الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[إثبات الشفاعة]
ثبتت الشفاعة في نصوص كثيرة وأحاديث عديدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. والإيمان بها هو من جملة الإيمان بالأمور المغيبة، كالصراط والحوض والدواوين والميزان وغير ذلك من أحوال يوم القيامة وأموره التي دل عليها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. والإيمان بذلك كلِّه من الإيمان بالغيب الذي امتدح الله عز وجل أهله بقوله:{الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} 1 أي: الذين يؤمنون بما غاب عنهم مما أخبرتهم به رسل الله.
والشفاعة في اللغة مأخوذة من الشفع: وهو ضد الوتر، وسميت بذلك لضم الشافع دعاءه إلى المشفوع له؛ فالمشفوع له دعا لنفسه، ثم دعا له الشافع فكان ذلك شفعاً. وعليه يكون تعريف الشفاعة: طلب الخير للغير.
والشفاعة التي تكون يوم القيامة أنواع عديدة، منها ما هو مختص بالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم، ومنها ما هو عام له وللأنبياء والصالحين من عباد الله.
فأما الشفاعات المختصة بالنبي صلى الله عليه وسلم، فهي:
1ـ الشفاعة العامة أو الشفاعة الكبرى:
وهذه الشفاعة لا ينكرها أحد من المنتسبين إلى الإسلام، وهي شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الموقف عندما يقفون قياماً لله رب العالمين ينتظرون الجزاء والحساب، وتدنو الشمس من الخلائق ولا يدري كلُّ واحد منهم ما مآله وما مصيره، فلما يطول مكثهم ويشتد تعبهم يأتون إلى الأنبياء يطلبون منهم أن يشفعوا عند الله بأن يبدأ بالحساب، فيأتون آدم فيعتذر ويحيلهم إلى نوح، فيعتذر ويحيلهم إلى إبراهيم، فيعتذر ويحيلهم إلى موسى، فيعتذر ويحيلهم إلى عيسى، فيعتذر ويحيلهم إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فيقول: أنا لها. ثم يسجد
1 الآية 3 من سورة البقرة.
لله تبارك وتعالى تحت العرش، ويعلمه الله حينئذ من محامده وحسن الثناء عليه ما لا يعلمه حال حياته صلى الله عليه وسلم، فيحمد الله ويثني عليه، فيقول الله له: ارفع رأسك وسل تعطه واشفع تشفع. وحينئذ يجيء الرب بنفسه تعالى لفصل القضاء، وهذا من تمام عدله كما قال سبحانه:{وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الأِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى} 1. وهي التي يغبطه عليها الأولون والآخرون من الخلائق لما فيها من بيان فضله صلى الله عليه وسلم على الناس كلِّهم في ذلك الموقف العظيم، وأنَّه أفضل عباد الله، وسيد ولد آدم، الشافع المشفع.
وهي المقام المحمود المذكور في قول الله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً} 2.
2ـ الشفاعة لأهل الجنة بأن يدخلوها: وهي أيضاً خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم، فهو أول من يستفتح باب الجنة فيفتح له. وأول الداخلين من الأمم أمته صلى الله عليه وسلم، كما قال صلى الله عليه وسلم:" نحن الآخرون الأولون يوم القيامة "3.
وهذا أيضاً فيه بيان فضله وعظيم مكانته صلى الله عليه وسلم.
3ـ شفاعته لعمه أبي طالب بأن يخفف عنه العذاب: وأبو طالب من الكفار من أهل النار، لكنه على كفره نصر النبي صلى الله عليه وسلم، واجتهد النبي صلى الله عليه وسلم في هدايته وحرص على إسلامه، فأنزل الله عز وجل في ذلك قوله:{إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} 4.
وهذه الشفاعة خاصة بأبي طالب؛ فإنَّ الكفار لا تنفعهم الشفاعة، كما أخبر
1 الآيتان 22، 23 من سورة الفجر.
2 الآية 79 من سورة الإسراء. وانظر: صحيح البخاري " رقم 4718، 7440 "، وصحيح مسلم " رقم 472 "
3 أخرجه البخاري " رقم 876 "، ومسلم " رقم 1977 " واللفظ له.
4 الآية 56 من سورة القصص.
