

قوله: (لا بِأَقَلَّ) أي: فإن رجع إلى دون أفقه في البعد فإنه لا يسقط عنه الدم، وهو المشهور خلافًا لابن كنانة، وقال المغيرة: يسقط بعوده إلى قدر مسافة القصر (8).

قوله: (وَفِعْلُ بَعْضِ رُكْنِهَا، في وَقْتِهِ) الضمير المؤنث عائد على العمرة والمذكر عائد (9) على الحج، وهو أيضًا من شروط الدم؛ وذلك بأن يفعل العمرة أو بعض أركانها في أشهر الحج، لأنه لو حل منها (10) قبل أشهر الحج لم يكن متمتعًا، قال في المدونة: ومن اعتمر (11) في رمضان فطاف وسعى بعض السعي ثم أهل شوال

(1) في (ن): (قارن)

(2)

في (ن 2): (عوده).

(3)

قوله: (التمتع والقران) يقابله في (ن 2): (المتمتع والقارن).

(4)

قوله: (إلى) زيادة من (ن 2).

(5)

انظر: المدونة: 1/ 409.

(6)

انظر: النوادر والزيادات: 2/ 366.

(7)

انظر: التوضيح: 2/ 547، الجامع، لابن يونس، ص: 1526 و 1527.

(8)

قوله: (يسقط بعوده إلى قدر مسافة القصر) يقابله في (ن): (يسقط عنه بقدر عودة إلي مسافه القصر). وانظر: المنتقى: 3/ 397.

(9)

قوله: (عائد) زيادة من (ن)

(10)

قوله: (منها) ساقط من (ن) و (ن 2).

(11)

في (ن 2): (أحرم).

ص: 181

فأتم (1) سعيه فيه ثم حج من عامه كان متمتعًا (2)، وهذا معنى قوله:(وَفِعْلُ (3) بَعْضِ رُكْنِهَا فِي وَقْتِهِ) واحترز به (4) مما إذا فرغ من سعيها قبل دخول وقت الحج ولم يبق عليه إلا الحلاق فإنه غير متمتع ولا دم عليه، وقاله في المدونة (5).

قوله: (وَفي شَرْطِ كَوْنِهِما عَنْ وَاحِدٍ ترَدُّدٌ) يريد أنه اختلف هل من شرط (6) وجوب دم التمتع أن يكون الحج والعمرة وقعا (7) عن واحد إما عن نفسه أو عن (8) غيره بطريق النيابة، أو لا يشترط ذلك وأنهما لو وقعا عن شخصين كان فيهما الدم أيضًا؟ شهر ابن الحاجب الأول (9)، وحكى ابن شاس (10) القولين ولم يذكر قائلهما ولم يشهر شيئًا، وذكر في الموازية الثاني (11) ونحوه في المدونة (12).

قوله: (وَدَمُ التَّمَتُّع يَجِبُ بِإِحْرَامِ الْحَجِّ، وَإِجْزَاءٌ (13) قَبْلَهُ) (14) يريد أن وجوب دم التمتع يتعلق بإحرام الحج لا قبله، وأنه إذا (15) أخرجه قبل الإحرام بالحج أجزأه، وهو قول ابن القاسم خلافًا لأشهب وعبد الملك (16).

(1) في (ن) و (ن 2): (فتم).

(2)

انظر: المدونة: 1/ 418.

(3)

قوله: (وَفِعْلُ) زيادة من (ن 2).

(4)

في (ن 2): (بقوله ذلك).

(5)

انظر: المدونة: 1/ 418.

(6)

في (ن) و (ن 2): (شروط).

(7)

في (ن) و (ن 2): (واقعًا).

(8)

قوله (عن) ساقط من (س).

(9)

انظر: الجامع بين الأمهات، ص 265.

(10)

انظر: عقد الجواهر: 1/ 274.

(11)

انظر: النوادر والزيادات: 2/ 367.

(12)

انظر: المدونة: 1/ 486.

(13)

في (ز) و (ن 2) والمطبوع من مختصر خليل: (وأجزأ).

(14)

في حاشية (ز): (أي التقليل والإشعار لا نحره كما يوهمه كلام الشارح هنا).

(15)

في (ن) و (ن 2): (إن).

(16)

انظر: النوادر والزيادات: 2/ 461.

ص: 182

قوله: (ثُمَّ الطَّوَافُ لَهُما سَبْعًا بِالطُّهْرَيْنِ) أي: للحج والعمرة، والطهران: طهر (1) الحدث والخبث، وهو معطوف على قوله:(وركنهما الإحرام) أي: وكذلك الطواف ركن لهما، و (سبعًا) يصح أن يكون حالًا من الطواف.

قوله: (وَالسَّتْرِ) أي: وستر العورة، وإنما كان ذلك أيضًا (2) شرطًا في الطواف؛ لأنه عندنا (3) كالصلاة، ولهذا كره مالك له (4) أن يحسر عن منكبيه فيه وأن يغطي فمه (5) وأن تنتقب (6) المرأة (7).

قوله: (وَبَطَلَ بِحَدَثٍ بِنَاءٌ) فاعل (بطل) في كلامه هو قوله: (بناء)، أي: وبطل البناء في الطواف إذا حصل فيه حدث لفقدان شرطه وهو الطهارة، وهو قول ابن القاسم، وروى ابن حبيب عن مالك أنه يتوضأ ويبني، وكذلك إذا أحدث في السعي (8).

قوله: (وَجَعْلِ الْبَيْتِ عَنْ يَسَارِهِ) هذا من واجبات الطواف؛ وهو أن يجعل البيت عن يساره، قال في المدونة: ومن طاف بالبيت منكوسًا لم يجزئه (9)، والمراد بذلك أن يطوف والبيت عن يمينه.

أشهب: وهو كمن لم يطف، رجع إلى بلده أم لا.

قوله: (وَخُرُوجِ كُلِّ الْبَدَنِ عَنِ الشَّاذِرْوَانِ) هو أيضًا من واجبات الطواف، وهو وما قبله معطوفان على المجرور وهو قوله:(بالطهرين)، ومعنى ذلك: أنه يجب عليه أن يطوف وجميع بدنه خارج عن شاذروان البيت، وهو البناء المحدودب الذي في جدران البيت وأسقط من أساسه ولم يرفع على استقامته (10).

(1) قوله: (طهر) ساقط من (ز) و (س) و (ن 2).

(2)

قوله: (أيضا) زيادة من (ن).

(3)

في (ن): (عندة).

(4)

قوله (له) ساقط من (ز).

(5)

في (س): (أنفه).

(6)

في (ن 2): (تتنقب).

(7)

انظر: النوادر والزيادات: 2/ 375، والتوضيح: 2/ 562.

(8)

انظر: النوادر والزيادات: 2/ 379 و 380.

(9)

انظر: المدونة: 1/ 425.

(10)

في (ن 2): (استقامة).

ص: 183

قوله: (وَسِتَّةِ أَذْرُعٍ مِنَ الْحِجْرِ) أي: وخروج بدنه عن ستة أذرع من الحجر؛ وذلك لأن القدر الذي من البيت منه مقدار ستة أذرع.

قوله: (وَنَصَبَ الْمُقَبِّلُ قَامَتَهُ) هكذا أشار إليه بعض الأشياخ فقال: إذا قَبَّل الحجر فليثبت رجليه ثم يعود منتصبًا كما كان، ولا يجوز أن يقبله ثم يمشي وهو مطأطئ الرأس؛ لئلا يوقع بعض الطواف وليس جميع بدنه خارجًا عن البيت.

قوله: (دَاخِلَ الْمَسْجِدِ) هذا (1) حال من قوله: (ثم الطواف)، والعامل فيه محذوف، والتقدير: ثم الطواف يقع داخل المسجد، فلو أوقعه خارج المسجد لم يجزئه. ابن رشد: بلا خلاف.

قوله: (وَوَلاءٌ) هو معطوف على المجرور؛ أي: ومما يجب في الطواف الموالاة فإن فرقه بطل، ولهذا قال:(وَابْتَدَأَ إِنْ قَطَعَ لِجنَازَةٍ أَوْ نَفَقَةٍ)، هذا كقوله في المدونة: ومن طاف بعض طوافه ثم خرج ليصلي على جَنازة أو خرج لنفقة نسيها فليبتدئ الطواف ولا يبني (2).

اللخمي: وقال أشهب: يبني إذا خرج لصلاة الجنازة، قال: وعلى قوله: يبني إذا خرج لنفقة نسيها (3).

قوله: (أَوْ نَسِيَ بَعْضَهُ إِنْ فَرَغَ سَعْيُهُ) يريد إن طال أمره بعد السعي أو انتقض وضوؤه، وأما إذا ذكر بإثر ذلك فإنه يبني، ولهذا قال في المدونة: ومن طاف في أول دخوله مكة ستة أشواط ونسي الشوط السابع وصلى الركعتين وسعى، فإن كان قريبًا طاف شوطًا واحدًا وسعى، وإن طال أو انتقض وضوؤه أو ذكر ذلك في طريقه أو بلده (4) رجع فابتدأ الطواف من أوله وركع وسعى (5).

قوله: (وَقَطَعَهُ لِلْفَرِيضَةِ) هو كقوله في المدونة: ولا يخرج من طوافه لشيء إلا لصلاة الفريضة (6)، لكن ظاهر كلامه هنا أن قطعه لها واجب.

(1) قوله: (هذا) ساقط من (ن)

(2)

انظر: المدونة: 1/ 426.

(3)

انظر: التبصرة، للخمى:1189.

(4)

في (ن 2): (ببلده).

(5)

انظر: المدونة: 1/ 425.

(6)

انظر: المدونة: 1/ 426.

ص: 184

ابن عبد السلام: وهو ظاهر نصوصهم (1)، وظاهر كلام غيره (2) أنه مخير في القطع وعدمه، والمدونة محتملة لذلك (3).

(المتن)

وَنُدِبَ كَمَالُ الشَّوْطِ، وَبَنَى إِنْ رَعَفَ، أَوْ عَلِمَ بِنَجَسٍ، وَأَعَادَ رَكْعَتَيهِ بِالْقُرْبِ، وَعَلَى الأَقَلِّ إِنْ شَكَّ، وَجَازَ بسَقَائِفَ لِزَحْمَةٍ، وَلَّا أَعَادَ، وَلَمْ يَرْجِعْ لَهُ، وَلا دَمَ، وَوَجَبَ كَالسَّعْي قَبْلَ عَرَفَةَ إِنْ أَحْرَمَ مِنَ الْحِلِّ وَلَمْ يُرَاهِقْ، وَلَم يُردِفْ بِحَرَمٍ، وَإِلَّا سَعَى بَعْدَ الإِفَاضَةِ، وَإِلَّا فَدَمٌ إِنْ قَدَّمَ وَلَمْ يُعِدْ، ثُمَّ السَّعْى سَبْعًا بَينَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، مِنْهُ الْبَدْءُ مَرَّة وَالْعَوْدُ أُخْرَى وَصِحَّتُهُ بِتَقَدُّمِ طَوَافٍ وَنَوَى فَرْضِيَّتَهُ، وَإِلَّا فَدَمٌ. وَرَجَعَ إِنْ لَمْ يَصِحَّ طَوَافُ عُمْرَةٍ حِرْمًا، وَافْتَدَى لِحَلْقِهِ، وإنْ أَحْرَمَ بَعْدَ سَعْيِهِ بِحَجٍّ؛ فَقَارِنٌ، كَطَوَافِ الْقُدُومِ إِنْ سَعَى بَعْدَهُ، وَاقْتَصَرَ، وَالإِفَاضَةُ إِلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ بَعْدَهُ، وَلا دَمَ حِلًّا إِلَّا مِنْ نِسَاءٍ وَصَيْدٍ، وَكُرِهَ الطِّيبُ وَاعْتَمَرَ، وَالأَكثَرُ إِنْ وَطِئَ.

(الشرح)

قوله: (وَنُدِبَ كَمَالُ الشوْطِ) هو كقول صاحب الذخيرة، والمستحب أن يخرج على كمال شوط (4) من (5) الحجر، فإن خرج من غيره فقال ابن حبيب: يدخل من موضع خرج (6).

قوله: (وَبَنَى إِنْ رَعَفَ) أي: أن الراعف إذا غسل الدم ثم عاد فإنه يبني على ما فعل من طوافه، وحكاه في النوادر عن ابن حبيب (7).

قوله: (أَوْ عَلِمَ بِنَجَسٍ) أي: وكذلك إذا طاف وفي ثوبه أو بدنه نجاسة ثم علم بها (8) فإنه ينزعها ويبني، فإن لم يعلم بها حتى فرغ من طوافه لم يُعِد، وقاله في المدونة قال فيها:

(1) انظر: التوضيح: 2/ 572.

(2)

في (ن 2): (كلامه).

(3)

قوله: (لذلك) زيادة من (ن 2).

(4)

في (ن 2): (الشوط).

(5)

في (ز) و (ن 2): (عند).

(6)

انظر: الذخيرة: 3/ 239.

(7)

انظر: النوادر والزيادات: 2/ 379 و 380.

(8)

في (ن 2): (به).

ص: 185

كمن صلى بذلك ثم ذكر بعد الوقت (1).

ابن المواز: وإن صلى بذلك الركعتين أعادهما بالقرب إن لم ينتقض وضوؤه، فإن انتقض وطال فلا شيء عليه كزوال (2) الوقت (3)، وهو قول ابن القاسم، وإليه أشار بقوله:(وَأَعَادَ رَكْعَتَيْهِ بِالْقُرْبِ)، وقال أصبغ: سلامه منهما كخروج الوقت (4).

ابن يونس: وهو القياس؛ إذ لا وقت معلوم لذلك. وإنما وقته حين يفعله كوقت الصلاة المنسية ففراغه منها ذهاب (5) وقتها، والاستحسان أن يعيد بالقرب ما لم ينتقض وضوؤه (6).

قوله: (وَعَلَى الأقَلِّ إِنْ شَكَّ) هكذا نص عليه مالك (7)، ومعناه أن من شك مثلًا هل طاف أربعة أشواط أو خمسة فإنه يبني على الأقل وهو الأربعة ويلغي المشكوك، كمن شك أصلى ثلاثًا (8) أم أربعًا، ومثل هذا ما إذا شك هل أكمل طوافه أو بقي عليه منه (9) شيء فإنه يعمل على المحقق عنده ويلغي المشكوك فيه.

قوله: (وَجَازَ بِسَقَائِفَ لِزَحْمَةٍ، وَإِلا أَعَادَ) هو كقوله في المدونة: ومن طاف من (10) وراء زمزم أو في سقائف المسجد لزحام الناس فلا بأس به، وإن طاف في سقائفه لغير زحام لحر (11) ونحوه أعاد الطواف (12).

ابن يونس: وقال أشهب: لا يجزئ من طاف في السقائف وهو كمن طاف خارج

(1) انظر: المدونة: 1/ 427.

(2)

في (ن): (لزوال).

(3)

انظر: النوادر والزيادات: 2/ 380.

(4)

انظر: النوادر والزيادات: 2/ 380.

(5)

في (ن 2): (كذهاب).

(6)

انظر: الجامع. لابن يونس، ص:1563.

(7)

قوله: (هكذا نص عليه مالك) يقابله في (ن 2): (هذا نص مالك).

(8)

في (س) و (ن 2): (ثلاث ركعات).

(9)

قوله: (منه) زيادة من (س).

(10)

قوله: (من) ساقط من (س).

(11)

قوله: (لحر) ساقط من (ن 2).

(12)

انظر: المدونة: 1/ 427.

ص: 186

المسجد. سحنون: ولا يمكن (1) أن ينتهي الزحام في المسجد (2) إلى السقائف.

قوله: (وَلَمْ يَرْجعْ لَهُ) أي: فإن طاف في السقائف - يريد: لغير زحام - لم يرجع له من بلده. ابن يونس: وحكي ذلك عن الشيخ أبي محمد. ثم (3) قال (4): وقال ابن شبلون: يرجع، وهو كمن لم يطف (5).

الباجي: وقول ابن أبي زيد أقيس، ولا دم عليه، وإليه أشار بقوله:(وَلا دَمَ).

قوله: (وَوَجَبَ كَالسَّعْي قَبْلَ عَرَفَةَ إِنْ أَحْرَمَ مِنَ الْحِلِّ) يريد أن طواف القدوم واجب كوجوب السعي قبلَ عرفة على من أحرم من الحل ولم يكن قد رهقه الوقت؛ أي: أتى في آخره بمقدار لا يسع ذلك، وما ذكره من وجوب طواف القدوم هذا المشهور، وقال أشهب: هو غير واجب (6)، وجعله اللخمي سنة (7)، وقيل: هو ركن كطواف الإفاضة، واحترز بقوله:(أحرم من الحل)، مما إذا أحرم من مكة فإنه لا يجب عليه طواف قدوم ولا سعي قبل عرفة، واحترز بقوله:(وَلَمْ يُرَاهِقْ) مما إذا جاء (8) مراهقًا فإنه يخرج لمعرفة ويترك طواف القدوم ويؤخر السعي للإفاضة ولا دم عليه، وقاله في المدونة (9).

