المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌[الإسراء والمعراج] " وأجمع القائلون بالأخبار والمؤمنون بالآثار: أنَّ رسول الله - تذكرة المؤتسي شرح عقيدة الحافظ عبد الغني المقدسي

[عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌ ‌[الإسراء والمعراج] " وأجمع القائلون بالأخبار والمؤمنون بالآثار: أنَّ رسول الله

[الإسراء والمعراج]

" وأجمع القائلون بالأخبار والمؤمنون بالآثار: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أُسرِي به إلى فوق سبع سماوات ثم إلى سدرة المنتهى، أُسرِي به ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى: مسجد بيت المقدس، ثم عُرج به إلى السماء بجسده وروحه جميعاً، ثم عاد من ليلته إلى مكة قبل الصبح، ومن قال: إنَّ الإسراء في ليلة والمعراج في ليلة فقد غلط، ومن قال: إنَّه منام وأنَّه لم يُسْرَ بجسده فقد كفر "

انتقل المصنف رحمه الله إلى الكلام عن الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى بيت المقدس، والعروج به إلى السماء، وهو من فضائله صلى الله عليه وسلم وخصائصه."

ولا يؤمن بالإسراء إلا من يؤمن بالأخبار ويعول عليها، أما التائهون الذين يقدمون عقولهم وآراءهم وأفكارهم ولا يعظِّمون الآثار ولا يعتنون بالأخبار فلا يؤمنون به، بل ربما اعترضوا أو انتقدوا أو حرَّفوا أو أوَّلوا أو سلكوا غير ذلك من المسالك الباطلة في سبيل رده.

في ليلة واحدة: إسراء إلى بيت المقدس وعروج إلى السماء، من كانت حدود إيمانياته بالمعقول فقط وليس للأخبار عنده شأن هل يتلقى ذلك بالقبول؟!

ولهذا قال المصنف رحمه الله: " وأجمع القائلون بالأخبار والمؤمنون بالآثار " ففي هذا فضيلةُ من شرح الله عز وجل صدره لتلقي أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم بالقبول. وإذا أردت معرفة تمام هذه المرتبة فانظر إلى حال الصديق رضي الله عنه لما ذكرت له قريش هذا الأمر وقالت له: إنَّ صاحبك يزعم أنَّه عُرج به إلى السماء. قال:""والله لئن كان قاله لقد صدق " 1. وعلى سبيلها قول

1 انظر: السيرة النبوية لابن هشام " 2/423 "

ص: 257

صاحب السنة: إن صح الحديث فأنا مؤمن به.

" أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أُسرِي به إلى فوق سبع سماوات ثم إلى سدرة المنتهى " في الكلام شيء من الاختصار؛ فإنَّه صلى الله عليه وسلم أُسري به إلى بيت المقدس ثم عُرج به إلى السماء كما سيبينه المصنف بعد.

" أُسرِي به ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى: مسجد بيت المقدس، ثم عُرج به إلى السماء " أُتِي صلى الله عليه وسلم ليلةً بالبراق وانطلق به إلى بيت المقدس، فربط البراق عند باب المسجد ودخل وصلى فيه، ثم عُرج به من بيت المقدس إلى السماء، ثم فتح له باب السماء، ثم عرج به إلى السماء التي تليها، إلى أن وصل إلى سدرة المنتهى فوق السماء السابعة، وفي كلِّ سماء يمر بنبي من الأنبياء أو أكثر، فمر في الأولى بآدم، وفي الثانية بيحيى وعيسى، وفي الثالثة بيوسف، وفي الرابعة بإدريس، وفي الخامسة بهارون، وفي السادسة بموسى، وفي السابعة بإبراهيم. ثم رُفع له البيت المعمور، وسأل عنه جبريل فقال: هذا البيت المعمور، يدخله في كلِّ يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون. ثم فرض الله عليه الصلاة خمسين صلاة، ثم رجع، فمر بموسى فقال له: إنَّ أمتك لا تطيق ذلك فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف. فكان يتردد بين الله عز وجل وموسى حتى خففت إلى خمس صلوات في اليوم والليلة، فقال له موسى: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف. فقال صلى الله عليه وسلم: سألت ربي حتى استحييت، ولكن أرضى وأسلم. فلما جاوز نادى مناد: أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي 1.

وهذا يبين عظم شأن الصلاة في الدين وجلالة قدرها عند الله، فكلُّ طاعة

1 انظر: صحيح البخاري " رقم 3887 "، ومسلم " رقم 409 "

ص: 258

أمر الله بها ينزل بها جبريل إلى الأرض ثم يبلغها النبي صلى الله عليه وسلم، إلا هذه الصلاة عُرج به صلى الله عليه وسلم إلى السماء وتلقاها منه سبحانه مباشرة. وهو في ذلك المقام سمع كلام الله من الله، فهو كليم الله، شارك موسى عليه السلام في الكلام، كما شارك إبراهيم عليه السلام في الخلة، قال صلى الله عليه وسلم:"" فإنَّ الله تعالى قد اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً " 1، ولهذا اجتمع فيه ما تفرق في الأنبياء.

