الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(بَاب مَا جَاءَ فِي خُطْبَةِ النِّكَاحِ)
[1105]
قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْثَرُ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ (بْنُ الْقَاسِمِ) الزُّبَيْدِيُّ بِالضَّمِّ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّامِنَةِ
(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ) أَيْ بن مَسْعُودٍ
قَوْلُهُ (وَالتَّشَهُّدُ فِي الْحَاجَةِ) أَيْ مِنَ النكاح وغيره (قال) أي بن مَسْعُودٍ (التَّشَهُّدُ فِي الصَّلَاةِ) أَيْ فِي آخِرِهَا (التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ إِلَخْ) تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي مَحَلِّهِ (وَالتَّشَهُّدُ فِي الْحَاجَةِ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) بِتَخْفِيفِ أَنْ وَرَفْعِ الْحَمْدُ قَالَ الطِّيبِيُّ التَّشَهُّدُ مبتدأ خبره أن الحمد لله وأن مُخَفَّفَةٌ مِنَ الْمُثَقَّلَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أن الحمد لله رب العالمين
(نَسْتَعِينُهُ) أَيْ فِي حَمْدِهِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ وَمَا بَعْدَهُ جُمَلٌ مُسْتَأْنَفَةٌ مُبَيِّنَةٌ لِأَحْوَالِ الْحَامِدِينَ
وفِي رواية بن مَاجَهْ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ بِزِيَادَةِ نَحْمَدُهُ
(وَنَسْتَغْفِرُهُ) أَيْ فِي تَقْصِيرِ عِبَادَتِهِ (مَنْ يَهْدِ اللَّهُ) وفِي بَعْضِ النُّسَخِ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ بِإِثْبَاتِ الضَّمِيرِ وكذلك في رواية أبي داود والنسائي وبن مَاجَهْ
أَيْ مَنْ يُوَفِّقُهُ لِلْهِدَايَةِ
(فَلَا مُضِلَّ لَهُ) أَيْ مِنْ شَيْطَانٍ وَنَفْسٍ وَغَيْرِهِمَا (وَمَنْ يُضْلِلْ) بِخَلْقِ الضَّلَالَةِ فِيهِ (فَلَا هَادِيَ لَهُ) أَيْ لَا مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ وَلَا مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ وَلَا مِنْ وَلِيٍّ وَلَا مِنْ نَبِيٍّ
قَالَ الطِّيبِيُّ أَضَافَ الشَّرَّ إِلَى الْأَنْفُسِ أَوَّلًا كَسْبًا وَالْإِضْلَالَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ثَانِيًا خلقا وتدبيرا (قال) أي بن مَسْعُودٍ (وَيَقْرَأُ ثَلَاثَ آيَاتٍ) أَيْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم
وهَذَا يَقْتَضِي مَعْطُوفًا عَلَيْهِ فَالتَّقْدِيرُ يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَيَقْرَأُ (فَفَسَّرَهَا) أَيْ الآيات الثلاث (اتقوا الله حق تقاته إِلَخْ) الْآيَةُ التَّامَّةُ هَكَذَا
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون
اتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إِلَخْ الْآيَةُ التَّامَّةُ هَكَذَا يَا أَيَّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إن الله كان عليكم رقيبا وقولوا قولا سديدا الآيةالآية التَّامَّةُ هَكَذَا يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فقد فاز فوزا عظيما قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِتَغْيِيرِ الْأَلْفَاظِ كَذَا فِي شَرْحِ سِرَاجِ أَحْمَدَ
وإِنِّي لَمْ أَجِدْ حَدِيثَهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فَلْيُنْظَرْ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ حديث حسن) وأخرجه أبو داود والنسائي وبن ماجه وصححه أبو عوانة وبن حِبَّانَ
كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي
قَوْلُهُ (وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِنَّ النِّكَاحَ جَائِزٌ بِغَيْرِ خُطْبَةٍ إِلَخْ) وَيَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ حَدِيثُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ قَالَ خَطَبْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أُمَامَةَ بِنْتَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَأَنْكَحَنِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَشَهَّدَ
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
ورَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ الْكَبِيرِ وَقَالَ إِسْنَادُهُ مَجْهُولٌ
انْتَهَى
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَأَمَّا جَهَالَةُ الصَّحَابِيِّ الْمَذْكُورِ فَغَيْرُ قَادِحَةٍ
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي تَحْتَ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ وفِيهِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ تقدم الخطبة إذا لَمْ يَقَعْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ وُقُوعُ حَمْدٍ وَلَا تَشَهُّدٍ وَلَا غَيْرِهِمَا مِنْ أَرْكَانِ الْخُطْبَةِ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الظَّاهِرِيَّةُ فَجَعَلُوهَا وَاجِبَةً وَوَافَقَهُمْ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ أَبُو عَوَانَةَ فترجم في
صَحِيحِهِ بَابُ وُجُوبِ الْخُطْبَةِ عِنْدَ الْعَقْدِ انْتَهَى
[1106]
قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ) اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ كشير الْعِجْلِيُّ الْكُوفِيُّ قَاضِي الْمَدَائِنِ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ مِنْ صغار العاشرة
وذكره بن عَدِيٍّ فِي شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ وَجَزَمَ الْخَطِيبُ بِأَنَّ الْبُخَارِيَّ رَوَى عَنْهُ
لَكِنْ قَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ رَأَيْتُهُمْ مُجْمِعِينَ عَلَى ضَعْفِهِ
كَذَا فِي التَّقْرِيبِ
وقَالَ فِي الْمِيزَانِ قَالَ أَحْمَدُ الْعِجْلِيُّ لَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ الْبَرْقَانِيُّ أَبُو هَاشِمٍ ثِقَةٌ أَمَرَنِي الدَّارَقُطْنِيُّ أَنْ أُخَرِّجَ حَدِيثَهُ فِي الصَّحِيحِ
إنتهى (بن فُضَيْلٍ) اسْمُهُ
مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ عَارِفٌ رُمِيَ بِالتَّشَيُّعِ
قَوْلُهُ (كُلُّ خُطْبَةٍ) بِضَمِّ الْخَاءِ وَقَالَ القارىء بِكَسْرِ الْخَاءِ وَهِيَ التَّزَوُّجُ انْتَهَى
قُلْتُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ بِضَمِّ الْخَاءِ
(لَيْسَ فِيهَا تَشَهُّدٌ) قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ وَأَصْلُ التَّشَهُّدِ قَوْلُكَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُعَبَّرُ بِهِ عَنِ الثَّنَاءِ
وفِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ
كُلُّ خُطْبَةٍ لَيْسَ فِيهَا شَهَادَةٌ فَهِي كَالْيَدِ الْجَذْمَاءِ وَالشَّهَادَةُ الْخَبَرُ الْمَقْطُوعُ بِهِ وَالثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ أَصْدَقُ الشَّهَادَاتِ وَأَعْظَمُهَا
قَالَ القارىء الرِّوَايَةُ الْمَذْكُورَةُ رَوَاهَا أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (كَالْيَدِ الْجَذْمَاءِ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ الْمَقْطُوعَةِ الَّتِي لَا فَائِدَةَ فِيهَا لِصَاحِبِهَا أَوْ الَّتِي بِهَا جُذَامٌ كَذَا فِي الْمَجْمَعِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي أَوَائِلِهِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ فَهُوَ أَقْطَعُ وَقَوْلُهُ كُلُّ خُطْبَةٍ لَيْسَ فِيهَا شَهَادَةٌ فَهِيَ كَالْيَدِ الْجَذْمَاءِ أَخْرَجَهُمَا أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ وفِي كُلٍّ مِنْهُمَا مَقَالٌ