قوله: (وَلَمْ يُرْدِفْ بِحَرَمٍ) لأنه إذا أردف الحج على العمرة فيه (10) فإن طواف القدوم ساقط عنه حينئذٍ (11).

قوله: (وَإِلا سَعَى بَعْدَ الإِفَاضَةِ) أي: وإن أحرم من الحرم أو أردف فيه (12) أو قدم

(1) قوله: (ولا يمكن) ساقط من (ن 2).

(2)

قوله: (في المسجد) زيادة من (ن 2).

(3)

قوله: (ثم) زيادة من (ن 2).

(4)

قوله: (قال) ساقط من (س).

(5)

انظر: الجامع، لابن يونس، ص:1565.

(6)

انظر: الجامع بين الأمهات، ص 257.

(7)

انظر: التبصرة، للخمي، ص:1185.

(8)

في (ن 2): (دخل).

(9)

انظر: المدونة: 1/ 404.

(10)

قوله: (فيه) ساقط من (ن 2).

(11)

قوله: (حينئذٍ) ساقط من (ن 2). وقوله: (قوله: "وَلَمْ يُرْدِفْ

حينئذٍ) ساقط من (ن).

(12)

قوله: (فيه) ساقط من (س).

ص: 187

مراهقًا أخر سعيه حتى يوقعه بعد طواف الإفاضة، فلو قدَّم السعي قبل عرفة ثم لم يعده حتى رجع إلى بلده أجزأه وعليه دم، وقاله في المدونة (1)، وإليه أشار بقوله:(وَإِلا فَدَمٌ إِنْ قَدَّمَ وَلَمْ يُعِدْ) أي: قدم السعي ولم يعده حتى رجع إلى بلده، وكلامه يوهم أن المراهق كذلك وليس بظاهر، لأنه إذا قدَّم السعي قبل عرفة ولم يعده فلا شيء عليه، لأنه أتى بما هو الأصل في حقه، لأنه إنما رخص له في التأخير لما يخاف من فوات الوقوف، فإذا فعل ذلك فلا مانع من الإجزاء، وقد نص غير واحد على ذلك، ولعل قوله:(إن قدم) فيه إيماء لذلك، إذ مثل هذا لا يقال قدم بل أوقعه في محله الذي خوطب به في الأصل.

قوله: (ثُمَّ السَّعْيُ سَبْعًا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوةِ) هذا معطوف على قوله: (ثم الطواف)، وهما معطوفان على قوله:(وركنهما الإحرام)، يريد أن من جملة أركان الحج والعمرة السعي بين الصفا والمروة سبعة أشواط؛ لأنه عليه الصلاة والسلام فعله، وقال:"خذوا عني مناسككم"(2)، وقال أيضًا (3):"اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي"(4).

قوله: (مِنْهُ الْبَدْءُ مرة (5)) أي: من الصفا ابتداء (6) السعي، لقوله عليه الصلاة والسلام وقد فعل ذلك:"نبدأ بما بدأ الله به"(7)، فلو بدأ بالمروة ألغاه.

(1) انظر: المدونة: 1/ 404 و 405.

(2)

سبق تخريجه.

(3)

قوله: (أيضا) ساقط من (ن)

(4)

أخرجه الشافعي في مسنده: 1/ 372، برقم: 1722، وأحمد: 6/ 421، برقم: 27407، والطبراني في الكبير: 11/ 841، برقم: 11461، والحاكم: 4/ 79، في باب ذكر حبيبة بنت أبي تجراة رضي الله عنها، من كتاب معرفة الصحابة رضي الله تعالى عنهم، برقم: 6943، وسكت عنه، وتعقبه الذهبي بقوله: لم يصح، وابن خزيمة: 4/ 232، في باب ذكر البيان أن السعي بين الصفا والمروة واجب

، كتاب المناسك، برقم:2764. وروي من حديث ابن عباس، ومن حديث حبيبة بنت أبي تجراة، ومن حديث تملك العبدرية، ومن حديث صفية بنت شيبة ومعظم هذه الطرق لا تخلو من كلام. انظر تفصيل ذلك في نصب الراية: 3/ 55 وما بعدها.

(5)

قوله: (مرة) زيادة من (ن 2).

(6)

في (ن 2): (يبتدئ).

(7)

أخرجه مسلم: 2/ 886، في باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم، من كتاب الحج، برقم: 1218، بلفظ:"أبدأ بما بدأ الله به"، ومالك: 1/ 372، في باب البدء بالصفا في السعي، من كتاب الحج، برقم: 829، وأبو داود: 1/ 585، في باب صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم، من كتاب المناسك، برقم: 1905، والترمذي: =

ص: 188

قوله: (مَرَّةً وَالْعَوْدُ أُخْرَى) أي: يبدأ منه أول مرة ويعود إليه من (1) المروة أخرى فيحصل الختم بالمروة، فإذا سعى سبعة أشواط يكون قد وقف على الصفا أربع وقفات وعلى المروة كذلك.

قوله: (وَصِحَّتُهُ بِتَقَدُّمِ (2) طَوَافٍ، وَنَوَى فَرْضِيَّتَهُ) أي: أنه يشترط في صحة السعي أن يتقدم بين يديه طوافٌ فإن وقع من غيره لم يجزئه، واختلف هل من شرط ذلك الطواف أن يكون واجبًا؟ قال ابن عبد السلام: وإليه يرجع مذهب المدونة، وهو المنصوص في المذهب أولًا (3)، وهو ظاهر كلامه هنا، وهو أيضًا ظاهر المدونة لقوله: وإذا لم ينوِ بطوافه تطوعًا ولا فرضًا لم يجزئه سعيه إلا بعد طواف ينوي فرضيته، ثم قال: فإن رجع إلى بلده (4) وتباعد وجامع النساء أجزأه وعليه دم (5). والدم في هذا خفيف فتخفيفه الدم يقتضي عدم (6) شرطيته، وإلى ترتب (7) الدم أشار بقوله:(وَإِلا فَدَمٌ) أي: وإن لم ينوِ فرضية الطواف فعليه دم. يريد: إذا رجع إلى بلده وتباعد وجامع النساء، كما قال في المدونة.

قوله: (وَرَجَعَ إنْ لَمْ يَصِحَّ طَوَافُ عُمْرَةٍ مُحْرِمًا (8) وَافْتَدَى لِحَلْقِهِ) يريد به (9) ما قال في المدونة: ومن طاف لعمرته على غير وضوء فذكر بعد أن حل منها بمكة أو ببلده فليرجع حرامًا (10) كما كان، وهو كمن لم يطف فيطوف بالبيت ويسعى وإن كان قد

= 3/ 216، في باب أنه يبدأ بالصفا قبل المروة، من كتاب الصوم، برقم: 862، والنسائي: 5/ 239، في باب ذكر الصفا والمروة، من كتاب مناسك الحج، برقم: 2970، وابن ماجه: 2/ 1022، في باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم، من كتاب المناسك، برقم:3074.

(1)

قوله: (إليه من) يقابله في (ن 2): (منه إلى).

(2)

(في (س): (بقدم)، وفي المطبوع من مختصر خليل:(بتقديم).

(3)

انظر: التوضيح: 3/ 3.

(4)

في (ن): (سفره).

(5)

انظر: المدونة: 1/ 425.

(6)

قوله: (عدم) ساقط من (ن 2).

(7)

في (ز): (ترتيب).

(8)

في (ن) و (ن 2): (حرامًا).

(9)

قوله (به) ساقط من (س).

(10)

في (ن 2): (محرمًا).

ص: 189

حلق بعد طوافه افتدى (1).

قوله: (وَإِنْ أَحْرَمَ بَعْدَ سَعْيِهِ بِحَجٍّ فَقَارِنٌ (2)) يريد: لأنه أيصح طوافه للعمرة (3)، ومن شرط (4) صحة السعي أيضًا أن يعقب طوافًا صحيحًا وإلا (5) فسعيه أيضًا غير صحيح، فإذا أردف الحج حينئذٍ صار قارنًا إذ كأنه أردف (6) قبل طواف العمرة، وعليه دم القِران.

قوله: (كَطَوَافِ الْقُدُومِ إِنْ سَعَى بَعْدَهُ وَاقْتَصَرَ) أي: وكذلك حكم طواف القدوم إذا بطل وقد سعى بعده مقتصرًا؛ أي: لم يعده بعد طواف الإفاضه (7) فإنه يرجع للسعي، وهو جارٍ على المشهور من اشتراط الطهارة في الطواف، وأما على قول المغيرة فيهدي ولا شيء عليه (8)، وكذا عنده في الإفاضة وغيرها.

قوله: (وَالإِفَاضَةِ إِلا أَنْ يَتَطَوَّعَ بَعْدَهُ) أي: وكذلك يرجع لطواف الإفاضة من بلده إذا بطل، بأن يكون طافه (9) على غير وضوء أو نسيه أو بعضه، قال في المدونة: إلا أن يكون قد طاف بعده تطوعًا فيجزئه عن (10) طواف الإفاضة (11).

ابن يونس: يريد: ولا دم عليه (12)، ولهذا قال هنا:(وَلا دَمَ) وما ذكره من أن (13) التطوع يجزئ عن الواجب في الحج هو المشهور؛ خلافًا لابن عبد الحكم.

(1) انظر: المدونة: 1/ 423.

(2)

في (ن 2): (فقران).

(3)

قوله: (طوافه للعمرة) يقابله في (ن 2): (طواف العمرة).

(4)

في (ن 2): (شر وط).

(5)

قوله: (وإلا) زيادة من (ن 2).

(6)

في (ن 2): (أردفه).

(7)

قوله: (الإفاضه) زيادة من (ن)

(8)

انظر: عقد الجواهر: 1/ 277.

(9)

في (ن 2): (طوافه).

(10)

في (ز): (من).

(11)

انظر: المدونة: 1/ 425.

(12)

انظر: الجامع، لابن يونس، ص:1574.

(13)

قوله (أن) ساقط من (س).

ص: 190

قوله: (حِلًّا (1) إِلا مِنْ نِسَاءٍ وَصَيْدٍ، وَكُرِهَ الطيبُ) هو منصوب على الحال، وصاحبها محذوف دل عليه السياق، والعامل فيها (رجع)، والمعنى: ورجع الذي فسد طواف قدومه أو إفاضته حلًّا (2) إلا من النساء (3) إلى آخره، وهو كقوله في المدونة: فليرجع لابسًا للثياب حلًّا (4) إلا من النساء والصيد والطيب (5).

قوله: (وَاعْتَمَرَ) أي (6): إذا رجع إلى مكة فلا يدخلها إلا بعمرة، وقاله في المدونة (7) إلا أنه فيها مقيد بما إذا أصاب النساء: وأكثر الأشياخ: لا عمرة (8) عليه إلا مع الوطء كما أشار إليه بقوله: (وَالأَكْثَرُ إِنْ وَطِئَ) وقيل: يعتمر مطلقًا. ابن الحاجب: وجل الناس لا عمرة عليه (9).

(المتن)

وَللْحَجّ حُضُورُ جُزْءِ عَرَفَةَ سَاعَةً لَيلَةَ النَّحْرِ، وَلَوْ مَرَّ إِنْ نَوَاهُ، أَوْ بِإِغْمَاءٍ قَبْلَ الزَّوَالِ، أَوْ أَخْطَأَ الْجَمُّ بِعَاشِرٍ فَقَطْ لا الْجَاهِلُ، كَبَطْنِ عُرَنَةَ، وَأَجْزَأَ بِمَسْجِدِهَا بِكُرْهٍ، وَصَلَّى وَلَوْ فَاتَ. وَالسُّنَّةُ غُسْلٌ مُتَّصِلٌ وَلا دَمَ، وَنُدِبَ بِالْمَدِينَةِ لِلْحُلَيْفِيّ، وَلدُخُولِ غَيْرِ حَائِضٍ مَكةَ بِطُوًى، وَللْوُقُوفِ وَلُبْسُ إِزَارٍ وَرِدَاءٍ وَنَعْلَينِ، وَتَقْلِيدُ هَدْي، ثُمَّ إِشْعَارُهُ، ثُمَّ رَكْعَتَانِ، وَالْفَرْضُ مُجْزئ: يُحْرِمُ إِذَا اسْتَوَى، وَالْمَاشِي إِذَا مَشَى، وَتَلْبِيَةٌ وَجُدِّدَتْ لِتَغَيُّرِ حَالٍ، وَخَلْفَ صلَاةٍ، وَهَلْ لِمَكَّةَ أَوْ لِلطَوَافِ؟ خِلافٌ.

(الشرح)

قوله: (وَللْحَج حُضُورُ جُزْءِ عَرَفَةَ سَاعَةً لَيْلَةَ النَّحْرِ) يريد أن الحج يشترك مع العمرة فيما تقدم من الأركان الثلاثة التي هي الإحرام والطواف والسعي، ويختص عنها بركن واحد وهو حضور جزء من عرفة في جزء من ليلة النحر ولو مرورًا (10) بها إن نوى

(1) قوله: (حِلًّا) ساقط من (ن 2).

(2)

قوله: (حلا) ساقط من (ز)، وفي (ن 2):(حلالًا).

(3)

في (ن 2): (نساء).

(4)

في (ن 2): (حلالًا).

(5)

انظر: المدونة: 1/ 424.

(6)

قوله (أي) ساقط من (ز).

(7)

انظر: المدونة: 1/ 424.

(8)

قوله: (لا عمرة) زيادة من (س).

(9)

انظر: الجامع بين الأمهات: 268.

(10)

في (ن): (مر)

ص: 191

الوقوف، فقوله (1):(جزء عرفة) إشارة إلى قوله عليه الصلاة والسلام: "عرفة كلها موقف، وارتفعوا عن بطن عرنة"(2).

ابن الجلاب: ولا فضيلة لموضع منها على غيره (3). وقال ابن حبيب: يقف عند الهضبات وسفح الجبل وحيث يقف الإمام افضل (4). وأشار بقوله: (سَاعَةً لَيْلَةَ النَّحْرِ) إلى أن الوقوف الركني أدناه (5) حضور في جزء من الليل بعرفة؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: "من أدرك عرفة قبل الفجر فقد أدرك الحج، ومن فاته الوقوف بليل فقد فاته الحج"(6)، وفي المدونة: إن تعمد ترك الوقوف حتى دفع الإمام أجزأه إن وقف ليلًا وقد أساء وعليه هدي (7).

(1) في (ن 2): (قوله).

(2)

ضعيف، أخرجه مالك بلاغًا: 1/ 388، في باب الوقوف بعرفة والمزدلفة، من كتاب الحج، برقم: 869، وأحمد: 4/ 82، برقم: 16797، والحاكم: 1/ 633، برقم: 1697، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، والطبراني في الكبير: 2/ 138، برقم: 1583، والبيهقي: 5/ 115، في باب حيثما وقف من عرفة أجزأه، من كتاب الحج، برقم:9242. قال ابن الملقن: "واعترض النووي على الحاكم في تصحيحه وأنه على شرط مسلم؛ فقال: ليس كما قال، فليس هو على شرط مسلم، ولا إسناده صحيح، وروي الحديث من طرق لا يخلو معظمها من كلام. انظر تفصيل ذلك في البدر المنير: 6/ 234، وما بعدها.

وشطره الأول عند مسلم: 6/ 247، في باب ما جاء أن عرفة كلها موقف، من كتاب الحج، برقم:2138.

(3)

انظر: التفريع: 1/ 227.

(4)

انظر: النوادر والزيادات: 2/ 392.

(5)

في (س): (الركن أدنى)، وقوله:(أدناه) ساقط من (ن).

(6)

صحيح، أخرجه أبو داود: 5/ 306، في باب من لم يدرك عرفة، من كتاب المناسك، برقم: 1664، والترمذي: 10/ 235، في باب ومن سورة البقرة، من كتاب تفسير القرآن عن رسول الله، برقم: 2901، والنسائي: 10/ 28، في باب فرض الوقوف بعرفة، من كتاب مناسك الحج، برقم: 2966، وابن ماجه: 9/ 114، في باب من أتى عرفة قبل الفجر ليلة جمع، من كتاب المناسك، برقم: 3006، والبيهقي: 5/ 173، في باب إدراك الحج بإدراك عرفة

، من كتاب الحج، برقم: 9594 بلفظ: "من أفاض من عرفات قبل الصبح فقد تم حجه ومن فاته فقد فاته الحج"، والباقون دون لفظ:"ومن فاته الوقوف بليل فقد فاته الحج". وصححه ابن الملقن، انظر: البدر المنير: 6/ 230.

(7)

انظر: المدونة: 1/ 431.

