الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[خصائص المصطفى صلى الله عليه وسلم]
" ونعتقد أنَّ محمداً المصطفى خير الخلائق وأفضلهم، وأكرمهم على الله عز وجل وأعلاهم درجة، وأقربهم إلى الله وسيلة، بعثه الله رحمة للعالمين، وخصه بالشفاعة في الخلق أجمعين "
" المصطفى " أي: الذي اصطفاه الله واجتباه واختاره وفضله على الناس أجمعين بمن فيهم من الأنبياء والرسل عليهم السلام، فهو أفضل خلق الله عند الله جل وعلا.
الرسل كلُّهم اصطفاهم الله، كما قال سبحانه وتعالى:{اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ} 1، فتخصيصهم بالرسالة وبعثهم بالتوحيد هذا اصطفاء واجتباء، لكنَّ اصطفاء النبي صلى الله عليه وسلم له فيه مزيد تفضيل وتكريم وعلو شأن على بقية الأنبياء والمرسلين، وسيأتي عند المصنف رحمه الله ذكر جملة من الأدلة على تفضيل النبي صلى الله عليه وسلم وتعلية شأنه وبيان فضله على الناس أجمعين وعلى الأنبياء والمرسلين.
" خير الخلائق " أي: أفضلهم وأكملهم وأعلاهم شأناً، وأرفعهم قدراً وأنبلهم ذكراً.
" وأفضلهم، وأكرمهم على الله عز وجل " الطاعة كريمة على الله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:""ليس شيء أكرم على الله من الدعاء " 2، وكل من أطاع الله فهو كريم عليه، قال صلى الله عليه وسلم:""ليس أحد أفضل عند الله من مؤمن يعمر في
1 الآية 75 من سورة الحج.
2 أخرجه البخاري في الأدب المفرد " رقم 712 "، والترمذي " رقم 3370 وقال: حسن غريب "، وابن ماجه " رقم 3829 "، وأحمد " 2/362 "، وابن حبان " رقم 870 "، والطبراني في الأوسط " رقم 2523 "، والحاكم " 1/666 وقال: صحيح الإسناد "
الإسلام، يكثر تكبيره وتسبيحه وتهليله وتحميده " 1، فالطاعة ذاتها كريمة على الله، وأهلها كريمون على الله، وأكرم خلق الله على الله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو أفضلهم طاعة وأكملهم عبادة وأعلاهم شأناً.
" وأعلاهم درجة " الدرجة هي المنزلة والرتبة، فرتبته ومنزلته أعلى المنازل وأرفع الرتب، فليس في الناس أرفع منه رتبة ولا أعلى منه منزلة.
" وأقربهم إلى الله وسيلة " الوسيلة هي السبب الموصل إلى الله جل وعلا، فأقرب الناس وسيلة إلى الله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أتم العبودية وأكمل الطاعة، وكان قدوة للناس في كلِّ خير ونبل وفضل وعبادة:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} 2.
وقد جاء في معنى الوسيلة أنَّها منزلة لا تنبغي إلا لواحد من عباد الله، يقول صلى الله عليه وسلم:""إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليَّ، فإنه من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون هو " 3، كما قال تعالى:{عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً} 4، فله صلى الله عليه وسلم المقام المحمود وستأتي إشارة المصنف رحمه الله إلى هذا.
" بعثه الله رحمة للعالمين " كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} 5، وقال صلى الله عليه وسلم:""إنما بعثت رحمة " 6، وقال صلى الله عليه وسلم:""يا أيها الناس
1 أخرجه النسائي في الكبرى " رقم 10674 "، وأحمد " 1/163 "، وعبد بن حميد في منتخبه " رقم 104 "، والضياء في المختارة " 3/33 " وصححه الألباني في الصحيحة " رقم 652 "
2 الآية 21 من سورة الأحزاب.
3 أخرجه مسلم " رقم 847 "
4 الآية 79 من سورة الإسراء.
5 الآية 107 من سورة الأنبياء.
