الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(بَاب مَا جَاءَ فِي الِاشْتِرَاطِ فِي الْحَجِّ)
[941]
قَوْلُهُ (أَنَّ ضُبَاعَةَ) بِضَمِّ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ والعين المهملة (بنت الزبير) أي بن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ (مَحِلِّي) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْحَاءِ أَيْ مَحِلُّ خُرُوجِي مِنَ الْحَجِّ وَمَوْضِعُ حَلَالِي مِنَ الْإِحْرَامِ أَيْ زَمَانُهُ وَمَكَانُهُ (حَيْثُ تَحْبِسُنِي) أَيْ تَمْنَعُنِي يَا اللَّهُ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ) أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ (وَأَسْمَاءَ) أَيْ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه أخرجه بن مَاجَهْ (وَعَائِشَةَ) قَالَتْ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ فَقَالَ لَهَا لَعَلَّكِ أَرَدْتِ الْحَجَّ قَالَتْ وَاللَّهِ مَا أَجِدُنِي إِلَّا وَجِعَةً فَقَالَ لَهَا حُجِّي وَاشْتَرِطِي وَقُولِي اللَّهُمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي وَكَانَتْ تَحْتَ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ
وفِي الْبَابِ عَنْ ضُبَاعَةَ نَفْسِهَا وَعَنْ سُعْدَى بِنْتِ عَوْفٍ وَأَسَانِيدُهَا كُلُّهَا قَوِيَّةٌ انْتَهَى
وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ أَنَسٍ وبن مَسْعُودٍ وَأُمِّ سُلَيْمٍ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ فِي الْكَبِيرِ وَفِي إسناده بن إِسْحَاقَ وَلَكِنَّهُ صَرَّحَ بِالتَّحْدِيثِ وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ رِجَالُ الصحيح وعن بن عُمَرَ رضي الله عنه فِي الطَّبَرَانِيِّ فِي الْكَبِيرِ وَفِيهِ عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ
قوله (حديث بن عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ
قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَصَحَّ الْقَوْلُ بِالِاشْتِرَاطِ عَنْ عمر وعثمان وعلي وعمار وبن مَسْعُودٍ وَعَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يَصِحَّ إِنْكَارُهُ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ إلا عن بن عُمَرَ وَوَافَقَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَلَمْ يَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ الِاشْتِرَاطَ فِي الْحَجِّ إِلَخْ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَبَعْضِ التَّابِعِينَ
وأجابوا من حَدِيثِ ضُبَاعَةَ بِأَجْوِبَةٍ مِنْهَا أَنَّهُ خَاصٌّ بِضُبَاعَةَ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ تَأْوِيلٌ بَاطِلٌ وَقِيلَ مَعْنَاهُ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسَنِي الْمَوْتُ إِذَا أَدْرَكَتْنِي الْوَفَاةُ انْقَطَعَ إِحْرَامِي حَكَاهُ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَأَنْكَرَهُ النَّوَوِيُّ وَقَالَ إِنَّهُ ظَاهِرُ الْفَسَادِ
وقِيلَ إِنَّ الشَّرْطَ خَاصٌّ بِالتَّحَلُّلِ مِنَ الْعُمْرَةِ لَا مِنَ الْحَجِّ حَكَاهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ
وقِصَّةُ ضُبَاعَةَ تَرُدُّهُ كَمَا تقدم من سياق مسلم
وقد أطنب بن حَزْمٍ فِي التَّعَقُّبِ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ الِاشْتِرَاطَ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ قَالَهُ الْحَافِظُ
5 -
بَاب مِنْهُ [942] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ (أَنَّهُ كَانَ يُنْكِرُ الِاشْتِرَاطَ فِي الحج) أشار بن عُمَرَ بِإِنْكَارِ الِاشْتِرَاطِ إِلَى مَا كَانَ يُفْتِي به بن عباس قال البيهقي لو بلغ بن عُمَرَ حَدِيثُ ضُبَاعَةَ فِي الِاشْتِرَاطِ لَقَالَ بِهِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (وَيَقُولُ أَلَيْسَ حَسْبُكُمْ سُنَّةَ نبيكم) أي ليس يَكْفِيكُمْ سُنَّةُ نَبِيِّكُمْ لِأَنَّ مَعْنَى الْحَسْبِ الْكِفَايَةُ ومنه حسبنا الله أي كافينا
وحسبكم مرفوع لأنه اسم ليس وسنة نَبِيِّكُمْ مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ لَيْسَ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مُطَوَّلًا باب
6 -
ما جاء في المرأة تحيض بعد الْإِفَاضَةِ أَيْ بَعْدَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ
[943]
قَوْلُهُ (ذُكِرَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ) بِضَمِّ الحاء المهملة وبالتحتيين مُصَغَّرًا (فَقَالَ أَحَابِسَتُنَا هِيَ) الْهَمْزَةُ فِيهِ لِلِاسْتِفْهَامِ أَيْ أَمَانِعَتُنَا مِنَ التَّوَجُّهِ مِنْ مَكَّةَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي أَرَدْنَا التَّوَجُّهَ فِيهِ ظَنًّا مِنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا مَا طَافَتْ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ (قَدْ أَفَاضَتْ) أَيْ طَافَتْ طَوَافَ الزِّيَارَةِ (فَلَا إِذًا) أَيْ فَلَا حَبْسَ عَلَيْنَا حِينَئِذٍ أَيْ إِذَا أَفَاضَتْ فَلَا مَانِعَ لَنَا مِنَ التَّوَجُّهِ لِأَنَّ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهَا قَدْ فعلته
قوله (وفي الباب عن بن عمر) أخرجه الترمذي والنسائي والحاكم (وبن عَبَّاسٍ) قَالَ كَانَ النَّاسُ يَنْصَرِفُونَ فِي كُلِّ وَجْهٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَنْفِرُ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ
أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وبن ماجه وفي رواية أمر الناس أن يكون آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ إِلَّا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنِ الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ
أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ
[944]
قَوْلُهُ (وَرَخَّصَ لَهُنَّ) أَيْ لِلنِّسَاءِ اللَّاتِي حِضْنَ بَعْدَ أَنْ طُفْنَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ أَنْ يَتْرُكْنَ طواف الوداع
قوله (حديث بن عُمَرَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ كَذَا فِي النَّيْلِ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ) قال بن الْمُنْذِرِ قَالَ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ بِالْأَمْصَارِ لَيْسَ عَلَى الْحَائِضِ الَّتِي أَفَاضَتْ طَوَافُ الْوَدَاعِ وَرُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه وبن عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُمْ أَمَرُوهَا بِالْمُقَامِ إِذَا كَانَتْ حَائِضًا لِطَوَافِ الْوَدَاعِ
وكَأَنَّهُمْ أَوْجَبُوا عَلَيْهَا طَوَافَ الْإِفَاضَةِ إِلَى أَنْ قَالَ وَقَدْ ثبت رجوع بن عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ ذَلِكَ وَبَقِيَ عُمَرُ فَخَالَفْنَاهُ لِثُبُوتِ حَدِيثِ عَائِشَةَ انْتَهَى بِقَدْرِ الحاجة
7 -
مَا جَاءَ مَا تَقْضِي الْحَائِضُ مِنْ الْمَنَاسِكِ [945] قَوْلُهُ (أَنْ أَقْضِيَ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا إِلَّا الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ (أَهِلِّي بِالْحَجِّ وَاصْنَعِي مَا يَصْنَعُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ) وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ عَائِشَةَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا أَيْ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْإِسْنَادِ الَّذِي أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ
وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا وَلَهُ أَلْفَاظٌ
قوله (حدثنا زياد بن أيوب) بن زِيَادٍ الْبَغْدَادِيُّ وَأَبُو هَاشِمٍ الطُّوسِيُّ الْأَصْلِ يُلَقَّبُ دَلُّوَيْهِ وَكَانَ يَغْضَبُ مِنْهَا وَلَقَّبَهُ أَحْمَدُ شُعْبَةَ الصَّغِيرَ ثِقَةٌ حَافِظٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (أَخْبَرَنَا مَرْوَانُ بْنُ شُجَاعٍ) الْجَزَرِيُّ أَبُو عَمْرٍو وَيُقَالُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْأُمَوِيُّ مَوْلَاهُمْ نَزَلَ بَغْدَادَ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ وَيُقَالُ لَهُ الْخُصَيْفِيُّ لِكَثْرَةِ رِوَايَتِهِ عَنْ خَصِيفٍ
قَوْلُهُ (إِنَّ النُّفَسَاءَ وَالْحَائِضَ تَغْتَسِلُ وَتُحْرِمُ إِلَخْ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ إِذَا أَتَتَا عَلَى الْوَقْتِ تَغْتَسِلَانِ وَتُحْرِمَانِ وَتَقْضِيَانِ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا إِلَخْ
قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ صِحَّةُ إِحْرَامِ النُّفَسَاءِ وَالْحَائِضِ وَاسْتِحْبَابُ اغْتِسَالِهِمَا لِلْإِحْرَامِ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَى الْأَمْرِ بِهِ لَكِنَّ مَذْهَبَنَا وَمَذْهَبَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْجُمْهُورِ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ وقَالَ الْحَسَنُ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ هُوَ وَاجِبٌ وَالْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ يَصِحُّ مِنْهُمَا جَمِيعُ أَفْعَالِ الْحَجِّ إِلَّا الطَّوَافَ وَرَكْعَتَيْهِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم إصنعي ما يصنع الحاج غيرأن لَا تَطُوفِي وَفِيهِ أَنَّ رَكْعَتَيْ الْإِحْرَامِ سُنَّةٌ لَيْسَتَا بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الْحَجِّ لِأَنَّ أَسْمَاءَ لَمْ تُصَلِّهِمَا انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ وَفِي إِسْنَادِهِ خُصَيْفٌ وهو بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَرَّانِيُّ كُنْيَتُهُ أَبُو عَوْنٍ وَقَدْ ضعفه غير واحد انتهى كلام المنذري
8 -
ما جاء من حج واعتمر فَلْيَكُنْ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ [946] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكُوفِيُّ) النَّاجِيُّ الْوَشَّاءُ ثِقَةٌ رَوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَرَوَى عَنْهُ الترمذي وبن مَاجَهْ وَغَيْرُهُمَا (أَخْبَرَنَا
الْمُحَارِبِيُّ) هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْكُوفِيُّ لَا بَأْسَ بِهِ وَكَانَ يُدَلِّسُ من التاسعة (عن عبد الملك بن مغيرة) الطَّائِفِيِّ مَقْبُولٌ مِنَ الرَّابِعَةِ
وقَالَ فِي تَهْذِيبِ التهذيب روى عن بن عَبَّاسٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَعَنْهُ الحجاج بن أرطاة وغيره وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ ثُمَّ تَحْتَانِيَّةٍ سَاكِنَةٍ وَفَتْحِ اللَّامِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ هُوَ مَوْلَى عُمَرَ رضي الله عنه مَدَنِيٌّ نَزَلَ حَرَّانَ ضَعِيفٌ مِنَ السَّادِسَةِ
وقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي زَيْدٍ هو بن البيلماني روى عن بن عَبَّاسٍ وَعَمْرِو بْنِ أَوْسٍ وَغَيْرِهِمَا (عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ) الثَّقَفِيِّ الطَّائِفِيِّ تَابِعِيٌّ كَبِيرٌ مِنَ الثَّانِيَةِ وَهِمَ مَنْ ذَكَرَهُ فِي الصَّحَابَةِ (عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَوْسٍ) قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ الْحَارِثُ بْنُ أَوْسٍ وَيُقَالُ بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَوْسٍ الثَّقَفِيُّ حِجَازِيٌّ سَكَنَ الطَّائِفَ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَنْ عُمَرَ وَعَنْهُ عَمْرُو بْنُ أَوْسٍ الثَّقَفِيُّ قَوْلُهُ (مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ أَوْ اعْتَمَرَ فَلْيَكُنْ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ) كَذَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِزِيَادَةِ أَوِ اعْتَمَرَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ وَلَيْسَ فِيهِ هَذِهِ الزِّيَادَةُ وليس هذه الزيادة في حديث بن عَبَّاسٍ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ فَهَذِهِ الزِّيَادَةُ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ (فَقَالَ لَهُ عُمَرُ) بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ (خَرَرْتَ مِنْ يَدَيْك) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ أَيْ سَقَطْتَ مِنْ أَجْلِ مَكْرُوهٍ يُصِيبُ يَدَيْك مِنْ قَطْعٍ أَوْ وَجَعٍ وَقِيلَ هُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الْخَجَلِ
يُقَالُ خَرَرْتُ عَنْ يَدِي أَيْ خَجِلْتُ وَسِيَاقُ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ سَقَطْتَ إِلَى الْأَرْضِ مِنْ سَبَبِ يَدَيْك أَيْ مِنْ جِنَايَتِهِمَا كَمَا يُقَالُ لِمَنْ وَقَعَ فِي مَكْرُوهٍ إِنَّمَا أَصَابَهُ ذَلِكَ مِنْ يَدِهِ أَيْ مِنْ أَمْرِ عَمَلِهِ
وحَيْثُ كَانَ الْعَمَلُ بِالْيَدِ أُضِيفَ إِلَيْهَا انْتَهَى
ووَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ أَرِبْتَ عَنْ يَدَيْك
قَالَ الْجَزَرِيُّ أَيْ سَقَطَتْ آرَابُك مِنَ الْيَدَيْنِ خَاصَّةً
وقَالَ الْهَرَوِيُّ مَعْنَاهُ ذَهَبَ مَا فِي يَدَيْك حَتَّى تَحْتَاجَ وَفِي هَذَا نَظَرٌ لِأَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِهَذَا الْحَدِيثِ خَرَرْتَ عَنْ يَدَيْك وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنِ الْخَجَلِ مَشْهُورَةٌ كَأَنَّهُ أَرَادَ أَصَابَك خَجَلٌ أَوْ ذَمٌّ وَمَعْنَى خَرَرْتَ سَقَطْتَ انْتَهَى
قَالَ فِي حَاشِيَةِ النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ فَإِنْ قُلْتَ كَانَ عُمَرُ رضي الله عنه يَرَى ذَلِكَ بِرَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ فَلِمَ غَضِبَ عَلَيْهِ قُلْتُ غَضَبُهُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُبَلِّغَ هَذَا الْحَدِيثَ عِنْدَ أَدَاءِ الْمَنَاسِكِ لِكَيْ يَرَى النَّاسُ ذَلِكَ سُنَّةً وَلَمْ يُسْنِدْهُ إِلَى اجْتِهَادِ عُمَرَ وَرَأْيِهِ انتهى
قُلْتُ هَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَل وَجْهُ ذَلِكَ مَذْكُورٌ صَرَاحَةً فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فَقَدْ رَوَاهَا عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ أَتَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَسَأَلْتُهُ عَنِ الْمَرْأَةِ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ تَحِيضُ
قَالَ لِيَكُنْ آخِرُ عَهْدِهَا بِالْبَيْتِ
قَالَ فَقَالَ الْحَارِثُ كَذَلِكَ أَفْتَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فَقَالَ عُمَرُ أَرِبْتَ عَنْ يَدَيْك سَأَلْتَنِي عَنْ شَيْءٍ سَأَلْتَ عَنْهُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِكَيْ ما أخالف
قوله (وفي الباب عن بن عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ كَانَ النَّاس يَنْصَرِفُونَ فِي كُلِّ وَجْهٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَنْفِرُ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ
رَوَاهُ أَحْمَدُ ومسلم وأبو داود وبن ماجه
وفي رواية أمر الناس أن يكون آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ إِلَّا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنِ الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى
قَوْلُهُ (حَدِيثُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَوْسٍ حَدِيثٌ غَرِيبٌ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالْإِسْنَادُ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ حَسَنٌ وأخرجه الترمذي بإسناده ضَعِيفٍ وَقَالَ غَرِيبٌ
انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ
قُلْتُ فِي إِسْنَادِ التِّرْمِذِيِّ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَهُوَ صدوق كثير الخطأ والتدليس وروي هذا الحديث عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مُغِيرَةَ بِالْعَنْعَنَةِ وَفِي إِسْنَادِهِ أَيْضًا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْبَيْلَمَانِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا عَرَفْتَ
وأَمَّا أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ فَأَخْرَجَاهُ بِإِسْنَادٍ آخِرَ غَيْرِ إِسْنَادِ التِّرْمِذِيِّ
وفِي أَحَادِيثِ الْبَابِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ طَوَافِ الْوَدَاعِ
قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَيَلْزَمُ بتركه دم
وقال مالك وداود وبن الْمُنْذِرِ هُوَ سُنَّةٌ لَا شَيْءَ فِي تَرْكِهِ
قَالَ الْحَافِظُ وَالَّذِي رَأَيْتُهُ لِابْنِ الْمُنْذِرِ فِي الْأَوْسَطِ أَنَّهُ وَاجِبٌ إِلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ بِتَرْكِهِ شَيْءٌ انْتَهَى
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَقَدْ اجْتَمَعَ فِي طَوَافِ الْوَدَاعِ أَمْرُهُ صلى الله عليه وسلم وَنَهْيُهُ عَنْ تَرْكِهِ وَفِعْلُهُ الَّذِي هُوَ بَيَانٌ لَلْمُجْمَلِ الْوَاجِبِ وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ يفيد الوجوب والله تعالى أعلم