ص: 192

وقال سحنون: لا يهدي (1)، ولو وقف نهارًا ثم دفع قبل الغروب ولم يرجع ليقف جزءأ من الليل إلى أن طلع (2) الفجر من ليلة النحر، فقد فاته الحج ويحج قابلًا ويهدي وإن رجع فوقف قبل الفجر أجزأه ولا هدي عليه، وقاله في المدونة (3)، وقال أصبغ: أحب إليَّ أن يهدي (4).

قوله: (وَلَوْ مَرَّ إِنْ نَوَاهُ) إشارة إلى أن من مر بعرفة ليلة النحر يجزنه ذلك ولو لم يلبث فيها (5). يريد: إذا عرف أنها عرفة ونوى الوقوف بها (6).

قوله (7): (أوْ بِإِغْماءٍ قَبْلَ الزَّوَالِ) يريد: أن من أغمي عليه قبل الزوال فوُقِف به بعرفات أجزأه، وهو المشهور؛ لأن الإغماء إذا طرأ على الإحرام لا يضر باتفاق، وقد دخلت نية الوقوف في نية الإحرام، ولذلك (8) يجزئ النائم، وعن عبد الملك ومطرف: أن من أغمي عليه قبل الزوال واتصل به إلى طلوع الفجر لا يجزئه ذلك (9). ونبه بقوله: (قبل الزوال) على أن الإغماء لو كان بعد الزوال أجزأه من باب الأولى.

قوله: (أو أخْطَأَ الْجَمُّ بِعَاشِرٍ فَقَطْ) المراد بالجم الجماعة الكثيرون، وفسر ذلك بعضهم هنا بجماعة أهل الموسم، ومعناه أن أهل عرفة إذا أخطؤوا كلهم فوقفوا يوم النحر وهو العاشر من ذي الحجة فإنه يجزئهم، وأشار بقوله (فقط) إلى أنهم لو وقفوا (10) الثامن لا يجزئهم، وهو المعروف في المسألتين، وقيل: يجزئ فيهما، وقيل: لا يجزئ فيهما (11).

(1) في (ن 2): (لا هدي).

(2)

في (ن) و (ن 2): (يطلع).

(3)

انظر: المدونة: 1/ 432.

(4)

انظر: النوادر والزيادات: 2/ 395.

(5)

قوله: (ولو لم يلبث فيها) يقابله في (ز): (ولم يثبت بها).

(6)

قوله (بها) ساقط من (ز).

(7)

قوله: (قوله) ساقط من (س).

(8)

في (ن): (كذلك)

(9)

انظر: النوادر والزيادات: 2/ 397.

(10)

في (ن): (دفعوا).

(11)

قوله: (لا يجزئ فيهما): ساقط من (ن 2).

ص: 193

قوله: (لا الجْاهِلُ كَبَطْنِ عُرَنَةَ) أي: فلا يجزئ الجاهل بعرفة كوقوفه ببطن عرنة، وإنما لم يجزئ الجاهل؛ لأنه لا بد له من علمه بعرفة ليستشعر القربة، وهو قول محمد لعدم النية، وعن مالك قول بالإجزاء بناء على عدم اشتراط العلم بعرفة (1)، وإنما لم يجزئ الوقوف ببطن عرنة لقوله عليه السلام:"عرفة كلها موقف وارتفعوا عن بطن عرنة (2) "(3)، ولأن (4) عرنة في الحرم فلا يجزئ الوقوف فيه، وحكى ابن المنذر عن مالك أن الوقوف ببطن عرنة يجزئ مع الدم. وفي الجلاب: يكره ذلك ومن وقف به أجزأه، قال (5): وبطن عرنة هو المسجد الذي يصلي فيه الإمام (6)، وإليه أشار بقوله:(وَأَجْزَأَ بِمَسْجِدِهَا بِكُرْهٍ) أي: وأجزأ الوقوف بمسجد عرنة مع كراهة، وعن مالك: لم يصب من وقف بمسجد عرنة، قيل له: فإن فعل حتى دفع من عرفة، قال: لا أدري، وقال أصبغ: لا حج له، ورآه من بطن عرنة (7). محمد: ويقال إن حائطه القبلي على حد عرفة ولو سقط لسقط فيها (8).

اللخمي: وعلى هذا يجزئ الوقوف به (9) لأنه من الحل، وكذا عند ابن مزين (10) أنه يجزئ الوقوف فيه (11).

قوله: (وَصَلَّى وَلَوْ فَاتَ) يشير به إلى أن (12) من قرب من عرفة قرب الفجر فذكر صلاة إن صلاها طلع الفجر وفاته الوقوف، وإن مضى إلى عرفات (13) فاتته الصلاة،

(1) قوله: (بعرفة) ساقط من (ز).

(2)

قوله: (عرفة كلها موقف وارتفعوا عن بطن عرنة) ساقط من (ن).

(3)

سبق تخريجه.

(4)

قوله: (بطن) زيادة من (ن 2).

(5)

قوله: (قال: ) زيادة من (س).

(6)

انظر: التفريع: 1/ 226 و 227.

(7)

انظر: النوادر والزيادات: 2/ 394.

(8)

انظر: المنتقى: 30/ 4.

(9)

انظر: التوضيح: 3/ 15.

(10)

في (ن): (ابن بزيزه).

(11)

انظر: التبصرة، للخمي، ص:1208.

(12)

قوله: (أن) ساقط من (س).

(13)

في (ز) و (ن): (عرفة).

ص: 194

المشهور ما قاله أنه يصلي ولو فاته الوقوف. وقال محمد: هذا إن كان بعيدًا من جبال عرفة وإن كان قريبًا وقف بها وصلى، وعن محمد بن عبد الحكم إن كان من أهل مكة وما حولها بدأ بالصلاة، وإن كان من أهل الآفاق مضى إلى عرفة ووقف بها ثم صلى (1)، وقال عبد الحميد (2): يصلي إيماءً كالْمُسايِف (3).

قوله: (وَالسُّنَّةُ غُسْلْ مُتَّصِلٌ) أي: السنة في الإحرام غسل متصل به، وإنما حذفه لدلالة ما تقدم عليه، قال في المدونة: ومن أراد الإحرام من رجل أو امرأة فليغتسل سواء (4) كانت المرأة حائضًا أو نفساء، ولم يوسع مالك في ترك الغسل إلا من ضرورة (5)، وإنما طلب فيه الاتصال؛ لأنه للنظافة، فينبغي فيه الاتصال لتظهر معقوليته.

قوله: (وَلا دَمَ) أي: في تركه (6)؛ يريد (7) سواء تركه عمدًا أو نسيانًا، ورواه محمد عن مالك، سحنون: وقد أساء (8).

قوله: (وَنُدِبَ بِالْمَدِينَةِ لِلْحُلَيْفِيٍّ (9)) يريد: أن من كان ميقاته من ذي الحليفة كأهل المدينة فإنه يستحب له أن يغتسل بالمدينة، وهو ظاهر المدونة (10).

عياض: ثم (11) يسير من فوره، وبه فسر سحنون وعبد الملك المدونة (12).

قوله: (وَلدُخُولِ غَيْرِ حَائِضٍ مَكةَ بِطُوًى، وَللْوُقُوفِ) يريد: أن اغتسالات الحج

(1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 396.

(2)

قوله: (عبد الحميد) يقابله في (ز): (ابن عبد الحكم).

(3)

انظر: التوضيح: 3/ 17.

(4)

قوله: (سواء) ساقط من (س).

(5)

انظر: المدونة: 1/ 394.

(6)

قوله: (أي: في تركه) ساقط من (س).

(7)

قوله: (يريد) زيادة من (ن) و (س).

(8)

انظر: النوادر والزيادات: 2/ 324.

(9)

قوله: (لِلْحُلَيْفِيِّ) ساقط من (ز).

(10)

في (س) و (ن): (المذهب). وانظر: المدونة: 1/ 394.

(11)

قوله: (ثم) ساقط من (ز).

(12)

انظر: التوضيح: 2/ 552.

ص: 195

ثلاثة؛ واحد للإحرام كما تقدم، والثاني لدخول مكة، والثالث للوقوف بعرفة وذلك مسنون لكل من عقد الإحرام على نفسه إلا الحائض فإنها لا تغتسل لدخول مكة؛ إذ لا يصح منها الطواف كما أشار إليه، ومثلها النفساء. قوله:(بِطُوًى) أي: ليكون غسله بدخول (1) مكة متصلًا، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك، ومن لم يأتِ (2) على ذي طوى اغتسل بمقدار (3) ما بينهما، وطوى هذه أحد أرباض (4) مكة، يقال بضم الطاء وكسرها وفتحها.

قوله: (وَلُبْسُ إِزَارٍ وَرِدَاءٍ وَنَعْلَيْنِ) هذه هي السُّنَّة الثانية من سنن الإحرام وهو أن يتجرد من (5) مخيط الثياب ويلبس إزارا ورداء ونعلين. يريد: أن النعل (6) الرجل.

قوله: (وَتَقْلِيدُ هَدْيٍ، ثُمَّ إِشْعَارُهُ، ثُمَّ رَكْعَتَانِ) يريد أن من أراد أن يحرم ومعه هدي تطوع فإن السنة في حقه أن يقلده ثم يشعره إن كان مما (7) يشعر، ثم يصلي ركعتين عقيبه ثم يحرم ليقع الإحرام عقيب الركعتين كما قاله في المدونة، زاد فيها: وكل ذلك واسع (8)؛ أي: الترتيب الذي ذكره وهو تقديم التقليد ثم الإشعار ثم ركعتين (9). وقال ابن رشد: الصواب أن يقدم التقليد على الإشعار (10)، ولهذا قال هنا:(ثم إشعاره)، وكذلك (11) في المبسوط لمالك تقديم الركعتين على التقليد والإشعار، وقد (12) نبه بقوله:(ثم ركعتان) على أن المستحب أن يكون الإحرام إثر نافلة ليكون له صلاة تخصه

(1) في (ز) و (ز 2) و (ن) و (ن (1) و (ن 2): (لدخول).

(2)

زاد في (س): (به).

(3)

في (ن): (من مقدار).

(4)

قوله: (أحد أرباض) يقابله في (ز): (أجدار بأرض).

(5)

في (س): (عن).

(6)

قوله: (أن النعل) زيادة من (ن)

(7)

في (س): (ممن).

(8)

انظر: المدونة: 1/ 422.

(9)

قوله: (ثم ركعتين) زيادة من (ن)

(10)

انظر: البيان والتحصيل: 3/ 427.

(11)

قوله: (وكذلك) ساقط من (ن)

(12)

قوله: (وقد) زيادة من (س).

ص: 196

فلو أحرم عقيب فرض أجزأه، وإليه أشار بقوله:(وَالْفَرْضُ مُجْزِئ) أي: عن النافلة، وقيل: لا ترجيح للنافلة على الفريضة، وهذه هي السنة الثالثة.

قوله: (يُحْرِمُ إِذَا اسْتَوَى، وَالْمَاشِي إِذَا مَشَى) يشير إلى (1) أن الراكب لا يحرم حتى يستوي على ظهر دابته، فإذا استوى عليها أحرم ولا يتوقف على مسير دابته على المشهور، خلافًا لابن حبيب، وأن الماشي لا يحرم حتى يأخذ في المشي (2) متوجهًا للذهاب، وقاله في المدونة (3)، والفرق أن الراكب لا يركب في الغالب إلا للمسير والماشي يسعى في حوائجه، فشروعه في الذهاب كاستواء الآخر على الدابة.

قوله: (وَتَلْبِيةٌ) هذه هي السنة الرابعة من سنن الإحرام وهي التلبية، وهكذا روي عنه عليه الصلاة والسلام.

والسنة الخامسة أن يجدد التلبية عند كل صعود وهبوط وحدوث حادث، وخلف الصلوات، وملاقاة الأصحاب وإذا سمع ملبيًا، وإلى هذا أشار بقوله:(وَجُدِّدَتْ لِتَغَيُّرِ حَالٍ، وَخَلْفَ صَلاةٍ) هكذا قال ابن شاس (4) أن التجديد سنة على حالها (5)، لكن ظاهر كلامه أنه من تمام السنة الرابعة.

قوله: (وَهَلْ لِمَكَّةَ أَوْ لِلطَّوَافِ؟ خِلافٌ) أي: أنه اختلف في أي موضع يكف عن التلبية، ففي المدونة: لا يقطعها (6) حتى يبتدئ الطواف (7). وفي الرسالة: يقطع إذا دخل مكة (8)، وشهره ابن بشير (9)، ولهذا قال:(خلاف).

(1) قوله: (إلى) ساقط من (ز).

(2)

في (س) و (ن) و (ن 2): (المضي).

(3)

انظر: المدونة: 1/ 423.

(4)

انظر: عقد الجواهر: 1/ 276.

(5)

في (س): (حيالها).

(6)

قوله: (لا) ساقط من (ن) و (ن 2).

(7)

انظر: المدونة: 1/ 397.

(8)

انظر: الرسالة: 1/ 73.

(9)

انظر: التوضيح: 2/ 556.

ص: 197

(المتن)

وَإِنْ تُرِكَتْ أَوَّلَهُ فَدَمٌ إِنْ طَالَ، وَتَوَسُّطٌ فِي عُلُوِّ صَوْتِهِ. وَفِيهَا، وَعَاوَدَهَا بَعْدَ سَعْيٍ وَإِنْ بِالْمَسْجِدِ لِرَوَاحِ مُصَلَّى عَرَفَةَ، وَمُحْرِمُ مَكَّةَ يُلَبِّي بِالْمَسْجِدِ، وَمُعْتَمِرُ الْمِيقَاتِ، وَفَائِتِ الْحَجِّ لِلْحَرَمِ، وَمِنَ الْجِعِرَّانَةِ وَالتَّنْعِيمِ لِلْبُيُوتِ، وَلِلطَّوَافِ الْمَشْي، وَإِلَّا فَدَمٌ لِقَادِرٍ لَمْ يُعِدْهُ. وَتَقْبِيلُ حَجَرٍ بِفَمٍ أَوَّلَهُ، وَفِي الصَّوْتِ قَوْلانِ. وَلِلزَّحْمَةِ يَمَسُّ بِيَدٍ، ثُمُّ عُودٍ وَوَضعهما عَلَى فِيهِ، ثُمَّ كَبَّرَ وَالدُّعَاءُ بلا حَدٍّ، وَرَمَلُ رَجُلٍ فِي الثَّلاثَةِ الأُؤلِ، وَلَوْ مَرِيضًا وَصَبِيًّا حُمِلَا، وَلِلزَّحْمَةِ الطَّاقَةُ، وَلِلسَّعْيِ تَقْبِيلُ الْحَجَرِ الأَسْوَدِ، وَرُقِيُّهُ عَلَيْهِمَا، كَامْرَأَةٍ إِنْ خَلا، وَإِسْرَاعٌ بَيْنَ الأَخْضَرَيْنِ فَوْقَ الرَّمَلِ، وَدُعَاءٌ.

(الشرح)

قوله: (وَإِنْ تُرِكَتْ أَولَهُ فَدَمٌ إِنْ طَالَ) هو كقول ابن القاسم في المدونة: وإن توجه من فناء المسجد ناسيًا للتلبية كان بنيته محرمًا، فإن ذكر بقرب لبَّى ولا شيء عليه، وإن تطاول ذلك أو نسيه حتى فرغ من حجه فليهرق دمًا (1).

قوله: (وَتَوَسُّطٌ فِي عُلُوِّ صَوْتهِ) يريد أن المحرم إذا لبَّى يتوسط في صوته؛ أي: بين بين (2) فلا يرفعه ارتفاعًا عليا (3) يعقر به غالبًا (4) خلقه ولا يخفيه جدًّا بحيث لا يسمعه من هو قريب منه أو من يليه، وهذا في حق الرجل، وأما المرأة فالسُّنة في حقها أن تسمع نفسها فقط.

قوله: (وَفِيهَا) أي: في التلبية، والمعنى أنه يتوسط أيضًا فيها فلا يكثر منها؛ لئلا يؤدي إلى الضجر وعقر (5) الحلق، ولا يسكت حتى تفوته الشعيرة، ولكن تارة وتارة، ونحوه في المدونة.

قوله: (وَعَاوَدَهَا بَعْدَ سَعْي) لما ذكر الخلاف في قطعها هل هو بدخول مكة أو بدخوله في الطواف؛ أشار إلى ذلك مُغَيًّا بغاية وهو فراغه من السعي، فإذا فرغ منه

(1) انظر: المدونة: 1/ 395.

(2)

قوله: (أي: بيّن) ساقط من (س).

(3)

قوله: (عليا) زيادة من (ن)

(4)

قوله: (به غالبًا) ساقط من (س).

(5)

قوله: (عقر) يقابله في (ن): (عند)

ص: 198

عاودها على نحو ما تقدم.

قوله: (وَإِنْ بِالْمَسْجِدِ) يريد مسجد مكة ومثله مسجد منى؛ لقول مالك: لا ترفع الأصوات بالتلبية في شيء من المساجد إلا في المسجد الحرام ومسجد منى (1)، لأنها مواضع الحج بخلاف غيرها (2).

