الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ إِذَا دَخَلُوا بَلَدًا (1) عنْوَة أَفْسَدُوهُ، أَيْ: خَرّبوه، {وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً} أَيْ: وَقَصَدُوا مَنْ فِيهَا مِنَ الْوُلَاةِ وَالْجُنُودِ، فَأَهَانُوهُمْ غَايَةَ الْهَوَانِ، إِمَّا بِالْقَتْلِ أَوْ بِالْأَسْرِ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَتْ بِلْقِيسُ: {إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً} (2) ، قَالَ الرَّبَّ، عز وجل {وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} . ثُمَّ عَدَلَتْ إِلَى الْمُهَادَنَةِ وَالْمُصَالَحَةِ وَالْمُسَالَمَةِ وَالْمُخَادَعَةِ وَالْمُصَانَعَةِ، فَقَالَتْ:{وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} أَيْ: سَأَبْعَثُ إِلَيْهِ بِهَدِيَّةٍ تَلِيقُ بِهِ (3) وَأَنْظُرُ مَاذَا يَكُونُ جَوَابُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَعَلَّهُ يَقْبَلُ ذَلِكَ وَيَكُفُّ عَنَّا، أَوْ يَضْرِبُ عَلَيْنَا خَرَاجا نَحْمِلُهُ إِلَيْهِ فِي كُلِّ عَامٍ، وَنَلْتَزِمُ لَهُ بِذَلِكَ وَيَتْرُكُ قِتَالَنَا وَمُحَارَبَتَنَا. قَالَ قَتَادَةُ: رَحِمَهَا اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهَا، مَا كَانَ أَعْقَلَهَا فِي إِسْلَامِهَا وَفِي شِرْكِهَا!! عَلِمَتْ أَنَّ الْهَدِيَّةَ تَقَعُ مَوْقِعًا مِنَ النَّاسِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: قَالَتْ لِقَوْمِهَا: إِنْ قَبِلَ الْهَدِيَّةَ فَهُوَ مَلِكٌ فَقَاتِلُوهُ، وَإِنْ لم يقبلها فهو نبي فاتبعوه.
(1) في أ: "بلدة".
(2)
في ف، أ:"أذلة وكذلك يفعلون".
(3)
في ف: "بمثله".
{فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِي بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ
(36)
ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ (37) } .
ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ، مِنَ السَّلَفِ وَغَيْرِهِمْ: أَنَّهَا بَعَثَتْ إِلَيْهِ بِهَدِيَّةٍ عَظِيمَةٍ مِنْ ذَهَبٍ وَجَوَاهِرَ وَلَآلِئَ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَرْسَلَتْ بلَبِنَة مِنْ ذَهَبٍ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا أَرْسَلَتْ [إِلَيْهِ](1) بِآنِيَةٍ مِنْ ذَهَبٍ.
قَالَ مُجَاهِدٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَغَيْرُهُمَا: وَأَرْسَلَتْ جِوَارِيَ فِي زي الغلمان، وغلمان فِي زِيِّ الْجَوَارِي، وَقَالَتْ: إِنْ عَرَفَ هَؤُلَاءِ مِنْ هَؤُلَاءِ فَهُوَ نَبِيٌّ. قَالُوا: فَأَمَرَهُمْ [سُلَيْمَانُ](2) عليه السلام، أن يتوضؤوا، فَجَعَلَتِ الْجَارِيَةُ تُفرغ عَلَى يَدِهَا مِنَ الْمَاءِ، وَجَعَلَ الْغُلَامُ يَغْتَرِفُ، فَمَيَّزَهُمْ بِذَلِكَ.
وَقِيلَ: بَلْ جَعَلَتِ الْجَارِيَةُ تَغْسِلُ بَاطِنَ (3) يَدِهَا قَبْلَ ظَاهِرِهَا، وَالْغُلَامُ بِالْعَكْسِ.
وَقِيلَ: بَلْ جَعَلَتِ الْجَوَارِي يَغْتَسِلْنَ (4) مِنْ أَكُفِّهِنَّ إِلَى مُرَافِقِهِنَّ، وَالْغِلْمَانُ مِنْ مَرَافِقِهِمْ إِلَى أَكُفِّهِمْ. وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ: أَنَّهَا أَرْسَلَتْ إِلَيْهِ بِقَدَحٍ لِيَمْلَأَهُ مَاءً رِوَاءً، لَا مِنَ السَّمَاءِ وَلَا مِنَ الْأَرْضِ، فَأَجْرَى الْخَيْلَ حَتَّى عَرِقَتْ، ثُمَّ مَلَأَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَبِخَرَزَةٍ وَسِلْكٍ لِيَجْعَلَهُ فِيهَا، فَفَعَلَ ذَلِكَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَكَانَ ذَلِكَ أَمْ لَا وَأَكْثَرَهُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ سُلَيْمَانَ، عليه السلام، لَمْ يَنْظُرْ إِلَى ما
(1) زيادة من ف، أ.
(2)
زيادة من ف، أ.
(3)
في ف: "بطن".
(4)
في ف: "يغسلن".