الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خَشِيتُ أَنْ يَجِيءَ أَقْوَامٌ إِلَخْ) قَدْ وَقَعَ مَا خَشِيَهُ عُمَرُ رضي الله عنه فَأَنْكَرَ الرَّجْمَ طَائِفَةٌ مِنَ الْخَوَارِجِ وَمُعْظَمُهُمْ وَبَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اسْتَنَدَ فِي ذَلِكَ إِلَى تَوْقِيفٍ وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالطَّبَرِيُّ عَنِ بن عَبَّاسٍ رضي الله عنه أَنَّ عُمَرَ قَالَ سَيَجِيءُ قَوْمٌ يُكَذِّبُونَ بِالرَّجْمِ الْحَدِيثَ
وَوَقَعَ فِي رواية سعيد بن إبراهيم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ عِنْدِ النَّسَائِيِّ وَأَنَّ نَاسًا يَقُولُونَ مَا بَالُ الرَّجْمِ وَإِنَّمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ الْجَلْدُ
أَلَا قَدْ رَجَمَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ عُمَرَ اسْتَحْضَرَ نَاسًا قَالُوا ذَلِكَ فَرَدَّ عَلَيْهِمْ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَصْلُهُ فِي الصحيحين
(باب مَا جَاءَ فِي الرَّجْمِ عَلَى الثَّيِّبِ)
[1433]
قَوْلُهُ (وَشِبْلٍ) بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ هو بن خالد أو بن خُلَيْدٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ التِّرْمِذِيُّ فِيمَا بَعْدُ
قال الحافظ شبل بن حامد أو بن خُلَيْدٍ الْمُزْنِيُّ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ انْتَهَى
وقَدْ تَفَرَّدَ بِذِكْرِ شِبْلٍ فِي الْحَدِيثِ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَهُوَ وَهْمٌ مِنْهُ كَمَا بَيَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ فِيمَا بَعْدُ (فَقَالَ أَنْشُدُكَ اللَّهَ) بِصِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ مِنْ بَابِ نَصَرَ
قَالَ الْحَافِظُ أَيْ أَسْأَلُكَ بِاللَّهِ وَضَمَّنَ أَنْشُدُكَ مَعْنَى أُذَكِّرُكَ
فَحَذَفَ الْبَاءَ أَيْ أُذَكِّرُكَ رَافِعًا نَشِيدَتِي أَيْ صَوْتِي هَذَا أَصْلُهُ ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ مَطْلُوبٍ مُؤَكَّدٍ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ رَفْعُ صَوْتٍ
وبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ إِيرَادُ مَنِ اسْتَشْكَلَ رَفْعَ الرَّجُلِ صَوْتَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَعَ النَّهْيِ عَنْهُ ثُمَّ أَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّهْيُ لِكَوْنِهِ أَعْرَابِيًّا (لَمَّا قَضَيْتَ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ) لَمَّا بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ بِمَعْنَى أَلَا
وفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ أَلَا قَضَيْتَ
قَالَ الْحَافِظُ قِيلَ فِيهِ اسْتِعْمَالُ الْفِعْلِ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ بِتَأْوِيلِ الْمَصْدَرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَرْفٌ مَصْدَرِيٌّ لِضَرُورَةِ افْتِقَارِ الْمَعْنَى إِلَيْهِ وَهُوَ مِنَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَقَعُ فِيهَا الْفِعْلُ مَوْقِعَ الِاسْمِ وَيُرَادُ بِهِ النَّفْيُ الْمَحْصُورُ فِيهِ الْمَفْعُولُ
والْمَعْنَى هُنَا لَا أَسْأَلُكَ
إِلَّا الْقَضَاءَ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ إِلَّا جَوَابَ الْقَسَمِ لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْحَصْرِ
تَقْدِيرُهُ أَسْأَلُكَ بِاللَّهِ لَا تَفْعَلْ شَيْئًا إِلَّا الْقَضَاءَ
فَالتَّأْكِيدُ إِنَّمَا وَقَعَ لِعَدَمِ التَّشَاغُلِ بِغَيْرِهِ لَا لِأَنَّ لِقَوْلِهِ بِكِتَابِ اللَّهِ مَفْهُومًا وَالْمُرَادُ بِكِتَابِ اللَّهِ مَا حَكَمَ بِهِ وَكَتَبَ عَلَى عِبَادِهِ
وقِيلَ الْمُرَادُ الْقُرْآنُ وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ
وقال بن دَقِيقِ الْعِيدِ الْأَوَّلُ أَوْلَى
