المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[نزول عيسى عليه السلام] - تذكرة المؤتسي شرح عقيدة الحافظ عبد الغني المقدسي

[عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌[نزول عيسى عليه السلام]

سمع بالدجال فلينأ عنه، فو الله إنَّ الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث به من الشبهات " 1.

وعلى الإنسان أن يُروِّض نفسه على البعد عن الفتن وعدم الدخول فيها، فإنَّه إذا فعل ذلك سلم بإذن الله وحفظ من فتنة الدجال؛ لأنَّ فتنته ـ كما يقول العلماء ـ"كما أنَّها فتنة شخص فهي فتنة جنس، فإذا لم يملك العبد نفسه عند دجال صغير فكيف بالدجال الأكبر.

كما أنَّه على المسلم أن يلازم الاستعاذة بالله من شر فتنة المسيح الدجال عند كلِّ صلاة كما أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد اتفق علماء الأمة على خروج الدجال، ولم يخالف في ذلك إلا طائفة من ضلال المبتدعة قالوا: ليس هناك دجال يخرج حقيقة، وإنما المراد بالدجال رمز لوجود الباطل، كما أنَّ المراد بنزول عيسى رمز لوجود الحق. وممن فاه بذلك وتكلم به رجل يقال له محمد أبو عبية 2. وقد رد عليه الشيخ حمود التويجري رحمه الله رداً وافياً شافياً في كتابه:" إتحاف الجماعة ".

ص: 325

[نزول عيسى عليه السلام]

" وأنَّ عيسى بن مريم عليه السلام ينزل على المنارة البيضاء شرقي دمشق، فيأتيه وقد حُصِر المسلمون على عَقَبَة أَفْيَق، فيهرب منه، فيقتله عند باب لُد الشرقي. ولُد من أرض فلسطين بالقرب من الرملة على نحو ميلين منها "

1 أخرجه أبو داود " رقم 4319 "، وأحمد " 4/431 "، والحاكم " 4/576 وقال: صحيح الإسناد على شرط مسلم "، وصححه الألباني في صحيح الجامع " رقم 6301 "

2 انظر: التعليق على نهاية البداية لابن كثير " 1/118 ـ 119 "

ص: 325

لما فرغ المصنف رحمه الله من الكلام عن مسيح الضلالة الدجال انتقل للحديث عن نزول مسيح الهداية عيسى عليه السلام، وفي ذكر عيسى عليه السلام عقب الدجال مراعاة من المصنف للترتيب؛ فإنَّ نزول عيسى عليه السلام يكون بعد خروج الدجال، ويكون قتله على يده عليه السلام.

وإنَّما سمي عيسى عليه السلام مسيحاً لأنَّه إذا مسح على المريض يبرأ بإذن الله وقيل: أقوال أخرى.

وهو آخر الرسل قبل رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، وأحد أولي العزم من الرسل الذين ذكروا في قوله تعالى:{وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً} 1 وقوله: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا} 2.

وقد وُجد من أم بلا أب، وكان هذا سبباً في اختلاف الناس فيه اختلافاً كبيراً، فادعى فيه اليهود أنَّه ابن بغي وأنَّ أمه حملت به من الزنا، وحاولوا قتله. فكذبهم الله تعالى في كتابه، فقال فيما ذكره عن أمه مريم:{وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً} 3. وادعى النصارى أنَّه ابن الله، وأنَّه جزء منه.

والقول الحق فيه هو قول أهل الإسلام، وهو أنَّه عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه. فهو عبد من بني آدم، ولد من أم بلا أب.

حاول اليهود قتله، فرفعه الله عز وجل إليه إلى السماء حقيقة بروحه وجسده حياً، وشُبِّه عليهم برجل بقي مكانه فقتلوه وظنوا أنهم قتلوا عيسى ابن مريم، قال تعالى:{وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} 4 وقال سبحانه: {وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} 5. فهو

1 الآية 7 من سورة الأحزاب.