قوله: (لِرَوَاحِ مُصَلَّى عَرَفَةَ) أي: فإذا عاودها بعد السعي فلا يزال كذلك إلى رواح مصلى عرفة.

ابن القاسم: وذلك إذا زالت الشمس وراح يريد الصلاة، وكان مالك يقول: يقطع إذا راح إلى الموقف، وعنه أيضًا إذا زالت الشمس ثم رجع وثبت (3) على القول الأول (4)، وحكى في الذخيرة قولًا أنه يلبي حتى يفرغ من الوقوف (5).

قوله: (وَمُحْرِمُ مَكةَ يُلَبِّي بِالْمَسْجِدِ) يريد: أن محرم مكة (6) سواء كان من أهلها أو من غيرهم يلبي في المسجد الحرام أيضًا.

قوله: (وَمُعْتَمِرُ الْمِيقَاتِ وَفَائِتُ الْحَجِّ لِلْحَرَمِ وَمنَ الجعْرَانَةِ وَالتَّنْعِيمِ لِلْبُيُوتِ) أي: بيوت مكة، ومراده أن من أحرم بعمرة أو أحرم بحج ففاته بحصر أو مرض أو عدو أو خروج وقت فتحلل منه بعمرة، فإن أحرم من المواقيت قطع التلبية أوائل الحرم لبعد المسافة، وإن أحرم من الجعرانة أو التنعيم قطع إذا دخل بيوت مكة لقرب المسافة، ونحوه في المدونة (7).

قوله: (وَللطوَافِ الْمَشْيُ) أي: والسُّنة في الطواف المشي، وإنما حذفه اعتمادًا على فهم المعنى مما سبق، وذكر أن سننه أربع هذه أولاها، وسيأتي بقيتها من كلامه.

قوله: (وَإِلا فَدَمٌ لِقَادِرِ لَمْ يُعِدْهُ) أي: وإن لم يمشِ بل ركب فالدم لقادر؛ أي: على

(1) قوله: (لقول مالك: لا ترفع الأصوات بالتلبية

ومسجد منى) ساقط من (ن).

(2)

انظر: الموطأ 1/ 334، برقم:737.

(3)

في (ز): (فبقيت).

(4)

انظر: المدونة: 1/ 397.

(5)

انظر: الذخيرة: 3/ 233.

(6)

قوله: (محرم مكة) يقابله في (س): (المحرم من مكة).

(7)

انظر: المدونة: 1/ 397.

ص: 199

قادر، واحترز بقوله:(لم يعده) مما إذا أعاده فإنه يسقط عنه الدم.

قوله: (وَتَقْبِيلُ حَجَرٍ بِفَمٍ أَوَّلَهُ) هذه هي السُّنة الثانية وهي تقبيل الحجر الأسود، وقد فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه، والضمير في (أوله) عائد على الطواف، وهو كذلك في المدونة وقال فيها: في أول كل شوط بعد ذلك إن شاء استلم وإن شاء ترك (1).

قوله: (وَفي الصَّوْتِ قَوْلانِ) قال ابن وضاح: يضع فاه عليه بغير صوت، وقال أبو عمران: إن هذا ضيق؛ أي: لا فرق بين الصوت وغيره (2).

قوله: (وَللزَّحْمَةِ يَمَسُّ بِيَدٍ، ثُم عُودٍ وَوَضعهما عَلَى فِيهِ، ثم كَبَّرَ) أي: وإن لم يقدر على تقبيل الحجر للزحمة مسَّه بيده، فإن لم يقدر فبعود أو نحوه، ولا يستلمه بيده مع القدرة على تقبيله ولا بعود مع القدرة على (3) استلامه بيده، فإن لم يستطع شيئًا من ذلك كبر ومضى، وهو معنى قوله:(ثم كبر) أي: وكبر ومضى على طوافه عند عدم القدرة على استلامه بشيء مما ذكرنا، وهل إذا استلم بيده أو بعود يقبلهما وهو مذهب الموازية، أم لا وهو مذهب المدونة (4)؛ وإليه أشار بقوله:(وَوَضعهما عَلَى فِيهِ) يريد من غير تقبيل.

قوله: (وَالدُّعَاءُ) هذه هي السُّنة الثالثة.

قوله: (بِلا حَدٍّ) هو كقول ابن شاس: ليس بمحدود (5). يريد: خلافًا لابن حبيب.

قوله: (وَرَمَلُ رَجُلٍ فِي الثَّلاثَةِ الأُوَلِ) هي السُّنة الرا بعة وقد ورد ذلك عنه عليه السلام وأمر به أصحابه، واحترز بقوله:(رجل) من المرأة؛ إذ لم يشرع ذلك في حقِّ النساء.

قوله: (وَلَوْ مَرِيضًا، وَصَبِيًّا حُمِلا) قال في الجواهر: وإذا طيف بالمريض الذي لا يقدر على الطواف بنفسه أو بالصبي، فالمنصوص في المريض أنه يُرْمُل به، وفي الصبي قولان أجراهما اللخمي في المريض (6). ومذهب المدونة أنه يُرْمُل بالصبيِّ (7)، وهو قول أصبغ

(1) انظر: المدونة: 1/ 419.

(2)

انظر: التوضيح: 2/ 581.

(3)

قوله: (القدرة على) ساقط من (ز).

(4)

انظر: المدونة: 1/ 396 و 397.

(5)

انظر: عقد الجواهر: 1/ 279.

(6)

انظر: عقد الجواهر: 1/ 279، التبصرة، للخمي، ص: 1183، 1184.

(7)

انظر: المدونة: 1/ 437.

ص: 200

خلافًا لابن القاسم (1).

قوله: (وَللزَّحْمَةِ الطَّاقَةُ) يريد أنَّ الطائف إذا لم يستطع أن يَرْمُل فعل وسعه من ذلك، قال في المدونة: وإن زوحم في الرمل ولم يجد مسلكًا (2) رمل بقدر طاقته (3).

قوله: (وَللسَّعْي تَقْبِيلُ الحْجَرِ الأَسْوَدِ (4)) أي: والسُّنة تقبيل الحجر الأسود (5). يريد: إذا فرغ من الطواف وركعتيه وخرج ذاهبًا إلى السعي استلمه عند خروجه.

قوله: (وَرُقِيُّهُ عَلَيْهِما) السُّنة الثانية للسعي أن يرقئ على الصفا والمروة بحيث يرى الكعبة منه، وقاله في المدونة وزاد: ولا يعجبني أن يدعو عليهما قاعدًا إلا من علة (6).

قوله: (كامْرأَةٍ إن خَلا) قال في المدونة: وتقف النساء أسفلهما وليس عليهن أن يصعدن إلا أن يخلو فيصعدن أفضل لهنَّ (7).

قوله: (وَإِسْرَاعٌ بَيْنَ الأَخْضَرَيْنِ فَوْقَ الرَّمَلِ (8)) وهذه هي السُّنة الثالثة، وفي الإسراع بين الميلين الأخضرين (9) يريد: الرجال دون النساء.

أبو إسحاق: ويسعى بينهما سعيًا هو أشد من الرمل حول البيت (10).

قوله: (وَدُعَاءٌ) وهي السُّنة الرابعة، قال في المدونة: ولم يَحد مالك في الدعاء على الصفا والمروة حدًّا ولا لطول القيام وقتًا، واستحب المكث عليهما في الدعاء (11).

(المتن)

وَفِي سُنِّيَّةِ رَكْعَتَي الطَّوَافِ أَوْ وُجُوبِهِمَا تَرَدُّدٌ، وَنُدِبَا كَالإِحْرَامِ: بِالْكَافِرُونَ وَالإِخْلاصِ، وَبِالْمَقَامِ، وَدُعَاءٌ بِالْمُلْتَزَمِ وَاسْتِلامُ الْحَجَرِ الْيَمَانِي بَعْدَ الأَوَّلِ،

(1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 376.

(2)

في (ز): (نسك (1).

(3)

انظر: المدونة: 1/ 418.

(4)

قوله: (الأَسْوَدِ) ساقط من (ز).

(5)

قوله: (أي: والسنة تقبيل الحجر الأسود) ساقط من (س).

(6)

انظر: المدونة: 1/ 420.

(7)

انظر: المدونة: 1/ 420.

(8)

قوله: (فَوْقَ الرَّمَلِ) ساقط من (س).

(9)

قوله: ("فَوْقَ الرَّمَلِ، وهذه هي السنة الثالثة

الأخضرين) ساقط من (س).

(10)

انظر: عقد الجواهر: 1/ 280.

(11)

انظر: المدونة: 1/ 420.

ص: 201

وَاقْتِصَارٌ عَلَى تَلْبِيَةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، وَدُخُولُ مَكَّةَ نَهَارًا، وَالْبَيْتِ، وَمِنْ كَدَاءٍ لِمَدَنِي، وَالْمَسْجِدِ مِنْ بَابِ بَنِي شَيبَةَ، وَخُرُوجُهُ مِنْ كُدًى، وَرُكُوعُهُ لِلطَّوَافِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ قَبْلَ تَنَفُّلِهِ وَبِالْمَسْجِدِ، وَرَمَلُ مُحْرِمٍ مِنْ كَالتَّنْعِيمِ، أَوْ بِالإِفَاضَةِ لِمُرَاهِقٍ، لا تَطَوُّع وَوَدَاعٍ. وَكَثْرَةُ شُرْبِ مَاءِ زَمْزَمَ، وَنَقْلُهُ.

(الشرح)

قوله: (وَفي سُنِّيَّةِ رَكْعَتَي الطوَافِ (1) أَوْ وُجُوبِهِما ترَدُّدٌ) ذهب الباجي إلى وجوبهما على الإطلاق (2)، وذهب عبد الوهاب إلى سُنيتهما (3)، وإليهما أشار بما ذكر، وذهب الأبهري وابن رشد (4) إلى أن حكمهما حكم الطواف في الوجوب والندب (5).

قوله: (وَنُدِبَا كَالإِحْرَام بِـ "الْكَافِرُونَ" (6) وَ"الإِخْلاصِ" أي: وندب أن يقرأ في ركعتي الطواف والإحرام بـ {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، هكذا نقل عن ابن حبيب (7).

قوله: (وَبِالْمَقَامِ) هو معطوف على قواسه: (وندبا) أي: وكذلك يستحب إيقاع ركعتي الطواف في المقام.

ابن عبد البر: وإن لم يمكنه فحيث تيسو من المسجد ما خلا الحجر (8). وزاد غيره: والبيت وظهره.

قوله: (وَدُعَاءٌ بِالْمُلْتَزَمِ) أي: ومما يندب أيضًا الدعاء بالملتزم؛ وهو ما بين الركن والباب.

قوله: (وَاسْتِلامُ الْحجَرِ وَالْيَمَانيِّ بَعْدَ الأَوَّلِ) أي: ومما يندب أيضًا استلام الحجر الأسود والركن اليماني في أول كل شوط بعد الشوط الأول. يريد: لأن استلامهما في (9)

(1) قوله: (رَكْعَتَيْنِ لِلطَّوَافِ) يقابله في (ز): (الطواف ركعتين).

(2)

انظر: المنتقى: 3/ 501.

(3)

انظر: المعونة: 1/ 371.

(4)

في (ز): (الباجي).

(5)

انظر: المقدمات الممهدات: 1/ 69، والذخيرة: 3/ 242.

(6)

في (س): (الكافرين).

(7)

انظر: النوادر والزيادات: 2/ 379.

(8)

انظر: الكافي: 1/ 367.

(9)

قوله: (في) ساقط من (س).

ص: 202

أول الشوط الأول من سُنن الطواف كما تقدَّم.

قوله: (وَاقْتِصَار عَلَى تَلْبِيَةِ الرَّسُولِ) يريد أن الاقتصار على تلبية الرسول صلى الله عليه وسلم مندوب، وهي "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك"(1).

مالك: والاقتصار على ذلك أفضل، وعنه كراهة الزيادة (2).

قوله: (وَدُخُولُ مَكَّةَ نَهَارًا) أي: ومما يندب دخول مكة نهارًا، هكذا قال في المدونة (3).

سند: ويستحب له أن يدخل البيت؛ لفعله عليس الصلاة والسلام، وإليه أشار بقوله:(وَالْبَيْتِ) أي: ومما يندب أيضًا دخول البيت.

قوله: (وَمِنْ كِدَاءٍ لِمَدَنِيٍّ): ويستحب دخول مكة من أتى من طريق المدينة، (من كداء) الثنية التي بأعلى مكة، وقاله في المدونة (4)، وإنما قلنا:"من (5) أتى من طريق المدينة"؛ إذ ليس المراد أن ذلك مقصور على من هو من أهل المدينة كما يتوهم من لفظه، وانظر هذا مع قول ابن الفاكهاني في شرح الرسالة: المشهور والمعروف استحباب الدخول من كداء كما قال المصنف، وإن لم تكن طريق الداخل (6) إلى مكة فليعرج عليها، وقيل: إنما دخل منها عليه السلام لأنها على طريقه، فلا يستحب من ليست على طريقه، قال: ولا أعلم هذا الخلاف في مذهبنا.

قوله: (وَالْمَسْجِدِ مِنْ بَاب بَنِي شَيْبَةَ) أي: ويستحب دخول المسجد منه.

ابن حبيب: وقد دخل عليه السلام منه وخرج إلى المدينة من باب بني سهم.

قوله: (وَخُرُوجُهُ مِنْ كُدَى) أي: الثنية التي بأسفل مكة. ابن الفاكهاني: والمعروف

(1) متفق عليه، أخرجه البخاري: 5/ 445، في باب التلبية، من كتاب الحج، برقم: 1448، ومسلم: 6/ 121، في باب التلبية وصفتها ووقتها، من كتاب الحج، برقم: 2029، ومالك: 1/ 331، في باب العمل في الإهلال، من كتاب الحج، برقم:730.

(2)

انظر: الكافي: 15/ 128.

(3)

انظر: المدونة، دار صادر: 2/ 363.

(4)

انظر: المدونة: 1/ 433.

(5)

قوله: (من) ساقط من (ز).

(6)

في (س): الدخول.

ص: 203

فيها الضم والقصر، وأما التي بأعلى مكة فبالفتح والمد منونًا (1).

قوله: (وَرُكُوعُهُ لِلطَّوَافِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ قَبْلَ تَنَفُّلِهِ) يريد: أنه يستحب من طاف قبل الغروب وصلى المغرب قبل ركعتي الطواف أنه (2) يبدأ بركعتي الطواف قبل أن يتنفل، وروي ذلك عن مالك (3).

قوله: (وَبِالْمَسْجِدِ) أي: ومما يستحب أيضًا إيقاع ركعتي الطواف في المسجد الحرام، نصَّ عليه الباجي (4).

قوله: (وَرَمَلُ مُحْرِمٍ مِنْ كَالتَّنْعِيمِ أَو بِالإِفَاضَةِ لِمُرَاهَقٍ) يريد: أن المحرم من التنعيم أو الجعرانة أو الطائف للإفاضة إذا كان مراهقًا يستحب له الرمل، وهو مذهب المدونة (5)، وقال ابن كنانة وابن نافع: حكمه في ذلك حكم من طاف طواف القدوم (6).

قوله: (لا تَطَوُّعٍ وَوَدَاعٍ) أي: فلا يرمل فيهما.

قوله: (وَكَثْرَةُ شرْبِ مَاءِ زَمْزَمَ وَنَقْلُهُ) هكذا حكي في الذخيرة وغيرها عن ابن حبيب قال: يستحب الإكثار من شرب ماء رْمزم والوضوء منه (7). ويستحب نقله من مكة إلى غيرها من بلاد المسلمين.

(المتن)

وَلِلسَّعْي شُرُوطُ الصَّلاةِ، وَخُطْبَةٌ بَعْدَ ظُهْرِ السَّابعِ بِمَكَّةَ وَاحِدَةٌ، يُخْبِرُ فِيهَا بِالْمَنَاسِكِ، وَخُرُوجُهُ لِمِنًى قَدْرَ مَا يُدْرِكُ بِهِ الظُّهْرَ، وَبَيَاتُهُ بِهَا، وَسَيْرُهُ لِعَرَفَةَ بَعْدَ الطُّلُوعِ، وَنُزُولُهُ بِنَمِرَةَ، وَخُطْبَتَانِ بَعْدَ الزَّوَالِ، ثُمَّ أُذِّنَ وَجَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرَيْنِ إِثْرَ الزَّوَالِ، وَدُعَاءٌ وَتَضَرُّعٌ لِلْغُرُوبِ، وَوُقُوفُهُ بِوُضُوءٍ، وَرُكُوبُهُ بِهِ، ثُمَّ قِيَامٌ إِلَّا لِتَعَبٍ، وَصَلاتُهُ بِمُزْدَلِفَةَ الْعِشَاءَيْنِ وَبَيَاتُهُ بِهَا. وَإِنْ لَمْ يَنْزِلْ فَالدَّمُ وَجَمَعَ وَقَصَرَ،

(الشرح)

قوله: (وَلِلسَّعْيِ شُرُوطُ الصَّلاةِ) أي: ويستحب للسعي شروط الصلاة من

(1) انظر: التوضيح، لخليل: 2/ 559.

