الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دَخل عَلَيْهِمُ الْأَعْدَاءُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ مِنْ جَوَانِبِ الْمَدِينَةِ، وقُطر مِنْ أَقْطَارِهَا، ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ، وَهِيَ الدُّخُولُ فِي الْكَفْرِ، لَكَفَرُوا سَرِيعًا، وَهُمْ لَا يُحَافِظُونَ عَلَى الْإِيمَانِ، وَلَا يَسْتَمْسِكُونَ بِهِ مَعَ أَدْنَى خَوْفٍ وَفَزَعٍ.
هَكَذَا فَسَّرَهَا قَتَادَةُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَهَذَا ذَمٌّ لَهُمْ فِي غَايَةِ الذَّمِّ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى يُذَكِّرُهُمْ بِمَا كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلِ هَذَا الْخَوْفِ، أَلَّا يُوَلُّوا الْأَدْبَارَ وَلَا يَفِرُّوا (1) مِنَ الزَّحْفِ، {وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولا} أَيْ: وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَيَسْأَلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ الْعَهْدِ، لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ.
ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ أَنَّ فرَارهم ذَلِكَ لَا يُؤَخِّرُ آجَالَهُمْ، وَلَا يُطَوِّلُ أَعْمَارَهُمْ، بَلْ رُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ سَبَبًا فِي تَعْجِيلِ أَخْذِهِمْ غِرَّةً؛ وَلِهَذَا قَالَ:{وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلا قَلِيلا} أَيْ: بَعْدَ هَرَبكم وَفِرَارِكُمْ، {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى} [النِّسَاءِ: 77] .
ثُمَّ قَالَ: {قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ} أَيْ: يَمْنَعُكُمْ، {إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا} أَيْ: لَيْسَ لَهُمْ وَلَا لِغَيْرِهِمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مُجِيرٌ وَلَا مُغِيثٌ (2) .
{قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لإخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلا قَلِيلا
(18)
أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (19) } .
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ إِحَاطَةِ عِلْمِهِ بِالْمُعَوِّقِينَ لِغَيْرِهِمْ عَنْ شُهُودِ الْحَرْبِ، وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ، أَيْ: أَصْحَابِهِمْ (3) وعُشَرائهمِ وَخُلَطَائِهِمْ {هَلُمَّ إِلَيْنَا} أَيْ: إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ مِنَ الْإِقَامَةِ فِي الظِّلَالِ وَالثِّمَارِ، وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ {لَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلا قَلِيلا. أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ} أَيْ: بُخَلَاءُ بِالْمَوَدَّةِ، وَالشَّفَقَةِ عَلَيْكُمْ.
وَقَالَ السُّدي: {أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ} أَيْ: فِي الْغَنَائِمِ.
{فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} أَيْ: مِنْ شَدَّةِ خَوْفِهِ وَجَزَعِهِ، وَهَكَذَا خَوْفُ هَؤُلَاءِ الْجُبَنَاءِ مِنَ الْقِتَالِ {فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ} أَيْ: فَإِذَا كَانَ الْأَمْنُ، تَكَلَّمُوا كَلَامًا بَلِيغًا فَصِيحًا عَالِيًا، وَادَّعُوا لِأَنْفُسِهِمُ الْمَقَامَاتِ الْعَالِيَةَ فِي الشَّجَاعَةِ وَالنَّجْدَةِ، وَهُمْ يَكْذِبُونَ فِي ذَلِكَ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {سَلَقُوكُمْ (4) } أي: استقبلوكم.
(1) في ت، ف:"ألا يولون ولا يفرون".
(2)
في ت، ف، أ:"من دون الله وليًا مجيرًا مغيثًا".
(3)
في ت: "أي لأصحابهم".
(4)
في أ: "سلقوكم بألسنة".