الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَمُجَاهِدٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وقَتَادَةُ: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَبِي طَالِبٍ حِينَ عَرَضَ عَلَيْهِ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقُولَ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" فَأَبَى عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَقَالَ:(1) أيْ ابْنَ أَخِي، ملةَ الْأَشْيَاخِ. وَكَانَ آخِرَ مَا قَالَ: هُوَ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.
وَقَالَ (2) ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْم (3)، عن سعيد بن أَبِي رَاشِدٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ قَيْصَرَ جَاءَ (4) إليَّ قَالَ: كَتَبَ مَعِي قَيْصَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كِتَابًا، فَأَتَيْتُهُ فَدَفَعْتُ الْكِتَابَ، فَوَضَعَهُ فِي حِجْرِهِ، ثُمَّ قَالَ:"مِمَّنْ الرَّجُلُ؟ " قُلْتُ: مِنْ تَنُوخَ (5) . قَالَ: "هَلْ لَكَ فِي دِينِ أَبِيكَ إِبْرَاهِيمَ الْحَنِيفِيَّةِ؟ " قُلْتُ: إِنِّي رَسُولُ قَوْمٍ، وَعَلَى دِينِهِمْ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَيْهِمْ. فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَظَرَ إِلَى أَصْحَابِهِ وَقَالَ (6) :{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} (7) .
وَقَوْلُهُ: {وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا} : [يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنِ اعْتِذَارِ بَعْضِ الْكُفَّارِ فِي عَدَمِ اتِّبَاعِ (8) الْهُدَى حَيْثُ قَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا} ](9) أَيْ: نَخْشَى إِنِ اتَّبَعْنَا مَا جِئْتَ بِهِ مِنَ الْهُدَى، وَخَالَفْنَا مَنْ حَوْلَنَا مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ الْمُشْرِكِينَ، أَنْ يَقْصِدُونَا بِالْأَذَى وَالْمُحَارَبَةِ، وَيَتَخَطَّفُونَا أَيْنَمَا كُنَّا، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُجِيبًا لَهُمْ:{أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا} يَعْنِي: هَذَا الَّذِي اعْتَذَرُوا بِهِ كَذِبٌ وَبَاطِلٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَهُمْ فِي بَلَدٍ أَمِينٍ، وحَرَم مُعَظَّمٍ آمِنٍ مُنْذُ وُضع، فَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا الْحَرَمُ آمِنًا فِي حَالِ كَفْرِهِمْ وَشِرْكِهِمْ، وَلَا يَكُونُ آمِنًا لَهُمْ وَقَدْ أَسْلَمُوا وَتَابَعُوا الْحَقَّ؟.
وَقَوْلُهُ: {يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ} أَيْ: مِنْ سَائِرِ الثِّمَارِ مِمَّا حَوْلَهُ مِنَ الطَّائِفِ وَغَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ الْمَتَاجِرُ وَالْأَمْتِعَةُ {رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا} أَيْ: مِنْ عِنْدِنَا {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} فَلِهَذَا قَالُوا مَا قَالُوا.
وَقَدْ قَالَ (10) النَّسَائِيُّ: أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْج، أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكة قَالَ: قَالَ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -وَلَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ -: أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ الَّذِي قَالَ: {إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا} (11) .
{وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلا قَلِيلا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ
(58)
وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (59) } .
(1) في أ: "وكان".
(2)
في ت: "وروى".
(3)
في ت: "بإسناده".
(4)
في أ: "جارا".
(5)
في هـ: "تيرح" والمثبت من ف، أ.
(6)
في ت، ف، أ:"فقال".
(7)
رواه أحمد في المسند (3/441) من طريق حماد بن سلمة بنحوه.
(8)
في أ: "اتباعهم".
(9)
زيادة من ت، ف، أ.
(10)
في ت: "وقد روى".
(11)
النسائي في السنن الكبرى برقم (11385) .