لِأَنَّ الرَّجْمَ وَالتَّغْرِيبَ لَيْسَا مَذْكُورَيْنِ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا بِوَاسِطَةِ أَمْرِ اللَّهِ بِاتِّبَاعِ رَسُولِهِ
قَالَ الْحَافِظُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِكِتَابِ اللَّهِ الْآيَةُ الَّتِي نُسِخَتْ تِلَاوَتُهَا الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا انْتَهَى
(فَقَالَ خَصْمُهُ وَكَانَ أَفْقَهَ مِنْهُ أَجَلْ) بِفَتْحَتَيْنِ وَسُكُونِ اللَّامِ أَيْ نَعَمْ
قَالَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي كَانَ عَارِفًا بِهِمَا قَبْلَ أَنْ يَتَحَاكَمَا فَوَصَفَ الثَّانِيَ بِأَنَّهُ أَفْقَهُ مِنَ الْأَوَّلِ إِمَّا مُطْلَقًا وَإِمَّا فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ الْخَاصَّةِ أَوِ اسْتَدَلَّ بِحُسْنِ أَدَبِهِ فِي اسْتِئْذَانِهِ وَتْرِكِ رَفْعِ صَوْتِهِ إِنْ كَانَ الْأَوَّلُ رَفَعَهُ وَتَأْكِيدِهِ السُّؤَالَ عَلَى فِقْهِهِ
وقَدْ وَرَدَ أَنَّ حُسْنَ السُّؤَالِ نِصْفُ الْعِلْمِ وأورده بن السُّنِّيِّ فِي كِتَابِ رِيَاضَةِ الْمُتَعَلِّمِينَ حَدِيثًا مَرْفُوعًا بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ قَالَهُ الْحَافِظُ
(اقْضِ) أَيْ احْكُمْ (إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا) أَيْ أَجِيرًا وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى الْخَادِمِ وَعَلَى الْعَبْدِ (عَلَى هَذَا) ضَمَّنَ عَلَى مَعْنَى عِنْدَ بِدَلِيلِ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ عَسِيفًا فِي أَهْلِ هَذَا وَكَانَ الرَّجُلُ اسْتَخْدَمَهُ فِيمَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ امْرَأَتُهُ مِنَ الْأُمُورِ فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِمَا وَقَعَ لَهُ مَعَهَا كَذَا فِي الْفَتْحِ (فَزَنَى) أَيْ الْأَجِيرُ (بِامْرَأَتِهِ) أَيْ الْمُسْتَأْجِرِ (فَأَخْبَرُونِي) أَيْ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ (فَفَدَيْتُ مِنْهُ) أَيْ ابْنِي (بِمِائَةِ شَاةٍ وَخَادِمٍ) أَيْ أَعْطَيْتُهُمَا فِدَاءً وَبَدَلًا عَنْ رَجْمِ ابْنِي (فَزَعَمُوا) أَيْ قَالُوا وفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ فَأَخْبَرُونِي (أَنَّ عَلَى ابْنِي جَلْدَ مِائَةٍ) بِفَتْحِ الْجِيمِ أَيْ ضَرْبَ مِائَةِ جَلْدَةٍ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُحْصَنٍ (وَتَغْرِيبَ عَامٍ) أَيْ إِخْرَاجَهُ عَنِ الْبَلَدِ سَنَةً (وَإِنَّمَا الرَّجْمُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا) أَيْ لِأَنَّهَا مُحْصَنَةٌ (الْمِائَةُ شَاةٍ وَالْخَادِمُ رَدٌّ عَلَيْكَ) أَيْ مَرْدُودٌ عَلَيْكَ (وَاغْدُ) بِضَمِّ الدَّالِ وَهُوَ أَمْرٌ بِالذَّهَابِ فِي الْغَدْوَةِ كَمَا أَنَّ رُحْ أَمْرٌ بِالذَّهَابِ فِي الرَّوَاحِ ثُمَّ اسْتُعْمِلَ كُلٌّ فِي مَعْنَى الْآخَرِ أَيْ فَاذْهَبْ (يَا أُنَيْسُ) تَصْغِيرُ أَنَسٍ وَهُوَ بن الضَّحَّاكِ الْأَسْلَمِيُّ (عَلَى امْرَأَةِ هَذَا) أَيْ إِلَيْهَا وفيه تضمين
أَيْ حَاكِمًا إِلَيْهَا (فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا) قَالَ القارىء بِهِ أَخَذَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَنَّهُ يَكْفِي فِي الْإِقْرَارِ مَرَّةً وَاحِدَةً فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم عَلَّقَ رَجْمَهَا بِاعْتِرَافِهَا وَلَمْ يَشْتَرِطِ الْأَرْبَعَ كَمَا هُوَ مَذْهَبُنَا
وأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْنَى فَإِنِ اعْتَرَفَتِ الِاعْتِرَافَ الْمَعْهُودَ وَهُوَ أَرْبَعُ مَرَّاتٍ فَارْجُمْهَا انْتَهَى
قُلْتُ قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذَا
قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ إِلَخْ) لَيْسَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ ذِكْرُ شِبْلٍ وَهُوَ الْمَحْفُوظُ كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ
