الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فتعالين أمتعكن وأسرحكن أَيْ بَعْدَ الِاخْتِيَارِ وَدَلَالَةُ الْمَنْطُوقِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى دَلَالَةِ الْمَفْهُومِ انْتَهَى مَا فِي فَتْحِ الْبَارِي
(بَاب مَا جَاءَ فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا لَا سُكْنَى لَهَا)
وَلَا نَفَقَةَ [1180] قَوْلُهُ (طَلَّقَنِي زَوْجِي ثَلَاثًا) وفِي رِوَايَةٍ فَبَعَثَ إِلَيْهَا بِتَطْلِيقَةٍ كَانَتْ بَقِيَتْ لَهَا (لَا سُكْنَى لَكِ وَلَا نَفَقَةَ) اسْتَدَلَّ بِهِ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَغَيْرُهُمَا عَلَى أَنَّ المطلقة ثلاثا لا سكنى لها ولا نفقة (فَذَكَرْتُهُ) أَيْ حَدِيثَ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ (لِإِبْرَاهِيمَ) هُوَ النَّخَعِيُّ (فَقَالَ) أَيْ إِبْرَاهِيمُ (لَا نَدَعُ) بِفَتْحِ الدَّالِ أَيْ لَا نَتْرُكُ (كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا) سَيَأْتِي بَيَانُ مَا هُوَ الْمُرَادُ من كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا (بِقَوْلِ امْرَأَةٍ لَا نَدْرِي أَحَفِظَتْ أَمْ نَسِيَتْ فَكَانَ عُمَرُ يَجْعَلُ لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةَ) اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ إِنَّ لِلْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا النَّفَقَةَ وَالسُّكْنَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَ حَدِيثَ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ الْجَمَاعَةُ بِأَلْفَاظٍ
مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَالشَّعْبِيُّ وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَقَالُوا لَيْسَ لِلْمُطَلَّقَةِ سُكْنَى وَلَا نَفَقَةٌ إِذَا لَمْ يَمْلِكْ زَوْجُهَا الرَّجْعَةَ) وَهُوَ قَوْلُ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَطَاوُسٍ وَعِكْرِمَةَ وَإِبْرَاهِيمَ فِي رِوَايَةٍ وَأَهْلِ الظاهر كذا في عمدة القارىء
(وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْهُمْ عُمَرُ وَعَبْدُ اللَّهِ إِنَّ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ) وَهُوَ قول حماد وشريح والنخعي وبن أبي ليلى وبن شُبْرُمَةَ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ لَهَا السُّكْنَى وَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَالشَّافِعِيِّ) وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ وَأَبِي عُبَيْدَةَ
وقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِنَّ لَهَا النَّفَقَةَ دُونَ السُّكْنَى حَكَاهُ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ
واحْتَجَّ الْأَوَّلُونَ بِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ وَهُوَ نَصٌّ صَحِيحٌ صَرِيحٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ
قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ قِصَّةُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ رُوِيَتْ مِنْ وُجُوهٍ صِحَاحٍ مُتَوَاتِرَةٍ انْتَهَى
واحْتَجَّ مَنْ قَالَ إِنَّ لَهَا النَّفَقَةَ وَالسُّكْنَى بِقَوْلِ عُمَرَ رضي الله عنه لَا نَتْرُكُ كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا بِقَوْلِ امْرَأَةٍ لَا نَدْرِي حَفِظَتْ أَوْ نَسِيَتْ لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أن يأتين بفاحشة مبينة وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَلَفْظُهُ قَالَ قَالَ عُمَرُ لَهَا إِنْ جِئْتِ بِشَاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنَّهُمَا سَمِعَاهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِلَّا لم نترك كتاب الله لقول امْرَأَةٍ
قَالُوا فَظَهَرَ أَنَّ حَدِيثَ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ مُخَالِفٌ لِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ
وأُجِيبَ بِأَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِكِتَابِ اللَّهِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ الَّذِي فَهِمَهُ السَّلَفُ مِنْ قَوْلِهِ تعالى لا تخرجوهن من بيوتهن فَهُوَ مَا فَهِمَتْهُ فَاطِمَةُ مِنْ كَوْنِهِ فِي الرَّجْعِيَّةِ لِقَوْلِهِ فِي آخِرِ الْآيَةِ (لَعَلَّ اللَّهَ يحدث بعد ذلك أمرا) لِأَنَّ الْأَمْرَ الَّذِي يُرْجَى إِحْدَاثُهُ هُوَ الرَّجْعَةُ لَا سِوَاهُ
