المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌[الإيمان بالحوض] " ثم الإيمان بأنَّ لرسول الله صلى الله عليه - تذكرة المؤتسي شرح عقيدة الحافظ عبد الغني المقدسي

[عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌ ‌[الإيمان بالحوض] " ثم الإيمان بأنَّ لرسول الله صلى الله عليه

[الإيمان بالحوض]

" ثم الإيمان بأنَّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم حوضاً ترده أمته كما صح عنه، وأنَّه كما بين عدن إلى عمان البلقاء، وروي من مكة إلى بيت المقدس، وبألفاظ أخر. ماؤه أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، وأكوابه عدد نجوم السماء "

الإيمان بالحوض المورود من جملة الإيمان بالغيب؛ إذ ليس عندنا فيه خبر إلا من خلال النصوص والأدلة، وإنما نؤمن به لورود الخبر الصادق بشأنه، وهذه ميزة أهل الإيمان الذين يؤمنون بالأخبار ويتلقون ما جاءت به الأنبياء بالقبول. أمَّا من سواهم فلا يقبلون ذلك ولا يؤمنون به.

" ثم الإيمان بأنَّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم حوضاً ترده أمته " أي: من عقيدة أهل السنة: الإيمان بالحوض المورود، وبكلِّ صفة له ثبتت في سنة النبي صلى الله عليه وسلم".

" كما صح عنه " الحديث في الحوض صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو حديث متواتر كما نص على ذلك غير واحد من أهل العلم 1، بل إنَّ عدد الصحابة الذين رووا أحاديث الحوض يزيدون عن خمسين صحابياً، بل عدهم بعضهم زيادة على الستين 2.

وقد دلت السنة على أنَّه مربع الشكل، طوله وعرضه: شهر، وطعم مائه: أحلى من العسل، ولونه: أبيض من اللبن، ورائحته: أطيب من ريح المسك، وعليه كيزان كنجوم السماء في الجمال والكثرة، من شرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبداً.

قال النبي صلى الله عليه وسلم:""حوضي مسيرة شهر، وزواياه سواء، وماؤه أبيض من

1 منهم القاضي عياض كما في شرح مسلم للنووي " 15/ 53 "، وشيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى " 13/35 "

2 انظر هذه الروايات في فتح الباري لابن حجر " 11/475 ـ 477 "

ص: 281

الورق، وريحه أطيب من المسك، وكيزانه كنجوم السماء، فمن شرب منه فلا يظمأ بعده أبداً " 1. وقال صلى الله عليه وسلم:""ماؤه أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل " 2.

وقد أشار المصنف رحمه الله إلى بعض صفاته، فقال:

" وأنَّه كما بين عدن إلى عمان البلقاء " أي: المسافة بين طرفيه كما بين اليمن وعمان الأردن.

" وروي من مكة إلى بيت المقدس، وبألفاظ أخر " والمسافة بين عدن وعمان أكبر من المسافة بين مكة وبيت المقدس، ولذا استشكله بعض أهل العلم، لكن الجمع بينهما متيسر؛ لأنَّ المسافة الأقل داخلة في المسافة الأكثر. وحمله بعضهم على اختلاف السير من حيث قوته وضعفه 3.

" ماؤه أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، وأكوابه عدد نجوم السماء " سبقت الإشارة إلى هذه الصفات.

ثم ذكر المصنف رحمه الله عدداً ممن روى حديث الحوض عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال:

" رواه عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وأبي بن كعب، وأبو ذر، وثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو أمامة الباهلي، وبريدة الأسلمي "

فذكر بعضهم، وإلا فإنَّ رواة حديث الحوض يتجاوزون الخمسين وقيل الستين صحابياً كما سبق.

وإذا آمن العبد بهذا الحوض العظيم وبصفاته فلاشك أنَّ قلبه يحصل فيه

1 أخرجه البخاري " رقم 6579 "، ومسلم " رقم 5928 " واللفظ له.

2 أخرجه مسلم " رقم 5945 "

3 انظر: شرح مسلم للنووي " 15/57 "، فتح الباري " 11/480 "

ص: 282

شوق عظيم ورغبة شديدة في أن يكون من هؤلاء الذين يسعدون ويهنؤن بالشرب من هذا الماء. وإذا حصل في نفسه مثل هذا الشعور فعليه أن يعرف أنَّ أناساً يذادون عنه ويحرمون منه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:""ليردن عليَّ ناس من أصيحابي الحوض، حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني، فأقول: أصحابي. فيقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك " 1.

فعلى المؤمن أن يقف متأملاً عند هذه الكلمة: " لا تدري ما أحدثوا بعدك " ليعلم خطورة الإحداث في الدين، ومخالفة طريقة سيد الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم، وأنها مستوجبة الحرمان من هذه المكرمة العظيمة.

والذين يذادون عن الحوض هم المرتدون، كما جاء في بعض الروايات:""إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى " 2. وقيل: إن الذين يذادون هم المنافقون الذين كانوا يتظاهرون بالإيمان ويبطنون الكفر.

وقد وُجد أقوام انتكست أفهامهم رأساً على عقب ـ وهم الروافض قاتلهم الله أنى يؤفكون ـ فادعوا ظلماً وزوراً أنَّ المعنيين بالذود عن الحوض هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين منَّ الله عليهم بصحبته ورؤيته وسماع حديثه منه، ونصرة دينه والمدافعة عنه، وفي مقدمتهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضوان الله عليهم، حتى إنَّ هؤلاء الحمقى في بعض كتبهم يستغربون من رواية أهل السنة لهذا الحديث في كتبهم. وهذا منهم ضلال على ضلال، وعدوان على عدوان، وجهل متراكم، وإلا فقد دل الحديث على أنَّ الصحابة هم أولى الناس وأحقهم بالشرب من الحوض؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تدري ما

1 أخرجه البخاري " رقم 6582 "، ومسلم " رقم 5951 "

2 أخرجه البخاري " رقم 6587 "

ص: 283

أحدثوا بعدك " وهم ـ بحمد الله ـ ليسوا كذلك، وحاشاهم من ذلك، قال تعالى:{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ} 1 هذا هو شأنهم، والتبديل إنما وُجد فيمن بعدهم. فهم أعظم الناس مراعاة للسنة وتقيداً بها وبعداً عن البدع، بل لم يتعلم الناس السنة ولم يعرفوها إلا من طريقهم.

فإذا حُكِم على هؤلاء الأخيار بأنهم مُحْدِثون فمن أين للناس أخذ الدين وتلقيه؟! ولهذا فإنَّ الطعن في الصحابة طعن في الدين ذاته، كما قال أهل العلم: الطعن في الناقل طعن في المنقول. يقول أبو زرعة الرازي:""إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق؛ وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة " 2.

ولهذا فإنَّ أهل السنة إذا صح الإسناد عندهم وجُهِل الصحابي لم يؤثر ذلك في صحة الحديث؛ لأنَّ الصحابة كلَّهم عدول بشهادة الله لهم، وبشهادة رسوله صلى الله عليه وسلم، وبإجماع الأمة على خيريتهم وفضلهم، فهم أولى الناس دخولاً في قوله تعالى:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} 3. وقال النبي صلى الله عليه وسلم:""خير الناس قرني " 4.

وأختم الكلام عما يتعلق بالحوض بقول أنس بن مالك رضي الله عنه:""لقد

1 الآيتان 23، 24 من سورة الأحزاب.

2 الكفاية للخطيب " ص49 "

3 الآية 110 من سورة آل عمران.

4 أخرجه البخاري " رقم 3651 "، ومسلم " رقم 6419 "

ص: 284