الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَدْ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ لَمَا كَانَ لِإِيرَادِهِ كَبِيرُ فَائِدَةٍ، فَإِنَّهُ مِنَ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ كَانَ لَهُمْ فَضَائِلُ وَمَنَاقِبُ وَمَآثِرُ، وَأَحْسَنُ مَحَاسِنِهِ أَنَّهُ كَانَ يَذُب عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم [بِشِعْرِهِ](1)، وَهُوَ الَّذِي قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"هَاجِهِمْ وَجِبْرِيلُ مَعَكَ"
وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: كنتُ عندَ عَائِشَةَ، رضي الله عنها، فَدَخَلَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، فَأَمَرَتْ فَأُلْقِيَ لَهُ وِسَادَةٌ، فَلَمَّا خَرَجَ قُلْتُ لِعَائِشَةَ: مَا تَصْنَعِينَ بِهَذَا؟ يَعْنِي: يَدْخُلُ عَلَيْكِ -وَفِي رِوَايَةٍ قِيلَ لَهَا: أَتَأْذَنِينَ لِهَذَا يَدْخُلُ عَلَيْكِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ:{وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} ؟ قَالَتْ: وأيُّ عَذَابٍ أَشَدُّ مِنَ الْعَمَى -وَكَانَ قَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ -لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ هُوَ الْعَذَابَ الْعَظِيمَ. ثُمَّ قَالَتْ: إِنَّهُ كَانَ يُنافحُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ أَنْشَدَهَا عِنْدَمَا دَخَلَ عَلَيْهَا [شِعْرًا](2) يَمْتَدِحُهَا بِهِ، فَقَالَ:
حَصَان رَزَانٌ مَا تُزَنّ (3) بِرِيبَةٍ
…
وتُصْبح غَرْثَى مِنْ لُحوم الغَوَافل
…
فَقَالَتْ: أَمَّا أَنْتَ فَلَسْتَ كَذَلِكَ. وَفِي رِوَايَةٍ: لَكِنَّكَ لَسْتَ كَذَلِكَ (4) .
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ قَزْعَة، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: مَا سَمِعْتُ بِشَيْءٍ أَحْسَنَ مِنْ شِعْرِ حِسَّانَ، وَلَا تَمَثَّلْتُ بِهِ إِلَّا رَجَوْتُ لَهُ الْجَنَّةَ، قَوْلُهُ لِأَبِي سُفْيَانَ -يَعْنِي ابْنَ [الْحَارِثِ] (5) بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ -:
هَجَوتَ مُحَمَّدا فَأجبتُ (6) عَنْهُ
…
وَعندَ اللَّهِ فِي ذَاكَ الجزاءُ
…
فَإنَ أَبِي وَوَالده وعِرْضي
…
لعرْضِ مُحَمَّد مِنْكُمْ وقاءُ
…
أَتَشْتُمُه، ولستَ لَه بكُفءٍ?
…
فَشَرُّكُمَا لخَيْركُمَا الفدَاءُ
…
لِسَانِي صَارمٌ لَا عَيْبَ فِيه
…
وَبَحْرِي لَا تُكَدِّرُه الدِّلاءُ
…
فَقِيلَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَلَيْسَ هَذَا لَغْوًا؟ قَالَتْ: لَا إِنَّمَا اللَّغْوُ مَا قِيلَ عِنْدَ النِّسَاءِ. قِيلَ: أَلَيْسَ اللَّهُ يَقُولُ {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} ، قَالَتْ: أَلَيْسَ قَدْ أَصَابَهُ [عَذَابٌ](7) عَظِيمٌ؟ [أَلَيْسَ](8) قَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ وكُنِّع بِالسَّيْفِ؟ تَعْنِي: الضَّرْبَةَ الَّتِي ضَرَبَهُ إِيَّاهَا (9) صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ [السُّلَمِيُّ](10) ، حِينَ بَلَغَهُ عَنْهُ أَنَّهُ يَتَكَلَّمُ فِي ذَلِكَ، فَعَلَاهُ بِالسَّيْفِ، وَكَادَ أَنْ يَقْتُلَهُ (11) .
{لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ
(12)
لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13) }
هَذَا تَأْدِيبٌ مِنَ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي قَضِيَّةِ (12) عَائِشَةَ، رضي الله عنها، حِينَ أَفَاضَ بَعْضُهُمْ في
(1) زيادة من ف، أ.
(2)
زيادة من ف، أ.
(3)
في ف: "ما ترن".
(4)
صحيح البخاري برقم (4146) حدثني بشر بن خالد، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ الأعمش، به.
(5)
زيادة من ف، أ.
(6)
في ف: "وأجبت".
(7)
زيادة من ف، أ، والطبري.
(8)
زيادة من ف، أ، والطبري.
(9)
في ف: "ضربها إياه".
(10)
زيادة من ف، أ.
(11)
تفسير الطبري (18/69) .
(12)
في ف: "قصة".
ذَلِكَ الْكَلَامِ السَّيِّئِ، وَمَا ذُكِرَ مِنْ شَأْنِ الْإِفْكِ، فَقَالَ:{لَوْلا} بِمَعْنَى: هَلَّا {إِذْ سَمِعْتُمُوهُ} أَيْ: ذَلِكَ الْكَلَامَ، أَيْ: الَّذِي رُمِيَتْ بِهِ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ {ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا} أَيْ: قَاسُوا ذَلِكَ الْكَلَامَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، فَإِنْ كَانَ لَا يَلِيقُ بِهِمْ فَأُمُّ الْمُؤْمِنِينَ أَوْلَى بِالْبَرَاءَةِ مِنْهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى.