2 الآية 13 من سورة الشورى.

3 الآية 20 من سورة مريم.

4 الآية 157 من سورة النساء.

5 الآيتان 157، 158 من سورة النساء.

ص: 326

الآن حي في السماء إلى أن يأذن الله عز وجل بنزوله آخر الزمان.

وهذا يؤمن به أهل الإيمان كما دل عليه القرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:{وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَاّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً} 1 قبل موته أي: عندما ينزل من السماء؛ لأنه يموت في آخر الزمان لما ينزل.

فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويحصل على يديه خير عظيم.

ونزوله يكون بعد خروج الدجال " على المنارة البيضاء شرقي دمشق "، واضعاً يديه على جناحي ملك، إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفعه تحدر منه جُمَّان كاللؤلؤ، فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات، ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه، فيطلب الدجال لقتله.

" فيأتيه وقد حُصِر المسلمون على عَقَبَة أَفِيق " وهي بلدة قريبة من دمشق، وقد ورد هذا في حديث عثمان بن أبي العاص في سياق طويل، لكن في إسناده ضعف 2، وله شواهد كثيرة في الصحيحين وغيرهما، ولذكر عقبة أفيق شاهد من حديث سفينة رضي الله عنه عند الإمام أحمد 3.

" فيهرب منه، فيقتله عند باب لُد الشرقي. ولُد من أرض فلسطين بالقرب

1 الآية 159 من سورة النساء.

2 أخرجه أحمد " 4/216 ـ217 "، والطبراني في الكبير " 9/60 "، والحاكم في المستدرك " 4/524 وقال: صحيح الإسناد على شرط مسلم " وتعقبه الذهبي بقوله: ابن هبيرة واه.

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد " 7/342 ": " رواه أحمد والطبراني، وفيه علي بن زيد وفيه ضعف وقد وثق، وبقية رجالهما رجال الصحيح ".

3 المسند " 5/221 " قال الهيثمي في المجمع " 7/340 ": " ورجاله ثقات، وفي بعضهم كلام لا يضر ".

ص: 327

من الرملة على نحو ميلين منها " وهذا ثابت في صحيح مسلم 1 من حديث النواس بن سمعان، فلما يرى الدجالُ المسيحَ ابن مريم يتصاغر ويذوب كما يذوب الملح في الماء، ولو تركه لانذاب حتى يهلك، ولكنَّه يتقدم ويضربه بحربته فيموت. فيقضى على مسيح الضلالة بيد مسيح الهداية عيسى عليه السلام.

فإذا قُتلَ الدجال يفاجأ الناس بخروج يأجوج ومأجوج، وهما قبيلتان عظيمتان من بني آدم، موجودتان على وجه الأرض، سواء رآهم الناس أو لم يروهم. أما ما يقوله بعض الناس من أنَّ الأرض اكتشفت بالوسائل الحديثة"ولم يُر فيها سدٌّ ولا هؤلاء القوم. واتخذوا هذا ذريعة للإنكار، فهذا شأن من ليس لنصوص الشرع عنده مكانة ولا يقيم لها وزناً.

ولا يليق بمسلم أن يشك في الأخبار الصحيحة، أو يتوقف فيها، أو يظن فيها الظنون بناء على أقاويل قوم كفار، أو بناء على النظريات والمكتشفات الحديثة؛ فإنَّ الله قادر على كل شيء، وهو قادر سبحانه على أن يُعجز الناس عن الوقوف على مكانهم، كما قال سبحانه:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ} 2.

وإذا أراد المسلم عبرة في هذا الباب فليقرأ قصة بني إسرائيل عندما قضى الله عز وجل عليهم أن يتيهوا في الأرض، فتاهوا في أرض سيناء أربعين سنة. قال تعالى:{قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} 3 وإذا نظرت إلى الخريطة تجدها منطقة صغيرة، فهي الزاوية التي في رأس البحر الأحمر، فلولا أنَّ الله عز وجل أعمى قلوبهم

1 الصحيح " رقم 7299 "

2 الآية 44 من سورة فاطر.