9 -
مَا جَاءَ أَنَّ الْقَارِنَ يَطُوفُ طَوَافًا وَاحِدًا [947] قَوْلُهُ (فَطَافَ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا) اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ بِكِفَايَةِ الطَّوَافِ الْوَاحِدِ لِلْقَارِنِ وَإِلَيْهِ ذهب الجمهور
قوله (وفي الباب عن بن عمر) أخرجه أحمد وبن مَاجَهْ مَرْفُوعًا مَنْ قَرَنَ بَيْنَ حَجِّهِ وَعُمْرَتِهِ أَجْزَأَهُ لَهُمَا طَوَافٌ وَاحِدٌ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا ويأتي لفظه (وبن عباس رضي الله عنه أخرجه بن مَاجَهْ عَنْ عَطَاءٍ وَطَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ عَنْ جَابِرِ بن عبد الله وبن عمر وبن عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَطُفْ هُوَ وَأَصْحَابُهُ لِعُمْرَتِهِمْ وَحَجَّتِهِمْ حِينَ قَدِمُوا إِلَّا طَوَافًا وَاحِدًا
وفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ الْحَدِيثَ
وفِيهِ فَطَافَ الَّذِينَ كَانُوا أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حَلُّوا ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى لِحَجِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فإنما طافوا طوافا واحدا
أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ جَابِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ بِلَفْظِ لَمْ يَطُفْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَلَا أَصْحَابُهُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إِلَّا طَوَافًا وَاحِدًا طَوَافَهُ الْأَوَّلَ
قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَتَمَسَّكُوا بِأَحَادِيثِ الْبَابِ
قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ) قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ يُحْكَى عن علي بن أبي طالب وبن مَسْعُودٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ انْتَهَى
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَاحْتَجَّ الْحَنَفِيَّةُ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَطَافَ لَهُمَا طَوَافَيْنِ وَسَعَى لَهُمَا سَعْيَيْنِ ثُمَّ قَالَ هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَعَلَ وَطُرُقُهُ عَنْ عَلِيٍّ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ والدّارَقُطْنِيِّ وَغَيْرِهِمَا ضَعِيفَةٌ وَكَذَا أُخْرِجَ مِنْ حَدِيثِ بن مَسْعُودٍ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ نَحْوُهُ وَأُخْرِجَ مِنْ حَدِيثِ بن عُمَرَ نَحْوُ ذَلِكَ وَفِيهِ الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ وَهُوَ مَتْرُوكٌ وَالْمُخَرَّجُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَفِي السُّنَنِ عَنْهُ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ الِاكْتِفَاءُ بِطَوَافٍ وَاحِدٍ
وقَالَ الْبَيْهَقِيُّ إِنْ ثَبَتَتْ الرِّوَايَةُ أَنَّهُ طَافَ طَوَافَيْنِ فَيُحْمَلُ عَلَى طَوَافِ الْقُدُومِ وَطَوَافِ الْإِفَاضَةِ وأما السعي مرتين فلم يثبت
وقال بن حَزْمٍ لَا يَصِحُّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ أَصْلًا
قَالَ الْحَافِظُ لَكِنْ رَوَى الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ مَرْفُوعًا عن علي وبن مَسْعُودٍ ذَلِكَ بِأَسَانِيدَ لَا بَأْسَ بِهَا إِذَا اجْتَمَعَتْ وَلَمْ أَرَ فِي الْبَابِ أَصَحَّ مِنْ حديثي بن عُمَرَ وَعَائِشَةَ الْمَذْكُورَيْنِ فِي هَذَا الْبَابِ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَافِظُ كَلَامًا حَسَنًا مَنْ شَاءَ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ فَلْيَرْجِعْ إِلَى فَتْحِ الْبَارِي
وأَرَادَ بِحَدِيثِ بن عُمَرَ الْحَدِيثَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ وَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ وَلَفْظُهُ وَأَرَادَ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْحَدِيثَ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ وَفِيهِ وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا
قُلْتُ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ هُوَ أَنَّ الْقَارِنَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إِلَّا طَوَافٌ وَاحِدٌ كَالْمُفْرِدِ
[948]
قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ) هُوَ الدَّرَاوَرْدِيُّ
قَوْلُهُ (مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَجْزَأَهُ طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ مِنْهُمَا) أَيْ مِنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ بِلَفْظِ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ كَفَاهُ لَهُمَا طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي
وهَذَا الْحَدِيثُ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْقَارِنَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إِلَّا طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وبن ماجه بَابُ
00 -
مَا جَاءَ أَنَّ مُكْثَ الْمُهَاجِرِ بِمَكَّةَ بَعْدَ الصَّدَرِ ثَلَاثًا قَالَ فِي النِّهَايَةِ الصَّدَرُ بالتحريك رجوع المسافر من مقصد وَالشَّارِبَةِ مِنَ الْوِرْدِ يُقَالُ صَدَرَ يَصْدُرُ صُدُورًا وَصَدَرًا انْتَهَى
وقَالَ فِي الْمَجْمَعِ أَيْ بَعْدَ الرُّجُوعِ مِنْ مِنًى وَكَانَ إِقَامَةُ الْمُهَاجِرِ بِمَكَّةَ حَرَامًا ثُمَّ أُبِيحَ بَعْدَ قَضَاءِ النُّسُكِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ انْتَهَى
[949]
قَوْلُهُ (يَمْكُثُ) بِضَمِّ الْكَافِ مِنْ بَابِ نَصَرَ يَنْصُرُ أَيْ يُقِيمُ (الْمُهَاجِرُ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ) أَيْ
بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ مِنًى كَمَا قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى بَعْدَ الصَّدْرِ أَيْ الصَّدْرِ مِنْ مِنًى قَالَهُ النَّوَوِيُّ (بِمَكَّةَ ثَلَاثًا) أَيْ يَجُوزُ لَهُ مُكْثُ هَذِهِ الْمُدَّةِ لِقَضَاءِ حَوَائِجِهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا بَلْدَةٌ تَرَكَهَا الله تَعَالَى فَلَا يُقِيمُ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ هَذِهِ الْمُدَّةِ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْعَوْدَ إِلَى مَا تَرَكَهُ لِلَّهِ تَعَالَى قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ مَكَّةَ قَبْلَ الْفَتْحِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حُرِّمَ عَلَيْهِمْ اسْتِيطَانُ مَكَّةَ وَالْإِقَامَةُ بِهَا ثُمَّ أُبِيحَ لَهُمْ إِذَا وَصَلُوهَا بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا أَنْ يُقِيمُوا بَعْدَ فَرَاغِهِمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَا يَزِيدُوا عَلَى الثَّلَاثَةِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْهِجْرَةِ وَمُسْلِمٌ فِي الْحَجِّ وَأَبُو دَاوُدَ أَيْضًا فِي الْحَجِّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا فِي الْحَجِّ وَفِي الصلاة وبن مَاجَهْ فِي الصَّلَاةِ (وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مَرْفُوعًا) إِنْ شِئْتَ الْوُقُوفَ عَلَى ذَلِكَ فَارْجِعْ إِلَى الصَّحِيحَيْنِ وَالسُّنَنِ وَقَدْ ذَكَرْنَا مَوَاقِعَ الْحَدِيثِ فِيهَا بَاب
01 -
مَا جاء ما يقول عند القفول من الحج وَالْعُمْرَةِ أَيْ عِنْدَ الرُّجُوعِ مِنْهُمَا [950] قَوْلُهُ (إِذَا قَفَلَ) أَيْ رَجَعَ (فَعَلَا) الْفَاءُ لِلْعَطْفِ وَعَلَا فعل ماضي (فَدْفَدًا) بِتَكْرَارِ الْفَاءِ الْمَفْتُوحَةِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ الْمَكَانُ الَّذِي فِيهِ ارْتِفَاعٌ وَغِلَظٌ قَالَهُ السُّيُوطِيُّ وَكَذَلِكَ فِي النِّهَايَةِ وَجَمْعُهُ فَدَافِدُ أَوْ شَرَفًا) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ (كَبَّرَ) جَوَابُ إِذَا (آئِبُونَ) بِهَمْزَةٍ مَمْدُودَةٍ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَكْسُورَةٌ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ آبَ يَئُوبُ إِذَا رَجَعَ أَيْ نَحْنُ رَاجِعُونَ مِنْ السَّفَرِ بِالسَّلَامَةِ إِلَى أوطاننا (تائبون) أي مِنَ الْمَعْصِيَةِ إِلَى الطَّاعَةِ (عَابِدُونَ) أَيْ لِمَعْبُودِنَا (سَائِحُونَ) جَمْعُ سَائِحٍ مِنْ
