الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} أَيِ: الْمُدَبِّرُ لِهَذِهِ الْأُمُورِ الَّذِي هُوَ شَهِيدٌ عَلَى أَعْمَالِ عِبَادِهِ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ جَلِيلُهَا وَحَقِيرُهَا، وَصَغِيرُهَا وَكَبِيرُهَا -هُوَ {الْعَزِيزُ} الَّذِي قَدْ عَزَّ كلَّ شَيْءٍ فَقَهَرَهُ وَغَلَبَهُ، وَدَانَتْ لَهُ الْعِبَادُ وَالرِّقَابُ، {الرَّحِيمُ} بِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ. فَهُوَ عَزِيزٌ فِي رَحْمَتِهِ، رَحِيمٌ فِي عِزَّتِهِ [وَهَذَا هُوَ الْكَمَالُ: الْعِزَّةُ مَعَ الرَّحْمَةِ، وَالرَّحْمَةُ مَعَ الْعِزَّةِ، فَهُوَ رَحِيمٌ بِلَا ذُلٍّ] . (1)
{الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإنْسَانِ مِنْ طِينٍ
(7)
ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ (9) } .
يَقُولُ تَعَالَى: إِنَّهُ الَّذِي أَحْسَنَ خَلْقَ الْأَشْيَاءِ وَأَتْقَنَهَا وَأَحْكَمَهَا.
وَقَالَ مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ:{الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} قَالَ: أَحْسَنَ خَلْقَ كُلِّ شَيْءٍ. كَأَنَّهُ جَعَلَهُ مِنَ الْمُقَدَّمِ وَالْمُؤَخَّرِ.
ثُمَّ لما ذكر خلق السموات وَالْأَرْضِ، شَرَعَ فِي ذِكْرِ خَلْقِ الْإِنْسَانِ فَقَالَ:{وَبَدَأَ خَلْقَ الإنْسَانِ مِنْ طِينٍ} يَعْنِي: خَلَقَ أَبَا الْبَشَرِ آدَمَ مِنْ طِينٍ.
{ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ} أَيْ: يَتَنَاسَلُونَ كَذَلِكَ مِنْ نُطْفَةٍ تَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ صُلْبِ الرَّجُلِ وَتَرَائِبِ الْمَرْأَةِ.
{ثُمَّ سَوَّاهُ} يَعْنِي: آدَمَ، لَمَّا خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ خَلَقَهُ سَوِيًّا مُسْتَقِيمًا، {وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ} ، يَعْنِي: الْعُقُولَ، {قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ} أَيْ: بِهَذِهِ الْقُوَى الَّتِي رَزَقَكُمُوهَا اللَّهُ عز وجل. (2) فَالسَّعِيدُ مَنْ اسْتَعْمَلَهَا فِي طَاعَةِ رَبِّهِ عز وجل.
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنِ الْمُشْرِكِينَ فِي اسْتِبْعَادِهِمُ الْمَعَادَ حَيْثُ قَالُوا: {أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الأرْضِ} أَيْ: تَمَزَّقَتْ أَجْسَامُنَا وَتَفَرَّقَتْ فِي أَجْزَاءِ الْأَرْضِ (3) وَذَهَبَتْ، {أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} ؟ أَيْ: أَئِنَّا لَنَعُودُ بَعْدَ تِلْكَ الْحَالِ؟! يَسْتَبْعِدُونَ ذَلِكَ، (4) وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ بَعِيدٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى قُدْرَتهم الْعَاجِزَةِ، لَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى قُدْرة الَّذِي بَدَأَهُمْ وَخَلَقَهُمْ مِنَ الْعَدَمِ، الَّذِي إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ؛ وَلِهَذَا قَالَ:{بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ} .
ثُمَّ قَالَ: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} ، الظَّاهِرُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ مَلَكَ الموت شخص
(1) زيادة من ت، ف.
(2)
في ف، أ:"تعالى".
(3)
ف أ: "الأرضين".
(4)
في أ: "تلك الحال".
مُعَيَّنٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، كَمَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ فِي سُورَةِ "إِبْرَاهِيمَ"، (1) وَقَدْ سُمِّيَ فِي بَعْضِ الْآثَارِ بِعِزْرَائِيلَ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ، قَالَهُ قَتَادَةُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، وَلَهُ أَعْوَانٌ. وَهَكَذَا (2) وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ أَعْوَانَهُ يَنْتَزِعُونَ الْأَرْوَاحَ مِنْ سَائِرِ الْجَسَدِ، حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ تَنَاوَلَهَا مَلَكُ الْمَوْتِ.
قَالَ مُجَاهِدٌ: حُويت لَهُ الْأَرْضُ فَجُعِلَتْ لَهُ مِثْلَ الطَّسْتِ، يَتَنَاوَلُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ. (3) وَرَوَاهُ زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، بِنَحْوِهِ مُرْسَلًا. وَقَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي يَحْيَى الْمَقْرِيُّ، حَدَّثَنَا (4) عَمْرُو بْنُ شَمِرٍ (5) عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى مَلَكِ الْمَوْتِ عِنْدَ رَأْسِ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"يَا مَلَكَ الْمَوْتِ، ارْفُقْ بِصَاحِبِي فَإِنَّهُ مُؤْمِنٌ". فَقَالَ مَلَك الْمَوْتِ: يَا مُحَمَّدُ، طِبْ نَفْسًا وقَر عَيْنًا فَإِنِّي بِكُلِّ مُؤْمِنٍ رَفِيقٌ، وَاعْلَمْ أَنَّ مَا فِي الْأَرْضِ بَيْتُ مَدَر وَلَا شَعَر، فِي بَرٍّ وَلَا (6) بَحْرٍ، إِلَّا وَأَنَا أَتَصَفَّحُهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، حَتَّى إِنِّي أعرفُ (7) بِصَغِيرِهِمْ وَكَبِيرِهِمْ مِنْهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ، وَاللَّهِ يَا مُحَمَّدُ، لَوْ أَنِّي أَرَدْتُ أَنْ أَقْبِضَ رُوحَ بَعُوضَةٍ مَا قَدَرتُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ هُوَ الْآمِرُ بِقَبْضِهَا. (8)
قَالَ جَعْفَرُ: بَلَغَنِي أَنَّهُ إِنَّمَا يَتَصَفَّحَهُمْ عِنْدَ (9) مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ، فَإِذَا حَضَرَهُمْ عِنْدَ الْمَوْتِ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُحَافِظُ عَلَى الصَّلَاةِ دَنَا مِنْهُ الْمَلَكُ، وَدَفَعَ عَنْهُ الشَّيْطَانَ، وَلَقَّنَهُ المَلَك:"لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ" فِي تِلْكَ الْحَالِ الْعَظِيمَةِ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرة قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ (10) مَا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ مِنْ بَيْتِ شِعْرٍ أَوْ مَدَرٍ إِلَّا وَمَلَكُ الْمَوْتِ يُطيف بِهِ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ.
وَقَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: وَاللَّهِ مَا مِنْ بَيْتٍ فِيهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا إِلَّا وَمَلَكُ الْمَوْتِ يَقُومُ عَلَى بَابِهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعَ مَرَّاتٍ. يَنْظُرُ هَلْ فِيهِ أَحَدٌ أُمِرَ أَنْ (11) يَتَوَفَّاهُ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
وَقَوْلُهُ: {ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} أَيْ: يَوْمَ معادكم وقيامكم من قبوركم لجزائكم.
(1) عند الآية السابعة والعشرين، وقد جاء الحديث بتمامه في نسخة ت.
(2)
في ت: "كما".
(3)
في ت: شاء".
(4)
في ت: "وروى ابن أبي حاتم بإسناده عن".
(5)
في ت، ف، أ، هـ، "عمر بن سمرة" والتصويب من البداية والنهاية والمعجم.
(6)
في ت: "أو".
(7)
في ف، أ:"لأعرف".
(8)
ورواه الطبراني في المعجم الكبير (4/220) والبزار في مسنده برقم (784)"كشف الأستار" من طريق إسماعيل بن أبان، عن عمرو بن شمر الجعفي، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ الحارث بن الخزرج عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه، فأسنده ولم يرسله، ذكره الحافظ ابن حجر في الإصابة وقال:"عمرو بن شمر متروك الحديث".
(9)
في ف: "في".
(10)
في ت: "وقال مجاهد".
(11)
في ت، ف، أ:"وبه".