الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النَّارَ، فَلَا تَقَرُّ عَيْنُهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ حَبِيبَهُ فِي النَّارِ، وَإِنَّهَا الَّتِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} . وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَلَمْ يُخْرِجُوهُ (1) .
وَقَوْلُهُ: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَالسُّدِّيُّ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: أَئِمَّةً يُقْتَدَى بِنَا فِي الْخَيْرِ.
وَقَالَ غَيْرُهُمْ: هُدَاةً مُهْتَدِينَ (2)[وَدُعَاةً](3) إِلَى الْخَيْرِ، فَأَحَبُّوا أَنْ تَكُونَ عِبَادَتَهُمْ مُتَّصِلَةً بِعِبَادَةِ أَوْلَادِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ (4) وَأَنْ يَكُونَ هُدَاهُمْ مُتَعَدِّيًا (5) إِلَى غَيْرِهِمْ بِالنَّفْعِ، وَذَلِكَ أَكْثَرُ (6) ثَوَابًا، وَأَحْسَنُ مَآبًا؛ وَلِهَذَا وَرَدَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ، أَوْ عَلَمٍ يَنْتَفِعُ بِهِ مَنْ بَعْدَهُ، أَوْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ"(7) .
{أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا
(75)
خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76) قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77) } .
لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى مِنْ أَوْصَافِ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ مَا ذَكَرَ مِنْ [هَذِهِ](8) الصِّفَاتِ الْجَمِيلَةِ، وَالْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ (9) الْجَلِيلَةِ (10) -قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ:{أُوْلَئِك} أَيْ: الْمُتَّصِفُونَ بِهَذِهِ {يُجْزَوْن} أَيْ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ {الْغُرْفَةَ} وَهِيَ الْجَنَّةُ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الْبَاقِرُ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَالضَّحَّاكُ، والسُّدِّيّ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِارْتِفَاعِهَا.
{بِمَا صَبَرُوا} أَيْ: عَلَى الْقِيَامِ بِذَلِكَ {وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا} أَيْ: فِي الْجَنَّةِ {تَحِيَّةً وَسَلامًا} أَيْ: يُبْتَدرُون (11) فِيهَا بِالتَّحِيَّةِ وَالْإِكْرَامِ، وَيَلْقَوْنَ [فِيهَا](12) التَّوْقِيرَ وَالِاحْتِرَامَ، فَلَهُمُ السَّلَامُ وَعَلَيْهِمُ السَّلَامُ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ، سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بما صبرتم، فنعم عقبى الدَّارِ.
وَقَوْلُهُ: {خَالِدِينَ فِيهَا} أَيْ: مُقِيمِينَ، لَا يَظْعَنُونَ وَلَا يَحُولون وَلَا يَمُوتُونَ، وَلَا يَزُولُونَ عَنْهَا وَلَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هُودٍ: 108] .
وَقَوْلُهُ {حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} أَيْ: حسنت منظرا وطابت مَقيلا ومنزلا.
(1) المسند (6/2) .
(2)
في أ: "مهديين".
(3)
زيادة من أ.
(4)
في أ: "ذراريهم".
(5)
في أ: "متعد".
(6)
في أ: "أكبر".
(7)
صحيح مسلم برقم (1631) .
(8)
زيادة من ف، أ.
(9)
في ف، أ:"الأقوال والأفعال".
(10)
في أ: "الجميلة".
(11)
في أ: "يبتدون".
(12)
زيادة من ف، أ.
ثُمَّ قَالَ (1) تَعَالَى: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي} أَيْ: لَا يُبَالِي وَلَا يَكْتَرِثُ بِكُمْ إِذَا لَمْ تَعْبُدُوهُ؛ فَإِنَّهُ إِنَّمَا خَلَقَ الْخَلْقَ لِيَعْبُدُوهُ وَيُوَحِّدُوهُ وَيُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وَعَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ:{مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي} يَقُولُ: مَا يَفْعَلُ بِكُمْ رَبِّي.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ:{قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ} يَقُولُ: لَوْلَا إِيمَانُكُمْ، وَأَخْبَرَ اللَّهُ الْكَفَّارَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لَهُ بِهِمْ إِذْ لَمْ يَخْلُقْهُمْ مُؤْمِنِينَ، وَلَوْ كَانَ لَهُ بِهِمْ حَاجَةٌ لَحَبَّبَ إِلَيْهِمُ الْإِيمَانَ كَمَا حَبَّبَهُ (2) إِلَى الْمُؤْمِنِينَ.
وَقَوْلُهُ: {فَقَدْ كَذَّبْتُمْ} أَيْ: أَيُّهَا الْكَافِرُونَ {فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا} أَيْ: فَسَوْفَ يَكُونُ تَكْذِيبُكُمْ (3) لِزَامًا لَكُمْ، يَعْنِي: مُقْتَضِيًا لِهَلَاكِكُمْ وَعَذَابِكُمْ وَدَمَارِكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ يَوْمُ بَدْرٍ، كَمَا فَسَّرَهُ بِذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ، وَمُجَاهِدٌ، وَالضَّحَّاكُ، وَقَتَادَةُ، وَالسُّدِّيُّ، وَغَيْرُهُمْ.
وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: {فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا} يَعْنِي: يَوْمَ الْقِيَامَةِ. ولا منافاة بينهما. والله أعلم.
(1) في أ: "وقال".
(2)
في ف: "حبب".
(3)
في أ: "تكذيبهم".