الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(بَاب مَا جَاءَ فِي النَّهْيِ عَنْ التَّبَتُّلِ)
هُوَ فِي الْأَصْلِ الِانْقِطَاعُ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الِانْقِطَاعُ مِنَ النِّسَاءِ وَتَرْكُ التَّزَوُّجِ
[1083]
قَوْلُهُ رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ التَّبَتُّلَ أَيْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ حِينَ اسْتَأْذَنَهُ بَلْ نَهَاهُ عَنْهُ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَا عِنْدَ أَصْحَابِنَا مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ تَاقَتْ نَفْسُهُ وَوَجَدَ مُؤَنَهُ
وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لَاخْتَصَيْنَا أَيْ لَجَعَلَ كُلٌّ مِنَّا نَفْسَهُ خَصِيًّا كيلا يَحْتَاجَ إِلَى النِّسَاءِ قَالَ الطِّيبِيُّ كَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لَتَبَتَّلْنَا ولَكِنَّهُ عَدَلَ عَنْ هَذَا الظَّاهِرِ إِلَى قَوْلِهِ لَاخْتَصَيْنَا لِإِرَادَةِ الْمُبَالَغَةِ أَيْ لَبَالَغْنَا فِي التَّبَتُّلِ حَتَّى يُفْضِيَ بِنَا الِاخْتِصَاءُ ولَمْ يُرِدْ بِهِ حَقِيقَةَ الِاخْتِصَاءِ لِأَنَّهُ حَرَامٌ وقِيلَ بَلْ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ النَّهْيِ عَنِ الِاخْتِصَاءِ ويؤيده توارد استيذان جَمَاعَةٍ مِنْ صَحَابَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ كأبي هريرة وبن مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِمَا كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَظُنُّونَ جَوَازَ الِاخْتِصَاءِ بِاجْتِهَادِهِمْ وَلَمْ يَكُنْ ظَنُّهُمْ هَذَا مُوَافِقًا فَإِنَّ الِاخْتِصَاءَ فِي الْآدَمِيِّ حَرَامٌ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا قَالَ الْبَغَوِيُّ وَكَذَا يَحْرُمُ خِصَاءُ كُلِّ حَيَوَانٍ لَا يُؤْكَلُ وَأَمَّا الْمَأْكُولُ فَيَجُوزُ خِصَاؤُهُ فِي صِغَرِهِ وَيَحْرُمُ فِي كِبَرِهِ انْتَهَى
قُلْتُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ خِصَاءِ الْبَهَائِمِ مُطْلَقًا صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً مَأْكُولَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ مَأْكُولَةٍ مَا أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ حديث بن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ صَبْرِ الرُّوحِ وَعَنْ إِخْصَاءِ الْبَهَائِمِ نَهْيًا شَدِيدًا وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى ويُؤَيِّدُ هَذَا الْحَدِيثَ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ والطحاوي بإسناد ضعيف عن بن عُمَرَ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ إِخْصَاءِ الْخَيْلِ وَالْبَهَائِمِ ثُمَّ قال بن عُمَرَ فِيهَا نَمَاءُ الْخَلْقِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ تَحْتَ هَذَا الْحَدِيثِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تحريم خصي الحيوانات وقول بن عُمَرَ فِيهَا نَمَاءُ الْخَلْقِ أَيْ زِيَادَتُهُ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْخَصْيَ تَنْمُو بِهِ الْحَيَوَانَاتُ وَلَكِنْ لَيْسَ كُلُّ مَا كَانَ جَالِبًا لِنَفْعٍ يَكُونُ حَلَالًا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ عَدَمِ الْمَانِعِ وإيلام الحيوان ها هنا مَانِعٌ لِأَنَّهُ إِيلَامٌ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ الشَّارِعُ بَلْ نَهَى عَنْهُ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ وقَدْ اسْتَدَلَّ بَعْضُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ إِخْصَاءِ الْبَهَائِمِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ قال الحافظ بن كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ
خلق الله قال بن عَبَّاسٍ يَعْنِي بِذَلِكَ خَصْيَ الدَّوَابِّ وَكَذَا رُوِيَ عن بن عُمَرَ وَأَنَسٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعِكْرِمَةَ وَأَبِي عِيَاضٍ وَقَتَادَةَ وَأَبِي صَالِحٍ وَالثَّوْرِيِّ وقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ انْتَهَى
وقِيلَ الْمُرَادُ بِتَغْيِيرِ خَلْقِ اللَّهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ تغيير دين الله ففي تفسير بن كثير وقال بن عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَمُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَالْحَكَمُ وَالسُّدِّيُّ وَالضَّحَّاكُ وَعَطَاءٌ الخرساني ولآمرنهم فليغيرن خلق الله يَعْنِي دِينَ اللَّهِ عز وجل وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَ ذَلِكَ أَمْرًا أَيْ لَا تُبَدِّلُوا فِطْرَةَ اللَّهِ وَدَعُوا النَّاسَ إِلَى فِطْرَتِهِمْ انْتَهَى
قُلْتُ لَوْ تَأَمَّلْتَ وَتَدَبَّرْتَ فِي الْآيَتَيْنِ ظَهَرَ لَكَ أَنَّ الْمُرَادَ بِتَغْيِيرِ خَلْقِ الله في الآية الأولى هو تغيير الصورة وَأَنَّ الْمُرَادَ بِتَبْدِيلِ خَلْقِ اللَّهِ فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ هُوَ تَبْدِيلُ دِينِ اللَّهِ ويَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِتَغْيِيرِ خَلْقِ اللَّهِ فِي الْآيَةِ الْأُولَى هُوَ تَغْيِيرُ الصُّورَةِ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ الْحَدِيثَ وقَدْ اسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ بِجَوَازِ إِخْصَاءِ الْبَهَائِمِ بِمَا وَرَدَ من أن رسول الله ضحى بكبشين موجوئين قَالُوا لَوْ كَانَ إِخْصَاءُ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ حَرَامًا لَمَا ضَحَّى بِالْكَبْشِ الْمَوْجُوءِ الْبَتَّةَ وفِي هَذَا الِاسْتِدْلَالِ نَظَرٌ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ وقَدْ بَسَطْتُ الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي رِسَالَتِي إِرْشَادِ الْهَائِمِ إِلَى حُكْمِ إِخْصَاءِ الْبَهَائِمِ
قَوْلُهُ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
[1082]
قَوْلُهُ نَهَى عَنِ التَّبَتُّلِ قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ التَّبَتُّلُ الِانْقِطَاعُ عَنِ النِّسَاءِ وتَرْكُ النِّكَاحِ وامْرَأَةٌ بَتُولٌ مُنْقَطِعَةٌ عَنِ الرِّجَالِ لَا شَهْوَةَ لَهَا فِيهِمْ وبِهَا سُمِّيَتْ مَرْيَمُ أُمُّ الْمَسِيحِ عليهما السلام وسميت الفاطمة الْبَتُولُ لِانْقِطَاعِهَا عَنْ نِسَاءِ زَمَانِهَا فَضْلًا وَدَيْنًا وَحَسَبًا وقِيلَ لِانْقِطَاعِهَا عَنِ الدُّنْيَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى انْتَهَى
قَوْلُهُ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قبلك الخ يَعْنِي أَنَّ النِّكَاحَ مِنْ سُنَّةِ الْمُرْسَلِينَ فَلَا يَنْبَغِي تَرْكُهَا أَصْلًا وقَدْ اسْتَدَلَّتْ عَائِشَةُ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى مَنْعِ التَّبَتُّلِ رَوَى النَّسَائِيُّ عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ قَالَ قُلْتُ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنِ التَّبَتُّلِ فَمَا تَرَيْنَ فِيهِ قَالَتْ