انْتَهَى
وقَالَ فِي التَّلْخِيصِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ كُلُّ كَلَامٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدِ فَهُوَ أَجْذَمُ (أَخْرَجَهُ) أبو داود والنسائي وبن ماجه وأبو عوانة والدارقطني وبن حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
واخْتُلِفَ فِي وَصْلِهِ وَإِرْسَالِهِ فَرَجَّحَ النَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ الْإِرْسَالَ
قَوْلُهُ وَيُرْوَى كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ فَهُوَ أَبْتَرُ هُوَ عِنْدَ أَبِي داود والنسائي كالأول وعند بن مَاجَهْ كَالثَّانِي
لَكِنْ قَالَ أَقْطَعُ بَدَلَ أَبْتَرُ وكذا عند بن حِبَّانَ وَلَهُ أَلْفَاظٌ أُخْرَى أَوْرَدَهَا الْحَافِظُ عَبْدُ الْقَادِرِ الرُّهَاوِيُّ فِي أَوَّلِ الْأَرْبَعِينَ الْبُلْدَانِيَّةِ
انْتَهَى
كَلَامُ الْحَافِظِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ تَحْسِينَ التِّرْمِذِيِّ بِتَعَدُّدِ الطرق والله تعالى أعلم
90 -
ما جاء في استيمار الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ [1107] قَوْلُهُ (لَا تُنْكَحُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ قَوْلُهُ (الثَّيِّبُ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الثَّيِّبُ مَنْ لَيْسَ بِبِكْرٍ وفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ الْأَيِّمُ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ الْمَكْسُورَةِ
(حَتَّى تُسْتَأْمَرَ) عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أي حتى تستأذن صريحا
إذ الإستيمار طَلَبُ الْأَمْرِ وَالْأَمْرُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالنُّطْقِ
(وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ) الْمُرَادُ بِالْبِكْرِ الْبَالِغَةُ إِذْ لَا مَعْنَى لِاسْتِئْذَانِ الصَّغِيرَةِ لِأَنَّهَا لَا تَدْرِي مَا الْإِذْنُ (حَتَّى تُسْتَأْذَنَ) أَيْ يُطْلَبَ مِنْهَا الْإِذْنُ (وَإِذْنُهَا الصُّمُوتُ) أَيْ السُّكُوتُ يَعْنِي لَا حَاجَةَ إِلَى إِذْنٍ صَرِيحٍ مِنْهَا بَلْ يُكْتَفَي بِسُكُوتِهَا لِكَثْرَةِ حَيَائِهَا
وفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ إِذْنُهَا قَالَ إِذْنُهَا أَنْ تَسْكُتَ وَاخْتُلِفَ فِي أَنَّ السُّكُوتَ مِنَ الْبِكْرِ يَقُومُ مَقَامَ الْإِذْنِ فِي حَقِّ جَمِيعِ الْأَوْلِيَاءِ أَوْ فِي حَقِّ الْأَبِ وَالْجَدِّ دُونَ غَيْرِهِمَا
وإِلَى الْأَوَّلِ ذَهَبَ الْأَكْثَرُ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ) لِيُنْظَرْ مَنْ أخرجه (وبن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ
(وَعَائِشَةَ) قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ تُسْتَأْمَرُ النِّسَاءُ فِي أَبْضَاعِهِنَّ قَالَ نَعَمْ
قُلْتُ إِنَّ الْبِكْرَ تُسْتَأْمَرُ فَتَسْتَحِي فَتَسْكُتُ فَقَالَ سُكَاتُهَا إِذْنُهَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (وَالْعُرْسِ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الرَّاءِ
بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ (بْنِ عَمِيرَةَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ صَحَابِيٌّ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الْأَبَ إِذَا زَوَّجَ الْبِكْرَ وَهِيَ بَالِغَةٌ بِغَيْرِ أَمْرِهَا فَلَمْ تَرْضَ بِتَزْوِيجِ الْأَبِ فَالنِّكَاحُ