قَوْلُهُ (وَرَوَوْا بِهَذَا الْإِسْنَادِ) أَيْ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ أَيْ بِدُونِ ذِكْرِ شِبْلٍ (عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ إِذَا زَنَتِ الْأَمَةُ إِلَخْ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (وَشِبْلُ بْنُ خَالِدٍ لَمْ يُدْرِكِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا رَوَى شِبْلٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ الْأَوْسِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وهذا الصحيح وحديث بن عُيَيْنَةَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التهذيب شبل بن حامد
ويقال بن خالد ويقال بن خليد ويقال بن مَعْبَدٍ الْمُزْنِيُّ
رَوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ الْأَوْسِيِّ حَدِيثَ الْوَلِيدَةُ إِذَا زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا وَعَنْهُ بِهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ كَذَا رَوَاهُ أَصْحَابُ الزُّهْرِيِّ عَنْهُ وخالفهم بن عُيَيْنَةَ فَرَوَى عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ وَشِبْلٍ جَمِيعًا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَدِيثُ الْعَسِيفِ وَلَمْ يُتَابَعْ عَلَى ذَلِكَ رَوَاهُ النسائي والترمذي وبن مَاجَهْ وَقَالَ النَّسَائِيُّ الصَّوَابُ الْأَوَّلُ
قَالَ وَحَدِيثُ بن عيينة خطأ وروى البخاري حديث بن عُيَيْنَةَ فَأَسْقَطَ مِنْهُ شِبْلًا
قَالَ الدَّوْرِيُّ عَنِ بن مَعِينٍ لَيْسَتْ لِشِبْلٍ صُحْبَةٌ انْتَهَى
(وَرُوِيَ عَنْهُ) أَيْ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ (أَنَّهُ قَالَ شِبْلُ بْنُ حَامِدٍ وَهُوَ خَطَأٌ إِنَّمَا هُوَ شِبْلُ بْنُ خَالِدٍ وَيُقَالُ أَيْضًا شِبْلُ بْنُ خُلَيْدٍ) بِالتَّصْغِيرِ وَقَدْ بَسَطَ الْحَافِظُ الْكَلَامَ فِي هَذَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ إِنْ شِئْتَ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ فَارْجِعْ إِلَيْهِ
[1434]
قَوْلُهُ (عَنِ الْحَسَنِ) هُوَ الْبَصْرِيُّ (عَنْ حِطَّانَ) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ (بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) الرَّقَاشِيِّ الْبَصْرِيِّ ثِقَةٌ مِنْ الثَّانِيَةِ (خُذُوا عَنِّي) أَيْ حُكْمَ حَدِّ الزنى (فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا) أَيْ حَدًّا وَاضِحًا وَطَرِيقًا نَاصِحًا فِي حَقِّ الْمُحْصَنِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَة إِلَى قَوْلِهِ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا وَلَمْ يَقُلْ عليه الصلاة والسلام لَكُمْ لِيُوَافِقَ نَظْمَ الْقُرْآنِ وَمَعَ هَذَا فِيهِ تَغْلِيبٌ لِلنِّسَاءِ لِأَنَّهُنَّ مَبْدَأٌ لِلشَّهْوَةِ وَمُنْتَهَى الْفِتْنَةِ
قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ كَانَ هَذَا الْقَوْلُ حِينَ شُرِعَ الْحَدُّ فِي الزاني والزانية
والسبيل ها هنا الْحَدُّ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوعًا ذَلِكَ الْوَقْتِ وَكَانَ الْحُكْمُ فِيهِ مَا ذُكِرَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لهن سبيلا
(الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ) أَيْ حَدُّ زِنَا الثَّيِّبِ بِالثَّيِّبِ (جَلْدُ مِائَةٍ ثُمَّ الرَّجْمُ) اسْتَدَلَّ بِهَذَا مَنْ قَالَ إِنَّ الثَّيِّبَ يُجْلَدُ ثُمَّ يُرْجَمُ (وَالْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ) أَيْ حَدُّ زِنَا الْبِكْرِ بِالْبِكْرِ ضَرْبُ مِائَةِ جَلْدَةٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (وَنَفْيُ سَنَةٍ) أَيْ وَإِخْرَاجُهُ عَنْ الْبَلَدِ سَنَةً
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا البخاري والنسائي
قَوْلُهُ (وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ وهو قول إسحاق) وهو قول