3 الآية 26 من سورة المائدة.

ص: 328

وصرفهم عن الاهتداء لما ضاعوا في مثل هذا المكان الصغير هذه المدة الطويلة. فلله الأمر من قبل ومن بعد، وهو على كلِّ شيء قدير.

وأمَّا قول من قال: إنهم بعض أمم الكفر، وحددها بعضهم بالصين ونحوها، وحملوا قوله تعالى {وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} 1 على أنهم يأتون بالطائرات والسيارات: ففيه تكلف ونظر؛ لأنَّ النصوص تأباه، خاصة تلك التي تبين أنَّهم منحازون خلف السد، وأنَّهم إذا خرجوا حصل منهم ما حصل.

فنحن نؤمن بوجودهم ونصدق به للأحاديث الصحيحة والأخبار الصريحة الدالة على ذلك. فيخرجون على الناس بعد أن كانوا منحصرين خلف السد الذي بناه ذو القرنين، فيحاولون في كلِّ يوم فتحه، ويجتهدون ويبالغون في فتحه حتى إذا كادوا أن يخرقوه، يقول الذي عليهم: ارجعوا فستخرقونه غداً. ولا يقول إن شاء الله. فيعيده الله عز وجل كأشد ما كان. حتى إذا أذن الله بفتحه، يقول قائلهم: قولوا: إن شاء الله. فيقولون: إن شاء الله فيجدونه كهيئته حين تركوه فيخرقونه ويخرجون على الناس، ويحصل منهم فساد عظيم وبلاء وشر، ينهبون ويقتلون ويسفكون ويعتدون، ويمرون على بحيرة طبرية فيشربها أولهم، فإذا مر آخرهم قال: لقد كان في هذه البحيرة ماء. روى الإمام أحمد 2 والترمذي 3عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:""إن يأجوج ومأجوج ليحفرون السد كل يوم، حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه غداً،

1 الآية 96 من سورة الأنبياء.

2 المسند " 2 / 510 ـ 511 "

3 السنن " رقم 3153 وقال حسن غريب " وصححه الألباني في الصحيحة " رقم 1735 "

ص: 329

فيعودون إليه كأشد ما كان، حتى إذا بلغت مدتهم، وأراد الله أن يبعثهم على الناس حفروا، حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس، قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه غداً إن شاء الله، ويستثني، فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه، فيحفرونه ويخرجون على الناس، فينشفون المياه، ويتحصن الناس منهم في حصونهم، فيرمون بسهامهم إلى السماء، فترجع وعليها كهيئة الدم، فيقولون: قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء ".

وتكون نهايتهم بإذن الله عز وجل، حيث يرغب عيسى نبي الله عليه السلام ومن معه إلى الله أن يخلص الناس من شرهم، فيرسل الله عز وجل عليهم دابة صغيرة تسمى النغف، يسلطها على كلِّ واحد منهم فتكون في قفاه، فيصبحون صرعى كموت نفس واحدة، ثم تتأذى الأرض من نتنهم وجيفهم وعفنهم فيرسل الله عز وجل طيوراً تحملهم إلى حيث يشاء الله عز وجل، ثم يرسل مطراً لا يَكُنُّ منه بيت مدر ولا وبر، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة أي كالمرآة في الصفاء والنقاء 1.

فهذا شيء من أشراط الساعة، وفي معرفتها فائدة للمسلم ومنفعة له؛ لأنَّها تحرك في قلبه الإيمان والخوف من الله، والحذر من الفتن والإقبال على الله عز وجل وطاعته.

والإيمان بها من الإيمان باليوم الآخر؛ فهي علامات له ودلالات عليه.

1 انظر في هذا حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه، وهو في صحيح مسلم " رقم 7299 "

ص: 330