مفسوخ) واحتجوا على ذلك بحديث بن عَبَّاسٍ أَنَّ جَارِيَةً بِكْرًا أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَتْ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ فَخَيَّرَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رواه أبو داود والنسائي وبن ماجه
قال بن القطان في كتابه حديث بن عَبَّاسٍ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
(وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ تَزْوِيجُ الْأَبِ عَلَى الْبِكْرِ جَائِزٌ وَإِنْ كَرِهَتْ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وإسحاق) وهو قول بن أبي ليلى والليث
واحتجوا بحديث بن عَبَّاسٍ الْآتِي الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا فَإِنَّهُ دَلَّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّ وَلِيَّ الْبِكْرِ أَحَقُّ بِهَا مِنْهَا
واحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا تُسْتَأْمَرُ الْيَتِيمَةُ فِي نَفْسِهَا فَإِنْ سَكَتَتْ فَهُوَ إِذْنُهَا قَالَ فَقَيَّدَ ذَلِكَ بِالْيَتِيمَةِ فيحمل المطلب عليه وفيه نظر لحديث بن عَبَّاسٍ بِلَفْظِ وَالْبِكْرُ يَسْتَأْذِنُهَا أَبُوهَا فِي نَفْسِهَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ
وأَجَابَ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّ الْمُؤَامَرَةَ قَدْ تكون عن استطابة نفس ويؤيده حديث بن عُمَرَ رَفَعَهُ وَأَمِّرُوا النِّسَاءَ فِي بَنَاتِهِنَّ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
وقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْأُمِّ أَمْرٌ لَكِنَّهُ عَلَى مَعْنَى اسْتِطَابَةِ النَّفْسِ
وقَالَ الْبَيْهَقِيُّ زِيَادَةُ ذِكْرِ الْأَبِ فِي حديث بن عباس غير محفوظة قال الشافعي رواها بن عيينة في حديثه وكان بن عُمَرَ وَالْقَاسِمُ
وسَالِمُ يُزَوِّجُونَ الْأَبْكَارَ لَا يَسْتَأْمِرُوهُنَّ
قال البيهقي والمحفوظ في حديث بن عَبَّاسٍ الْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ وَرَوَاهُ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ بِلَفْظِ وَالْيَتِيمَةُ لَا تُسْتَأْمَرُ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى وَمُحَمَّدُ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبِكْرِ الْيَتِيمَةُ
قَالَ الْحَافِظُ بْنُ حَجَرٍ وَهَذَا لَا يَدْفَعُ زِيَادَةَ الثِّقَةِ الْحَافِظِ بِلَفْظِ الْأَبِ وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ بَلِ المراد باليتيمة البكر لم يدفع
وتستأمر بِضَمِّ أَوَّلِهِ يَدْخُلُ فِيهِ الْأَبُ وَغَيْرُهُ
فَلَا تَعَارُضَ بَيْنِ الرِّوَايَاتِ
ويَبْقَى النَّظَرُ فِي أَنَّ الِاسْتِئْمَارَ هَلْ هُوَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ أَوْ مُسْتَحَبٌّ عَلَى مَعْنَى الِاسْتِطَابَةِ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ كُلُّ الْأَمْرَيْنِ مُحْتَمَلٌ انْتَهَى
كَلَامُ الْحَافِظِ
قلت الظاهر أن الاستثمار هُوَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ لَا عَلَى طريق الاستطابة يدل عليه حديث بن عَبَّاسٍ رضي الله عنه أَنَّ جَارِيَةً بِكْرًا أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَتْ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ فَخَيَّرَهَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَلَا مَعْنَى لِلطَّعْنِ فِي الْحَدِيثِ فَإِنَّ طُرُقَهُ تُقَوِّي بَعْضُهَا بِبَعْضٍ انْتَهَى