داود الظاهري وبن الْمُنْذِرِ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ
واسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ الْبَابِ وَغَيْرِهِ وَبِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ حِينَ رَجَمَ الْمَرْأَةَ ضَرَبَهَا يَوْمَ الْخَمِيسِ وَرَجَمَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَقَالَ جَلَدْتُهَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَرَجَمْتُهَا بِسَنَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَفِي أَثَرِ عَلِيٍّ هَذَا وَكَذَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَغَيْرِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُجْمَعُ لِلْمُحْصَنِ مِنَ الْجَلْدِ وَالرَّجْمِ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُوَ قَوْلُ سفيان الثوري وبن الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ) ذَهَبَ مَالِكٌ وَالْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّهُ لَا يُجْلَدُ الْمُحْصَنُ بَلْ يُرْجَمُ فَقَطْ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَتَمَسَّكُوا بِحَدِيثِ سَمُرَةَ فِي أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَجْلِدْ مَاعِزًا بَلِ اقْتَصَرَ عَلَى رَجْمِهِ
قَالُوا وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ أَحَادِيثِ الْجَلْدِ فَيَكُونُ نَاسِخًا لِحَدِيثِ عُبَادَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَيُجَابُ بِمَنْعِ التَّأَخُّرِ الْمُدَّعَى فَلَا يَصْلُحُ تَرْكُ جَلْدِ مَاعِزٍ لِلنَّسْخِ لِأَنَّهُ فَرْعُ التَّأَخُّرِ وَلَمْ يَثْبُتْ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ
ومَعَ عَدَمِ ثُبُوتِ تَأَخُّرِهِ لَا يَكُونُ ذَلِكَ التَّرْكُ مُقْتَضِيًا لِإِبْطَالِ الْجَلْدِ الَّذِي أَثْبَتَهُ الْقُرْآنُ عَلَى كُلِّ مَنْ زَنَى
ولَا رَيْبَ أَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى الْمُحْصَنِ أَنَّهُ زَانٍ فَكَيْفَ إِذَا انْضَمَّ إِلَى ذَلِكَ مِنَ السُّنَّةِ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْجَلْدِ وَالرَّجْمِ لِلْمُحْصَنِ كَحَدِيثِ عُبَادَةَ الْمَذْكُورِ
ولَا سِيَّمَا وَهُوَ صلى الله عليه وسلم فِي مَقَامِ الْبَيَانِ وَالتَّعْلِيمِ لِأَحْكَامِ الشَّرْعِ عَلَى الْعُمُومِ بَعْدَ أَنْ أَمَرَ النَّاسَ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ بِأَخْذِ ذَلِكَ الْحُكْمِ عَنْهُ فَقَالَ خُذُوا عَنِّي
فَلَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بَعْدَ نَصِّ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِسُكُوتِهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ الْمَوَاطِنِ أَوْ عَدَمِ بَيَانِهِ لِذَلِكَ أَوِ إِهْمَالِهِ لِلْأَمْرِ بِهِ
قَالَ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْمُثْبِتَ أَوْلَى مِنَ النَّافِي وَلَا سِيَّمَا كَوْنُ الْمَكَانِ مِمَّا يَجُوزُ فِيهِ أَنَّ الرَّاوِيَ تَرَكَ ذِكْرَ الْجَلْدِ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ
قَالَ وَهَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ بَعْدَ مَوْتِهِ صلى الله عليه وسلم بِعِدَّةٍ مِنَ السِّنِينَ لَمَّا جَمَعَ لِتِلْكَ الْمَرْأَةِ بَيْنَ الرَّجْمِ وَالْجَلْدِ جَلَدْتُهَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَرَجَمْتُهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ
فَكَيْفَ يَخْفَى عَلَى مِثْلِهُ النَّاسِخُ وَعَلَى مَنْ بِحَضْرَتِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ الْأَكَابِرِ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ
واسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ أَيْضًا بِعَدَمِ ذِكْرِ الْجَلْدِ فِي رَجْمِ الْغَامِدِيَّةِ وَغَيْرِهَا