(2)

في (س): (أي).

(3)

انظر: الكافي: 1/ 414.

(4)

انظر: المنتقى: 3/ 508.

(5)

انظر: المدونة: 1/ 492.

(6)

انظر: التوضيح: 2/ 583.

(7)

انظر: الذخيرة: 3/ 245.

ص: 204

الطهارتين (1) وستر العورة، وأمَّا استقبال القبلة فغير ممكن، وقد استحب مالك من انتقض وضوؤه أن يتوضأ ويبني، فإن لم يتوضأ فلا شيء عليه (2)، وجعل في الذخيرة (3) الطهارة سُنة فيه.

قوله: (وَخُطْبَةٌ بَعْدَ ظُهْرِ السَّابعِ بِمَكَّةَ) أي: وخطب (4) للحج، واتفق على أنها ثلاث؛ الأولى منها (5) خطبة السابع من ذي الحجة بمكة بعد صلاة الظهر (6) يخطب للناس ويرشدهم فيها إلى مناسكهم وهو ما يصنعون في خروجهم إلى منى وصلاتهم بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء ومبيتهم ليلة عرفة وصلاتهم الصبح صبيحتها بمنى وغدوهم إلى عرفة إذا طلعت الشمس، ويحرضهم على النزول بنمرة.

قوله: (بَعْدَ ظُهْرِ السَّابعِ بِمَكَّةَ) هو المشهور، وقال محمد: قبل الزوال (7).

قوله: (وَاحِدَةٌ) إشارة إلى أنَّ الإمام لا يجلس في وسطها وهو المشهور، وعن مطرف وابن الماجشون: أنه (8) يجلس في وسطها (9).

قوله: (يُخْبِرُ بِالْمَنَاسِكِ، وَخُرُوجُهُ لِمِنى قَدْرَ مَا يُدْرِكُ بِهَا الظُّهْرَ، وَبَيَاتُهُ بِهَا، وَسَيْرُهُ لِعَرَفَةَ بَعْدَ الطُّلُوعِ، وَنُزُولُهُ بِنَمِرَةَ) قد تقدم بيان ذلك، و (خروجه) يحتمل أن يكون مرفوعًا عطفًا على فاعل (ندب) أي: وندب خروجه، وكذلك (بياته) و (سيره) و (نزوله بنمرة)(10)، ويحتمل أن يكون مجرورًا عطفًا على قوله:(يخبر)، بالمناسك (11) أي يخبر فيها بكذا وكذا وبخروجه بكذا وكذا (12) أو ما بعده، والأول أظهر.

(1) في (ن): (الطهارة).

(2)

انظر: النوادر والزيادات: 1/ 375 و 376.

(3)

انظر: الذخيرة: 3/ 252.

(4)

في (ز): (ويخطب).

(5)

قوله: (الأولى منها) زيادة من (س).

(6)

قوله: (بعد صلاة الظهر) ساقط من (س) و (ن).

(7)

انظر: النوادر والزيادات: 2/ 503.

(8)

قوله: (أنه) زيادة من (س).

(9)

انظر: النوادر والزيادات: 2/ 504.

(10)

قوله: (قد تقدم بيان ذلك، و"خروجه" يحتمل أن يكون

ونزوله بنمرة، ) ساقط من (ن).

(11)

قوله: (بالمناسك) ساقط من (ن 2).

(12)

قوله: (بالمناسك أي يخبر فيها بكذا وكذا وبخروجه بكذا وكذا) زيادة من (ن).

ص: 205

قوله: (وَخُطْبَتَانِ بَعْدَ الزَّوَالِ) أي: في يوم عرفة، وإنما قال:(خطبتان) لأنه يجلس في وسطها بلا خلاف، ويعلم الناس فيها صلاتهم بعرفة ووقوفهم ودفعهم ومبيتهم بالمزدلفة وصلاتهم بها ووقوفهم (1) بالمشعر الحرام والدفع منه ورمي جمرة العقبة والحلق والتقصير والنحر وطواف الإفاضة، والمشهور أنها بعد الزوال، وقيل: تجزئ إن وقعت قبله والصلاة بعده، وأما الخطبة الثالثة وهي التي تقع بمنى يوم الحادي عشر بعد صلاه الظهر (2) فالمشهور أنه لا يجلس فيها خلافًا لمطرف وابن الماجشون، ويعلم الناس فيها (3) حكم مبيتهم بمنى وكيفية الرمي وما يلزمهم بتركه أو بعضه، وحكم التأخير والتعجيل إلى غير ذلك.

قوله: (ثُمَّ أُذِّنَ) أي بعد فراغ الإمام (4) من خطبته، هكذا قال (5) في كتاب الصلاة في (6) المدونة (7)، وفي كتاب الحج فيها (8): إن شاء أذن فيها أو بعد فراغها (9)، وعن مالك (10) أنه يؤذن قبل الخطبة عند جلوس الإمام على المنبر، وفي الواضحة: عند جلوسه بين خطبتيه (11).

قوله: (وَجَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرَيْنِ) أي: الظهر والعصر، قال في المدونة: بأذانين وإقامتين (12)، "وروي عنه عليه السلام بأذان وإقامتين"، وبه أخذ ابن الماجشون (13).

قوله: (إِثْرَ الزَّوَالِ) هذا مما لا اشكال فيه.

(1) قوله: (ووقوفهم) زيادة من (س).

(2)

قوله: (بعد صلاه الظهر) زيادة من (ن)

(3)

قوله: (فيها) زيادة من (س).

(4)

قوله: (الإمام) ساقط من (ن)

(5)

قوله: (قال) ساقط من (س).

(6)

في (س): (من).

(7)

انظر: المدونة: 1/ 249.

(8)

في (س) و (ن): (منها).

(9)

انظر: المدونة: 1/ 429.

(10)

قوله: (وعن مالك) يقابله في (ن): (روى عن مالك).

(11)

انظر: النوادر والزيادات: 2/ 392.

(12)

انظر: المدونة: 1/ 429.

(13)

في (ن 2): (ابن القاسم).

ص: 206

قوله: (وَدُعَاءٌ وَتَضَرُّعٌ لِلْغُرُوبِ) أي: فإذا فرغ من الصلاة أخذ في الدعاء والتضرع إلى غروب الشمس ثم يدفع بعد ذلك.

قوله: (وَوُقُوفُهُ بِوُضُوءٍ، وَرُكُوبُهُ بِهِ) هذا معطوف على فاعل ندب، والمعنى: ومما يندب أيضًا وقوفه بعرفة متوضئًا؛ أي: ليكون على أكمل الحالات، أي (1): وكذلك يندب له الركوب؛ لأنه عليه السلام كذلك وقف، ولأن الركوب أعون له على مواصلة الدعاء وأقوى على فعل الطاعة.

قوله: (ثُمَّ قِيَامٌ إِلا لِتَعَبٍ) يريد أن رتبة القيام تلي رتبة (2) الركوب في الفضل ثم الجلوس يليهما (3) في ذلك، فلا يجلس مع القدرة على القيام، ولهذا قال:(إلا لتعب)؛ أي: فيجلس حينئذٍ.

قوله: (وَصَلاتُهُ بِمُزْدَلِفَةَ الْعِشَاءَيْنِ) أي: ومما يندب أيضًا صلاة الحاج بمزدلفة ليلة النحر المغرب والعشاء؛ لما روي "أنه عليه السلام صلاهما تلك الليلة فيها"؛ لكن ظاهر كلامه أنه لو صلاهما قبل إتيانه إليها أجزأه؛ لأنه جعل ذلك مندوبًا، والذي في المدونة أنه يعيدهما (4)، إلا أنه عند ابن القاسم على سبيل الاستحباب. وقال ابن حبيب: يعيدهما أبدًا (5).

قوله: (وَبَيَاتُهُ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَنْزِلْ فَالدَّمُ) أي: بالمزدلفة، وانظرْ كيف جعل ذلك أيضًا مستحبًّا، وقد حكى القرافي أن مبيته بها واجب على المشهور (6)، اللهم إلا أن يريد أن الزائد على ما يسقط به الدم مستحب فيستقيم كلامه (7).

قوله: (وَجَمَعَ وَقَصَرَ) أي: يجمع بين العشاءين ويقصر العشاء دون المغرب فإنها لا تقصر.

(1) قوله: (أي) ساقط من (س).

(2)

في (ز): (مرتبة).

(3)

في (ز) و (ز 2) و (ن) و (ن (1) و (ن 2): (بينهما).

(4)

انظر: المدونة: 1/ 432.

(5)

انظر: النوادر والزيادات: 2/ 397.

(6)

انظر: الذخيرة: 3/ 263.

(7)

قوله: (كلامه) زيادة من (ن).

ص: 207

(المتن)

إِلَّا أَهْلَهَا: كَمِنًى وَعَرَفَةَ وَإِنْ عَجَزَ فَبَعْدَ الشَّفَقِ؛ إِنْ نَفَرَ مَعَ الإمَامِ، وَإِلَّا فَكُلٌّ لِوَقْتِهِ وَإِنْ قُدِّمَتَا عَلَيْهِ أَعَادَهُمَا، وَارْتِحَالُهُ بَعْدَ الصُّبْحِ مُغَلِّسًا، وَوُقُوفُهُ بِالْمَشْعَرِ يُكَبِّرُ وَيَدْعُو لِلإسْفَارِ، وَاسْتِقْبَالُهُ بِهِ، وَلا وُقُوفَ بَعْدَهُ وَلا قَبْلَ الصُّبْحِ، وَإِسْرَاعٌ بِبَطْنِ مُحَسِّرٍ، وَرَمْيَه الْعَقَبَةَ حِينَ وُصُولِهِ وَإِنْ رَاكِبًا، وَالْمَشْيُ فِي غَيْرِهَا، وَحَلَّ بِهَا غَيْرُ نِسَاءٍ وَصَيْدٍ، وَكُرِهَ الطِّيبُ، وَتَكْبِيرُهُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ وَتَتَابُعُهَا، وَلَقْطُهَا، وَذَبْحٌ قَبْلِ الزَّوَالِ، وَطَلَبُ بَدَنَتِهِ لَهُ لِيَحْلِقَ، ثُمَّ حَلْقُهُ وَلَوْ بِنُورَةٍ، إِنْ عَمَّ رَأْسَهُ، وَالتَّقْصِيرُ مُجْزِئٌ، وَهُوَ سُنَّةُ الْمَرْأَةِ: تَأْخُذُ قَدْرَ الأُنْمُلَةِ وَالرَّجُلُ مِنْ قُرْبِ أَصْلِهِ،

(الشرح)

قوله: (إِلا أَهْلَهَا، كَمِنًى وَعَرَفَةَ) أي: أهل مزدلفة فإنهم لا يقصرون شيئًا، وهكذا حكم من بمنى وعرفة من الجمع والقصر وعدمه، وحاصله أن أهل كل موضع يتمون به (1) ويقصرون فيما عداه.

قوله: (وَإِنْ عَجَزَ فَبَعْدَ الشَّفَقِ) يريد أن ما تقدم من استحباب إيقاع العشاءين بمزدلفة خاص بالقادر على المسير (2) مع الناس، وأمَّا العاجز عن ذلك فإنه يصليهما بعد الشفق حيث كان من الأماكن، وقاله في المدونة (3).

وقوله: (إِنْ نَفَرَ مَعَ الإمَامِ) هكذا قيده في المدونة.

قوله: (وَإِلا فَكُلٌّ لِوَقْتِهِ) أي: وإن لم ينفر مع الإمام صلى كل صلاة لوقتها، هكذا نقله في النوادر عن محمد، وعن ابن القاسم: إن طمع أن يبلغ مزدلفة في ثلث الليل أخر الصلاتين وإلا صلى كل صلاة لوقتها. وعنه أيضًا: أنه (4) يصلي كل صلاة لوقتها إلا أن يتعجله (5) السير فيجمع بينهما (6).

قوله: (وَإِنْ قُدِّمَتَا عَلَيْهِ أَعَادَهُمَا) أي: فإن صلى المغرب والعشاء قبل مغيب الشفق من عجز عن إدراك الناس أو لم يعجز - يريد: ونفر مع الإمام - فإنه يعيدهما، ولا

(1) في (ن): فيه).

(2)

في (س): (السير).

(3)

انظر: المدونة: 1/ 432.

(4)

قوله: (أنه) زيادة من (س).

(5)

في (ن): (يجّد).

(6)

انظر: النوادر والزيادات: 2/ 398.

ص: 208

خلاف في إعادة العشاء؛ لأنها وقعت قبل وقتها، واختلف في المغرب فقال ابن القاسم: يعيدها في الوقت وهو الذي ذكره هنا، وقال أشهب: لا يعيدها؛ لأنها وقعت في وقتها، وقال ابن حبيب: يعيدها أبدًا (1).

قوله: (وَارْتِحَالُهُ بَعْدَ الصُّبْحِ، مُغَلِّسًا) أي: ومما يستحب أيضًا من بات بالمزدلفة أن يرتحل إلى المشعر الحرام بعد صلاة الصبح في أول وقتها، فإذا جاء إليه وقف مبتهلًا بالدعاء والذكر إلى الإسفار، وإليه أشار بقوله:(وَوُقُوفُهُ بِالْمَشْعَرِ يُكَبِّرُ وَيَدْعُو للإِسْفَارِ)، وأشار بقوله:(وَاسْتِقْبَالُهُ بِهِ) إلى ما قال سحنون: ويكون وجهك إذا وقفت أمام البيت. والضمير المجرور بالمصدر يحتمل عوده على البيت؛ أي: واستقبال (2) البيت عند الوقوف بالمشعر الحرام، ويحتمل عوده على الواقف؛ أي: واستقبل الواقف بالمشعر الحرام الكعبة، وأما الضمير المجرور بالباء فإنه عائد على المشعر لا غير، والباء فيه للظرفية وهي بمعنى عند؛ أي: عند (3) المشعر.

قوله: (وَلا وُقُوفَ بَعْدَهُ وَلا قَبْلَ الصبْحِ) هذا كقوله في المدونة: والوقوف بالمشعر الحرام بعد طلوع الفجر وبعد الصبح، فمن وقف بعد الفجر (4) وقبل أن يصلي الصبح فهو كمن لم يقف، ثم قال: ولا يقف أحد به إلى طلوع الشمس والإسفار، ولكن يدفع قبل ذلك، وإذا أسفر ولم يدفع الإمام دفع الناس وتركوه (5).

قوله: (وَإِسْرَاعٌ بِبَطْنِ مُحَسِّرِ) أي: ومما يستحب أيضًا الإسراع في بطن محسِّر وهو قدر رمية حجر وسواء كان راكبًا أوماشيًا.

قوله: (وَرَمْيَه (6) الْعَقَبَةَ حِينَ وَصُولِهِ وَإِنْ رَاكبًا) يريد أنه إذا وصل إلى منى فالمستحب له أن يرمي جمرة العقبة حينئذٍ قبل أن يحط رحله؛ أي: قبل (7) طلوع

(1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 397.

(2)

في (ز): (واستقبل).

(3)

قوله: (أي: عند) ساقط من (س).

(4)

في (ز): (الصبح).

(5)

انظر: المدونة: 1/ 433.

(6)

في (ز 2) و (س) و (ن) و (ن (1) و (ن 2): (وَرَمْيَةُ).

(7)

في (س) و (ن): (بعد).

ص: 209

الشمس، وقد فعله عليه السلام وكان راكبًا، قال في المدونة: وهو الشأن (1).

قوله: (وَالْمَشْيُ فِي غَيْرِهَا) نحوه في المدونة قال فيها: فإن مشى في رمي جمرة العقبة أو ركب في رمي الجمار في الأيام الثلاثة فلا شيء عليه (2)، وهو ظاهر كلامه هنا أن الركوب في جمرة العقبة مرجوح، وهو خلاف المدونة فإن الركوب فيها هو المطلوب والأولى (3) فإن مشى فلا شيء عليه فيها (4)، وأما غيرها فكما قال.

قوله: (وَحَلَّ بِهَا غَيْرُ نِسَاءٍ وَصَيْدٍ، وَكُرِهَ الطِّيبُ) يريد: أنه إذا رمى جمرة العقبة حلَّ له كل شيء كان عليه حرامًا ما عدا ثلاثة أشياء؛ اثنين (5) يجتنبهما على سبيل الوجوب وهما النساء والصيد، والثالث على سبيل الكراهة وهو الطيب، فإن تطيب فلا فدية عليه على المشهور كما سيذكره، وهذا هو التحلل الأصغر، والتحلل الأكبر طواف الإفاضة وبه يحل ما بقي.

قوله: (وَتَكْبِيرُهُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ) وهو معطوف أيضًا على المستحب، لكن ظاهر المدونة أنه مسنون؛ لأنه لما سئل فيها (6): هل يجزئ التسبيح؟ قال: السُّنة التكبير، ثم قال: ويوالي بين الرمي (7)؛ أي: بين كل حصاتين. أبو الحسن الصغير: ولا يريد أنه يوالي بين الجمرات الثلاث، وهذا (8) معنى قوله:(وَتَتَابُعُهَا) أي: مستحب.

قوله: (وَلَقْطُهَا) أي: وكذلك يستحب لقط الحصاة التي يرمي بها وهو أولى من كسرها للسنة، وله أخذها من منزله (9) بمنى (10) إلا رمي (11) جمرة العقبة، فإن المستحب

(1) انظر: المدونة: 1/ 437.

(2)

انظر: المدونة: 1/ 437.

(3)

في (ن): (وإلا)، وفي (أولًا).

(4)

قوله: فيها) زيادة من (س).

(5)

قوله: (اثنين) زيادة من (س).

(6)

قوله: (فيها) ساقط من (س).

(7)

انظر: المدونة: 1/ 435.

(8)

في (س): (وهو).

(9)

في (س): بمنزله.

(10)

قوله: (بمنى) ساقط من: (ن 2).

(11)

قوله: (رمي) ساقط من (س) و (ن).

ص: 210

له (1) عند ابن القاسم وغيره أخذها من مزدلفة.

قوله: (وَذَبْحٌ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَطَلَبُ بَدَنَتِهِ لَهُ ليَحْلِقَ) لا شك أن الذبح قبل الزوال أفضل مما بعده وأنه مقدم على الحلق، ولهذا قال: (وطلب بدنته

إلى آخره)؛ أي: إذا ضلت منه فإنه يطلبها إلى الزوال ليقع الحلق بعد نحرها، وهكذا قال في المدونة (2)؛ يريد لقوله تعالى:{وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196].

قوله: (ثُمَّ حَلْقُهُ) يريد أن تأخير الحلق عن النحر هو الأفضل كما تقدم، ودليله الآية المذكورة، وقال في المدونة: ومن حلق رأسه بالنورة عند الحلاق أجزأه (3)، وإليه أشار بقوله:(وَلَوْ بِنَوْرَةٍ) وقال أشهب: لا يجزئه؛ لأنه محل تعبد يقتصر فيه على ما ورد. وأشار بقوله: (إِنْ عَمَّ رَأْسَهُ) إلى أن ذلك يجري مجرى الحلق، فكما لا يجزئ على المذهب إلا حلق جميع الرأس فكذلك لا يجزئ إذا طك بعضه بالنورة دون البعض أو طلى الجميع، إلا أنه لم يذهب من الشعر إلا بعضه وبقي البعض ولو القليل منه.

قوله: (وَالتقْصِيرُ مُجْزِئٌ) لا شك أن الحلق أفضل من التقصير في حقِّ الرجل فإذا قصر أجزأه.

قوله: (وَهُوَ سُنَّةُ الْمَرْأَةِ) أي: التقصير سُنة النساء، وظاهره أنه يجوز لها الحلق إذا أرادت ذلك، وهو موافق لما نقله البلنسي في شرح الرسالة أن الحلق لهنَّ مكروه (4).

وقال اللخمي: لا يجوز لهن ذلك؛ لأنه مثلة لهن إلا من برأسها أذى أو الحلاق أصلح (5) لها، قال: وكذلك بنت تسع أو عشر تقصر ولا تحلق إلا لعذر، وإن كانت صغيرة جاز لها الحلق (6) والتقصير (7)، وظاهر قوله في المدونة: ليس على النساء إلا التقصير (8)، يدل على موافقة اللخمي.

(1) قوله: (له) ساقط من (س).

(2)

انظر: تهذيب المدونة: 1/ 552.

(3)

انظر: المدونة: 1/ 440.

(4)

انظر: التوضيح: 3/ 47.

(5)

قوله: (أو الحلاق أصلح) يقابله في (س): (والحلاق إصلاح).

(6)

في (ز): (الحلاق).

(7)

انظر: التبصرة، للخمي، ص:1223.

(8)

انظر: المدونة: 1/ 422، وانظر النقل بنصه في: تهذيب المدونة: 1/ 553.

ص: 211

قوله: (تَأْخُذُ قَدْرَ الأُنْمُلَةِ، وَالرَّجُلُ مِنْ قُرْبِ أَصْلِهِ) يريد أن المرأة إذا قصرت شعرها فإنها تأخذ من أطرافه بمقدار الأنملة من جميعه، وأما الرجل فإنه يجز من قرب أصله.

(المتن)

ثُمَّ يُفِيضُ. وَحَلَّ بِهِ مَا بَقِيَ؛ إِنْ حَلَقَ؛ وَإِنْ وَطِئَ قَبْلَهُ فَدَمٌ؛ بِخِلافِ الصَّيْدِ، كَتَأْخِيرِ الْحَلْقِ لِبَلَدِهِ، أَوِ الإِفَاضَةِ لِلْمُحَرَّمِ، وَرَمْي كُلِّ حَصَاةٍ أَوِ الْجَمِيعِ لِلَّيْلِ، وَإِنْ لِصَغِيرٍ لا يُحْسِنُ الرَّمْيَ، أَوْ عَاجِزٍ. ويَسْتَنِيبُ فَيَتَحَرَّى وَقْتَ الرَّمْي، وَكَبِّرَ، وَأَعَادَ إِنْ صَحَّ قَبْلَ الْفَوَاتِ بِالْغُرُوبِ مِنَ الرَّابِعِ، وَقَضَاءُ كُلٍّ إِلَيْهِ، وَاللَّيْل قَضَاءٌ، وَحُمِلَ مُطِيقٌ، وَرَمَى؛ وَلا يَرْمِي فِي كَفِّ غَيْرِهِ، وَتَقْدِيمُ الْحَلْقِ أَوِ الإِفَاضَةِ عَلَى الرَّمْيِ لا إِنْ خَالَفَ فِي غَيْرٍ، وَعَادَ لِلْمَبِيتِ بمِنًى فَوْقَ الْعَقَبَةِ ثَلاثًا، وَإِنْ تَرَكَ جُلَّ لَيْلَةٍ فَدَمٌ، أَوْ لَيْلَتَيْنِ إِنْ تَعَجَّلَ، وَلَوْ بَاتَ بِمَكَّةَ أَوْ مَكِّيًّا قَبْلَ الْغُرُوبِ مِنَ الثَّانِي: فَيَسْقُطُ عَنْهُ رَمْيُ الثَّالِثِ.

(الشرح)

قوله: (ثُمَّ يُفِيضُ) أي: بعد الرمي والحلق والنحر وهو التحلل الأكبر، ولهذا قال:(وَحَلَّ بِهِ مَا بَقِيَ) أي: وحل بطواف الإفاضة ما بقي محرمًا عليه من النساء والصيد أو مكروهًا من أنواع الطيب. ثم أشار بقوله: (إِنْ حَلَقَ) إلى أنه إذا طاف للإفاضة ولم يحلق لا يتم له التحلل، ولهذا قال:(وإنْ وَطِئَ قَبْلَهُ فَدَمٌ، بِخِلافِ الصَّيْدِ) أي: فإن (1) تأخير الحلاق لا يمنع من قتله الصيد (2) ولا يوجب جزاء على المشهور، وقيل: عليه الجزاء.

قوله: (كَتَأْخِيرِ الحَلْقِ لِبَلَدِهِ) أي: فإنه يهدي أيضًا من أجل ذلك، قاله في المدونة (3)، وسواء كان ناسيًا أو جاهلًا ويحلق أو يقصر، وفي المدونة أيضًا: إن حلق بمكة في أيام التشريق أو بعدها أو في أيام منى فلا شيء عليه (4)، وقيل: إن خرجت أيام منى ولم لمجلق أهدى (5)، وقال أشهب: إن خرجت أيام الرمي ولم يحلق أحببت له الهدي، وإن حلق

(1) قوله: (فإن) زيادة من (س).

(2)

قوله: (الصيد) زيادة من (ن 2).

(3)

انظر: المدونة: 1/ 441.

(4)

انظر: المدونة: 1/ 441.

(5)

في (ن): (اقتداء).

ص: 212

فيها فلا شيء عليه.

قوله: (أَوِ الإِفَاضَةِ لِلْمُحَرَّمِ) أي: وكذلك يجب عليه الهدي إذا أخَّر طواف الإفاضة إلى أن خرجت أشهر الحج ودخل المحرَّم، وقاله في الجلاب (1).

قوله: (وَرَمْي كُلِّ حَصَاةٍ أَوِ الْجَمِيعِ لِلَّيْلِ) هو معطوف على قوله: (كتأخير الحلق لبلده أو الإفاضة) أي: ويجب الدم بتأخير رمي حصاة أو الجميع إلى أن دخل الليل، ولم يختلف قول مالك في الهدي إذا ترك جمرة العقبة حتى (2) دخل الليل، واختلف قوله إذا نسي بعضها. ابن القاسم: وأحب إليَّ أن يكون عليه الدم (3). ابن يونس: وقاله غير واحد من القرويين، قال: وأما اليوم الثاني فسواء ترك جمرة واحدة أو الجمرات الثلاث فإن الخلاف يدخله في وجوب الدم أم لا (4).

قوله: (وَإِنْ لِصَغِيرٍ لا يُحْسِنُ الرَّمْيَ) هكذا قال في المدونة (5)، ومعناه: إذا كان الصبي صغيرًا لا يعرف رمي الجمرات (6) ولم يرمِ وليه ولا غيره عنه حتى دخل الليل، فإن الهدي يجب على من أحجه، فإن كان الصبي يحسن الرمي رمى، فإن ترك إلى الليل فعليه الهدي أيضًا، وقاله مالك (7) في المدونة، ويكون ذلك أيضًا (8) على من أحجه، وحكمُ المجنون ومن لا يستطيع الرمي حكم الصغير، ولهذا قال:(أَوْ عَاجِزٍ، وَيَسْتَنِيبُ) أي: كالمريض والمغمى عليه ونحوهما، وقاله في المدونة (9). الأبهري: ويرجع في عدم القدرة إلى غلبة الظن، ونص اللخمي على أنه إذا خشي زيادة مرضه يستنيب (10).

قوله: (فيتَحَرَّى وَقْتَ الرَّمْي، وَكَبَّرَ) أي: فإن استناب من يرمي عنه فإنه يتحرى

(1) انظر: التفريع: 1/ 230.

(2)

في (س): (إلى أن).

(3)

انظر: المدونة: 1/ 434.

(4)

انظر: الجامع، لابن يونس، ص:1620.

(5)

انظر: المدونة: 1/ 437.

(6)

في (ز): (الجمار).

(7)

قوله: (مالك) ساقط من (ن).

(8)

قوله: (أيضًا) ساقط من (س).

(9)

انظر: المدونة: 1/ 438.

(10)

انظر: التوضيح: 3/ 32، التبصرة، للخمي، ص:1230.

ص: 213

وقت رَمْيِ (1) نائبه ويكبر لكل حصاة تكبيرة واحدة، وقاله في المدونة (2).

قوله: (وَأَعَادَ إِنْ صَحَّ قَبْلَ الْفَوَاتِ بِالْغُرُوبِ مِنَ الرَّابِعِ) يريد: وعليه الدم، وذلك واضح مما تقدم.

قوله: (وَقَضَاءُ كُلٍّ إِلَيْهِ) أي: وقضاء كل (3) الجمار إلى (4) غروب الشمس من اليوم الرابع.

قوله: (وَاللَّيْلُ قَضَاءٌ) هذا هو المشهور، وقيل: أداء.

قوله: (وَحُمِلَ مُطِيقٌ، وَرَمَى، وَلا يَرْمِي فِي كَفِّ غَيْرِهِ (5)) أي أن المريض إذا كان يقدر على الرمي محمولًا ووجد مَن يحمله حُمل ورمى عن نفسه، ولا يرمي الحصاة في كفِّ غيره وليرميها هو عنه؛ لأن مثل هذا لا يعد راميًا (6).

قوله: (وَتَقْدِيمِ الحَلْقِ أَوِ الإِفَاضَةِ (7) عَلَى الرَّمْي) أي: وكذلك يجب عليه الدم إذا قدم الحلاق على الرمي أو قدم الإفاضة على الرمي، ومذهب المدونة وهو الأصح أن في تقديم الحلق الدم كما قال (8)؛ لأنه وقع قبل حصول شيء من التحلل، وحكى ابن بشير قولًا بعدم الدم (9). والذي رواه أيضًا ابن القاسم عن مالك وبه أخذ: أن في تقديم الإفاضة على الرمي الدم وحجه مجزئ (10). وعن مالك: لا يجزئه وهو كمن لم يفض.

وقال أصبغ: أحب إليَّ أن يعيد وذلك في يوم النحر آكد (11).

قوله: (لا إِنْ خَالَفَ فِي غَيْرٍ) يريد: كما لو حلق قبل النحر أو نحر قبل الرمي فلا

(1) قوله: (رمي) زيادة من (س).

(2)

انظر: المدونة: 1/ 437.

(3)

قوله: ("إِلَيْهِ" أي: وقضاء كل) ساقط من (س).

(4)

في (ز): (إليه).

(5)

في (س): (غير).

(6)

في (س) و (ن): (رميًا).

(7)

في (ز): (والإفاضة).

(8)

انظر: المدونة: 1/ 433 و 434.

(9)

انظر: التوضيح: 3/ 23.

(10)

قوله: (مجزئ) ساقط من (ن)

(11)

انظر: عقد الجواهر: 1/ 283.

ص: 214

شيء عليه على الأصح؛ لما روي أنه عليه السلام وقف في حجة الوداع فجعلوا يسألونه، فقال رجل: لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح، فقال:"اذبح ولا حرج"، وقال آخر: لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي، فقال:"ارمِ ولا حرج"، فما سئل يومئذ عن شيء قدم ولا أُخِّر إلا قال:"افعل ولا حرج"(1). وقال عبد الملك: إن حلق قبل النحر فعليه دم (2).

قوله: (وَعَادَ لِلْمَبيتِ بمِنًى فَوْقَ الْعَقَبَةِ ثَلاثًا) أي: فإذا أفاض يوم النحر عاد إلى منى ليبيت بها ثلاث ليالٍ، والأَفضل له الرجوع لها (3) على الفور، وله التربص بمكة عقيب الإفاضة، وعن مالك: أحب إليَّ إذا طاف يوم الجمعة أن يعود إلى منى ولا يمكث ليصلي الجمعة بمكة، ولا يكون المبيت إلا فوق العقبة، وأما فيما بينها وبين مكة فلا (4)؛ لأنه ليس من منى، و (ثلاثًا) معمول لمحذوف؛ أي: يبيت ثلاثًا بحذف التاء منه؛ لأن المراد ثلاث ليالٍ.

قوله: (وَإنْ ترَكَ جُلَّ لَيْلَةٍ فَدَمٌ) نحوه في المدونة (5)، وعن مالك: لا هدي عليه إلا أن يترك الليلة كلها (6)، وفهم من قوله:(جل ليلة) أنه لو بات عن منى نصف ليلة فما دون لا يجب عليه الدم، وهو ظاهر المدونة (7).

قوله: (أَوْ لَيْلتَيْنِ إِنْ تَعَجَّلَ) هذا معطوف على قوله: (ثلاثًا)، والعامل فيه أيضًا محذوف، والتقدير: وعاد للمبيت بمنى فيبيت بهها ثلاث ليالٍ إن لم يتعجل أو ليلتين إن تعجل.

قوله: (وَلَوْ بَاتَ بِمَكَّةَ) هذا هو المشهور، وعن ابن الماجشون وابن حبيب (8) إن

(1) متفق عليه، أخرجه البخاري: 5/ 148، في باب الفتيا وهو واقف على الدابة وغيرها، من كتاب العلم، برقم: 81، ومسلم: 6/ 447، في باب من حلق قبل النحر أو نحر قبل الرمي، من كتاب الحج، برقم: 2301، ومالك: 1/ 421، في باب جامع الحج، من كتاب الحج، برقم:941.

(2)

في (ن): (أهدى)، قوله:(النحر فعليه دم) يقابله في (س): (الفجر أهدى). وانظر: النوادر والزيادات: 2/ 413.

(3)

قوله: (لها) زيادة من (س).

(4)

انظر: النوادر والزيادات: 2/ 415.

(5)

انظر: المدونة: 1/ 429.

(6)

انظر: النوادر والزيادات: 2/ 415.

(7)

انظر: المدونة: 1/ 429.

(8)

انظر: البيان والتحصيل: 3/ 453.

ص: 215

بات بمكة لزمه العود إلى منى ليرمي لليوم (1) الباقي؛ لأنه خرج (2) عن سنة التعجيل، فإن لم يرجع لزمه الدم.