الله جل وعلا: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} 1، ويستثنى من هذا شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب بأن يخفف عنه العذاب مع بقائه في النار.
وأما الشفاعات العامة وهي التي تكون من النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الملائكة والصالحين من عباد الله، فهي:
1ـ الشفاعة لمن دخل الجنة: بأن تُرفع درجته فيها وتعلو فوق ما كان يقتضيه ثواب عمله.
2ـ الشفاعة لمن استحق النار: بأن لا يدخلها.
3ـ الشفاعة لمن دخل النار: بأن يخرج منها.
وهذان القسمان الأخيران خاصان بعصاة الموحدين.
وهذه الشفاعات لا تكون إلا بشرطين، دل عليهما كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وهما:
الأول: إذن الله للشافع، كما قال تعالى:{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} 2، فلا يمكن أن تكون شفاعة يوم القيامة إلا بإذن الله، ولا يمكن أن يشفع أحد بين يدي الله إلا إذا أذن الله له.
الثاني: رضا الله تبارك وتعالى عن المشفوع له. ولا يرضى سبحانه إلا عن أهل التوحيد،قال جل وعلا:{فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} 3، وقال:{وَلا يَشْفَعُونَ إِلَاّ لِمَنِ ارْتَضَى} 4.
وقد جُمع هذان الشرطان في غير آية، كما في قوله تعالى:{وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَاّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} 5 فذكر الشرطين: الإذن والرضا.
وقد اقتصر المصنف رحمه الله على نوعين من الشفاعة: الشفاعة
1 الآية 48 من سورة المدثر.
2 الآية 255 من سورة البقرة.
3 الآية 48 من سورة المدثر.
4 الآية 28 من سورة الأنبياء.
5 الآية 26 من سورة النجم.
الكبرى وهي من القسم المختص بالنبي صلى الله عليه وسلم. والشفاعة لعصاة الموحدين وهي من القسم العام، فقال:
" ويعتقد أهل السنة ويؤمنون أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم يشفع يوم القيامة لأهل الجمع كلهم شفاعة عامة، ويشفع في المذنبين من أمته فيخرجهم من النار بعدما احترقوا "
ثم شرع رحمه الله"يسوق الأدلة عليها، فقال:
" كما روى أبو هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:""لكلِّ نبي دعوة يدعو بها، فأريد إن شاء الله أن أختبئ دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة " "
في هذا الحديث دلالة على أنَّ لكلِّ نبي دعوة مستجابة، وأنَّ الأنبياء تعجلوا دعواتهم في الدنيا، وأنَّه صلى الله عليه وسلم اختبأ هذه الدعوة لأمته يوم القيامة.
وقد ذكر بعض أهل العلم أنَّ هذه هي الشفاعة العظمى التي يغبطه عليها الأولون والآخرون. وقيل: غير ذلك.
وفعله هذا من تمام نصحه وشفقته وحرصه على أمته صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى:{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} 1.
ثم أورد المصنف رحمه الله حديث أبي هريرة المبين للأسباب التي تنال بها الشفاعة فقال:
" وروى أبو هريرة رضي الله عنه أنَّه قال:""قلت: يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال: لقد ظننت أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك؛ لِمَا رأيت من حرصك على الحديث. إنَّ أسعد الناس بشفاعتي
1 الآية 128 من سورة التوبة.
يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قبل نفسه " رواه البخاري "
" من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ " أي: من أحظاهم وأولاهم بها، ومن هو الأكثر استحقاقاً لها؟
وفي هذا السؤال من أبي هريرة رضي الله عنه دلالة على اهتمام الصحابة بهذا الأمر وعنايتهم به، فهم يعرفون قدر شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ومكانتها، وكلُّهم يرغب في نيلها، حريصون على معرفة الأسباب التي تنال بها؛ لأنهم يدركون أنَّ أسبابها شرعية، لا يمكن أن تعرف إلا من طريق النبي صلى الله عليه وسلم. ولهذا سألوه مثل هذا السؤال.