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَيُجَابُ بِمَنْعِ كَوْنِ عَدَمِ الذِّكْرِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُقُوعِ
لِمَ لَا يُقَالُ إِنَّ عَدَمَ الذِّكْرِ لِقِيَامِ
أَدِلَّةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْقَاضِيَةِ بِالْجَلْدِ
وأَيْضًا عَدَمُ الذِّكْرِ لَا يُعَارِضُ صَرَائِحَ الْأَدِلَّةِ الْقَاضِيَةِ بِالْإِثْبَاتِ وَعَدَمُ الْعِلْمِ لَيْسَ عِلْمًا بِالْعُدْمِ وَمَنْ عَلِمَ حجة على من لم يعلم انتهى
[1435]
قَوْلُهُ (أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ) وَهِيَ الْغَامِدِيَّةُ (فَقَالَ أَحْسِنْ إِلَيْهَا) إِنَّمَا أَمَرَهُ بِذَلِكَ لِأَنَّ سَائِرَ قَرَابَتِهَا رُبَّمَا حَمَلَتْهُمْ الْغَيْرَةُ وَحَمِيَّةُ الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى أَنْ يَفْعَلُوا بِهَا مَا يُؤْذِيهَا فَأَمَرَهُ بِالْإِحْسَانِ تَحْذِيرًا مِنْ ذَلِكَ (فَشُدَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا) لِئَلَّا تَنْكَشِفَ عِنْدَ وُقُوعِ الرَّجْمِ عَلَيْهَا لِمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنَ الِاضْطِرَابِ عِنْدَ نُزُولِ الْمَوْتِ وَعَدَمِ الْمُبَالَاةِ بِمَا يَبْدُو مِنَ الْإِنْسَانِ
ولِهَذَا ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ تُرْجَمُ قَاعِدَةً وَالرَّجُلُ قَائِمًا لِمَا فِي ظُهُورِ عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ مِنَ الشَّنَاعَةِ (ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا) هَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم صَلَّى عَلَى الْغَامِدِيَّةِ
واخْتَلَفَتِ الرِّوَايَاتُ فِي صَلَاتِهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَاعِزٍ
فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ فِي أَمْرِ مَاعِزٍ قَالَ ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَيْرًا وَصَلَّى عَلَيْهِ
ورَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ
وفِي رِوَايَةٍ عَنْ جَابِرٍ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ فِي أَمْرِ مَاعِزٍ وَقَالَ لَهُ خَيْرًا وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ
وقَدْ تَقَدَّمَ وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ فِي كَلَامِ الْحَافِظِ الْمُتَقَدِّم فِي بَابِ دَرْءِ الْحَدِّ عَنِ الْمُعْتَرِفِ إِذَا رَجَعَ
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَرْجُومِ فَكَرِهَهَا مَالِكٌ وَأَحْمَدُ لِلْإِمَامِ وَلِأَهْلِ الْفَضْلِ دُونَ بَاقِي النَّاسِ وَيُصَلِّي عَلَيْهِ غَيْرُ الْإِمَامِ وَأَهْلِ الْفَضْلِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ يُصَلِّي عَلَيْهِ الْإِمَامُ وَأَهْلُ الْفَضْلِ وَغَيْرُهُمْ
والْخِلَافُ بَيْنَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ إِنَّمَا هُوَ فِي الْإِمَامِ وَأَهْلِ الْفَضْلِ وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَاتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ يُصَلِّي
وبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ قَالُوا فَيُصَلِّي عَلَى الْفُسَّاقِ وَالْمَقْتُولِينَ فِي الْحُدُودِ وَالْمُحَارَبَةِ وَغَيْرِهِمْ
وقَالَ الزُّهْرِيُّ لَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَلَى الْمَرْجُومِ وَقَاتِلِ نَفْسِهِ
وقَالَ قَتَادَةُ لَا يُصَلِّي على ولد الزنى
واحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِهَذَا الْحَدِيثِ يَعْنِي بِحَدِيثِ الْبَابِ وفِيهِ دَلَالَةٌ لِلشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ وَأَهْلَ الْفَضْلِ يُصَلُّونَ عَلَى الْمَرْجُومِ كَمَا يُصَلِّي عَلَيْهِ غَيْرُهُمْ
وأَجَابَ أَصْحَابُ مَالِكٍ عَنْهُ بِجَوَابَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُمْ ضَعَّفُوا رِوَايَةَ الصَّلَاةِ لِكَوْنِ أَكْثَرِ الرُّوَاةِ لم يذكروها