وهُوَ الَّذِي حَكَاهُ الطَّبَرِيُّ عَنْ قَتَادَةَ وَالْحَسَنِ وَالسُّدِّيِّ وَالضَّحَّاكِ وَلَمْ يُحْكَ عَنْ أَحَدٍ غَيْرِهِمْ خِلَافُهُ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَلَوْ سَلِمَ الْعُمُومُ فِي الْآيَةِ لَكَانَ حَدِيثُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ مُخَصِّصًا لَهُ وَبِذَلِكَ يَظْهَرُ أَنَّ الْعَمَلَ بِهِ لَيْسَ بِتَرْكٍ لِلْكِتَابِ الْعَزِيزِ كَمَا قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه
فَإِنْ قُلْتَ إِنَّ قَوْلَهُ وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ حَفِظَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا مِنَ السُّنَّةِ يُخَالِفُ قَوْلَ فَاطِمَةَ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ مِنَ السُّنَّةِ كَذَا لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ
قُلْتُ صرح
الْأَئِمَّةُ بِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ شَيْءٌ مِنَ السُّنَّةِ يُخَالِفُ قَوْلَ فَاطِمَةَ
ومَا وَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ
فَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ لَا يَصِحُّ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ
وقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ السُّنَّةُ بِيَدِ فَاطِمَةَ قَطْعًا
وأَيْضًا تِلْكَ الرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَمَوْلِدُهُ بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ بِسَنَتَيْنِ
فَإِنْ قُلْتَ قَالَ صَاحِبُ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ إِنَّ النَّخَعِيَّ لَا يُرْسِلُ إِلَّا صَحِيحًا كَمَا فِي أَوَائِلِ التَّمْهِيدِ انْتَهَى
قُلْتُ قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ صَحَّحُوا مَرَاسِيلَهُ
وخَصَّ الْبَيْهَقِيُّ ذَلِكَ بِمَا أرسله عن بن مَسْعُودٍ انْتَهَى
(وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إِنَّمَا جَعَلْنَا لَهَا) أَيْ لِلْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا (السُّكْنَى بِكِتَابِ اللَّهِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة قَوْلُهُ تَعَالَى بِتَمَامِهِ هَكَذَا يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف إِلَخْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى هَذَا لِلْمُطَلَّقَاتِ الرَّجْعِيَّةِ فَاسْتِدْلَالُ الشَّافِعِيِّ بِهِ عَلَى أَنَّ لِلْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا السُّكْنَى مَحَلُّ نَظَرٍ فَتَفَكَّرْ (قَالُوا هُوَ
الْبَذَاءُ أَنْ تَبْذُوَ عَلَى أَهْلِهَا) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْبَذِيُّ كَرَضِيٍّ الرَّجُلُ الْفَاحِشُ وَهِيَ بِالْبَاءِ وَقَدْ بَذُوَ بَذَاءً وَبَذَاءَةً وَبَذَوْتُ عَلَيْهِمْ وَأَبْذَيْتُهُمْ مِنَ الْبَذَاءِ وَهُوَ الْكَلَامُ الْقَبِيحُ انْتَهَى
وَقَالَ في تفسير الخازن قال بن عَبَّاسٍ الْفَاحِشَةُ الْمُبَيِّنَةُ بَذَاءَتُهَا عَلَى أَهْلِ زَوْجِهَا
فَيَحِلُّ إِخْرَاجُهَا لِسُوءِ خُلُقِهَا
وقِيلَ أَرَادَ بِالْفَاحِشَةِ أَنْ تَزْنِيَ فَتُخْرَجُ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهَا ثُمَّ ترد إلى منزلها
ويروى ذلك عن بن مَسْعُودٍ انْتَهَى
(وَاعْتُلَّ بِأَنَّ فَاطِمَةَ ابْنَةَ قَيْسٍ لَمْ يَجْعَلْ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم السُّكْنَى لَمَّا كَانَتْ تَبْذُو عَلَى أَهْلِهَا) وفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ عَائِشَةَ عَابَتْ ذَلِكَ أَشَدَّ الْعَيْبِ وَقَالَتْ إِنَّ فَاطِمَةَ كَانَتْ فِي مَكَانٍ وَحِشٍ فَخِيفَ عَلَى نَاحِيَتِهَا فَلِذَلِكَ أَرْخَصَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
وهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ سَبَبَ الْإِذْنِ فِي انْتِقَالِ فَاطِمَةَ أَنَّهَا كَانَتْ فِي مَكَانٍ وَحِشٍ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ سُوءِ الْخُلُقِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَا نَفَقَةَ لَهَا لِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي قِصَّةِ حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ) فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا لَهَا السُّكْنَى بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا نَفَقَةَ لَهَا بِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ
وَالْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ طَوِيلٌ فَعَلَيْكَ بِالْمُطَوَّلَاتِ