يَقُولُ تَعَالَى مُعَرّضًا بِأَهْلِ مَكَّةَ فِي قَوْلِهِ: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا} أَيْ: طَغَتْ وأشرَت وَكَفَرَتْ نِعْمَةَ اللَّهِ (1) ، فِيمَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنَ الْأَرْزَاقِ، كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى:{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ. وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ} [النَّحْلِ 112، 113] وَلِهَذَا قَالَ: {فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلا قَلِيلا} أَيْ: دَثَرت دِيَارُهُمْ فَلَا تَرَى إِلَّا مَسَاكِنَهُمْ.
وَقَوْلُهُ: {وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} أَيْ: رَجَعَتْ خَرَابًا لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ.
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ [هَاهُنَا](2) عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ سَمِعَ كَعْبًا يَقُولُ لِعُمْرَ: إِنَّ سُلَيْمَانَ عليه السلام (3) قَالَ لِلْهَامَّةِ -يَعْنِي الْبُومَةَ -مَا لَكِ لَا تَأْكُلِينَ الزَّرْعَ؟ قَالَتْ: لِأَنَّهُ أُخْرِجَ آدَمُ بِسَبَبِهِ مِنَ الْجَنَّةِ. قَالَ: فَمَا لَكِ لَا تَشْرَبِينَ الْمَاءَ؟ قَالَتْ: لِأَنَّ اللَّهَ أَغْرَقَ قَوْمَ نُوحٍ بِهِ. قَالَ: فَمَا لَكِ لَا تَأْوِينَ إِلَّا إِلَى الْخَرَابِ؟ قَالَتْ: لِأَنَّهُ مِيرَاثُ اللَّهِ عز وجل، ثُمَّ تَلَا {وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} .
ثُمَّ قَالَ اللَّهُ (4) مُخْبِرًا عَنْ عَدْلِهِ، وَأَنَّهُ لَا يُهْلِكُ أَحَدًا ظَالِمًا لَهُ، وَإِنَّمَا يُهْلِكُ مَنْ أَهْلَكَ بَعْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ، وَلِهَذَا قَالَ:{وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا} وَهِيَ مَكَّةُ {رَسُولا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا} . فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ، وَهُوَ مُحَمَّدٌ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ (5) ، الْمَبْعُوثَ مِنْ أُمِّ الْقُرَى، رَسُولٌ إِلَى جَمِيعِ الْقُرَى، مِنْ عَرَبٍ وَأَعْجَامٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا} [الشُّورَى: 7]، وَقَالَ تَعَالَى:{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الْأَعْرَافِ: 158]، وَقَالَ:{لأنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الْأَنْعَامِ: 19]، وَقَالَ:{وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ} [هُودٍ: 17] . وَتَمَامُ الدَّلِيلِ [قَوْلُهُ](6){وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا} [الْإِسْرَاءِ: 58] . فَأَخْبَرَ أَنَّهُ سَيُهْلِكُ كُلَّ قَرْيَةٍ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَقَدْ قَالَ:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} [الْإِسْرَاءِ: 15] . فَجَعَلَ تَعَالَى بِعْثَةَ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ شَامِلَةً لِجَمِيعِ الْقُرَى؛ لِأَنَّهُ مَبْعُوثٌ إِلَى (7) أُمِّهَا وَأَصْلِهَا الَّتِي تَرْجِعُ إِلَيْهَا. وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ (8)، أَنَّهُ قَالَ:"بُعِثْتُ إِلَى الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ". وَلِهَذَا خَتَمَ بِهِ الرِّسَالَةَ وَالنُّبُوَّةَ، فَلَا نَبِيَّ بَعْدَهُ وَلَا رَسُولَ، بَلْ شَرْعُهُ بَاقٍ بَقَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: {حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا} أَيْ: أَصْلِهَا وَعَظِيمَتِهَا، كَأُمَّهَاتِ الرَّسَاتِيقِ وَالْأَقَالِيمِ. حَكَاهُ الزَّمَخْشَرِيُّ وَابْنُ الجوزيّ، وغيرهما، وليس ببعيد.
(1) في ف: "بنعم الله" وفي أ: "نعم الله".
(2)
زيادة من ف، أ.
(3)
في ت: "صلى الله عليه وسلم".
(4)
في ت، ف:"تعالى".
(5)
في ت، ف، أ:"صلى الله عليه وسلم".
(6)
زيادة من ت، أ.
(7)
في ت، ف، أ:"في".
(8)
في ف، أ:"صلى الله عليه وسلم".