قوله: (أَوْ مَكَّيًّا) يريد أنه (3) لا فرق في التعجيل (4) بين المكي والآفاقي، وعن مالك في ذلك قولان (5)، و (مكيًّا) هذا يصح أن يكون خبرًا لكان المحذوفة، والتقدير: ويعود للمبيت ثلاثًا إن لم يتعجل أو ليلتين إن تعجل ولو بات بمكة أو كان مكيًّا.

قوله: (قَبْلَ الْغُرُوب مِنَ الثَّانِي) متعلق بقوله: (إن تعجل)، واحترز به مما إذا غربت عليه الشمس في منى قَبل تعجيله فإنه حينئذٍ لا يباح له التعجيل؛ لأن الليلة إنما أمر بالمقام فيها (6) لأجل النهار، فإذا غربت فكأنه التزم رمي الثالث.

قوله: (فَيَسْقُطُ عَنْهُ رَمْيُ الثَّالِثِ) هذا مما لا إشكال فيه وإلا فلا معنى للتعجيل.

(المتن)

وَرُخِّصَ لِرَاعٍ بَعْدَ الْعَقَبَةِ أَنْ يَنْصَرِفَ، وَيَأْتِيَ الثَّالِثَ فَيَرْمِي لِلْيَوْمَيْنِ وَتَقْدِيمُ الضَّعَفَةِ فِي الرَّدِّ لِلْمُزْدَلِفَةِ، وَتَرْكُ التَّحْصِيبِ لِغَيرِ مُقْتَدًى بِهِ، وَرَمَى كُلَّ يَوْمٍ الثَّلاثَ، وَخَتَمَ بِالْعَقَبَةِ مِنَ الزَّوَالِ لِلْغُرُوبِ، وَصِحَّتُهُ بِحَجَرٍ كَحَصَى الْخَذْفِ. وَرَمْي وَإنْ بِمُتَنَجِّسٍ عَلَى الْجَمْرَةِ، وَإنْ أَصَابَتْ غَيْرَهَا، إِنْ ذَهَبَتْ بِقُوَّةٍ، لا دُونَهَا وَإنْ طَارَتْ غَيْرَهَا لَهَا، وَلا طِينٍ وَمَعْدِنٍ، وَفِي إِجْزَاءِ مَا وَقَفَ بِالْبِنَاءِ تَرَدُّدٌ. وَتَرَتُّبِهِنَّ. وَأَعَادَ مَا حَضَرَ بَعْدَ الْمَنْسِيَّةِ، وَمَا بَعْدَهَا فِي يَوْمِهَا فَقَطْ، وَنُدِبَ تَتَابُعُهُ، فَإنْ رَمَى بِخَمْسٍ خَمْسٍ؛ اعْتَدَّ بِالْخَمْسِ الأُوَّلِ، وَإنْ لَمْ يَدْرِ مَوْضِعَ حَصَاةٍ؛ اعْتَدَّ بِسِتٍّ مِنَ الأُولَى وَأَجْزَأَ عَنْهُ وَعَنْ صَبِيٍّ وَلَوْ حَصَاةً بحَصَاةٍ وَرَمَى الْعَقَبَةَ أَوَّلَ يَوْمٍ طُلُوعَ الشَّمْسِ، وَإِلَّا إِثْرَ الزَّوَالِ قَبْلَ الظُّهْرِ.

(الشرح)

قوله: (وَرُخِّصَ لِرَاعٍ بَعْدَ الْعَقَبَةِ أَنْ يَنْصَرِفَ، وَيَأْتِيَ الثَّالِثَ فَيَرْمِي لِلْيَوْمَيْنِ) يريد أن الرخصة جاءت في رعاة الإبل أنهم يجوز لهم إذا رموا جمرة العقبة أن ينصرفوا

(1) في (ز): (اليوم).

(2)

في (س): (خروج).

(3)

قوله: (أنه) ساقط من (ن)

(4)

قوله: (في التعجيل) زيادة من (س).

(5)

انظر: النوادر والزيادات: 2/ 416.

(6)

في (ز): (بالقيام بها).

ص: 216

عن منى إلى رعيهم فيقيمون يومًا وليلتين، ثم يأتوا في الثالث من يوم النحر فيرموا ليومهم الذي فات (1) وليومهم الذي هم فيه، وهو المراد باليومين، ثم يتعجلوا إن شاءوا أو يقيموا، وحكى ذلك في الجلاب (2).

قوله: (وَتَقْدِيمُ الضَّعَفَةِ في الرَّدِّ لِلْمُزْدَلِفَةِ) يريد أن الرخصة جاءت أيضًا في تقديم الضعفة؛ وهم النساء والصبيان والمرضى ومن يشق ذلك عليه عند رجوع الناس من عرفة إلى مزدلفة، وقد جاء أنه عليه الصلاة والسلام بعث أم حبيبة من جمع وذلك لكثرة زحام الناس حينئذٍ.

قوله: (وَتَرْكُ التَّحْصِيب لِغَيْرِ مُقْتَدًى بِهِ) أي: وكذلك جاءت الرخصة في ترك النزول بالمحصب؛ وهو الأبطح حيث المقبرة من مكة لمن لا يقتدى به، وهكذا روي عن مالك أنه كان يفتي من لا يقتدى به بذلك (3) وكان لا يفتي به من يقتدى به مخافة أن تشاع عنه الفتوى بذلك فيترك الناس إذا سمعوا (4).

قوله: (وَرَمَى كلَّ يَوْمٍ الثَّلاثَ، وَخَتَمَ بِالْعَقَبَةِ) لأنه يرمي أولًا الجمرة (5). يريد: أنه يرمي في كل يوم من الأيام الثلاثة التي بعد يوم (6) النحر الجمرات الثلاث بعد الزوال، وقاله مالك (7) في المدونة (8).

وقوله: (وَخَتَمَ بِالْعَقَبَةِ) أي: بجمرة العقبة؛ لأنه يرمي أولًا الجمرة التي تلي مسجد (9) منى وهي الأولى، ثم يرمي بعدها الوسطى، ثم يختم بجمرة العقبة، يومان للمتعجل (10) وثلاثة لغيره.

(1) في (س) و (ن): (مضى).

(2)

انظر: التفريع: 1/ 234.

(3)

قوله: (أنه كان يفتي من لا يقتدى به بذلك) زيادة من (س).

(4)

انظر: المنتقى: 4/ 85.

(5)

قوله: (لأنه يرمي أولًا الجمرة) ساقط من (س).

(6)

قوله: (يوم) ساقط من (س).

(7)

قوله: (مالك) زيادة من (س).

(8)

انظر: المدونة: 1/ 436 و 437.

(9)

قوله: (مسجد) زيادة من (س).

(10)

في (ز) و (ز 2) و (ن) و (ن 1) و (ن 2): (للتعجيل).

ص: 217

قوله: (مِنَ الزَّوَالِ لِلْغُرُوبِ) هو وقت الأداء فيها، والأفضل عقيب الزوال.

قوله: (وَصِحَّتُهُ بِحَجَرٍ) أي: وصحة الرمي بشروط منها أن يكون (1) المرمي به حجرًا احترازًا به من نحو الطين والآجُرِّ ونحوهما، ولا يختص بجنس بل ما يسمى جصًّا (2) حجرًا أو رخامًا (3).

قوله: (كَحَصَى الخَذْفِ) الخذف بالحصى الرمي به بالأصابع وهي بالخاء والذال المعجمتين (4). سند (5): واختلف في قدرها فقيل: قدر الفول، وقيل: قدر النوى، وقيل: قدر الأنملة طولًا وعرضًا، ولا يجزئ اليسير (6) جدًّا كالقمحة والحمصة؛ لأنه كالعدم (7).

قوله: (وَرَمْيٍ) أي: ومما يشترط في صحة ذلك أن يرمي الحصاة ولا يجزئ وضعها ولا طرحها، وقاله في المدونة (8)، وعن أشهب أن الطرح مع النية مجزئ (9).

قوله: (وَإنْ بِمُتَنَجِّسٍ) يريد: أنه لا يشترط في الحجر الذي يرمي به أن يكون طاهرًا، بل لو رمى بحجر متنجس أجزأه، وهكذا نقل عن مالك (10).

(1) قوله: (أي: وصحة الرمي بشروط منها أن يكون) يقابله في (س): (أي يشترط كون).

(2)

قوله: (جصًّا) زيادة من (س).

(3)

قوله: (ولا يختص بجنس بل ما يسمى جصًّا حجرًا أو رخامًا) ساقط من (ن).

(4)

انظر: الصحاح: 4/ 1347.

(5)

قوله: (الخذف بالحصى الرمي به بالأصابع وهي بالخاء والذال المعجمتين. سند) يقابله في (ز) و (ن): (بالخاء والذال المعجمتين وبالفاء، الجوهري: هو الرمي بالحصى بالأصابع انتهى).

(6)

في (ن 2): (الصغير).

(7)

قوله: (فقيل: قدر الفول، وقيل: قدر النوى، وقيل: قدر الأنملة طولًا وعرضًا، ولا يجزئ اليسير جدًّا كالقمحة والحمصة؛ لأنه كالعدم.) يقابله في (س): (فقيل مثل النواة، وقيل: دون الأنملة، ويكره بالحجر الكبير لئلا يؤذي الناس، وهو يجري، والصغير مثل الحمصة والقمحة لا يرمى به؛ لأنه كالعدم). وانظر: الذخيرة: 3/ 264.

(8)

انظر: المدونة: 1/ 436.

(9)

قوله: (ومما يشترط في صحة ذلك أن يرمي الحصاة ولا يجزئ وضعها ولا طرحها، وقاله في المدونة، وعن أشهب أن الطرح مع النية مجزئ) يقابله في (س): (يشترط الرمي، قال في المدونة، وإن وضع الحصاة أو طرحها لم يجزئه). وانظر: التوضيح: 3/ 30.

(10)

قوله: (يريد: أنه لا يشترط في الحجر الذي يرمي به

عن مالك) يقابله في (س): (هو الذي نقله =

ص: 218

قوله: (عَلَى الجَمْرَةِ) هو كقوله في المدونة: وإن رمى حصاة فوقعت قرب الجمرة فإن وقعت موضع حصى الجمرة، وإن لم تبلغ الرأس أجزأه (1). والجمرة اسم لموضع الرمي والجمار الحجارة (2).

قوله (3): (وَإنْ أصَابت غَيْرَهَا، إِنْ ذَهَبَتْ بِقُوَّةٍ) يريد إذا أتى بما هو المطلوب منه وهو الرمي على الجمرة فإن ذلك يجزئه وإن أصابت الحصاة غيرها إذا ذهبت بقوة الرمية كما إذا رماها فوقعت على محمل ثم ذهبت إلى الجمرة بقوة الرمية وكذلك لو دفعت دون الجمرة ثم تدحرجت إليها بقوة الرمية، فلو دفعت في محمل رجل فقبضها صاحب المحمل لم يجزئه، وكذلك لو دفعت على موضع عالٍ ثم تدحرجت لأن هذا ليس من فعله ولا من قوة الرمية وهو معنى قوله لا دونها ونحوه في المدونة (4) هو كقوله في المدونة، وإن وقعت في محمل رجل فنفضها صاحب المحمل لم يجزئه، ولو أصابت المحمل ثم مضت بقوة الرمية الأولى حتى وقعت في الجمرة أجزأه.

قوله: (لا دونها) أي لا دون موضع الجمرة فإنها لا تجزئه (5).

قوله: (وَإِنْ طَارَتْ غَيْرُهَا لَهَا) أي: فإن رمى الحصاة فوقعت على حصاة أخرى فوقعت الثانية في الرمي فإنه لا يجزئه (6).

= ابن الحاج عن مالك أنه يجزئه). وانظر: الكافي: 1/ 377.

(1)

انظر: المدونة: 1/ 436.

(2)

قوله: (هو كقوله في المدونة وإن رمى حصاة

الحجارة) يقابله في (ن) و (ز): (متعلق بقوله: "ورمى").

(3)

في (س): (وقوله).

(4)

قوله: (يريد إذا أتى

ونحوه في المدونة) زيادة من: (ن 2).

(5)

قوله: (قوله: "لا دونها" أي لا دون موضع الجمرة فإنها لا تجزئه) ساقط من (ن)، وقوله: (هو كقوله في المدونة، وإن وقعت في محمل رجل فنفضها

لا تجزئه) يقابله في (ز): (يريد: أنه إذا أتى بما هو المطلوب منه وهو الرمي على الجمرة فإن ذلك يجزئه، وإن أصابت الحصاة غيرها إذا ذهبت بقوة الرمية، كما إذا رماها فوقعت على محمل ثم ذهبت إلى الجمرة بقوة الرمية، وكذا لو وقعت دون الجمرة ثم دحرجت إليها بقوة الرمية، فلو وقعت على محمل رجل فنفضها صاحب المحمل لم تجزئه، وكذا لو وقعت على موضع عالٍ ثم تدحرجت؛ لأن هذا ليس من فعله ولا من قوة الرمية، وهو معنى قوله: (لا دُونَهَا) ونحوه في المدونة).

(6)

قوله: (فإن رمى الحصاة فوقعت على حصاة أخرى فوقعت الثانية في الرمي فإنه لا يجزئه) يقابله في=

ص: 219

قوله: (وَلا طِينٍ وَمَعْدِنٍ) أي فإنه لا يجزئه. الشيخ: وظاهر المذهب منع الطين والمعادن كالحديد والزرنيخ (1).

قوله: (وَفي إِجْزَاءِ مَا وَقَفَ بِالْبِنَاءِ ترَدُّدٌ) أي: إذا رمى الحصاة على الجمرة فوقعت في شقوق البناء فلم تنزل فإن في ذلك تردُّدًا؛ أي (2): بين المتأخرين، فذهب شيخنا الشيخ خليل المكي (3) إلى عدم الإجزاء، وكان يفتي به في الجموع الكثيرة، وكان شيخ شيخنا سيدي (4) عبد الله المنوفي فيما نقل عنه الشيخ يميل إلى الإجزاء (5)؛ لأن البناء متصل بالجمرة (6).

قوله: (وَتَرَتُّبِهِنَّ (7)) هذا أيضًا من الوجوه التي تشترط في صحة الرمي؛ وهو أن يبدأ بالجمرة التي تلي مسجد منى ثم يثني (8) بالوسطى ثم يختم بجمرة العقبة، هكذا في أيام الرمي كلها. الباجي: والترتيب واجب بين الجمرات كركعات الصلاة (9). يريد: لأنه عليه الصلاة والسلام فعل ذلك، وقال:"خذوا عني مناسككم"(10)، وفعله أيضًا الصحابة والتابعون، ولا أظنهم يختلفون في مثل ذلك.

قوله: (وَأَعَادَ مَا حَضَرَ بَعْدَ المَنْسِيَّةِ، وَمَا بَعْدَهَا في يَوْمِهَا فَقَطْ) مثاله: أن ينسى الجمرة الأولى من ثاني النحر وقد رمى اليوم الثالث والرابع، ثم بعد رميه ذكر المنسية فإنه

= (س): (فإن وقعت دون الرمي على حصاة فطارت الثانية في المرمى لم يجزئه لعدم الإنضال، ولو تدحرجت من مكان عالٍ إليها لم يجزئه).

(1)

قوله: (أي فإنه لا يجزئه الشيخ وظاهر المذهب منع الطين والمعادن كالحديد والزرنيخ) يقابله في (ز)

(ن): (قد مر بيانه عند قوله: "وصحته بحجر"). وانظر: التوضيح: 3/ 30.

(2)

قوله: (أي) زيادة من (س).

(3)

في (ن): (المالكي).

(4)

قوله: (سيدي) زيادة من (س).

(5)

انظر: مناسك الحج: 209.

(6)

انظر: التوضيح: 3/ 31.

(7)

في (ز): (وترتيبهن).

(8)

في (ز): (هي).

(9)

انظر: المنتقى: 4/ 104.

(10)

سبق تخريجه.

ص: 220

يرمي الجمرة الأولى التي نسيها ويعيد ما بعدها وهما الوسطى وجمرة العقبة في يومها، ثم يعيد المفعولة في اليوم الرابع على المشهور، وقيل: لا يعيد، ولا يعيد لليوم (1) الثالث لخروج وقته، وإليه أشار بقوله:(فقط)، وهكذا ذكر اللخمي وغيره عن ابن القاسم (2).

قوله: (وَنُدِبَ تَتَابُعُه (3)، فَإنْ رَمَى بِخَمْسٍ خَمْسٍ، اعْتَدَّ بِالخْمْسِ الأُوَلِ) هذه مسألة المدونة قال فيها: ومن رمى الجمار الثلاث بخمس خمس يوم ثاني النحر، ثم ذكر من يومه رمى الأولى التي تلي مسجد منى بحصاتين، ثم الوسطى بسبع، ثم العقبة بسبع ولا دم عليه، ولو ذكر من الغد رمى هكذا وليهدِ على أحد قولي (4) مالك (5).

