الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السَّلَفِ-: {هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} . وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنَّمَا يُجِيبُهُمْ بِذَلِكَ الْمَلَائِكَةُ.
وَلَا مُنَافَاةَ إِذِ الْجَمْعُ مُمْكِنٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ: الْجَمِيعُ مِنْ قَوْلِ الْكُفَّارِ: {يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} .
نَقَلَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَاخْتَارَ الْأَوَّلَ، وَهُوَ أَصَحُّ، (1) وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الصَّافَّاتِ:{وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} [الصَّافَّاتِ:20، 21]، وَقَالَ [اللَّهُ] (2) تَعَالَى:{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [الرُّومِ:55، 56] .
وَقَوْلُهُ: {إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} ، كَقَوْلِهِ:{فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ} [النَّازِعَاتِ:13، 14] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ} [النَّحْلِ: 77]، (3) وَقَالَ:{يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا قَلِيلا} [الْإِسْرَاءِ: 52] .
أَيْ: إِنَّمَا نَأْمُرُهُمْ أَمْرًا وَاحِدًا، فَإِذَا الْجَمِيعُ مُحْضِرُونَ، {فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا} أَيْ: مِنْ عَمَلِهَا، {وَلا تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}
(1) في أ: "وهو صحيح".
(2)
زيادة من أ.
(3)
في ت: "وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر أو هو أقرب" وهو خطأ.
{إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ
(55)
هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الأرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56) لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (57) سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58) }
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ: أَنَّهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا ارْتَحَلُوا مِنَ العَرَصات فَنَزَلُوا فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ: أَنَّهُمْ {فِي شُغُلٍ [فَاكِهُونَ} أَيْ: فِي شُغُلٍ] (1) عَنْ غَيْرِهِمْ، بِمَا هُمْ فِيهِ مِنَ النَّعِيمِ الْمُقِيمِ، وَالْفَوْزِ الْعَظِيمِ.
قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ: {فِي شُغُلٍ} عَمَّا فِيهِ أَهْلُ النَّارِ مِنَ الْعَذَابِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ} أَيْ: فِي نَعِيمٍ مُعْجَبُونَ، أَيْ: بِهِ. وَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {فَاكِهُونَ} أَيْ فَرِحُونَ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدُ بْنُ المُسَيّب، وعِكْرِمَة، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَالْأَعْمَشُ، وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ فِي قَوْلِهِ:{إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ} قالوا: شغلهم افتضاض الأبكار.
(1) زيادة من ت، أ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ (1) -: {فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ} أَيْ بِسَمَاعِ الْأَوْتَارِ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَعَلَّهُ غَلَطٌ مِنَ الْمُسْتَمِعِ، وَإِنَّمَا هُوَ افْتِضَاضُ الْأَبْكَارِ.
وَقَوْلُهُ: {هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ} قَالَ مُجَاهِدٌ: وَحَلَائِلُهُمْ {فِي ظِلالٍ} أَيْ: فِي ظِلَالِ الْأَشْجَارِ {عَلَى الأرَائِكِ مُتَّكِئُونَ} .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، والسُّدِّيّ، وخُصَيْف (2) :{الأرَائِكِ} هِيَ السُّرُرُ تَحْتَ الْحِجَالِ.
قُلْتُ: نَظِيرُهُ فِي الدُّنْيَا هَذِهِ التُّخُوتُ (3) تَحْتَ الْبَشَاخِينِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ: {لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ} أَيْ: مِنْ جَمِيعِ أَنْوَاعِهَا، {وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ} أَيْ: مَهْمَا طَلَبُوا وَجَدُوا مِنْ جَمِيعِ أَصْنَافِ الْمَلَاذِّ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ الْحِمْصِيُّ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ كَثِيرِ بْنِ دِينَارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُهَاجِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ المَعَافري، عَنْ سُلَيْمَانَ (4) بْنِ مُوسَى، حَدَّثَنِي كُرَيْب؛ أَنَّهُ سَمِعَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ يَقُولُ (5) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"أَلَا هَلْ مُشَمِّر إِلَى الْجَنَّةِ؟ فَإِنَّ الْجَنَّةَ لَا خَطر لَهَا هِيَ -وَرَبِّ الْكَعْبَةِ-نُورٌ كُلُّهَا يَتَلَأْلَأُ وَرَيْحَانَةٌ تَهْتَزُّ، وَقَصْرٌ مَشيد، وَنَهْرٌ مُطَّرد، وَثَمَرَةٌ نَضِيجَةٌ، وَزَوْجَةٌ حَسْنَاءُ جَمِيلَةٌ، وَحُلَلٌ كَثِيرَةٌ، وَمُقَامٌ فِي أَبَدٍ، فِي دَارِ سَلَامَةٍ، وَفَاكِهَةٍ خَضِرَةٍ وحَبْرَة وَنِعْمَةٍ، وَمَحَلَّةٍ عَالِيَةٍ بَهيَّة". قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَحْنُ الْمُشَمِّرُونَ لَهَا. قَالَ:"قُولُوا: إِنْ شَاءَ اللَّهُ". قَالَ الْقَوْمُ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "كِتَابِ الزُّهْدِ" مِنْ سُنَنِهِ، مِنْ حَدِيثِ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُهَاجر، بِهِ. (6)
وَقَوْلُهُ: {سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} فَإِنَّ اللَّهَ نَفْسَهُ سَلَامٌ عَلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ.
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ} [الْأَحْزَابِ: 44]
وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ هَاهُنَا حَدِيثًا، وَفِي إِسْنَادِهِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي الشَّوَارِبِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ العَبَّاداني، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ الرَّقاشيّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِر، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "بَيْنَا أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي نَعِيمِهِمْ، إِذْ سطع لهم نور، فرفعوا رؤوسهم، فَإِذَا الرَّبُّ تَعَالَى قَدْ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ مِنْ فَوْقِهِمْ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ. فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} . قَالَ: "فَيَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، فَلَا يَلْتَفِتُونَ إِلَى شَيْءٍ مِنَ النَّعِيمِ مَا دَامُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، حَتَّى يَحْتَجِبَ عَنْهُمْ، وَيَبْقَى نُورُهُ وَبِرْكَتُهُ عليهم وفي ديارهم".
(1) في ت: "وفي رواية عن ابن عباس".
(2)
في ت: "ومحمد بن كعب وغيرهم".
(3)
في أ: "النحوت".
(4)
في أ: "سليم".
(5)
في ت: "روى ابن أبي حاتم عن أسامة بن زيد قال".
(6)
سنن ابن ماجه برقم (4332) وقال البوصيري في الزوائد (3/325) : "هذا إسناد فيه مقال، الضحاك المعافري ذكره ابن حبان في الثقات، وقال الذهبي في طبقات التهذيب: مجهول وسليمان الأموى مختلف فيه وباقي رجال الإسناد ثقات".