وينبغي لكلِّ عبد عرف قدر الشفاعة أن يعتني بهذا السؤال؛ لأنَّه إذا عرف الجواب وسلك مسلكه: سلم من الأباطيل التي ضل فيها أقوام ـ من هذه الأمة ومن الأمم السابقة ـ عندما انحرفوا في مفهوم الشفاعة، كما قال تبارك وتعالى:{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} 1. ولهذا ترى أناساً يطلبون الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم فيقولون: اشفع لي يا رسول الله. وبعضهم يدعوه مباشرة من دون الله ويسمي عمله هذا شفاعة، كقول بعضهم: مدد يا رسول الله.
ومتى كان نيل الشفاعة بالشرك؟! فدعاء غير الله ـ أياً كان ـ يبعد عن رحمة الله ويمنع ثوابه تبارك وتعالى. قال تبارك وتعالى: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً} 2، فهي حق لله لا تطلب إلا منه سبحانه. ومن أراد أن يشفع له أحد عند الله فلا يطلب ذلك إلا من الله. ولهذا فلا ضير على العبد أن يقول: اللهم شفع فيَّ نبيك. أو: اللهم اجعلني ممن يشفع فيهم نبيك. وعليه أن لا يكتف بهذا الدعاء، بل عليه أن يفعل الأسباب التي ينال بموجبها الشفاعة كما هو واضح في هذا السؤال وجوابه
1 الآية 18 من سورة يونس.
2 الآية 44 من سورة الزمر.
" قال: لقد ظننت أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك لِمَا رأيت من حرصك على الحديث " في هذا فضيلة لأبي هريرة رضي الله عنه، وبيان شدة حرصه على العلم وسؤال النبي صلى الله عليه وسلم.
كما يؤخذ منه أسلوب نافع في التربية، وهو إعطاء الحريص حقه من التشجيع والترغيب؛ فإنه يزيده حرصاً واهتماماً. والنبي صلى الله عليه وسلم إمام في كلِّ شيء: في العلم والتربية والمعاملة وغيرها، وهو الأسوة في كلِّ جانب، كما قال تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} 1.
ومع ذلك ترى بعض المهتمين بالتربية يشرِّقون ويغرِّبون في طلب الأساليب التربوية المؤثرة الناجحة، ويتركون هدي النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا من النقص ووهاء العلم وضعفه، وإلا فالتربية بأروع صورها وأتم أساليبها وأكمل أبوابها عند نبينا صلى الله عليه وسلم، فلا أتم من تربيته، ولا أكمل من هديه، ولا أحسن من أسلوبه.
" إنَّ أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة: من قال: لا إله إلا الله خالصاً " هذا هو الجواب، فأهل لا إله إلا الله: محققو التوحيد: المخلصون لله هم أسعد الناس بشفاعة النبيين والصالحين. أمَّا من أخل بالإخلاص وضيَّعه وفرط فيه فلا يستحق الشفاعة، ولا يسعد بها.
فمن أراد نيل الشفاعة، فعليه بالإخلاص والعمل بطاعة الله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لربيعة بن كعب الأسلمي لما قال له: أسألك مرافقتك في الجنة قال:""فأعني على نفسك بكثرة السجود " 2.
" من قبل نفسه " أي من قلبه يبتغي بها وجه الرب العظيم سبحانه.
ومعنى لا إله إلا الله: لا معبود بحق إلا الله، ففيها نفي العبودية عن كلِّ
1 الآية 21 من سورة الأحزاب.
2 أخرجه مسلم " رقم 1094 "
ما سوى الله، وإثباتها لله وحده. فلا يكون الإنسان موحداً إلا بتحقيق هذا النفي والإثبات، كما قال تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا) 1 إذ بالنفي وحده يكون الإنسان ملحداً، وبالإثبات وحده يكون الإنسان مشركاً.
وفي هذا الحديث بيان فضيلة كلمة التوحيد وعظم مكانتها، فهي أعظم الكلمات وأفضلها على الإطلاق، وهي أصل الدين وأساس السعادة، وسبيل الفوز في الدنيا والآخرة، كما جاء في مسند الإمام أحمد 2 عن أبي ذر رضي الله عنه قال:" يا رسول الله أفمن الحسنات لا إله إلا الله؟ قال: نعم هي أحسن الحسنات ". وفي حديث الشعب، قال النبي صلى الله عليه وسلم:""الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها: قول لا إله إلا الله، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان " 3. وفي حديث مباني الإسلام: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:""إنَّ الإسلام بني على خمسة: شهادة أن لا إله إلا الله وأنَّ محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وحج البيت " 4.