وأَجَابَ الْبَيْهَقِيُّ بِأَنَّهُ إِنْ ثَبَتَ الْحَدِيثُ فِي الْبِكْرِ حُمِلَ عَلَى أَنَّهَا زُوِّجَتْ بِغَيْرِ كُفْءٍ قَالَ الْحَافِظُ وَهَذَا الْجَوَابُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ فَإِنَّهَا وَاقِعَةُ عَيْنٍ فَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ فِيهَا تَعْمِيمًا
قُلْتُ قَدْ تَعَقَّبَ الْعَلَّامَةُ الْأَمِيرُ الْيَمَانِيُّ عَلَى كَلَامِ الْبَيْهَقِيِّ والحافظ في سبل اللام تَعَقُّبًا حَسَنًا حَيْثُ قَالَ كَلَامُ هَذَيْنِ الْإِمَامَيْنِ مُحَامَاةٌ عَلَى كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَمَذْهَبِهِمْ وَإِلَّا فَتَأْوِيلُ الْبَيْهَقِيِّ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ فَلَوْ
كَانَ كَمَا قَالَ لَذَكَرَتْهُ الْمَرْأَةُ بَلْ قَالَتْ إِنَّهُ زَوَّجَهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ
فَالْعِلَّةُ كَرَاهَتُهَا فَعَلَيْهَا عُلِّقَ التَّخْيِيرُ لِأَنَّهَا الْمَذْكُورَةُ
فَكَأَنَّهُ قَالَ صلى الله عليه وسلم إِذَا كُنْتِ كَارِهَةً فَأَنْتِ بالخيار
وقول المصنف يعني الحافظ بن حَجَرٍ إِنَّهَا وَاقِعَةُ عَيْنٍ كَلَامٌ غَيْرُ صَحِيحٍ
بَلْ حُكْمٌ عَامٌّ لِعُمُومِ عِلَّتِهِ فَأَيْنَمَا وُجِدَتِ الْكَرَاهَةُ ثَبَتَ الْحُكْمُ
وقَدْ أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ فَتَاةً دَخَلَتْ عَلَيْهَا فَقَالَتْ أَبِي زوجني من بن أَخِيهِ يَرْفَعُ فِيَّ خَسِيسَهُ وَأَنَا كَارِهَةٌ
قَالَتْ اجْلِسِي حَتَّى يَأْتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
فَأَخْبَرَتْهُ فَأَرْسَلَ إِلَى أَبِيهَا فَدَعَاهُ فَجَعَلَ الْأَمْرَ إِلَيْهَا
فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَجَزْتُ مَا صَنَعَ أَبِي وَلَكِنْ أَرَدْتُ أَنْ أُعْلِمَ النِّسَاءَ أَنْ لَيْسَ لِلْآبَاءِ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا بِكْرٌ وَلَعَلَّهَا الْبِكْرُ التي في حديث بن عباس وقد زوجها أبوها كفئا بن أَخِيهِ
وإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَقَدْ صَرَّحَتْ أَنَّهُ لَيْسَ مُرَادُهَا إِلَّا إِعْلَامَ النِّسَاءِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْآبَاءِ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ
ولَفْظُ النِّسَاءَ عَامٌّ لِلثَّيِّبِ وَالْبِكْرِ وَقَدْ قَالَتْ هَذِهِ عِنْدَهُ صلى الله عليه وسلم فَأَقَرَّهَا عَلَيْهِ
والْمُرَادُ بِنَفْيِ الأمر من الآباء ففي التَّزْوِيجِ لِلْكَارِهَةِ لِأَنَّ السِّيَاقَ فِي ذَلِكَ
فَلَا يُقَالُ هُوَ عَامٌّ لِكُلِّ شَيْءٍ
انْتَهَى مَا فِي السُّبُلِ
قُلْتُ حَدِيثُ عَائِشَةَ الَّذِي أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مُرْسَلٌ فَإِنَّهُ أَخْرَجَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا مرسل بن بُرَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَائِشَةَ انْتَهَى لَكِنْ رواه بن مَاجَهْ مُتَّصِلًا وَسَنَدُهُ هَكَذَا حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ كَهْمَسِ بْنِ الْحَسَنِ عن بن بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ جَاءَتْ فَتَاةٌ إِلَخْ بِمِثْلِ حَدِيثِ النَّسَائِيِّ
وأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ
[1108]
قَوْلُهُ (الْأَيِّمُ) قَالَ الْحَافِظُ ظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ (أَنَّ) الْأَيِّمَ هِيَ الثَّيِّبُ الَّتِي فَارَقَتْ زَوْجَهَا بِمَوْتٍ أَوْ طَلَاقٍ لِمُقَابَلَتِهَا بِالْبِكْرِ
وهَذَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الْأَيِّمِ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ الْغَزْوُ مَأْيَمَةٌ أَيْ يَقْتُلُ الرِّجَالَ
فَتَصِيرُ النِّسَاءُ أَيَامَى
وقَدْ تُطْلَقُ عَلَى مَنْ لَا زَوْجَ لَهَا أَصْلًا
(وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا) بِضَمِّ الصَّادِ بِمَعْنَى سُكُوتِهَا
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إلا البخاري قوله
(وَاحْتَجَّ بَعْضُ النَّاسِ فِي إِجَازَةِ النِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ بِهَذَا الْحَدِيثِ) قَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ وَجْهُهُ أَنَّهُ شَارَكَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوَلِيِّ ثُمَّ قَدَّمَهَا بقَوْلِهِ أَحَقُّ وَقَدْ صَحَّ الْعَقْدُ مِنْهُ فَوَجَبَ أَنْ يَصِحَّ مِنْهَا انْتَهَى
(وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا احْتَجُّوا بِهِ لِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ من غير وجه عن بْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ وَهُوَ حَدِيثٌ صحيح كما عرفت (وهكذا أفتى به بن عَبَّاسٍ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ) فَإِفْتَاؤُهُ بِهِ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يُؤَيِّدُ صِحَّةَ حَدِيثِهِ
(وَإِنَّمَا مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْوَلِيَّ لَا يُزَوِّجُهَا إِلَّا بِرِضَاهَا وَأَمْرِهَا
فَإِنْ زَوَّجَهَا فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ عَلَى حَدِيثِ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِدَامٍ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ حَدِيثُ عَائِشَةَ أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَهُوَ يُبَيِّنُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ عَلَيْهَا أَمْرُهُ بِغَيْرِ إِذْنِهَا وَلَا يُجْبِرُهَا فَإِذَا أَرَادَتْ أَنْ تَزَوَّجَ لَمْ يَجُزْ لَهَا إِلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهَا
انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم أَحَقُّ بِنَفْسِهَا يَحْتَمِلُ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ أَنَّ الْمُرَادَ أَحَقُّ مِنْ وَلِيِّهَا فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ عَقْدٍ وَغَيْرِهِ كَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَدَاوُدُ
وَيَحْتَمِلُ
(مِنْ حَيْثُ غَيْرِهِ) أَنَّهَا أَحَقُّ بِالرِّضَا أَيْ لَا تُزَوَّجُ حَتَّى تَنْطِقَ بِالْإِذْنِ بِخِلَافِ الْبِكْرِ
ولَكِنْ لَمَّا صح قوله صلى الله عليه وسلم لانكاح إِلَّا بِوَلِيٍّ مَعَ غَيْرِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى اشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ يَتَعَيَّنُ الِاحْتِمَالُ الثَّانِي
قَالَ واعلم أن لفظة أحق ها هنا المشاركة مَعْنَاهُ أَنَّ لَهَا فِي نَفْسِهَا فِي النِّكَاحِ حَقًّا وَلِوَلِيِّهَا حَقًّا وَحَقُّهَا أَوْكَدُ مِنْ حَقِّهِ
فَإِنَّهُ لَوْ أَرَادَ تَزْوِيجَهَا كُفْئًا وَامْتَنَعَتْ لَمْ تُجْبَرْ وَلَوْ أَرَادَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَ كُفْئًا فَامْتَنَعَ الْوَلِيُّ أُجْبِرَ فَإِنْ أَصَرَّ زَوَّجَهَا الْقَاضِي
فَدَلَّ عَلَى تَأَكُّدِ حَقِّهَا وَرُجْحَانِهِ
انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