ويعتبر حديث المعراج أحد أدلة علو الله عز وجل، وأنَّه سبحانه مستو على عرشه. حدثني ثقة قال: التقيت برجل يقول: إنَّ الله في كلِّ مكان. فقلت: هل تؤمن بفضل النبي صلى الله عليه وسلم ومناقبه؟ قال: نعم. قال: قلت: هل تؤمن بالعروج به إلى السماء؟ قال: نعم. قال: قلت: إن أنكرت علو الله لم تؤمن لا بفضل النبي صلى الله عليه وسلم ولا بربك، فلا عظمت النبي صلى الله عليه وسلم ولا آمنت بربك وبعلوه. يقول: فقال لي الرجل: آمنت بعلو الله وصدقت.

" بجسده وروحه جميعاً " هنا يرد المصنف رحمه الله على من يقول: إنَّ الإسراء والمعراج كان بالروح فقط. وهذا باطل وغير صحيح، بل عُرج به صلى الله عليه وسلم بروحه وجسده،قال تعالى:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} 2 وقوله جل وعلا: " بعبده " يتناول الروح والجسد، وهكذا بقية الأحاديث. فمن قال: إنَّ الإسراء والمعراج كان بالروح فقط ليس عنده دليل. ومن قال: إنَّه منام فهو أشد باطلاً وبعداً عن الحق والصواب.

" ثم عاد من ليلته إلى مكة قبل الصبح " أي: لم يأت عليه الصبح إلا وهو في فراشه.

1 أخرجه مسلم " رقم 1188 "

2 الآية 1 من سورة سورة الإسراء.

ص: 259

" ومن قال: إنَّ الإسراء في ليلة، والمعراج في ليلة فقد غلط " قال هذا بعض شراح الحديث بناء على أوهام وقعت لبعض الرواة فيه، وبنى عليها بعضهم تعدد وقوع الإسراء والمعراج. قال ابن القيم رحمه الله:""وكان الإسراء مرة واحدة. وقيل: مرتين: مرة يقظة ومرة مناماً، وأرباب هذا القول كأنهم أرادوا أن يجمعوا بين حديث شريك وقوله:" ثم استيقظت " وبين سائر الروايات. ومنهم من قال: بل كان هذا مرتين، مرة قبل الوحي لقوله في حديث شريك:" وذلك قبل أن يوحى إليه "، ومرة بعد الوحي كما دلت عليه سائر الروايات. ومنهم من قال: بل ثلاث مرات: مرة قبل الوحي، ومرتين بعده. وكلُّ هذا خبط، وهذه طريقة ضعفاء الظاهرية من أرباب النقل، الذين إذا رأوا في القصة لفظة تخالف سياق بعض الروايات جعلوه مرة أخرى، فكلَّما اختلفت عليهم الروايات عددوا الوقائع. والصواب الذي عليه أئمة النقل: أنَّ الإسراء كان مرة واحدة بمكة بعد البعثة " 1.

" ومن قال: إنَّه منام وأنه لم يُسْرَ بجسده فقد كفر " لأنَّه جحد هذا الأمر الواضح الصريح الذي دلت عليه النصوص.

بعد أن ذكر المصنف رحمه الله هذا التلخيص فيما يتعلق بالإسراء والمعراج أعقبه بذكر الأدلة كما هي طريقته، فقال:

" قال الله عز وجل: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} "

1 زاد المعاد " 3/ 42 "

وقال الحافظ ابن حجر في الفتح " 13/494 ": " مجموع ما خالفت فيه رواية شريك غيره من المشهورين عشرة أشياء، بل تزيد على ذلك ".

ص: 260

فهذا دليل على الإسراء، وفيه أيضاً إشارة إلى المعراج إذ قال جل وعلا:{لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا} 1، فقد رأى صلى الله عليه وسلم من آيات ربه الكبرى عندما عُرج به إلى السماء.

" وروى قصة الإسراء عن النبي صلى الله عليه وسلم: أبو ذر، وأنس بن مالك، ومالك بن صعصعة، وجابر بن عبد الله، وشداد بن أوس، وغيرهم "

فهو حديث مستفيض، رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم غير واحد من الصحابة رضوان الله عليهم، وعدَّه غير واحد من أهل العلم من الأحاديث المتواترة 2.

" كلُّها صحاح مقبولة مرضية عند أهل النقل مخرجة في الصحاح "

وهذا حكم من المصنف على أحاديث الإسراء بأنها صحيحة مرضية متلقاة بالقبول عند أئمة السلف وعلماء أهل السنة والجماعة.

1 الآية 1 من سورة الإسراء.

2 منهم: ابن القيم كما في اجتماع الجيوش الإسلامية " ص98 "

ص: 261