سَاحَ الْمَاءُ يَسِيحُ إِذَا جَرَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَيْ سَائِرُونَ لِمَطْلُوبِنَا وَدَائِرُونَ لِمَحْبُوبِنَا قَالَهُ القارىء فِي الْمِرْقَاةِ (لِرَبِّنَا حَامِدُونَ) أَيْ لَا لِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُنْعِمُ عَلَيْنَا (صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ) أَيْ فِي وَعْدِهِ بِإِظْهَارِ الدِّينِ (وَنَصَرَ عَبْدَهُ) أَرَادَ نَفْسَهُ النَّفِيسَةَ (وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ) أي الْقَبَائِلَ الْمُجْتَمِعَةَ مِنَ الْكُفَّارِ الْمُخْتَلِفَةَ لِحَرْبِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالْحِزْبُ جَمَاعَةٌ فِيهِمْ لَغَطٌ (وحده) لقوله تَعَالَى وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَانُوا اثْنَيْ عَشْرَ أَلْفًا تَوَجَّهُوا مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَاجْتَمَعُوا حَوْلَهَا سِوَى مَنْ انْضَمَّ إِلَيْهِمْ مِنَ الْيَهُودِ وَمَضَى عَلَيْهِمْ قَرِيبٌ مِنْ شَهْرٍ لَمْ يَقَعْ بَيْنَهُمْ حَرْبٌ إِلَّا التَّرَامِي بِالنَّبْلِ أَوْ الْحِجَارَةِ زَعْمًا مِنْهُمْ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يُطِيقُوا مُقَابَلَتَهُمْ فَلَا بُدَّ أَنَّهُمْ يَهْرُبُونَ فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ رِيحًا لَيْلَةً سَفَّتِ التُّرَابَ عَلَى وُجُوهِهِمْ وَأَطْفَأَتْ نِيرَانَهُمْ وَقَلَعَتْ أَوْتَادَهُمْ وَأَرْسَلَ الله ألفا من الملائكة فكبرت في معسكرتهم فَحَاصَتْ الْخَيْلُ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ فَانْهَزَمُوا وَنَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وَمِنْهُ يَوْمُ الْأَحْزَابِ وَهُوَ غَزْوَةُ الْخَنْدَقِ
وقِيلَ الْمُرَادُ أَحْزَابُ الْكُفَّارِ فِي جَمِيعِ الْمَوَاطِنِ قَالَهُ القارىء
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنِ الْبَرَاءِ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الدَّعَوَاتِ (وَأَنَسٍ) أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ ذكر لفظه العيني في عمدة القارىء (وَجَابِرٍ) أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْهُ كُنَّا إِذَا سَافَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذَا صَعِدْنَا كَبَّرْنَا وَإِذَا هَبَطْنَا سَبَّحْنَا
كَذَا فِي عمدة القارىء
قلت وأخرجه البخاري أيضا
قوله (حديث بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْحَجِّ وَالدَّعَوَاتِ وَمُسْلِمٌ فِي الْحَجِّ وَأَبُو دَاوُدَ في الجهاد والنسائي في السير
02 -
مَا جَاءَ فِي الْمُحْرِمِ يَمُوتُ فِي إِحْرَامِهِ [951] قَوْلُهُ (فَوُقِصَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ كُسِرَ عُنُقُهُ
قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْوَقْصُ كَسْرُ عُنُقٍ وَقَصْتُ
عُنُقَهُ أَقِصُهَا وَقْصًا وَوَقَصَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ كَقَوْلِك خُذِ الْخِطَامَ وَخُذْ بِالْخِطَامِ وَلَا يُقَالُ وَقَصَتْ الْعُنُقُ نَفْسَهَا وَلَكِنْ يُقَالُ وُقِصَ الرَّجُلُ فَهُوَ مَوْقُوصٌ انْتَهَى (وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ) أَيْ لَا تُغَطُّوهُ (يُهِلُّ أَوْ يُلَبِّي) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَالْجُمْلَةُ حَالٌ أَيْ يُبْعَثُ مُلَبِّيًا
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ قَالُوا لَا يَنْقَطِعُ إِحْرَامُ الْمُحْرِمِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَا يُغَطَّى رَأْسُهُ وَيُكَفَّنُ فِي ثَوْبَيْهِ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ الْبَابِ
قَوْلُهُ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِذَا مَاتَ الْمُحْرِمُ يَنْقَطِعُ إِحْرَامُهُ وَيُصْنَعُ بِهِ مَا يُصْنَعُ بِغَيْرِ الْمُحْرِم) وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه إذا مات بن آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ الْحَدِيثَ
رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَجَابَ الْعَيْنِيُّ وَالزُّرْقَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ عَنْ حَدِيثِ الْبَابِ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَعَلَّهُ عَرَفَ بِالْوَحْيِ بَقَاءَ إِحْرَامِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَهُوَ خَاصٌّ بِذَلِكَ الرَّجُلِ وَبِأَنَّهُ وَاقِعَةُ حال لا عموم لها وَبِأَنَّهُ عَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ مُلَبِّيًا
وهَذَا الْأَمْرُ لَا يَتَحَقَّقُ فِي غَيْرِهِ وُجُودُهُ فَيَكُونُ خَاصًّا بِهِ
قَالَ صَاحِبُ التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الْأَجْوِبَةِ مَا لَفْظُهُ وَلَا يَخْفَى عَلَى الْمُنْصِفِ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ تَعَسُّفٌ فَإِنَّ الْبَعْثَ مُلَبِّيًا لَيْسَ بِخَاصٍّ بِهِ بَلْ هُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ مُحْرِمٍ حَيْثُ وَرَدَ يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
ووَرَدَ مَنْ مَاتَ عَلَى مَرْتَبَةٍ مِنْ هَذِهِ الْمَرَاتِبِ بُعِثَ عَلَيْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَوَرَدَ أَنَّ الْمُؤَذِّنَ يُبْعَثُ وَهُوَ يُؤَذِّنُ وَالْمُلَبِّي يُبْعَثُ وَهُوَ يُلَبِّي
أَخْرَجَهُ الْأَصْبَهَانِيُّ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ وَوَرَدَ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا كَمَا بَسَطَهُ السُّيُوطِيُّ فِي الْبُدُورِ السَّافِرَةِ فِي أَحْوَالِ الْآخِرَةِ فَهَذَا التَّعْلِيلُ لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى الِاخْتِصَاصِ وَإِنَّمَا عُلِّلَ بِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا حُكِمَ بِعَدَمِ التَّخْمِيرِ الْمُخَالِفِ لِسُنَنِ الْمَوْتَى نُبِّهَ عَلَى حُكْمِهِ فِيهِ وَهُوَ أَنَّهُ يُبْعَثُ مُلَبِّيًا فَيَنْبَغِي إِبْقَاؤُهُ عَلَى صُورَةِ الْمُلَبِّينَ وَاحْتِمَالُ الِاخْتِصَاصِ بِالْوَحْيِ مُجَرَّدُ احْتِمَالٍ لَا يُسْمَعُ وَكَوْنُهُ وَاقِعَةَ حَالٍ لَا عُمُومَ لَهَا إِنَّمَا يَصِحُّ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَعْلِيلٌ وَأَمَّا إِذَا وُجِدَ وَهُوَ عَامٌّ فَيَكُونُ الْحُكْمُ عَامًّا
والجواب عن أثر بن عُمَرَ يَعْنِي الَّذِي رَوَاهُ مُحَمَّدٌ عَنْ مَالِكٍ عن نافع أن بن عُمَرَ كَفَّنَ ابْنَهُ وَاقِدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَقَدْ مَاتَ مُحْرِمًا بِالْجُحْفَةِ وَخَمَّرَ رَأْسَهُ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ الْحَدِيثُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَلَغَهُ وَحَمَلَهُ عَلَى
الْأَوْلَوِيَّةِ وَجَوَّزَ التَّخْمِيرَ وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الَّذِي لَا يَتَجَاوَزُ الْحَقُّ عَنْهُ
انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ
وقَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي قَالَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْقَصَّارِ لَوْ أُرِيدَ تَعْمِيمُ هَذَا الْحُكْمِ فِي كُلِّ مُحْرِمٍ لَقَالَ فَإِنَّ الْمُحْرِمَ كَمَا جَاءَ أَنَّ الشَّهِيدَ يُبْعَثُ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمًا
وأُجِيبَ بِأَنَّ الْحَدِيثَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْأَمْرِ الْمَذْكُورِ كَوْنُهُ كَانَ فِي النُّسُكِ وَهِيَ عَامَّةٌ فِي كُلِّ مُحْرِمٍ وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَا ثَبَتَ لِوَاحِدٍ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثَبَتَ لِغَيْرِهِ حَتَّى يَتَّضِحَ التَّخْصِيصُ انْتَهَى بَاب
03 -
مَا جَاءَ أَنَّ الْمُحْرِمَ يَشْتَكِي عَيْنَهُ فَيُضَمِّدُهَا بِالصَّبِرِ كَكَتِفٍ وَلَا يُسَكَّنُ إِلَّا بِضَرُورَةِ الشِّعْرِ وَهُوَ عُصَارَةٌ جَامِدَةٌ مِنْ نَبَاتٍ كَالسَّوْسَنِ بَيْنَ صُفْرَةٍ وَحُمْرَةٍ مِنْهُ سُقُوطْرِيٌّ وَمِنْهُ عَرَبِيٌّ وَمِنْهُ سَمِيخَانِيٌّ أَفْضَلُهُ سُقُوطْرِيٌّ كَذَا فِي الْقَامُوسِ وَبَحْرِ الْجَوَاهِرِ
والضِّمَادُ بِالْكَسْرِ أَنْ يُخْلَطَ الدَّوَاءُ بِمَائِعٍ وَيُلَيَّنَ وَيُوضَعَ عَلَى الْعُضْوِ وَأَصْلُ الضَّمْدِ الشَّدُّ مِنْ بَابِ ضَرَبَ يُقَالُ ضَمَّدَ رَأْسَهُ وَجُرْحَهُ إِذَا شَدَّهُ بِالضِّمَادَةِ وَهِيَ خِرْقَةٌ يُشَدُّ بِهَا العضو الماؤف ثم نقل لِوَضْعِ الدَّوَاءَ عَلَى الْجُرْحِ وَغَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَشُدَّ
[952]
قَوْلُهُ (عَنْ نُبَيْهِ بْنِ وَهْبٍ) بِنُونٍ مَضْمُومَةٍ وَبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ مُصَغَّرًا
قَوْلُهُ (اشْتَكَى عَيْنَيْهِ) وفي رواية لمسلم رمدت عينه (يقول اضمدها بِالصَّبِرِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فَإِنَّ عُثْمَانَ حَدَّثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الرَّجُلِ إِذَا اشْتَكَى عَيْنَيْهِ وهو محرم ضمدها بِالصَّبِرِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَخْ) قَالَ النَّوَوِيُّ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ تَضْمِيدِ الْعَيْنِ وَغَيْرِهَا بِالصَّبِرِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَيْسَ بِطِيبٍ وَلَا فِدْيَةَ فِي ذَلِكَ فَإِنْ احْتَاجَ إِلَى مَا فِيهِ طِيبٌ جَازَ لَهُ فِعْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ
واتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَكْتَحِلَ بِكُحْلٍ لَا طِيبَ فِيهِ إِذَا احْتَاجَ إِلَيْهِ وَلَا فِدْيَةَ
عَلَيْهِ فِيهِ وَأَمَّا الِاكْتِحَالُ لِلزِّينَةِ فَمَكْرُوهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَآخَرِينَ وَمَنَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ
وفِي مَذْهَبِ مَالِكٍ قَوْلَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ وَفِي إِيجَابِ الفدية عندهم بذلك خلاف انتهى
04 -
مَا جَاءَ فِي الْمُحْرِمِ يَحْلِقُ رَأْسَهُ فِي إِحْرَامِهِ مَا عَلَيْهِ [953] قَوْلُهُ (عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الْجِيمِ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ
قَوْلُهُ (مَرَّ بِهِ) أَيْ بِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ (وَهُوَ) أَيْ كَعْبٌ (بِالْحُدَيْبِيَةِ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الدَّالِ مُصَغَّرًا
قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ هِيَ قَرْيَةٌ قَرِيبَةٌ مِنْ مَكَّةَ سُمِّيَتْ بِبِئْرٍ فِيهَا وَهِيَ مُخَفَّفَةٌ وَكَثِيرٌ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ يُشَدِّدُهَا انْتَهَى (وَهُوَ مُحْرِمٌ وَهُوَ يُوقِدُ تَحْتَ قِدْرٍ) الضَّمِيرَانِ يَرْجِعَانِ إِلَى كَعْبٍ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي وَائِلٍ عَنْ كَعْبٍ وَأَنَا أَطْبُخُ قِدْرًا لِأَصْحَابِي
قَالَهُ الْحَافِظُ (وَالْقَمْلُ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الْمِيمِ دُوَيْبَةٌ يَتَوَلَّدُ مِنَ الْعَرَقِ وَالْوَسَخِ إِذَا أَصَابَ ثَوْبًا أَوْ بَدَنًا أَوْ شَعْرًا يُقَالُ لَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ سبس (يَتَهَافَتُ) بِالْفَاءِ أَيْ يَتَسَاقَطُ شَيْئًا فَشَيْئًا (هَوَامُّك) بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ جَمْعُ هَامَّةٍ وَهِيَ مَا يَدِبُّ مِنَ الْأَخْشَاشِ وَالْمُرَادُ بِهَا مَا يُلَازِمُ جَسَدَ الْإِنْسَانِ إِذَا طَالَ عَهْدُهُ بِالتَّنْظِيفِ وَقَدْ عُيِّنَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الرِّوايَاتِ أَنَّهَا الْقَمْلُ
قَالَهُ الْحَافِظُ (وَأَطْعِمْ فَرَقًا) بِفَتْحِ الْفَاءِ والراء وقد تسكن قاله بن فَارِسٍ
وقَالَ الْأَزْهَرِيُّ كَلَامُ الْعَرَبِ بِالْفَتْحِ وَالْمُحَدِّثُونَ قَدْ يُسَكِّنُونَهُ وَآخِرُهُ قَافٌ مِكْيَالٌ مَعْرُوفٌ بِالْمَدِينَةِ (وَالْفَرَقُ ثَلَاثَةُ آصُعٍ) بِمَدِّ الْهَمْزَةِ وَضَمِّ الصَّادِ جَمْعُ صَاعٍ وَأَصْلُهُ أَصْوُعٌ فَقُلِبَ وَأُبْدِلَ الْوَاوُ هَمْزَةً وَالْهَمْزَةُ أَلْفًا
وجَاءَ فِي رِوَايَةٍ أَصْوُعٍ عَلَى الْأَصْلِ وَذَلِكَ مِثْلُ آدُرٍ فِي جَمْعِ دَارٍ كَذَا فِي اللُّمَعَاتِ
ولِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أبي قلابة عن بن أَبِي لَيْلَى أَوْ أَطْعِمْ ثَلَاثَةَ آصُعٍ مِنْ تَمْرٍ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ
قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْفَرَقَ ثَلَاثَةُ آصُعٍ اقْتَضَى أَنَّ الصَّاعَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ إِنَّ الصَّاعَ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ (أَوِ انْسُكْ) بِضَمِّ السِّينِ (نَسِيكَةً) أَيْ اذْبَحْ ذبيحة والنسيكة الذبيحة (قال بن أَبِي نَجِيحٍ أَوِ اذْبَحْ شَاةً) أَيْ مَكَانَ أَوِ انْسُكْ نَسِيكَةً
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ بِمِثْلِ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أي في حَدِيثِ الْبَابِ مِنَ الْإِطْعَامِ أَوْ الصِّيَامِ أَوْ ذَبْحِ شَاةٍ بَاب
05 -
مَا جَاءَ فِي الرُّخْصَةِ لِلرُّعَاةِ أَنْ يَرْمُوا يَوْمًا وَيَدَعُوا يَوْمًا الرُّعَاةُ بضم الراء جمع الراعي
[954]
قوله (حدثنا بن أَبِي عُمَرَ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي عُمَرَ الْعَدَنِيُّ نَزِيلُ مَكَّةَ صَدُوقٌ صَنَّفَ المسند وكان لازم بن عُيَيْنَةَ لَكِنْ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ كَانَتْ فِيهِ غفلة
وقال في الخلاصة وثقه بن حِبَّانَ
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ صَدُوقٌ حَدَّثَ بِحَدِيثٍ موضوع عن بن عيينة (أخبرنا سفيان) هو بن عُيَيْنَةَ (عَنْ أَبِي الْبَدَّاحِ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَشْدِيدِ المهملة واخره مهملة بن عَاصِمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْجَدِّ بِفَتْحِ الْجِيمِ يُقَالُ اسْمُهُ عَدِيٌّ وَيُقَالُ كُنْيَتُهُ أَبُو عَمْرٍو وَأَبُو الْبَدَّاحِ لَقَبٌ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ
قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي لَيْسَ لِأَبِي الْبَدَّاحِ وَلَا لِأَبِيهِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثُ
قَوْلُهُ (رَخَّصَ لِلرِّعَاءِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ جَمْعُ الرَّاعِي (أَنْ يَرْمُوا يَوْمًا وَيَدَعُوا يَوْمًا) بِفَتْحِ الدَّالِ أَيْ يَتْرُكُوا يَعْنِي يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَرْمُوا الْيَوْمَ الْأَوَّلَ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَيَذْهَبُوا إِلَى إِبِلِهِمْ فيبيتوا عندها
وَيَدَعُوا يَوْمَ النَّفْرِ الْأَوَّلِ ثُمَّ يَأْتُوا فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَيَرْمُوا مَا فَاتَهُمْ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مَعَ رَمْيِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَفِيهِ تَفْسِيرٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّهُمْ يَرْمُونَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَيَدَعُونَ رَمْيَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَيَذْهَبُونَ ثُمَّ يَأْتُونَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنَ التَّشْرِيقِ فَيَرْمُونَ مَا فَاتَهُمْ ثُمَّ يَرْمُونَ عَنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ كَمَا تَقَدَّمَ وَكِلَاهُمَا جَائِزٌ وَإِنَّمَا رَخَّصَ لِلرِّعَاءِ لِأَنَّ عَلَيْهِمْ رَعْيَ الْإِبِلِ وَحِفْظَهَا لِتَشَاغُلِ النَّاسِ بِنُسُكِهِمْ عَنْهَا وَلَا يُمْكِنُهُمْ الْجَمْعُ بَيْنَ رَعْيِهَا وَبَيْنَ الرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ فَيَجُوزُ لَهُمْ تَرْكُ الْمَبِيتِ لِلْعُذْرِ وَالرَّمْيُ عَلَى الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ كَذَا فِي النَّيْلِ قَوْلُهُ (هكذا روى بن عُيَيْنَةَ) يَعْنِي رَوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي الْبَدَّاحِ بن عدي عن أبيه فقال بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الْبَدَّاحِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ أَبِيهِ فَيَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّ عَدِيًّا وَالِدُ أَبِي الْبَدَّاحِ وَهُوَ يَرْوِي هَذَا الْحَدِيثَ عَنْهُ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَإِنَّ عَدِيًّا هُوَ جَدُّ أَبِي الْبَدَّاحِ وَوَالِدُ أَبِي الْبَدَّاحِ هُوَ عَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ وَهُوَ يَرْوِي هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ وَالِدِهِ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ مَالِكٌ فِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ
وقَالَ الْإِمَامُ محمد رحمه الله في موطأه أَخْبَرَنَا مَالِكٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا الْبَدَّاحِ بْنَ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ رَخَّصَ لِرِعَاءِ الْإِبِلِ الْحَدِيثَ (وَرَوَى مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي الْبَدَّاحِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ أَبِيهِ) فَقَالَ مَالِكٌ عَنْ أَبِي الْبَدَّاحِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ أَبِيهِ يَعْنِي عَاصِمَ بْنَ عَدِيٍّ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فَإِنَّ أَبَا الْبَدَّاحِ يَرْوِي هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِيهِ وَهُوَ عَاصِمٌ لَا عَنْ جَدِّهِ وَهُوَ عَدِيٌّ وَهَذَا ظَاهِرٌ لِمَنْ تَتَبَّعَ كُتُبَ الرِّجَالِ وَلِذَلِكَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ (وَرِوَايَةُ مَالِكٍ أَصَحُّ) يَعْنِي قَوْلَ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الْبَدَّاحِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ أَبِيهِ صَحِيحٌ وَأَمَّا قَوْلُ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الْبَدَّاحِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ أَبِيهِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ
فَإِنْ قُلْتَ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ مَنْ قَالَ عَنْ أَبِي الْبَدَّاحِ بْنِ عَدِيٍّ فَقَدْ نَسَبَهُ إِلَى جَدِّهِ انْتَهَى قُلْتُ يَخْدِشُهُ قَوْلُهُ عَنْ أَبِيهِ بَعْدَ قَوْلِهِ عَنْ أَبِي الْبَدَّاحِ بْنِ عَدِيٍّ فَتَفَكَّرْ تَنْبِيهٌ وَجْهُ كَوْنِ رِوَايَةِ مَالِكٍ أَصَحَّ ظَاهِرٌ لَكِنْ لَمْ يَفْهَمْهُ صَاحِبُ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ فَاعْتَرَضَ عَلَى التِّرْمِذِيِّ حَيْثُ قَالَ كَيْفَ الْفَرْقُ بَيْنَ رِوَايَةِ مالك وبن عُيَيْنَةَ ثُمَّ ذَكَرَ وُجُوهًا لِلْأَصَحِيَّةِ وَاهِيَةً مِنْ عِنْدَ نَفْسَهُ ثُمَّ رَدَّهَا وَلَمْ يَرْضَ بِهَا ثُمَّ قَالَ فَالْحَاصِلُ أَنِّي لَمْ أَجِدْ وَجْهًا شافيا لترجيح رواية مالك على رواية بن عُيَيْنَةَ انْتَهَى
قُلْتُ لَوْ تَأَمَّلَ صَاحِبُ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ فِي كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ تَأَمُّلًا صَادِقًا لَوَجَدَ الْوَجْهَ الشَّافِيَ لِأَصَحِيَّةِ رِوَايَةِ مَالِكٍ
[955]
قَوْلُهُ (فِي الْبَيْتُوتَةِ) مَصْدَرُ بَاتَ أَيْ فِي الْقِيَامِ لَيْلًا بِمِنًى اللَّائِقِ لِلْحُجَّاجِ أَيْ أَبَاحَ لِرُعَاةِ الْإِبِلِ تَرْكَ الْبَيْتُوتَةِ بِمِنًى (أَنْ يَرْمُوا يَوْمَ النَّحْرِ) أَيْ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ (ثُمَّ يَجْمَعُوا رَمْيَ يَوْمَيْنِ) أَيْ الْحَادِيَ عَشْرَ وَالثَّانِيَ عَشْرَ (فَيَرْمُونَهُ) أَيْ رَمْيَ الْيَوْمَيْنِ (فِي أَحَدِهِمَا) أَيْ فِي أَحَدِ الْيَوْمَيْنِ لِأَنَّهُمْ مَشْغُولُونَ بِرَعْيِ الْإِبِلِ
قال الطيبي رحمه الله أي رخص لهم أَنْ لَا يَبِيتُوا بِمِنًى لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَأَنْ يَرْمُوا يَوْمَ الْعِيدِ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَقَطْ ثُمَّ لَا يَرْمُوا فِي الْغَدِ بَلْ يَرْمُوا بَعْدَ الْغَدِ رَمْيَ الْيَوْمَيْنِ الْقَضَاءِ وَالْأَدَاءِ
ولَمْ يُجَوِّزْ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنْ يُقَدِّمُوا الرَّمْيَ فِي الْغَدِ انْتَهَى كَلَامُ الطِّيبِيِّ
قَالَ القارىء وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا
قَوْلُهُ (قَالَ مَالِكٌ ظَنَنْتُ أَنَّهُ) أَيْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ (فِي الْأَوَّلِ مِنْهُمَا) أَيْ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنَ الْيَوْمَيْنِ (ثُمَّ يَرْمُونَ يَوْمَ النَّفْرِ) أَيْ يَوْمَ الِانْصِرَافِ مِنْ مِنًى وَهُوَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ عَشْرَ وَهُوَ يَوْمُ النَّفْر الثَّانِي
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) قَالَ فِي الْمُنْتَقَى أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ
وقَالَ فِي النَّيْلِ أخرجه أيضا مالك والشافعي وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ انْتَهَى
وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى ذَكَرَهَا الشَّوْكَانِيُّ فِي النيل
06 -
باب [956] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا سَلِيمٌ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ (بْنُ حَيَّانَ) بفتح المهملة وتشديد التحتانية الهزلي الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ مِنَ السَّابِعَةِ (قَالَ سَمِعْتُ مَرْوَانَ الْأَصْفَرَ) أَبَا خَلِيفَةَ الْبَصْرِيَّ قِيلَ اسْمُ أَبِيهِ خَاقَانُ وَقِيلَ سَالِمٌ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ
قَوْلُهُ (بِمَا أَهْلَلْتَ) قَالَ أَهْلَلْتُ بِمَا أَهَلَّ بِهِ (رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ عِنْدَ مُسْلِمٍ مَاذَا قُلْتَ حِينَ فَرَضْتَ الْحَجَّ قَالَ قُلْتُ اللَّهُمَّ إِنِّي أُهِلُّ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُك (قَالَ لَوْلَا أَنَّ مَعِي هَدْيًا لَأَحْلَلْتُ) وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ قَالَ فَإِنَّ مَعِي الْهَدْيَ فَلَا تَحِلَّ
وفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ تَعْلِيقُ إِحْرَامِ الرَّجُلِ عَلَى إِحْرَامِ غَيْرِهِ
07 -
بَاب [957] قَوْلُهُ (فَقَالَ يَوْمُ النَّحْرِ) لِمَا فِيهِ مِنْ أَكْثَرِ أَحْكَامِ الْحَجِّ مِنْ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَالْحَلْقِ وَالذَّبْحِ وَطَوَافِ الزِّيَارَةِ وَغَيْرِهَا
[958]
قَوْلُهُ (وَهَذَا أَصَحُّ مِنَ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ) أَيْ أَرْجَحُ مِنَ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ وَأَقَلُّ ضَعْفًا مِنْهُ فَهُمَا ضَعِيفَانِ لِأَنَّ فِي سَنَدِهِمَا الْحَارِثَ وَهُوَ الْأَعْوَرُ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَبَيَّنَ التِّرْمِذِيُّ وَجْهَ الْأَصَحِيَّةِ بِقَوْلِهِ رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْحُفَّاظِ إِلَخْ
وفِي الْبَابِ عن بن عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَفَ يَوْمَ النَّحْرِ بَيْنَ الْجَمَرَاتِ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي حَجَّ فَقَالَ هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ
تَنْبِيهٌ قَدْ اشْتَهَرَ بَيْنَ الْعَوَّامِ أَنَّ يَوْمَ عَرَفَةَ إِذَا وَافَقَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ كَانَ الْحَجُّ حَجًّا أَكْبَرَ وَلَا أَصْلَ لَهُ نَعَمْ رَوَى رَزِينٌ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كرز أَرْسَلَهُ أَفْضَلُ الْأَيَّامِ يَوْمُ عَرَفَةَ وَإِذَا وَافَقَ يَوْمَ جُمُعَةٍ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ حَجَّةً فِي غَيْرِ يَوْمِ جُمُعَةٍ
كَذَا فِي مَجْمَعِ الْفَوَائِدِ وَهُوَ حَدِيثٌ مُرْسَلٌ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى إسناده
فَائِدَةٌ قَالَ الْحَافِظُ وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِالْحَجِّ الْأَصْغَرِ فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ الْعُمْرَةُ وَقِيلَ الْحَجُّ الْأَصْغَرُ يَوْمُ عَرَفَةَ وَالْحَجُّ الْأَكْبَرُ يَوْمُ النَّحْرِ لأن فيه تتكمل بَقِيَّةُ الْمَنَاسِكِ
وذَكَر الْحَافِظُ أَقْوَالًا أُخْرَى وَإِنْ شِئْتَ الْوُقُوفَ عَلَيْهَا فَارْجِعْ إِلَى الْفَتْحِ
08 -
بَاب [959] قوله (عن بن عُبَيْدِ) بِالتَّصْغِيرِ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (بْنِ عُمَيْرٍ) بِالتَّصْغِيرِ أَيْضًا (عَنْ أَبِيهِ) عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ يُكَنَّى أَبَا عَاصِمٍ اللَّيْثِيِّ الْحِجَازِيِّ قَاضِي أَهْلِ مَكَّةَ وُلِدَ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَيُقَالُ رَآهُ وَهُوَ مَعْدُودٌ فِي كِبَارِ التَّابِعِينَ مَاتَ قبل بن عمر رضي الله عنه قوله (أن بن عُمَرَ كَانَ يُزَاحِمُ) أَيْ يُغَالِبُ النَّاسَ (عَلَى الرُّكْنَيْنِ) أَيْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَالرُّكْنِ الْيَمَانِي (زِحَامًا) قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ زِحَامًا عَظِيمًا وَهُوَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي جَمِيعِ الْأَشْوَاطِ أَوْ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ فَإِنَّهُمَا آكَدُ أَحْوَالِهَا
وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَلَا أُحِبُّ الزِّحَامَ فِي الِاسْتِلَامِ إِلَّا فِي بَدْءِ الطَّوَافِ وَآخِرِهِ لَكِنَّ الْمُرَادَ ازْدِحَامٌ لَا يَحْصُلُ فِيهِ أَذًى لِلْأَنَامِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام لِعُمَرَ إِنَّك رَجُلٌ قَوِيٌّ لَا تُزَاحِمْ عَلَى الْحَجَرِ فَتُؤْذِيَ الضَّعِيفَ إِنْ وَجَدْتَ خَلْوَةً فَاسْتَلِمْهُ وَإِلَّا فَاسْتَقْبِلْهُ وَهَلِّلْ وَكَبِّرْ
رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ (يُزَاحِمُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَا ذُكِرَ أَوْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ
وقَدْ جَاءَ أَنَّهُ رُبَّمَا دَمِيَ أَنْفُهُ مِنْ شِدَّةِ تَزَاحُمِهِ وَكَأَنَّهُمْ تَرَكُوهُ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنَ الْأَذَى فَالِاقْتِدَاءُ بِفِعْلِهِمْ سِيَّمَا هَذَا الزَّمَانُ أولى قاله القارىء فِي الْمِرْقَاةِ
قُلْتُ رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ رَأَيْتُ بن عُمَرَ يُزَاحِمُ عَلَى الرُّكْنِ حَتَّى يَدْمَى
ومِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى أَنَّهُ قِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ هَوَتْ الْأَفْئِدَةُ إِلَيْهِ فَأُرِيدُ أَنْ يَكُونَ فُؤَادِي مَعَهُمْ
ورَوَى الْفَاكِهِيُّ مِنْ طُرُقٍ عَنِ بن عَبَّاسٍ كَرَاهَةَ الْمُزَاحِمَةِ وَقَالَ لَا يُؤْذِي
كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي (إِنْ أَفْعَلْ) أَيْ هَذَا الزِّحَامَ فَلَا أُلَامُ فَإِنْ شَرْطِيَّةٌ وَالْجَزَاءُ مُقَدَّرٌ وَدَلِيلُ الْجَوَابِ قَوْلُهُ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الخ قاله القارىء
وقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي اللُّمَعَاتِ أَيْ إِنْ أُزَاحِمْ فَلَا تُنْكِرُوا عَلَيَّ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في فَضْلِ اسْتِلَامِهِمَا فَإِنِّي لَا أُطِيقُ الصَّبْرَ عَنْهُ
(وَسَمِعْتُهُ) أَيْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيْضًا (سُبُوعًا) كَذَا وَقَعَ فِي النُّسَخِ الْمَوْجُودَةِ بِلَا أَلِفٍ وَوَقَعَ فِي الْمِشْكَاةِ أُسْبُوعًا بِالْأَلِفِ
قَالَ فِي الْمَجْمَعِ طَافَ أُسْبُوعًا أَيْ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَالْأُسْبُوعُ الْأَيَّامُ السَّبْعَةُ وَسُبُوعٌ بِلَا ألف لغة انتهى
وقال القارىء أَيْ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ كَمَا فِي رِوَايَةِ (فَأَحْصَاهُ) قَالَ السُّيُوطِيُّ أَيْ لَمْ يَأْتِ فِيهِ بِزِيَادَةٍ أو نقص
وقال القارىء بِأَنْ يُكْمِلَهُ وَيُرَاعِيَ مَا يُعْتَبَرُ فِي الطَّوَافِ من الشروط والآداب (لايضع) أَيْ الطَّائِفُ (إِلَّا حَطَّ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا) أَيْ إِلَّا وَضَعَ اللَّهُ وَمَحَا عَنِ الطَّائِفِ بكل قدم
09 -
باب [960] قَوْلُهُ (الطَّوَافُ حَوْلَ الْبَيْتِ) احْتِرَازٌ مِنْ الطَّوَافِ بين الصفا والمروة (مثل الصلاة) بالرفع عَلَى الْخَبَرِيَّةِ وَجُوِّزَ النَّصْبُ أَيْ نَحْوَهَا (إِلَّا أن تتكلمون فيه) أي في الطواف
قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ أَيْ تَعْتَادُونَ الْكَلَامَ فِيهِ وَالِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلٌ أَيْ مِثْلُهَا فِي كُلِّ مُعْتَبَرٍ فِيهَا وُجُودًا وَعَدَمًا إِلَّا التَّكَلُّمَ يَعْنِي وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنَ الْمُنَافِيَاتِ مِنَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَسَائِرِ الْأَفْعَالِ الْكَثِيرَةِ وَإِمَّا مُنْقَطِعٌ أَيْ لَكِنْ رُخِّصَ لَكُمْ فِي الْكَلَامِ وَفِي الْعُدُولِ عَنْ قَوْلِهِ إِلَّا الْكَلَامَ نُكْتَةٌ لَطِيفَةٌ لَا تَخْفَى
ويُعْلَمُ مِنْ فِعْلِهِ عليه الصلاة والسلام عَدَمُ شَرْطِيَّةِ الِاسْتِقْبَالِ وَلَيْسَ لِأَصْلِ الطَّوَافِ وَقْتٌ مَشْرُوطٌ وَبَقِيَ بَقِيَّةُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ مِنَ الطَّهَارَةِ الْحُكْمِيَّةِ وَالْحَقِيقِيَّةِ وَسِتْرِ الْعَوْرَةِ فَهِيَ مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ كَالصَّلَاةِ وَوَاجِبَاتٌ عِنْدَنَا لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ مِثْلِ الشَّيْءِ أَنْ يَكُونَ مُشَارِكًا لَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ مَعَ أَنَّ الْحَدِيثَ مِنَ الْآحَادِ وَهُوَ ظَنِّيٌّ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْفَرْضِيَّةُ مَعَ الِاتِّفَاقِ أَنَّهُ يُعْفَى عَنِ النَّجَاسَةِ الَّتِي بالمطاف
إذ شَقَّ اجْتِنَابُهَا لِأَنَّ فِي زَمَنِهِ عليه الصلاة والسلام وَزَمَنِ أَصْحَابِهِ الْكِرَامِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ لَمْ تَزَلْ فِيهِ نَجَاسَةُ زَرْقِ الطُّيُورِ وَغَيْرِهَا وَلَمْ يَمْتَنِعْ أَحَدٌ مِنَ الطَّوَافِ بِهِ لِأَجْلِ ذَلِكَ وَلَا أَمَرَ مَنْ يُقْتَدَى بِهِ بِتَطْهِيرِ مَا هُنَالِكَ (فَمَنْ تَكَلَّمَ فِيهِ فَلَا يَتَكَلَّمُ إِلَّا بِخَيْرٍ) أَيْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِفَادَةِ عِلْمٍ وَاسْتِفَادَتِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُشَوِّشُ عَلَى الطَّائِفِينَ
قوله (وقد روى عن بن طاوس وغيره عن طاوس عن بن عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ
رواه الترمذي والحاكم والدارقطنى من حديث بن عباس وصححه بن السكن وبن خزيمة وبن حِبَّانَ
وقَالَ التِّرْمِذِيُّ رُوِيَ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا وَلَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَطَاءٍ وَمَدَارُهُ عَلَى عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ بن عَبَّاسٍ وَاخْتُلِفَ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ وَرَجَّحَ الْمَوْقُوفَ النسائي والبيهقي وبن الصلاح والمنذري والنووي وزاذ أَنَّ رِوَايَةَ الرَّفْعِ ضَعِيفَةٌ وَفِي إِطْلَاقِ ذَلِكَ نَظَرٌ فَإِنَّ عَطَاءَ بْنَ السَّائِبِ صَدُوقٌ وَإِذَا رُوِيَ عَنْهُ الْحَدِيثُ مَرْفُوعًا تَارَةً وَمَوْقُوفًا أُخْرَى فَالْحُكْمُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةِ لِلرَّفْعِ وَالنَّوَوِيُّ مِمَّنْ يَعْتَمِدُ ذَلِكَ وَيُكْثِرُ مِنْهُ وَلَا يَلْتَفِتُ إِلَى تَعْلِيلِ الْحَدِيثِ بِهِ إِذَا كَانَ الرَّافِعُ ثِقَةً فَيَجِيءُ عَلَى طَرِيقَتِهِ أَنَّ الْمَرْفُوعَ صَحِيحٌ
فَإِنِ اعْتُلَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ عَطَاءَ بْنَ السَّائِبِ اخْتَلَطَ وَلَا تُقْبَلُ إِلَّا رِوَايَةُ مَنْ رَوَاهُ عَنْهُ قبل اختلاطه وأجيب بِأَنَّ الْحَاكِمَ أَخْرَجَهُ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْهُ وَالثَّوْرِيُّ مِمَّنْ سَمِعَ قَبْلَ اخْتِلَاطِهِ بِاتِّفَاقٍ وَإِنْ كَانَ الثَّوْرِيُّ قَدْ اخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِي وَقْفِهِ وَرَفْعِهِ فَعَلَى طَرِيقَتِهِمْ تُقَدَّمُ رِوَايَةُ الرَّفْعِ أَيْضًا
والْحَقُّ أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ مَوْقُوفٌ وَوَهِمَ عَلَيْهِ مَنْ رَفَعَهُ
وقَدْ بَسَطَ الْحَافِظُ الكلام ها هنا مَنْ شَاءَ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ فَلْيَرْجِعْ إِلَى التَّلْخِيصِ ص 74
10 -
باب [961] قوله (أخبرنا جرير) هو بن عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ قُرْطٍ الضَّبِّيُّ ثِقَةٌ (عَنِ بن خُثَيْمٍ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُثَلَّثَةِ مُصَغَّرًا هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ القارىء الْمَكِّيُّ أَبُو عُثْمَانَ ثِقَةٌ
قَوْلُهُ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَجَرِ) أَيْ فِي شَأْنِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَوَصْفِهِ (لَيَبْعَثَنَّهُ اللَّهُ) أَيْ لَيُظْهِرَنَّهُ (لَهُ عَيْنَانِ يُبْصِرُ بِهِمَا) فَيَعْرِفُ مَنَ اسْتَلَمَهُ (يَشْهَدُ عَلَى مَنِ اسْتَلَمَهُ بِحَقٍّ) قَالَ الْعِرَاقِيُّ عَلَى هذا بمعنى اللام وفي رواية أحمد والدارمي وبن حِبَّانَ يَشْهَدُ لِمَنْ اسْتَلَمَهُ قَالَ وَالْبَاءُ فِي بحق يحتمل تعلقها بيشهد أو باستلمه كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي
وقَالَ الشَّيْخُ فِي اللُّمَعَاتِ كَلِمَةُ عَلَى بِاعْتِبَارِ تَضْمِينِ مَعْنَى الرَّقِيبِ والحفيظ وقوله بحق متعلق باستلمه أَيْ اسْتَلَمَهُ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا وَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بيشهد وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى ظَاهِرِهِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى إِيجَادِ الْبَصَرِ وَالنُّطْقِ فِي الْجَمَادَاتِ فَإِنَّ الْأَجْسَامَ مُتَشَابِهَةٌ فِي الْحَقِيقَةِ يَقْبَلُ كُلٌّ منها ما يقبل الاخر من الأعراض
ويأوله الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغُ التَّفَلْسُفِ وَيَقُولُونَ إِنَّ ذَلِكَ كِنَايَةٌ عَنْ تَحْقِيقِ ثَوَابِ الْمُسْتَلِمِ وَإِنَّ سَعْيَهُ لَا يَضِيعُ وَالْعَجَبُ مِنَ الْبَيْضَاوِيِّ أَنَّهُ قَالَ إِنَّ الْأَغْلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الْمُرَادَ هَذَا وَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ حَمْلُهُ عَلَى الظَّاهِرِ وَلَا عَجِبَ فَإِنَّهُ مَجْبُولٌ عَلَى التَّفَلْسُفِ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ وَشَرْحِ الْأَحَادِيثِ تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ انْتَهَى كَلَامُ الشَّيْخِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وأخرجه بن مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي صحيح بن خزيمة عن بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا إِنَّ لِهَذَا الْحَجَرِ لِسَانًا وَشَفَتَيْنِ يَشْهَدَانِ لِمَنِ اسْتَلَمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَقٍّ وَصَحَّحَهُ أيضا بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَيْضًا انْتَهَى
ولَوْ أَوْرَدَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي بَابِ فَضْلِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ لَكَانَ أَحْسَنَ
[962]
قَوْلُهُ (عَنْ فَرْقَدٍ السَّبَخِيِّ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ فَرْقَدُ بْنُ يَعْقُوبَ السَّبَخِيُّ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَبِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ أَبُو يَعْقُوبَ الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ عَابِدٌ لَكِنَّهُ لِينُ الْحَدِيثِ كَثِيرُ الْخَطَأِ مِنَ الْخَامِسَةِ انْتَهَى
وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ لَيْسَ بقوي
وقال بن مَعِينٍ ثِقَةٌ
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي حَدِيثِهِ مَنَاكِيرُ
وقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِثِقَةٍ وَقَالَ أَيْضًا هُوَ والدّارَقُطْنِيُّ ضَعِيفٌ
وقَالَ يَحْيَى الْقَطَّانُ مَا يُعْجِبُنِي الرِّوَايَةُ عَنْ فَرْقَدٍ انْتَهَى
وقَالَ فِي تَرْجَمَةِ مُحَمَّدِ بْنِ يُونُسَ القرشي الشامي نقلا عن بن حِبَّانَ فَرْقَدٌ السَّبَخِيُّ لَيْسَ بِشَيْءٍ انْتَهَى
قَوْلُهُ (غَيْرِ الْمُفَتَّتِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ زَيْتٌ مُفَتَّتٌ طُبِخَ فِيهِ الرَّيَاحِينُ أَوْ خُلِطَ بِأَدْهَانٍ طَيِّبَةٍ انْتَهَى
والْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الِادِّهَانِ بِالزَّيْتِ الَّذِي لَمْ يُخْلَطْ بِشَيْءٍ مِنَ الطِّيبِ لكن الحديث ضعيف قال بن الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَأْكُلَ الزَّيْتَ وَالشَّحْمَ وَالسَّمْنَ وَالشَّيْرَجَ وَأَنْ يَسْتَعْمِلَ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ بَدَنِهِ سِوَى رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ
قَالَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الطِّيبَ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي بَدَنِهِ وَفَرَّقُوا بَيْنَ الطِّيبِ وَالزَّيْتِ فِي هَذَا كَذَا فِي الْفَتْحِ وَالنَّيْلِ
قُلْتُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الِادِّهَانَ مَمْنُوعٌ عِنْدَهُمْ مُطْلَقًا
قَالَ الْمِرْغِينَانِيُّ الْحَنَفِيُّ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا يَمَسُّ طِيبًا لِقَوْلِهِ عليه السلام الْحَاجُّ الشَّعِثُ التَّفِلُ وَكَذَا لَا يَدَّهِنُ لِمَا رَوَيْنَا انتهى
قال بن الْهُمَامِ وَالشَّعَثُ انْتِشَارُ الشَّعْرِ وَتَغَيُّرُهُ لِعَدَمِ تَعَهُّدِهِ فَأَفَادَ مَنْعَ الِادِّهَانِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ إِلَخْ) وَمَعَ كَوْنِهِ غَرِيبًا ضَعِيفٌ لِأَنَّ مَدَارَهُ عَلَى فَرْقَدٍ السَّبَخِيِّ وَقَدْ عَرَفْتَ حَالَهُ
والحديث أخرجه أحمد وبن ماجه أيضا
11 -
باب [963] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا خَلَّادُ بْنُ يَزِيدَ الْجُعْفِيُّ) الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (أَخْبَرَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ) بْنِ خَدِيجٍ الْجُعْفِيُّ الْكُوفِيُّ نَزِيلُ الْجَزِيرَةِ ثِقَةٌ ثَبْتٌ إِلَّا أَنَّ سَمَاعَهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ بِآخِرَةٍ مَنْ السَّابِعَةِ
قَوْلُهُ (كَانَ يَحْمِلُهُ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ حَمْلِ مَاءِ زَمْزَمَ إِلَى الْمَوَاطِنِ الْخَارِجَةِ عَنْ مَكَّةَ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ إِلَخْ) وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ والحاكم وصححه كذا في النيل
112 -
باب [964] قَوْلُهُ (وَمُحَمَّدُ بْنُ الْوَزِيرِ الْوَاسِطِيُّ) ثِقَةٌ عَابِدٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الْأَزْرَقُ) بتقديم الزاء عَلَى الرَّاءِ ثِقَةٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (عَنْ سُفْيَانَ) هُوَ الثَّوْرِيُّ صَرَّحَ بِهِ الْحَافِظُ (عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ) بِالْفَاءِ مُصَغَّرًا الْمَكِّيِّ نَزِيلِ الْكُوفَةِ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (أَيْنَ صَلَّى الظُّهْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ) أَيْ يَوْمَ الثَّامِنِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَسَمَّى التَّرْوِيَةَ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْوَاوِ وَتَخْفِيفِ التَّحْتَانِيَّةِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَرْوُونَ فِيهَا إِبِلَهُمْ وَيَتَرَوَّوْنَ مِنَ الْمَاءِ لِأَنَّ تِلْكَ الْأَمَاكِنَ لَمْ تَكُنْ إِذْ ذَاكَ فِيهَا آبَارٌ وَلَا عُيُونٌ وَأَمَّا الْآنَ فَقَدْ كَثُرَتْ جِدًّا وَاسْتَغْنَوْا عَنْ حَمْلِ الْمَاءِ
وقِيلَ فِي تَسْمِيَةِ التَّرْوِيَةِ أَقْوَالٌ أُخْرَى ذَكَرَهَا الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ لَكِنَّهَا شَاذَّةٌ (يَوْمَ النَّفْرِ) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْفَاءِ هُوَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ (بِالْأَبْطَحِ) أَيْ الْبَطْحَاءِ الَّتِي بَيْنَ مَكَّةَ وَمِنًى وَهِيَ مَا انْبَطَحَ مِنَ الْوَادِي وَاتَّسَعَ وَهِيَ التي يقال لها المحصب والمعرس وحدها ما بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ إِلَى الْمَقْبَرَةِ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي (ثُمَّ قَالَ) أَيْ أَنَسٌ (افْعَلْ كَمَا يَفْعَلُ أُمَرَاؤُك) أَيْ لَا تُخَالِفْهُمْ فَإِنْ نَزَلُوا بِهِ فَانْزِلْ بِهِ فَإِنْ تَرَكُوهُ فَاتْرُكْهُ حَذَرًا مِمَّا يَتَوَلَّدُ عَلَى الْمُخَالَفَةِ مِنَ الْمَفَاسِدِ فَيُفِيدُ أَنَّ تَرْكَهُ لِعُذْرٍ لَا بَأْسَ بِهِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ يُسْتَغْرَبُ إِلَخْ) يَعْنِي أَنَّ إِسْحَاقَ تَفَرَّدَ بِهِ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَأَظُنُّ أَنَّ لِهَذِهِ النُّكْتَةِ أَرْدَفَهُ الْبُخَارِيُّ بِطَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَرِوَايَةُ أَبِي بَكْرٍ وَإِنْ كَانَ قَصَّرَ فِيهَا مُتَابَعَةٌ قَوِيَّةٌ بِطَرِيقِ إِسْحَاقَ وَقَدْ وَجَدْنَا لَهُ شَوَاهِدَ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَافِظُ شَوَاهِدَهُ
والْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ البخاري ومسلم