6 أخرجه مسلم " رقم 6556 "
إنما أنا رحمة مهداة " 1، فهو رحمة مهداة، رحيم بالناس حريص عليهم، بذل وسعه وجهده في دعوتهم إلى توحيد الله تبارك وتعالى واستنقاذهم من النار. وسيرته صلى الله عليه وسلم مليئة بالشواهد والدلائل على كمال رحمته، ومن ذلك: أنَّه لما قدم الطفيل وأصحابه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله إنَّ دوساً قد كفرت وأبت، فادع الله عليها. فقيل: هلكت دوس. فقال صلى الله عليه وسلم:""اللهم اهد دوساً وائت بهم "2.
" وخصه بالشفاعة في الخلق أجمعين " المراد بالشفاعة: الشفاعة العظمى الكبرى التي يشفع بها صلى الله عليه وسلم في أهل الموقف بعد أن يعتذر عنها الأنبياء جميعاً، ويقول صلى الله عليه وسلم: أنا لها. وهذا هو المقام المحمود الذي يغبطه عليه الأولون والآخرون، فيظهر الله به فضله ورفعته على الخلق أجمعين.
بعد أن ذكر المصنف رحمه الله هذا الكلام المجمل في بيان فضل النبي صلى الله عليه وسلم شرع في ذكر بعض الأدلة من السنة على ذلك فقال:
" وروى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:""أعطيت خمساً لم يعطهنَّ أحدٌ من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر. وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل. وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي. وأعطيت الشفاعة. وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة " "
" أعطيت خمساً لم يعطهنَّ أحدٌ من الأنبياء قبلي " أي: فُضِّلت وخصصت ومُيِّزت على سائر الأنبياء بخمس خصال. وتمييزه بهذه الخصال
1 أخرجه الدارمي " رقم 15 "، والطبراني في الصغير " رقم 264 "، والحاكم في المستدرك " 1/91 وقال صحيح على شرطهما " وصححه الألباني في الصحيحة " رقم 490 "
2 أخرجه مسلم " رقم 6397 "
وتخصيصه بها من بين سائر الأنبياء دليل على فضله وعلو قدره صلى الله عليه وسلم.
" نصرت بالرعب مسيرة شهر " أي أنَّ الله عز وجل يلقي الرعب الشديد والهلع والخوف في قلوب أعدائه، فما يتوجه صلى الله عليه وسلم إلى عدو إلا ملأ الله قلوبهم رعباً وخوفاً من مقدمه عليهم.
" وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل " أي: في أيِّ مكان منها يتطهر، وفي أي مكان يؤدي صلاته، إن كان ثمة ماء توضأ، وإلا تيمم. ويستثنى من هذا الأماكن التي نُهي عن الصلاة فيها كالحمام والمقبرة.
وهذا فيه أنَّ الصلاة لا تؤخر عن وقتها، كما قال تعالى:{إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} 1.
" وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي " وهذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم.
" وأعطيت الشفاعة " والمراد بالشفاعة كما قدمت الشفاعة العظمى؛ فإنَّ الشفاعة لأهل المعاصي من الموحدين ليست خاصة به صلى الله عليه وسلم، بل الأنبياء والصالحون من عباد الله أيضاً يشفعون، وقد تقدم ذكر أنواع الشفاعة، وأنَّ منها ما يختص به صلى الله عليه وسلم ومنها ما يشمل غيره أيضاً.
" وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة " بعث رحمة للعالمين ورسولاً للناس أجمعين.
وقد ثبت في السنة أحاديث عديدة، فيها ذكر ما فُضِّل به النبي صلى الله عليه وسلم، مثل: قوله صلى الله عليه وسلم:"" فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت الأرض طهوراً ومسجداً، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون " 2 وغيره، فإذا ضُمَّتْ إلى هذا الحديث
1 الآية 103 من سورة النساء.
2 أخرجه مسلم " رقم 1167 "
تبين أنَّ الخصال التي تميز بها النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من هذه الخمس. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله بعد جمعه لعدة أحاديث في هذا المعنى ـ:""فينتظم بهذا سبع عشرة خصلة، ويمكن أن يوجد أكثر من ذلك لمن أمعن التتبع
…
وقد ذكر أبو سعد النيسابوري في كتاب " شرف المصطفى " أنَّ عدد الذي اختص به نبينا صلى الله عليه وسلم عن الأنبياء ستون خصلة " 1.
" وروى أبو هريرة رضي الله عنه قال:""كنَّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوة، فرُفِع إليه الذراع ـ وكانت تعجبه ـ فنهش منها نهشة، ثم قال: أنا سيد الناس يوم القيامة " وذكر حديث الشفاعة بطوله "
" في دعوة " أي: وليمة.