وفيه أنَّ كلمة التوحيد: لا إله إلا الله، لا تنفع صاحبها بمجرد القول، بل لابد من الإتيان بشروطها وضوابطها التي دل عليها كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. قيل لوهب بن منبه رحمه الله:""أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله؟ قال: بلى، ولكن ليس مفتاح إلا له أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان فُتِح لك، وإلا لم يُفتَح لك " 5.
1 الآية 256 من سورة البقرة.
2 " 5/169 " وحسَّنه الألباني في الصحيحة " 3/361 "
3 سبق تخريجه.
4 أخرجه البخاري " رقم 8 "، ومسلم " رقم 114 "
5 علقه البخاري في صحيحه " 3 / 131 مع الفتح " جازماً به، ووصله في التاريخ الكبير " 1/95 "، وأبو نعيم في الحلية " 4/66 "
وقيل للحسن البصري رحمه الله:""إنَّ ناساً يقولون: من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة. فقال: من قال: لا إله إلا الله فأدى حقها وفرضها دخل الجنة " 1. يشير إلى شروط لا إله إلا الله.
ولهذا لم يَكتف النبي صلى الله عليه وسلم هنا بقول لا إله إلا الله، بل اشترط الإخلاص ـ وهو الصفاء والنقاء ـ، فلا إله إلا الله لا تقبل من قائلها إلا إذا كان عمله نقياً صافياً، لم يرد به إلا وجه الله تبارك وتعالى، كما قال سبحانه:{وَمَا أُمِرُوا إِلَاّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} 2، وقال تعالى:{أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} 3، وكما في الحديث القدسي:""أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه " 4.
وإذا أردت أن تعرف معنى الإخلاص في اللغة فتأمل قوله تعالى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خَالِصاً سَائِغاً لِلشَّارِبِينَ} 5، فاللبن الأبيض النقي الصافي يخرج حين يخرج من بهيمة الأنعام من بين فرث ودم، حتى إنه قيل: إنَّ خروجه من بين الفرث والدم يكون عند الحلب مباشرة، ومع ذلك وصفه الله بأنَّه خالص لا ترى فيه قطرة من دم ولا قطعة من فرث.
وقد ذكر العلماء ـ بالاستقراء لنصوص الكتاب والسنة ـ أنَّ لا إله إلا الله لها شروطاً سبعة لا تقبل إلا بها، وهي:
1ـ العلم بمعناها المنافي للجهل.
1 جامع العلوم والحكم " ص209 "
2 الآية 5 من سورة البينة.
3 الآية 3 من سورة الزمر.
4 أخرجه مسلم " رقم 7400 "
5 الآية 66 من سورة النحل.
2ـ اليقين المنافي للريب.
3ـ الإخلاص المنافي للشرك والرياء.
4ـ الصدق المنافي للكذب.
5ـ المحبة المنافية للبغض والكره.
6ـ الانقياد المنافي للترك.
7ـ والقبول المنافي للرد.
وهي مجموعة في قول الناظم:
علم يقين وإخلاص وصدقك مع
…
محبة وانقياد والقبول لها
ولكلِّ واحد من هذه الشروط العشرات من الأدلة في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. قال الشيخ حافظ الحكمي:
وبشروط سبعة قد قيدت
…
وفي نصوص الوحي حقاً وردت
فإنَّه لا ينتفع قائلها
…
بالنطق إلا حيث يستكملها
العلم واليقين والقبول
…
والانقياد فادر ما أقول
والصدق والإخلاص والمحبه
…
وفقك الله لما أحبه
وقد شرحها رحمه الله في كتابه " معارج القبول " شرحاً نافعاً، وذكر دلائل كلِّ شرط من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم 1.
" وروى حديث الشفاعة بطوله: أبو بكر الصديق، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وأنس بن مالك، وحذيفة بن اليمان، وأبو موسى عبد الله بن قيس، وأبو هريرة، وغيرهم "
وقد نص غير واحد من أهل العلم على أنَّه حديث متواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم 2.
a
1 معارج القبول " 2/418 ـ 434 "
2 منهم: شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى " 13/35 "، وابن أبي العز في شرح الطحاوية " ص233 "