الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا يجعلنا نتنبه، فكما أكرمنا الله عز وجل بالإيمان بهذه الصفة: صفة المحبة وصفة البغض، فعلينا أن ننهض بأنفسنا، وأن نسعى جادين ـ مستعينين بالله ـ في معرفة الأمور التي يحبها الله لنفعلها فننال محبته، ولنعرف الأمور التي يبغضها فنجتنبها لنسلم من بغضه تبارك وتعالى لنا.
[صفة السخط]
" والسُّخْطُ " أي: ومن صفاته تبارك وتعالى أنه يسخط، قال سبحانه:{ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} 1، وهناك أمور تسخطه سبحانه: مثل الكفر والمعاصي والذنوب، ومن اتبع ما أسخط الله سخط الله عليه.
فإذا آمن العبد بأنَّ الله يسخط، فعليه أن يجتنب كلَّ سبيل يسخط الله عز وجل، وأسأله سبحانه أن يجنبنا وإياكم ما يسخطه سبحانه.
[صفة الكره]
" والكره " أي: ومن صفاته تبارك وتعالى: الكره، ومن أدلة هذه الصفة: قوله تعالى: {وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ} 2. فهو سبحانه يبغض ويكره، يكره أشخاصاً ويكره أعمالاً، فنحن نؤمن بذلك كما وصف نفسه بذلك في كتابه العزيز.
[صفة الرضا]
" والرضا " أي: ومن صفاته سبحانه: الرضا، قال تعالى:{رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} 3، فهو يحب أهل الإيمان ويرضى عنهم.
وإذا آمن العبد بذلك فعليه أن يطلب رضا الله عز وجل بفعل الأمور التي ترضيه سبحانه.
هذه نماذج من صفات الله التي ثبتت في القرآن وصحت في سنة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم. ولما ذكر المصنف رحمه الله هذه الأمثلة قال:
" وسائر ما صح عن الله ورسوله "
وهذا تأكيد منه رحمه الله على أنَّ ما ذكره مجرد أمثلة، وإلا فصفات الله عز وجل كثيرة جداً في الكتاب والسنة.
" وإن نبت عنها أسماع بعض الجاهلين واستوحشت منها نفوس المعطلين "
هذه فائدة مهمة جداً، وتنبيه من المصنف مفيد للغاية.
معنى نبت: تجافت وابتعدت عنها أي: وجدوا تجاهها شيئاً من الوحشة. وفي مصنف عبد الرزاق 1 أنَّ رجلاً انتفض عندما سمع حديثاً من أحاديث الصفات، فقال ابن عباس رضي الله عنه:"ما فرق من هؤلاء ـ وفي رواية ما فرَّق هؤلاء ـ يجدُّون عند محكمه، ويهلكون عند متشابهه". فبعض الناس عندما يسمع صفة لأول مرة ينبو عنها سمعه ويجد وحشة تجاهها، لكن قيام هذا الأمر في نفسه لا يكون مسوغاً لجحد شيء أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم.
ومن خلال هذه المقولة يدرك المؤمن سبب تعطيل المعطلة لكثير من صفات الله تبارك وتعالى، فرغم أنَّ الله أثبتها لنفسه في كتابه وأثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته، عندما نبت عنها أسماعهم واستوحشت منها نفوسهم عطلوها ونفوها
1 " رقم 20895 "، وانظر السنة لابن أبي عاصم " رقم 485 " وقال الألباني: إسناده صحيح.
عن الله سبحانه وتعالى، وقالوا: لا يوصف الله بكذا ولا بكذا، وعدَّدوا صفات كثيرة ثابتة في القرآن وسنة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
وأهل السنة ليسوا في شيء من ذلك لا قليل ولا كثير، فإذا نبت أسماعهم أو استوحشت قلوبهم طردوا ذلك من نفوسهم، وآمنوا بما أثبته الله لنفسه وما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته.
قال الإمام أحمد رحمه الله:"ومثل أحاديث الرؤية كلها وإن نبت عن الأسماع، واستوحش منها المستمع فإنما عليه الإيمان بها، وأن لا يرد منها جزءاً واحداً، وغيرها من الأحاديث المأثورات عن الثقات"1.
وقال أفلح بن محمد:"قلت لعبد الله بن المبارك: يا أبا عبد الرحمن إني أكره الصفة ـ عنى صفة الرب جل وعز ـ فقال له عبد الله بن المبارك: أنا أشد الناس كراهة لذلك، ولكن إذا نطق الكتاب بشيء، وإذا جاءت الآثار بشيء جسرنا عليه"2 أي: أكره أن أتكلم في صفة الله ابتداء من قبل نفسي، لكن لما نطقت بذلك النصوص تجاسر وتكلم به. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:"أراد ابن المبارك: أنَّا نكره أن نبتدئ بوصف الله من ذات أنفسنا حتى يجيء به الكتاب والآثار"3.
فعندما تقول ـ بكلِّ اطمئنان ـ: الله يغضب ويسخط ويرضى ويحب ويبغض، ما الذي جعلك تجسر وتقول هذا الكلام؟ وما الذي جعل أئمة السلف وعلماءهم يجسرون ويؤلفون كتباً يقولون فيها: من صفاته أنَّه يرضى
1 رواه اللالكائي في شرح الاعتقاد " رقم 317 " ضمن اعتقاد الإمام أحمد من رواية عبدوس ابن مالك العطار.
2 رواه اللالكائي في شرح الاعتقاد " رقم 737 "
3 الحموية " ص30 "