المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الإيمان بالجنة والنار] - تذكرة المؤتسي شرح عقيدة الحافظ عبد الغني المقدسي

[عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌[الإيمان بالجنة والنار]

يستذكر هذه الأصول الثلاثة.

" منكر ونكير " هما ملكان جاء وصفهما في السنة بأنهما سود الوجوه وزرق العيون، يأتيان العبد في قبره فيقعدانه ويسألانه من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فأمَّا المؤمن فيقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم، فينعم في قبره. وأمَّا الكافر فلا يحار جواباً، فيضرب بمرزبة من حديد يصيح منها صيحة يسمعها كلُّ من يليه إلا الثقلين.

ومن الأحاديث الواردة في هذا: ما رواه أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:""إذا قُبِر الميت ـ أو قال أحدكم ـ أتاه ملكان أسودان أزرقان، يقال لأحدهما: المنكر والآخر: النكير. فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول ما كان يقول: هو عبد الله ورسوله. أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله. فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول هذا

" 1.

ص: 289

[الإيمان بالجنة والنار]

" والإيمان بأنَّ الجنة والنار مخلوقتان، لا تفنيان أبداً، خلقتا للبقاء لا للفناء، وقد صح في ذلك أحاديث عدة "

الإيمان بالجنة والنار هو من الإيمان باليوم الآخر، ومن الإيمان بالجنة والنار: الإيمان بكلِّ أوصافهما وكلِّ ما فيهما مما ثبت في القرآن والسنة.

" والإيمان بأنَّ الجنة والنار مخلوقتان " أي: مخلوقتان موجودتان الآن، فالجنة معدة والنار معدة. والدلائل على وجودهما كثيرة جداً، منها: قوله

1 أخرجه الترمذي " رقم 1071 وقال: حسن غريب "، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي " رقم 856 "، والصحيحة " رقم 1391 ".

ص: 289

تعالى عن الجنة: {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} 1، وقوله عن النار:{أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} 2، ومعنى أعدت أي: هُيئت ووجدت.

ومنها: قول النبي صلى الله عليه وسلم:"" فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس الأعلى، فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة " 3. وهذا دليل على أن الجنة فوق السماوات، وفوقها عرش الرحمن.

ومنها: ما رواه ابن عباس رضي الله عنه قال:""انخسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى

قالوا: يا رسول الله رأيناك تناولت شيئاً في مقامك، ثم رأيناك كعكعت. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني رأيت الجنة فتناولت عنقوداً، ولو أصبته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا. وأريت النار، فلم أر منظراً كاليوم قط أفظع " 4. هذا عنقود واحد!! ولهذا يقول ابن عباس رضي الله عنهما:""ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء " 5 أي أنَّ الحقائق مختلفة والنعيم متباين.

ومنها: قول النبي صلى الله عليه وسلم:""الحمَّى من فيح جهنم " 6.

ومن الحكم الظاهرة في وجود الجنة والنار: أنَّ أهل الإيمان عندما يعلمون أنَّ الجنة موجودة بنعيمها والنار بعذابها يعظم استعدادهم للجنة ويشتد خوفهم من النار.

وقد خالف في هذا المعتزلة، وتعاملوا مع المسألة بعقولهم القاصرة وأفهامهم الحقيرة، فقالوا: لا وجود للجنة والنار الآن، وإنما تخلقان يوم القيامة إذ لا حاجة للعباد بهما إلا في يوم القيامة.

1 الآية 33 من سورة آل عمران.

2 الآية 131 من سورة آل عمران.

3 سبق تخريجه.

4 أخرجه البخاري " رقم 1052 "، ومسلم " رقم 2106 "

5 رواه ابن جرير الطبري في تفسيره " رقم 534 "

6 أخرجه البخاري " رقم 3264 "، ومسلم " رقم 5715 "

ص: 290

" لا تفنيان أبداً " وهذا من عقيدة أهل السنة: أنَّ الجنة والنار لا تفنيان، بل باقيتان.

" خلقتا للبقاء لا للفناء، وقد صح في ذلك أحاديث عدة " ولهذا فإنَّ الحور العين والغلمان الذين في الجنة لا يشملهم الصعق الذي يكون يوم القيامة، كما قال تعالى:{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَاّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ} 1.

هذا هو قول أهل السنة والجماعة في الجنة والنار: أنهما لا تفنيان. قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} 2.

وهناك قول نُسِب إلى شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ـ رحمهما الله ـ وهو"أنَّ النار تفنى ولا تبقى، لكن من يطالع كتب شيخ الإسلام ابن تيمية يرى أنَّه يقرر بوضوح أنَّ النار لا تفنى، وقد جمع غير واحد من الباحثين نصوصاً كثيرة فيها تصريحه رحمه الله بأنها لا تفنى.

وكذلك ابن القيم رحمه الله جاءت عنه نصوص مجملة، وأخرى واضحة في أنَّها لا تفنى. ومن أوضح كلامه في هذا قوله:""ولما كان الناسُ على ثلاث طبقات: طيب لا يشينه خبث، وخبيث لا طيب فيه، وآخرون فيهم خبث وطيب كانت دورهم ثلاثة: دار الطيب المحض، ودار الخبث المحض، وهاتان الداران لا تفنيان. ودار لمن معه خبث وطيب وهي الدار التي تفنى وهي دار العصاة " 3، وهذا كلام مفصَّل صريح في بقاء نار الكفار وأنَّها لا تفنى، فيجب حمل كلامه المجمل على هذا الكلام المفصل

1 الآية 68 من سورة الزمر.

2 الآيتان 36، 37 من سورة فاطر.

3 الوابل الصيب " ص34 "

ص: 291