" فرُفِع إليه الذراع، وكانت تعجبه " أي: قدمت إليه ليأكل منها.
" فنهش منها نهشة " أي: قطع منها قطعة بأضراسه، يقال: النهس ـ بالسين المهملة ـ: بالأسنان، والنهش ـ بالشين ـ: بالأضراس.
" أنا سيد الناس يوم القيامة " السيد هو المقدم على غيره لفضله وعلو قدره ورفعة شأنه، وسيد الناس يوم القيامة النبي صلى الله عليه وسلم.
" وذكر حديث الشفاعة بطوله " سبق للمصنف أن أشار إليه عندما تكلم عن الشفاعة، فذكر أنَّ حديث الشفاعة رواه جماعة من الصحابة، عدَّ منهم أبا هريرة، والحديث طويل.
" وروى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:""آتي يوم القيامة باب الجنة، فأستفتح، فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: محمد. فيقول: بك أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك " رواه مسلم "
1 فتح الباري " 1/523 ـ 524 "
" فأستفتح " أي: أطلب أن يُفتح الباب.
" بك أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك " وهذه من خصائصه وفضائله صلى الله عليه وسلم، فهو أول من يفتح له باب الجنة، وهو أول الداخلين، وأمته أول الأمم دخولاً.
" وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:""أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفع " رواه مسلم وأبو داود "
" أنا سيد ولد آدم يوم القيامة " سبق قبل قليل أنَّ من فضائل النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه سيد ولد آدم أي مقدمهم وإمامهم وقائدهم وقدوتهم وأفضلهم.
" ولا فخر " أي: لا أقول ذلك على وجه المفاخرة والمباهاة، وإنَّما أقوله تحدثاً بنعمة الله وشكراً له، واعترافاً بمنه وفضله وعطائه.
" وأول من ينشق عنه القبر " فهو أول من ينشق عنه القبر عند قيام الناس من قبورهم لرب العالمين.
" وأول شافع " أي: أول من يشفع عند الله، وسبق بيان أنَّ من أنواع الشفاعة ما هو خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، ومنها ما هو عام يشاركه فيها غيره، لكنَّ العام منها يكون النبي صلى الله عليه وسلم هو الأول فيها والمقدم على غيره؛ فالشفاعة مبنية على الفضل والتقدم والرفعة على الناس من حيث العبادة والطاعة والإقبال على الله جل وعلا، ولهذا من كان في الحياة الدنيا شفيقاً على الناس حريصاً على نصحهم ودلالتهم على الخير حري أن يكون شفيعاً عند الله يوم القيامة. ومن كان لا هم له إلا الإساءة إلى الناس، والطعن فيهم والنيل منهم فليس مؤهلاً لأن يكون شفيعاً عند الله يوم القيامة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:""إن اللعانين لا يكونون شهداء ولا شفعاء يوم القيامة " 1. قال ابن القيم رحمه الله:""إنَّ
1 أخرجه مسلم " رقم 6556 "
الشهادة من باب الخبر، والشفاعة من باب الطلب، ومن يكون كثير الطعن على الناس ـ وهو الشهادة عليهم بالسوء ـ وكثير اللعن لهم ـ وهو طلب السوء لهم، لا يكون شهيداً عليهم ولا شفيعاً لهم؛ لأنَّ الشهادة مبناها على الصدق، وذلك لا يكون فيمن يكثر الطعن فيهم، ولا سيما فيمن هو أولى بالله ورسوله منه. والشفاعة مبناها على الرحمة وطلب الخير، وذلك لا يكون ممن يكثر اللعن لهم، ويترك الصلاة عليهم " 1. وأكمل الناس نصحاً لعباد الله وقياماً بطاعة الله هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا هو أول شافع.
" وأول مشفع " أي: أول من تقبل شفاعته، ويستجاب له في شفاعته.
فهذه بعض الأحاديث، وهذا كتاب مختصر، وإلا فالأحاديث التي في بيان فضل النبي صلى الله عليه وسلم ومكانته وما خُصَّ به كثيرة جداً.
1 الصواعق المرسلة "4/1505"
وانظر: فقه الأدعية والأذكار [القسم الثاني]" ص233 ـ 238 "