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَبِي أَيُّوبَ خَالِدِ بْنِ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ وَامْرَأَتِهِ، رضي الله عنهما، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَار، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ بَعْضِ رِجَالِ بَنِي النَّجَّارِ؛ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ خالدَ بْنَ زَيْدٍ قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ أُمُّ أَيُّوبَ: يَا أَبَا أَيُّوبَ، أَمَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ النَّاسُ فِي عَائِشَةَ، رضي الله عنها؟ قَالَ: نَعَمْ، وَذَلِكَ الْكَذِبُ. أكنتِ فَاعِلَةً ذَلِكَ يَا أُمَّ أَيُّوبَ؟ قَالَتْ: لَا وَاللَّهِ مَا كنتُ لِأَفْعَلَهُ. قَالَ: فَعَائِشَةُ وَاللَّهِ خَيْرٌ مِنْكِ. قَالَ: فَلَمَّا نَزَلَ الْقُرْآنُ ذَكَرَ اللَّهُ، عز وجل، مَنْ قَالَ فِي الْفَاحِشَةِ مَا قَالَ مِنْ أَهْلِ الْإِفْكِ:{إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} [النُّورِ: 11] وَذَلِكَ حَسَّانُ وَأَصْحَابُهُ، الَّذِينَ قَالُوا مَا قَالُوا، ثُمَّ قَالَ:{لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ} (1) الْآيَةَ، أَيْ: كَمَا قَالَ أَبُو أَيُّوبَ وَصَاحِبَتُهُ (2) .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدَيُّ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي حَبِيبَةَ (3) عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ أَفْلَحَ مَوْلَى أَبِي أَيُّوبَ، أَنَّ أُمَّ أَيُّوبَ قَالَتْ لِأَبِي أَيُّوبَ: أَلَا تَسْمَعُ (4) مَا يَقُولُ النَّاسُ فِي عَائِشَةَ؟ قَالَ: بَلَى، وَذَلِكَ الْكَذِبُ، أَفَكُنْتِ يَا أُمَّ أَيُّوبَ [فَاعِلَةً ذَلِكَ] (5) ؟ قَالَتْ: لَا وَاللَّهِ. قَالَ: فَعَائِشَةُ وَاللَّهِ خَيْرٌ مِنْكِ. فَلَمَّا نَزَلَ الْقُرْآنُ، وَذَكَرَ أَهْلَ الْإِفْكِ، قَالَ اللَّهُ عز وجل:{لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} يَعْنِي: أَبَا أَيُّوبَ حِينَ قَالَ لِأُمِّ أَيُّوبَ مَا قَالَ.
وَيُقَالُ: إِنَّمَا قَالَهَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ.
وَقَوْلُهُ: {ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا} أَيْ: هَلا ظَنُّوا الْخَيْرَ، فَإِنَّ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَهْلُهُ وَأَوْلَى بِهِ، هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْبَاطِنِ، {وَقَالُوا} أَيْ: بِأَلْسِنَتِهِمْ {هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} أَيْ: كَذِبٌ ظَاهِرٌ عَلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّ الَّذِي وَقَعَ لَمْ يَكُنْ رِيبَةً، وَذَلِكَ أَنَّ مَجِيءَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَاكِبَةً جَهْرَة عَلَى رَاحِلَةِ صَفْوَانَ بْنِ الْمُعَطَّلِ فِي وَقْتِ الظَّهِيرَةِ، وَالْجَيْشُ بِكَمَالِهِ يُشَاهِدُونَ ذَلِكَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَظْهُرِهُمْ، لَوْ كَانَ هَذَا الْأَمْرُ فِيهِ رِيبَةٌ لَمْ يَكُنْ هَكَذَا (6) جَهْرَة، وَلَا كَانَا يُقدمان عَلَى مِثْلِ ذلك على رؤوس الْأَشْهَادِ، بَلْ كَانَ يَكُونُ هَذَا -لَوْ قُدر -خُفْيَةً مَسْتُورًا، فتعيَّن أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ أَهْلُ الْإِفْكِ مِمَّا رَمَوا بِهِ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ هُوَ الْكَذِبُ الْبَحْتُ، وَالْقَوْلُ الزُّورُ، والرّعُونة الْفَاحِشَةُ [الْفَاجِرَةُ](7) وَالصَّفْقَةُ الْخَاسِرَةُ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَوْلا} أَيْ: هَلَّا {جَاءُوا عَلَيْهِ} أَيْ: عَلَى مَا قَالُوهُ {بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} يَشْهَدُونَ عَلَى صِحَّةِ مَا جَاءُوا بِهِ {فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} أَيْ: فِي حُكْمِ الله كَذَبَةٌ فاجرون (8) .
(1) في ف، أ:"ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا".
(2)
رواه الطبري في تفسيره (18/77) .
(3)
في ف، أ:"حبيب".
(4)
في ف: "تستمع".
(5)
زيادة من ف، أ.
(6)
في ف: "هذا".
(7)
زيادة من ف، أ.
(8)
في ف: "فجرة".