قوله: (وَإنْ لَمْ يَدْرِ مَوْضِعَ حَصَاةٍ، اعْتَدَّ بِسِتٍّ مِنَ الأُولَى) أي: إذا رمى الجمار الثلاث ثم ذكر أنه نسي حصاة لا يدري من أي جمرة هي (6)، فإنه يرمي الأولى بحصاة ويعتد منها بست حصيات كما ذكر (7)، ثم يرمي الوسطى والعقبة بسبع سبع، وإنما كان الأمر على هذا لجواز كون المنسية من الأولى، ولا يجوز له رمي ما بعدها إلا بتمامها (8)، فاحتاط وجعلها منها ليكون على يقين، وهذا هو المشهور وهو (9) اختاره ابن القاسم، وقيل: يستأنف جميع الجمرات الثلاث، وهما في المدونة (10).

قوله: (وَأَجْزَأَ عَنْهُ وَعَنْ صَبِيٍّ) يعني: أنه لو رمى الجمرة بتمامها عن نفسه ثم رمى بها أيضًا عن الصبيِّ بتمامها، ثم كذلك في الجمرتين الباقيتين فإنه يجزئه، وقاله (11) عبد الملك وزاد: وقد أخطأ، وكذلك لو رمى عن الصبي أولًا ثم رمى عن نفسه

(1) في (ز): (اليوم).

(2)

انظر: التبصرة، للخمي، ص:1228.

(3)

في (ز): (تتابعها).

(4)

قوله: (أحد قولي) يقابله في (ن): (أصل قول).

(5)

انظر: المدونة: 1/ 435.

(6)

قوله: (هي) زيادة من (س).

(7)

قوله: (كما ذكر) زيادة من (س).

(8)

في (س): (بعد تمامها).

(9)

قوله: (هو) زيادة من (ن).

(10)

انظر: المدونة: 1/ 436.

(11)

في (ن): (وقال).

ص: 221

على ما تقدم.

وأشار بقوله: (وَلَوْ بِحَصَاةٍ حَصَاةٍ) إلى أنه إذا رمى الجمار الثلاث حصاة عن نفسه، ثم حصاة عن الصبيِّ، ثم كذلك إلى آخرها أنه يجزئه وهو المشهور، وعن (1) القابسي: أنه يعيد عن نفسه ولا يعتد من ذلك إلا بحصاة واحدة.

ابن يونس: وليس بصحيح لأنه تفريق يسير (2).

قوله: (وَرَمَى الْعَقَبَةَ أوَّلَ يَوْمٍ طُلُوعَ الشَّمْسِ) يريد: أنه يرمي جمرة العقبة يوم النحر، وهو المراد بـ (أول يوم طلوع الشمس)، وهذا هو الأفضل فيها (3).

قوله: (وَإِلَّا إِثْرَ الزَّوَالِ قَبْلَ الظُّهْرِ) أي: وإن كان الرمي في غير يوم النحر رمى الجمرات الثلاث إثر الزوال قبل صلاة الظهر وهو الأفضل، قاله في الموازية والواضحة (4).

(المتن)

وَوُقُوفُهُ إِثْرَ الأُولَيَيْنِ قَدْرَ إِسْرَاعِ الْبَقَرَةِ، وَتَيَاسُرُهُ فِي الثَّانِيَةِ وَتَحْصِيبُ الرَّاجِعِ لِيُصَلِّيَ أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ، وَطَوَافُ الْوَدَاعِ إِنْ خَرَجَ لِكَالْجُحْفَةِ لا كَالتَّنْعِيم؛ وَإِنْ صَغِيرًا. وَتَأَدَّى بِالإِفَاضَةِ وَالْعُمْرَةِ، وَلا يَرْجِعُ الْقَهْقَرَى. وَبَطَلَ بِإقَامَةِ بَعْضِ يَوْمٍ لا بِشُغْلٍ خَفَّ، وَرَجَعَ لَهُ إِنْ لَمْ يَخَفْ فَوَاتَ أَصْحَابِهِ. وَحُبِسَ الْكَرِيُّ، وَالْوَليُّ لِحَيْضٍ، أَوْ نِفَاسٍ، قَدْرَهُ وَقُيِّدَ إِنْ أَمِنَ، وَالرُّفْقَةُ فِي كَيَوْمَيْنِ. وَكُرِهَ رَمْيٌ بِمَرْمِيٍّ بِهِ، كَأَنْ يُقَالَ لِإفَاضَةِ طَوَافُ الزِّيَارَةِ، أَوْ زُرْنَا قَبْرَهُ صلى الله عليه وسلم وَرُقِيُّ الْبَيْتِ، أَوْ عَلَيْهِ، أَوْ مِنْبَرِهِ عليه الصلاة والسلام بِنَعْلٍ؛ بِخِلافِ الطَّوَافِ وَالْحِجْرِ، وَإِنْ قَصَدَ بِطَوَافِهِ نَفْسَهُ مَعَ مَحْمُولِهِ لَمْ يُجْزِئْ عَنْ وَاحِدٍ، وَأَجْزَأَ السَّعْي عَنْهُمَا كَمَحْمُولِينَ فِيهِمَا.

(الشرح)

قوله: (وَوُقُوفُهُ إِثْرَ الأُولَيَيْنِ قَدْرَ إِسْرَاعِ الْبَقَرَةِ) هذا معطوف على قوله: (وندب تتابعه) أي: وندب الوقوف إثر رمي الجمرة الأولى والوسطى قدر ما يقرأ القارئ

(1) قوله: (إلى آخرها أنه يجزئه وهو المشهور، وعن) يقابله في (ن): (حتى يفرغ من الجمار فإنه أجزأ عن نفسه وعن الصبي وهذا هو المشهور وذهب).

(2)

انظر: الجامع، لابن يونس، ص:1637.

(3)

قوله: (فيها) ساقط من (ن)، وفي (ز):(منها).

(4)

انظر: النوادر والزيادات: 2/ 401.

ص: 222

المسرع سورة البقرة، وأما جمرة العقبة فلا يقف عندها.

قوله: (وَتَيَاسُرُهُ في الثَّانِيَةِ) أي: ومما يندب أيضًا تياسر (1) الرامي عند الجمرة الوسطى (2)، وهو مراده بالثانية، فإذا رماها انصرف منها ذات الشمال إلى الجمرة التي في بطن المسيل فيقف أمامها مما يلي يسارها ووجهه إلى البيت، وقاله ابن المواز (3)، وفهم من كلامه أن الأولى لا يتياسر في وقوفه عندها، وحكاه الباجي عن مالك (4)، وقيل: إن وقوفه فيهما سواء. بعض الأشياخ: وهو مذهب مالك، وحكي أن الأول مذهب ابن المواز.

قوله: (وَتَحْصِيبُ الرَّاجِع ليُصَلِّي أرْبَعَ صَلَوَاتٍ) أي: ومما يندب أيضًا (5) للراجع من منى إلى مكة أن ينزل بالمحصب ليصلي به الظهر والعصر والمغرب والعشاء، كما فعله عليه السلام ثم يدخل مكة بعد ذلك. ابن حبيب: وهذا في غير التعجيل (6)، وأما في التعجيل (7) فلا (8).

قوله: (وَطَوَافُ الْوَدَاعِ إِنْ خَرَجَ لِكَالْجُحْفَةِ) أي: ومما يندب أيضًا طواف الوداع لمن خرج إلى نحو الجحفة من المواقيت الآفاقية؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: "لا ينفرن أحدكم حتى يكون آخر عهده بالبيت الطواف"(9)، وسواء خرج لأحد النسكين أو

(1) في (ن): (مياسرة).

(2)

قوله: (قدر ما

الوسطى) ساقط من (س).

(3)

انظر: النوادر والزيادات: 2/ 402.

(4)

انظر: المنتقى: 4/ 89.

(5)

قوله: (أيضًا) ساقط من (س).

(6)

في (س) و (ن): (المتعجل).

(7)

في (س): (المتعجل).

(8)

قوله: (أي: ومما يندب أيضًا للراجع من منى إلى مكة أن ينزل بالمحصب ليصلي به الظهر والعصر والمغرب والعشاء، كما فعله عليه السلام ثم يدخل مكة بعد ذلك. ابن حبيب: وهذا في غير التعجيل، وأما في التعجيل فلا) ساقط من (ن 1). وانظر: المنتقى: 4/ 86.

(9)

متفق عليه، أخرجه البخاري: 6/ 251، في باب طواف الوداع، من كتاب الحج، برقم: 1636، عن ابن عباس رضي الله عنه وهو في حكم المرفوع، ومسلم: 7/ 6، في باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض، من كتاب الحج، برقم: 2350، واللفظ له، ومالك: 1/ 370، في باب وداع البيت، من كتاب الحج، برقم: 825، عن عروة بن الزبير رضي الله عنه.

ص: 223

لحاجة. وعن أشهب: ليس عليه ذلك (1)، والأول (2) مذهب المدونة (3) وسواء كان الخارج آفاقيًّا أو مكيًّا.

قوله: (لا كَالتَّنْعِيمِ) أي: فإن خرج لنحو التنعيم فلا يندب في حقه الوداع لقرب المسافة، إلا أن ينوي الإقامة في الموضع الذي قد (4) خرج إليه.

قوله: (وَإنْ صَغِيرًا) يريد أنه لا فرق في طواف الوداع بين الصغير والكبير، وهو مذهب المدونة (5).

قوله: (وَتَأَدَّى بِالإِفَاضَةِ وَالْعُمْرَةِ) يعني: أنه (6) إذا طاف للإفاضة ثم خرج من فوره أو طاف للعمرة ثم خرج كذلك أنه يجزئه؛ لأن الغرض أن يكون آخر عهده بالبيت الطواف وقد (7) حصل، فلو لم يخرج من فوره بل أقام إقامة تبطل حكم التوديع فإنه يؤمر بذلك.

قوله: (وَلا يَرْجِعُ الْقَهْقَرَى) أي: إذا خرج مفارقًا للبيت لا يخرج مقهقرًا؛ إذ لم يرد ذلك عنه عليه الصلاة والسلام، والقهقرى (8): أن يخرج ووجهه في خروجه للبيت ثم يمشي إلى خلفه إلى أن يتوارى عنه البيت.

قوله: (وَبَطَلَ بِإقَامَةِ بَعْضِ يَوْمٍ (9) لا بِشُغْلٍ خَفَّ) أي: فإن ودع ثم أقام بمكة يومًا أو بعضه فإنه يطوف ثانيًا لبطلان الأول بخلاف ما إذا باع أو اشترى بعض حوائجه بمكة يوما (10) في ساعة أو فعل ما خف من شغله فإن طوافه الأول باقٍ، وهكذا قال (11)

(1) انظر: المنتقى: 3/ 511.

(2)

في (س): (والأولى).

(3)

انظر: المدونة: 1/ 493.

(4)

قوله: (قد) زيادة من (ن).

(5)

انظر: المدونة: 1/ 493.

(6)

قوله: (أنه) زيادة من (س).

(7)

قوله: (قد) زيادة من (ن).

(8)

في (س): والمقهقر.

(9)

قوله: (يَوْمٍ) ساقط من (ز)، وفي المطبوع من مختصر خليل:(يَوْمٍ بِمَكَّةَ).

(10)

قوله: (بمكة يوما) زيادة من (ن).

(11)

قوله: (قال) ساقط من (س).

ص: 224

في المدونة (1)، وعن مالك: إن ودع ثم أقام بمكة إلى الغد أنه من ذلك في سعة أن يخرج من غير وداع (2).

قوله: (وَرَجَعَ لَهُ) أي: لطواف الوداع إذا تركه.

قوله: (إِنْ لَمْ يَخَفْ فَوْتَ (3) أَصْحَابِهِ) أي (4): الذين يسير بسيرهم، قال في المدونة: ويرجع له ما لم يبعد (5). ابن القاسم: ولم يحدَّ فيه مالك أكثر من قوله: إن كان قريبًا، وأنا أرى أن يرجع ما (6) لم يخش فوات أصحابه أو منعًا من كَرِيِّه فيمضي حينئذٍ ولا شيء عليه، ومن تركه فلا شيء عليه (7).

قوله: (وَحُبِسَ الْكَرِيُّ وَالْوَلِيُّ لِحَيْضٍ أوْ نِفَاسٍ قَدْرِه) يريد أن المرأة إذا حاضت أو نفست؛ أي: ولم تكن طافت للإفاضة فإن الكري (8) يجبر على الإقامة بها بمقدار حيضها أو نفاسها، قال في المدونة: ويحبس عليها أقصى ما يمسكها الدم في الحيض والاستظهار، وأقصى جلوس النساء في النفاس من غير سقم، ولا يحبس أكثر من هذا (9). وأشار بقوله:(والولي) إلى ما ذكره الباجي وغيره أنه يحبس على وليته كحبس الكري (10)؛ إذ لا يمكنها أن تسافر مع غيره من الأجانب، وسواء في ذلك المحرم والزوج.

قوله: (وَقُيِّدَ إِنْ أَمِنَ) أي: فأما إذا لم يكن أمن كزماننا فلا. وقد قال اللخمي نحوه.

قوله: (وَالرُّفْقَةُ، في كَيَوْمَيْنِ) أي: وكذلك تحبس الرفقة لأجل المرأة كيومين (11) فإن

(1) انظر: المدونة: 1/ 492.

(2)

انظر: النوادر والزيادات: 2/ 437.

(3)

في (ز) و (ن) والمطبوع من مختصر خليل: (فوات).

(4)

قوله: (أي) ساقط من (س).

(5)

انظر: المدونة: 1/ 493.

(6)

في (س): (من).

(7)

انظر: النوادر والزيادات: 2/ 437.

(8)

في (ز): (المكري).

(9)

انظر: المدونة: 1/ 493.

(10)

في (س): (المكري). وانظر: المنتقى: 4/ 118.

(11)

في (س): (نحو اليومين).

ص: 225

كان عذرها يزيد على ذلك فلا، ونقله في الذخيرة عن مالك (1).

قوله: (وَكُرِهَ رَمْيٌ بمَرْمِيٍّ بهِ) يريد: أنه يكره أن يرمي الجمار بالحصى الذي رمي به، وشهره ابن بشير ثم حَكى قولًا بأن له الأخذ من ذلك، ومذهب أشهب وابن شعبان عدم الإجزاء فيعيد (2)، ومذهب المدونة الإجزاء (3).

قوله: (كَأَنْ يُقَالُ لِلإِفَاضَةِ طَوَافُ الزِّيَارةِ) يريد أن هذه المسألة تشارك ما قبلها في الكراهة كما ذكره (4)، فكما كره أن يرمي بما رمي به كذلك يكره أن يسمي طواف الإفاضة بطواف الزيارة، وقاله في المدونة (5)، وعلله بعضهم بأن لفظ الزيارة يقتضي التخيير، وطواف الإفاضة ركن لا تخيير فيه.

قوله: (أَوْ زُرْنَا قَبْرَهُ عليه السلام أي: ومما يكره أيضًا قول: "زرنا قبر النبي صلى الله عليه وسلم"، وعلله بأن زيارة قبره صلى الله عليه وسلم من أعظم القرب التي يترجح فعلها على تركها (6) فلا تخيير فيها، وقيل: لأن للزائر فضلًا على المزور، ورده (7) عياض "بحديث زيارة (8) أهل الجنة ربهم (9) ".

قوله: (وَرُقِيُّ الْبَيْتِ، أَوْ عَلَيْهِ، أَوْ مِنْبَرِهِ عليه السلام بِنَعْلٍ) أي: ومما يكره أن يرقى بيت الله الحرام، أو يصعد على ظهره، أو على منبره عليه السلام بنعل، قال في المدونة: وكره مالك أن يدخل البيت بالنعلين أو يرقى بهما الإمام أو غيره أو منبره عليه السلام (10)، وحكى التونسي كراهة الصعود بهما على ظهر البيت (11) الحرام (12).

(1) قوله: (قوله: "وَالرُّفْقَةُ، في كَيَوْمَيْنِ"

ونقله في الذخيرة عن مالك) ساقط من (ن). وانظر: الذخيرة، للقرافي: 3/ 271 و 272.

(2)

انظر: الذخيرة: 3/ 264، والتوضيح: 3/ 29.

(3)

انظر: المدونة: 1/ 436.

(4)

قوله: (كما ذكره) ساقط من (س).

(5)

انظر: المدونة: 1/ 400.

(6)

قوله: (على تركها) ساقط من (س).

(7)

في (ز): (وزاده).

(8)

قوله: (زيارة) ساقط من (ز).

(9)

في (ن) و (ن 2): (لربهم).

(10)

انظر: المدونة: 1/ 426 و 427.

(11)

انظر: التوضيح: 2/ 586.

(12)

قوله: (الحرام) زيادة من (ن).

ص: 226